المزار الكبير

المزار الكبير8%

المزار الكبير مؤلف:
المحقق: جواد القيّومي الإصفهاني
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 964-92002-0-7
الصفحات: 702

المزار الكبير
  • البداية
  • السابق
  • 702 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 192366 / تحميل: 6985
الحجم الحجم الحجم
المزار الكبير

المزار الكبير

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٩٢٠٠٢-٠-٧
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

وتُستباح حرُماته ، وإمّا أنْ يُقتلَ عزيزاً كريماً ، فاختار المنيّة للحفاظ على كرامته وكرامة الاُمّة ومقدّساتها.

وصيته لابن عباس :

وأقبل الحُسين على ابن عباس فعهد إليه بهذه الوصية قائلاً : «وأنت يابن عباس ابن عمّ أبي ، لمْ تزل تأمر بالخير منذ عرفتك ، وكنت مع أبي تشير عليه بما فيه الرشاد والسداد ، وقد كان أبي يستصحبك ويستنصحك ويستشيرك وتشير عليه بالصواب ، فامض إلى المدينة في حفظ الله ولا تخفِ عليّ شيئاً مِنْ أخبارك ؛ فإنّي مستوطن هذا الحرم ومقيم به ما رأيت أهله يحبّونني وينصرونني ، فإذا همْ خذلوني استبدلت بهم غيرهم ، واستعصمت بالكلمة التي قالها إبراهيم يوم اُلقي في النّار : حسبي الله ونعم الوكيل. فكانت النار عليه برداً وسلاماً»(1) .

رسائله إلى زعماء البصرة :

وكتب الإمام إلى رؤساء الأخماس بالبصرة يستنهضهم على نصرته والأخذ بحقّه ، وقد كتب إلى الأشراف ، ومِنْ بينهم :

1 ـ مالك بن مسمع البكري.

2 ـ الأحنف بن قيس.

3 ـ المنذر بن الجارود.

4 ـ مسعود بن عمرو.

__________________

(1) مقتل الخوارزمي 1 / 193.

٣٢١

5 ـ قيس بن الهيثم.

6 ـ عمر بن عبيد الله بن معمر(1) .

وقد أرسل كتاباً إليهم بنسخة واحدة ، وهذا نصه : «أمّا بعد ، فإنّ الله اصطفى محمّداً (صلّى الله عليه وآله) مِنْ خلقه وأكرمه بنبوّته واختاره لرسالته ، ثمّ قبضه إليه وقد نصح لعباده وبلّغ ما اُرسل به ، وكنّا أهله وأولياءه وأوصياءه وورثته وأحقّ الناس بمقامه ، فاستأثر علينا قومنا بذلك فرضينا ، وكرهنا الفرقة وأحببنا العافية ، ونحن نعلم أنّا أحقّ بذلك الحقّ المستحق علينا ممّن تولاه ، وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه ؛ فإنّ السنّة قد اُميتت ، والبدعة قد اُحييت ، فإنْ تسمعوا قولي أهدكم إلى سبيل الرشاد»(2) .

وألقت هذه الرسالة الأضواء على الخلافة الإسلاميّة فهي حسب تصريح الإمام حقّ لأهل البيت (عليهم السّلام) ؛ لأنّهم ألصق الناس برسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأكثرهم وعياً لأهدافه ، إلاّ أنّ القوم استأثروا بها فلمْ يسع العترة الطاهرة إلاّ الصبر كراهة للفتنة وحفظاً على وحدة المسلمين.

كما حفلت هذه الرسالة بالدعوة إلى الحقّ بجميع رحابه ومفاهيمه ، فدعت إلى إحياء كتاب الله وسنّة نبيّه ، فإنّ الحكم الاُموي عمد إلى إقصائهما عن واقع الحياة.

وعلّق بعض الكتّاب على دعوة الإمام لأهل البصرة لبيعته ، فقال : إنّ رسالة الحُسين إلى أهل البصرة تُرينا كيف كان يعرف مسؤوليته ويمضي معها ، فأهل البصرة لمْ يكتبوا إليه ولمْ يدعوه إلى بلدهم كما فعل أهل الكوفة ، ومع هذا فهو يكتب إليهم ويعدّهم للمجابهة المحتومة ،

__________________

(1) تاريخ ابن الأثير 3 / 268.

(2) تاريخ الطبري 6 / 200.

٣٢٢

ذلك أنّه حين قرّر أنْ ينهض بتبعات دينه واُمّته كان قراره هذا آتياً مِنْ أعماق روحه وضميره ، وليس مِنْ حركة أهل الكوفة ودعوتهم إيّاه.

