منتهى المقال في أحوال الرّجال الجزء ١

منتهى المقال في أحوال الرّجال15%

منتهى المقال في أحوال الرّجال مؤلف:
المترجم: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: علم الرجال والطبقات
ISBN: 964-5503-89-2
الصفحات: 390

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 390 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 195178 / تحميل: 6578
الحجم الحجم الحجم
منتهى المقال في أحوال الرّجال

منتهى المقال في أحوال الرّجال الجزء ١

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٨٩-٢
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

نصر(١) .

ويأتي عن ب أيضا ، لكنّه لم ينقل عن لم هناك إلاّ : ابن نصر ، فلاحظ(٢) .

وفيمشكا : الشيباني ، عنه محمّد بن القاسم ، وهو عن الحسن بن عليّ بن الحسين ، وعبد الله بن محمّد بن عمر بن علي ، وجعفر بن محمّد(٣) .

٤٠ ـ إبراهيم بن الزبرقان التيمي الكوفي :

أسند عنه ، ق(٤) .

٤١ ـ إبراهيم بن زياد :

أبو أيّوب الخزّاز ، الكوفي ، ق(٥) .

وقيل : هذا ابن عثمان ، وقيل : ابن عيسى ، ويأتي.

٤٢ ـ إبراهيم بن زياد الخارقي :

الكوفي ، ق(٦) .

وفيكش : جعفر بن أحمد ، عن نوح بن إبراهيم الخارقي(٧) ، قال : وصفت الأئمّةعليهم‌السلام (٨) ، فقلت : أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله عبده ورسوله(٩) ، وأنّ عليّا عليه‌

__________________

(١) منهج المقال : ٢١.

(٢) معالم العلماء : ١٤٣ / ١٠٠٣ ، وفيه : ابن أبي هراسة بن هودة ، واسمه أحمد بن أبي نصر الباهلي ، له الأيمان والكفر والتوبة.

(٣) هداية المحدثين : ١٦٦.

(٤) رجال الشيخ : ١٤٤ / ٤٠.

(٥) رجال الشيخ : ١٤٦ / ٧٩.

(٦) رجال الشيخ : ١٤٥ / ٥٦ ، وفيه : الحارثي ، وفي نسخة منه : الخارفي ، بدل : الخارقي.

(٧) في المصدر : المخارقي.

(٨) في المصدر : وصفت الأئمة لأبي عبد اللهعليه‌السلام .

(٩) في المصدر : وأن محمّدا رسول الله.

١٦١

السلام إمام ، ثمّ الحسنعليه‌السلام ، ثمّ الحسينعليه‌السلام ، ثمّ عليّ ابن الحسينعليه‌السلام ، ثمّ محمّد بن عليعليه‌السلام ، ثمّ أنت ، فقال : رحمك الله ، ثمّ(١) اتّقوا الله ، اتّقوا الله ، عليكم بالورع وصدق الحديث(٢) وعفّة البطن والفرج(٣) .

وفي بعض النسخ : المخارقي.

وفيتعق : ما يأتي في إبراهيم المخارقي(٤) .

٤٣ ـ إبراهيم بن سعد بن إبراهيم :

ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني ، ق(٥) .

وفي قب : الزهري ، أبو إسحاق المدني ، نزيل بغداد ، ثقة ، حجّة ، تكلّم فيه بلا قادح ، ومات سنة خمس وثمانين ومائة(٦) .

أقول : يأتي ما فيه في الذي يليه فلاحظ.

٤٤ ـ إبراهيم بن سعيد المدني :

أسند عنه ، ق(٧) .

وفيتعق : الظاهر من بعض اتّحاده مع ابن سعد الماضي ، وهو محتمل(٨) .

__________________

(١) في المصدر : ثم قال.

(٢) في المصدر زيادة : وأداء الأمانة.

(٣) رجال الكشي : ٤١٩ / ٧٩٤.

(٤) تعليقة الوحيد البهبهاني : ٢٧.

(٥) رجال الشيخ : ١٤٤ / ٢٨.

(٦) تقريب التهذيب ١ : ٣٥ / ٢٠٢.

(٧) رجال الشيخ : ١٤٤ / ٤١.

(٨) تعليقة الوحيد البهبهاني : ٢١.

١٦٢

٤٥ ـ إبراهيم بن سلام نيسابوري :

وكيل ،ضا (١) .

وفيصه : ابن سلامة نيشابوري ، وكيل ، من أصحاب الكاظمعليه‌السلام ، لم يقل الشيخ فيه غير ذلك. والأقوى عندي قبول روايته(٢) ، انتهى.

وفيتعق : قال شيخنا البهائي : وذلك لأنّهمعليهم‌السلام لا يجعلون الفاسق وكيلا(٣) .

ويأتي الكلام فيه في الفائدة الثانية(٤) .

أقول : قالشه : قال د : هو ابن سلام بغير هاء ، وإنّه من أصحاب الرضاعليه‌السلام . ونسب ما ذكره من الأمرين إلى الضعف(٥) .

وفي الحاوي : لا يخفى أنّ قول العلاّمةرحمه‌الله إنّه : من رجال الكاظمعليه‌السلام ، وهم ، إذ لم يذكره الشيخ في رجال الكاظمعليه‌السلام ولا أحد غيره من أصحاب الأصول ، إلى آخر كلامه(٦) .

٤٦ ـ إبراهيم بن سليمان بن أبي داحة :

المزني ، مولى آل طلحة بن عبيد الله ، أبو إسحاق ، وكان وجه أصحابنا البصريّين في الفقه والكلام والأدب والشعر ، والجاحظ يحكي عنه.

وقال الجاحظ : ابن داحة ، عن محمّد بن أبي عمير(٧) ، له كتب ،

__________________

(١) رجال الشيخ : ٣٦٩ / ٣٧ ، وفيه : ابن سلامة ، وفي نسخة : سلام.

(٢) الخلاصة : ٤ / ٥.

(٣) تعليقة الوحيد البهبهاني : ٢١.

(٤) يأتي في خاتمة المنتهى.

(٥) تعليقة الشهيد الثاني على الخلاصة : ٦ ، رجال ابن داود : ٣١ / ٢٠.

(٦) حاوي الأقوال : ٢١٣ / ١١١٠.

(٧) البيان والتبيين : ١ / ٨٨.

١٦٣

ذكرها بعض أصحابنا في الفهرستات ، لم أر منها شيئا.جش (١) .

ونحوه ست ، إلاّ أنّ فيه : ابن داحة ، وزاد : ذكر أنّه روى عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وذكر أنّه صنّف كتبا ، ولم نر منها شيئا ، رحمة الله عليه ورضوانه(٢) .

وفيصه : ابن سليمان بن أبي داحة(٣) ، وداحة : امّه ، وقيل : كانت جارية لأبيه نسب إليها(٤) .

وقيل : أبوه إسحاق بن أبي سليمان ، فوقع الاشتباه ، فحوّل لفظ : أبي سليمان ، الى داحة.

قال الشيخ : ذكر أنّه روى عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وكان وجه أصحابنا بالبصرة فقها وكلاما وأدبا وشعرا(٥) ، انتهى.

ولا يخفى أنّ ما مرّ من كون داحة امّه أو جارية لأبيه نسب إليها ، يؤيّد قول ست بظاهره ، وإن احتمل أن يكون نسب أبوه إليها فقيل لأبي سليمان : أبو داحة ، كما هو عادة العرب في مثله كأبي ريشة ونحوه ، ثمّ نسب هو إلى أبيه فقيل : ابن أبي داحة ، والقول الآخر فيها بعيد غير واضح.

وفيتعق : ربّما يستفاد من وجاهته في الفقه وثاقته. ويأتي في ابن أبي عمير عنجش : ابن داحة(٦) ، كما في ست. فالظاهر أنّ : أبي ، سهو ،

__________________

(١) رجال النجاشي : ١٥ / ١٤.

(٢) الفهرست : ٤ / ٣ ، الاّ أنّ التّرحم والترضية لم ترد ، ووردت في مجمع الرجال : ١ / ٤٤ ، نقلا عن الفهرست.

(٣) في المصدر زيادة : المدني ( المزني ) ست.

(٤) في المصدر : ربّته فنسب إليها.

(٥) الخلاصة : ٤ / ٨.

(٦) رجال النجاشي : ٣٢٦ / ٨٨٧.

١٦٤

فتأمّل(١) .

أقول : قوله دام فضله : ربّما يستفاد. الى آخره ، لا يخفى أنّ في استفادة الوثاقة ما لا يخفى ، نعم الظاهر إفادة الحسن.

ولذا في الوجيزة أنّه : ممدوح(٢) .

وفي الحاوي ذكره في قسم الحسان(٣) .

وقوله : يأتي عنجش : ابن داحة ، لا يخفى أنّ ما يأتي نقل ذلك عن الجاحظ ، كما نقله عنه هنا أيضا ، فلاحظ.

وقول الميرزارحمه‌الله : وإن احتمل أن يكون نسب. إلى آخره.

هنا احتمال آخر ، وهو أن يكون منسوبا الى أبي داحة أبي أمّه ، ومثله أكثر كثير.

وفيمشكا : ابن أبي داحة الممدوح ، عن الصادقعليه‌السلام (٤) .

٤٧ ـ إبراهيم بن سليمان بن عبد الله :

ابن حيّان النهمي الخزّاز.

فيصه : قال الشيخ : إنّه كان ثقة في الحديث ، وضعّفهغض فقال : إنّه يروي عن الضعفاء وفي مذهبه ضعف ، وجش وثّقه أيضا كالشيخ ، وحينئذ يقوى عندي العمل بما يرويه(٥) ، انتهى.

وفيست : كان ثقة في الحديث(٦) .

__________________

(١) تعليقة الوحيد البهبهاني : ٢١ ـ ٢٢.

(٢) الوجيزة : ١٤٣ / ٢٧.

(٣) حاوي الأقوال : ١٧٩ / ٨٩٧.

(٤) هداية المحدثين : ١٦٧.

(٥) الخلاصة : ٥ / ١١.

(٦) الفهرست : ٦ / ٨.

١٦٥

وكذاجش إلاّ أنّ فيه : ابن عبيد الله ، كما في ضح(١) ، وبدل حيّان : خالد(٢) .

وفيما زاد ست وجش : أخبرنا أحمد بن عبدون ، عن أبي طالب الأنباري ، عن حميد ، عنه(٣) . إلاّ أنّ فيجش بدل أبي طالب الأنباري : عليّ بن حبشي.

