منتهى المقال في أحوال الرّجال الجزء ١

منتهى المقال في أحوال الرّجال15%

منتهى المقال في أحوال الرّجال مؤلف:
المترجم: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: علم الرجال والطبقات
ISBN: 964-5503-89-2
الصفحات: 390

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 390 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 195354 / تحميل: 6597
الحجم الحجم الحجم
منتهى المقال في أحوال الرّجال

منتهى المقال في أحوال الرّجال الجزء ١

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٨٩-٢
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

فقال الشهيد الثاني : إنّه يطلق على غير العربي الخالص ، وعلى المعتق ، وعلى الحليف ، والأكثر في هذا الباب إرادة المعنى الأول ، انتهى(١) .

والظاهر أنّه كذلك ، إلاّ أنّه يمكن أن يراد منه النزيل أيضا ، فعلى هذا لا يحمل على معنى إلاّ بالقرينة ، ومع انتفائها فلعلّ الراجح الأول لما ذكر(٢) .

فائدة :

الواقفة من وقف على الكاظمعليه‌السلام ‌ ، ويقال لهم أيضا : الممطورة ، أي : الكلاب المبتلة من المطر(٣) .

وربما يطلق الواقف على غيرهعليه‌السلام أيضا(٤) . لكن المطلق ينصرف إلى الأول ، ولا ينصرف الى غيرهعليه‌السلام إلاّ بقرينة ، ولعلّ من جملتها عدم دركه الكاظمعليه‌السلام ، وموته قبله أو في زمانهعليه‌السلام ، كسماعة بن مهران ، وعلي بن حيان ، ويحيى بن القاسم ، لكن يأتي فيه عن المصنفرحمه‌الله جواز الوقف قبلهعليه‌السلام وحصوله في زمانه ، فتأمل(٥) .

وقال جديرحمه‌الله : الواقفة صنفان : صنف منهم وقفوا عليهعليه‌السلام وفي زمانه ، بأن اعتقدوا كونهعليه‌السلام قائم آل محمّد ، لشبهة حصلت لهم مما ورد عنه وعن أبيهعليهما‌السلام أنّه صاحب الأمر ، ولم يفهموا أن كل‌

__________________

العرب : ١٥ / ٤٠٨.

(١) الرعاية في علم الدراية : ٣٩٢.

(٢) التعليقة : ٩.

(٣) فرق الشيعة ـ للنوبختي ـ : ٨١.

(٤) راجع إكمال الدين : ٤٠.

(٥) منهج المقال : ٣٧٢.

٨١

واحد منهمعليهم‌السلام صاحب الأمر ، أي أمر الإمامة ، ومنهم سماعة بن مهران ، لما نقل من أنّه مات في زمانهعليه‌السلام ، وغير معلوم كفر مثل هذا الشخص لأنه عرف إمام زمانه. ولا يجب عليه معرفة من بعده ، نعم إذا سمع أنّه فلان ، ولم يعتقد ، يصير كافرا. انتهى(١) .

ويشير الى ما ذكرهرحمه‌الله أنّ الشيعة لفرط حبهم وترجّيهم لدولة قائم آل محمّدعليه‌السلام كثيرا ما كانوا يسألون عنهعليه‌السلام ، فربما كانوا يقولون : فلان ـ أي الإمام الآتي ـ وما كانواعليهم‌السلام يظهرون مرادهم من القائم مصلحة لهم ، وتسلية لخواطرهم ، حتى قالواعليهم‌السلام : إنّ الشيعة تربّى بالأماني.

وربما كانواعليهم‌السلام يشيرون الى مرادهم ، وهم لفرط ميلهم وزيادة حرصهم لا يتفطّنون ، ولعلّ عنبسة وأشباهه كانوا كذلك.

وسنذكر في سماعه(٢) ويحيى بن القاسم(٣) وغيرهما أنّهم رووا أنّ الأئمة اثنا عشر ، ولعله لا يلائم ما ذكرهرحمه‌الله .

ويمكن أن يكون نسبة الوقف إلى أمثالهم لادّعاء الواقفة كونهم منهم لكثرتهم من الرواية عنهم ، أو لروايتهم عنهم ما يوهم الوقف.

وكيف ما كان ، فالقدح بمجرد رميهم بالوقف ـ بالنسبة إلى الّذين ماتوا في زمان الكاظمعليه‌السلام ، والّذين رووا أنّ الأئمة اثنا عشر ، وكذا من روى عن الرضاعليه‌السلام ـ لا يخلو عن إشكال ، لأنّ الواقفة ما كانوا يروون عنهعليه‌السلام .

__________________

(١) فتشت عليه كثيرا في كتاب روضة المتقين فلم أعثر عليه.

(٢) الكافي ١ : ٤٤٩ / ٢٠.

(٣) رجال الكشي : ٤٧٤ / ٩٠١.

٨٢

وممّا ذكر ظهر حال الناووسية أيضا ، ولعلّ الفطحية أيضا كذلك.

فائدة :

من يذكره النجاشي ـ أو مثله ـ ولم يطعن عليه‌ ، ربما جعله بعض سبب قبول روايته ، منه ما سيجي‌ء في الحكم بن مسكين.

أقول : من يذكره الشيخ في الفهرست من غير قدح وإشارة الى مخالفة في المذهب ، ينبغي القطع بكونه إماميا عنده ، لأنّه فهرست كتب الشّيعة وأصولهم وأسماء المصنّفين منهم ، كما صرّح بذلك نفسه في الفهرست(١) .

ومثله القول في النجاشي ، لأنّهرحمه‌الله ألّفه لذكر سلف الإمامية رضوان الله عليهم ، ومصنفاتهم كما صرّح به في أوله(٢) ، فلاحظ.

وصرح السيد الدامادرحمه‌الله في الرواشح : بأنّ عدم ذكر النجاشي كون الرجل عاميا في ترجمته يدل على عدم كونه عاميا عنده(٣) ، ويظهر ذلك من كلام المحقق الشيخ محمّد في ترجمة عبد السلام الهروي ، فلاحظ.

وكذا الكلام في رجال ابن شهرآشوب لأنّه معالم العلماء في فهرست كتب الشّيعة وأسماء المصنّفين منهم قديما وحديثا(٤) .

بل يقوى في الظن عدم اختصاص ذلك بمن ذكر ، كما صرّح به في الحاوي حيث قال : اعلم أنّ إطلاق الأصحاب لذكر الرجل يقتضي كونه إماميا ، فلا يحتاج الى التقييد بكونه من أصحابنا وشبهه ، ولو صرّح كان تصريحا بما علم من العادة ، نعم ربما يقع نادرا خلاف ذلك ، والحمل على‌

__________________

(١) الفهرست : ٢.

(٢) رجال النجاشي : ٣.

(٣) الرواشح السماوية : ٦٧ ، الراشحة السابعة عشر.

(٤) معالم العلماء : ٢.

٨٣

ما ذكرناه عند الإطلاق مع عدم الصارف متعين(١) ، انتهى ، وهو جيّد.

فائدة :

في أسباب المدح ، والقوة ، وقبول الرواية.

منها : قولهم : مضطلع بالرواية ، أي قوي وعال لها(٢) .

ومنها : سليم الجنبة ، قيل : معناه سليم الأحاديث وسليم الطريقة(٣) .

ومنها : قولهم : من أولياء أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وربما جعل دليلا على العدالة. وفيه تأمّل ، نعم من الأولياء ظاهر فيها.

ومنها : خاصّي ، عند خاليرحمه‌الله (٤) ، ولعله لا يخلو من التأمل ، لاحتمال إرادة كونه من الشيعة في مقابل قولهم : عامّي لا أنّه من خواصّهمعليهم‌السلام ، وكون المراد من العامّي ما هو في مقابل الخواص لعله بعيد ، فتأمل(٥) .

ومنها : قريب الأمر ، عند أهل الدراية ، ولا يخلو من التأمل(٦) .

__________________

(١) الحاوي : ٦.

(٢) قال في مقباس الهداية : ٢ / ٢٣٨ : ولا ريب في إفادته المدح لكونه كناية عن قوته وقدرته عليها ، فإنّ اضطلاع الأمر القدرة عليه ، كأنّه قوّيت ضلوعه بحمله ، ولكن في إفادته المدح المعتد به تأمّل ، وأمّا التوثيق فلا ريب في عدم دلالته عليه.

(٣) عدّه في توضيح المقال : ٥٠ ، ضمن الألفاظ التي لا تفيد مدحا ولا قدحا ، وجعله أقوى من سابقه ثم قال : نعم استفادة مطلق المدح من ذلك معلوم.

(٤) حيث عدّ حيدر بن شعيب ـ الذي قال عنه الشيخ في رجاله : ٤٦٧ / ٣١ : خاصي ـ في وجيزته : ٢٠٤ / ٦٤٥ ، ممدوح.

(٥) وقال الشهيد الثاني في الرعاية ٢٠٨ : وأمّا الخاص ، فمرجع وصفه إلى الدخول مع إمام معين ، أو في مذهب معين ، وشدة التزامه به أعم من كونه ثقة في نفسه ، كما يدل عليه العرف.

(٦) قال الشهيد الثاني في الرعاية : ٢٠٨ وأما قريب الأمر ، فليس بواصل الى حدّ المطلوب ، وإلاّ ، لما كان قريبا منه ، بل ربما كان قريبا الى المذهب من غير دخول فيه رأسا.

وقد عدّ المولى علي في توضيح المقال : ٥٠ قريب الأمر من الألفاظ التي لا تفيد مدحا

٨٤

ومنها : كون الرجل من مشايخ الإجازة ، وربما يظهر من جدّي دلالته على الوثاقة(١) ، وكذا المصنف في الحسن بن علي بن زياد(٢) .

وقال العلامة البحراني : مشايخ الإجازة في أعلى درجات الوثاقة(٣) .

ولا يخلو عن قرب ، لكن قوله : في أعلى درجاتها ، غير ظاهر.

وقال المحقق الشيخ محمّد : عادة المصنفين عدم توثيق الشيوخ.

ويأتي في محمّد بن إسماعيل النيسابوري ، عن الشهيد الثاني أنّ مشايخ الإجازة لا يحتاجون الى التنصيص على تزكيتهم(٤) .

__________________

ولا قدحا ، وقال : المراد إمّا أنّه قريب العهد الى التشيع ، أو يقرب أمر قبول روايته ، أو قريب المذهب إلينا ، أو غير ذلك ، ولا يخفى أنّ شيئا ممّا ذكر لا يوجب مدحا معتبرا ، وإن أخذه أهل الدراية مدحا ، فلعلّهم أرادوا مطلقه.

(١) حسب تتبعي لروضة المتقين لم أجد توثيقا من المجلسي لمشايخ الإجازة ، وإنما الموجود فيه عدم ضرر جهالة مشايخ الإجازة ، والظاهر أنّه يعتبر ذكرهم مجردا لأجل التيمن والتبرك وحتى يخرج الحديث عن الإرسال.

فقال في الجزء ١٤ / ٤٣ : عن علي بن الحسين السعدآبادي ، لم يذكر فيه مدح ولا ذم ، وكان من مشايخ الإجازة فلا يضر جهالته.

وقال في : ٣٢٨ : ولكن لمّا أرادوا أن يخرج الخبر بظاهره عن صورة الإرسال ذكروا طريقا إليه تيمنا وتبركا ، وهؤلاء مشايخ الإجازة المحض ، فلهذا ترى العلامة وغيره يصفون الخبر بالصحة ، ولو كان في أوائل السند مجاهيل : كأحمد بن محمّد بن الحسن ، وأحمد بن محمّد بن يحيى ، وماجيلويه ، ومحمّد بن إسماعيل عن الفضل وغيرهم ، ومن لم يكن له اطلاع على ذلك فتارة يعترض عليه ، وتارة يحكم بثقة هؤلاء ، مع أنّ الظاهر أنّه لو كان لهؤلاء توثيق في الكتب لكنّا نطّلع عليه ، لأنّه لم يكن للعلامة كتاب غير هذه الأصول التي في أيدينا ، ولو كان له غيرها لكان يذكر مرّة أنّه ذكر فلان في الكتاب الفلاني أنّ فلانا ثقة .إلى آخر كلامه.