وعلى أي حالٍ ، فقد بعث الإمام كتبه لأهل البصرة بيد مولى له يُقال له سليمان ، ويُكني أبا رزين ، وقد جدّ في السير حتّى انتهى إلى البصرة ، فسلّم الكتب إلى أربابها.

جواب الأحنف بن قيس :

وأجاب الأحنف بن قيس زعيم العراق الإمام برسالةٍ كتب فيها هذه الآية الكريمة ، ولمْ يزد عليها (فَاصْبِرْ إِنّ وَعْدَ اللّهِ حَقّ وَلاَ يَسْتَخِفّنّكَ الّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ)(1) . وقد طلب مِنْ الإمام الخلود إلى الصبر ، ولا يستخفّه الذين لا يوقنون بالله ولا يرجون له وقاراً.

جريمة المنذر :

أمّا المنذر بن الجارود العبدي فقد كان مِنْ أجلاف العرب وحُقرائهم ، فقد عمد إلى رسول الإمام فبعثه مخفوراً إلى ابن زياد ، وكان زوج ابنته ليظهر له الإخلاص والولاء فقتله ابن مرجانة ، وصلبه عشية الليلة التي خرج في صبيحتها إلى الكوفة(2) .

واعتذر بعض المؤرّخين عن المنذر ، أو هو اعتذر عن نفسه بأنّه خشي أنْ يكون الرسول مِنْ قبل ابن مرجانة

__________________

(1) سير أعلام النبلاء 3 / 200.

(2) تاريخ الطبري 6 / 200.

٣٢٣

لاختباره فلذا سلّمه إليه ، وهو اعتذار مهلهل ؛ فإنّ اللازم كان إجراء التحقيق معه حتّى يستبين له الأمر.

استجابة يزيد بن مسعود :

واستجاب الزعيم الكبير يزيد بن مسعود النهشلي إلى تلبية نداء الحقّ ، فاندفع بوحي مِنْ إيمانه وعقيدته إلى نصرة الإمام ، فعقد مؤتمراً عاماً دعا فيه القبائل العربية الموالية له ، وهي :

1 ـ بنو تميم.

2 ـ بنو حنظلة.

3 ـ بنو سعد.

ولمّا اجتمعت هذه القبائل انبرى فيهم خطيباً ، فوجّه خطابه أولاً إلى بني تميم ، فقال لهم : يا بني تميم ، كيف ترون موضعي فيكم وحسبي منكم؟ وتعالت أصوات بني تميم وهي تعلن ولاءها المطلق وإكبارها له ، قائلين بلسان واحد : بخٍ بخٍ! أنت والله فقرة الظهر ورأس الفخر ؛ حللت في الشرف وسطاً ، وتقدّمت فيه فرطاً.

وسرّه تأييدهم ، فانطلق يقول : إنّي جمعتكم لأمر اُريد أنْ اُشاوركم ، وأستعين بكم عليه. واندفعوا جميعاً يظهرون له الولاء والطاعة ، قائلين : إنّا والله ، نمنحك النصيحة ونجهد لك الرأى ، فقل حتّى نسمع.

٣٢٤

وتطاولت الأعناق واشرأبت النفوس لتسمع ما يقول الزعيم الكبير ، وانبرى قائلاً : إنّ معاوية مات ، فأهون به والله هالكاً ومفقوداً ، ألا إنّه قد انكسر باب الجور والإثم وتضعضعت أركان الظلم ، وكان قد أحدث بيعة عقد بها أمراً ظن أنّه قد أحكمه ، وهيهات الذي أراد! اجتهد والله ففشل ، وشاور فخذل ، وقد قام يزيد شارب الخمور ورأس الفجور يدّعي الخلافة على المسلمين ، ويتأمّر عليهم بغير رضى منهم مع قصر حلم وقلّة علم ، لا يعرف مِن الحقّ موطأ قدميه ، فاُقسم بالله قسماً مبروراً لَجهاده على الدين أفضل مِنْ جهاد المشركين.

وهذا الحُسين بن علي وابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، ذو الشرف الأصيل والرأي الأثيل(1) ، له فضل لا يوصف وعلم لا ينزف ، وهو أولى بهذا الأمر لسابقته وسنّه وقدمه وقرابته ، يعطف على الصغير ويُحسن إلى الكبير ، فأكرم به راعي رعية ، وإمام قوم وجبت لله به الحجّة وبلغت به الموعظة ، فلا تعشوا عن نور الحقّ ولا تسكعوا في وهد الباطل ، فقد كان صخر بن قيس انخذل بكم يوم الجمل فاغسلوها بخروجكم إلى ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ونصرته ، والله ، لا يقصّر أحدكم عن نصرته إلاّ أورثه الله الذلّ في ولْده والقلّة في عشيرته.