أقول : فيمشكا : ابن سليمان بن عبد الله بن حيّان الثقة ، عنه حميد ابن زياد(٤) .

٤٨ ـ إبراهيم بن شعيب العقرقوفي :

ضا(٥) . وفي ظم : ابن شعيب واقفي(٦) .

وزادصه : لا أعتمد على روايته(٧) .

وفيكش : حدّثنا حمدويه ، قال : حدّثنا الحسن بن موسى ، قال : حدّثنا عليّ بن خطّاب ـ وكان واقفيّا ـ ثمّ ذكر أيضا ما يدلّ على وقفه(٨) .

وفي د : إبراهيم بن شعيب ،م ،جخ ، واقفي ،كش ، وفي رجوعه خلاف(٩) ، انتهى.

ولا أدري من أين فهم الخلاف.

__________________

(١) إيضاح الاشتباه : ٨٥ / ١٥.

(٢) رجال النجاشي : ١٨ / ٢٠.

(٣) الفهرست : ٦ / ٨ ، وفيه : عن أبي طالب الأنباري عن ابن أبي جيد ، عنه.

(٤) هداية المحدثين : ١٦٧.

(٥) رجال الشيخ : ٣٦٩ / ٢٨.

(٦) رجال الشيخ : ٣٤٤ / ٢٥.

(٧) الخلاصة : ١٩٧ / ٢.

(٨) رجال الكشي : ٤٦٩ / ٨٩٥.

(٩) رجال ابن داود : ٢٢٦ / ٨.

١٦٦

٤٩ ـ إبراهيم بن شعيب الكوفي :

ق(١) . ولا يبعد اتّحاده مع الواقفي الماضي.

وفيتعق : لا يبعد اتّحاده مع المزني وابن ميثم الآتيين ، كما احتمله في النقد(٢) .

وفي الكافي في باب الدعاء للإخوان بظهر الغيب ، بسنده إلى إبراهيم ابن أبي البلاد أو عبد الله بن جندب ، قال : كنت في الموقف فلمّا أفضت لقيت إبراهيم بن شعيب فسلّمت عليه ، وكان مصابا بإحدى عينيه ، وإذا عينه الصحيحة حمراء كأنّها(٣) علقة دم ، فقلت له : قد أصبت بإحدى عينيك وأنا والله مشفق على الأخرى ، فلو قصّرت من البكاء قليلا ، فقال : لا والله يا أبا محمّد. الحديث(٤) (٥) .

أقول : في الوجيزة : ابن شعيب الكوفي ، ضعيف(٦) .

وهو يعطي اتّحاده عنده مع السابق ، وكيف كان ، فهذا الخبر مما يؤنس بحاله.

ولم نذكر المزني وابن ميثم ، لجهالتهما.

٥٠ ـ إبراهيم الشعيري :

يروي عنه ابن أبي عمير(٧) ، وفيه إشعار بوثاقته. ولا يبعد كونه أخا‌

__________________

(١) رجال الشيخ : ١٤٥ / ٤٦.

(٢) نقد الرجال : ٩ / ٥٤.

(٣) في النسختين الخطية : كأنّه ، والمثبت من الطبعة الحجرية والمصدر.

(٤) الكافي ٢ : ٣٦٨ / ٦ ، باختلاف فيه ، وقد ورد نصّا في الكافي ٤ : ٤٦٥ ـ ٤٦٦ / ٩ ، في باب الوقف بعرفة وحدّ الموقف.

(٥) تعليقة الوحيد البهبهاني : ٢٢.

(٦) الوجيزة : ١٤٣ / ٢٨.

(٧) الكافي ٣ : ١٢٦ / ١ ، التهذيب ١ : ٢٨٥ / ٨٣٣.

١٦٧

إسماعيل بن أبي زياد السكوني الشعيري ، إلاّ أنّ في بعض الروايات ، عن ابن أبي عمير ، عن صاحب الشعير(١) ،تعق (٢) .

٥١ ـ إبراهيم بن صالح الأنماطي :

يكنّى بأبي إسحاق ، كوفي ، ثقة لا بأس به. قال لي أبو العبّاس أحمد ابن عليّ بن نوح : انقرضت كتبه ، فليس أعرف منها إلاّ كتاب الغيبة ، أخبرنا به عن أحمد بن جعفر ، قال : حدّثنا حميد بن زياد ، عن عبيد الله بن أحمد ابن نهيك ، عنه ،جش (٣) .

ثمّ فيه : إبراهيم بن صالح الأنماطي الأسدي ، ثقة ، روى عن أبي الحسنعليه‌السلام ووقف.

له كتاب ، يرويه عدّة ، أخبرنا محمّد ، قال : حدّثنا جعفر بن محمّد ، قال : حدّثنا عبيد الله بن أحمد بن نهيك ، قال : حدّثني إبراهيم بن صالح(٤) .

وفيست : كوفيّ ، يعرف بالأنماطي ، يكنّى أبا إسحاق ، ثقة ، ذكر أصحابنا أنّ كتبه انقرضت ، والذي أعرفه(٥) من كتبه كتاب الغيبة ، أخبرنا به الحسين بن عبيد الله ، قال : حدّثنا عبد الله بن جعفر(٦) ، قال : حدّثنا حميد بن زياد ، قال : حدّثنا عبيد الله بن أحمد بن نهيك ، عن إبراهيم الأنماطي(٧) .

وفيه أيضا : إبراهيم بن صالح ، له كتاب ، رويناه بالإسناد الأوّل عن‌

__________________

(١) الكافي ٨ : ٣٠٤ / ٤٧٢.

(٢) تعليقة الوحيد البهبهاني : ٢٢.

(٣) رجال النجاشي : ١٥ / ١٣.

(٤) رجال النجاشي : ٢٤ / ٣٧.

(٥) في المصدر : أعرف.

(٦) في المصدر : أحمد بن جعفر.

(٧) الفهرست : ٣ / ٢.

١٦٨

ابن نهيك ، عن إبراهيم بن صالح(١) .

وفي بعض النسخ : عنه ، وهو ثقة.

والإسناد : أحمد بن عبدون ، عن أبي طالب الأنباري ، عن حميد بن زياد(٢) .

وفيضا : ابن صالح(٣) . وزاد قر : الأنماطي(٤) . وزاد لم : روى عنه أحمد بن نهيك(٥) .

ولا يخفى أنّ الراوي عنه : عبيد الله بن أحمد ، لا أحمد.

وفيصه : قال الشيخ : إنّه ثقة ، وكذا قالجش ، إلاّ أنّه قال : ثقة لا بأس(٦) .

وقال في باب إبراهيم ـ أيضا ـ : إنّ إبراهيم بن صالح الأنماطي الأسدي ثقة ، روى عن أبي الحسنعليه‌السلام ووقف.

والظاهر أنّهما واحد ، مع احتمال تعدّدهما ، فعندي تردّد(٧) فيما يرويه(٨) ، انتهى.

وفيتعق : اعترض عليه المحقق البحراني بمنع ما ادّعاه من الظهور ، بل الظاهر المغايرة ، مع أنّ مع الاتّحاد لا وجه لتوقّفه ، إذ لو اعتبر الإيمان في الراوي ـ كما صرّح به في الأصول ، وفي مواضع كثيرة من كتبه الاستدلاليّة ،

__________________

(١) الفهرست : ١٠ / ٢٦.

(٢) ورد الإسناد في ترجمة : إبراهيم بن خالد العطار ، الفهرست : ١٠ / ٢٥.

(٣) رجال الشيخ : ٣٦٨ / ١٧.

(٤) رجال الشيخ : ١٠٤ / ١٣.

(٥) رجال الشيخ : ٤٥٠ / ٧١.

(٦) في المصدر : لا بأس به.

(٧) في المصدر : فعندي توقف.

(٨) الخلاصة : ١٩٨ / ٦.

١٦٩

وكتابصه ـ ففيه :

أوّلا : إنّه مناف لإيراده كثيرا من أهل العقائد الفاسدة في القسم الأوّل ، وتصريحه بالاعتماد على رواياتهم ، مثل : الحسن بن عليّ بن فضّال ، وابنه(١) ، وغيرهما.

وثانيا : إنّ الواجب حينئذ ترك حديثه لا التردّد.

وإن لم يعتبر ، فالواجب حينئذ قبول رواياته ، فالتوقّف لا وجه له على أيّ حال(٢) .

أقول : بملاحظة الأب والنسبة ، وما ذكره الشيخ في كتبه ، يحصل الظنّ بالاتّحاد.

ونقل هورحمه‌الله عن بعض محقّقي هذا الفن أنّ : الظاهر من الشيخ في كتبه اتّحاد الكل(٣) .

وذكر الشيخ في لم ، واخرى في قر ، واخرى في ضا ، بعد ملاحظة حال الشيخ في كتب رجاله عموما ، وفي لم خصوصا ، كما سيجي‌ء في عدّة مواضع.

وكذا بعد ملاحظة أنّجش قال في الموضعين : روى عنه عبيد الله بن أحمد بن نهيك(٤) . لا يحصل ظنّ يصادم ما ذكرنا.

والظاهر أنّ الشيخرحمه‌الله متى كان يرى رجلا بعنوان في بادئ نظره ذكره لأجل التثبّت ، كما أشير إليه في آدم بن المتوكّل. والغفلة في مثل هذا عنجش متحقّقة ، لكن لندرتها منه يضعف الظن ، ولذا قالرحمه‌الله : مع‌

__________________

(١) الخلاصة : ٣٧ / ٢ ، ٩٣ / ١٠٥.

(٢) معراج أهل الكمال : ٥٣ ـ ٥٤ / ١٦.

(٣) معراج أهل الكمال : ٥٥.

(٤) رجال النجاشي : ١٥ / ١٣ ، ٢٤ / ٣٧.

١٧٠

احتمال تعدّدهما ، إشارة إلى ضعف الظهور ، على أنّه لا أقلّ من التردّد.

قوله : إذ لو اعتبر(١) . إلى آخره.

نختار أوّلا : الاعتبار ، كما صرّح به في مواضع.

قوله : هو مناف. الى آخره.

