المزار الكبير

المزار الكبير11%

المزار الكبير مؤلف:
المحقق: جواد القيّومي الإصفهاني
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 964-92002-0-7
الصفحات: 702

المزار الكبير
  • البداية
  • السابق
  • 702 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 192464 / تحميل: 7001
الحجم الحجم الحجم
المزار الكبير

المزار الكبير

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٩٢٠٠٢-٠-٧
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

الباب (١٢)

التوجه إلى مشهد أمير المؤمنينعليه‌السلام

١ ـ فإذا أردت الخروج من الكوفة والتوجه إلى أمير المؤمنينصلوات الله عليه فاحرز رحلك وتوجه وأنت على طهرك وغسلك ،وعليك السكينة والوقار وتقول :

اللهم إني توجهت(١) من منزلي ابغي فضلك ، وأزور وصي نبيكصلوات الله عليهما ، اللهم فيسر لي ذلك وسبب المزار له ، واخلفنيفي عاقبتي(٢) وحزانتي(٣) بأحسن الخلافة يا ارحم الراحمين.

فإذا وردت الخندق فقل :

الله أكبر ، أهل الكبرياء والعظمة ، الله أكبر أهل التكبير والتقديسوالتسبيح والمجد والآلاء ، الله أكبر مما أخاف واحذر ، الله أكبر عماديوعليه أتوكل ، الله أكبر رجائي واليه أنيب.

اللهم أنت ولي نعمتي والقادر على طلبتي ، تعلم حاجتي وماتضمره هواجس الصدور(٤) ، فأسألك بحق نبيك المرضي ، الذي قطعتبه حجج المحتجين ، وعذر المعتذرين ، فاخترته حجة على العالمين ،

__________________

(١) خرجت ( خ ل ).

(٢) العاقبة : الولد.

(٣) حزانة الرجل : عياله الذين تتحزن لأمرهم.

(٤) هواجس الصدور اي ما يخطر فيها ويدور فيها من الأحاديث والأفكار.

١٨١

ان لا تحرمنا زيارة أمير المؤمنين وثواب مزاره ، وان تجعلني من وفدهالصالحين وشيعته ومنتجبيه المباركين.

وإذا تراءت لك القبة فقل :

الحمد لله على ما اختصني من طيب المولد ، واستخلصني اكرامابه من(١) موالاة الأبرار ، السفرة الأطهار ، والخيرة الاعلام ، اللهم فتقبلسعيي إليك ، وتضرعي بين يديك ، واغفر لي الذنوب [ التي لا تخفىعليك ](٢) ، انك أنت الله الملك الغفار.

فإذا وصلت إلى العلم فقل :

اللهم انك ترى مكاني ، وتسمع كلامي ، ولا يخفى عليك شئ منأمري ، وكيف يخفى عليك ما أنت مكونه وبارؤه ، وقد جئتك مستشفعابنبيك نبي الرحمة ، ومتوسلا بوصي رسولك ، وأسألك بهما اثباتا فيالهدى ، ونورك في الآخرة والأولى ، وقربة إليك ، وزلفة لديك ، انكأنت الملك القديم.

فإذا وصلت إلى باب الحائر كبرت ثلاثين تكبيرة ، وهللت ثلاثينتهليلة ، وحمدت الله ثلاثين تحميدة ، وصليت على محمد وآله ثلاثينمرة ، ثم دنوت من حيث تدخل ، فقدمت رجلك اليمنى وقلت :

__________________

(١) استخلصني اكراما به اي استخلصني به اكراما لي ، ومن بيانية ، يقال : استخلصه لنفسه :استخصه.

(٢) من المصادر.

١٨٢

بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله صلى اللهعليه وآله.

وصل ركعتين تحية المشهد مندوبا وقل :

السلام على رسول الله خاتم النبيينصلى‌الله‌عليه‌وآله ، السلامعلى وصيه أمير المؤمنينعليه‌السلام ، السلام على جميع ملائكة هذاالحرم الذي هم به محفون ، وبمشهده محدقون ، ولزواره مستغفرون ،الحمد لله الذي أكرمنا بمعرفته ومعرفة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومنفرض علينا طاعته صلى الله عليه ، رحمة وتطولا.

الحمد لله الذي سيرني في بلاده ، وحملني على دوابه ، وطوى ليالبعيد ، ودفع عني المكاره ، وبلغني حرم أخي نبيه ووصي رسولهصلى الله عليهما ، وادخلني البقعة التي قدسها ، وبارك عليه ، واختارهالوصي نبيه صلى الله عليهما.

الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، اشهدان لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، واشهد ان علياعليه‌السلام عبده وأخو رسوله.

اللهم إني عبدك وزائرك ، الوافد إليك ، المتقرب إليك بزيارة أخينبيك ومستحفظ رسولك صلى الله عليهما وسلم ، وعلى كل مأتي حقلمن زاره ، وأنت خير مأتي وأكرم مزور.

فأسألك اللهم بمعاقد العز من عرشك ، ومنتهى الرحمة من كتابك ،

١٨٣

وبموجبات رحمتك وعزائم مغفرتك ، ان تصلي على محمد واله وانتجعل حظي من زيارتي في موضعي فكاك رقبتي من النار ، وتجعلنيممن يسارع في الخيرات ويدعوك رغبا ورهبا ، واجعلني منالخاشعين.

اللهم انك بشرتني على لسان نبيكصلى‌الله‌عليه‌وآله فقلت :( وبشر الذين امنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم ) (١) .

فاني مؤمن بك وبجميع أنبيائك ورسلك صلواتك عليهم ،وبكلماتك وأنبيائك ، فلا توقفني بعد معرفتهم موقفا تفضحني فيه علىرؤوس الاشهاد ، وأوقفني مع محمد وآله صلواتك عليهم ، وتوفنيعلى التصديق بهم والتسليم لهم ، فإنهم عبيدك ، وأنت خصصتهمبكرامتك ، وأمرتني باتيانهم ، وفرضت علي طاعتهم ، فلك الحمد يارب العالمين.

فإذا وقفت على باب السلام فقل :

السلام على أبي الأئمة ، ومعدن النبوة ، والمخصوص بالاخوة ،السلام على يعسوب(٢) الايمان ، وكلمة الرحمن(٣) ، وكهف الأنام ، وسلام

__________________

(١) يونس : ٢.

(٢) اليعسوب : السيد والرئيس والمقدم ، واصله أمير النحل.

(٣) كلمة الرحمن : اي يبين للخلق ما أراد الله اظهاره ، كما أن الكلمة تبين ما في ضميرصاحبها ، أو المراد انه صاحب كلمات الله وعلومه.

١٨٤

على ميزان الأعمال(١) ومقلب الأحوال(٢) وسف ذي الجلال ، وسلامعلى صالح المؤمنين ، ووارث علم النبيين ، والحاكم في يوم الدين.

سلام على شجرة التقوى ، وسامع السر والنجوى ، ومنزل المنوالسلوى ، سلام على حجة الله البالغة ، ونعمته السابغة ، ونقمتهالدامغة.

سلام على إسرائيل الأمة ، وباب الرحمة ، وأبي الأئمة ، سلام علىصراط الله الواضح ، والنجم اللائح ، والامام الناصح ، سلام على وجهالله الذي من آمن به امن ، سلام على نفسه القائمة فيه بالسنن ، وعينهالتي من رعته اطمأن ، سلام على اذن الله الواعية في الأمم ، ويدهالباسطة بالنعم ، وجنبه الذي من فرط فيه ندم.

اشهد انك مجازي الخلق ، ومالك الرزق ، والحاكم بالحق ، بعثكالله علما لعباده ، فوفيت بمراده ، وجاهدت فيه حق جهاده ، صلى اللهعليك ، وجعل أفئدة من المؤمنين تهوي إليك ، والخير منك وفييديك.

عبدك الزائر بحرمك ، اللائذ بكرمك ، الشاكر لنعمك ، قد هربإليك من ذنوبه ، ورجاك لكشف كروبه ، فأنت ساتر عيوبه ، فكن لي إلى

__________________

(١) لأنهم ـ على ما ورد في الروايات الكثيرة ـ موازين يوم القيامة وهم يحاسبون الخلق.

(٢) اي يقلب أحوالهم من الضلالة إلى الهداية ، ومن الجهل إلى العلم و ، أو انه محنةالورى به يتميز المؤمن من الكافر ، وبه انتقل جماعة من الكفر إلى الايمان ، وبه ظهر كفرالمنافقين ، وله معنى آخر دقيق ليس هنا موضع ذكرها.

١٨٥

الله سبيلا ، ومن الله مقيلا ، ولما آمل فيك كفيلا ، نجني نجاة من وصلحبله بحبلك ، وسلك إلى الله بسبلك ، وأنت سامع الدعاء ، ولي الجزاء ،عليك منا التسليم ، وأنت السيد الكريم ، وأنت بنا رحيم ، منك النوال ،وعليك بعد الله التكلان ، والحمد لله وحده.

السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، السلام عليكيا ولي الله ، السلام عليك يا صفوة الله ، السلام عليك يا حبيب الله ،السلام عليك يا وصي رسول رب العالمين وخاتم النبيين ، السلام عليكيا سيد الوصيين ، السلام عليك يا حجة الله على الخلق أجمعين.

السلام عليك أيها النبأ العظيم ، الذي هم فيه مختلفون ، وعنهمسؤولون ، السلام عليك أيها الفاروق الأعظم ، السلام عليك ياأمير المؤمنين ، السلام عليك يا امين الله ، السلام عليك يا حبل اللهوموضع سره ، وعيبة علمه وخازن وحيه.