(٢) منهج المقال : ١٠٣ قال : وربما استفيد توثيقه من استجازة أحمد بن محمّد بن عيسى.

(٣) معراج الكمال : ٦٤ وفيه : وذكرنا أنّه من مشايخ الإجازات ، والظاهر أنّهم في أعلى طبقات الجلالة والوثاقة.

(٤) الرعاية في علم الدراية : ١٩٢.

٨٥

وعن المعراج : أنّ التزكية بهذه الجهة طريقة كثير من المتأخرين(١) . الى غير ذلك.

وإذا كان المستجيز ممن يطعن بالرواية عن الضعفاء ، فالدلالة على الوثاقة في غاية الظهور ، سيّما إذا كان المجيز من المشاهير.

وربما يفرق بينهم وبين غيرهم بكون الأول من الثقات ، ولعله ليس بشي‌ء ، فتأمّل.

ومنها : كونه وكيلا لأحدهمعليهم‌السلام ، ويأتي في الفائدة الرابعة(٢) إن شاء الله.

ومنها : أن يكون ممن يترك رواية الجليل أو تأول محتجا بروايته ومرجحا لها عليها ، وكذا لو خصص الكتاب ، أو المجمع عليه بها ، وكذا الحال فيما ماثل التخصيص ، أو الكتاب أو الإجماع ، أو غير ذلك من الأدلة ، وقد اتفق كثيرا(٣) .

ومنها : أن يؤتى بروايته بإزاء رواية الجليل أو غيرها من الأدلة فتوجّه ، ويجمع بينهما ، وكذا أن تطرح روايته من غير جهته ، وهو كثير(٤) .

ومنها : كونه كثير الرواية ، وهو موجب للعمل بروايته مع عدم الطعن‌

__________________

(١) قال في المعراج : ١٢٦ : ذكر متأخرو أصحابنا قدس الله أرواحهم أنّ مشايخ الإجازات من أصحابنا لا يحتاج إلى التنصيص على عدالتهم والتصريح بوثاقتهم وجلالتهم ، قالوا : وذلك لما استفاض من جلالتهم وعدالتهم وورعهم زيادة على ما يعتبر في العدالة. إلى آخر كلامه.

(٢) كذا والصواب الفائدة الثانية من آخر كتاب المنتهى ، وقد اعتبرها المصنف من أمارات الوثاقة والجلالة.

(٣) التعليقة : ٩.

(٤) التعليقة : ٩.

٨٦

عند الشهيدرحمه‌الله (١) ، ونشير إليه في الحكم بن مسكين(٢) .

وفي علي بن الحسين السعدآبادي عن جدي : انّ الظاهر أنّه لكثرة الرواية عدّ جماعة روايته من الحسان(٣) .

وقريب من ذلك في الحسن بن زياد الصيقل(٤) .

وعن خالي في إبراهيم بن هاشم : إنّه من شواهد الوثاقة(٥) .

وعن العلاّمة فيه : إنّه من أسباب قبول الرواية(٦) .

ويظهر من كثير من التراجم كونه من أسباب المدح والقوة.

وأولى منه كونه كثير السماع ، كما يظهر من التراجم ، ويذكر في أحمد ابن عبد الواحد(٧) .

ومنها : أن يروي عنه ـ أو كتابه ـ جماعة من الأصحاب ، ويظهر ذلك‌

__________________

(١) روضة المتقين : ١٤ / ٦٣ ، عن الحكم بن مسكين. وقال الشهيدرحمه‌الله : لمّا كان كثير الرواية ، ولم يرد فيه طعن فأنا أعمل على روايته ، انتهى.

واعترض الشهيد الثاني بأنّه لا يكفي عدم الجرح ، بل لا بدّ من التوثيق.

والظاهر أنّ الشهيد الأول يكتفي في العدالة بحسن الظاهر. إلى آخره.

(٢) التعليقة : ١٢٢.

(٣) روضة المتقين : ١٤ / ٤٣.

(٤) روضة المتقين : ١٤ / ٩٣ ، قال فيه : ويظهر من كثرة الروايات عنه مع سلامة الجميع حسنه ، وتقدم وسيجي‌ء عنهمعليهم‌السلام : اعرفوا منازل الرجال على قدر روايتهم عنا. ويمدحون بأنّه كثير الرواية.

(٥) الأربعين ، للمجلسي : ٥٠٧ ـ ٥٠٨ ، الحديث الخامس والثلاثون.

(٦) الخلاصة : ٤ / ٩.

(٧) التعليقة : ٣٧ ـ ٣٨ قال فيه : وكذا في كونه شيخ الإجازة ، وكذا كونه كثير الرواية ، وأولى منه كونه كثير السماع ، المشير إلى كونه من مشايخ الإجازة ، الظاهر في أخذها عن كثير من المشايخ ، وبالجملة الظاهر جلالته ، بل وثاقته لما ذكر وأشرنا.

٨٧

من عبد الله بن سنان(١) ، ومحمّد بن سنان(٢) ، والفضل بن شاذان ، وغيرهم ، بل بملاحظة اشتراطهم العدالة يقوى كونه من أماراتها ، سيّما وأن يكون من يروي عنه ممن يطعن بالرواية عن المجاهيل والضعفاء ، بل الظاهر من النجاشي في عبد الله أنّه كذلك(٣) .

وما في بعض التراجم(٤) من تضعيفه مع ذكره ذلك ، لعلّه ظهر عليه من الخارج ، وإن كانت الجماعة تعتمد عليه ، والتخلف في الأمارات الظنية غير عزيز وغير مضر.

ومنها : رواية الجليل عنه ، سيّما وأن يكون ممّن يطعن بالرواية عن الضعفاء ، بل ربما تشير إلى الوثاقة.

وأولى منها : رواية الأجلاء عنه ، سيّما وأن يكون منهم من يطعن ، ويأتي الكلام بتمامه في محمّد بن إسماعيل البندقي(٥) .

ومنها : رواية ابن أبي عمير ، وصفوان بن يحيى عنه ، لقول الشيخ :

__________________

(١) قال النجاشي في ترجمته : ٢١٤ / ٥٥٨ : روى هذه الكتب عنه جماعات من أصحابنا ، لعظمه في الطائفة وثقته وجلالته.

(٢) قال في التعليقة : ٢٩٨ في ترجمته : وممّا يشير الى الاعتماد عليه وقوته كونه كثير الرواية ، ومقبولها ، وسديدها ، وسليمها ، ورواية كثير من الأصحاب عنه سيّما مثل : الحسين بن سعيد ، والحسن بن محبوب ، ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطاب ، وأحمد بن محمّد بن عيسى ، وغيرهم من الأعاظم ، مع أنّهم قد أكثروا من الرواية عنه. مع أنّ أحمد قد أخرج من قم أحمد البرقي باعتبار رواية المراسيل والرواية عن الضعفاء.

(٣) رجال النجاشي : ٢١٤ / ٥٥٨.

(٤) في تعليقة الوحيد زيادة : مثل صالح بن الحكم ، حيث قال النجاشي في ترجمته : ٢٠٠ / ٥٣٣ : ضعيف. ثم قال : روى عنه ابن بكير ، وجميل بن دراج.

(٥) قال في التعليقة : ٢٨٤ : وربما يعدّ حديثه من الحسان لعدم التوثيق ، وإكثار الكليني من الرواية عنه ، وكون رواياته متلقاة بالقبول ،. بل ربما يظهر كونه من مشايخ الكليني والكشي ، وتلميذ ابن شاذان ، كما أشير إليه ، حتى أنّ جماعة عدّوا حديثه من الصحاح.

٨٨

إنّهما لا يرويان إلاّ عن ثقة(١) .

وصرّح المصنّف في إبراهيم بن عمر بأنّه يؤيّد التوثيق(٢) .

والفاضل الخراساني في الذخيرة بني على القبول من هذه الجهة(٣) .

ونحوهما : أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، لما سيأتي فيه(٤) .

ويقرب منهم : علي بن الحسن الطاطري(٥) .

وعلى هذا جرى مسلك الفاضل المذكور.

ومنها : رواية محمّد بن إسماعيل بن ميمون(٦) ، أو جعفر بن بشير(٧) عنه ، أو روايته عنهما ، لما يأتي فيهما.

ومنها : كونه ممّن يروي عن الثقات(٨) .

ومنها : رواية علي بن الحسن بن فضّال(٩) ومن ماثله ، عنه.

__________________

(١) العدة : ٣٨٦.

(٢) منهج المقال : ٢٥.

(٣) قال : إبراهيم بن عمر اليماني ، فظاهر النجاشي توثيقه ، وضعفه ابن الغضائري ، لكن الاعتماد على النجاشي قد يحصل فيه خلاف من الشهيد الثاني.

راجع تكملة الرجال : ١ / ٩٣.

(٤) من أنّه لا يروي إلاّ عن ثقة ، كما في العدّة : ١ / ٣٨٦.

(٥) لقول الشيخ في الفهرست : ٩٢ / ٣٩٠ : وله كتب في الفقه رواها عن الرجال الموثوق بهم وبرواياتهم ، فلأجل ذلك ذكرناها.

(٦) لما ذكره النجاشي في ترجمته : ٣٤٥ / ٩٣٣ : روى عن الثقات ، ورووا عنه.

(٧) قال النجاشي في ترجمته : ١١٩ / ٣٠٤ : روى عن الثقات ورووا عنه.

(٨) واعترض المامقاني في المقباس : ٢ / ٢٦٥ بقوله : وأنت خبير بأنّ الرواية عن الثقات لا دلالة فيها على ما رامه ، نعم لو قيل في حقه : لا يروي إلاّ عن الثقات ، دلّ على المدح.

(٩) ذكر النجاشي في ترجمته : ٢٥٧ / ٦٧٦ ، أنّه قلّ ما روى عن ضعيف. ولا يخفى من أنّ هذه العبارة ربما تجتمع مع كون من نريد استعلام حاله ضعيفا ، لأنّهم لم يشهدوا بعدم روايته عن ضعيف ، بل بقلة روايته عن ضعيف.

راجع مقباس الهداية : ٢ / ٢٦٦.

٨٩

ومنها : أخذه معرّفا للجليل ، وفاقا للسيد الداماد ـ على ما هو ببالي(١) ـ.

ومنها : كونه ممّن تكثر الرواية عنه ، ويفتي بها ، وصرّح المحقق به في ترجمة السكوني(٢) .

ومنها : كثرة رواية الثّقة عن مشترك مع عدم إتيانه بقرينة معينة(٣) .

__________________

(١) ذكر السيد الداماد في تعليقه على رجال الكشي ٢ : ٦٨٤ / ٧٢١ ، في ترجمة يونس بن يعقوب ، عند قوله : ووجّه أبو الحسن علي بن موسىعليهما‌السلام إلى زميله محمّد بن الحباب ، وكان رجلا من أهل الكوفة : صل عليه أنت.

قال : وما رواه أبو عمرو الكشي ، أنّ أبا الحسن الرضا علي بن موسى عليهما‌السلام ، وجه إلى زميله محمّد بن الحباب ، فأمره بالصلاة على يونس بن يعقوب ، يتضمّن مدحه ، والتنويه بجلالته ، سواء كان ضمير : زميله ، عائدا إلى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، أو إلى يونس بن يعقوب ، فلا تكن من الغافلين.