فيه : أنّ اعتبارهم الأمور من باب الأصل والقاعدة ، يعني : أنّ الأصل عدم اعتبار رواية غير المؤمن من حيث أنّه غير مؤمن ، أمّا لو انجبر وأيّد بما يجبر ويؤيّد ، فلا شبهة في عملهم بها واعتبارهم لها ، كما هو معلوم. وقد مرّ بعض الكلام في الفوائد.

فلعلّ اعتماده على روايات مثل : الحسن بن علي وابنه ، لما ظهر له من الجوابر والمؤيدات ، وهذا هو الظاهر منهرحمه‌الله ، ويشير إليه التأمّل فيما ذكره ونقل بالنسبة إليهم في صه.

ونقل عنهرحمه‌الله أنّه قال في عبد الله بن بكير : إنّه ممّن أجمعت العصابة(٢) . والذي أراه : عدم جواز العمل على الموثّق إلاّ أن يعتضد بقرينة ، ومنه الإجماع المذكور ، انتهى.

قوله : والواجب حينئذ. إلى آخره.

وجوبه عليه فرع الظهور المعتدّ به ، وهو بعد في التردّد والتأمّل ، مع أنّ تردّده عبارة عن عدم وثوقه واعتباره ، فيرجع إلى الترك ، والمناقشة غير المثمرة لا تناسب الفقيه.

فإن قلت : يحتمل أن يكون حصل لهم العلم في أخبار غير العدول فعملوا بها.

__________________

(١) في النسخة الخطية : اعتبرت.

(٢) الخلاصة : ١٠٧ / ٢٤.

١٧١

قلت : هذا الاحتمال قطعيّ الفساد كما لا يخفى على المتتبّع ، ومرّ في الفوائد ما يشير إليه.

وثانيا : عدم الاعتبار.

قوله : فالواجب. إلى آخره.

ممنوع ، إذ لا يلزم من عدم الاعتبار : اعتبار مجرّد التوثيق في فاسد الاعتقاد ، إذ لعلّه يعتبر في الاعتماد والعمل وثوقا واعتدادا معتدّا به ، ولعلّه لم يحصل له من مجرّد التوثيق ، بملاحظة أنّ فساد الاعتقاد ناشئ عن التقصير في أمر الدين ، ولذا يكون مستحقّا للعقاب.

فإن قلت : اعتراضنا عليه من جهة أنّهرحمه‌الله ربما يعتمد على فاسد المذهب ويدخله في القسم الأوّل بمجرّد التوثيق ، من دون إظهار الجابر والمؤيّد.

قلت : ما ذكرت ممنوع ، فإنّ عليّ بن الحسن بن فضّال ، ونظائره : كأبيه ، وحميد بن زياد ، وعليّ بن أسباط ، ومن ماثلهم ، فيهم من المؤيّدات والجوابر ما لا يخفى على المطّلع بأحوالهم ، ولذا تراه أخرج أحمد بن الحسن عن القسم الأوّل(١) مع حكمه بتوثيقه ، حيث لم يجد فيه ما وجده في أخيه علي ، وأضرابه.

على أنّا نقول : عدم إظهاره الجابر ليس دليلا على عدمه ، بل ديدنه فيصه في الغالب الترجيح والبناء من دون إظهار المنشأ ، إلاّ أنّه ربما يرجّحجش على الشيخ وكش وغض وغيرهم ، وربما يرجّح الشيخ علىجش وكش ، وربما يرجّحغض على غيره ، وهكذا.

ولم يبرز في الأكثر منشأ ترجيحه وبنائه والظاهر وجدانه المنشأ وترجحه‌

__________________

(١) الخلاصة : ٢٠٣ / ١٠.

١٧٢

في نفسه من الخارج والبناء عليه ، فتتبّع وتأمّل وأنصف(١) .

وربما يظهر من عبارته المنشأ ولا يظهر كونه منشأ ، من ذلك ما في ابن بكير ، قال : قال الشيخ : إنّه فطحيّ المذهب إلاّ أنّه ثقة. إلى أن قال : فأنا أعتمد على روايته وإن كان فاسد المذهب(٢) . نعم قال في مواضع أخر ما مرّ.

وممّا ذكر اندفع كثير من اعتراضات كثير ـ كالشهيد الثاني وأمثاله ـ على صه.

فإن قلت : إنّهم ذكروا للعمل بخبر الواحد شروطا ، وذكروا من جملتها : العدالة ، وهذا ظاهر في اشتراطها مطلقا.

قلت : الظاهر من دليلهم وكيفية استدلالهم في كتبهم الاستدلاليّة والرجاليّة : أنّ هذا الشرط شرط لقبول الخبر والعمل به ، من دون حاجة الى التثبّت والتوقّف على التفحّص ، لا أنّهم بعد التثبّت في خبر غير العدل وحصول الوثوق به وظهور حقيقته لا يعملون به أيضا ، كيف وكتبهم مشحونة من عملهم بمثله وتصريحهم بقبوله ، إلاّ أنّ حالاتهم مختلفة في الوثوق ، وربّما يعبّرون عنه بالمقبول ، والمعتبر ، والمعمول به ، والقوي. فصحيحهم من جملة ما يعملون به ، لا هو هو بعينه.

وظنّي أنّ إطلاقهم الصحيح على خبر العادل من جهة عدم احتياجه إلى الجابر أو الجبيرة ، نعم ربما يسامحون فيطلقون الصحيح على مقبولهم ، وذلك بناء على مشاركته له في الحجيّة والاعتداد ، نظرا إلى أنّه لا مشاحّة في الإطلاق بعد عدم التفاوت في الثمرة.

__________________

(١) نهاية المقطع الأول من تعليقة الوحيد البهبهاني : ٢٢ ، ٥٩.

(٢) الخلاصة : ١٠٦ / ٢٤.

١٧٣

وبهذا تندفع اعتراضات كثيرة ، ويظهر عدم صحّة الاحتجاج بتصحيحهم على توثيقهم ، فتدبّر.

فإن قلت : لعلّ قبولهم قول غير العدل وعملهم بغير الصحيح بناء على حجّية الجابر في نفسه ، فيكون العمل في الحقيقة بالجابر ، أو يحصل لهم بواسطة الجابر القطع بمضمونه ، فيخرج بسببه عن خبر الواحد الذي ذكروا الشروط لاعتباره.

قلت : يظهر من ملاحظة كتبهم وأقوالهم : أنّ جوابهم ليست بحيث تكون حجّة برأسها ، ولا بحيث يحصل القطع منها منفردة أو منضمّة إلى الضعف ، وليس بناؤهم على ما ذكرت بغير خفاء.

فإن(١) قلت : لعلّ قبوله وقبول غيره قول غير العدل وعملهم بالأحاديث الضعيفة ، غفلة منه أو تغيّر رأي.

قلت : إكثارهم ذلك ، وكثرة امتزاج مقبولهم مع مردودهم بأنّهم يقبلون ويردّون وهكذا ، يأبى عمّا ذكرت ، سيّما مع اتّفاقهم على ذلك والعمل كذلك ، وخصوصا مع التصريحات الواردة منهم ، كما أشرنا إلى شي‌ء منه في الفوائد.

هذا ومضافا الى شناعة ما ذكرت وعدم مناسبة نسبتهم إليه ، على أنّ في توجيه كلامهم وإثبات خطئهم لأجل الردّ عليهم ما لا يخفى ، مع أنّ تغيّر الرأي لعلّه لا اعتراض فيه ، فتأمل(٢) .

أقول : فيمشكا : الأنماطي الثقة أو الموثّق ، عنه عبد الله بن أحمد ابن نهيك(٣) .

__________________

(١) بداية المقطع الثاني من تعليقة الوحيد البهبهاني.

(٢) تعليقة الوحيد البهبهاني : ٥٩.

(٣) في المصدر : عبيد الله بن أحمد بن نهيك ، وهو الصواب.

١٧٤

وهو عن الكاظمعليه‌السلام (١) .

٥٢ ـ إبراهيم بن عبد الحميد الأسدي :

مولاهم البزّاز ، ق(٢) .

وفيظم : ابن عبد الحميد ، واقفي(٣) .

وفيضا : من أصحاب أبي عبد اللهعليه‌السلام ، أدرك الرضاعليه‌السلام ولم يسمع منه على قول سعد بن عبد الله ، واقفي ، له كتاب(٤) .

وفيست : ثقة ، له أصل ، أخبرنا به أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان والحسين بن عبيد الله ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين ابن بابويه ، عن محمّد بن الحسن بن الوليد ، عن محمّد بن الحسن الصفّار ، عن يعقوب بن يزيد ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب وإبراهيم بن هاشم ، عن ابن أبي عمير وصفوان ، عن إبراهيم.

وله كتاب النوادر ، رواه حميد بن زياد ، عن عوانة بن الحسين البزّاز ، عنه(٥) .

وفيجش : هو أخو محمّد بن عبد الله بن زرارة لأمّه. روى عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وأخواه الصباح وإسماعيل ابنا عبد الحميد ، له كتاب نوادر ، يرويه عنه جماعة ، عنه : محمّد بن أبي عمير(٦) .

وفيصه : وثّقه الشيخ في ست ، وقال في كتاب الرجال : إنّه واقفي ،

__________________

(١) هداية المحدثين : ١٦٧.

(٢) رجال الشيخ : ١٤٦ / ٧٨.

(٣) رجال الشيخ : ٣٤٤ / ٢٦.

(٤) رجال الشيخ : ٣٦٦ / ١.

(٥) الفهرست : ٧ / ١٢.

(٦) رجال النجاشي : ٢٠ / ٢٧.

١٧٥

من أصحاب الصادقعليه‌السلام .

قال سعد بن عبد الله : أدرك(١) الرضاعليه‌السلام ولم يسمع منه ، وتركت(٢) روايته لذلك.

وقال الفضل بن شاذان : إنّه صالح(٣) ، انتهى.

وقال شه : لا منافاة بين حكم الشيخ بكونه واقفيّا وكونه ثقة ، وكذلك قول الفضل : إنّه صالح ، وحينئذ فلا يعارض القول بكونه واقفيّا(٤) ، انتهى.

وفيكش : إبراهيم بن عبد الحميد الصنعاني ، ذكر الفضل بن شاذان أنّه صالح.