بابي أنت وأمي يا مولاي يا حجة الخصام ، بابي أنت وأمي يا بابالمقام(١) ، اشهد انك حبيب الله وخاصة الله وخالصته.

واشهد انك عمود الدين ، ووارث علم الأولين والآخرين ،

__________________

(١) باب المقام اي مقام إبراهيم لحج البيت واعتماره لا يقبل الا بولايتك فمن لم يأتهبولايتك فكأنما اتى البيت من غير بابه ، أو باب القيام عند رب العالمين للحساب ، كناية عن أنإياب الخلق إليه وحسابهم عليه ، فكما انه لا يدخل البيت الا بعد المرور على الباب كذلكلا يأتي أحد ليقوم للحساب الا بعد أن يلقاهعليه‌السلام بما هو أهله من البشارة أو الاكتياب ـ البحار.

١٨٦

وصاحب الميسم(١) والصراط المستقيم ، اشهد انك قد بلغت عن اللهوعن رسوله ، ورعيت ما استحفظت ، وحفظت ما استودعت ، وحللتحلال الله ، وحرمت حرام الله ، وأقمت احكام الله ، ولم تتعد حدودالله ، وعبدت الله مخلصا حتى اتاك اليقين.

اشهد انك أقمت الصلاة ، واتيت الزكاة ، وأمرت بالمعروف ،ونهيت عن المنكر ، واتبعت الرسول ، وتلوت الكتاب حق تلاوته ،وجاهدت في الله حق جهاده ، ونصحت لله ولرسوله ، وجدت بنفسكصابرا محتسبا ، وعن دين الله مجاهدا ، ولرسول الله موفيا ، ولما عندالله طالبا ، وفيما وعد راغبا ، ومضيت للذي أنت عليه شاهدا وشهيداومشهودا ، فجزاك الله عن رسول الله وعن الاسلام وأهله أفضلالجزاء.

لعن الله من افترى عليك وغضبك ، ولعن الله من قتلك ، ولعنمن بايع على قتلك ، ولعن من بلغه ذلك فرضي به ، أنا إلى الله منهمبرئ ، ولعن الله أمة خالفتك ، وأمة جحدت ولايتك ، وأمة تظاهرتعليك ، وأمة قاتلتك ، وأمة جارت عليك وحادت عنك(٢) وخذلتك(٣) ،الحمد لله الذي جعل النار مثواهم وبئس الورد المورود.

__________________

(١) إشارة إلى ما ورد في الاخبار انهعليه‌السلام الدابة التي يخرج في آخر الزمان ، ومعه العصاوالميسم ، يسم بهما وجوه المؤمنين والكافرين.

(٢) الحيد : الميل.

(٣) خذله : ترك نصرته.

١٨٧

اللهم العن قتلة أنبيائك وأوصياء أنبيائك بجميع لعناتكوأصلهم(١) حر نارك ، اللهم العن الجوابيت والطواغيت والفراعنة ،واللات والعزى ، وكل ند يدعى من دون الله ، وكل ملحد مفتر.

اللهم العنهم وأشياعهم وأتباعهم ، وأولياءهم وأعوانهمومحبيهم لعنا كثيرا ، لا انقطاع له ولا اجل.

اللهم إني أبرأ إليك من جميع أعدائك ، وأسألك اللهم ان تصليعلى محمد وآله وان تجعل لي لسان صدق في أوليائك ، وتحبب إليمشاهدهم ، حتى تلحقني بهم ، وتجعلني لهم تبعا في الدنيا والآخرة ، ياارحم الراحمين.

ثم تحول إلى عند رأسه صلوات الله عليه وتقول :

سلام الله وسلام ملائكته المقربين ، والمسلمين لك بقلوبهم ،والناطقين بفضلك ، والشاهدين على أنك صادق صديق ، عليك يامولاي ورحمة الله وبركاته ، صلى الله عليك وعلى روحك وبدنك ،اشهد أنك طاهر مطهر ، من طهر طاهر مطهر.

اشهد لك يا ولي الله وولي رسوله بالبلاغ والأداء ، واشهد أنكحبيب الله ، وأنك باب الله(٢) الذي يؤتى منه ، وأنك سبيل الله ، وانك

__________________

(١) صلى اللحم : شواه أو ألقاه في النار للاحراق.

(٢) المراد بالباب الذي لا يؤتي الا منه ، اي لا يوصل إلى الله والى معرفته وعبادته الابمتابعتك.

١٨٨

عبد الله وأخو رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

اتيتك متقربا إلى الله بزيارتك ، في خلاص نفسي ، متعوذا بك مننار استحقها مثلي بما جنيت على نفسي ، اتيتك انقطاعا إليك وإلىولدك(١) الخلف من بعدك على بركة الحق ، فقلبي لكم مسلم ، وأمري لكممتبع ، ونصرتي لكم معدة.

أنا عبد الله ومولاك وفي طاعتك ، الوافد إليك ، ألتمس كمالالمنزلة عند الله تعالى ، وأنت يا مولاي ممن أمرني الله بصلته ، وحثنيعلى بره ، ودلني على فضله ، وهداني لحبه ، ورغبني في الوفادة إليه ،وألهمني طلب الحوائج عنده.

أنتم أهل بيت يسعد من تولاكم ، ولا يخيب من أتاكم ، ولا يخسرمن يهواكم ، ولا يسعد من عاداكم ، لا أجد أحدا أفزع إليه خيرا ليمنكم ، أنتم أهل بيت الرحمة ، ودعائم الدين ، وأركان الأرض ، والشجرةالطيبة.

اللهم لا تخيب توجهي إليك برسولك وال رسولك ، واستشفاعيبهم ، اللهم أنت مننت علي بزيارة مولاي أمير المؤمنين وولايتهومعرفته ، فاجعلني ممن ينصره وينتصر به ، ومن علي بنصرك لدينكفي الدنيا والآخرة ، اللهم إني أحيى على ما حيي عليه علي بن أبي طالبوذريته الطاهرون.

__________________

(١) المراد بالولد الحسينعليه‌السلام ، أو جميع الأئمةعليهم‌السلام ، فان الولد يكون واحدا وجمعا.

١٨٩

ثم انكب على القبر فقبله وضع خديك عليه ، ثم انفتل إلى القبلةوأنت مقامك عند الرأس ، فصل ركعتين ، تقرأ في الأولى فاتحة الكتابوسورة الرحمن ، وفي الثانية فاتحة الكتاب وسورة يس ، ثم تتشهدوتسلم.

فإذا سلمت فسبح تسبيح الزهراء فاطمةعليها‌السلام واستغفر وادع ، ثماسجد وقل في سجودك :

اللهم إني إليك توجهت ، وبك اعتصمت ، وعليك توكلت ، اللهمأنت ثقتي ورجائي ، فاكفني ما أهمني وما لا يهمني وما أنت اعلم بهمني ، عز جارك وجل ثناؤك ولا اله غيرك ، صل على محمد وآل محمدوقرب فرجهم.

ثم ضع خدك الأيمن على الأرض وقل :

اللهم ارحم ذلي بين يديك ، وتضرعي إليك ، ووحشتي منالناس ، وانسي بك يا كريم.

ثم ضع خدك الأيسر على الأرض وقل :

لا إله إلا أنت حقا حقا ، سجدت لك يا رب تعبدا ورقا ، اللهم انعملي ضعيف ، فضاعفه لي يا كريم.

تقول ذلك ثلاثا ، ثم عد إلى السجود وقل : شكرا شكرا ـ مائة مرة.

وتقوم فصل أربع ركعات كما صليت ، ويجزيك ان عدلت عن ذلكإلى ما تيسر من القرآن ، تكمل بالأربع ست ركعات الأوليان ، منها لزيارة

١٩٠

أمير المؤمنينعليه‌السلام ، والأربع لزيارة ادم ونوحعليهما‌السلام ، وتسبح تسبيحالزهراءعليها‌السلام وتستغفر لذنبك وتدعوا بما شئت.

ثم تحول إلى عند الرجلين وقل :

السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، أنت أولمظلوم ، وأول مغصوب حقه ، صبرت واحتسبت حتى اتاك اليقين ،اشهد انك لقيت الله وأنت شهيد ، عذب الله قاتلكم بأنواع العذاب.

جئتك زائرا عارفا بحقك ، مستبصرا بشأنك ، معاديا لأعدائك ،مواليا لأوليائك ، القى على ذلك ربي إن شاء الله تعالى ، ولي ذنوبكثيرة ، فاشفع لي عند ربك ، فان لك عند الله مقاما معلوما وجاهاوشفاعة ، وقد قال الله تعالى :( ولا يشفعون الا لمن ارتضى (١) وهم منخشيته مشفقون ) (٢) .

صلى الله عليك وعلى روحك وبدنك ، وعلى الأئمة من ذريتك ،صلاة لا يحصيها الا هو ، وعليكم أفضل السلام ورحمة الله وبركاته.

واجتهد في الدعاء فإنه موضع مسألة ، وأكثر من الاستغفار فإنه

__________________

(١) لعل المراد بالشفاعة أولا في قوله :( فاشفع لي إلى ربك ) الاستغفار في هذه الحالة ،وبالشفاعة ثانيا في قوله :( ولا يشفعون الا لمن ارتضى ) في القيامة ، اي ادع لي الان بالغفرانلأصير قابلا لشفاعتك في القيامة ، ويحتمل أن يكون المعنى اشفع لي فان كل من شفعتم له فهوالمرتضى ، ويحتمل أن يكون المقصود الاستشهاد بالقران لمجرد وقوع الشفاعة لا لخصوصالمشفوع له ، والله العالم ـ البحار.