(٢) قال الوحيد في التعليقة : ٥٦ في ترجمة إسماعيل بن أبي زياد السكوني : والمحقق ذكر في المسائل العزّية حديثا عن السكوني ، في أن الماء يطهّر ، وذكر أنّهم قدحوا فيه بأنّه عامي ، وأجاب بأنّه وإن كان كذلك ، فهو من ثقات الرواة ، ونقل عن الشيخ في مواضع من كتبه ، أنّ الإمامية مجتمعة على العمل بروايته ورواية عمّار ومن ماثلهما من الثقات ، ولم يقدح بالمذهب في الرواية مع اشتهاره ، وكتب جماعتنا مملوءة من الفتاوى المستندة إلى نقله ، فلتكن هذه كذلك.

ووثقه أيضا في المعتبر : ٦٧ في كتاب النفاس حيث قال : والسكوني عامي لكنّه ثقة.

ولكنّ المحقق في نكت النهاية : ٣ / ٢١ في مسألة انعتاق الحمل بعتق امه ، ضعف الرواية لأن راويها السكوني قال :

الجواب : هذه رواها السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه : في رجل أعتق أمة وهي حبلى ، واستثنى ما في بطنها ، قال : الأمة حرّة وما في بطنها حرّ ، لأنّ ما في بطنها منها.

ولا أعمل بما يختصّ به السكوني ، لكنّ الشيخ رحمه‌الله يستعمل أحاديثه ، وثوقا بما عرف من ثقته.

(٣) قال الداماد في الرواشح : ١٧٨ : قول الثبت الثقة : عن بعض أصحابنا ، أو عن صاحب لي ثقة ، أو أخبرني شيخ ثبت ، أو سمعت صاحبا لي وهو ثقة ثبت ، أو ما يجري مجرى

٩٠

ومنها : اعتماد شيخ عليه ، كما يظهر من النجاشي والخلاصة في علي ابن محمّد بن قتيبة(١) ، فإذا اعتمد جمع فهو في المرتبة القصوى ، وربما يشير إلى الوثاقة ، سيّما إذا كثر منهم الاعتماد.

ومنها : اعتماد القميين أو روايتهم عنه(٢) ، كما يأتي في إبراهيم بن هاشم(٣) ، سيّما أحمد بن محمّد بن عيسى(٤) ، وابن الوليد منهم(٥) ، ويقرب‌

__________________

ذلك ، شهادة منه لا محالة لتلك الطبقة بالثقة ، والجلالة ، وصحة الحديث ، وجهالة الاسم والنسب هنالك ممّا لا يوجب حكم الإرسال ، ولا يثلم في صحة الإسناد أصلا ، والمنازع المشاح في ذلك مكابر لاجّ.

أليس قد صار من الأصول الممهّدة عندهم أنّ رواية الشيخ الثقة الثبت الجليل القدر عن أحد ممّن لا يعلم حاله أمارة صحّة الحديث ، وآية ثقة الرجل وجلالته. ثم ذكر أمثلة لذلك ، ثم قال :

قال الشيخ المعظم نجم أصحابنا المحققين أبو القاسم بن الحسن بن يحيى بن سعيد الحلي رضي‌الله‌عنه ، في مختصره المعروف بنهج المعارج في علم الأصول ، في الفصل المعقود في مباحث متعلقة بالمخبر : المسألة الخامسة : إذا قال : أخبرني بعض أصحابنا ، أو عن بعض الإمامية ، يقبل وإن لم يصفه بالعدالة ، إذا لم يصفه بالفسوق ، لأنّ إخباره بمذهبه شهادة بأنّه من أهل الأمانة ، ولم يعلم منه الفسوق المانع من القبول ، فإن قال : عن بعض أصحابه ، لم يقبل ، لا مكان نسبته إلى الرواة ، أو إلى أهل العلم ، فيكون البحث عنه كالمجهول. إلى آخر كلامه رحمه‌الله .

(١) رجال النجاشي : ٢٥٩ / ٦٧٨ ، والخلاصة : ٩٤ / ١٦ ، وفيهما : عليه اعتمد أبو عمرو الكشّي في كتاب الرجال.

(٢) لأنّ المعلوم من طريقتهم كثرة طعنهم في الرجال الّذين يروون عن المجاهيل والضعفاء.

(٣) لأنّه أوّل من نشر حديث الكوفيين بقم ، ولم يطعن عليه أحد منهم ، مع ما علم من طريقتهم.

(٤) لأنّه أخرج من قم جمعا ـ كالبرقي أحمد بن محمّد بن خالد ـ لروايتهم عن الضعفاء واعتمادهم المراسيل.

(٥) لقول الشيخ في الفهرست : ١٥٦ / ٧٠٤ : جليل القدر ، عارف بالرجال ، موثوق به.

وكان يستثني من روايات محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري ما رواه عن الضعفاء ، أو المراسيل ، كما ذكره النجاشي في رجاله : ٣٤٨ / ٩٣٩.

٩١

من ذلك ابن الغضائري(١) .

ومنها : أن تكون رواياته كلّها أو جلها مقبولة أو سديدة(٢) .

ومنها : وقوعه في سند حديث اتفق الكل أو الجلّ على صحته ، بل أخذ ذلك دليل الوثاقة ، ويأتي في محمّد بن إسماعيل البندقي(٣) ، وأحمد بن عبد الواحد(٤) .

__________________

وقال الصدوق في الفقيه : ٢ / ٥٥ : وأمّا خبر صلاة يوم غدير خم والثواب المذكور فيه لمن صامه ، فانّ شيخنا محمّد بن الحسن رضي‌الله‌عنه كان لا يصححه ، ويقول : إنّه من طريق محمّد بن موسى الهمداني ، وكان غير ثقة ، وكل ما لم يصححه ذلك الشيخ قدس الله روحه ، ولم يحكم بصحته من الأخبار ، فهو عندنا متروك غير صحيح.

(١) والمقصود منه : أبو الحسين أحمد بن الحسين بن عبيد الله الغضائري ، مؤلف كتاب الرجال المقصور على ذكر الضعفاء ، وكان يضعف الرجال بأدنى شبهة ، حتى قيل أنّه قلّما يسلم منه أحد.

(٢) قال الكاظمي في عدته : ٢٦ فيما يثبت به التعديل : ومنها أن يكون أكثر ما يرويه متلقّى بالقبول ، أو سديدا.

وقال الوحيد في التعليقة : ١٢٧ ، في ترجمة حنان بن سدير : رواية ابن أبي عمير عن الحسن بن محبوب تشير أيضا إلى وثاقته ، ويؤيدها رواية الجليل مثل إسماعيل وغيره عنه ، وكونه كثير الرواية ، وسديد الرواية ، ومقبول الرواية ، كما هو الظاهر ، إلى غير ذلك من أمارات الاعتداد والقوة.

(٣) قال في الرواشح : ٧٤ : ثمّ ليعلم أنّ طريق الحديث بمحمّد بن إسماعيل النيسابوري ، هذا صحيح لا حسن ، كما قد وقع في بعض الظنون ، ولقد وصف العلامة وغيره من أعاظم الأصحاب أحاديث كثيرة ـ هو في طريقها ـ بالصحة.

وقال الشيخ البهائي في مشرق الشمسين : ٢٧٦ ، بعد كلام طويل في تعيين محمّد بن إسماعيل الذي يروي عنه الكليني من هو : وقد حكم متأخرو علمائنا قدس الله أرواحهم بتصحيح ما يرويه الكليني عن محمّد بن إسماعيل الذي فيه النزاع ، وحكمهم هذا قرينة قويّة على أنّه ليس أحدا من أولئك الّذين لم يوثقهم أحد من علماء الرجال.

(٤) قال البحراني في بلغة المحدثين : ٣٢٨ ، هامش رقم (١) : المعروف بين أصحابنا عدّ حديثه في الصحيح ، ولعله كاف في توثيقه ، مع أنّه من مشايخ الإجازة المشاهير.

٩٢

ومنها : إكثار الكافي أو الفقيه من الرواية عنه ، ويأتي في البندقي(١) .

ومنها : قولهم : معتمد الكتاب ويأتي في حفص بن غياث(٢) .

ومنها : قولهم : بصير بالحديث والرواية(٣) (٤) .

ومنها : قولهم : صاحب فلان ـ أي واحد من الأئمةعليهم‌السلام ـ فإنّه يشعر بالمدح ، كما ذكره المصنفرحمه‌الله في إدريس بن يزيد(٥) ، وغيره ، وغيره أيضا.

__________________

وقال المجلسي في وجيزته ١٥٠ / ١٠١ : أحمد بن عبد الواحد البزاز المعروف بابن عبدون ممدوح ، ويعدّ حديثه صحيحا.

(١) قال في التعليقة : ٢٨٤ : وربما يعدّ حديثه من الحسان لعدم التوثيق ، وإكثار الكليني من الرواية عنه ، وكون رواياته متلقاة بالقبول ، إلى غير ذلك ممّا مرّ في الفوائد وهو فيه ، بل ربما يظهر كونه من مشايخ الكليني والكشي ، وتلميذ ابن شاذان ، كما أشير إليه ، حتى أنّ جماعة عدّوا حديثه من الصحاح ، ومن هذا ظهر ضعف عدّه من المجهول.

(٢) التعليقة : ١٢٠ ، قال : قوله في حفص بن غياث : وله كتاب معتمد ، سيجي‌ء عن المصنفرحمه‌الله في ذكر طريق إليه أنّه ربما جعل ذلك مقام التوثيق من أصحابنا.

(٣) في تعليقة الوحيد : ١٠ : الرواة.

(٤) قال النجاشي في ترجمة : أحمد بن علي بن العباس السيرافي : ٨٦ / ٢٠٩ : كان ثقة في حديثه ، متقنا لما يرويه ، فقيها ، بصيرا بالحديث والرواية.

وقال في ترجمة : أحمد بن محمّد بن الربيع : ٧٩ / ١٨٩ : عالما بالرجال.

(٥) الظاهر أن الصواب في ترجمة إدريس بن زيد ، كما في منهج المقال : ٥٠ ، قال : إدريس ابن زيد ، وصفه الصدوق في الفقيه بصاحب الرضاعليه‌السلام ، وهو يدلّ على مدح ، إلاّ أنّه غير مذكور في كتب الرجال ، ووصف العلامة طريق الصدوق إليه بالحسن ، وربما يشعر بالمدح ، فتأمل.

وقال المجلسي الأول في روضة المتقين : ١٤ / ٤٨ ، في ترجمته : وصف الصدوق له بأنه صاحب الرضا عليه‌السلام ، وحكمه أولا بأنّ كتابه معتمد ، يجعل الخبر حسنا ، وطريقه إليه حسنا كالصحيح.

وقال السيد الخويي في معجمه : ١ / ٧٧ : وقد جعل بعضهم ان توصيف أحد بمصاحبته لأحد المعصومين عليهم‌السلام من أمارات الوثاقة. ثم قال : وأنت خبير بأنّ المصاحبة لا تدل بوجه لا على الوثاقة ، ولا على الحسن ، كيف وقد صاحب النبي

٩٣

ومنها : ذكر الجليل شخصا مترضّيا أو مترحّما(١) .

ومنها : أن يروي عنه محمّد بن أحمد بن يحيى ، ولم يكن مستثنى ، وعليه الفاضل الخراساني وغيره(٢) .

ويأتي في ترجمته(٣) وفي محمّد بن عيسى ما له دخل(٤) .

__________________

صلى‌الله‌عليه‌وآله وسائر المعصومينعليهم‌السلام من لا حاجة الى بيان حالهم ، وفساد سيرتهم ، وسوء أفعالهم؟!.

(١) قال الكاظمي في عدته : ٢٣ : ومنها ترضي الأجلاّء عنه ، وترحمهم عليه ، وهذا كما ترى الكليني والصّدوق والشّيخ يترحمون على ناس ويترضون عنهم ، فتعلم أنّهم عندهم بمكانة من الجلالة ، بدليل أنّهم ما زالوا يذكرون الثقات والأجلاء ساكتين ، وربما كان الترحم والترضي بخصوصية اخرى كالمشيخة ونحوها ، وكيف كان فما كان ليكون إلاّ عن ثقة يرجع إليه الأجلاء.