وقال نصر بن الصباح : إبراهيم روى(٥) عن أبي الحسن موسىعليه‌السلام ، وعن الرضاعليه‌السلام ، وعن أبي جعفرعليه‌السلام ، وهو واقف على أبي الحسنعليه‌السلام ، وكان يجلس في المسجد ويقول : أخبرني أبو إسحاق كذا وفعل أبو إسحاق كذا ـ يعني أبا عبد اللهعليه‌السلام ـ كما كان غيره يقول : حدّثني الصادقعليه‌السلام ، وحدّثني العالم ، وحدّثني الشيخ ، وحدّثني أبو عبد اللهعليه‌السلام ، وكان في مسجد الكوفة خلق كثير من أصحابنا ، فكلّ واحد منهم يكنّى عن أبي عبد اللهعليه‌السلام باسم(٦) ، انتهى ملخّصا.

وفيتعق ، على قول شه : فلا تعارض : لا يخفى تحقّق التعارض ،

__________________

(١) في المصدر : أنّه أدرك.

(٢) في المصدر : فتركت.

(٣) الخلاصة : ١٩٧ / ١.

(٤) تعليقة الشهيد الثاني على الخلاصة : ٩٣.

(٥) في المصدر : يروي.

(٦) رجال الكشي : ٤٤٦ / ٨٣٩.

١٧٦

فإنّ ذكرهرحمه‌الله إيّاه في أربعة مواضع من رجاله وعدم توثيقه في شي‌ء منها ، مضافا إلى تصريحه بأنّه واقفي مكرّرا ، في غاية الظهور في عدم وثاقته عنده ، سيّما بعد ملاحظة رويّته. وتوثيقه في ست من دون إشارة إلى وقفه ، ظاهره عدم كونه واقفيّا عنده. وكذا الحال بالنسبة إلى كلام الفضل. ودفعه يحتاج إلى نوع عناية ، سيّما بالنسبة إلى الفضل بن شاذان.

والأظهر عدم كونه واقفيّا لظاهر ست ، وكلام الفضل ، وكونه من أصحاب الرضاعليه‌السلام والجوادعليه‌السلام ، لما صرّح به بعض المحقّقين من أنّ الواقفة ما كانوا يروون عن الرضاعليه‌السلام ومن بعده ، ويأتي في أحمد بن الحسن بن إسماعيل توقّفجش في وقفه لذلك(١) .

وقال جدّي : روايته عن الرضاعليه‌السلام ومن بعده يدلّ على رجوعه(٢) .

ومما يؤيّد عدم وقفه : تصحيح المعتبر حديث وضع عائشة القمقمة في الشمس(٣) ، مع أنّه في سنده.

ويأتي عن العلاّمة في عيسى بن أبي منصور عدّ حديثه حسنا. ويظهر منه اعتمادكش وحمدويه والفضل وابن أبي عمير على روايته(٤) . مع أنّه أكثر من الرواية عنه.

ولعلّ نسبة الوقف إليه فيجخ من كلام سعد أو كلام نصر ، وكلامه مع أنّه غير صريح ولا ظاهر وكلام نصر مع عدم حجيّته عند مثل شه ، كيف يقاوم جميع ما ذكرنا ، سيّما بعد ملاحظة التدافع بينه وبين كلام سعد ، وملاحظة‌

__________________

(١) رجال النجاشي : ٧٤ / ١٧٩.

(٢) روضة المتقين : ١٤ / ٤٣.

(٣) المعتبر : ١ / ٣٩.

(٤) الخلاصة : ١٢٢ / ٢.

١٧٧

ما أشرنا إليه من عدم رواية الواقفي عن الرضاعليه‌السلام ومن بعده.

وبالجملة بعد ملاحظة ما في ضا وكلام نصر ، لا يبقى وثوق بعدم كون نسبة الوقف فيجخ من جهتها ، وقد عرفت ما فيهما. ووجوب الجمع ولو بالتوجيه والتأويل البعيد على تقدير التسليم ، فإنّما هو مع المقاومة.

وبالجملة الأقرب عندي كونه من الثقات ، والله يعلم(١) .

أقول : ظاهر الشيخ في ست وإن كان عدم الوقف ، إلاّ أنّ كلامهرحمه‌الله فيجخ صريح فيه. مضافا الى ب ، حيث قال : إبراهيم بن عبد الحميد ثقة ، من أصحاب الكاظمعليه‌السلام ، إلاّ أنّه واقفي ، له أصل وكتاب النوادر(٢) .

فيجب إرجاع الظاهر الى الصريح ، وكلام الفضل بن شاذان لا ينافي سوء العقيدة أصلا.

وأمّا كلام بعض المحقّقين فبعد تسليمه ، لم يثبت بعد روايته عن الرضاعليه‌السلام ، وكونه من أصحابهعليه‌السلام لا يستلزمها ، بل رأيت تصريح سعد بعدم سماعه منه ، وهو ظاهر الشيخرحمه‌الله في ضا. نعم ذكر نصر بن الصباح ذلك ، وهو لا يعارض كلام سعد ، مع أنّه كما ذكر ذلك ذكر وقفه أيضا.

وقول سعد : ـ ولم يسمع منهعليه‌السلام وتركت روايته لذلك ـ ينادي بوقفه ، إذ لو كان عدم السماع لعدم الوقف لما تركت روايته.

وأمّا تصحيح المعتبر حديثه ، ففيه : عدم ثبوت إرادتهرحمه‌الله من الصحيح المعنى المصطلح ، بل الظاهر عدمه ، كيف وفي سند الرواية :

__________________

(١) تعليقة الوحيد البهبهاني : ٥٩.

(٢) معالم العلماء : ٧ / ٢٨.

١٧٨

درست ، ولا كلام في عدم وثاقته ، وصرّح هو سلّمه الله تعالى بأنّ المحقّق وغيره من المتأخّرين أيضا يطلقون الصحيح على المقبول كما مرّ.

وأمّا ما يأتي من عدّ العلاّمة حديثه حسنا ، ففي خلاف مطلوبه أظهر ، إذ لو كان إبراهيم عنده ثقة إماميّا لحكم بصحّة حديثه ، إذ ليس فيه من يتوقّف فيه سواه ، فالمراد بالحسن المعنى الأعم لا محالة.

وما ذكره سلّمه الله تعالى من المؤيّدات ، غير مناف للوقف ، وقصاراه الوثاقة بالمعنى الأعم ، فتدبّر.

ولذا في الوجيزة : ثقة ، غير إمامي(١) .

وذكره في الحاوي في الموثّقين(٢) وإن ذكره في الثقات أيضا(٣) ، لكنّه صرّح بأنّ ذلك لاحتمال التعدّد.

وفيمشكا : ابن عبد الحميد الواقفي الثقة(٤) ، عنه ابن أبي عمير ، وصفوان ، وعوانة بن الحسين البزّاز ، ودرست(٥) .

٥٣ ـ إبراهيم بن عبد الرحمن بن أميّة :

ابن محمّد بن عبد الله بن ربيعة الخزاعي ، أبو محمّد المدني ، أسند عنه ، ق(٦) .

٥٤ ـ إبراهيم بن عبد الله القاري :

من القارة ، من خواصّ عليّعليه‌السلام من مضر ، كما في ي(٧) ،

__________________

(١) الوجيزة : ١٤٣ / ٣٠.

(٢) حاوي الأقوال : ٩٥ / ١٠٣٧.

(٣) حاوي الأقوال : ١١ / ١١.

(٤) في المصدر : الموثّق.

(٥) هداية المحدثين : ١٠.

(٦) رجال الشيخ : ١٤٦ / ٧٥.

(٧) رجال الشيخ : ٣٥ / ٣ وفيه : إبراهيم بن عبد الله القاري من القارة.

١٧٩

وقي(١) ، وصه عنه(٢) .

٥٥ ـ إبراهيم بن عبدة :

قال أبو عمرو الكشّي : حكي عن بعض الثقات بنيسابور ، وذكر توقيعا فيه طول(٣) ، يتضمّن العتب على إسحاق بن إسماعيل وذمّ سيرته ، وإقامة إبراهيم بن عبدة والدعاء له ، وأمر ابن عبدة أن يحمل ما يحمل إليه من حقوقه الى الرازي ،صه ، في باب إبراهيم(٤) .

وفي الكنى : قال أبو عمرو الكشّي : حكى بعض الثقات(٥) . وهو الصحيح.

وفيكش ، توقيع طويل يتضمّن مدحه ونهاية جلالته ، يأتي بعضه في إسحاق بن إسماعيل(٦) .

وفيتعق : قوله وهو الصحيح.

أقول : في طس أيضا كما في صه.

وفي الحاشية : هكذا بخط السيّد ، والذي في نسختين عندي للاختيار إحداهما مقروءة على السيّد : حكى بعض الثقات(٧) ، انتهى.

والظاهر أنّ ما في خطّ السيّدرحمه‌الله سهو من قلمه ، وتبعه العلاّمة غفلة لحسن ظنّه به ، فتأمّل(٨) .

__________________

(١) رجال البرقي : ٥.

(٢) الخلاصة : ١٩٢ ، وفي نسختنا منها : ابن عبيد الله القارئ.

(٣) في النسخ الخطية : في طول.

(٤) الخلاصة : ٧ / ٢٤.

(٥) الخلاصة : ١٩٠ / ٣٢.

(٦) رجال الكشي : ٥٧٥ ـ ٥٧٩ / ١٠٨٨.

(٧) التحرير الطاووسي : ١٩.

(٨) تعليقة الوحيد البهبهاني : ٢٣.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

إنَّما اللَّوْمُ لَوْمُ الجاهليَّةِ

كان لعبد الملك بن مروان عين بالمدينة يكتب إليه ما يَحدث فيها، فكتب له يوماً أنَّ علي بن الحسين (عليه السلام) أعتق جارية له ثمَّ تزوَّجها.

فكتب عبد الملك إلى علي بن الحسين (عليه السلام):

أمَّا بعد: فقد بلغني تزويجك مولاتك، وقد علمت أنَّه كان في أكفائك مِن قريش مَن تُمجَّد به في الصهر، وتستنجبه في الوُلد، فلا لنفسك نظرت ولا على وُلدك أبقيت والسَّلام.