(٢) الأنبياء : ٢٨.

١٩١

موطن مغفرة ، اساله الحوائج فإنه مقام إجابة ، وأكثر من الصلاة والدعاءوالزيارة والتحميد والتسبيح والتهليل وذكر الله تعالى وتلاوة القرآنوالاستغفار ما استطعت.

زيارة أبي البشر آدم صلى الله عليه :

تقف على ضريح أمير المؤمنينعليه‌السلام وتقول :

السلام عليك يا صفي الله ، السلام عليك يا حبيب الله ، السلامعليك يا نبي الله ، السلام عليك يا امين الله ، السلام عليك يا خليفة اللهفي ارضه.

السلام عليك يا أبا البشر ، سلام الله عليك وعلى روحك وبدنك ،وعلى الطاهرين من ولدك وذريتك ، صلاة لا يحصيها الا هو ورحمة اللهوبركاته.

باب الوداع :

فإذا قضيت نسكك واردت الانصراف فقف على القبر كوقوفكعليه في ابتداء زيارتك ، وتستقبله بوجهك وتجعل القبلة بين كتفيك ،تقول :

السلام عليك يا أمير المؤمنين وعلى ضجيعيك ادم ونوحورحمة الله وبركاته ، أستودعكم الله وأسترعيكم واقرأ عليكم

١٩٢

السلام ، امنا بالله وبالرسل ، وبما جاءت به ودلت عليه ، اللهم اكتبنا معالشاهدين.

اللهم إني أشهدك في مماتي على ما شهدت عليه في حياتي ، اشهدانكم الأئمة ـ وتسميهم واحدا بعد واحد.

واشهد ان من قتلكم وحاربكم مشركون ، ومن رد عليكم فيأسفل درك من الجحيم ، واشهد ان من حاربكم لنا أعداء ، وانهم حزبالشيطان ، وعلى من قتلكم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، ومنشرك فيه ومن سره قتلكم.

اللهم إني أسألك بعد الصلاة والتسليم ان تصلي على محمد النبي وآله ـ وتسميهم ـ ولا تجعل هذا اخر العهد من زيارتي إياهم ، فان جعلتهفاحشرني معهم.

اللهم وذلل قلوبنا لهم بالطاعة والمناصحة ، وحسن المؤازرةوالتسليم(١) .

__________________

(١) رواه السيد ابن طاووس في مصباح الزائر : ٦٠ والشهيد في مزاره : ٢٩ والمفيد فيمزاره ، عنهم البحار ١٠٠ : ٢٨١

ذكره عبد الكريم بن طاووس في فرحة الغري : ٩٣ عن صفي الدين بن معدان ، عن الحسينابن الفضل ، عن الحسين بن محمد بن مصعب ، وعن زيد بن علي بن محمد بن يعقوب ، عنالحسين بن محمد بن مصعب ، عن محمد بن حسين بن أبي الخطاب ، عن صفوان بن علي البزازعن صفوان الجمال ، عن الصادق عليه‌السلام ، عنه البحار ١٠٠ : ٢٣٥

١٩٣

الباب (١٣)

فأما العمل والصلاة ليلة المبعث ، وهي ليلة سبع وعشرين من رجب

الف ـ فإنه روى صالح بن عقبة عن أبي الحسنعليه‌السلام أنه قال : صلليلة سبع وعشرين من رجب أي وقت شئت من الليل اثنتي عشرة ركعة ،تقرأ في كل ركعة الحمد ، والمعوذتين ، و( قل هو الله أحد ) أربعا يعنيسورة منها أربع ركعات ، وينوي انه يصلي صلاة ليلة المبعث مندوبا قربةإلى الله تعالى.

فإذا فرغت قلت وأنت في مكانك أربع مرات :

لا إله إلا الله والله أكبر ، والحمد لله ، وسبحان الله ، ولا حولولا قوة الا بالله.

ثم ادع ما شئت(١) .

ب ـ رواية أخرى : روي عن أبي جعفر محمد بن علي الرضاعليهما‌السلام أنه قال : ان في رجب ليلة خير مما طلعت عليه الشمس ، وهي ليلة سبعوعشرين من رجب ، فيها نبي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في صبيحتها ، وان للعاملفيها من شيعتنا أجر عمل ستين سنة ، قيل له : وما العمل فيها أصلحكالله؟ قال :

__________________

(١) رواه الشيخ في مصباحه : ٨١٣ ، عنه السيد في الاقبال ٣ : ٢٦٧ ، عنه الوسائل ٨ : ١١١.

١٩٤

إذا صليت العشاء الآخرة واخذت مضجعك ، ثم استيقظت ايساعة شئت من الليل قبل الزوال ، صليت اثنتي عشرة ركعة ، تقرأ في كلركعة الحمد وسورة من خفاف المفصل.

فإذا سلمت في كل شفع جلست بعد التسليم ، وقرأت الحمدسبعا ، و( قل هو الله أحد ) ، و( قل يا أيها الكافرون ) سبعا سبعا(١) ،وقلت بعقب ذلك هذا الدعاء :

الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملكولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا.

اللهم إني أسألك بمعاقد عزك على أركان عرشك ، ومنتهى الرحمةمن كتابك ، وباسمك الأعظم الأعظم الأعظم ، وذكرك الاعلى الاعلىالاعلى ، وبكلماتك التامات ان تصلي على محمد واله وان تفعل بي ماأنت أهله(٢) .

ويستحب الغسل في هذه الليلة.

__________________

(١) كذا ، وفي بعض المصادر زيادة : المعوذتين وانا أنزلناه وآية الكرسي.

(٢) رواه الشيخ في مصباحه : ٨١٣.

رواه السيد ابن طاووس في الاقبال ٣ : ٢٦٦ ، باسناده عن الطرازي في كتابه ، عن عدة منأصحابنا ، عن عبد الباقي بن قانع بن مروان ، عن محمد بن زكريا الغلابي ، عن محمد بن عفيرالضبي.

وأيضا عن محمد بن عبد الله ، عن جعفر بن فروخ ، عن الغلابي ، عن العباس بن بكار ، عنالضبي ، عنه مستدرك الوسائل ٦ : ٢٨٩.

١٩٥

ويوم السابع والعشرين منه :

فيه بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويستحب صومه ، وهو أحد الأيامالأربعة في السنة ، ويستحب الغسل فيه ندبا والصلاة المخصوصة.

الف ـ وروى الريان بن الصلت قال : صام أبو جعفر الثانيعليه‌السلام لماكان ببغداد يوم النصف من رجب ويوم سبع وعشرين منه ، وصام معهجميع حشمه ، وأمرنا ان نصلي الصلاة التي هي اثنتا عشرة ركعة ، تقرأفي كل ركعة الحمد وسورة.

فإذا فرغت قرأت الحمد أربعا ، و( قل هو الله أحد ) أربعا ،والمعوذتين أربعا ، وقلت :

لا إله إلا الله والله أكبر ، وسبحان الله والحمد لله ، ولا حولولا قوة الا بالله العلي العظيم ـ أربعا.

الله الله ربي لا أشرك به شيئا ـ أربعا(١) .

ب ـ ويستحب ان يدعي في هذا اليوم بهذا الدعاء :

يا من أمر بالعفو والتجاوز ، وضمن على نفسه العفو والتجاوز ، يامن عفى وتجاوز ، اعف عني وتجاوز يا كريم.

__________________

(١) رواه السيد ابن طاووس في الاقبال ٣ : ٢٧٤ ، عن الشيخ في مصباحه : ٨١٤ ، عنهالوسائل ٨ : ١١٢.

١٩٦

اللهم وقد أكدى(١) الطلب ، وأعيت الحيلة والمذهب ، ودرستالآمال ، وانقطع الرجاء الا منك وحدك لا شريك لك.

اللهم إني أجد سبل المطالب إليك مشرعة(٢) ، ومناهل(٣) الرجاءلديك مترعة(٤) ، وأبواب الدعاء لمن دعاك مفتحة ، والاستعانة لمناستعان بك مباحة ، واعلم انك لداعيك بموضع إجابة ، وللصارخ إليكبمرصد إغاثة ، وان في اللهف إلى جودك والضمان بعدتك عوضا منمنع الباخلين ، ومندوحة(٥) عما في أيدي المستأثرين ، وانك لا تحتجب(٦) عن خلقك الا ان تحجبهم الأعمال دونك.

وقد علمت أن أفضل زاد الراحل إليك عزم إرادة ، وقد ناجاك بعزمالإرادة قلبي ، فأسالك بكل دعوة دعاك بها راج بلغته امله ، أو صارخ إليكأغثت صرخته ، أو ملهوف مكروب فرجت عن قلبه(٧) ، أو مذنب خاطئغفرت له ، أو معافى أتممت نعمتك عليه ، أو فقير أهديت غناك إليه ،ولتلك الدعوة عليك حق ، وعندك منزلة ، الا صليت على محمد

__________________

(١) أكدى : بخل أو قل خيره.

(٢) مشرعة : مفتوحة.

(٣) المناهل : المشارب.

(٤) مترعة : مملوة.

(٥) المندوحة : السعة.

(٦) تحجب ( خ ل ).

(٧) فرجت كربه ( خ ل ).

١٩٧

وال محمد وقضيت حوائجي وحوائج الدنيا والآخرة.

