كليات في علم الرجال

كليات في علم الرجال11%

كليات في علم الرجال مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: علم الرجال والطبقات
الصفحات: 530

كليات في علم الرجال
  • البداية
  • السابق
  • 530 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 153728 / تحميل: 5797
الحجم الحجم الحجم
كليات في علم الرجال

كليات في علم الرجال

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

مصنف هذا الكتاب له كتاب « الجمعة وما ورد فيه من الاعمال » ، وكتاب « الكوفة وما فيها من الاثار والفضائل » ، وكتاب « أنساب بني نصر بن قعين وأيامهم وأشعارهم » ، وكتاب « مختصر الانوار » و « مواضع النجوم التي سمتها العرب »(١) .

وقد ذكر في ديباجة الكتاب الحوافز التي دعته الى تأليف فهرسه وقال : « فأني وقفت على ما ذكره السيد الشريف ـ أطال الله بقاه وأدام توفيقه ـ من تعيير قوم من مخالفينا أنه لا سلف لكم ولا مصنف ، وهذا قول من لا علم له بالناس. ولا وقف على أخبارهم ، ولا عرف منازلهم وتاريخ أخبار أهل العلم ، ولا لقي أحداً فيعرف منه ولا حجة علينا لمن لا يعلم ولا عرف ، وقد جمعت من ذلك ما استطعته ولم أبلغ غايته ، لعدم أكثر الكتب وانما ذكرت ذلك عذراً الى من وقع اليه كتاب لم أذكره الى أن قال : على أن لاصحابنارحمهم‌الله في بعض هذا الفن كتباً ليست مستغرقة لجميع ما رسم ، وأرجو أن يأتي في ذلك على ما رسم وحُدَّ ان شاء الله ، وذكرت لكل رجل طريقاً واحداً حتى لا يكثر الطرق فيخرج عن الغرض(٢) .

اقول : الرجل نقاد هذا الفن ومن أجلائه وأعيانه ، وحاز قصب السبق في ميدانه ، قال العلاّمة في الخلاصة : « ثقة معتمد عليه ، له كتاب الرجال نقلنا منه في كتابنا هذا وغيره أشياء كثيرة ، وتوفي بمطير آباد في جمادي الاولى سنة خمسين واربعمائة وكان مولده في صفر سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة(٣) .

وقد اعتمد عليه المحقق في كتاب المعتبر. فقد قال في غسالة ماء الحمام : « وابن جمهور ضعيف جداً ذلك النجاشي في كتاب الرجال »(٤) .

__________________

١ ـ رجال النجاسي : الرقم ٢٥٣.

٢ ـ رجال النجاشي : ٣.

٣ ـ رجال العلامة : ٢٠ ـ ٢١ ، طبعة النجف.

٤ ـ المعتبر : ١ / ٩٢.

٦١

وأطراه كل من تعرض له ، فهو أبو عذر هذا الامر وسابق حلبته كما لا يخفى ، ولكتابه هذا امتيازات نشير اليها :

الاول : اختصاصه برجال الشيعة كما ذكر في مقدمته ، ولا يذكر من غير الشيعي إلا إذا كان عامياً روى عنا ، أو صنف لنا فيذكره مع التنبيه عليه ، كالمدائني والطبري وكذا في شيعي غير امامي فيصرح كثيراً وقد يسكت.

الثاني : تعرضه لجرح الرواة وتعديلهم غالباً استقلالاً أو استطراداً ، ورب رجل وثقه في ضمن ترجمة الغير ، وربما أعرض عن التعرض بشيء من الوثاقة والضعف في حق بعض من ترجمهم.

نعم ، ربما يقال : كل من أهمل فيه القول فذلك آية ان الرجل عنده سالم عن كل مغمز ومطعن ، ولكنه غير ثابت ، حيث ان كتابه ليس الا مجرد فهرس لمن صنف من الشيعة أو صنف لهم دون الممدوحين والمذمومين ، وليس يجب على مؤلف حول الرجال ، أن يتعرض للمدح والذم ، فسكوته ليس دليلاً على المدح ولا على كونه شيعياً امامياً ، وان كان الكتاب موضوعاً لبيان الشيعة أو من صنف لهم ، لكن الاخير ( عدم دلالته على كونه شيعياً امامياً ) موضع تأمل ، لتصريحه بأن الكتاب لبيان تآليف الاصحاب ومصنفاتهم ، فما دام لم يصرح بالخلاف يكون الاصل كونه امامياً.

الثالث : تثّبته في مقالاته وتأمله في افاداته ، والمعروف أنه أثبت علماء الرجال وأضبطهم واضبط من الشيخ والعلاّمة ، لان البناء على كثرة التأليف يقتضي قلة التأمل. وهذا الكلام وان كان غير خال عن التأمل لكنه جار على الغالب.

الرابع : سعة معرفته بهذا الفن ، وكثرة اطلاعه بالاشخاص ، وما يتعلق بهم من الاوصاف والانساب وما يجري مجراهما ، ومن تتبع كلامه عند ذكر الاشخاص يقف على نهاية معرفته بأحوال الرجال وشدة احاطته بما يتعلق بهذا

٦٢

المجال من جهة معاصرته ومعاشرته لغير واحد منهم ، كما يشهد استطراقه ذكر امور لا يطلع عليها الا المصاحب ولا يعرفها غير المراقب الواجد(١) .

وقد حصل له هذا الاطلاع الواسع بصحبته كثيراً من العارفين بالرجال كالشيخ أحمد بن الحسين الغضائري ، والشيخ أحمد بن علي بن عباس بن نوح السيرافي(٢) ، وأحمد بن محمد « ابن الجندي »(٣) ، وابي الفرج محمد بن علي بن يعقوب بن اسحاق بن ابي قرة الكاتب(٤) ، وغيره من نقاد هذا الفن وأجلائه(٥) .

الخامس : أنه ألف فهرسه بعد فهرس الشيخ الطوسي بشهادة أنه ترجمه وذكر فيه فهرس الشيخ(٦) والسابر في فهرس النجاشي يقف على أنه كان ناظراً لفهرس معاصره ولعل بعض ما جاء فيه ـ مخالفاً لما في فهرس الشيخ ـ كان لغاية التصحيح ، وكان المحقق البروجرديقدس‌سره يعتقد بأن فهرس النجاشي كالذيل لفهرس الشيخ.

وأخيراً نقول : إن المعروف في وفاته هو أنه توفّي عام ٤٥٠ هـ ، ونص عليه العلاّمة في خلاصته ، لكن القارئ يجد في طيّات الكتاب أنه أرخ فيه وفاة محمد بن الحسن بن حمزة الجعفري عام ٤٦٣ هـ(٧) . ولازم ذلك أن يكون حيّاً الى هذه السنة ، ومن المحتمل أن تكون الزيادة من النسّاخ أو القرّاء ، وكانت

__________________

١ ـ لاحظ ترجمة سليمان بن خالد ، الرقم ٤٨٤ ، وترجمة سلامة بن محمد ، الرقم ٥١٤ ، في نفس الكتاب تجد مدى اطلاعه على أحوال الرجال.

٢ ـ رجال النجاشي : الرقم ١٠٩.

٣ ـ قال في رجاله بالرقم ٢٠٦ : أحمد بن محمد بن عمران بن موسى ، ابو الحسن المعروف بـ « ابن الجندي » استاذنارحمه‌الله الحقنا بالشيوخ في زمانه.

٤ ـ لاحظ رجال النجاشي : الرقم ١٠٦٦

٥ ـ لاحظ سماء المقال : ١ / ٥٩ ـ ٦٦.

٦ ـ لاحظ رجال النجاشي : الرقم ١٠٦٨.

٧ ـ لاحظ رجال النجاشي : الرقم ١٠٧٠.

٦٣

الزيادة في الحاشية ، ثمَّ أدخلها المتأخرون من النساخ في المتن زاعمين أنه منه كما اتفق ذلك في غير مورد.

ثم إن الشيخ النجاشي قد ترجم عدَّة من الرواة ووثقهم في غير تراجمهم ، كما أنه لم يترجم عدَّة من الرواة مستقلا ، ولكن وثقهم في تراجم غيرهم ، ولاجل اكمال البحث عقدنا العنوانين التاليين لئلاً يفوت القارئ فهرس الموثوقين في تراجم غيرهم :

الأول : من لهم تراجم ولكن وثّقوا في تراجم غيرهم.

١ ـ أحمد بن محمد بن محمد بن سليمان الزراري ، وثقه في ترجمة جعفر بن محمد بن مالك ( الرقم ٣١٣ ).

٢ ـ سلمة بن محمد بن عبدالله الخزاعي ، وثَّقه في ترجمة أخيه منصور بن محمد ( الرقم ١٠٩٩ ).

٣ ـ شهاب بن عبد ربه الاسدي ، وثقه في ترجمة ابن أخيه اسماعيل بن عبد الخالق ( الرقم ٥٠ ).

٤ ـ صالح بن خالد المحاملي الكناسي ، وثَّقه في باب الكُنى في ترجمة ابي شعيب المحاملي ( الرقم ١٢٤٠ ).

٥ ـ عمرو بن منهال بن مقلاص القيسي ، وثَّقه في ترجمة ابنه حسن بن عمرو بن منهال ( الرقم ١٣٣ ).

٦ ـ محمد بن عطية الحناط ، وثقه في ترجمة أخيه الحسن بن عطية الحناط ( الرقم ٩٣ ).

٧ ـ محمد بن همام بن سهيل الاسكافي ، وثقه في ترجمة جعفر بن محمد بن مالك الفزاري ( الرقم ٣١٣ ).

الثاني : من ليس لهم ترجمة ولكن وثَّقوا في تراجم الغير :

٦٤

١ ـ أحمد بن محمد بن الهيثم العجلي ، وثقه في ترجمة ابنه الحسن ( الرقم ١٥١ ).