فكتب إليه الإمام عليُّ بن الحسين زين العابدين (عليه السلام):

(أمّا بعد: فقد بلغني كتابك تعنفني بتزويجي مولاتي، وتزعم أنَّه قد كان في نساء قريش مَن أتمجَّد به في الصهر، وأستنجبه في الوُلد، وإنَّه ليس فوق رسول الله (صلى الله عليه وآله) مُرتقى في مَجد ولا مُستزاد في كرم، وإنَّما كانت مِلك يميني ثمَّ خرجت مِن مِلكي، فأراد الله عَزَّ وجَلَّ أمراً ألتمس به ثوابه فارتجعتها على سُنَّته، ومَن كان زكيَّاً في دين الله فليس يُخلُّ به شيء مِن أمره، وقد رفع الله بالإسلام الخسيسة، وتمَّم به النقيصة، وأذهب اللوم، فلا لَوْمَ على امرِئٍ مُسْلِمٍ، إنَّما اللَّوْمُ لَوْمُ الجاهليَّةِ والسَّلام).

فلمَّا قرأ الكتاب رمى به إلى ابنه سليمان فقرأه، فقال: يا أمير المؤمنين، لشدَّ ما فخر عليك عليُّ بن الحسين!! فقال: يا بُنيَّ، لا تقل ذلك، فإنَّها ألسُن بني هاشم التي تفلق الصخر، وتغرف مِن بحر، إنَّ عليَّ بن الحسين (عليه السلام) - يا بني - يرتفع مِن حيث يتَّضع الناس (1) .

____________________

(1) الشابُّ، ج1.

٢٠١

العَدل أساس المُلك

لّمَا صارَ محمد (صلى الله عليه وآله) ابْنَ سَبْعِ سِنينَ قالَ لأُمَّهِ حَليمَةَ: (يا أُمِّي، أَيْنَ إخْوَتي؟).

قالتْ: يا بُنيّ إنَّهُمْ يَرْعَوْنَ الغَنَمَ التي رَزَقَنا الله إيَّاها بِبَرَكَتِكَ.

قالَ: (يا أُمّاهُ، ما أَنْصَفْتِني!).

قالَتْ: كَيْفَ ذلِكَ يا وَلَدي؟!

قالَ: (أكُونُ أَنا في الظِّلِّ وإخْوَتي في الشَّمْسِ والْحَرِّ الشّديدِ وأنا أَشْرِبُ مِنها اللَّبَنَ!).

الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) كان وهو في سِنِّ السابعة يتحدَّث مع مُرضعته عن الإنصاف داخل مُحيط الأُسرة الصغير، ويُنمِّي في عقله الفتيِّ مفهوم العدل والإنصاف، وعندما بلغ (صلى الله عليه وآله) وشَبَّ ترسَّخ هذا المفهوم في ذهنه أكثر، وعمد إلى نقل هذا المفهوم مِن مُحيط الأُسرة المحدود وتطبيقه على مُحيط مدينة مَكَّة الواسع، فاجتمع (صلى الله عليه وآله) مع مجموعة مِن كِبار رجال العرب في حِلف سُمِّيَ بـ: (حلف الفضول) وذلك بهدف تحقيق العدالة وتطبيق العدل الاجتماعي، فتحالف معهم دفاعاً عن حقوق الناس، وكان ما كان كما نقله لنا التاريخ.

كان نفر مِن جُرْهم وقطوراء يُقال لهم: الفضيل بن الحارث الجُرهمي، والفضيل بن وداعة القطوريِّ، والمفضل بن فضالة الجرهمي اجتمعوا فتحالفوا أنْ لا يُقرُّوا ببطن مَكَّة ظالماً، وقالوا: لا ينبغي إلاَّ ذلك؛ لما عَظَّم الله مِن حَقَّها، فقال عمر بن عوف الجُرهمي:

إنَّ الفُضول تحالفوا وتعاقدوا

ألا يَـقرَّ بـبطن مَكَّة ظالم

أمـرٌ عليه تعاهدوا وتواثقوا

فـالجار والمعترُّ فيهم سالم

٢٠٢

ثمَّ درس ذلك، فلم يبق إلاَّ ذِكره في قريش.

ثمَّ إنَّ قبائل مِن قريش تداعت إلى ذلك الحلف، فتلاقوا في دار عبد الله بن جدعان لشرفه وسِنِّه، وكانوا بني هاشم وبني عبد المُطَّلب وبني أسد بن عبد العِزَّى وزهرة بن كلاب وتيم بن مُرَّة، فتحالفوا وتعاقدوا أنْ لا يجدوا بمَكَّة مظلوماً مِن أهلها أو مِن غيرهم مِن سائر الناس، إلاّ قاموا معه وكانوا على ظلمه حتَّى تُردُّ عليه مظلمته، فسَّمت قريش ذلك الحِلف حِلف الفُضول.

كان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) يتجنَّب في فترة شبابه الاختلاط في ذلك العصر الجاهلي قدر الإمكان، ويمتنع عن مُجالستهم، لكنَّه (صلى الله عليه وآله) شارك في هذا الحِلف بكلِّ سرور ورَحابة صدرٍ، وتعاون مع الأشخاص الذين تعاهدوا وتواثقوا على بَسط العدل؛ لأنَّ هذا الحِلف جاء مُطابقاً لمرامه وطباعه (صلى الله عليه وآله) ونفسِهِ التَّوَّاقةِ للعدل.

فالذي يُفكِّر بالعدل مُنذ طفولته، ويتحدَّث عن الإنصاف مع مُرضعته وهو ابن سبع سنين، لا بُدَّ أنْ يترسَّخ هذا المفهوم في نفسه أكثر عندما يُصبح شابَّاً. وكان لا بُدَّ للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنْ يستفيد مِن كلِّ فُرصة تُسنح له، ويلجأ إلى اتِّباع شتَّى الأساليب لتطبيق العدل الاجتماعي، الذي يُشكِّل هدفاً مُقدَّساً بالنسبة له (صلى الله عليه وآله). وفعلاً حانت الفُرصة المُنتظرة، عندما قرَّر عدد مِن كبار رجال مَكَّة بذل ما بوسعهم لتطبيق العدل ووضع حَدٍّ للظلم والجور، فاغتنمها رسول الله (صلى الله عليه وآله) مُعلناً استعداده للتعاون معهم والانضمام للحٍلف، فكان ما كان.

وقد دعا الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) الناس قاطبة إلى العدل مُنذ بُعِث نَبيَّاً. وقد تخطَّت دعوته حدود مَكَّة وبلاد الحِجاز، وكان لها صدى واسع في جميع أنحاء المعمورة. ولم تَغِب ذِكرى حِلف الفضول عن بال رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي كان يتذكَّرها، فيسعد ويفخر بها.

٢٠٣

فَقَالَ حِينَ أَرْسَلَهُ الله تعالى: (لَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ عُمومَتي حِلْفاً في دارِ عَبْدِ الله بنِ جَدْعانَ، ما أُحِبُّ أنَّ لي بهِ حُمْرَ النَّعّمِ، ولّو دُعِيتُ بهِ في الإسْلام لأَجَّبْتُ).

لا أحد يعلم - على وجه التحديد - كمْ مَرَّة نجح حِلف الفضول مُنذ قيامه في إحقاق الحَقِّ وبسط العدل بين الناس، ولكنْ هناك حالتان نوردهما بإيجاز حسبما وردت في التواريخ.

السبب في هذا الحِلف والحامل عليه أنَّ رجلاً مِن زبيد قدم مَكَّة ببِضاعة، فاشتراها منه العاص بن وائل، وكان مِن أهل الشرف والقَدر بمَكَّة، فحبس عنه حقَّه فاستعدى عليه الزبيدي الأحلاف: عبد الدار، ومخزوماً وجمح، وسهماً، وعدي بن كعب فأبوا أنْ يُعينوا على العاص وانتهروه - أيْ الزبيدي - فلمَّا رأى الزبيدي الشرَّ رقي على أبي قبيس عند طلوع الشمس وقريش في أنديتهم حول الكعبة، فقال بأعلى صوته:

يـا آل فِـهرٍ لمَظلوم بضاعته

بـبطن مَكَّة نائي الدهر والقَفر

ومُحرم أشعث لم يقض عمرته

يا للرجال وبين الحِجر والحِجر

إنَّ الـحرام لمَن تمَّت مكارمه

ولا حـرام لثواب الفاجِر الغَدر

والحرام بمعنى الاحترام؛ فقام في ذلك الزبير بن عبد المُطَّلب مع عبد الله بن جدعان، واجتمع إليه مَن تقدَّم وتعاقدوا وتعاهدوا ليكونُنَّ يداً واحدة مع المظلوم على الظالم، حتَّى يؤدَّى إليه حَقَّه شريفاً أو وضيعاً، ثمَّ مشوا إلى العاص بن وائل فانتزعوا منه سلعة الزبيدي فدفعوها إليه.

وفي رواية أُخرى أنَّ رجلاً مِن خثعم قَدِم مَكَّة مُعتمراً أو حاجَّاً، ومعه بنت له جميلة فاغتصبها منه نبيه بن الحَجَّاج فقيل له: عليك بحِلف الفضول، فوقف عند الكعبة ونادى يا لحلف الفضول، فإذا هُمْ يعنقون إليه مِن كلِّ جانب، وقد انتضوا أسيافهم - أيْ جرَّدوها - يقولون: جاءك الغوث فما لك؟

فقال: إنَّ نَبيهاً ظلمني في بُنيَّتي فانتزعها مِنِّي قَسراً.

٢٠٤

فساروا إليه حتَّى وقفوا على باب داره فخرج إليهم، فقالوا له: أخرج الجارية فقد علمت مَن نحن، وما تعاهدنا عليه.

فقال: أفعل، ولكنْ متِّعوني بها الليلة.

فقالوا: لا والله، ولا شَخْب لقحة - أيْ مُقدار زمن - فأخرجها إليهم (1) .

____________________

(1) الشابُّ، ج1.

٢٠٥

الأحداث أسرع إلى الخير

عندما خرج الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) شاهراً دعوته بين الناس في مَكَّة، دبَّت فورة عظيمة بين جيل الشابِّ، فتجمعَّوا بدافعٍ مِن ميولهم الفطريَّة حول الرسول (صلى الله عليه وآله) ينهلون مِن مَعين أحاديثه الشريفة، وقد أثار هذا الأمر خلافات بين الشباب وأُسرهم، ودفع بالمُشركين إلى الاحتجاج على ذلك عند الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله).

... فاجتمعت قريش على أبي طالب فقالوا: يا أبا طالب، إنَّ ابن أخيك قد سبَّ آلهتنا، وأفسد شبابنا، وفرَّق جماعتنا.