وهذا رجب المرجب المكرم ، الذي أكرمتنا به أول أشهر الحرم ،أكرمتنا به من بين الأمم يا ذا الجود والكرم ، فنسألك به وباسمك الأعظمالأعظم الأعظم ، الاجل الأكرم الذي خلقته فاستقر في ظلك فلا يخرجمنك إلى غيرك ، ان تصلي على محمد وأهل بيته الطاهرين ، وتجعلنا منالعاملين فيه بطاعتك ، والآملين فيه لشفاعتك.

اللهم واهدنا إلى سواء السبيل ، واجعل مقيلنا(١) عندك خير مقيل ،في ظل ظليل ، فإنك حسبنا ونعم الوكيل ، والسلام على عبادهالمصطفين وصلواته عليهم أجمعين.

اللهم بارك لنا في يومنا هذا الذي فضلته ، وبكرامتك جللته ،وبالمنزل العظيم منك أنزلته ، وصل على من فيه إلى عبادك أرسلته ،وبالمحل الكريم أحللته.

اللهم صل عليه صلاة دائمة ، تكون لك شكرا ولنا ذخرا ، واجعللنا من أمرنا يسرا ، واختم لنا بالسعادة إلى منتهى اجالنا ، وقد قبلتاليسير من أعمالنا ، وبلغنا برحمتك أفضل امالنا ، انك على كل شئقدير ، وصلى الله على محمد وآله وسلم(٢) .

__________________

(١) المقيل : موضع الاستراحة.

(٢) رواه الشيخ في مصباحه : ٨١٤.

ذكره السيد في الاقبال ٣ : ٢٧٦ باسناده إلى محمد بن علي الطرازي ، عن علي بن إسماعيلابن يسار.

١٩٨

ج ـ رواية أخرى : رواية أبو القاسم الحسين بن روح رحمة الله عليهقال : تصلي في هذا اليوم اثنتا عشرة ركعة ، يقرأ في كل ركعة فاتحةالكتاب وما تيسر من السور ، وتتشهد وتسلم وتقول بين كل ركعتين :

الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ،ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا.

يا عدتي في مدتي ، ويا صاحبي في شدتي ، ويا وليي في نعمتي ، ياغياثي في رغبتي ، يا مجيبي في حاجتي ، يا حافظي في غيبتي ، يا كالئيفي وحدتي ، يا أنسي في وحشتي.

أنت الساتر عورتي فلك الحمد ، وأنت المقيل عثرتي فلك الحمد ،و أنت المنفس صرعتي فلك الحمد ، صل على محمد وال محمد واسترعورتي ، وآمن روعتي ، وأقلني عثرتي ، واصفح عن جرمي ، وتجاوز عنسيئاتي في أصحاب الجنة ، وعد الصدق الذي كانوا يوعدون.

فإذا فرغت من الصلاة والدعاء قرأت الحمد والاخلاصوالمعوذتين و( قل يا أيها الكافرون ) و( انا أنزلناه ) وآية الكرسي سبعمرات ، ثم تقول :

لا إله إلا الله والله أكبر ، وسبحان الله والحمد لله ولا حولولا قوة الا بالله ـ سبع مرات.

ثم تقول :

١٩٩

الله الله ربي لا أشرك به شيئا ـ سبع مرات.

فاسأل ما أحببت(١) .

فاما الزيادات في عمل رجب :

الف ـ فإنه روي أبو سعيد الخدري قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الا انرجبا شهر الله الأصم ـ وذكر فضل صيامه وما لصائم أيامه من الثواب ،ثم قال في آخره ـ : قيل : يا رسول الله فمن لم يقدر على هذه الصفة يصنعماذا لينال ما وصفت ، قال : يسبح الله تعالى في كل يوم من رجب إلى تمامثلاثين بهذا التسبيح مائة مرة :

سبحان الاله الجليل ، سبحان من لا ينبغي التسبيح الا له ، سبحانالأعز الأكرم ، سبحان من لبس العز وهو له أهل(٢) .

__________________

(١) رواه السيد في الاقبال ٣ : ٢٧٣ ، باسناده عن الطرازي في كتابه ، عن أبي العباس احمدابن علي بن نوح ، عن أصل كتاب أبي احمد المحسن بن عبد الحكم الشجري ، عن كتابأبي نصر جعفر بن محمد بن الحسن بن الهيثم ، عن الحسين بن روح ، عنه المستدرك ٦ : ٢٩١.

ذكره مع اختلاف السيد في الاقبال ٣ : ٢٧٥ عن الشيخ الطوسي في المصباح : ٧٥٠ باسنادهعن أبي القاسم بن روح.

(٢) رواه السيد في الاقبال ٣ : ١٩٧ عن جده الشيخ الطوسي ، عن أبي سعيد الخدري.

ذكره الصدوق في أماليه : ٤٢٩ ، باسناده عن محمد بن أبي إسحاق بن أحمد الليثي ، عن محمدابن الحسين الرازي ، عن علي بن محمد بن علي المفتي ، عن الحسن بن محمد بن المروزي ، عنأبيه ، عن يحيى بن عياش ، عن علي بن عاصم ، عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري ،عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ذكره في الاقبال ٣ : ٢٨٤ عن أمالي الصدوق وثواب الأعمال.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

أرض مربعة حمراء من أدم

ما بين إلفين موصوفين بالكرمِ

تذاكرا الحرب فاحتلاّ لها شبهاً

من غير أن يسعيا فيها بسفك دمِ

هذا يغير على هذا وذاك على

هذا يغير وعين الحرب لم تنمِ

فانظر إلى الخيل قد جاشت بمعركةٍ

في عسكرين بلا طبلٍ ولا علمِ(1)

وألمّ هذا الشعر بوصف دقيق للشطرنج، وفيما أحسب أنّه أسبق من نظم فيه، وأحاط بأوصافه ودقائقه وقد تعلم هذه اللعبة من أبيه الرشيد الذي كان من الماهرين فيها، وقد أهدى إلى ملك (فرنسا) أدوات الشطرنج، ولم تكن معروفة فيها، وتوجد حاليا تلك الأدوات التي أهداها الرشيد في متاحف (فرنسا)(2) .

ب - ولعه بالموسيقى:

وكان المأمون مولعاً بالغناء والموسيقى، ويقول المؤرّخون أنّه كان معجباً كأشد ما يكون الإعجاب بأبي إسحاق الموصلي الذي كان من أعظم العازفين والمغنّين في العالم العربي وقال فيه: (كان لا يغني أبداً إلاّ وتذهب عنّي وساوسي المتزايدة من الشيطان)(3) .

وكان يحيي لياليه بالغناء والرقص والعزف على العود كأبيه الرشيد الذي لم يمر على قصره اسم الله تعالى، وإنّما كانت لياليه الليالي الحمراء.

ج - شربه للخمر:

وعكف المأمون على الإدمان على الخمر، فكان يشربها في وضح النهار وفي غلس الليل، ولم يتأثّم في اقتراف هذا المحرَّم الذي هو من أفحش المحرّمات في الإسلام.

إلى هنا ينتهي بنا الحديث عن بعض نزعات المأمون وصفاته.

التحف الثمينة التي أهديت للمأمون:

وقام الأُمراء والأشراف بتقديم الهدايا القيّمة والتحف الثمينة للمأمون تقرّباً إليه، وكان من بعض ما أُهدي إليه ما يلي:

____________________

(1) المستطرف 2 / 306.

(2) حياة الإمام محمد الجواد (ص 233).

(3) الحضارة العربية لجاك س. ريسلر (ص 108).

٢٢١

1 - أهدى أحمد بن يوسف للمأمون سفطاً من الذهب فيه قطعة عود هندي في طوله وعرضه، وكتب فيه هذا يوم جرت فيه العادة بإتحاف العبيد للسادة، وقد قلت:

على العبد حق وهو لا شك فاعله

وإن عظم المولى وجلّت فواضله

ألم ترنا نهدي إلى الله ماله

وإن كان عنه ذا غنى فهو قابله

ولو كان يهدي للجليل بقدره

لقصّر عنه البحر يوماً وساحله

ولكنّنا نهدي إلى مَن نجلّه

وإن لم يكن في وسعنا ما يشاكله(1)

2 - أهدى أبو دلف القاسم بن عيسى العجلي إلى المأمون في يوم مهرجان مائة حمل زعفران قد وضعت في أكياس من الإبريسم، وقد حملتها أتان شهب وحشية، فجاءت الهدايا والمأمون عند حرمه، فأخبر بالهدية، فسارع إلى النظر إليه، فلمّا رآها عجب بها وسأل عن الحمر التي حملت الزعفران هل هن ذكور أم إناث؟ فقيل له إنّها إناث فسُرّ بذلك، وقال: قد علمت أنّ الرجل أعقل من أن يوجه على غير أتن(2).

3 - أهدى ملك الهند جملة من الهدايا، وفيها جام ياقوت أحمر، ومعها رسالة جاء فيها: نحن نسألك أيّها الأخ أن تنعم في ذلك بالقبول، وتوسع عذراً في التقصير(3) .

هذه بعض الهدايا التي قدّمت للمأمون تقرّباً له، وطمعاً في الظفر ببعض الوظائف منه.

تظاهره بالتشيّع:

وذهب بعض المؤرخين والباحثين إلى أن المأمون قد اعتنق مذهب التشيع، وقد استندوا إلى ما يلي:

من علمه التشيع:

إنّه أعلن أمام حاشيته وأصحابه أنّه اعتنق مذهب التشيّع وذلك في الحديث التالي: روى سفيان بن نزار، قال: كنت يوماً على رأس المأمون، فقال لأصحابه: (أتدرون مَن علّمني التشيّع؟).