واعترض السيد الخويي في معجمه : ١ / ٧٨ : بأنّ الترحم هو طلب الرحمة من الله تعالى ، فهو دعاء مطلوب ومستحب في حق كل مؤمن ، وقد أمرنا بطلب المغفرة لجميع المؤمنين وللوالدين بخصوصهما ، وقد ترحم الصادق عليه‌السلام لكل من زار الحسين عليه‌السلام ، بل إنّه سلام الله عليه قد ترحم لأشخاص خاصة معروفين بالفسق لما فيهم ما يقتضي ذلك ، كالسيد إسماعيل الحميري وغيره ، فكيف يكون ترحم الشيخ الصدوق أو محمد بن يعقوب وأمثالهم كاشفا عن حسن المترحّم عليه! ) وهذا النجاشي قد ترحم على محمّد بن عبد الله بن محمّد بن عبيد الله بن البهلول ، بعد ما ذكر أنّه رأى شيوخه يضعفونه ، وأنه لأجل ذلك لم يرو عنه شيئا وتجنبه.

(٢) في عدة الكاظمي : ٢٦ قال : ومنها كونه من رجال محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري ، ولم يستثن عليه ، وذلك إن أقصى ما استثني عليه روايته عن أولئك الثمانية عشر أو العشرين ، فعلم أنّ من عداهم مرضي عنه ، فكان أقل مراتبه المدح ، بل ربما جعل طريقا إلى التوثيق ، وبالجملة فاتخاذ هذا الوجه دليلا على الاعتماد طريقة جماعة من المحققين كصاحب الذخيرة وغيره.

وزاد السيد الصدر في نهاية الدراية : ١٦٣ : وعندي أنّه لا يفيد شيئا سوى تقوية الحديث في الجملة.

(٣) تعليقة الوحيد : ٢٨١.

(٤) تعليقة الوحيد : ٣١٣.

٩٤

ومنها : قول الثقة : لا أحسبه إلاّ فلانا ، أي ثقة أو ممدوحا ، وظاهرهم العمل به ، والبناء عليه.

وتأمل فيه المحقق الشيخ محمّد لأنّ حجية الظنّ من دليل ، وما يظنّ تحقق مثله في المقام هو الإجماع ، وتحقّقه في غاية البعد ، وفي تأمّله تأمّل ظاهر(١) .

ومنها : أن يقول الثّقة : حدثني الثّقة ، وفي إفادته التوثيق المعتبر خلاف معروف ، وحصول الظّن منه ظاهر ، واحتمال كونه في الواقع مقدوحا لا يمنعه ، فضلا عن احتمال كونه ممّن ورد فيه قدح ، كما هو الحال في سائر التوثيقات(٢) .

وربما يقال : الأصل تحصيل العلم ، ولمّا تعذّر يكتفى بالظن الأقرب ، وهو الحاصل بعد البحث.

ويمكن أن يقال : مع تعذر البحث ، يكتفى بالظن ، كما هو الحال في التوثيقات ، وسائر الأدلة ، والأمارات الاجتهادية ، وما دلّ على ذلك دلّ على هذا.

ومراتب الظن متفاوتة ، وكون المعتبر أقوى مراتبه لم يقل به أحد ، مع أنّه على هذا لا يكاد يوجد حديث صحيح بل ولا يوجد ، وتخصيص خصوص ما اعتبره من الحدّ أنّى له بإثباته ، مع أنّه ربما يكون الظن الحاصل في بعض‌

__________________

(١) تعليقة الوحيد : ١١.

(٢) قال الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي في وصول الأخيار : ١٨٩ : ولو قال الراوي الثقة : حدثني الثقة ، أو العدل ، ونحوهما ، لم يكف عند بعضهم ، لجواز كون غيره قد اطلع على جرحه ، وأصالة عدم الجارح غير كاف إذ لا بدّ من البحث. وإضرابه عن تسميته مريب ، والاحتمال آت ، والأصح الاكتفاء ، إذا كان القائل عالما بطرق الجرح والتعديل.

وقال السيد الصدر في نهاية الدراية : ١٦٢ : ومنها قول الثقة : حدثني الثقة ، وأمّا لو قال : حدثني غير واحد من أصحابنا ، أو جماعة من أصحابنا فلا.

٩٥

التوثيقات بهذا الحد ، بل وأدون ، فتأمّل.

ومنها : أن يكون ممن ادّعي اتفاق الشيعة على العمل بروايته ـ كما في جمع(١) ـ وربما ادعي ثبوت الموثقية من ذلك.

ومنعه المحقق الشيخ محمّد ، ولعله في غير موضعه ، ويكون ما قالوه حقا على قياس ما مرّ في إجماع العصابة ، على أنّا نقول : الظن الحاصل من عمل الطائفة أقوى من الموثقية بمراتب شتّى ، ولا أقل من التساوي ، فتدبر(٢) .

ومنها : وقوعه في سند حكم العلاّمة بصحته ، وحكم بعض بالتوثيق لذلك ، كالمصنف في الحسن بن متيل(٣) ، وإبراهيم بن مهزيار(٤) ، وأحمد ابن عبد الواحد(٥) ، وغيرهم.

__________________

(١) مثل : السّكوني ، وحفص بن غياث ، وغياث بن كلوب ، ونوح بن درّاج ، ومن ماثلهم من العامّة مثل : طلحة بن زيد وغيره ، وكذا مثل عبد الله بن بكير ، وسماعة بن مهران ، وبني فضال ، والطاطريّين ، وعمّار السّاباطي ، وعلي بن أبي حمزة ، وعثمان بن عيسى من غير العامة ، فإنّ جميع هؤلاء نقل الشيخ عمل الطائفة بما رووه ، راجع تعليقة الوحيد : ١١ ، وعدة الأصول : ١ / ٣٨٠ ـ ٣٨١.

(٢) قال المامقاني في المقباس : ٢ / ٢٨٠ : إن لم يكن ذلك توثيقا لهم في أنفسهم ، باعتبار عدم إمكان إجماعهم على العمل برواية غير الثقة ، سيّما مع اختلاف مشاربهم ، واعتبار جمع منهم العدالة ، فلا أقل من كون ذلك توثيقا لهم في خصوص الرواية ، وذلك كاف على الأظهر.

(٣) في منهج المقال : ١٠٦ قال : ويفهم من تصحيح العلامة طريق الصدوق إلى أبي جعفر ابن ناجية توثيقه ، وهو الحق إن شاء الله تعالى.

(٤) منهج المقال : ٢٨ ، وفيه : والعلامة حكم بصحة طريق الصدوق الى بحر السقاء وفيه؟؟؟ إبراهيم وهو يعطي التوثيق.

(٥) منهج المقال : ٣٨ قال : ويستفاد من كلام العلامة في بيان طرق الشيخ في كتابيه توثيقه في مواضع.

٩٦

وفيه : أنّ العلاّمة لم يقصر إطلاق الصحة في الثقات ، إلاّ أن يقال : إطلاقه على غيرها نادر ، وهو لا يضرّ ، لعدم منع ذلك ظهوره فيما ذكره ، سيّما بعد ملاحظة طريقته ، وجعل الصحة اصطلاحا فيها.

لكن لا يخفى أنّ حكمه بصحة حديثه مرة ومرتين مثلا غير ظاهر في توثيقه ، بل ظاهر في خلافه ، بملاحظة عدم توثيقه وعدم قصره.

نعم لو كان ممن أكثر تصحيح حديثه مثل أحمد بن محمّد بن يحيى ، وأحمد بن عبد الواحد ، ونظائرهما ، فلا يبعد ظهوره في التوثيق.

واحتمال تصحيحه إياه لكونهم من مشايخ الإجازة ، فلا يضر مجهوليتهم ، أو لظنه وثاقتهم ، فليس من باب الشهادة.

فيه ما سنشير إليه.

والغفلة ينفيها الإكثار ، مع أنّه في نفسه لا يخلو من البعد(١) .

__________________

(١) قال المجلسي الأول في روضة المتقين : ١٤ / ٣٢٨ ، في ترجمة أحمد بن الحسين بن عبد الملك الأودي ، عند تكلمه حول طرق كتاب الحسن بن محبوب ، وانّ بعض هذه الطرق فيها جهالة أو ضعف ، وبعضها صحيحة : والظاهر أنّه لا يحتاج إلى الطريق أصلا ، لأنّه لا ريب في أنّه كان أمثال هذه الكتب التي كان مدار الطائفة عليها ، كانت مشتهرة بينهم زائدا على اشتهار الكتب الأربعة عندنا ، ولا ريب في أنّ الطريق لصحة انتساب الكتاب إلى صاحبه ، فإذا كان الكتاب متواترا فالتمسك بأخبار الآحاد الصحيحة كان كتعرف الشمس بالسراج.

ولكن لمّا أرادوا أن يخرج الخبر بظاهره عن صورة الإرسال ، ذكروا طريقا إليه تيمنا وتبركا ، وهؤلاء مشايخ الإجازة المحض ، فلهذا ترى العلامة وغيره يصفون الخبر بالصحة. ولو كان في أوائل السند مجاهيل كأحمد بن محمّد بن الحسن ، وأحمد بن محمّد بن يحيى ، وماجيلويه ، ومحمّد بن إسماعيل عن الفضل وغيرهم.

ومن لم يكن له اطلاع على ذلك ، فتارة يعترض عليه ، وتارة يحكم بثقة هؤلاء ، مع أنّ الظاهر أنّه لو كان لهؤلاء توثيق في الكتب لكنّا نطّلع عليه ، لأنّه لم يكن للعلامة كتاب غير هذه الأصول التي في أيدينا ، ولو كان له غيرها لكان يذكر مرة أنّه ذكر فلان في الكتاب الفلاني أنّ فلانا ثقة ، لكن الأصحاب نظروا إلى أنّه لو كان لم يعتبر مشايخ الإجازة وضعفهم

٩٧

هذا وإن المشهور يحكمون بصحة حديث أحمد بن محمّد المذكور ، وأحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد ، والحسين بن الحسن بن أبان ، وقيل في وجهه : حكم العلامة بالصحة ، كما مرّ(١) .

__________________

لكان يحكم بصحة الجميع لأنّهم جميعا منهم مع أنّه ليس كذلك دأبه.

لكن لم يلاحظوا أنّه فرّق بين مشايخ الإجازة ، فبعضهم لم يكن له كتاب ولا رواية أصلا ، وكان لبعضهم كتاب ورواية ، وإن لم يكن يروي هذا الخبر إلا من صاحب الكتاب ، فإنه يمكن أن يكون روى من غير هذا الكتاب ، ولم يكن ذلك الكتاب معتبرا ولا رواية ثقة ، فكانوا ينظرون إلى هذا المعنى ، ويصفون الخبر بالضعف أو الجهالة لجهالة الطرق ، بخلاف من لم يكن له كتاب ، فإنه ذكر لمجرد اتصال السند.

والظاهر أنّ الباعث للعلامة وأمثاله ذلك. إلى آخره.

(١) قال الشيخ البهائي في مشرق الشمسين : ٢٧٦ : تبيين : قد يدخل في أسانيد بعض الأحاديث من ليس له ذكر في كتب الجرح والتعديل بمدح ولا قدح ، غير أنّ أعاظم علمائنا المتقدمين قدس الله أرواحهم قد اعتنوا بشأنه وأكثروا الرواية عنه ، وأعيان مشايخنا المتأخرين طاب ثراهم قد حكموا بصحة روايات هو في سندها ، والظاهر أنّ هذا القدر كاف في حصول الظن بعدالته.