لقد بلغت دعوة النبيِّ محمّد (صلى الله عليه وآله) أسماع كلِّ الناس مِن رجال ونساء، وشيوخٍ وشبابٍ، إلاّ أنَّ الشباب كانوا أكثر تأثُّراً بهذه الدعوة واندفاعاً لها؛ لأنَّ توقُّد الحِسِّ الديني لديهم خِلال مرحلة البلوغ، جعلهم مُتعطِّشين لتعلُّم فضائل الإيمان والأخلاق، ولهذا كانت كلمات الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) تنزل في نفوسهم كالماء السلسبيل، كما أنَّها كانت بالنسبة لهم بمثابة غذاء للروح، دون غيرهم مِن الشيوخ والطاعنين في السِّنِّ.

فلمَّا أوفد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) مصعب بن عمير إلى المدينة، ليُعلِّم أهلها قراءة القرآن، وينشر بينهم التعاليم والمعارف الإسلاميَّة، كان الشباب أوَّل مَن لبَّى دعوته، حيث أبدوا رغبة شديدة في تعلُّم قراءة القرآن واكتساب التعاليم الإسلاميَّة.

وكان مصب نازلاً على أسعد بن زرارة، وكان يخرج في كلِّ يوم ويطوف على مجالس الخزرج، يدعوهم إلى الإسلام فيُجيبه الأحداث (1).

____________________

(1) الشابُّ، ج1.

٢٠٦

الحِلم سيِّد الأخلاق

مَرّ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) بِقَوْمٍ فيهِمْ رَجُلٌ يَرْفَعُ حَجَراً يُقالُ لَهُ: حَجَرُ الأَشِدَّاءِ وهُمْ يُعْجَبُونَ مِنْهُ.

فَقالَ: (ما هذا؟).

قالُوا: رَجُلٌ يَرْفَعُ حَجَراً يُقالُ لَهُ: حَجَرُ الأَشِدّاءِ.

قال: (أَفَلا أُخْبِرُكُمْ بِما هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ؟

رَجُلٌ سَبَّهُ رَجُلٌ فَحَلُمَ عَنْهُ، فَغَلَبَ نَفْسَهُ وغَلَبَ شَيْطانَهُ وشَيْطانَ صاحِبهِ).

يرى أئمَّة أهل البيت (عليهم السلام) أنَّ غلبة النفس الأمَّارة، التي فيها يكمن عزم الإنسان وقُدرته، لتبعث على العِزَّةِ والفَخر. والفتى الذي يبحث عن حَقٍّ وصدق عمَّا يرفع به رأسه بين الناس، عليه أنْ يبني شخصيَّته على أساسٍ مِن الحِلم والصبر والثبات والإرادة وغلبة النفس، ليؤمِّن سعادته في الدنيا والآخرة (1).

____________________

(1) الشابُّ، ج1.

٢٠٧

في حلالها حساب وفي حرامها عِقاب

كان ليزيد بن مُعاوية وَلد يُدعى: مُعاوية، كان يُحبُّه حُبَّاً جَمَّاً، ويودُّ تربيته تربية تعينه على بلوغ مُنيته، فاختار له مؤدِّباً ومُعلِّماً فاضلاً يُدعى (عمو المقصوص)، وقد عُرف هذا المؤدِّب بإيمانه وورعه، وحُبِّه ومولاته لأمير المؤمنين عليٍّ (عليه السلام)، وبغضه الدفين لظلم وبغي مُعاوية بن أبي سفيان ووَلده يزيد.

وقد حرص هذا المُعلِّم الكفوء على تعليم وتربية مُعاوية بن يزيد على التعاليم الإسلاميَّة، وتحريم وتنمية حِسِّ الإيمان والعقل والرغبة في المعرفة الدينيَّة في كيانه، وقد أفلح فعلاً في أنْ يصنع مِن مُعاوية بن يزيد فرداً مؤمناً عاقلاً، ومُحبِّاً لعليٍّ وآله (عليهم السلام أجمعين).

وقد بُويع لمُعاوية بن يزيد بالخلافة يوم موت أبيه وهو في عنفوان شبابه، حيث لم يكن يتجاوز العشرين مِن عُمره.

إنَّ سِنّ العشرين هو مِن سِنيِّ الدورة الواقعة بين سِنِّ الـ 18 والـ 23، وهي مرحلة تبرز فيها الرغبات بقوَّة في أعماق الفتيان والشباب، ففيها تصل الشهوة الجنسيَّة إلى ذروتها، وتنفتح أحاسيس التفوُّق والشُّهرة، وحُبُّ المال والجاه في ذات الشابِّ بعُنفٍ.

وخلال هذه الدورة يُصبح الشابُّ مُتعطِّشاً لتحصيل اللذائذ وإشباع الشهوات، وقد يلجأ إلى سلوك الطريق الملتوية وغير المشروعة؛ لتحقيق أمانيه ورغباته الدفينة.

إنَّ خلافة يزيد وحكومة بلاد واسعة كانت بالنسبة لمُعاوية الشابِّ أفضل وسيلة لإشباع ميوله ورغباته؛ إذ كان بإمكانه إشباع نزواته الجنسيَّة، وأحاسيس التفوُّق، وحُبِّ المال والجاه وغيرها مِن الرغبات الجامعة التي تكمن في أعماق كلِّ شابٍّ

٢٠٨

بصورة فطريَّة، فمُعاوية بن يزيد كان قادراً على استغلال وجوده على عرش الخلافة شَرَّ استغلال، في إرضاء غرائزه لو كان عبداً لهواه، ذليلاً لشهواته، لو لم يكن قد نشأ في ظِلِّ تربية إسلاميَّة صحيحة، وترعرع في كِنف مؤدِّبٍ كفوءٍ رسَّخ في نفسه روح الإيمان بالله والتعاليم الإسلاميَّة الحَقَّة؛ ليجعل منه إنساناً ذا إرادة قويَّة، مُتحرِّراً مِن قيود النفس الأمَّارة مُستقلَّاً لن يؤثِّر فيه منصب الخلافة بكلِّ عظمتها.

لقد أقام مُعاوية بن يزيد في الخلافة أربعين يوماً، نظر فيها في كلِّ ما ارتكبته حكومة أبيه وجَدِّه، مِن بغي وسوء فِعالٍ وجُرأة على الله سبحانه وتعالى، فأدرك عُظم الجرائم التي ارتكبها أبوه يزيد بن مُعاوية طيلة فَترة خلافته، الذي تجرَّأ على الله وبغى على مَن استحلَّ حُرمته مِن أولاد رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فوجد مُعاوية بن يزيد أمام مُفترق طريقين، عليه أنْ يختار سلوك أحدهما، فإمَّا أنْ يستمرَّ في الخلافة ويسير على خُطى أبيه وجَدِّه في البغي والرذيلة، ومُمارسة الظلم بحَقِّ العباد، وإشباع جميع رغباته وغرائزه، وإمَّا أنْ يُطيع أوامر الله ويسلك طريق الحَقِّ والفضيلة، ويخلع نفسه عن الخلافة التي لن تعود عليه إلاّ بالذِّلِّ والعار.

وقد اتَّخذ مُعاوية بن يزيد قراره، واستطاع بقوَّة إيمانه والتربية السليمة، التي عاش في ظلِّها أيَّام طفولته وصباه، أنْ يتغلَّب على هواه ويُصمِّم على إقالة نفسه مِن الخلافة، فصعد المِنبر ثمَّ حمد الله وأثنى عليه وذكر النبي (صلى الله عليه وآله) بأحسن ما يذكر به، ثمَّ قال:

أيُّها الناس، إنَّ جَدِّي مُعاوية بن أبي سفيان قد نازع في أمر الخلافة مَن كان أولى بها منه ومِن غيره؛ لقَرابته مِن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وعظم فضله وسابقته، أعظم المُهاجرين قدراً وأشجعهم قلباً، وأكثرهم علماً، وأوَّلهم إيماناً، وأشرفهم منزلة، وأقدمهم صُحبة، ابن عَمِّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصِهره وأخوه، زوَّجه (صلى الله عليه وآله) ابنته فاطمة وجعله لها بَعلاً وجعلها له زوجة، أبو سِبطيه سيِّدي شباب أهل الجَنَّة، وأفضل هذه الأُمَّة، فركب جَدِّي منه ما تعلمون وركبتم معه ما لا

٢٠٩

تجهلون حتَّى انتظمت لجَدِّي الأُمور، فلمَّا جاءه القدر المحتوم واخترمته أيدي المَنون، بقي مُرتهناً بعلمه فريداً في قبره، ووجد ما قدَّمت يداه ورأى ما ارتكبه واعتداه.

ثمَّ انتقلت الخلافة إلى أبي يزيد - والكلام ما زال لمُعاوية - ولقد كان أبي يزيد بسوء فعله وإسرافه على نفسه، غير خليق بالخلافة على أُمَّة محمّد (صلى الله عليه وآله)، فركب هواه واستحسن خُطاه، وأقدم على ما أقدم مِن جُرأته على الله، وبغيه على مَن استحلَّ حُرمته مِن أولاد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقلَّت مُدَّته وانقطع أثره وضاجع عمله، وصار حليف حُفرته رهين خطيئته، وبقيت أوزاره وتبعاته.

ثمَّ اختنقته العبرة، فبكى طويلاً وعلا نحيبه، ثمَّ قال:

وما كنت لأتحمَّل آثامكم، ولا يراني الله جلَّت قدرته مُتقلِّداً أوزاركم وألقاه بتبعاتكم، فشأنكم أمركم فخذوه ومَن رضيتم به عليكم فولُّوه، فلقد خلعت بيعتي مِن أعناقكم والسَّلام.

فاضطرب المجلس، وقام مروان بن الحكم - وكان تحت المنبر - فقال له: أسنَّة عُمريَّة يا أبا ليلى؟!

فقال مُعاوية: اغدُ عنِّي، أعن ديني تخدعني؟! فو الله، ما ذقت حلاوة خلافتكم فأتجرَّع مرارتها. والله، لئن كانت الخلافة مَغنماً لقد نال أبي منها مَغرماً ومأثماً، ولئن كانت سوءاً فحسبه منها ما أصابها.

ثمَّ نزل عن المنبر وعيناه مُغرورقتان بالدموع.