وها أنا ذا قد لبست للحرب لامتها وادّرعت لها بدرعها. مَنْ لمْ يُقتل يمت ، ومَنْ يهرب لمْ يفت ، فأحسنوا رحمكم الله ردّ الجواب.

وحفل هذا الخطاب الرائع بأمور بالغة الأهمية ، وهي :

أولاً : الاستهانة بهلاك معاوية ، وإنّه قد انكسر بموته باب الظلم والجور.

__________________

(1) الرأي الأثيل : الأصيل.

٣٢٥

ثانياً : القدح في بيعة معاوية ليزيد.

ثالثاً : عرض الصفات الشريرة الماثلة في يزيد مِن الإدمان على الخمر ، وفقد الحلم وعدم العلم وعدم التبصّر بالحقّ.

رابعاً : الدعوة إلى الالتفات حول الإمام الحُسين (عليه السّلام) ؛ وذلك لما يتمتّع به مِن الصفات الشريفة ، كأصالة الفكر وغزارة العلم وكبر السنّ ، والعطف على الكبير والصغير وغير ذلك مِن النزعات الكريمة التي تجعله أهلاً لإمامة المسلمين.

خامساً : إنّه عرض للجماهير عن استعداده الكامل للقيام بنصرة الإمام والذبّ عنه.

ولمّا أنهى الزعيم العظيم خطابه انبرى وجهاء بني حنظلة فأظهروا الدعم الكامل له ، قائلين : يا أبا خالد ، نحن نبلُ كنانتك وفرسان عشيرتك. إنْ رميت بنا أصبت وإنْ غزوت بنا فتحت. لا تخوض والله غمرة إلاّ خضناها ولا تلقى والله شدّة إلاّ لقيناها ؛ ننصرك بأسيافنا ونقيك بأبداننا إذا شئت.

وكان منطقاً مشرّفاً دلّ على تعاطفهم ووقوفهم إلى جانبه ، وقام مِنْ بعدهم بنو عامر فأعربوا عن ولائهم العميق له ، قائلين : يا أبا خالد ، نحن بنو أبيك وحلفاؤك ؛ لا نرضى إنْ غضبت ، ولا نبقى إنْ ظعنت ، والأمر إليك فادعنا إذا شئت.

وأمّا بنو سعيد فأظهروا التردد وعدم الرغبة فيما دعاهم إليه ، قائلين : يا أبا خالد ، إنّ أبغض الأشياء إلينا خلافك والخروج عن رأيك ، وقد كان صخر بن قيس أمرنا بترك القتال يوم الجمل فحمدنا أمرنا وبقي عزّنا فينا ، فأمهلنا نراجع المشورة ونأتيك برأينا.

وساءه تخاذلهم فاندفع يندّد بهم قائلاً :

٣٢٦

لئن فعلتموها لا رفع الله السيف عنكم أبداً ولا زال سيفكم فيكم.

جوابه للإمام (عليه السّلام) :

ورفع يزيد بن مسعود رسالة للإمام دلّت على شرفه ونبله واستجابته لدعوته ، وهذا نصها : أمّا بعد ، فقد وصل إليّ كتابك وفهمت ما ندبتني إليه ، ودعوتني له مِن الأخذ بحظّي مِنْ طاعتك والفوز بنصيبي مِنْ نصرتك ، وإنّ الله لمْ يُخلِ الأرض قطّ مِنْ عامل بخير ودليل على سبيل نجاة ، وأنتم حجّة الله على خلقه ووديعته في أرضه. تفرعتم مِنْ زيتونة أحمدية ، هو أصلها وأنتم فرعها ، فاقدم سعدت بأسعد طائر فقد ذلّت لك أعناق بني تميم ، وتركتهم أشدّ تتابعاً في طاعتك مِن الإبل الظماء لورود الماء يوم خمسها(1) ، وقد ذلّت لك رقاب بني سعد وغسلت درن قلوبها بماء سحابة مزن حين استهلّ برقها فلمع.

وحفلت هذه الرسالة بسموّ أدبه وكريم طباعه وتقديره البالغ للإمام.