وذلك مثل : أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد ، فان المذكور في كتب الرجال توثيق أبيه رحمه‌الله ، وأمّا هو فغير مذكور بجرح ولا تعديل ، وهو من مشايخ المفيد رحمه‌الله ، والواسطة بينه وبين أبيه رحمه‌الله ، والرواية عنه كثيرة.

ومثل : أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار ، فانّ الصّدوق يروي عنه كثيرا ، وهو من مشايخه والواسطة بينه وبين سعد بن عبد الله.

ومثل : الحسين بن الحسن بن أبان ، فإنّ الرواية عنه كثيرة ، وهو من مشايخ محمّد بن الحسن بن الوليد ، والواسطة بينه وبين الحسين بن سعيد ، والشيخ عدّه في كتاب الرجال تارة في أصحاب العسكري عليه‌السلام ، وتارة في من لم يرو ، ولم ينص عليه بشي‌ء ، ولم نقف على توثيقه إلاّ في غير بابه في ترجمة محمّد بن أورمة ، والحق أن عبارة الشيخ هناك ليست صريحة في توثيقه ، كما لا يخفى على المتأمل.

ومثل : أبي الحسين علي بن أبي جيد ، فان الشيخ رحمه‌الله يكثر الرواية عنه ، سيّما في الاستبصار ، وسنده أعلى من سند المفيد ، لأنّه يروي عن محمّد بن الحسن بن الوليد بغير واسطة ، وهو من مشايخ النجاشي أيضا.

٩٨

وفيه : ما مرّ ، إلاّ أن يريدوا إكثاره.

وفيه : انّ الإكثار وقع في مثل إبراهيم بن هاشم ، وأحمد بن عبدون ، وهم يعدون حديثهم من الحسان ، وإن حكم جمع بصحته(١) ، إلاّ أن يقال : إنّ هذا الإكثار ليس بمثابة ذاك ، لكن لا بدّ من ملاحظته ، ومع ذلك كيف يفيد ذلك التوثيق دون هذا ، وكون ذاك أقوى لا يقتضي قصر الحكم فيه.

واعترض أيضا : بأنّ التوثيق من باب الشهادة ، والتصحيح ربما كان مبنيا على الاجتهاد(٢) .

__________________

فهؤلاء وأمثالهم من مشايخ الأصحاب ، لنا ظن بحسن حالهم ، وعدالتهم ، وقد عددت حديثهم في الحبل المتين وفي هذا الكتاب في الصحيح ، جريا على منوال مشايخنا المتأخرين ، ونرجو من الله سبحانه أن يكون اعتقادنا فيهم مطابقا للواقع ، وهو ولي الإعانة والتوفيق.

(١) قال المحقق البحراني في المعراج : ٨٨ في ترجمة إبراهيم بن هاشم : لأصحابنا اضطراب كثير حتى من الواحد في الكتاب الواحد في حديث إبراهيم بن هاشم ، فتارة يصفونه بالحسن كما حققناه واعتمدنا عليه ، وهو الصواب.

وتارة يصفونه بالصحة ، كما فعله شيخنا البهائي قدس‌سره في مبحث نوافل الظهرين من مفتاح الفلاح ، حيث وصف حديث محمّد بن عذافر بالصحة ، مع أنّ إبراهيم المذكور في الطريق. وكذا وقع لشيخنا الشهيد الثاني في عدة مواضع ، منها في روض الجنان في مبحث توجيه الميت ، حيث وصف حديث سليمان بن خالد بسلامة السند.

وقد وقع للعلامة رحمه‌الله مثل ذلك في عدة مواضع من المختلف والمنتهى ، والله الهادي.

(٢) قال المجلسي الأول في روضة المتقين : ١٤ / ٣٣٤ ، والباعث لهم على ذلك أن تصحيح الحديث يستلزم توثيق رجاله ، سيّما إذا لم يكونوا من المشتبهين ، ليقال إنّ ذلك من باب الاجتهاد ، لا من باب الشهادة حتى يكون معتبرا ، لأنّه كثير ما يجتهد في مشتبه أنّه فلان ، ويجتهد آخر أنّه غيره ، أما إذا لم يكن مشتبها بغيره. كان من باب الشهادة كما قيل ، لكن الظاهر أنّ العلامة راعى أنّهما ليسا براويين ، بل كانا لمحض اتصال السند ، ولو لم تجزم بأنّ مراده ذلك فلا شك في إمكان أن يكون مراده ذلك ، أو لوجه آخر أدى اجتهاده إليه.

٩٩

وفيه : ما لا يخفى على المطّلع بحال التوثيقات ، مضافا الى الاكتفاء بالظنّ والبناء عليه.

وقال جماعة في وجهه : إنّهم ثقات ولا يحتاجون إلى التنصيص ، لأنّهم من مشايخ الإجازة(١) .

وفيه : انّ هذا ليس على قواعد المشهور ، بل الظاهر منهم خلافه ، مع أنّهم كثيرون ، فلا وجه للقصر.

والاعتراض : بأنّ كثيرا من مشايخ الإجازة كانوا فاسدي العقيدة.

مندفع : بأنّ ذلك ينافي العدالة بالمعنى الأخص لا الأعم ، والأخص‌

__________________

(١) قال السيد الداماد في الرواشح : ١٧٩ : وممّا يجب أن يعلم ولا يجوز أن يسهل عنه ، أنّ مشيخة المشايخ الذين هم كالأساطين والأركان أمرهم أجلّ من الاحتياج إلى تزكية مزك وتوثيق موثق ، ولقد كنا أثبتنا ذلك فيما أسلفنا بما لا مزيد عليه.

وقال الميرزا الأسترآبادي في المنهج : ١٠٣ في ترجمة الحسن بن علي بن زياد الوشاء : وربما استفيد توثيقه من استجازة أحمد بن محمّد بن عيسى.

وقال الشهيد الثاني في الرعاية في علم الدراية : ١٩٢ : تعرف العدالة المعتبرة في الراوي : بتنصيص عدلين عليها ، أو بالاستفاضة ، بأن تشتهر عدالته بين أهل النقل ، أو غيرهم من أهل العلم ، كمشايخنا السالفين من عهد الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني ، وما بعده إلى زماننا هذا.

ثم قال : لا يحتاج أحد من هؤلاء المشايخ المشهورين إلى تنصيص على تزكية ، ولا بينة على عدالة ، لما اشتهر في كلّ عصر من ثقتهم وضبطهم وورعهم زيادة على العدالة.

وقال المحقق البحراني في البلغة : ٤٠٤ في ترجمة محمّد بن إسماعيل البندقي : مجهول إلاّ أن الظاهر جلالته ، لكونه من مشايخ الإجازة.

وقال الشيخ البهائي في مشرق الشمسين : ٢٧٦ : قد يدخل في أسانيد بعض الأحاديث من ليس له ذكر في كتب الجرح والتعديل بمدح ولا قدح ، غير أنّ أعاظم علمائنا المتقدمين قدس الله أرواحهم قد اعتنوا بشأنه ، وأكثروا الرواية عنه ، وأعيان مشايخنا المتأخرين طاب ثراهم قد حكموا بصحة روايات هو في سندها ، والظاهر أنّ هذا القدر كاف في حصول الظن بعدالته.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

مخلوقات ضعيفة كالأصنام ، لا هم حققوا لأنفسهم الراحة في هذا العالم ، ولا هم ضمنوا ذلك في الحياة الآخرة ، فتقول الآية :( وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ) ، أين هم ، لماذا لا يأتون اليوم لإنقاذهم؟ لماذا لا يظهر أي حول ولا يبدون أية قوّة؟

ألم تكونوا تتوقعون منهم أن يعينوكم على حل مشكلاتكم؟ فلما ذا ـ إذن ـ لا نرى لهم أثرا؟

فيستولي على هؤلاء الرعب والخوف ويبهتون ولا يحيرون جوابا ، سوى أن يقسموا بالله إنّهم لم يكونوا مشركين ، ظنا منهم أنّهم هناك أيضا قادرون على إخفاء الحقائق :( ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ ) .

حول معنى «فتنة» ثمّة كلام بين المفسّرين ، منهم من قال : إنّها بمعنى الاعتذار ، وقال آخرون : إنّها بمعنى الجواب : وقالوا أيضا : إنّها الشرك(1) .

هنالك احتمال آخر في تفسير هذه الآية ، وهو القول بأنّ «الفتنة» من «الافتتان» أي الوله بالشيء ، فيكون المعنى أن افتتانهم بالشرك وعبادة الأصنام ، بشكل يغشى عقولهم وأفكارهم ، قد أدى إلى أن يدركوا يوم القيامة ـ يوم يزاح الستر ـ خطأهم الكبير ، ويستقبحوا أعمالهم وينكروها تماما.

يقول الراغب في «المفردات» : أن أصل «الفتن» إدخال الذهب النّار لتظهر جودته من رداءته ، فقد يكون هذا المعنى ممّا تفسر به الآية المذكورة ، أي أنّهم عند ما تحيط بهم شدّة يوم القيامة يستيقظون ويقفون على خطأهم ، فينكرون أعمالهم طلبا للنجاة.

الآية الثّالثة ، ومن أجل أن يعتبر الناس بمصير هؤلاء الأفراد تقول :( انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ ) .

__________________

(1) إذا أخذناها على إنّها بمعنى الاعتذار والجواب ، فلا حاجة فيهما للتقدير ، أمّا إذا أخذت بمعنى الشرك ، فينبغي أن نقدر كلمة «نتيجة» أي أنّ نتيجة شركهم كانت أن يقسموا إنّهم لم يكونوا مشركين.

٢٤١

وتنهار المساند التي اختاروا الاستناد عليها وجعلوها شريكة لله ، وخابوا في مسعاهم( وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ ) .

* * *

لا بدّ هنا من ملاحظة النقاط التّالية :

1 ـ لا شك أنّ المقصود بعبارة «انظر» هو النظر بعين العقل ، لا بالعين الباصرة إذا لا يمكن أن ترى مشاهد يوم القيامة رأي العين في هذه الدنيا.

2 ـ وقوله سبحانه( كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ ) إمّا أن يعني أنّهم خدعوا أنفسهم في الدنيا وخرجوا عن طريق الحقّ ، وإمّا أن يراد منه يوم القيامة حيث يقسمون على أنّهم لم يكونوا مشركين ، والحقيقة أنّهم بهذا يكذبون على أنفسهم ، فقد كانوا مشركين فعلا.

3 ـ يبقى سؤال آخر ، وهو أنّ الآية المذكورة تفيد أنّ المشركين ينكرون شركهم يوم القيامة مع أنّ ظروف يوم القيامة لا يمكن أن تسمح لأحد أن يجانب الصدق وهو يرى تلك الحقائق الحسية ، كما لو كان أحد يريد أن يغطي على الشمس في رابعة النهار ، ليقول كذبا : إنّ الدنيا ظلام ، ثمّ إن هناك آيات أخرى تفيد بأنّهم يوم القيامة يعترفون صراحة بشركهم ولا يخفون أمرا :( وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً ) (1) .

يمكن أن نذكر لهذا السؤال جوابين :

أوّلا : ليوم القيامة مراحل ، ففي المراحل الأولى يظن المشركون أنّهم بالكذب يستطيعون التملص من عذاب الله الأليم ، لذلك يرجعون إلى عادتهم القديمة في التوسل بالكذب ، ولكن في المراحل التّالية يدركون أن لا مهرب لهم أبدا ،

__________________

(1) النساء ، 42.

٢٤٢

فيعترفون بأعمالهم.