____________________

(1) صبح الأعشى 2 / 420.

(2) التحف والهدايا (ص 109).

(3) نفس المصدر.

٢٢٢

فقالوا جميعاً: لا والله ما نعلم؟.

فقال: علمنيه الرشيد فانبروا قائلين:

(كيف ذلك والرشيد كان يقتل أهل البيت؟).

قال: كان يقتلهم على الملك لان الملك عقيم، لقد حججت معه سنة، فلمّا صار إلى المدينة تقدم إلى حجاجه، وقال لهم: (لا يدخلن على رجل من أهل المدينة ومكة، ولا من المهاجرين والأنصار وبني هاشم، وسائر بطون قريش إلا نسب نفسه... وأمتثل الحجاب ذلك، فكان الرجل إذا أراد الدخول عليه عرف نفسه إلى الحجاب، فإذا دخل فيصله بحسب مكانته ونسبه، وكانت صلته خمسة آلاف دينار إلى مائتي دينار، يقول المأمون وبينما أنا واقف إذ دخل الفضل بن الربيع، فقال: (يا أمير المؤمنين، على الباب رجل يزعم أنّه موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب).

فاقبل الرشيد على أبنائه، وعلى سائر القواد، وقال لهم: احفظوا على أنفسكم، ثم قال للفضل ائذن له، ولا ينزل إلاّ على بساطي، يقول المأمون: ودخل شيخ مسخد(1) قد أنهكته العبادة كأنّه شنّ بال(2) قد كلم(3) السجود وجهه وأنفه فلمّا رأى الرشيد أنّه أراد أن ينزل من دابته، فصاح لا والله إلاّ

على بساطي فمنعه الحجّاب من الترجّل، ونظر إليه الجميع بإجلال وإكبار وتعظيم ووصل الإمام إلى البساط والحجّاب والقوّاد محدقون به، فنزل عن راحلته فقام إليه الرشيد واستقبله إلى آخر البساط، وقبّل وجهه وعينيه، وأخذ بيده حتى صيره في صدر المجلس وأجلسه معه، وأقبل عليه يحدثه، ويسأله عن أحواله، ثم قال له: (يا أبا الحسن ما عليك من العيال؟).

قال هارون: أولاد كلهم؟ قال الإمام: لا، أكثرهم موالي وحشم، أمّا الولد فلي نيف وثلاثون، وذكر عدد الذكور، وعدد الإناث، والتفت إليه هارون فقال له:

____________________

(1) المسخد: مصفر الوجه.

(2) الشن البالي: القربة البالية.

(3) كلم: أي جرح.

٢٢٣

- لم لا تزوج النسوان من بني عمومتهن وأكفائهن؟

- اليد تقصر عن ذلك.

- ما حال الضيعة؟

تعطي في وقت وتمنع في آخر!.

- هل عليك دين؟

- نعم.

- كم هو؟

- عشرة آلاف دينار.

- يا بن العم أنا أعطيك من المال ما تزوّج به الذكران والنسوان، وتقضي به الدين، وتعمر به الضياع.

فشكره الإمام على ذلك وقال له: (وصلتك رحم يا بن العم، وشكر الله هذه النية الجميلة والرحم ماسة، والقرابة واشجة، والنسب واحد، والعباس عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصنو أبيه، وعمّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام وصنو أبيه، وما أبعدك الله من أن تفعل ذلك، وقد بسط يدك، وأكرم عنصرك وأعلى محتدك(1)) .

فقال هارون: أفعل ذلك وكرامة.

وأخذ الإمامعليه‌السلام يوصيه بالبر والإحسان إلى عموم الفقراء قائلاً:

(يا أمير المؤمنين إنّ الله قد فرض على ولاة العهد، أن ينعشوا فقراء الأمّة، ويقضوا عن الغارمين، ويؤدوا عن المثقل، ويكسوا العاري، ويحسنوا إلى العاني(2) ، فأنت أولى مَن يفعل ذلك...).

فانبرى هارون قائلاً: افعل ذلك يا أبا الحسن، ثم قام الإمامعليه‌السلام فقام الرشيد تكريما له، وقبل عينيه ووجهه ثم اقبل على أولاده فقال لهم: (يا عبد الله، ويا محمد، ويا إبراهيم امشوا بين يدي عمكم وسيدكم خذوا بركابه، وسووا عليه ثيابه وشيعوه إلى منزله).

وانصرف الإمامعليه‌السلام ، وفي نفس الطريق أسرّ إلى المأمون فبشره

____________________

(1) المحتد: الأصل.

(2) العاني: الغفير.

٢٢٤

بالخلافة، وقال له:

(إذا ملك هذا الأمر فأحسن إلى ولدي).

ومضى الإمام مشيَّعاً من قبل أبناء هارون إلى منزله، ورجع المأمون إلى منزله، فلما خلا المجلس من الناس التفت إلى أبيه قائلاً:

(يا أمير المؤمنين من هذا الرجل الذي قد أعظمته، وأجللته وقمت من مجلسك إليه، فاستقبلته، وأقعدته في صدر المجلس، وجلست دونه، ثم أمرتنا بأخذ الركاب له؟).

فقال هارون:

(هذا إمام الناس، وحجّة الله على خلقه، وخليفته على عباده...).

وبهر المأمون فقال لأبيه: (يا أمير المؤمنين أليست هذه الصفات لك وفيك؟).

فأجابه هارون بالواقع قائلاً: (أنا أمام الجماعة في الظاهر والغلبة والقهر، وموسى بن جعفر إمام حق، والله يا بني إنّه لاحق بمقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منى ومن الخلق جميعاً، ووالله إن نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك، فإنّ الملك عقيم).

ولـمّا أراد الرشيد الانصراف من المدينة إلى بغداد أمر بصرة فيها مائتا دينار، وقال للفضل بن الربيع اذهب بها إلى موسى بن جعفر، وقل له: يقول لك أمير المؤمنين: نحن في ضيقة، وسيأتيك برنا بعد الوقت، فقام المأمون، وقال لأبيه: (تعطي أبناء المهاجرين والأنصار وسائر قريش، ومن لا تعرف حسبه ونسبه خمسة آلاف دينار ما دونها، وتعطي موسى بن جعفر، وقد عظمته، وجللته مائتي دينار أخسّ عطية أعطيتها أحدا من الناس).

فزجره هارون، وقال له:

(اسكت لا أُمّ لك، فإنّي لو أعطيت هذا ما ضمنته له، ما كنت آمنه أن يضرب وجهي غداً بمائة ألف سيف من شيعته ومواليه، وفقر هذا وأهل بيته أسلم لي ولكم من بسط أيديهم وأعينهم).

وأعرب هارون عن خشيته من الإمامعليه‌السلام ، وقضت سياسته في

٢٢٥

محاربته اقتصاديا لئلا يقوى على مناهضته وكان في المجلس مخارق المغني فتألم وانبرى إلى هارون قائلاً: (يا أمير المؤمنين، قد دخلت المدينة، وأكثر أهلها يطلبون مني شيئا، وإن خرجت ولم أقسم فيهم شيئا لم يتبيّن لهم فضل أمير المؤمنين علي، ومنزلتي عنده).

فأمر له هارون بعشرة آلاف دينار، فقال له مخارق: (يا أمير المؤمنين هذا لأهل المدينة، وعلى دين احتاج أن أقضيه).

فأمر له بعشرة آلاف دينار، ثم قال له: بناتي أريد أن أزوجهن فأمر له بعشرة آلاف دينار، وقال له: لا بد من غلّة تعطينيها ترد علي وعلى عيالي وبناتي فأمر له باقطاع(1) تبلغ وارداتها في السنة عشرة آلاف دينار، وأمر أن يعجل ذلك له، وقام مخارق مسرعا إلى بيت الإمام الكاظمعليه‌السلام ، فلمّا انتهى إليه استأذن على الإمام فأذن له فقال له: (قد وقفت على ما عاملك هذا الطاغية، وما أمر لك به، وقد احتلت عليه لك، وأخذت منه صلات ثلاثين ألف دينار وأقطاعا تغل في السنة عشرة آلاف دينار، ولا والله يا سيدي ما احتاج إلى شيء من ذلك، ما أخذته إلاّ لك وأنا اشهد لك بهذه القطاع، وقد حملت المال لك).

فشكره الإمامعليه‌السلام على ذلك، وقال له: (بارك الله لك في مالك، وأحسن جزاءك، ما كنت لآخذ منه درهماً واحداً، ولا من هذه الأقطاع شيئاً، وقد قبلت صلتك وبرّك، فانصرف راشداً ولا تراجعني في ذلك).

وقبل مخارق يد الإمامعليه‌السلام ، وانصرف عنه(2) .

وحكت هذه الرواية ما يلي:

1 - احتفاء الرشيد بالإمام الكاظمعليه‌السلام في حين أنّه لم يحفل بأي إنسان كان، فقد سيطر على أغلب أنحاء الأرض وسرى اسمه في الشرق والغرب.

2 - اعتراف هارون بأنّ الإمام الكاظمعليه‌السلام هو حجّة الله على

____________________

(1) الأقطاع: القطعة من الأرض الزراعية.

(2) عيون أخبار الرضا 1 / 88 - 93.

٢٢٦

العالمين وأنّه إمام هذه الأمة، وقائد مسيرتها الزمنية والروحية، وأنّ هارون زعيم هذه الأمة بالقهر والغلبة لا بالاستحقاق.