ولمَّا رأى بنو أُميَّة ما حصل قالوا لمؤدِّبه عمر المقصوص:

أنت علَّمته هذا ولقَّنته إيَّاه، وصددته عن الخلافة، وزيَّنت له حُبَّ عليٍّ وأولاده، وحملته على ما وسمنا به مِن الظلم وحسَّنت له البِدع، حتَّى نطق وقال ما قال.

٢١٠

فقال: والله، ما فعلته ولكنَّه مجبول ومطبوع على حُبِّ عليٍّ، فلم يقبلوا منه ذلك وأخذوه ودفنوه حيَّاً حتَّى مات (1) .

____________________

(1) الشابُّ، ج1.

٢١١

جزاء مَن يتعدَّ حُرمات الله

كان الخليفة العباسي المُتوكِّل يبرز عِداءه الشديد وبُغضه للإمام عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وعندما يذكره كان لا يُسمِّيه إلاِّ بـ: (أبو تراب)، ولا يتورَّع في المجالس العامَّة عن توجيه الإهانة له (عليه السلام)، لكنَّ وَلَده الشابَّ وولي عهده المُنتصر كان مُتألِّماً جِدَّاً مِن سُلوك أبيه إزاء الإمام علي (عليه السلام)، ولكنْ لم يكن يملك أمام هذا السلوك إلاَّ التزام الصمت، وقد جاء في كُتب التاريخ أنَّ المُتوكِّل كان يُبغض عليَّاً (عليه السلام) وينتقصه، فذكره وغَضَّ منه، فتمعَّر وجه ابنه المُنتصر لذلك، فشتمه المُتوكِّل وأنشأ يقول:

غَضِبَ الفَتى لابنِ عَمِّه

رَأسُ الفَتى في حَرِّ أُمِّهِ

لم يُطِق المنتصر هذه الإهانة التي سمعها مِن أبيه، وهو وليُّ العهد الذي كان آنذاك في الخامسة والعشرين مِن العمر، وتأثَّر كثيراً لانتقاص أبيه منه أمام المَلأ، فأضمر له أمراً يُعوِّض له عمَّا حَقَّره به وحَقد عليه، وقَرَّر الأخذ بالثأر الذي يمحو عنه إهانة أبيه، وأغراه ذلك على قتله، فخطَّط مع بعض الغُلمان على قتله في أوَّل فُرصة ووعدهم بالمال والمنصب.

فبينما المُتوكِّل جالس في قصره يشرب مع ندمائه وقد سَكر، إذ دخل بغاء الصغير وأمر النُّدماء بالانصراف، فانصرفوا ولم يَبقَ عنده إلاَّ الفتح بن خاقان، فإذا الغُلمان الذين عيَّنهم المُنتصر لقتل المُتوكِّل قد دخلوا وبأيديهم السيوف مُصلتة، فهجموا عليه، فقال الفتح بن خاقان: ويلكم! أتقتلون أمير المؤمنين؟! ثمَّ رمى بنفسه عليه، فقتلوهما جميعاً، ثمَّ خرجوا إلى المُنتصر فسلَّموا عليه بالخلافة (1) .

____________________

(1) الشابُّ، ج1.

٢١٢

المؤمن مُبتلى

كان أحد صحابة الإمام الصادق (عليه السلام) يُدعى يونس بن عمّار، وذات يوم أُصيب يونس بمرض البَّرص أو الجُذام، وغطَّت بُقعٌ بيضاء كامل وجهه، فأثَّرت في نفسه، وأخذت شخصيَّته تضمحلُّ شيئاً فشيئاَ فاقدة مكانتها الاجتماعيَّة، وقد قيل في حَقِّه: لو كان للإسلام به حاجة، أو كان لوجوده أدنى أثر أو قيمة لما ابتُلي بهذا البَلاء، فجاء يونس بن عمَّار إلى الإمام الصادق (عليه السلام) شاكياً لسان الناس، فقال له (عليه السلام): (لَقَدْ كانَ مُؤْمِنُ آلِ فِرعَوْنَ مُكَنَّعَ الأصابعِ فَكانَ يَقُولُ هكَذا ويَمُدُّ يَدَيْهِ ويَقُولُ: ( . .. يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ) ).

لقد رَدَّ الإمام الصادق (عليه السلام) بهذه العبارة القصيرة على أقاويل الناس الجَوفاء، حيث حاول (عليه السلام) أنْ يُثبت لنا إمكانيَّة ابتلاء المؤمن بالله وسُنَّة نبيِّه ببليَّة أو عاهة ما، مِثلما ابتُلي مؤمن آل فرعون بتلك العاهة. كما أنَّه (عليه السلام) قد ساعد في رفع معنويَّات يونس بن عمّار؛ حيث دعاه إلى عدم الابتعاد عن الناس بسبب البُقع البيضاء التي انتشرت في وجهه، وطلب منه الاستمرار بواجباته في التبليغ، كما كان يفعل مؤمن آل فرعون، حيث كان يمدُّ يده التي كانت تنقصها الأصابع ويقول: ( ... يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ) ، فتلك العاهة لم تَثنِ عزيمة مؤمن آل فرعون، ولم تُحبط معنويَّاته وشخصيَّته (1) .

____________________

(1) الشابُّ، ج2.

٢١٣

لسانك حصانك إنْ صِنته صانك

كان ابن المقفع رجلاً ذكيَّاً ذا شأنٍ عظيمٍ في عصره، وكان يمتاز عن غيره بقوَّة عقله وحِدَّة ذكائه. وقد نجح في بداية شبابه في تلقِّي العلوم، وترجمة بعض الكُتب العلميَّة إلى اللغة العربيَّة لفطنته وكفاءته الفطريَّة، إلاّ أنَّ تفوّقه العقلي والفكري جعل منه إنساناً مَغروراً، وترك في سلوكه وأخلاقه آثاراً سيِّئة، مِمَّا جعله يواجه مَشاكل جَمَّة في عَلاقاته الاجتماعيَّة.

وكان ابن المُقفع يستهزئ بالناس ويُحقِّرهم بكلمات وألفاظ بذيئة؛ ليُثير في نفوسهم روح الحِقد والعِداء.

وكان سفيان بن مُعاوية - الذي نصَّبه المنصور الدوانيقي والياً على البصرة - مِن جُملة الأشخاص الذين لم يأمنوا لسان ابن المقفع، إذ كان هذا الأخير يستهزئ بسفيان بن مُعاوية أمام الناس.

وكان سفيان بن مُعاوية ذا أنف كبير قبيح الشَّكل، وكلَّما دخل عليه ابن المقفع في دار الولاية قال بأعلى صوته أمام الملأ: السَّلام عليكم، ويعني به: السَّلام عليك وعلى أنفك الكبير، وذات يوم رَدَّ عليه سفيان بالقول: إنَّني لستُ نادماً على التزامي الصمت حيالك، فقال له ابن المقفع: إنَّ مَن خِصلته التلعثُم في الكلام يجب أنْ لا يندم أبداً على التزام الصَّمت.

وأحياناً كان ابن المقفع يُعيِّر سفيان بن مُعاوية بأُمِّه، حيث كان يُناديه بأعلى الصوت وأمام الجميع (يابن المُغتلمة) أيْ: يا ابن المُنقادة للشهوة. وذات يوم أراد ابن المقفع أنْ يظهر جهل وسذاجة سفيان، فسأله في محفل عامٍّ عن رجل يموت ويُخلِّف زوجة وزوج، كيف يتمُّ تقسيم الميراث بينهما؟

آثار ابن المقفع ذلك الرجل الذكي الفطن بكلامه المُهين، النابع مِن غُروره وتكبُّره، حِقد سفيان عليه وعداءه له، وبات سفيان يتحيَّن الفُرص للانتقام مِن ابن المقفع شرَّ انتقام.

٢١٤

وصادف أنْ ادَّعى عبد الله بن علي الخلافة على ابن أخيه المنصور الدوانيقي، وخرج لقتاله. فطلب الخليفة المنصور مِن أبي مُسلم الخراساني الخروج إلى البصرة بجيش جرَّار لقتال عَمِّه، وأخيراً انتصر جيش أبي مسلم على جيش عبد الله بن علي، الذي لجأ إلى أخويه سليمان وعيسى مُتخفِّياً عندهم. وبعد فترة توجَّه الأخوان إلى المنصور، وطلبا منه الصَّفح عن أخيهما عبد الله، فقبل المنصور شفاعتهما، وقرَّر أنْ يَكتُبا عهد أمان ليوقِّعه المنصور الدوانيقي.

وبعد عودتهما إلى البصرة أوكلا إلى ابن المقفع، الذي كان يعمل حينها كاتباً لدى عيسى، كتابة عهد الأمان، وطلبا منه أنْ يكون الكتاب مِن القوَّة بمكان، بحيث يسلب الدوانيقي كلَّ قُدرة على إلحاق الأذى بأخيهما عبد الله، فكتب ابن المقفع عهد الأمان وغالى في تنظيمه، حيث ذكر فيه أنَّ المنصور الدوانيقي إذا ما مكر بعَمِّه عبد الله بن علي وألحق به الأذى، فإنَّ أمواله ستوزع على الرعيَّة، وسيعتق عبيده وجواريه ويُصبِح المسلمون في حِلٍّ مِن بيعته. وعندما دخلا على المنصور وهما يحملان كتاب الأمان ليوقِّعه، ثارت ثائرته فسأل عن الكاتب، فقيل له: إنَّه ابن المقفع، فأمر المنصور بعد أنْ امتنع عن التوقيع، أمر والي البصرة سِرَّاً بقتل ابن المقفع.

ولمَّا كان سُفيان والي البصرة يحمل ما يحمل في جوفه مِن عِداءٍ لابن المقفع، الذي طالما مَسَّ كرامته وجرح شعوره، ويتحيَّن الفرصة للانتقام، جاءت أوامر الخليفة المنصور بقتل ابن المقفع لتَثْلُج صدر سفيان الذي استغلَّ هذه الفُرصة المُناسبة للانتقام مِن غريمه.

فأمر سفيان بحبس ابن المقفع في حُجرة، فدخل عليه وقال له: أتذكر ما قتله في شأني وشأن أُمِّي؟ والله، إنَّ أُمِّي لمُغتلمة إنْ لم أقتلك قتلة لم ترَ الرعيَّة مِثلها مِن قبل، فأمر سفيان بإشعال التنُّور، وجيء بابن المقفع وكان حينها في السادسة والثلاثين مِن العُمر، فأخذ يقتطَّع مِن جسمه قطعة قطعة ويرميها أمام ناظريه داخل التنُّور، ومازال كذلك حتَّى قضى بهذه الطريقة المُفجعة (1) .