يبدو أنّ الأستار يوم القيامة ترفع ـ بالتدريج ـ عن عين الإنسان ، وفي البداية ـ عند ما لا يكون المشركون قد درسوا ملفات أعمالهم جيدا بعد ـ يركنون إلى الكذب ، ولكن في المراحل التّالية حيث ترتفع فيها الأستار أكثر ويرون كل شيء حاضرا ، لا يجدون مندوحة عن الاعتراف تماما ، مثل المجرمين الذين ينكرون كل شيء في بداية التحقيق ، حتى معرفتهم بأصدقائهم ولكنّهم عند ما يرون الأدلة المادية والمستندات الحيّة التي تفضح جريمتهم ، يدركون أنّ الأمر من الوضوح بحيث لا يحتمل الإنكار ، فيعترفون ويدلون بإفادة كاملة ، وقد ورد هذا الجواب في حديث عن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام (1) .

وثانيا : إنّ الآية المذكورة تتحدث عمّن لا يرى نفسه مشركا مثل المسيحيين الذين قالوا بالآلهة الثلاثة واعتقدوا أنّهم موحدون ، أو مثل الذين يدّعون التوحيد ، لكن أعمالهم ملوثة بالشرك ، لأنّهم كانوا يعرضون عن تعاليم الأنبياء ، ويعتمدون على غير الله وينكرون ولاية أولياء الله هؤلاء يقسمون يوم القيامة على أنّهم كانوا موحدين ، ولكنّهم سرعان ما يدركون أنّهم في الباطن كانوا مشركين ، هذا الجواب أيضا قد ورد في عدد من الرّوايات نقلا عن الإمام عليعليه‌السلام والإمام الصادقعليه‌السلام (2) .

وكلا الجوابين مقبولان.

* * *

__________________

(1) تفسير نور الثقلين ، ج 1 ، ص 708.

(2) تفسير «نور الثقلين» ، ج 1 ، ص 708.

٢٤٣

الآيتان

( وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (25) وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (26) )

التّفسير

حجب لا تقبل الاختراق :

في هذه الآية إشارة إلى الوضع النفسي لبعض المشركين ، فهم لا يبدون أية مرونة تجاه سماع الحقائق ، بل أكثر من ذلك ـ يناصبونها العداء ، ويقذفونها بالتهم ، فيبعدون أنفسهم وغيرهم عنها ، عن هؤلاء تقول الآية :( وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً ) (1) .

في الواقع كانت عقولهم وأفكارهم منغمسة في التعصب الجاهلي الأعمى ، وفي المصالح المادية والأهواء ، بحيث أصبحت وكأنّها واقعة تحت الأستار

__________________

(1) «أكنة» جمع «كنان» وهو كل ستار أو حاجز ، و «الوقر» بمعنى ثقل السمع.

٢٤٤

والحواجز ، فلا هم يسمعون حقيقة من الحقائق ، ولا هم يدركون الأمور إدراكا صحيحا.

سبق أن قلنا مرارا أنّ نسبة هذه الأمور إلى الله ، إنّما هو إشارة إلى قانون «العلة والمعلول» وخاصية «العمل» ، أي أنّ أثر الاستمرار في الانحراف والإصرار على المعاندة والتشاؤم يظهر في اتصاف نفس الإنسان بهذه المؤثرات ، وفي تحولها إلى مثل المرآة المعوجة التي تعكس صور الأشياء معوجة منحرفة ، لقد أثبتت التجربة أنّ المنحرفين والمذنبين يحسون أوّل الأمر بعدم الرضا عن حالهم ، ولكنّهم يعتادون ذلك بالتدريج ، وقد يصل بهم الأمر إلى اعتبار أعمالهم القبيحة لازمة وضرورية ، وبتعبير آخر : هذا واحد من أنواع العقاب الذي يناله المصّرون على العصيان ومعاداة الحقّ.

وهؤلاء وصلوا حدّا تصفه الآية فتقول :( وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها ) ، بل الأكثر من ذلك أنّهم عند ما يأتون إليك ، لا يفتحون نوافذ قلوبهم أمام ما تقول ، ولا يأتون ـ على الأقل ـ بهيئة الباحث عن الحقّ الذي يسعى للعثور على الحقيقة والتفكير فيها ، بل يأتون بروح وفكر سلبيين ، ولا هدف لهم سوى الجدل والاعتراض :( حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ ) أنّهم عند سماعهم كلامك الذي يستقي من ينابيع الوحي ويجري على لسانك الناطق بالحقّ ، يبادرون إلى اتهامك بأنّ ما تقوله إنّما هو خرافات اصطنعها أناس غابرون :( يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ) .

الآية التّالية تذكر أنّ هؤلاء لا يكتفون بهذا ، فهم مع ضلالهم يسعون جاهدين للحيلولة دون سلوك الباحثين عن الحقيقة هذا الطريق بما يشيعونه ويروجونه من مختلف الأكاذيب ، ويمنعونهم أن يقتربوا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ ) ، ويبتعدون عنه بأنفسهم :( وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ) (1) ، دون أن يدركوا أنّ من يصارع الحقّ

__________________

(1) «ينأون» من «نأى» بمعنى ايتعد.

٢٤٥

يكن صريعه ، وأخيرا ، وبحسب قانون الخلق الثابت ، يظهر وجه الحقّ من وراء السحب ، وينتصر بماله من قوّة ، ويتلاشى الباطل كما يتلاشى الزبد الطافي على سطح الماء ، وعليه فإنّ مساعيهم سوف تتحطم على صخرة الإخفاق والخيبة وما يهلكون غير أنفسهم ، ولكنّهم لا يدركون الحقيقة :( وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ ) .

الصاق تهمة عظيمة بأبي طالب مؤمن قريش :

يتّضح ممّا قيل في تفسير هذه الآية أنّها تتابع الكلام على المشركين المعاندين وأعداء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الألداء ، والضمير «هم» يعود بموجب قواعد الأدب واللغة ـ إلى الذين تتناولهم الآية بالبحث ، أي الكفار المتعصبين الذين لم يدخروا وسعا في إيذاء النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووضع العثرات في طريق الدعوة إلى الإسلام.

ولكن ـ لشديد الأسف ـ نرى بعض المفسّرين من أهل السنة يخالفون جميع قواعد اللغة العربية ، فيقطعون الآية الثّانية من الآية الاولى ويقولون : إنّها نزلت في أبي طالب والد أمير المؤمنين عليعليه‌السلام .

أنّهم يفسرون الآية هكذا : هناك فريق يدافعون عن رسول الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكنّهم في الوقت نفسه يبتعدون عنه :( وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ) وهم يستشهدون في توكيد رأيهم ببعض الآيات الأخرى من القرآن ، ممّا سنتناوله في موضعه ، مثل الآية (114) من سورة التوبة والآية (56) من سورة القصص.

لكن جميع علماء الشيعة وجمع من علماء أهل السنة ، ومثل ابن أبي الحديد شارح نهج البلاغة والقسطلاني في «إرشاد الساري» وزيني دحلان في حاشية السيرة الحلبية ، ويعتبرون أبا طالب من مؤمني الإسلام ، وهناك في المصادر الإسلامية الأصيلة دلائل كثيرة على هذا.

ومن يطالع هذه الأدلة يندفع للتساؤل بدهشة : ما السبب الذي حدا ببعضهم

٢٤٦

إلى كره أبي طالب وتوجيه مثل هذا الاتهام الكبير إليه؟!

كيف يكون هدفا لمثل هذا الاتهام من كان يدافع بكل كيانه ووجوده عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولطالما وقف هو وابنه في مواقع الخطر يدر آن عن حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كل خطر؟!

هنا يرى المحققون المدققون أنّ التيار المناوئ لأبي طالب تيار سياسي ينطلق من عداء «شجرة بني أمية الخبيثة» لمكانة عليعليه‌السلام .

ذلك لأنّ أبا طالب ليس الوحيد الذي تعرض لمثل هذه الهجمات بسبب قرابته من أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، بل إنّنا نلاحظ على امتداد تاريخ الإسلام أنّ كل من كان له بأي شكل من الأشكال نوع من القرابة من أمير المؤمنين عليعليه‌السلام لم ينج من هذه الحملات اللئيمة ، وفي الحقيقة كان ذنب أبي طالب الوحيد أنّه والد الشخصية الإسلامية الكبرى عليعليه‌السلام .

ونذكر هنا بإيجاز مختلف الأدلة التي تثبت إيمان أبي طالب ، تاركين التفاصيل للكتب المختصة في الموضوع.

1 ـ كان أبو طالب يعلم ، قبل بعثة الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّ ابن أخيه سوف يصل إلى مقام النبوة ، فقد كتب المؤرخون أنّه في رحلته مع قافلة قريش إلى الشام اصطحب معه ابن أخيه محمّدا البالغ يومئذ الثّانية عشرة من العمر ، وفي غضون الرحلة رأى منه مختلف الكرامات ، ثمّ عند ما مرّت القافلة بالراهب (بحيرا) الذي أمضى سنوات طوالا في صومعته على طريق القوافل التجارية ، استلف محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نظر الراهب الذي راح يدقق في وجهه وملامحه ، ثمّ التفت إلى الجمع سائلا : من منكم صاحب هذا الصبي؟ فأشار الجمع إلى أبي طالب الذي قال له : هذا ابن أخي ، فقال بحيرا : إنّ لهذا الصبي شأنا ، إنّه النّبي الذي أخبرت به وبرسالته الكتب السماوية ، وقد قرأت فيها تفاصيل ذلك كله(1) .

__________________

(1) ملخص ما ورد في سيرة ابن هشام ، ج 1 ، ص 191 ، وسيرة الحلبي ، ج 1 ، ص 131 ، وكتب أخرى.

٢٤٧

ولقد كان أبو طالب قبل ذلك قد أدرك من الوقائع والقرائن التي رآها من ابن أخيه أنّه سيكون نبي هذه الأمّة.

وبموجب ما يذكره الشهرستاني صاحب «الملل والنحل» وغيره من علماء السنة أنّ سماء مكّة قد جست بركتها عن أهلها سنة من السنين ، فواجه الناس سنة ـ جفاف شديد ، فأمر أبو طالب أنّ يأتوه بابن أخيه محمّد ، فأتوه به وهو رضيع في قماطه ، فوقف تجاه الكعبة ، وفي حالة من التضرع والخشوع أخذ يرمي بالطفل ثلاث مرات إلى أعلى ثمّ يتلقفه وهو يقول : يا ربّ بحق هذا الغلام اسقنا غيثا مغيثا دائما هطلا ، فلم يمض إلّا بعض الوقت حتى ظهرت غمامة من جانب الأفق وغطت سماء مكّة كلّها وهطل مطر غزير كادت معه مكّة أن تغرق.

ثمّ يقول الشهرستاني : هذه الواقعة ، التي تدل على علم أبي طالب بنبوة ابن أخيه ورسالته منذ طفولته تؤكّد إيمانه به ، وهذا أبيات أنشدها أبو طالب بعد ذلك بتلك المناسبة :

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأرامل

يلوذ به الهلاك من آل هاشم

فهم عنده في نعمة وفواضل

وميزان عدل لا يخيس شعيرة

ووزان صدق وزنه غير عائل

إنّ حكاية إقبال قريش على أبي طالبرحمه‌الله عند الجفاف ، واستشفاع أبي طالب إلى الله بالطفل قد ذكرها غير الشهرستاني عدد آخر من كبار المؤرخين ، وقد أورد العلّامة الاميني قدس سرّه صاحب كتاب «الغدير» هذه الحكاية وذكر أنّه نقلها من «شرح البخاري» و «المواهب اللدنية» و «الخصائص الكبرى» و «شرح بهجة المحافل» و «السيرة الحلبية» و «السيرة النبوية» و «طلبة الطالب»(1) .

2 ـ إضافة إلى كتب التّأريخ المعروفة ، فإنّ بين أيدينا شعرا لأبي طالب جمع في «ديوان أبي طالب» ، ومنه الأبيات التّالية :

__________________

(1) «الغدير» ، ج 7 ، ص 346.