3 - حرمان الإمام الكاظم من العطاء الذي يستحقه؛ وذلك من أجل أن لا يقوى على مناهضة هارون والخروج على سلطانه.

4 - إعطاء المغني (مخارق) الأموال الطائلة، وحرمان أبناء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من حقوقهم التي نهبها هؤلاء البغاة... هذه بعض المعالم في هذه الرواية:

رد فدك للعلويين:

من الأمور التي يستند القائلون إلى تشيّع هارون ردّه لـ‍ (فدك) للعلويين بعد أن صادرتها الحكومات السابقة منهم، وكان الغرض من مصادرتها إشاعة الفقر والحرمان بين العلويين، وفرض الحصار الاقتصادي عليهم كي لا يتمكّنوا من مناهضة أولئك الحكّام، وقد قام المأمون بردّها عليهم، وقد رفع عنهم الضائقة الاقتصادية التي كانت آخذة بخناقهم، وقد مدحه شاعر أهل البيت دعبل الخزاعي على هذه المكرمة التي أسداها على العلويين بقوله:

أصبح وجه الزمان قد ضحكا

بردّ مأمون هاشم فدكا

واعتبر الكثيرون من الباحثين هذا الإجراء دليلاً على تشيّع المأمون.

إشادته بالإمام أمير المؤمنين:

وأشاد المأمون بالإمام أمير المؤمنين رائد الحق والعدالة في الإسلام، فقد كتب إلى جميع الآفاق بان علي بن أبي طالبعليه‌السلام أفضل الخلق بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (1) ، وقد روى الصولي أشعاراً له في فضل الإمام أمير المؤمنين عليه كان منها ما يلي:

لا تقبل التوبة من تائب

إلاّ بحب ابن أبي طالب

أخو رسول الله حلف المهدي

والأخ فوق الخل والصاحب

إن جمعا في الفضل يوماً فقد

فاق أخوه رغبة الراغب

فقدم الهادي في فضله

تسلم من اللائم والعائب

ومن شعره الذي يرد به على مَن عابه في قربه لأبناء النبي (ص) يقول:

____________________

(1) تذكرة الخواص (ص 366).

٢٢٧

ومن غاو يغص عليّ غيظاً

إذا أدنيت أولاد الوصي

فقلت: أليس قد أوتيت علماً

وبان لك الرشيد من الغوي

وعرفت احتجاجي بالمثاني

وبالمعقول والأثر القوي

بأيّة خلّة وبأيّ معنى

تفضّل ملحدين على علي

علي أعظم الثقلين حقّاً

وأفضلهم سوى حق النبي(1)

ومن شعره قاله في أهل البيتعليهم‌السلام هذه الأبيات:

إن مال ذو النصب إلى جانب

ملت مع الشيعي في جانبِ

أكون في آل بني الهدى

خير بني من بني غالبِ

حبهم فرض نؤدّي به

كمثل حج لازم واجب(2)

وهذا الشعر صريح في ولائه لأهل البيتعليهم‌السلام وتقديمه بالفضل على غيرهم.

وروى له الصولي هذه الأبيات في الإمام عليعليه‌السلام :

ألام على حب الوصي أبي الحسن

وذلك عندي من عجائب ذي الزمن

خليفة خير الناس والأول الذي

أعان رسول الله في السر والعلن

ولولاه ما عدت لهاشم إمرة

وكانت على الأيام تقضي وتمتهن

فولى بني العباس ما اختص غيرهم

ومن منه أولى بالتكرّم والمنن

فأوضح عبد الله بالبصرة الهدى

وفاض عبيد الله جوداً على اليمن

وقسم أعمال الخلافة بينهم

فلا زال مربوطاً بذا الشكر مرتهن(3)

وحكى هذا الشعر الأيادي البيضاء التي أسداها الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى الأسرة العباسية حينما ولي الخلافة فقد قلد ولاية (البصرة) إلى عبد الله بن العباس، وكان وزيره ومستشاره الخاص، كما قلد عبيد الله بن العباس ولاية اليمن، ولكن الأسرة العباسية قد تنكرت لهذا المعروف فقابلت أبناء الإمام بالقتل والتنكيل وارتكبت معهم ما لم ترتكبه معهم الأسرة الأموية وقد أوضحنا في

____________________

(1) المحاسن والمساوئ 1 / 105 للبيهقي.

(2) تذكرة الخواص (ص 367).

(3) تذكرة الخواص (ص 366).

٢٢٨

هذا الكتاب جوانب كثيرة من اضطهادهم للسادة العلويين، فلم يرعوا فيهم أنّهم أبناء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّهم وديعته في أمته، فعمدوا إلى قتلهم تحت كل حجر ومدر.

ونسب إلى المأمون هذان البيتان:

إذا المرجّى سرّك أن تراه

يموت لحينه من قبل موته

فجدّد عنده ذكرى عليٍّ

وصلِّ على النبي وآل بيته

فردّ عليه إبراهيم بن المهدي المعروف بابن شكلة:

إذا الشيعي جمجم في مقال

فسرّك أن يبوح بذات نفسه

فصلّ على النبي وصاحبيه

وزيريه وجاريه برمسه(1)

ومن الطريف ما ذكره الصولي أنّه كان مكتوباً على سارية من سواري جامع البصرة:

(رحم الله عليّا

إنّه كان تقيّا)

وكان يجلس إلى تلك السارية حفص أبو عمر الخطابي وكان أعور فعمد إلى محو ذلك، وكتب بعض المجاورين إلى الجامع إلى المأمون يخبره بمحو الخطابي للكتابة، فشقّ على المأمون ذلك، وأمر بإشخاصه إليه، فلمّا مثل عنده قال له:

(لم محوت اسم أمير المؤمنين من السارية؟).

فقال الخطابي: (وما كان عليها؟).

قال المأمون: كان عليها:

(رحم الله عليّا

انه كان تقيّا)

فقال: إنّ المكتوب رحم الله عليا إنّه كان نبيّا، فقال المأمون كذبت، بل كانت القاف أصح من عينك الصحيحة، ولولا أن أزيدك عند العامة نفاقاً لأدبتك، ثم أمر بإخراجه(2) .

____________________

(1) مروج الذهب 3 / 329.

(2) تذكرة الخواص (ص 367).

٢٢٩

انتقاصه لمعاوية:

واستدلّ القائلون بتشيّع المأمون إلى أنّه أمر بسب معاوية بن هند وانتقاصه في جميع أنحاء العالم الإسلامي، فقد أمر أن ينادي المنادي (أن برئت الذمّة من أحد من الناس ذكر معاوية بخير أو قدمه على أحد من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله )(1) .

وهذا لا يصلح دليلاً على تشيّع المأمون؛ لأنّ معاوية قد انكشف، وظهر واقعه، فقد تسالمت على قدحه جميع الأوساط، وأنّه الخصم اللدود للإسلام، وأنّه صاحب الأحداث والموبقات.

استدلاله على إمامة الإمام علي:

ومن أهم ما استدل به القائلون على تشيّع المأمون عقده للمؤتمرات العلمية، واستدلاله ببالغ الحجة على إمامة الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وانه القائد الأول للمسيرة الإسلامية بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو أولى بمقامه، وأحق بمركزه من غيره.

ومن أروع المؤتمرات التي أقامها المأمون في بلاطه، ومن أكثرها أهمية هذا المؤتمر الذي حضره أربعون من علماء الحديث، وعلماء الكلام انتخبهم يحيى بن أكثم من بين علماء بغداد، وقد أدلوا بحججهم على ما يذهبون إليه من تفضيل الخلفاء على الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام إلاّ أنّ المأمون فنّد حججهم بأدلة حاسمة دلّت على براعته واطلاعه الواسع في البحوث الكلامية، ونحن ننقل النص الكامل لهذه المناظرة الرائعة لما لها من الأهمية البالغة، وفيما يلي ذلك:

المأمون:

ولـمّا مثل العلماء أمام المأمون، التفت إليهم بعد ترحيبه بهم، فقال لهم: (إنّي أريد أن أجعلكم بيني وبين الله تبارك وتعالى في يومي حجّة، فمن كان حاقناً(2) أو له حاجة فليقم إلى قضاء حاجته، وانبسطوا، وسلوا خفافكم، وضعوا أرديتكم).

____________________

(1) مروج الذهب 3 / 361.

(2) الحاقن: الذي يضايقه البول.

٢٣٠

ففعلوا ما أمرهم به، والتفت المأمون لهم قائلاً: (أيّها القوم إنّما استحضرتكم لأحتج بكم عند الله تعالى، فاتقوا الله وانظروا لأنفسكم، وإمامكم، ولا يمنعكم جلالتي، ومكاني من قول الحق حيث كان، ورد الباطل، على من أتى به، وأشفقوا على أنفسكم من النار، وتقرّبوا إلى الله تعالى، برضوانه، وإيثار طاعته، فما أحد تقرب إلى مخلوق بمعصية الخالق، إلاّ سلّطه الله عليه، فناظروني بجميع عقولكم.

إنّي رجل أزعم أنّ عليّاًعليه‌السلام خير البشر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فإن كنت مصيباً فصوّبوا قولي، وإن كنت مخطئاً فردّوا عليّ وهلمّوا، فإن شئتم سألتكم، وإن شئتم سألتموني...).

وليس في هذا الكلام أي التواء، أو خروج عن المنطق، وإنّما صاحبه يريد الحقيقة الناصعة.

علماء الحديث:

وسارع علماء الحديث قائلين: (بل نحن نسألك...).