٢ ـ اسد بن اعفر المصري ، وثقه في ترجمة ابنه داود ( الرقم ٤١٤ ).

٣ ـ اسماعيل بن أبي السمال الاسدي ، وثقه في ترجمة أخيه إبراهيم ( الرقم ٣٠ ).

٤ ـ اسماعيل بن الفضل بن يعقوب النوفلي ، وثقه في ترجمة ابن أخيه الحسين بن محمد بن الفضل ( الرقم ١٣١ ).

٥ ـ جعفر بن إبراهيم الطالبي الجعفري ، وثقه في ترجمة ابنه سليمان ( الرقم ٤٨٣ ).

٦ ـ حسن بن ابي سارة الرواسي ، وثقه في ترجمة ابنه محمد ( الرقم ٨٨٣ ).

٧ ـ حسن بن شجرة بن ميمون الكندي ، وثقه في ترجمة اخيه علي ( الرقم ٧٢٠ ).

٨ ـ حسن بن علوان الكلبي ، وثقه في ترجمة اخيه الحسين ( الرقم ١١٦ ).

٩ ـ حسن بن محمد بن خالد الطيالسي ، وثقه في ترجمة اخيه عبد الله ( الرقم ٥٧٢ ).

١٠ ـ حفص بن سابور الزيّات ، وثقه في ترجمة اخيه بسطام ( الرقم ٢٨٠ ).

١١ ـ حفص بن سالم ، وثقه في ترجمة أخيه عمر ( الرقم ٧٥٨ ).

١٢ ـ حيّان بن علي العنزي ، وثقه في ترجمة أخيه مندل ( الرقم ١١٣١ ).

٦٥

١٣ ـ زكريا بن سابور الزيات ، وثقه في ترجمة أخيه بسطام ( الرقم ٢٨٠ ).

١٤ ـ زياد بن سابور الزيّات ، وثقه في ترجمة أخيه بسطام ( الرقم ٢٨٠ ).

١٥ ـ زياد بن أبي الجعد الاشجعي ، وثقه في ترجمة ابن ابنه رافع ابن سلمة ( الرقم ٤٤٧ ).

١٦ ـ زياد بن سوقة العمري ، وثقه في ترجمة أخيه حفص ( الرقم ٣٤٨ ).

١٧ ـ سلمة بن زياد بن أبي الجعد الاشجعي ، وثقه في ترجمة ابنه رافع ( الرقم ٤٤٧ ).

١٨ ـ شجرة بن ميمون بن ابي أراكة الكندي ، وثقه في ترجمة ابنه علي ( الرقم ٧٢٠ ).

١٩ ـ صباح بن موسى الساباطي ، وثقه في ترجمة أخيه عمار ( الرقم ٧٧٩ ).

٢٠ ـ عبد الاعلى بن علي أبي شعبة الحلبي ، وثقه في تراجم ابن عمه أحمد بن عمر ( الرقم ٢٤٥ ) وأخويه عبيدالله ( الرقم ٦١٢ ) ومحمد ( الرقم ٨٨٥ ).

٢١ ـ عبد الخالق بن عبد ربه الاسدي ، وثقه في ترجمة ابنه اسماعيل ( الرقم ٥٠ ).

٢٢ ـ عبد الرحمن بن أبي عبدالله البصري ، وثقه في ترجمة ابن ابنه اسماعيل بن همام ( الرقم ٦٢ ).

٢٣ ـ عبد الرحيم بن عبد ربه الاسدي ، وثقه في ترجمة ابن اخيه اسماعيل بن عبد الخالق ( الرقم ٥٠ ).

٢٤ ـ عبدالله بن رباط البجلي ، وثقه في ترجمة ابنه محمد ( الرقم ٩٥٥ ).

٦٦

٢٥ ـ عبدالله بن عثمان بن عمرو الفزاري ، وثقه في ترجمة أخيه حمّاد ( الرقم ٣٧١ ).

٢٦ ـ عبد الملك بن سعيد الكناني ، وثقه في ترجمة أخيه عبدالله ( الرقم ٥٦٥ ).

٢٧ ـ عبد الملك بن عتبة النخعي ، وثقه في ترجمة عبد الملك بن عتبة الهاشمي ( الرقم ٦٣٥ ).

٢٨ ـ علي بن ابي شعبة الحلبي ، وثقه في ترجمة ابنه عبيدالله ( الرقم ٦١٢ ).

٢٩ ـ علي بن بشير ، وثقه في ترجمة أخيه محمد ( الرقم ٩٢٧ ).

٣٠ ـ علي بن عطية الحناط ، وثقه في ترجمة أخيه الحسن ( الرقم ٩٣ ).

٣١ ـ عمران بن علي بن ابي شعبة الحلبي ، وثقه في تراجم ابن عمه أحمد بن عمر ( الرقم ٢٤٥ ) وأخويه عبيد الله ( الرقم ٦١٢ ) ومحمد ( الرقم ٨٨٥ ).

٣٢ ـ عمر بن ابي شعبة الحلبي ، وثقه في ترجمة ابن اخيه عبيدالله بن علي ( الرقم ٦١٢ ).

٣٣ ـ عمرو بن مروان اليشكري ، وثقه في ترجمة أخيه عمّار ( الرقم ٧٨٠ ).

٣٤ ـ قيس بن موسى الساباطي ، وثقه في ترجمة أخيه عمّار ( الرقم ٧٧٩ ).

٣٥ ـ أبو خالد ، محمد بن مهاجر بن عبيد الأزدي ، وثقه في ترجمة ابنه اسماعيل ( الرقم ٤٦ ).

٦٧

٣٦ ـ محمد بن الهيثم العجلي ، وثقه في ترجمة ابن ابنه الحسن بن أحمد ( الرقم ١٥١ ).

٣٧ ـ محمد بن سوقة العمري ، وثقه في ترجمة أخيه حفص ( الرقم ٣٤٨ ).

٣٨ ـ معاذ بن مسلم بن أبي سارة ، وثقه في ترجمة ابن عمّه محمد بن الحسن ( الرقم ٨٨٣ ).

٣٩ ـ همّام بن عبد الرحمن بن ميمون البصري ، وثقه في ترجمة ابنه اسماعيل ( الرقم ٦٢ ).

٤٠ ـ يعقوب بن إلياس بن عمرو البجلي ، وثقه في ترجمة اخيه عمرو ( الرقم ٧٧٢ ).

٤١ ـ ابو الجعد الاشجعي ، وثقه في ترجمة ابن حفيده رافع بن سلمة بن زياد ( الرقم ٤٤٧ ).

٤٢ ـ ابو شعبة الحلبي ، وثَّقه في ترجمة ابن ابنه عبيدالله بن علي ( الرقم ٦١٢ ).

٤٣ ـ ابو عامر بن جناح الأزدي ، وثقه في ترجمة اخيه سعيد ( الرقم ٥١٢ ).

٣ ـ رجال الشيخ

تأليف الشيخ محمد بن الحسن الطوسي ( المولود عام ٣٨٥ هـ ، والمتوفّى عام ٤٦٠ هـ ) فقد جمع في كتابه « أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والائمةعليهم‌السلام » حسب ترتيب عصورهم.

يقول المحقّق التستري ـ دام ظله ـ : « إن مسلك الشيخ في رجاله يغاير

٦٨

مسلكه في الفهرس ومسلك النجاشي في فهرسه ، حيث إنه أراد في رجاله استقصاء اصحابهم ومن روى عنهم مؤمناً كان او منافقاً ، إمامياً كان او عامياً ، فعدَّ الخلفاء ومعاوية وعمرو بن العاص ونظراءهم من اصحاب النبي ، وعدَّ زياد بن ابيه وابنه عبيدالله بن زياد من اصحاب أمير المؤمنين ، وعدَّ منصوراً الدوانيقي من اصحاب الصادقعليه‌السلام بدون ذكر شيء فيهم ، فالاستناد اليه ما لم يحرز إمامية رجل غير جائز حتى في اصحاب غير النبي وأمير المؤمنين ، فكيف في أصحابهما؟! »(١) .

ومع ذلك فلم يأت بكل الصحابة ، ولا بكل أصحاب الائمة ، ويمكن أن يقال : ان الكتاب حسب ما جاء في مقدمته أُلف لبيان الرواة عن الائمة ، فالظاهر كون الراوي إمامياً ما لم يصرح بالخلاف أو لا أقل شيعياً فتدبر.

وكان سيدنا المحقق البروجردي يقول : « ان كتاب الرجال للشيخ كانت مذكرات له ولم يتوفق لاكماله ، ولاجل ذلك نرى انه يذكر عدة أسماء ولا يذكر في حقهم شيئاً من الوثاقة والضعف ولا الكتاب والرواية ، بل يعدهم من أصحاب الرسول والائمة فقط ».

٤ ـ فهرس الشيخ

وهو لهقدس‌سره فقد أتى بأسماء الذين لهم أصل أو تصنيف(٢) .

ان الشيخ الطوسي مؤلف الرجال والفهرس أظهر من أن يعرّف ، اذ هو الحبر الذي تقتطف منه أزهار العلوم ، ويقتبس منه أنواع الفضل ، فهو رئيس المذهب والملة ، وشيخ المشايخ الاجلة ، فقد أطراه كل من ذكره ، ووصفه بشيخ الطائفة على الاطلاق ، ورئيسها الذي تلوي اليه الاعناق. صنَّف في

__________________

١ ـ قاموس الرجال : ١ / ١٩.

٢ ـ سيوافيك الفرق بين الاصل والتصنيف في الابحاث الاتية.

٦٩

جميع علوم الاسلام ، فهو مضافاً الى اختيار الكشي ، صنف الفهرس والرجال.

أما الفهرس فهو موضوع لذكر الاصول والمصنفات ، وذكر الطرق اليها غالباً وهو يفيد من جهتين :

الاولى : في بيان الطرق الى نفس هذه الاصول والمصنفات.