٢٤٨

والله لن يصلوا إليك بجمعهم

حتى أوسد في التراب دفينا

فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة

وابشر بذاك وقر منك عيونا

ودعوتني وعلمت أنك ناصحي

ولقد دعوت وكنت ثمّ أمينا

ولقد علمت بأنّ دين محمّد

من خير أديان البرية دينا

كما قال أيضا :

ألم تعلموا أنا وجدنا محمّدا

رسولا كموسى خط في أوّل الكتب

وإنّ عليه في العباد محبّة

ولا حيف في من خصّه الله بالحبّ(1)

يذكر ابن أبي الحديد طائفة كبيرة من أشعار أبي طالب (التي يقول عنها ابن شهر آشوب في «متشابهات القرآن» أنّها تبلغ ثلاثة آلاف بيت) ثمّ يقول : إن هذه الأشعار لا تدع مجالا للشك أنّ أبا طالب كان يؤمن برسالة ابن أخيه.

3 ـ ثمّة أحاديث منقولة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تؤكّد شهادته بإيمان عمه الوفي أبي طالب ، من ذلك ما ينقله لنا صاحب كتاب «أبو طالب مؤمن قريش» فيقول : عند ما توفي أبو طالب رثاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو على قبره ، قائلا : «وا أبتاه! وا أبا طالباه وا حزناه عليك! كيف أسلو عليك يا من ربيتني صغيرا ، واجبتني كبيرا ، وكنت عندك بمنزلة العين من الحدقة والروح من الجسد»(2) .

وكثيرا ماكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «ما نالت منّي قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب»(3) .

4 ـ من المتفق عليه أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أمر بقطع كل رابطة صحبة له بالمشركين ، وكان ذلك قبل وفاة أبي طالب بسنوات ، وعليه فإنّ ما أظهره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الحبّ والتعلق بأبي طالب يدل على أنّه كان يرى في أبي طالب

__________________

(1) هاتان القطعتان وردتا في «خزانة الأدب» و «وتاريخ ابن كثير» و «شرح ابن أبي الحديد» و «فتح الباري» و «بلوغ الارب» و «تاريخ أبي الفداء» و «السيرة النبوية» وغيرها نقلا عن «الغدير» ، ج 8.

(2) «شيخ الأباطح» نقلا عن «أبو طالب مؤمن قريش».

(3) الطبري ، نقلا عن «أبو طالب مؤمن قريش».

٢٤٩

تابعا لمدرسة التوحيد ، وإلّا فكيف ينهى الآخرين عن مصاحبة المشركين ، ويبقى هو على حبّه العميق لأبي طالب؟

5 ـ في الأحاديث التي وصلتنا عن أهل البيتعليهم‌السلام أدلة وافرة على إيمان أبي طالب وإخلاصه ، ولا يسع المجال هنا لذكرها ، وهي أحاديث تستند إلى الاستدلال المنطقي والعقلي ، كالحديث المنقول عن الإمام زين العابدينعليه‌السلام الذي قال ـ بعد أن سئل عن إيمان أبي طالب وأجاب الإيجاب ـ : «إنّ هنا قوما يزعمون أنّه كافر وا عجبا كل العجب! أيطعنون على أبي طالب أو على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد نهاه الله أن تقرّ مؤمنة مع كافر في غير آية من القرآن (أي في أكثر من آية) ولا يشك أحد أن فاطمة بنت أسد رضي الله تعالى عنها من المؤمنات السابقات ، فإنّها لم تزل تحت أبي طالب حتى مات أبو طالبرضي‌الله‌عنه »(1) .

6 ـ وإذا تركنا كل هذا جانبا ، فاننا قد نشك في كل شيء إلّا في حقيقة كون أبي طالب كان على رأس حماة الإسلام ورسول الإسلام ، وكانت حمايته تتعدى الحدود المألوفة بين أبناء العشيرة والعصبيات القبلية ولا يمكن تفسيرها بها.

ومن الأمثلة الحيّة على ذلك حكاية (شعب أبي طالب) يجمع المؤرخون على أنّه عند ما حاصرت قريش النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمين محاصرة اقتصادية واجتماعية وسياسية شديدة وقطعت علائقها بهم ، ظل أبو طالب الحامي والمدافع الوحيد عنهم مدّة ثلاث سنوات ترك فيها كل أعماله ، وسار ببني هاشم إلى واد بين جبال مكّة يعرف بشعب أبي طالب فعاشوا فيه ، وقد بلغت تضحياته حدا أنّه ، فضلا عن بنائه الأبراج الخاصّة للوقوف بوجه أي هجوم قد تشنه قريش عليهم ، كان في كل ليلة يوقظ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من نومه ويأخذه إلى مضجع آخر يعده له ويجعل ابنه الحبيب إليه علياعليه‌السلام في مكانه ، فإذا ما قال له ابنه عليعليه‌السلام : يا أبة ، إنّ هذا سيوردني موارد الهلكة ، أجابه أبو طالبعليه‌السلام : ولدي عليك بالصبر ، كل حي إلى ممات ، لقد

__________________

(1) كتاب «الحجة» و «الدرجات الرفيعة» نقلا عن «الغدير» ج 8 ، ص 380.

٢٥٠

جعلت فداء ابن عبد الله الحبيب ، فيرد عليعليه‌السلام : يا أبه ، ما قلت لك ذلك خوفا من الموت في سبيل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل كنت أريدك أن تعلم مدى طاعتي لك واستعدادي للوقوف إلى جانب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (1) .

إنّنا نرى أن من يترك التعصب ، ويقرأ ـ بغير تحيز ـ ما كتبه التّأريخ بحروف من ذهب عن أبي طالب ، سيرفع صوته مع صوت ابن أبي الحديد منشدا :

ولو لا أبو طالب وابنه

لما مثل الدين شخصا وقاما

فذاك بمكّة آوى وحامى

وهذا بيثرب جس الحماما(2)

* * *

__________________

(1) الغدير ، ج 7 ، ص 357 ـ 358 بتصرف.

(2) الغدير ، ص 86.

٢٥١

الآيتان

( وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27) بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (28) )

التّفسير

يقظة عابرة عقيمة :

في هاتين الآيتين إشارة إلى بعض مواقف عناد المشركين ، وفيهما يتجسد مشهد من مشاهد نتائج أعمالهم لكي يدركوا المصير المشؤوم الذي ينتظرهم فيستيقظون ، أو تكون حالهم ـ على الأقل ـ عبرة لغيرهم ، فتقول الآية :( وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ ) (1) لتبيّن لك مصيرهم السيئ المؤلم.

إنّهم في تلك الحال على درجة من الهلع بحيث أنّهم يصرخون : ليتنا نرجع إلى الدنيا لنعوض عن أعمالنا القبيحة ، ونعمل للنجاة من هذا المصير المشؤوم. ونصدق آيات ربّنا ، ونقف إلى جاب المؤمنين :( فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ

__________________

(1) «لو» شرطية ، وقد حذف الجواب لوضوحه.

٢٥٢

بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (1) .

الآية التّالية تؤكّد أن ذلك ليس أكثر من تمن كاذب ، وإنّما تمنوه لأنّهم رأوا في ذلك العالم كل ما كانوا يخفونه ـ من عقائد ونيات وأعمال سيئة ـ مكشوفا أمامهم ، فاستيقظوا يقظة مؤقتة عابرة :( بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ ) .

غير أن هذه اليقظة ليست قائمة ثابتة ، بل إنّها قد حصلت لظروف طارئة ، ولذلك فحتى لو افترضنا المستحيل وعادوا إلى هذه الدنيا مرّة أخرى لفعلوا ما كانوا يفعلونه من قبل وما نهوا عنه :( وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ ) لذلك فهم ليسوا صادقين في تمنياتهم ومزاعمهم( وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ ) .

ملاحظات :

1 ـ يتبيّن من ظاهر( بَدا لَهُمْ ) أنّهم لم يكونوا يخفون كثيرا من الحقائق عن الناس فحسب ، بل كانوا يخفونها حتى عن أنفسهم ، فتبدوا لهم جلية يوم القيامة ، وليس في هذا ما يدعو إلى العجب ، فالإنسان كثيرا ما يخفي عنه نفسه الحقائق ويغطي على ضميره وفطرته لكي ينال شيئا من الراحة الكاذبة.

إنّ قضية مخادعة النفس وإخفاء الحقائق عنها من القضايا التي تعالجها البحوث الخاصّة بنشاط الضمير ، فقد نجد الكثيرين من الذين يتبعون أهواءهم يتنبهون إلى أضرار ذلك عليهم ، ولكنّهم لكي يواصلوا أعمالهم تلك بغير أن تنغصها عليهم ضمائرهم ـ يحاولون إخفاء هذا الوعي فيهم بشكل من الأشكال.

غير أنّ بعض المفسّرين ـ دون الالتفات إلى هذه النكتة ـ فهموا من (لهم) ما

__________________

(1) ينبغي الانتباه إلى نقطة مهمّة في الآية : في القراءة المشهورة التي بين أيدينا «نردّ» مرفوعة و «ولا نكذب» و «نكون» منصوبتان ، مع أنّ الظاهر يدل على أنّهما معطوفتان على «نردّ» وخير تعليل لذلك هو القول بأنّ «نردّ» جزء من التمني ، و «ولا نكذب» جواب التمني ، و «الواو» هنا بمنزلة «الفاء» ومعلوم أن جواب التمني إذا وقع بعد الفاء كان منصوبا ، إن مفسرين كالفخر الرازي والمرحوم الطبرسي وأبي الفتوح الرازي أوردوا تعليلات أخرى ، ولكن الذي قلناه أوضح الوجوه ، وعليه فهذه الآية تكون شبيهة بالآية (58) من سورة الزمر :( لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) .

٢٥٣

ينطبق على الأعمال التي أخفاها المشركون عن الناس (تأمل بدقّة).

2 ـ قد يقال أنّ التمني ليس من الأمور يصح فيها أن تكون صادقة أو كاذبة ، فهي مثل «الإنشاء» الذي لا يحتمل الصدق والكذب ، إلّا أنّ هذا القول بعيد عن الصواب ، وذلك لأنّ «الإنشاء» كثيرا ما يصاحبه «الإخبار» ممّا يحتمل الصدق والكذب ، فقد يقول قائل أتمنى أن يعطيني الله مالا وفيرا فأعينك ، هذا من باب التمني بالطبع ، ولكن مفهومه هو أنّه إذا أعطاني الله مالا وفيرا فاني سوف أساعدك ، وهذا مفهوم خبري يحتمل أن يكون صادقا أو كاذبا ، فإذا كنت تعرف بخل المتمني وضيق نظرته فأنت تعرف أنّه كاذب حتى إن أعطاه الله ما يشاء من المال (هذا الموضوع مشهور كثيرا في الجمل الإنشائية).

3 ـ إنّ سبب ذكر الآية أنّهم لو عادوا إلى الدنيا لعادوا إلى تكرار أعمالهم السابقة هو أن كثيرا من الناس عند ما يشاهدون نتائج أعمالهم بأعينهم ، أي حينما يصلون إلى مرحلة الشهود ، يستنكرون ما فعلوا ويندمون آنيا ويتمنون لو يتاح لهم أن يجبروا ما كسروا ، إلّا أنّ هذه تمنيات عارضة تنشأ من مشاهدة نتائج الأعمال عيانا ، وتعرض لكل إنسان يشهد بأم عينه ما ينتظره من عذاب وعقاب ، ولكن ما أن تغيب تلك المشاهد عن نظره حتى يزول تأثيرها عنه ، ويعود إلى سابق عهده.

شأنهم في ذلك شأن عبدة الأصنام الذين دهمهم طوفان عظيم في البحر ورأوا أنفسهم على عتبة الهلاك ، فنسوا كل شيء سوى الله ، ولكن ما أن هدأت العاصفة ووصلوا إلى ساحل الأمان حتى عاد كل شيء إلى ما كان عليه(1) .