وانبرى المأمون فأرشدهم إلى طريق الحوار قائلاً: (هاتوا وقلدوا كلامكم رجلاً واحداً منكم، فإذا تكلّم فإن كان عند أحدكم زيادة فليزده وإن أتى بخلل فسدّدوه...)

الدليل الأوّل:

وأدلى عالم من علماء الحديث بحجّته على أنّ أبا بكر هو خير هذه الأمة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قائلاً:

(نحن نزعم أنّ خير الناس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبو بكر، من قبل الرواية المجمع عليها جاءت عن الرسول (ص) قال: (اقتدوا بالذين من بعدي أبو بكر وعمر) فلما أمر نبي الرحمة بالاقتداء بهما، علمنا أنّه لم يأمر بالاقتداء إلاّ بخير الناس...).

جواب المأمون:

وناقش موضوع الحديث المنسوب إلى النبي (ص) نقاشاً موضوعياً فقال: (الروايات كثيرة، ولا بد من أن تكون كلها حقاً، أو كلها باطلاً، أو بعضها

٢٣١

حقاً، وبعضها باطلاً، فلو كانت كلها حقاً، كانت كلها باطلاً من قبل أن بعضها ينقض بعضها، ولو كانت كلها باطلاً كان في بطلانها بطلان الدين، ودرس الشريعة(1) فلمّا بطل الوجهان ثبت الثالث بالاضطرار، وهو أنّ بعضها حق، وبعضها باطل، فإذا كان كذلك فلا بد من دليل على ما يحق منها، ليعتقد، أو ينفي خلافه، فإذا كان دليل الخبر في نفسه حقاً كان أولى ما اعتقده، وأخذ به.

وروايتك هذه من الأخبار التي أدلتها باطلة في نفسها، وذلك أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحكم الحكماء، وأولى الخلق بالصدق، وأبعد الناس من الأمر بالمحال، وحمل الناس على التدين بالخلاف، وذلك أنّ هذين الرجلين لا يخلو من أن يكونا متفقين من كل جهة كانا واحداً في العدد والصفة والصورة والجسم، وهذا معدوم أن يكون اثنان بمعنى واحد من كل جهة.

وإن كانا مختلفين فكيف يجوز الاقتداء بهما، وهذا تكليف بما لا يطاق؛ لأنّك إذا اقتديت بواحد خالفت الآخر، والدليل على اختلافهما، أنّ أبا بكر سبى أهل الردة، وردّهم عمر أحراراً، وأشار عمر بعزل خالد لقتله مالك بن نويرة فأبى أبو بكر عليه، وحرم عمر المتعتين ولم يفعل ذلك أبو بكر، ووضع عمر ديوان العطية، ولم يفعله أبو بكر، واستخلف أبو بكر ولم يفعل ذلك عمر، ولهذا نظائر كثيرة...).

وردّ المأمون وثيق للغاية، فقد زيف الحديث، وأثبت أنّه من الموضوعات، ولا نصيب له من الصحّة.

الدليل الثاني:

وانبرى عالم آخر من علماء الحديث فاستدل على أفضلية الشيخين وتقدّمهما على الإمام أمير المؤمنين بالحديث المنسوب إلى النبي (ص).

قال: (إنّ النبي (ص) قال: لو كنت متخذاً خليلا لاتخذت أبا بكر خليلاً...).

جواب المأمون:

وزيف المأمون هذا الحديث قائلاً: هذا مستحيل من قبل أنّ رواياتكم قد صرّحت أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، آخى بين أصحابه، وأخّر عليّاً

____________________

(1) أي إماتة الشريعة.

٢٣٢

عليه‌السلام ، فقال له: في ذلك فقال: وما أخرّتك إلاّ لنفسي، فأيّ الروايتين ثبتت بطلت الأخرى...).

إنّ مناقشة المأمون للحديث مناقشة موضوعية ليس فيها أي تحيّز، وإنّما كانت خاضعة للدليل الحاسم.

الدليل الثالث:

وانبرى محدّث آخر فقال: إنّ عليّاًعليه‌السلام قال على المنبر: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر...).

مناقشة المأمون:

وناقش المأمون هذا الحديث قائلاً: هذا مستحيل لأنّ النبي (ص) لو علم أنّهما أفضل ما ولى عليهما مرة عمرو بن العاص ومرة أسامة بن زيد، وممّا يكذب هذه الرواية قول علي لـمّا قبض النبي (ص): وأنا أولى بمجلسه منّي بقميصي، ولكن أشفقت أن يرجع الناس كفّاراً، وقولهعليه‌السلام : أنّى يكونان خيراً مني؟ وقد عبدت الله قبلهما، وعبدته بعدهما، وأبطل المأمون الحديث، وبين زيفه، فلم يصلح لأن يكون دليلاً للخصم.

الدليل الرابع:

وقال عالم من علماء الحديث: إنّ أبا بكر أغلق بابه وقال: هل من مستقيل فأقيله، فقالعليه‌السلام : قدّمك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فمَن ذا يؤخرك؟).

ردّ المأمون للحديث:

ورد المأمون الحديث قائلاً: هذا باطل لأنّ عليّاًعليه‌السلام قعد عن بيعة أبي بكر، ورويتم أنّه قعد عنها حتى قبضت فاطمةعليها‌السلام ، وأنّها أوصت أن تدفن ليلاً لئلاّ يشهدا جنازتها.

ووجه آخر وهو أنّ النبي (ص) لو كان استخلفه فكيف كان له أن يستقيل، وهو يقول للأنصار: قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أبا عبيدة وعمر...).

الدليل الخامس:

وقال عالم آخر: إنّ عمرو بن العاص قال: يا نبي الله مَن أحب الناس إليك

٢٣٣

من النساء؟ قال: عائشة، فقال: من الرجال؟ فقال: أبوها...).

ردّ المأمون:

ورد المأمون هذا الحديث فقال: هذا باطل لأنّكم رويتم أن النبي (ص) وضع بين يديه طائر مشوي، فقال: اللّهمّ ايتني بأحبّ خلقك إليك، فكان عليّاً، فأي رواياتكم تقبل؟).

إنّ حديث الطائر المشوي مجمع عليه، وهو يدل بوضوح على أنّ الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام أحبّ الخلق عند الله، وأقربهم إليه.

الدليل السادس:

وانبرى عالم آخر فقال: (إنّ عليّاً قال: مَن فضلني على أبي بكر وعمر جلدته حد المفتري...).

جواب المأمون:

وأجاب المأمون عن هذا الحديث المنسوب إلى الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام بقوله:

(كيف يجوز أن يقول علي: أجلد الحد على مَن لا يجب حد عليه، فيكون متعدّياً لحدود الله، عاملاً بخلاف أمره، وليس تفضيل من فضله عليهما فرية، وقد رويتم عن إمامكم أنّه قال: وليتكم ولست بخيركم، فأي الرجلين أصدق عندكم أبو بكر على نفسه، أو علي على أبي بكر، مع تناقض الحديث في نفسه، ولا بد له من أن يكون صادقاً أو كاذباً، فإن كان صادقاً فأنّى عرف ذلك بوحي؟ فالوحي منقطع أو بالتظنين فالمتظنّي متحيّر، أو بالنظر، فالنظر بحث وإن كان غير صادق، فمن المحال أن يلي أمر المسلمين، ويقوم بأحكامهم ويقيم حدودهم كذاب...).

الدليل السابع:

وقال عالم آخر: إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة).

جواب المأمون:

قال المأمون: هذا الحديث محال لأنّه لا يكون في الجنة كهل، ويروى أن (أشحمية) كانت عند النبي (ص) فقال: لا يدخل الجنة عجوز فبكت، فقال لها

٢٣٤

النبي (ص): إنّ الله تعالى يقول:( أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُباً أَتْرَاباً ) (1) فإن زعمتم أنّ أبا بكر ينشأ شاباً إذا دخل الجنة، فقد رويتم أنّ النبي (ص) قال للحسن والحسين: إنّهما سيّدا شباب أهل الجنة من الأولين والآخرين وأبوهما خير منهما).

ومناقشة المأمون للحديث مناقشة منطقية غير خاضعة للأهواء والتيارات المذهبية.

الدليل الثامن:

وقال عالم آخر من علماء الحديث: (إنّ النبي (ص) قال: لو لم أكن أبعث فيكم لبعث عمر...).

جواب المأمون:

قال المأمون في تفنيد هذا الحديث: هذا محال لأنّ الله تعالى يقول:( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ) (2) ، وقال تعالى:( وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ) (3) ، فهل يجوز أن يكون من لم يؤخذ ميثاقه على النبوّة مبعوثاً؟ ومن أخذ ميثاقه على النبوّة مؤخراً؟...).

إنّ مناقشة المأمون لهذه الأحاديث مبنيّة على الفكر والمنطق وليس فيها ما يشذ عنهما.

الدليل التاسع:

وانبرى عالم آخر فأدلى بحجّته قائلاً: (إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نظر إلى عمر يوم عرفة فتبسم، فقال: إنّ الله تبارك وتعالى باهى بعباده عامة، وبعمر خاصة...).

جواب المأمون:

وقال المأمون في ردّه على هذا الحديث: هذا مستحيل لأنّ الله تبارك وتعالى لم يكن ليباهي بعمر ويدع نبيه، فيكون عمر في الخاصة والنبي في العامة.

وليست هذه الروايات بأعجب من روايتكم أنّ النبي (ص) قال: دخلت الجنة

____________________

(1) سورة الواقعة: آية 35 - 37.