الثانية : ان الشيخ نقل في التهذيب روايات من هذه الاصول والمصنفات ، ولم يذكر طريقه إلى تلك الأُصول والمصنفات ، لا في نفس الكتاب ولا في خاتمة الكتاب ، ولكن ذكر طريقه إليها في الفهرس ، بل ربما يكون مفيداً من وجه ثالث وهو أنه ربما يكون طريق الشيخ الى هذه الاصول والمصنفات ضعيفاً في التهذيب ، ولكنه صحيح في الفهرس ، فيصح توصيف الخبر بالصحة لاجل الطريق الموجود في الفهرس ، لكن بشرط أن يعلم أن الحديث مأخوذ من نفس الكتاب. وعلى كل تقدير فالفهرس موضوع لبيان مؤلفي الشيعة على الاطلاق سواء كان امامياً أو غيره.

قال في مقدمته : « فاذا ذكرت كل واحد من المصنفين واصحاب الاصول فلا بد أن اشير الى ما قيل فيه من التعديل والتجريح ، وهل يعوّل على روايته أو لا؟ وابين اعتقاده وهل هو موافق للحق أو هو مخالف له؟ لان كثيراً من مصنفي أصحابنا وأصحاب الاصول ينتحلون المذاهب الفاسدة وان كانت كتبهم معتمدة ، فأذا سهل الله اتمام هذا الكتاب فأنّه يطلع على اكثر ما عمل من التصانيف والاصول ويعرف به قدر صالح من الرجال وطرائقهم »(١) .

ولكنهقدس‌سره لم يف بوعده في كثير من ذوي المذاهب الفاسدة فلم يقل في إبراهيم بن أبي بكير بن أبي السمال شيئاً مع أنه كان واقفياً كما

__________________

١ ـ الفهرس : « الطبعة الاولى » الصفحة ٢ و : « الطبعة الثانية » الصفحة ٢٤ ـ ٢٥.

٧٠

صرح به الكشي والنجاشي ، ولم يذكر شيئاً في كثير من الضعفاء حتّى في مثل الحسن بن علي السجاد الذي كان يفضّل أبا الخطّاب على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والنجاشي مع أنه لم يعد ذلك في أول كتابه ، أكثر ذكراً منه بفساد مذهب الفاسدين وضعف الضعفاء(١) .

٥ ـ رجال البرقي

كتاب الرجال للبرقي كرجال الشيخ ، ذكر فيه أسماء أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والائمة الى الحجة صاحب الزمانعليهم‌السلام ولا يوجد فيه أي تعديل وتجريح ، وذكر النجاشي في عداد مصنفات البرقي كتاب الطبقات ، ثم ذكر ثلاثة كتب اخر ثم قال : « كتاب الرجال » ( الرقم ١٨٢ ).

والموجود هو الطبقات المعروف برجال البرقي ، المطبوع مع رجال أبي داود في طهران ، واختلفت كلماتهم في أن رجال البرقي هل هو تأليف أحمد بن محمد بن خالد البرقي صاحب المحاسن ( المتوفّى عام ٢٧٤ هـ أو عام ٢٨٠ هـ ) أو تأليف أبيه ، والقرائن تشهد على خلاف كلتا النظريتين واليك بيانها :

١ ـ انه كثيراً ما يستند في رجاله الى كتاب سعد بن عبدالله بن أبي خلف الاشعري القمي ( المتوفّى ٣٠١ هـ أو ٢٩٩ هـ ) وسعد بن عبدالله ممن يروي عن أحمد بن محمد بن خالد فهو شيخه ، ولا معنى لاستناد البرقي الى كتاب تلميذه(٢) .

٢ ـ وقد عنون فيه عبدالله بن جعفر الحميري وصرح بسماعه وهو مؤلف قرب الاسناد وشيخ القميين ، وهو يروي عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي ، فيكون البرقي شيخه ، فكيف يصرح بسماعه منه؟(٣) .

__________________

١ ـ لاحظ قاموس الرجال : ١ / ١٨.

٢ ـ رجال البرقي : ٢٣ ، ٣٢ ، ٣٤ ، ٣٥ ، ٤٦ ، ٥٣.

٣ ـ رجال البرقي : ٦٠ ، ٦١.

٧١

٣ ـ وقد عنون فيه أحمد بن أبي عبدالله ، وهو نفس أحمد بن محمد بن خالد البرقي المعروف ، ولم يذكر أنه مصنف الكتاب كما هو القاعدة فيمن يذكر نفسه في كتابه ، كما فعل الشيخ والنجاشي في فهرسيهما والعلاّمة وابن داود في كتابيهما(١) .

٤ ـ وقد عنون محمد بن خالد ولم يشر الى أنه أبوه(٢) .

وهذه القرائن تشهد أنه ليس تأليف البرقي ولا والده ، وهو إمّا من تأليف ابنه أعني أحمد بن عبد الله بن أحمد البرقي ـ الذي يروي عنه الكليني ، أو تأليف نجله ـ أعني أحمد بن عبد الله بن أحمد البرقي ـ الّذي يروي عنه الصدوق ، والثاني أقرب لعنوانه سعداً والحميري اللذين يعدان معاصرين للابن وفي طبقة المشيخة للنَّجل(٣) .

٦ ـ رسالة أبي غالب الزراري

وهي رسالة للشيخ أبي غالب ، أحمد بن محمد الذي ينتهي نسبه الى بكير بن أعين. وهذه الرسالة في نسب آل أعين ، وتراجم المحدثين منهم ، كتبها أبو غالب الى ابن ابنه « محمد بن عبدالله بن أبي غالب » وهي اجازة منه سنة ٣٥٦ هـ ، ثمَّ جدَّدها في سنة ٣٦٧هـ ، وتوفي بعد ذلك بسنة ( اي سنة ٣٦٨هـ ) وكانت ولادته سنة ٢٨٥ هـ ، ذكر في تلك الرسالة بضعة وعشرين من مشايخه ، منهم : جدّه أبو طاهر الذي مات سنة ٣٠٠ هـ(٤) ، ومنهم : عبدالله بن جعفر الحميري الذي ورد الكوفة سنة ٢٩٧ هـ(٥) .

__________________

١ ـ رجال البرقي : ٥٧ ـ ٥٩.

٢ ـ رجال البرقي : ٥٠ ، ٥٤ ، ٥٥.

٣ ـ لاحظ قاموس الرجال : ١ / ٣١.

٤ ـ رسالة في آل أعين : ٣٨ ، من النسخة المطبوعة مع شرح العلاّمة الابطحي.

٥ ـ رسالة في آل أعين : ٣٨.

٧٢

وفي أواخر الرسالة ذكر فهرس الكتب الموجودة عنده ، التي يرويها هو عن مؤلفيها ، وتبلغ مائة واثنين وعشرين كتابا وجزءاً ، واجاز لابن ابنه المذكور روايتها عنه وقال : « ثبت الكتب التي أجزت لك روايتها على الحال التي قدَّمت ذكرها »(١) .

قال العلاّمة الطهراني : « وفي هذا الكتاب تراجم كثيرة من آل أعين الذين كان منهم في عصر واحد اربعون محدثاً. قال فيه : ولم يبق في وقتي من آل أعين أحدٌ يروي الحديث ، ولا يطلب العلم ، وشححت على أهل هذا البيت الذي لم يخل من محدث أن يضمحل ذكرهم ، ويدرس رسمهم ، ويبطل حديثهم من أولادهم »(٢) .

وبالجملة ، هذه الرسالة مع صغر حجمها تعدّ من الاصول الرجالية وهي بعينها مندرجة في « كشكول » المحدث البحراني.

وطبعت أخيراً مع شرح العلاّمة الحجة السيد محمد علي الابطحي ـ شكر الله مساعيه ـ وفيه فوائد مهمة.

٧ ـ مشيخة الصدوق

وهي تأليف الشيخ الصَّدوق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه المولود بدعاء الحجة صاحب الزمان ـ عجل الله تعالى فرجه الشريف ـ عام ٣٠٦ هـ ، والمتوفّى عام ٣٨١ هـ ، وهو أوسط المحمدين الثلاثة المصنفين للكتب الاربعة ، وهو قد سلك في كتابه هذا مسلكاً غير ما سلكه الشيخ الكليني ، فإن ثقة الاسلام يذكر جميع السند غالباً إلا قليلاً ، اعتماداً على ما ذكره في الاخبار السابقة ، واما الشيخ الصدوق في كتاب « من لا يحضره

__________________

١ ـ رسالة في آل عين : ٤٥.

٢ ـ رسالة في آل أعين : ٤٢.

٧٣

الفقيه » فهو بنى من أول الامر على اختصار الاسانيد ، وحذف اوائل الاسناد ، ثم وضع في آخره مشيخة يعرف بها طريقه إلى من روى عنه ، فهي المرجع في اتصال سنده في أخبار هذا الكتاب ، وهذه المشيخة احدى الرسائل الرجالية التي لا تخلو من فوائد ، وقد أدرجها الصدوقرحمه‌الله في آخر كتابه « من لا يحضره الفقيه ».

٨ ـ مشيخة الشيخ الطوسي في كتابي : التهذيب والاستبصار

وهي كمشيخة الصدوق ، فقد صدر الشيخ أحاديث الكتابين بأسماء اصحاب الاصول والمصنفات ، وذكر سنده اليهم في مشيخة الكتابين التي جعلها في آخر كل من الكتابين. وسيوافيك البحث حول المشيختين.

توالي التأليف في علم الرجال

وقد توالى التأليف في علم الرجال بعد هذه الاصول الثمانية ، ولكن لا يقاس في الوزن والقيمة بها ، ولاجل ذلك يجب الوقوف عليها واستخراج ما فيها من النصوص في حق الرواة ، وسيوافيك وجه الفرق بين هذه الكتب وما ألف بعدها وقيمة توثيق المتأخرين.