4 ـ ينبغي الالتفات إلى أنّ هذه الحالات تخص جمعا من عبدة الأصنام الذين مرّت الإشارة إليهم في الآيات السابقة لا كلهم ، لذلك كان لا بدّ لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يواصل نصح الآخرين لإيقاظهم وهدايتهم.

* * *

__________________

(1) يونس ، 22.

٢٥٤

الآيات

( وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (29) وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ قالَ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (30) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (31) وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (32) )

التّفسير

في تفسير الآية الأولى احتمالان :

الأوّل : أنّها استئناف لأقوال المشركين المعاندين المتصلبين الذين يتمنون ـ عند ما يشاهدون أهوال يوم القيامة ـ أن يعودوا إلى دار الدنيا ليتلافوا ما فاتهم ، ولكن القرآن يقول إنّهم إذا رجعوا لا يتجهون إلى جبران ما فاتهم ، بل يستمرون على ما كانوا عليه ، وأكثر من ذلك فإنّهم يعودون إلى إنكار يوم القيامة( وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ) (1) .

الاحتمال الثّاني : أنّ الآية تشرع بكلام جديد يخصّ نفرا من المشركين ممّن

__________________

(1) بحسب هذا الاحتمال «وقالوا» معطوفة على «عادوا» وهذا ما يقول به صاحب تفسير «المنار».

٢٥٥

كفروا بالمعاد كليا ، فقد كان بين مشركي العرب فريق لا يؤمنون بالمعاد ، وفريق آخر يؤمنون بنوع من المعاد.

الآية التّالية تشير إلى مصيرهم يوم القيامة ، يوم يقفون بين يدي الله :( وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ قالَ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِ ) ، فيكون جوابهم أنّهم يقسمون بأنّه الحقّ :( قالُوا بَلى وَرَبِّنا ) .

عندئذ :( قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ) لا شك أنّ «الوقوف بين يدي الله» لا يعني إنّ لله مكانا ، بل يعني الوقوف في ميدان الحساب للجزاء ، كما يقول بعض المفسّرين ، أو أنّه من باب المجاز ، مثل قول الإنسان عند أداء الصّلاة أنّه يقف بين يدي الله وفي حضرته.

الآية التي بعدها فيها ، إشارة إلى خسران الذين ينكرون المعاد ، فتقول :( قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ ) ، إنّ المقصود بلقاء الله هو ـ كما قلنا من قبل ـ اللقاء المعنوي والإيمان الشهودي (الشهود الباطني) ، أو هو لقاء مشاهد يوم القيامة والحساب والجزاء.

ثمّ تبيّن الآية أنّ هذا الإنكار لن يدوم ، بل سيستمر حتى قيام يوم القيامة ، حين يرون أنفسهم فجأة أمام مشاهده الرهيبة ، ويشهدون بأعينهم نتائج أعمالهم ، عندئذ ترتفع أصواتهم بالندم على ما قصروا في حق هذا اليوم :( حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها ) .

و «الساعة» هي يوم القيامة ، و «بغتة» تعني فجأة وعلى حين غرة ، إذ تقوم القيامة دون أن يعلم بموعدها أحد سوى الله تعالى ، وسبب إطلاق «الساعة» على يوم القيامة إمّا لأنّ حساب الناس يجري سريعا فيها ، أو للإشارة إلى فجائية حدوث ذلك ، حيث ينتقل الناس بسرعة خاطفة من عالم البرزخ إلى عالم القيامة.

و «التحسر» هو التأسف على شيء ، غير أنّ العرب عند تأثرهم الشديد يخاطبون «الحسرة» فيقولون : «يا حسرتنا» ، فكأنّهم يجسدونها أمامهم ويخاطبونها.

٢٥٦

ثمّ يقول القرآن الكريم( وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ ) .

«الأوزار» جمع «وزر» وهو الحمل الثقيل ، وتعني الأوزار هنا الذنوب ، ويمكن أن تتخذ هذه الآية دليلا على تجسد الأعمال ، لأنّها تقول إنّهم يحملون ذنوبهم على ظهورهم ، ويمكن أيضا أن يكون الاستعمال مجازيا كناية عن ثقل حمل المسؤولية ، إذ أنّ المسؤوليات تشبه دائما بالحمل الثقيل.

وفي آخر الآية يقول الله تعالى :( أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ ) .

في هذه الآية جرى الكلام على خسران الذين ينكرون المعاد ، والدليل على هذا الخسران واضح ، فالإيمان بالمعاد ، فضلا عن كونه يعد الإنسان لحياة سعيدة خالدة ، ويحثه على تحصيل الكمالات العلمية والعملية ، فان له تأثيرا عميقا على وقاية الإنسان من التلوث بالذنوب والآثام ، وهذا ما سوف نتناوله ـ إن شاء الله ـ عند بحث الإيمان بالمعاد وأثره البناء في الفرد والمجتمع.

* * *

ثمّ لبيان نسبة الحياة الدنيا إلى الحياة الآخرة ، يقول الله تعالى :( وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ) فهؤلاء الذين اكتفوا بهذه الحياة ، ولا يطلبون غيرها ، هم أشبه بالأطفال الذين يودون أن لو يقضوا العمر كلّه في اللعب واللهو غافلين عن كل شيء.

إن تشبيه الحياة الدنيا باللهو واللعب يستند إلى كون اللهو واللعب من الممارسات الفارغة السطحية التي لا ترتبط بأصل الحياة الحقيقية ، سواء فاز اللاعب أم خسر ، إذ كل شيء يعود إلى حالته الطبيعية بعد اللعب.

وكثيرا ما نلاحظ أنّ الأطفال يتحلقون ويشرعون باللعب ، فهذا يكون «أميرا» وذاك يكون «وزيرا» وآخر «لصا» ورابع يكون «قافلة» ، ثمّ لا تمضي ساعة حتى ينتهي اللعب ولا يكون هناك «أمير» ولا «وزير» ولا «لص» ولا

٢٥٧

«قافلة»! أو كما يحدث في المسرحيات أو التمثيليات ، فنشاهد مناظر للحرب أو الحبّ أو العداء تتجسد على المسرح ، ثمّ بعد ساعة يتبدد كل شيء.

والدنيا أشبه بالتمثيلية التي يقوم فيها الناس بتمثيل أدوار الممثلين ، وقد تجتذب هذه التمثيلية الصبيانية حتى عقلاءنا ومفكرينا ، ولكن سرعان ما تسدل الستارة وينتهي التمثيل.

«لعب» على وزن «لزج» من «اللعاب» على وزن «غبار» وهو الماء الذي يتجمع في الفم ويسيل منه ، فإطلاق لفظة «اللعب» على اللهو والتسلية جاء للتشابه بينه وبين اللعاب الذي يسيل دون هدف.

ثمّ تقارن الآية حياة العالم الآخر بهذه الدنيا ، فتقول :( وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) .

فتلك حياة خالدة لا تفنى في عالم أوسع وعلى أرفع ، عالم يتعامل مع الحقيقة لا المجاز ومع الواقع ، لا الخيال ، عالم لا يشوب نعمه الألم والعذاب ، عالم كلّه نعمة خالصة لا ألم فيه ولا عذاب.

ولكن إدراك هذه الحقائق وتمييزها عن مغريات الدنيا الخداعة غير ممكن لغير المفكرين الذين يعقلون ، لذلك اتجهت الآية إليهم بالخطاب في النهاية.

في حديث رواه هشام بن الحكم عن الامام موسى بن جعفرعليه‌السلام قال : «يا هشام إنّ الله وعظ أهل العقل ورغبهم في الآخرة فقال :( وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) (1) .

غني عن القول أنّ هدف هذه الآيات هو محاربة الانشداد بمظاهر عالم المادة ونسيان الغاية النهائية ، أمّا الذين جعلوا الدنيا وسيلة للسعادة فهم يبحثون ـ في الحقيقة ـ عن الآخرة ، لا الدنيا.

* * *

__________________

(1) تفسير «نور الثقلين» ، ج 1 ، ص 711.

٢٥٨

الآيتان

( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) )

التّفسير

المصلحون يواجهون الصعاب دائما :

لا شك أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نقاشاته المنطقية ومحاوراته الفكرية مع المشركين المعاندين المتصلبين ، كان يواجه منهم المعاندة واللجاجة والتصلب والتعنت ، بل كانوا يرشقونه بتهمهم ، ولذلك كله كان النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشعر بالغم والحزن ، والله تعالى في مواضع كثيرة من القرآن يواسي النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويصبّره على ذلك ، لكي يواصل مسيرته بقلب أقوى وجأش أربط ، كما جاء في هذه الآية :( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ) ، فاعلم أنّهم لا ينكرونك أنت ، بل هم ينكرون آيات الله ، ولا يكذبونك بل يكذبون الله :( فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ ) .

ومثل هذا القول شائع بيننا ، فقد يرى «رئيس» أنّ «مبعوثه» إلى بعض الناس عاد غاضبا ، فيقول له : «هوّن عليك ، فان ما قالوه لك إنّما كان موجها إليّ ، وإذا

٢٥٩

حصلت مشكلة فأنّا المقصود بها ، لا أنت» وبهذا يسعى إلى مواساة صاحبه والتهوين عليه.

ثمّة مفسّرون يرون للآية تفسيرا آخر ، لكن ظاهر الآية هو هذا الذي قلناه ، ولكن لا بأس من معرفة هذا الاحتمال القائل بأن معنى الآية هو : إنّ الذين يعارضونك هم في الحقيقة مؤمنون بصدقك ولا يشكون في صحة دعوتك ، ولكن الخوف من تعرض مصالحهم للخطر هو الذي يمنعهم من الرضوخ للحق ، أو أنّ الذي يحول بينهم وبين التسليم هو التعصب والعناد.

يتبيّن من كتب السيرة أنّ الجاهليين ـ بما فيهم أشدّ المعارضين للدّعوة ـ كانوا يعتقدون في أعماقهم بصدق الدعوة ، ومن ذلك ما روي أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقي أبا جهل فصافحه أبو جهل ، فقيل له في ذلك ، فقال : والله إني لأعلم أنّه صادق ، ولكنا متى كنّا تبعا لعبد مناف! (أي أنّ قبول دعوته سيضطرنا إلى اتباع قبيلته).

وورد في كتب السيرة أنّ أبا جهل جاء في ليلة متخفيا يستمع قراءة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما جاء في الوقت نفسه أبو سفيان والأخنس بن شريق ، ولا يشعر أحد منهم بالآخر فاستمعوا إلى الصباح ، فلمّا فضحهم الصبح تفرقوا ، فجمعتهم الطريق ، فقال كل منهم للآخر ما جاء به ، ثمّ تعاهدوا أن لا يعودوا ، لما يخافون من علم شبان قريش بهم لئلا يفتتنوا بمجيئهم ، فلمّا كانت الليلة الثّانية جاء كل منهم ظانا أنّ صاحبيه لا يجيئان لما سبق من العهود ، فلمّا أصبحوا جمعتهم الطريق مرّة ثانية فتلاوموا ، ثمّ تعاهدوا أن لا يعودوا ، فلمّا كانت الليلة الثالثة جاؤوا أيضا ، فلما أصبحوا تعاهدوا أن لا يعودا لمثلها ، ثمّ تفرقوا فلمّا أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه ثمّ خرج حتى أتى أبا سفيان في بيته ، فقال : اخبرني ـ يا أبا حنظلة ـ عن رأيك فيما سمعت من محمّد؟

قال : يا أبا ثعلبة ، والله لقد سمعت أشياء أعرفها ، وأعرف ما يراد بها ، وسمعت أشياء ، ما عرفت معناها ولا ما يراد بها.

قال الأخنس : وأنا والذي حلفت به.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390