____________________

(1) الشابُّ، ج2.

٢١٥

لا طاعة لمَخلوق

حتَّى لو كان أُمَّاً في مَعصية الخالق

لقد أحدثت كلمات الرسول (صلى الله عليه وآله) وخُطبه المؤثِّرة في بدايات الدعوة تحوُّلاً روحيَّاً عظيماً في جيل الشباب، ولمَّا كان الشباب بفطرتهم ثوريِّين ويرغبون في التجدُّد والحداثة، التفُّوا حول الرسول (صلى الله عليه وآله) مُعلنين انضواءهم تحت راية الإسلام، فبدأوا في ظِلِّ قيادته الرشيدة وتوجيهاته الحكيمة حملة ضِدَّ السُّنَن الفاسدة، والعادات والتقاليد المذمومة التي كانت سائدة آنذاك، مُعلنين عن مُخالفتهم للمُعتقدات والأفكار الباطلة أينما حلُّوا في أُسرتهم ومُجتمعهم، أو في حِلِّهم وترحالهم.

كان سعد بن مالك مِن الشباب النشيطين والمُتحمِّسين في صدر الإسلام، وقد اعتنق الإسلام على يد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وهو في سِنِّ الـ 17، وكان سعد قد أظهر وفاءه للإسلام ومُخالفته للجاهليَّة في أكثر مِن مكان وزمان، لا سِيَّما في الظروف الحرجة التي مَرَّ بها المسلمون قبل الهِجرة.

وكان أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله) إذا أرادوا الإتيان بالصلاة، ينزلون إلى شعاب مَكَّة ليتَّقوا شَرَّ المُشركين، فبينا سعد بن مالك في نفر مِن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) في شِعبٍ مِن شعاب مَكَّة، إذ ظهر عليهم نفر مِن المُشركين، فناكروهم وعابوا عليهم دينهم حتَّى قاتلوهم فاقتتلوا، فضرب سعد رجُلاً مِن المُشركين بلِحي جَمَل، فشجَّه فكان أوَّل دَمٍ أُريق في الإسلام.

وكان المُشركون في تلك الأيَّام في ذروة قوَّتهم وجَبروتهم، بينما المسلمون في نهاية الضعف والعجز، وأيُّ صِدامٍ بين الطرفين - آنذاك - كان يَجرُّ إلى أحداث خطيرة، ولكنَّ الشباب الذين أعدُّوا أنفسهم لتحمُّل شتَّى أنواع التعذيب والأذى لم

٢١٦

يخشوا عواقب الأُمور، أو المخاطر التي قد يواجهونها نتيجة دفاعهم عن حُرمة الإسلام.

يقول سعد: كنتُ رجلاً برَّاً بأُمِّي، فلمَّا أسلمت قالت: يا سعد ما، هذا الدين الذي أحدثت؟! لَتَدَعَنَّ دينك أو لا آكل ولا أشرب حتَّى أموت، وعيَّرتني، فقال: لا تفعلي يا أُمَّاه، فإنِّي لا أدع ديني، قال: فمكثتْ يوماً وليلة لا تأكل فأصبحت وقد جهدت وتصوَّرت أنَّ ابنها لو رآها على هذا الحال مِن الضعف سيترك دينه لبرِّه بها، وقد غاب عنها. إنَّ عطف الأُمِّ وبَرَّها لا يُمكنه أنْ يقف أمام الحُبِّ الإلهي لو تغلغل إلى النفس، ولهذا قال لها سعد في اليوم التالي:

والله، لو كانت لك ألف نفس، فخرجت نفساً نفساً ما تركتُ ديني.

ولمَّا رأت الأُمُّ التصميم القاطع لولدها، ويئست مِن تغيير مُعتقده عدلت عن قرارها بالإمساك عن الطعام.

وخُلاصة القول: إنَّ السلوك الثوري للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) والخُطب الحماسيَّة كان لها الأثر الكبير في بناء شخصيَّة ثوريَّة للشباب، الذين ثاروا بالاتِّكال على الله وتوجيهات قائدهم العظيم ضِدَّ سُنَن الجاهليَّة الفاسدة، فحطَّموا الأصنام وهدُّوا بيوتها واقتلعوا جذور الظلم والعدوان، وقضوا على الآداب والتقاليد والعادات الباطلة والنُّظم الفاسدة، وأقاموا مكانها نظاماً جديداً قائماً على أساس العلم والإيمان، والعدل والحُرِّيَّة، والأخلاق والفضيلة، استطاع أنْ يُنقذ البشريَّة مِن الجهل والضلالة (1) .

____________________

(1) الشابُّ، ج2.

٢١٧

مَن يَتَّقِ الله يجعل له مَخرجاً

مِن الأشخاص الذين آمنوا بما جاء به الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في بداية البعثة، وفي ظلِّ أكثر الظروف قساوةً، عياش بن أبي ربيعة وزوجته أسماء بنت سلامة، فقد عانا الكثير مِن المشاكل والصعوبات والضغوطات في طريق إعلاء كلمة الحَقِّ.

كان لعياش شقيقان مِن أُمِّه هُما: أبو جهل، والحارث، وكان عندما اعتنق الإسلام في الثلاثين مِن عُمُره وزوجته في العشرين مِن العُمر، وما أنْ أعلن عياش إسلامه حتَّى ثارث ثائرة قومه، فحاولوا تعذيبه وإلحاق الأذى به؛ لمنعه مِن اتِّباع النبي (صلى الله عليه وآله)، إلاَّ أنَّ ذلك لم يؤثِّر به وبقي ثابتاً على إسلامه.

وهاجر عياش وزوجته بمعيَّة مجموعة مِن المسلمين إلى الحبشة، بأمر مِن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، لكنَّهما عادا إلى مَكَّة ثانية قبل الآخرين، فتعرَّضا مُجدَّداً لأذى المُشركين وتعذيبهم، حتَّى حان موعد هِجرة الرسول (صلى الله عليه وآله) والمسلمين إلى المدينة، فهاجرا وتخلَّصا مِن شَرِّ الأعداء.

وعندما علمت أسماء أُمُّ عياش بهجرة ولدها أقسمت اليمين، بأنَّها لن تدهن شَعرها ولن تجلِس في فَيء حتَّى يعود عياش، فشدَّ أبو جهل والحارث الرحال إلى المدينة، وأخبرا عياش بما أقسمت عليه أُمُّهم، وقالا له: إنَّك أكثرنا مكانة عند أُمِّنا، وإنَّك على دين يوصي ببَرِّ الوالدين، فعُدْ إلى مَكَّة واعبدْ ربَّك فيها كما تعبده هنا في المدينة.

فلمَّا سمع عياش بذلك تألَّم لحال أُمِّه وصَدَّق أخويه، فطلب منهما عهداً بعدم الخيانة إنْ هو عاد إلى مَكَّة، فغادر معهما المدينة، وما أنْ ابتعدوا عن المدينة حتَّى شرعا يُعذِّبانه ويؤذيانه، فربطاه ودخلا به مَكَّة نهاراً وهو على هذه الحال، وقالا:

٢١٨

(يا أهل مَكَّة، هكذا فافعلوا بسُفهائكم كما فعلنا بسفيهنا)، ثمَّ رميا به في حُجرة لا سقف له.

وبقي عياش سجيناً في مَكَّة لسنوات عديدة، لاقى خلالها شتَّى صنوف التعذيب، لكنَّه لم تظهر عليه علامات الضعف المعنوي والانهيار الروحي، فقد كان على اتَّصال بخالقه مُتسلِّحاً بقوَّة الإيمان في وجه المصائب والمصاعب.

وكان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في المدينة يدعو له بالخلاص، وكان الناس مُتأثِّرين لما حَلَّ بعياش، وبعد مُدَّة تمكَّن أحد المسلمين - في خُطَّةٍ بارعةٍ - مِن التسلُّل إلى مَكَّة وإنقاذ عياش مِن السِّجن والعودة به إلى المدينة (1) .

____________________

(1) الشابُّ، ج2.

٢١٩

قوَّة الإيمان أقوى مِن قوَّة الجَسد

مِن المسلمين الأوائل سعيد بن زيد وزوجته فاطمة، حيث اعتنق سعيد الإسلام وهو في العشرين مِن العُمر وزوجته تصغره بسنوات، كان سعيد وزوجته يحضران عند الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في ظروف مشحونة بالمخاطر لاكتساب تعاليم الإسلام وتعلُّم قراءة القرآن.

وكان لفاطمة شقيق حادُّ الأخلاق قويَّ الجِسم، شديد المُعارضة للإسلام. وذات يوم مِن أيَّام الصيف الحار التقى به رجل مِن قريش في أزقَّة مَكَّة، وقال له: أنت تزعم أنَّك هكذا؟ وقد دخل عليك هذا الأمر في بيتك وصبأت أُختك، فرجع غاضباً. وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يجمع الرجل والرجلين إذا أسلما عند الرجل به قوَّة، فيكونان معه ويُصيبان مِن طعامه. وقد كان ضُمَّ إلى زوج أُخته رجلين، فجاء وقرع الباب والقوم يقرأون القرآن في صحيفة معهم، فلمَّا سمعوا الصوت تبادروا واختفوا، وقامت المرأة وفتحت الباب، فقال لها: يا عدوَّة نفسها، قد بلغني أنَّك أسلمت، وصفعها بقوَّة فسال الدمُ مِن وجهها، فلمَّا رأت الدمَ كشفت عن السِّرِّ وقالت بكلِّ صَراحة وثَبات: ما كنتَ فاعلاً فافعل، فقد أسلمت.

لقد كانت النساء والبنات مُضطهدات في العصر الجاهليِّ ومحرومات مِن حُقوقهنَّ الإنسانيَّة والمدنيَّة، وكُنَّ يُعاملن أسوأ مِن مُعاملة العبيد والحيوانات، إلى أنْ جاء الإسلام حاملاً منهجه التربوي، الذي يضمن للمرأة شخصيَّتها ويمحنها قوَّة في الإرادة واستقلالاً في الفكر، استطاعت مِن خِلالهما فتاة شابَّة الوقوف بوجه أخيها دفاعاً عن إيمانها ومُعتقدها بكلِّ شجاعة (1).

____________________

(1) الشاب، ج2.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390