الفرق بين الرجال والفهرس

قد أومأنا إلى ان الصحيح هو تسمية كتاب النجاشي بالفهرس لا بالرجال ، ولإكمال البحث نقول :

الفرق بين كتاب الرجال وفهرس الاصول والمصنفات ، أن الرجال ما كان مبنياً على بيان طبقات اصحابهمعليهم‌السلام (١) كما عليه رجال الشيخ ،

__________________

١ ـ قاموس الرجال : ١ / ٣٣ ، واضاف : ان اصل رجال الكشي كان على الطبقات والظاهر انه يكفي في هذا النوع من التأليف ذكر الاشخاص على ترتيب الطبقات وان لم يكن على طبقات اصحابهمعليهم‌السلام ، والموجود من الكشي هو النمط الاول.

٧٤

حيث شرع بتدوين أسماء اصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم الامام عليعليه‌السلام وهكذا.

وأما الفهارس ; فيكتفي فيها بمجرد ذكر الاصول والمصنفات ومؤلفيها وذكر الطرق اليها ، ولاجل ذلك ترى النجاشي يقول في حق بعضهم ، « ذكره اصحاب الفهرس » ، وفي بعضهم : « ذكره اصحاب الرجال » ، ويؤيد ذلك ما ذكره نفس النجاشي وفي مقدمة الجزء الاول من الكتاب(١) وفي اول الجزء الثاني منه حيث يصفه بقوله : « الجزء الثاني من كتاب فهرس اسماء مصنفي الشيعة وذكر طرف من كناهم وألقابهم ومنازلهم وأنسابهم وما قيل في كل رجل منهم من مدح أو ذمّ »(٢) .

قال المحقّق التستري : « إن كتب فن الرجال العامّ على انحاء : منها بعنوان الرجال المجرد ومنها بعنوان معرفة الرجال ، ومنها بعنوان تاريخ الرجال ، ومنها بعنوان الفهرس ، ومنها بعنوان الممدوحين والمذمومين ، ومنها بعنوان المشيخة ، ولكل واحد موضوع خاص »(٣) .

__________________

١ ـ رجال النجاشي : ٣.

٢ ـ رجال النجاشي : ٢١١.

٣ ـ قاموس الرجال : ١ / ١٨.

٧٥
٧٦

٢ ـ رجال ابن الغضائري

* ترجمة الغضائري.

* ترجمة ابن الغضائري.

* كيفية وقوف العلماء على كتاب الضعفاء.

* هل الكتاب للغضائري او لابنه؟

* الضعفاء رابع كتبه.

* قيمته عند العلماء.

٧٧
٧٨

من الكتب الرجالية المؤلفة في العصور المتقدمة التي تعد عند البعض من أمهات الكتب الرجالية ، الكتاب الموسوم بـ « رجال الغضائري » تارة و « رجال ابن الغضائري » اخرى ، وليس هو إلا كتابُ « الضعفاء » الذي أدرجه العلاّمة في خلاصته ، والقهبائي في مجمعه. ولرفع السّتر عن وجه الحقيقة يجب الوقوف على امور.

واليك البحث عنها واحداً بعد الاخر :

أ ـ ترجمة الغضائري

الحسين بن عبيدالله بن إبراهيم الغضائري من رجال الشيعة وهو معني في كتب الرجال بإكبار.

قال النجاشي : « شيخنارحمه‌الله له كتب » ثم ذكر أسماء تآليفه البالغة الى أربعة عشر كتاباً ولم يسمّ أي كتاب في الرجال ، ثم قال : « اجازنا جميعها وجميع رواياته عن شيوخه وماترحمه‌الله في منتصف شهر صفر سنة احدى عشر وأربعمائة »(١) .

__________________

١ ـ رجال النجاشي : الرقم ١٦٦.

٧٩

وقال الشيخ في رجاله : « الحسين بن عبيدالله الغضائري يكنى أبا عبد الله كثير السماع ، عارف بالرجال وله تصانيف ذكرناها في الفهرس ، سمعنا منه وأجاز لنا بجميع رواياته. مات سنة احدى عشرة وأربعمائة »(١) . ولكن النسخ الموجودة من الفهرس خالية من ترجمته ولعل ذلك صدر منهرحمه‌الله سهواً ، أو سقط من النسخ المطبوعة ، ولا يخفى أن هذه التعابير دالة على وثاقة الرجل. بل يكفي كونه من مشايخ النجاشي والشيخ ، وقد ثبت في محله ـ وسيوافيك ـ أن مشايخ النجاشي كلهم ثقات.

ب ـ ترجمة ابن الغضائري

هو أحمد بن الحسين بن عبيدالله ذكره الشيخ في مقدمة الفهرس وقال : « اني لما رأيت جماعة من شيوخ طائفتنا من أصحاب الحديث عملوا فهرس كتب اصحابنا وما صنفوه من التصانيف ورووه من الاصول ، ولم أجد أحداً استوفى ذلك الا ما قصده أبو الحسين أحمد بن الحسين بن عبيداللهرحمه‌الله فانه عمل كتابين ، أحدهما ذكر فيه المصنفات والاخر ذكر فيه الاصول ، واستوفاهما على مبلغ ما وجده وقدر عليه ، غير أن هذين الكتابين لم ينسخهما أحد من أصحابنا واخترم هو وعمد بعض ورثته الى اهلاك هذين الكتابين وغيرهما من الكتب على ما حكى بعضهم عنه »(٢) .

وهذه العبارة تفيد أنه قد تلف الكتابان قبل استنساخهما ، غير أن النجاشي كما سيوافيك ينقل عنه بكثرة والمنقول عنه غير هذين الكتابين كما سيوافيك بيانه.

ويظهر من النجاشي في ترجمة أحمد بن الحسين الصيقل أنه اشترك مع ابن الغضائري في الاخذ عن والده وغيره حيث قال : « له كتب لا يعرف منها الا

__________________

١ ـ رجال الشيخ : ٤٧٠ ، الرقم ٥٢.

٢ ـ ديباجة فهرس الشيخ : « الطبعة الاولى » الصفحة ١ ـ ٢ ، وفي « الطبعة الثانية » الصفحة ٢٣ ـ ٢٤.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

والسنّة أو نقلوه باعتباره تفسير لها(1) .

وكلمتا «ركّع» وهي جمع للراكع ، و «السجود» وهي جمع ساجد ، لم يرد بينهما واو العطف ، بل ذكرتا وصفا لتقارب هاتان العبادتان.

وبعد إعداد البيت للعبادة ، أمر الله تعالى إبراهيمعليه‌السلام :( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ) .

كلمة «أذّن» مشتقة من «الأذان» أي «الإعلان». و «رجال» جمع «راجل» أي «ماشي». و «الضامر» تعني الحيوان الضعيف. و «الفجّ» في الأصل تعني المسافة بين جبلين ، ثمّ أطلقت على الطرق الواسعة و «العميق» تعني هنا «البعيد».

جاء في حديث رواه علي بن إبراهيم في تفسيره : عند ما تسلّم إبراهيمعليه‌السلام هذا الأمر الربّاني قال : إنّ أذاني لا يصل إلى أسماع الناس ، فأجابه سبحانه وتعالى (عليك الأذان وعليّ البلاغ)! فصعد إبراهيمعليه‌السلام موضع المقام ووضع إصبعيه في أذنيه وقال : يا أيّها الناس كتب عليكم الحجّ إلى البيت العتيق فأجيبوا ربّكم. وأبلغ اللهعزوجل نداءه أسماع جميع الناس حتّى الذين في أصلاب آبائهم وأرحام أمّهاتهم ، فردّوا : لبيّك اللهمّ لبّيك! وإنّ جميع الذين يشاركون في مراسم الحجّ منذ ذلك اليوم وحتّى يوم القيامة ، هم من الذين لبّوا دعوة إبراهيمعليه‌السلام (2) .

وقد ذكرت الآية هنا الحجّاج المشاة أوّلا ، ثمّ الراكبين ، لأنّهم أفضل منزلة عند الله ، بسبب ما يتحمّلون من صعاب السفر أكثر من غيرهم ، ولهذا السبب قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «للحاج الراكب بكلّ خطوة تخطوها راحلته سبعون حسنة ، وللحاج الماشي بكلّ خطوة يخطوها سبعمائة حسنة»(3) .

__________________

(1) يراجع تفسير الآية موضع البحث في تفاسير الميزان ، وفي ظلال القرآن ، والتبيان ، ومجمع البيان ، والتّفسير الكبير للفخر الرازي.

(2) بتلخيص ، عن تفسير علي بن إبراهيم حسبما نقله تفسير نور الثقلين ، المجلّد الثّالث ، 488. والآلوسي في روح المعاني ، والفخر الرازي ، في التّفسير الكبير في تفسير الآية موضع البحث مع بعض الفارق.

(3) تفسير «روح المعاني» ، و «مجمع البيان» ، و «الفخر الرازي».

٣٢١

أو أنّ هذه المنزلة جاءت لتحديد أهميّة حجّ بيت الله الحرام ، الذي يجب أن يتمّ بأي أسلوب وبأيّة إمكانات. وأن لا ينتظر الحاج مركبا له.

أمّا عبارة «ضامر» فتعني الحيوان الضعيف ، إشارة إلى أنّ هذا الطريق يجعل الحيوان هزيلا ، لأنّه يجتاز صحاري جافة محرقة لا زرع فيها ولا ماء ، واستعدادا لتحمل الصعاب في هذا الطريق.

أو يكون المراد أنّ على الحاج إختيار جواد قوي سريع صابر ، رشيق ضامر ، متدرّب على السير في مثل هذه الطرق ، ولا فائدة ترجى من الحيوان المنعم في هذا الطريق. (مثلما لا يمكن للرجال المترفين اجتياز هذا الطريق).

أمّا عبارة( مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ) فهي إشارة إلى توجّه الحجاج إلى الكعبة ، ليس فقط من الأماكن القريبة ، بل يشمل ذلك الحجّاج من الأماكن البعيدة أيضا. كلمة «كلّ» لا تعني هنا الاستغراق والشمول ، بل الكثرة.