(2) سورة النساء: آية 163.

(3) سورة الأحزاب آية 7.

٢٣٥

فسمعت خفق نعلين فإذا بلال مولى أبي بكر سبقني إلى الجنة، فقلتم: عبد أبي بكر خير من الرسول (ص) لأنّ السابق أفضل من المسبوق...).

الدليل العاشر:

وانبرى محدّث آخر فقال: إنّ النبي (ص) قال: لو نزل العذاب ما نجا إلاّ عمر بن الخطاب...).

جواب المأمون:

قال المأمون: هذا خلاف الكتاب أيضاً؛ لأنّ الله تعالى يقول لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) (1) فجعلتم عمر مثل الرسول (ص)!!...).

الدليل الحادي عشر:

وقال محدث آخر: لقد شهد النبي (ص) لعمر بالجنة في عشرة من الصحابة.

مناقشة المأمون:

قال المأمون: لو كان كما زعمتم لكان عمر لا يقول لحذيفة: نشدتك بالله أمن المنافقين أنا؟ فإن كان قد قال له النبي: أنت من أهل الجنة، ولم يصدقه حتى زكاه حذيفة، فصدق حذيفة، ولم يصدق النبي (ص) فهذا على غير الإسلام، وإن كان قد صدق النبي (ص) فلم سأل حذيفة؟ وهذان الخبران متناقضان في أنفسهما).

الدليل الثاني عشر:

وقال عالم آخر: قال النبي (ص): (وضعت في كفّة الميزان ووضعت أمّتي في كفة أخرى فرجحت بهم، ثم وضع مكاني أبو بكر فرجح بهم، ثم عمر فرجح بهم ثم رُفع الميزان).

جواب المأمون:

وفنّد المأمون هذا الحديث فقال: هذا محال لأنّه لا يخلو من أن يكون أجسامهما أو أعمالهما، فإن كانت الأجسام فلا يخفى على ذي روح أنّه محال؛ لأنّه لا يرجح أجسامهما بأجسام الأمة، وإن كانت أفعالهما فلم تكن بعد فكيف بما ليس؟.

والتفت المأمون إلى العلماء فقال لهم:

____________________

(1) سورة الأنفال: آية 33.

٢٣٦

(أخبروني بماذا يتفاضل الناس؟).

وانبرى بعض العلماء فقال: (يتفاضلون بالأعمال الصالحة).

وعلّق المأمون على هذا الكلام قائلاً: (أخبروني ممّن فضل صاحبه على عهد النبي (ص)، ثم إنّ المفضول عمل بعد وفاة الرسول (ص) بأكثر من عمل الفاضل على عهد النبي (ص) ثم أيلحق به؟ فإن قلتم: نعم أوجدتكم في عصرنا هذا من هو أكثر جهاداً، وحجّاً، وصوماً، وصلاة، وصدقة من أحدهم...).

فانبروا جميعاً قائلين: (صدقت لا يلحق فاضل دهرنا بفاضل عصر النبي (ص)).

فقال لهم المأمون: (انظروا فيما روت أئمتكم الذين أخذتم عنهم أديانكم في فضائل عليعليه‌السلام وقيسوا إليها ما ورد في فضائل تمام العشرة الذين شهدوا لهم بالجنة فإن كانت جزءاً من أجزاء كثيرة فالقول قولكم، وإن كانوا قد رووا في فضائل عليعليه‌السلام أكثر فخذوا عن أئمتكم ما رووا ولا تتعدّوه...).

وحار القوم في الجواب، فقد سدّ عليهم المأمون كل ثغرة يسلكون فيها للدفاع عمّا يذهبون إليه، والتفت إليهم المأمون قائلاً:

(ما لكم سكتّم؟...).

فقالوا: (قد استقصينا)، إذ لم تبق عندهم حجّة يتمسّكون بها، فقال لهم المأمون: (إنّي سائلكم، أخبروني أي الأعمال كان أفضل يوم بعث الله نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله ...).

فقالوا جميعاً: (السبق إلى الإسلام؛ لأنّ الله تعالى يقول:( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) (1) ...).

____________________

(1) سورة الواقعة: آية 10 - 11.

٢٣٧

وسارع المأمون قائلاً: (فهل علمتم أحداً أسبق من علي إلى الإسلام؟...).

وارتفعت أصواتهم قائلين: (إنّه - أي علي - سبق حدثاً لم يجر عليه حكم، وأبو بكر أسلم كهلاً قد جرى عليه الحكم - أي التكليف - وبين هاتين الحالتين فرق...).

وأجاب المأمون قائلاً: (خبروني عن إسلام علي بالهام من قبل الله تعالى أم بدعاء النبي (ص)؟ فإن قلتم: بإلهام فقد فضلتموه على النبي (ص)؛ لأنّ النبي لم يلهم بل أتاه جبرئيل عن الله تعالى داعياً، ومعرفاً، وإن قلتم بدعاء النبي (ص) فهل دعاه من قبل نفسه أو بأمر الله تعالى، فإن قلتم: من قبل نفسه فهذا خلاف ما وصف الله تعالى به نبيّه في قوله:( وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ) (1) وفي قوله تعالى:( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى ) (2) ، وإن كان من قبل الله تعالى فقد أمر الله تعالى نبيّه (ص) بدعاء علي من بين صبيان الناس وإيثاره عليهم، فدعاه ثقة به، وعلماً بتأييد الله تعالى.

وخلّة أخرى: خبروني عن الحكيم هل يجوز أن يكلّف خلقه ما لا يطيقون، فإن قلتم: نعم فقد كفرتم، وإن قلتم: لا، فكيف يجوز أن يأمر نبيه (ص) بدعاء من لا يمكنه قبول ما يؤمر به لصغره وحداثة سنّه، وضعفه عن القبول.

وعلّة أخرى هل رأيتم النبي (ص) دعا أحداً من صبيان أهله وغيرهم فيكونوا أسوة مع علي، فإن زعمتم أنّه لم يدع أحداً غيره، فهذه فضيلة لعلي على جميع صبيان الناس).

والتفت المأمون إلى العلماء فقال لهم: (أي الأعمال بعد السبق إلى الإيمان؟...).

فقالوا جميعاً: (الجهاد في سبيل الله...).

وانبرى المأمون يقيم عليهم الحجّة في تقديم الإمام علي غيره بالفضل قائلاً:

____________________

(1) سورة الواقعة: آية 10 - 11.

(2) سورة ص: آية 3 - 4.

٢٣٨

هل تجدون لأحد من العشرة في الجهاد ما لعليعليه‌السلام في جميع مواقف النبي (ص) من الأثر؟ هذه (بدر) قتل من المشركين فيها نيف وستون رجلاً، قتل علي منهم نيفاً وعشرين، وأربعون لسائر الناس...).

وانبرى عالم من علماء الحديث فقال: (كان أبو بكر مع النبي (ص) في عريشه يدبّرها).

فردّ عليه المأمون قائلاً: (لقد جئت بهذا عجيبة!! كان يدبّر دون النبي (ص) أو معه فيشركه، أو لحاجة النبي (ص) إلى رأي أبي بكر؟ أي الثلاث أحب إليك؟).

وأجاب العالم: (أعوذ بالله من أن أزعم أنّه يدبّر دون النبي (ص) أو يشركه أو بافتقار من النبي إليه).

(وردّ عليه المأمون قائلاً: فما الفضيلة في العريش؟ فإن كانت فضيلة أبي بكر بتخلّفه عن الحرب، فيجب أن يكون كل متخلّف فاضلاً أفضل من المجاهدين والله عزّ وجل يقول:( لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ) (1) .

ووجّه المأمون خطابه إلى إسحاق بن حماد بن زيد، وهو من كبار علماء الحديث فقال له: (اقرأ سورة هل أتى).

وأخذ إسحاق في قراءة السورة فلمّا انتهى إلى قوله تعالى:( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إلى قوله:وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً ) (2) .

قال له المأمون:

____________________

(1) سورة النساء: آية 95.

٢٣٩

(فيمَن نزلت هذه الآيات؟).

(في علي...).

وانبرى المأمون قائلاً: (هل بلغك أنّ عليّاًعليه‌السلام قال حين أطعم المسكين واليتيم والأسير( إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً ) (1) على ما وصف الله تعالى في كتابه.

(لا...).

(إنّ الله تعالى عرف سريرة علي ونيّته فاظهر ذلك في كتابه تعريفا لخلقه أمره...

هل علمت أنّ الله تعالى وصف في شيء ممّا وصف في الجنة، ما في هذه السورة:( قوارير من فضة... ) .

(لا...).

(فهذه فضيلة أخرى، كيف تكون القوارير من فضة؟).

(لا أدري).

(يريد كأنّها من صفائها من فضة يرى داخلها كما يرى خارجها، وهذا مثل قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (يا إسحاق رويدا شوقك بالقوارير) وعنى به نساء كأنّها القوارير رقّة، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (ركبت فرس أبي طلحة فوجدته بحراً) أي كأنّه بحر من كثرة جريه وعدوه، وكقول الله تعالى:( وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ) (2) أي كأنّه يأتيه الموت، ولو أتاه من مكان

واحد مات.

يا إسحاق ألست ممّن يشهد أنّ العشرة في الجنة؟).

(بلى...).

(أرأيت لو أنّ رجلاً قال: ما أدري أصحيح هذا الحديث أم لا أكان عندك

____________________

(1) سورة الدهر: آية 9.

(2) سورة إبراهيم: آية 17.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702