ويقول بعض المؤرّخين : إنّها انتهت إلى الإمام في اليوم العاشر مِن المحرّم بعد مقتل أصحابه وأهل بيته ، وهو وحيد فريد ، قد أحاطت به القوى الغادرة ، فلمّا قرأ الرسالة طفق يقول : «ما لك! آمنك الله مِن الخوف ، وأرواك يوم العطش الأكبر».

ولمّا تجهّز ابن مسعود لنصرة الإمام بلغه قتله فجزع لذلك وذابت

__________________

(1) خمسها : بالكسر الإبل الضماء التي ترعى ثلاثة أيام وترد الرابع.

٣٢٧

نفسه أسى وحسرات(1) .

استجابة يزيد البصري :

ولبّى نداء الحقّ يزيد بن نبيط البصري ، وكان ـ فيما يقول المؤرّخون ـ يتردّد إلى دار مارية ابنة سعد أو منقذ ، وكانت دارها مِنْ منتديات الشيعة ، وفيها تذاع فضائل أهل البيت (عليهم السّلام) وتنشر مآثرهم.

ولمّا وجّه الإمام دعوته إلى أهل البصرة لنصرته استجاب لها يزيد بن نبيط ، ولحق به مِنْ أولاده العشرة عبد الله وعبيد الله ، وخاف عليه أصحابه أنْ يدركه الطلب مِنْ شرطة ابن زياد ، فقال لهم : لو استوت أخفافها بالجدد لهان عليّ طلب مَنْ طلبني(2) واستوى على جواده مع ولديه ، وصحبه مولاه عامر وسيف بن مالك والأدهم بن اُميّة فلحقوا بالإمام في مكّة وصحبوه إلى العراق ، واستشهدوا بين يديه في كربلاء(3) .

نقمة العراق على الاُمويِّين :

وكره العراقيون بصورة عامّة حكم الاُمويِّين وبغضوا سلطانهم ، وفيما نحسب أنّ الأسباب في ذلك ما يلي :

1 ـ إنّ العراق أيّام معاوية أصبح يُساس بالروح العسكرية ، والأحكام العرفية التي لا تتقيد بالقانون ، خصوصاً أيام زياد بن سميّة ، فقد كان يأخذ

__________________

(1) اللهوف / 16 ـ 19.

(2) تاريخ الطبري 6 / 198.

(3) مقتل المقرم / 158 نقلاً عن ذخيرة الدارين / 224.

٣٢٨

البريء بالسقيم ، والمقبل بالمدبر ، ويقتل على الظنّة والتّهمة ، ممّا أدى إلى إشاعة الكراهية للأمويين.

2 ـ إنّ الكوفة كانت في عهد الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) عاصمة الدولة الإسلاميّة ، وفي أيام معاوية أصبحت دمشق العاصمة ومركز الحكم ، وأصبح العراق مصراً كسائر الأمصار ، وانتقلت عنه الخزينة المركزية ، وقد أخذ الكوفيون يندبون حظّهم التعيس بعد تحوّل الخلافة عنهم ، وأصبح اسم الإمام عندهم رمزاً إلى دولتهم المفقودة ، وتعلّقت آمالهم بأبناء الإمام فكانوا ينظرون إليهم إنّهم الأبطال لاستقلال بلادهم السياسي وتحررها مِن التبعية لدمشق.

فقد كره أهل العراق الخضوع لأهل الشام ، كما كره أهل الشام الخضوع والسيطرة لأهل العراق ، وقد صوّر شاعر الشام هذه النزعة بقوله :

أرى الشامَ تكره مُلكَ العراقِ

وأهلَ العراقِ لهم كارهونا

وقالوا عليٌّ إمامٌ لنا

فقلنا رضينا ابنَ هندٍ رضينا

وصوّر شاعر العراق هذه النزعة السائدة عند العراقيِّين بقوله مخاطباً أهل الشام :

أتاكمْ عليٌّ بأهلِ العراقِ

وأهلِ الحجاز فما تصنعونا

فإنْ يكره القومُ مُلكَ العراقِ

فقدماً رضينا الذي تكرهونا(1)

وكانت الثورات المتلاحقة التي قام بها العراق إنّما هي لكراهية أهل الشام والتخلّص مِنْ حكم الاُمويِّين.

3 ـ إنّ السياسة الخاطئة التي تبعها معاوية مع زعماء الشيعة الذين تبنّوا القضايا المصيرية للشعب العراقي وكافة الشعوب الإسلاميّة ، وما عانوه مِن القتل والتنكيل قد هزّت مشاعر الكوفيِّين ، وأوغرت صدورهم بالحقد

__________________

(1) الأخبار الطوال / 70 طبع ليدن.