ويذكر المفسّر المشهور أبو الفتوح الرازي في تفسيره لهذه الآية حياة مثيرة لرجل يدعى «أبو القاسم بشر بن محمّد» فيقول : رأيت حين الطواف شيخا هزيلا بدت عليه آثار السفر ، ورسم التعب علائمه على جبينه. تقدّمت إليه وسألته من أين أنت؟ أجاب : من فجّ عميق طال قطعه خمسة أعوام! فأصبحت شيخا هزيلا من شدّة تعب السفر وآلامه ، فقلت : والله لهي مشقّة ، إلّا أنّها طاعة خالصة وحبّ عميق لله تعالى.

فسّره ذلك ثمّ أنشد :

زر من هويت وإن شطّت بك الدار

وحال من دونه حجب وأستار!

لا يمنعنّك بعد من زيارته

إنّ المحبّ لمن يهواه زوّار!

حقّا إنّ جاذبية بيت الله هي بدرجة تجعل القلوب الطافحة بالإيمان تهوى

٣٢٢

إليه من جميع الأنحاء ، قربت أم بعدت ، تجذب الشاب والشيخ والصغير والكبير ، من كلّ أمّة ومكان ، بعيدا أم قريبا ، الكل يلبّون الله يأتونه عشّاقا ليروا مظاهر ذات الله الطاهرة في تلك الأرض المقدّسة بأعينهم ، ويشعروا برحمته التي لا حدود لها من أعماق وجودهم(1) .

وتناولت الآية التالية فلسفة الحجّ في عبارة موجزة ذات دلالات عديدة فقالت :( لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ ) . أي أنّ على الناس الحجّ إلى هذه الأرض المقدّسة ، ليروا منافع لهم بأم أعينهم.

وقد ذكر المفسّرون لكلمة المنافع الواردة في الآية عدّة معان ، إلّا أنّه لا تحديد لمعناها كما يبدو من ظاهر الآية ، فهي تشمل جميع المنافع والبركات المعنوية والمكاسب المادية ، وكلّ عائد فردي واجتماعي وفلسفة سياسيّة واقتصادية وأخلاقية. فما أحرى المسلمين أن يتوجّهوا من أنحاء العالم إلى مكّة ليشهدوا هذه المنافع! إنّها لعبارة جميلة! ما أولاهم أن يجعلهم الله شهودا على منافعهم! ليروا بأعينهم ما سمعوه بآذانهم!

وعلى هذا ذكر في كتاب الكافي حديثا عن الإمام الصادقعليه‌السلام في الردّ على استفسار ربيع بن خيثم عن كلمة المنافع ، منافع الدنيا أو منافع الآخرة؟ فقال : «الكل»(2) .

وسنتناول بإسهاب شرح هذه المنافع في ملاحظاتنا على هذه الآية إن شاء الله.

ثمّ تضيف الآية :( وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ

__________________

(1) يقول العالم الفاضل العلامة الشعراني رضى الله عنه : إن ذلك ليس عجيبا بالنسبة للذين يأتون إلى مكة من الأندلس أو المغرب أو من أنحاء نائية في الصين أو من استرالية. حيث يستغرق سفرهم زمنا طويلا يصل إلى عدة أشهر نظرا لوسائط النقل التي كانت تستعمل آنذاك وافتقاد الطرق للأمن (إضافة إلى ذلك كان البعض من المتولهين ببيت الله يتعرضون إلى السرقة في الطريق فيضطرون إلى العمل من أجل إعداد مؤنة باقي الطريق إلى بيت الله الحرام).

(2) تفسير نور الثقلين ، المجلد الثالث ، الصفحة 488 نقلا عن كتاب الكافي.

٣٢٣

الْأَنْعامِ ) أي أنّه على المسلمين أن يحجّوا إلى البيت ويقدّموا القرابين من المواشي التي رزقهم الله ، وأن يذكروا اسم الله عليها حين الذبح في أيّام محدّدة معروفة. وبما أنّ الاهتمام الأساس في مراسم الحجّ ، ينصب على الحالات التي يرتبط فيها الإنسان بربّه ليعكس جوهر هذه العبادة العظيمة ، تقيّد الآية المذكورة تقديم القربان بذكر اسم الله على الاضحية فقط ، وهو أحد الشروط لقبولها من لدن العلي القدير. وهذا الذكر إشارة إلى توجّه الحاج إلى الله كلّ التوجّه عند تقديم الأضحية ، وهمّه كسب رضى الله وقبوله القربان ، كما أنّ الاستفادة من لحم الضحية تقع ضمن هذا التوجّه.

وفي الحقيقة يعتبر تقديم الأضاحي رمزا لإعلان الحاج استعداده للتضحية بنفسه في سبيل الله ، على نحو ما ذكر من قصّة إبراهيمعليه‌السلام ومحاولة التضحية بابنه إسماعيلعليه‌السلام . إنّ الحجّاج بعملهم هذا يعلنون استعدادهم للإيثار والتضحية في سبيل الله حتّى بأنفسهم.

وعلى كلّ حال فإنّ القرآن بهذا الكلام ينفي أسلوب المشركين الذين كانوا يذكرون أسماء الأصنام التي يعبدونها على أضاحيهم ، ليحيلوا هذه المراسم التوحيديّة إلى شرك بالله. وجاء في ختام الآية :( فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ ) .

كما يمكن أنّ تفسّر هذه الآية بأنّ القصد من ذكر اسم الله في( أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ ) هو التكبير والحمد لله ربّ العالمين لما أنعم علينا من نعم لا تعدّ ولا تحصى.

خاصة بما رزقنا من بهيمة الأنعام التي نستفيد في حياتنا من جميع أجزاء أبدانها(1) .

* * *

__________________

(1) في التّفسير الأوّل (أي ذكر اسم الله على الأضحية) تكون «على» هنا للاستعلاء ، أمّا في التّفسير الثّاني (أي الذكر المطلق لاسم الله تعالى في هذه الأيّام) فإنّ «على» تعني «من أجل» فالفرق بين هذين التّفسيرين كبير ، سنشير إليه في الملاحظات.

٣٢٤

بحوث

1 ـ ما هي الأيّام المعلومات؟

يأمرنا الله سبحانه وتعالى ـ في الآيات السابقة ـ أن نذكره في( أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ ) . وجاء ذلك أيضا في سورة البقرة الآية (203) بشكل آخر( وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ ) . فما هي الأيّام المعلومات؟ وهل تطابق في معناها الأيّام المعدودات ، أمّ لا؟

اختلف المفسّرون في هذه الأيّام ، كما اختلفت الرّوايات التي ذكرت بهذا الصدد : حيث يرى بعض المفسّرين ـ ويستندون إلى بعض الأحاديث الإسلامية ـ أنّه يقصد بـ «الأيّام المعلومات» الأيّام العشرة الأولى من ذي الحجّة ، وأمّا «الأيّام المعدودات» فهي «أيّام التشريق» أي اليوم الحادي عشر والثّاني عشر والثّالث عشر من ذي الحجّة. الأيّام التي تشرق فيها القلوب.

أمّا المجموعة الثّانية من المفسّرين فقد استندوا إلى أحاديث أخرى فقالوا : إنّ العبارتين تشيران إلى أيّام التشريق التي تعتبر هي الأيّام الثلاثة ذاتها ، وأحيانا يضاف إليها اليوم العاشر أي عيد الأضحى.

وعبارة( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) التي جاءت في سورة البقرة ، تدلّ على أنّ أيّام التشريق ليست أكثر من ثلاثة أيّام ، لأنّ التعجيل فيها يحدث نقصا في أيّامها فتصبح يومين.

ومع ملاحظة أنّ التضحية جاءت في الآيات ـ موضع البحث ـ بعد ذكر الأيّام المعلومات. ونعلم أنّ تقديم الأضاحي يتمّ في اليوم العاشر من ذي الحجّة ، فإنّ ذلك يؤكّد أنّ الأيّام المعلومات هي الأيّام العشرة الأولى من ذي الحجّة التي تنتهي بيوم الأضحى. وعلى هذا يقوى دليل التّفسير الأوّل القائل باختلاف معنى الأيّام المعلومات والأيّام المعدودات.

٣٢٥

ومع الأخذ بوحدة المعاني التي تضمنّتها الآيتان ، يبدو أنّ الأرجح في هذه القضيّة القول بأنّ الآيتين تشيران إلى موضوع واحد ، وهدفهما الاهتمام بذكر الله في أيّام معيّنة تبدأ من العاشر من ذي الحجّة وتنتهي بالثّالث عشر منه. ومن الطبيعي أن تكون إحدى الحالات التي يجب ذكر اسم الله فيها ، هي حين تقديم الأضاحي(1) .

2 ـ ذكر الله في أرض «منى»

جاء في روايات عديدة أنّ ذكر الله في هذه الأيّام تكبير خاص يذكر بعد إتمام صلاة ظهر يوم عيد الأضحى ، ويستمر ذكر هذا التكبير في خمس عشرة صلاة (أي ينتهي بعد صلاة صبح اليوم الثّالث عشر) وهو كما يلي :

«الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلّا الله والله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد ، الله أكبر على ما هدانا ، والله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام»(2) .

كما نصّت بعض الأحاديث على أنّ التكبير في المرّات الخمسة عشر خاص بالذين هم بأرض «منى» في أيّام الحجّ ، أمّا من كانوا في المناطق الاخرى فعليهم ذكر هذا التكبير عقب عشر صلوات (يبدأ من بعد صلاة الظهر من يوم العيد ، وينتهي بصلاة صبح اليوم الثّاني عشر)(3) والأحاديث الخاصّة بالتكبير دليل آخر على أنّ الذكر في الآيات السابقة عامّ وليس محدّدا بتقديم الأضاحي. رغم أنّ هذا المفهوم الكلّي يشمل هذا المصداق أيضا.

__________________

(1) وعليه يزول الخلاف بين هاتين المجموعتين من المفسّرين في تفسير عبارة «ويذكر اسم الله» حيث خصّصت أولاها ذكر اسم الله بتقديم الأضاحي ، والأخرى جعلت مفهومه عامّا ، وبهذا يكون التّفسير الأوّل مصداقا للتفسير الثّاني ، ويكون التّفسير الثّاني ذا مفهوم واسع وعام.

(2) ورد الحديث السابق عن الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام وقد ذكر في بحار الأنوار ، المجلّد 99 ، صفحة 306.

(3) بحار الأنوار ، المجلّد 99 ، صفحة 307.

٣٢٦

3 ـ فلسفة الحجّ وأسراره العميقة!

إنّ لشعائر الحجّ ـ كما هو الحال بالنسبة للعبادات الاخرى ـ بركات كثيرة جدّا في نفسيّة الفرد والمجتمع الإسلامي. ويمكنها ـ إن أجريت وفق أسلوب صحيح ـ أن تحدث في المجتمعات الإسلامية تبدّلا جديدا كلّ عام.

وتمتاز هذه المناسك بأربعة أبعاد مهمّة :

1 ـ البعد الأخلاقي للحج :

أهمّ جانب في فلسفة الحجّ التغيّر الأخلاقي نحو الأحسن الذي يحصل عند الناس ، فمراسم الإحرام تبعد الإنسان بشكل تامّ عن الأمور المادية والامتيازات الظاهرية والألبسة الفاخرة ، ومع تحريم الملذّات ، وبناء الذات الذي يعتبر من واجبات المحرم يبتعد الفرد عن عالم المادّة ، ويدخل إلى عالم النور والصفاء والتسامي الروحي. وترى الإنسان قد ارتاح فجأة من عبء الامتيازات الموهومة ، والدرجات والرتب والنياشين.

ثمّ تلي عمليّة الإحرام مراسم الحجّ الاخرى تباعا ، وفيها تتوطّد علاقة الإنسان الروحيّة مع خالقه ـ لحظة بعد أخرى ـ وتتوثّق. فينقطع عن ماضيه الأسود المملوء آثاما وذنوبا ، ويتّصل بمستقبل واضح كلّه نور وصفاء. خاصّة أنّ مراسم الحجّ تثير في الإنسان اهتماما كبيرا ـ في كلّ خطوة يخطوها ـ بإبراهيمعليه‌السلام محطّم الأصنام ، وإسماعيلعليه‌السلام ذبيح الله. وأمّه هاجرعليها‌السلام . ويتجلّى للحجّاج جهادهم وتضحياتهم ، إضافة إلى كون أرض مكّة عامّة ، والمسجد الحرام وبيت الكعبة ومحلّ الطواف حولها خاصّة ، تذكر الحاجّ بالرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقادة الإسلام العظام وجهاد المسلمين في صدر الإسلام ، فيتعمّق أثر هذه الثورة الأخلاقية بدرجة يشاهد فيها الحاج في كلّ زاوية من زوايا المسجد الحرام وأرض مكّة المقدّسة وجه النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعليعليه‌السلام ، وسائر قادة المسلمين ، ويسمع قعقعة سيوفهم وصهيل خيولهم.

أجل ، إنّ هذه الأمور كلّها تتّحد وتتضامن لتمهّد لثورة أخلاقية في القلوب

٣٢٧

المستعدّة. وبشكل لا يمكن وصفه تفتح في حياة الفرد صفحة جديدة. ولهذا نصّت الأحاديث الإسلامية على أنّ الذي يؤدّي الحجّ تامّا صحيحا «يخرج من ذنوبه كهيئته يوم ولدته أمّه»(1) !

فالحجّ ولادة ثانية للمسلم. يستهلّ بها حياة إنسانية جديدة ، ولا حاجة هناك لإعادة القول بأنّ هذه البركات وتأثيرها وما نشير إليه بعد هذا ليست نصيب من اقتنع من مكاسب الحجّ بقشرته ورمي اللب جانبا. كما أنّها ليست نصيب من يعتبر الحجّ سياحة للتنفيس عن الخاطر ، أو للتظاهر والرياء ، أو طريقا للحصول على متاع شخصي دنيوي ، وهو في الحقيقة لم يتوصّل إلى معنى الحج الحقيقي ، فكان نصيبه ما يستحقّه!

2 ـ البعد السياسي للحجّ

ذكر أحد كبار فقهاء المسلمين أنّ مراسم الحجّ في الوقت الذي تستبطن أخلص وأعمق العبادات ، هي أكثر الوسائل أثرا في التقدّم نحو الأهداف السياسيّة الإسلامية. فجوهر العبادة التوجّه إلى الله ، وجوهر السياسة التوجّه إلى خلق الله ، وهذان الأمران امتزجا في الحجّ بدرجة أصبحا كنسيج واحد.

إنّ الحجّ عامل مؤثّر في وحدة صفوف المسلمين.

الحجّ عامل مهمّ في مكافحة التعصّب القومي والعنصري والتقوقع في حدود جغرافية.

والحجّ وسيلة لتحطيم الرقابة التي تفرضها الأنظمة الظالمة ، وتدمير هذه الأنظمة المتسلّطة على رقاب الشعوب الإسلامية.

والحجّ وسيلة لنقل الأنباء السياسية للبلدان الإسلامية من نقطة إلى أخرى.

__________________

(1) بحار الأنوار ، المجلّد 99 ، الصفحة 26.

٣٢٨

وأخيرا الحجّ عامل مؤثّر في تحطيم قيود العبودية والاستعمار وتحرير المسلمين.

ولهذا السبب كان موسم الحجّ زمن الجبابرة كبني أميّة وبني العبّاس الذين كانوا يسيطرون على الأراضي الإسلامية المقدّسة ، ويراقبون كلّ تحرّك تحرّري إسلامي ليقمعوه بقوّة ، كان الموسم متنفّسا للحرية ولاتّصال فئات المجتمع الإسلامي الكبير بعضها مع بعض ، لطرح القضايا السياسيّة المختلفة التي تهمّ كلّ مسلم.

وعلى هذا الأساس قال أمير المؤمنين عليعليه‌السلام في معرض حديثه عن فلسفة الفرائض والعبادات «الحجّ تقوية للدّين»(1) .

كما أنّ أحد السياسيين الأجانب المشهورين قال : «الويل للمسلمين إن لم يعرفوا معنى الحجّ ، والويل لأعدائهم إذا أدرك المسلمون معنى الحجّ»!

واعتبرت الأحاديث الإسلامية الحجّ جهاد الضعفاء ، إذ يمكن للشيوخ والنساء الضعيفات المشاركة في الحجّ ليظهروا عظمة الامّة الإسلامية. وليدخلوا الرعب في قلوب أعداء الإسلام بمشاركتهم في صفوف المصلّين المتراصّة في دوائر تحيط ببيت الله الحرام. وهي توحّد الله وتكبّره.

3 ـ البعد الثقافي للحجّ

يمكن أن يؤدّي التقاء المسلمين أيّام الحجّ دورا فعّالا في التبادل الثقافي في المجتمع الإسلامي ، خاصّة إذا لا حظنا أنّ اجتماع الحجّ العظيم يمثّل بشكل حقيقي فئات المسلمين من أنحاء العالم ، حيث لا تصنّع في المشاركة في حجّ بيت الله الحرام ، فالحجّاج جاؤوا من شتّى المجموعات والعناصر والقوميات ، وقد اجتمعوا رغم اختلاف ألسنتهم.

__________________

(1) نهج البلاغة ، الكلمات القصار ، رقم 252.

٣٢٩

لهذا ذكرت الأحاديث الإسلامية أنّ من فوائد الحجّ نشر أخبار آثار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أنحاء العالم الإسلامي ، يقول «هشام بن الحكم» أحد أصحاب الإمام الصادقعليه‌السلام المخلصين نقلا عن هذا الإمام العظيمعليه‌السلام أنّه قال حول فلسفة الحجّ والطواف حول الكعبة : «إنّ الله خلق الخلق وأمرهم بما يكون من أمر الطاعة في الدين ، ومصلحتهم من أمر دنياهم ، فجعل فيه الاجتماع من الشرق والغرب ، وليتعارفوا ولينزع كلّ قوم من التجارات من بلد إلى بلد ، ولتعرف آثار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتعرف أخباره ويذكر لا ينسى»(1) .

ولهذا السبب كان المسلمون يجدون في الحجّ متنفّسا من جور الخلفاء والسلاطين الظلمة الذين منعوا المسلمين من نشر هذه الأحكام ، لحلّ مشاكلهم بالاجتماع بأئمّة الهدىعليهم‌السلام في المدينة المنوّرة ومكّة المكرّمة ، وبكبار علماء المسلمين ، لينهلوا من مناهل القرآن النقيّة والسنّة النبويّة الشريفة.

ومن جهة ثانية يمكن أن يكون الحجّ مؤتمرا ثقافيا إسلاميا يحضره مفكّرو العالم الإسلامي في أيّام الحجّ في مكّة المكرّمة ، ليتحاوروا فيما بينهم ويعرضوا نظرياتهم وأفكارهم على الآخرين.

وقد أصبحت الحدود بين البلدان الإسلامية ـ الآن ـ سببا لتشتّت ثقافتهم الأصيلة ، واقتصار تفكير مسلمي كلّ بلد بأنفسهم فقط ، حتّى تقطّعت أواصر المجتمع الإسلامي الموحّد. بينما يستطيع الحجّ أن يغيّر هذا الوضع.

وما أجمل ما قاله الإمام الصادقعليه‌السلام في ختام الحديث السابق الذي رواه هشام بن الحكم : «ولو كان كلّ قوم إنّما يتكلّمون على بلادهم وما فيها هلكوا ، وخربت البلاد ، وسقطت الجلب والأرباح ، وعميت الأخبار»(2) .

__________________

(1) وسائل الشيعة ، المجلّد الثامن ، الصفحة 9.

(2) المصدر السابق.

٣٣٠

4 ـ البعد الاقتصادي للحجّ

خلافا لما يراه البعض ، فإنّ مؤتمر الحجّ العظيم يمكن أن يستفاد منه في تقوية أسس الإقتصاد في البلدان الإسلامية. بل إنّه وفق أحاديث إسلامية معتبرة يشكّل البعد الاقتصادي جزءا مهمّا من فلسفة الحجّ.

فما المانع من وضع أسس سوق مشتركة إسلامية خلال اجتماع الحجّ العظيم ، ليوسّع المسلمون مجال التبادل التجاري فيما بينهم بشكل تعود منافعهم إليهم لا إلى أعدائهم. ومن أجل تحرير اقتصادهم من التبعية الأجنبية ، وهذا العمل عبادة وجهاد في سبيل الله ، ولا يمكن أن يكون حبّا للدنيا وطمعا فيها.

ولذا أشار الإمام الصادقعليه‌السلام في الحديث السابق خلال شرحه فلسفة الحجّ ، إلى هذا الموضوع بصراحة باعتبار أنّ أحد أهداف الحجّ ، تقوية العلاقات التجارية بين المسلمين.

وجاء في حديث آخر للإمام الصادقعليه‌السلام في تفسير الآية (198) من سورة البقرة( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ ) . قالعليه‌السلام : «فإذا أحلّ الرجل من إحرامه وقضى فليشتر وليبيع في الموسم»(1) .

وكما يبدو فإنّ هذا العمل لا إشكال فيه ، بل فيه ثواب وأجر.

وبهذا المعنى جاء في نهاية حديث عن الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام لبيان فلسفة الحجّ بشكل مسهب : (ليشهدوا منافع لهم)(2) إشارة إلى المنافع المعنوية والماديّة. والأخيرة على رأي بعضهم معنوية أيضا.

فالحجّ باختصار عبادة عظيمة لو أستفيد منها بشكل صحيح في تشكيل مؤتمرات متعدّدة سياسيّة وثقافية واقتصادية ، لحلّ مشاكل العالم الإسلامي ، ومفتاحا لحلّ معضلات المسلمين ، وقد يكون هو المراد من حديث الإمام الصادق

__________________

(1) تفسير العياشي ، حسبما جاء في تفسير الميزان ، المجلّد الثّاني ، ص 86.

(2) بحار الأنوار ، ج 99 ، ص 32.

٣٣١

عليه‌السلام حيث قال : «لا يزال الدين قائما ما قامت الكعبة»(1) .

كما قال الإمام عليعليه‌السلام «الله الله في بيت ربّكم ، لا تخلوه ما بقيتم فإنّه إن ترك لم تناظروا»(2) أي لا يمهلكم الله إن تركتم بيت ربّكم خاليا.

ولأهميّة هذا الموضوع الذي خصّص له باب في الأحاديث الإسلامية تحت عنوان «وجوب إجبار الوالي الناس على الحجّ» فإذا أراد المسلمون تعطيل الحجّ في عام من الأعوام ، فعلى الحكومات الإسلامية أن ترسلهم بالقوّة إلى مكّة(3) .

4 ـ ما هو مصير لحوم الأضاحي في عصرنا؟

يستفاد من الآية السالفة الذكر أنّ الهدف من تقديم الأضحية ، إضافة إلى الجوانب المعنوية والروحية والتقرّب إلى الله تعالى ، يشمل الاستفادة من لحومها ومنح قسم منها إلى الفقراء والمحتاجين.

وتحريم الإسراف في الإسلام ليس خافيا على أحد ، فقد أكدّه القرآن والحديث والدليل العقلي. ومن هذا كلّه نستنتج عدم جواز ترك اللحوم على الأرض في «منى» ولا يجوز دفنها ، إذ أنّ وجوب تقديم الأضاحي لا يقصد به هذه الأعمال فيجب نقل لحومها إلى مناطق أخرى بحاجة إليها إن لم نجد محتاجين في «منى» ليستفاد منها على أفضل وجه ، وهذا هو مقتضى الجمع بين الأدلّة والبراهين.

ولكنّنا نجد ـ ومع الأسف ـ أنّ الكثير من المسلمين عملوا بالحكم الأوّل ، ونسوا العمل بالحكم الثّاني ، ولذا نشهد في كلّ عام تلف الآلاف المؤلّفة من لحوم الأضاحي التي بإمكانها أن تكون منبع غذائي مهمّ لشرائح المحرومين في

__________________

(1) وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 14.

(2) نهج البلاغة ، الوصيّة ، 47.

(3) وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 15.

٣٣٢

المجتمعات الإسلامية ، ولكنّها تترك في تلك الأرض المقدّسة بحالة سلبية ومزعجة جدّا. وقد تحدّث لحدّ الآن الكثير من المفكّرين وعلماء المسلمين حول هذا الموضوع مع المسؤولين في المملكة العربية السعودية ، وحتّى أنّهم تبرّعوا بتكاليف حفظها ونقلها إلى المؤسّسات المختصّة ، ولكن جمود وتحجّر رجال الدين الوهّابيين من جهة ، وعدم اهتمام المسؤولين في الحكومة السعودية من جهة أخرى كانت مانعا لتنفيذ هذا المشروع.

ومع غضّ النظر عن مسألة حرمة الإسراف التي هي من الثوابت في التفكير الإسلامي ، فإنّ منظر المذابح يوم عيد الأضحى في الحجّ حاليا بشع وغير منطقي إلى درجة يثير علامات الاستفهام لدى كلّ ضعيف الإيمان حول شعيرة الحجّ بالكامل ، ويعطي للأعداء مبرّرا قويّا للطعن والتقبيح غافلين عن أنّ هذه المسألة هي نتيجة جهل وإهمال رجال الدين الوهّابيين والسلطات السعودية ، فعلى هذا ، فإنّ عظمة الإسلام وأصالة مناسك الحجّ توجب على المسلمين من جميع مناطق العالم أن يمارسوا الضغط على المسؤولين في تلك الدولة لإنهاء هذه الحالة الموحشة ، وتنفيذ الحكم الإسلامي في هذه المسألة.

وإذا وردت أحاديث إسلامية في حرمة إخراج لحوم الأضاحي من أرض «منى» أو من «حرم مكّة» فإنّ ذلك يعود إلى زمن كان فيه في مكّة المكرّمة عدد كاف من المستهلكين والمستحقّين.

ولهذا ورد في حديث صحيح الإسناد عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّ أحد أصحابه سأله عن هذا الموضوع ، فأجاب : «كنّا نقول لا يخرج منها بشيء لحاجة الناس إليه ، فأمّا اليوم فقد كثر الناس فلا بأس بإخراجه»(1) .

* * *

__________________

(1) وسائل الشيعة ، المجلّد العاشر ، الصفحة 150 (أبواب الذبح الباب 42 الحديث 5).

٣٣٣

الآيتان

( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلاَّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) )

التّفسير

تتابع هذه الآيات البحث السابق عن مناسك الحجّ مشيرة إلى جانب آخر من هذه المناسك ، فتقول أوّلا :( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ) أي ليطّهروا أجسامهم من الأوساخ والتلوّث ، ثمّ ليوفوا ما عليهم من نذور. و( لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) أي يطوفوا بذلك البيت الذي صانه الله عن المصائب والكوارث وحرّره.

وكلمة «تفث» تعني ـ كما قال كبار اللغويين والمفسّرين ـ القذارة وما يلتصق بالجسم وزوائده كالأظافر والشعر. ويقول البعض : إنّ أصلها يعني القذارة التي تحت الأظافر وأمثالها(1) . ورغم إنكار بعض اللغويين لوجود مثل هذا الاشتقاق

__________________

(1) عن قاموس اللغة ، ومفردات الراغب الاصفهاني ، وكنز العرفان ، وتفسير مجمع البيان ، وتفاسير أخرى.

٣٣٤

في اللغة العربية ، إلّا أنّ الراغب الاصفهاني نقل كلام بدويّ قاله بحقّ أحد الأشخاص القذرين : «ما أتفثك وأدرنك» دليلا على عربية هذه الكلمة ووجود اشتقاق لها في اللغة العربية.

وقد فسّرت( لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) في الأحاديث الإسلامية بتقليم الأظافر وتطهير البدن ونزع الإحرام. وبتعبير آخر : تشير هذه العبارة إلى برنامج «التقصير» الذي يعدّ من مناسك الحجّ. وجاء في أحاديث إسلامية أخرى بمعنى حلاقة الرأس التي تعتبر أحد أساليب «التقصير».

كما جاء في «كنز العرفان» حديث رواه ابن عبّاس في تفسير هذه الآية : «القصد إنجاز مشاعر الحجّ كلّها»(1) إلّا أنّه لا سند لدينا لحديث ابن عبّاس هذا.

والذي يلفت النظر في حديث عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه فسّر عبارة( لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) بلقاء الإمام ، وعند ما سأله الراوي عبد الله بن سنان عن توضيح لهذه المسألة قال: «إنّ للقرآن ظاهرا وباطنا»(2) .

وهذا الحديث ربّما كان إشارة إلى ملاحظة تستحقّ الاهتمام. وهي أنّ حجّاج بيت الله الحرام يتطهّرون عقب مناسك الحجّ ليزيلوا الأوساخ عن أبدانهم ، فعليهم أن يطهّروا أرواحهم أيضا بلقاء الإمامعليه‌السلام ، خاصّة وأنّ الخلفاء الجبابرة كانوا يمنعون لقاء المسلمين لإمامهم في الظروف العادية. لهذا تكون أيّام الحجّ خير فرصة للقاء الإمام ، وبهذا المعنى نقرأ حديثا للإمام الباقرعليه‌السلام قال فيه : «تمام الحجّ لقاء الإمام»(3) .

وكلاهما ـ في الحقيقة ـ تطهير ، أحدهما تطهير لظاهر البدن من القذارة والأوساخ ، والآخر تطهير باطني من الجهل والمفاسد الأخلاقية.

__________________

(1) كنز العرفان ، المجلّد الأوّل ، ص 270.

(2) نور الثقلين ، المجلّد الثّالث ، صفحة 492.

(3) وسائل الشيعة المجلّد ، العاشر ، الصفحة 255 (أبواب المزار الباب الثّاني الحديث الثّاني عشر).

٣٣٥

أمّا «الوفاء بالنذر» فيعني أنّ كثيرا من الناس ينذرون تقديم أضاحي إضافيّة في الحجّ ، أو التصدّق بمال ، أو القيام بعمل خيري في أيّام الحجّ ، ولكنّهم ينسون ويغفلون عن كلّ ذلك عند وصولهم إلى مكّة ، لهذا أكّد القرآن عليهم الوفاء بالنذور ، وإلّا يقصّروا في ذلك(1) .

أمّا لماذا سمّيت الكعبة بالبيت العتيق؟

«العتيق» مشتقّة من «العتق» أي التحرّر من قيود العبودية ، وربّما كان ذلك لأنّ الكعبة تحرّرت من قيود ملكية عباد الله ، ولم يكن لها مالك إلّا الله ، كما حرّرت من قيد سيطرة الجبابرة كأبرهة.

ومن معاني «العتيق» أيضا الشيء الكريم الثمين ، وهذا المعنى يتجسّد في الكعبة بوضوح. ومن المعاني الاخرى للعتيق «القديم» يقول الراغب الاصفهاني : العتيق المتقدّم في الزمان أو المكان أو الرتبة. وهذا المعنى أيضا واضح بالنسبة للكعبة ، فهي أقدم مكان يوحّد فيه الله. وبحسب ما جاء في القرآن( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ ) (2) وعلى كلّ حال فلا مانع من إطلاق العتيق على بيت الله بعد ملاحظة ما تتضمّنه هذه الكلمة من معان ، أشار كلّ مفسّر إلى جانب منها. أو ذكرت الأحاديث المختلفة جوانب أخرى من معانيها.

أمّا المراد من «الطواف» الوارد في آخر الآية المذكور أعلاه فهناك بحث بين المفسّرين (هناك طوفان ـ بعد مراسم عيد الأضحى في منى ـ على الحجّاج أن يقوموا بهما ، الطواف الأوّل يدعي «طواف الزيارة» ، والثّاني «طواف النساء»).

يرى بعض الفقهاء والمفسّرين أنّ مفهوم الطواف عام هنا ، لأنّ الآية لم تتضمّن

__________________

(1) احتمل بعض المفسّرين القصد من النذور القيام بمشاعر الحجّ ، إلّا أنّه بمراجعة حالات استعمال كلمة النذر في القرآن المجيد ، يتّضح لنا أنّه يقصد المعنى المتداول من كلمة النذر ، لهذا فإنّ استخدامها في مناسك الحجّ دون دليل ، خلافا لمعناها الظاهر.

(2) آل عمران ، 96.

٣٣٦

قيودا أو شرطا ما ، فهي تضمّ طواف الحجّ وطواف النساء ، حتّى أنّها تشمل طواف العمرة أيضا(1) .

في وقت يرى مفسّرون آخرون أنّ الآية تقصد طواف الزيارة فقط ، الذي يجب على الحاج بعد إحلاله من إحرام الحجّ(2) .

إلّا أنّ الأحاديث الواردة عن أهل البيتعليهم‌السلام تفيد أنّ القصد هنا طواف النساء ، ففي حديث عن الإمام الصادقعليه‌السلام في تفسير( وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) قال : «طواف النساء»(3) .

كما روي عن الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام حديث بهذا المعنى(4) .

وهذا الطواف يسمّى عند أهل السنّة طواف الوداع.

ومع ملاحظة هذه الأحاديث يبدو التّفسير الأخير هو الأقوى ، خاصّة إذا عبّر بهذا المعنى أيضا في تفسير( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) . حيث يجب إضافة إلى تطهير البدن من القذارة والشعر الزائد ، استعمال العطر أيضا. ومن المعلوم أنّه لا يجوز استعمال العطور في الحجّ إلّا بعد إتمام الطواف والسعي ، أو عند ما لا يكون طواف بذمّة الحاج إلّا طواف النساء.

وأشارت الآية الأخيرة إلى خلاصة ما بحثته الآيات السالفة الذكر ، حيث تبدأ بكلمة «ذلك» التي لها جملة محذوفة تقديرها «كذلك أمر الحجّ والمناسك» ثمّ تضيف تأكيدا لأهميّة الواجبات التي شرحت( وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ) .

والمقصود هنا بـ «الحرمات» ـ طبعا ـ أعمال ومناسك الحجّ ، ويمكن أن

__________________

(1) كنز العرفان ، المجلّد الأوّل ، الصفحة 271.

(2) مجمع البيان نقلها في تفسير الآية ـ موضع البحث ـ عن بعض المفسّرين لم يذكر أسماءهم.

(3) وسائل الشيعة المجلّد التاسع الصفحة 390 أبواب الطواف الباب الثّاني.

(4) المصدر السابق.

٣٣٧

يضاف إليها احترام الكعبة خاصة والحرم المكّي عامّة. وعلى هذا فإنّ تفسير هذه الآية باختصاصها بالمحرّمات ـ أي كلّ ما نهى الله عنه ـ أو جميع الواجبات ، مخالف لظاهر الآية. كما يجب الانتباه إلى أنّ «حرمات» جمع «حرمة» وهي في الأصل الشيء الذي يجب أن تحفظ حرمته ، وألّا تنتهك هذه الحرمة أبدا.

ثمّ تشير هذه الآية وتناسبا مع أحكام الإحرام إلى حليّة المواشي ، حيث تقول :( وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ ) .

عبارة( إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ ) يمكن أن تكون إشارة إلى تحريم الصيد على المحرم الذي شرع في سورة المائدة الآية (95) حيث تقول :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ) .

كما قد تكون إشارة إلى عبارة جاءت في نهاية الآية ـ موضع البحث ـ تخصّ تحريم الأضحية التي تذبح للأصنام التي كانت متداولة زمن الجاهلية. لأنّ تذكية الحيوان يشترط فيها ذكر اسم الله عليه عند الذبح ، ولا يجوز ذكر اسم الصنم أو أي اسم آخر عليه.

وفي ختام هذه الآية ورد أمران يخصّان مراسم الحجّ ومكافحة العادات الجاهلية :

الأوّل يقول :( فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ ) و «الأوثان» جمع «وثن» على وكن «كفن» وتعني الأحجار التي كانت تعبد زمن الجاهلية ، وهنا جاءت كلمة الأوثان إيضاحا لكلمة «رجس» التي ذكرت في الآية ، حيث تقول :( فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ ) . ثمّ تليها عبارة( مِنَ الْأَوْثانِ ) أي الرجس هو ذاته الأوثان.

كما تجب ملاحظة أنّ عبدة الأوثان زمن الجاهلية كانوا يلطّخونها بدماء الأضاحي ، فيحصل مشهد تقشّعر الأبدان من بشاعته ، وقد يكون التعبير السابق إشارة إلى هذا المعنى أيضا.

٣٣٨

والأمر الثّاني هو( وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ) أي الكلام الباطل الذي لا أساس له من الصحّة.

مسألة : ما معنى( قَوْلَ الزُّورِ ) ؟

يرى بعض المفسّرين أنّه إشارة إلى كيفيّة تلبية المشركين في مراسم الحجّ في زمن الجاهلية ، لأنّهم يلبّون بشكل يتضمّن الشرك بعينه ، ويبعدونه من صورته التوحيديّة ، فقد كانوا يردّدون : «لبّيك لا شريك لك ، إلّا شريكا هو لك! تملكه وما ملك!».

حقّا إنّه كلام باطل ودليل على( قَوْلَ الزُّورِ ) الذي يعني في الأصل : الكلام الكاذب ، والباطل ، والبعيد عن حدود الاعتدال.

ومع هذا فإنّ اهتمام الآية المذكورة بأعمال المشركين في مراسم الحجّ على زمن الجاهلية ، لا يمنع من تعميمها على بطلان أيّة عبادة للأصنام بأيّة صورة كانت ، واجتناب أي قول باطل مهما كانت صورته.

ولهذا فسّرت بعض الأحاديث الأوثان بلعبة الشطرنج ، وقول الزور بالغناء ، والشهادة بالباطل. وفي الحقيقة فإنّ ذلك بيان لبعض أفراد ذلك الكلّي ، وليس القصد منه حصر معنى الآية بهذه المصاديق فقط. وجاء في حديث للرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خطبة ألقاها على المسلمين «أيّها الناس ، عدلت شهادة الزور بالشرك بالله ، ثمّ قرأ( فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ) .

إنّ هذا الحديث أيضا إشارة إلى سعة مفهوم هذه الآية.

* * *

٣٣٩

الآيات

( حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (31) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33) )

التّفسير

تعظيم شعائر الله دليل على تقوى القلوب :

عقّبت الآيات هنا المسألة التي أكدّها آخر الآيات السابقة ، وهي مسألة التوحيد ، واجتناب أي صنم وعبادة الأوثان. حيث تقول( حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ) (1) أي أقيموا مراسم الحجّ والتلبية في حالة تخلصون فيها النيّة لله وحده لا يخالطها أي شرك أبدا.

«حنفاء» جمع «حنيف» أي الذي استقام وابتعد عن الضلال والانحراف ، أو

__________________

(1) «حنفاء» و «غير مشركين». كلاهما حال لضمير «فاجتنبوا» ، و «اجتنبوا» في الآية السابقة.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530