٣٢٩

على الاُمويِّين ، كما إنّ سبّ الإمام على المنابر قد زاد في بغضهم للأمويين ، وأشعل جذوة المعارضة في نفوسهم.

4 ـ إنّ الاُمويِّين كانوا ينظرون إلى أهل الكوفة إنّهم الجبهة المعارضة لحكمهم ، وإنّهم المصدر الخطير الذي يهدد دولتهم فقابلوهم بمزيد مِن القسوة والإرهاب ، ممّا دعى الكوفيين إلى العمل المستمر لمناهضة الحكم الاُموي وتقويض سلطانه.

هذه بعض الأسباب التي أدّت إلى نقمة العراق على الحكم الاُموي وبغضهم له.

إعلان التمرّد في العراق :

وبعد هلاك معاوية أيقن العراقيون بانهيار الدولة الاُمويّة ، وقد رؤوا أنّ في تقليد يزيد مهام الخلافة إنّما هو استمرار للحكم الاُموي الذي جهد على إذلالهم وقهرهم.

وقد أجمعت الشيعة في الكوفة على مناجزته والخروج على سلطانه ، ورأوا أنّ في كفاحهم له جهاداً دينياً حسب ما يقول (جولد تسهير)(1) . ويرى (كريمر) إنّ الأخيار والصلحاء مِن الشيعة كانوا ينظرون إلى يزيد نظرتهم إلى ورثة أعداء الإسلام ، وخلفاء أبي سفيان(2) .

وعلى أيّ حالٍ ، فإنّ شيعة الكوفة لمْ ترضَ بحكم يزيد ، وأجمعت على خلعه والبيعة للإمام الحُسين (عليه السّلام) ، وقد قاموا بما يلي :

__________________

(1) (2) العقيدة والشريعة في الإسلام / 69.

٣٣٠

المؤتمر العام :

وعقدت الشيعة بعد هلاك معاوية مؤتمراً عاماً في بيت أكبر زعمائهما سليمان بن صرد الخزاعي ، واندفعوا اندفاعاً كلياً في إلقاء الخطب الحماسية التي تظهر مساوئ الحكم الاُموي وفضائحه ، كما أشادوا بالإمام الحُسين ودعوا إلى البيعة له.

خطبة سليمان :

واعتلى سليمان بن صرد منصّة الخطابة ، فافتتح أولى جلساتهم بهذا الخطاب ، وقد جاء فيه : إنّ معاوية قد هلك ، وإنّ حُسيناً قد قبض على القوم ببيعته ، وقد خرج إلى مكّة وأنتم شيعته وشيعة أبيه ، فإنْ كنتم تعلمون أنكم ناصروه ومجاهدوا عدوه فاكتبوا إليه ، وإنْ خفتم الوهن والفشل فلا تغرّوا الرجل مِنْ نفسه.

وتعالت أصواتهم مِنْ كلّ جانب وهم يقولون بحماس بالغ : نقتل أنفسنا دونه ، لا بل نقاتل عدوه(1) . وأظهروا رغبتهم الملحّة ودعمهم الكامل للإمام ، وقرّروا ما يلي :

1 ـ خلع بيعة يزيد.

2 ـ إرسال وفد للإمام يدعونه للقدوم إليهم.

__________________

(1) الإرشاد / 223 ـ 224.

٣٣١

3 ـ بعث الرسائل للإمام مِنْ مختلف الطبقات الشعبية التي تمثّل رغبة الجماهير الحاشدة لحكم الإمام.

وفد الكوفة :

وأوفدت الكوفة وفداً إلى الإمام يدعوه إلى القدوم إليهم ، ومِنْ بين ذلك الوفد عبد الله الجدلي(1) ، ولمّا مثل الوفد عند الإمام عرض عليه اجماع أهل الكوفة على نصرته والأخذ بحقّه ، وإنّه ليس لهم إمام غيره وحثّوه على القدوم إليهم.

الرسائل :

وعمد أهل الكوفة بعد مؤتمرهم فكتبوا الرسائل إلى الإمام (عليه السّلام) وهي تعرب عن إخلاصهم وولائهم له ، وتحثّه على القدوم إليهم ليتولّى قيادة الاُمّة ، وهذه بعضها :

1 ـ قد جاء فيما بعد البسملة ما نصّه : مِنْ سليمان بن صرد والمسيب بن نجيّة ، ورفاعة بن شدّاد وحبيب بن مظاهر ، وشيعته والمسلمين مِنْ أهل الكوفة.

أمّا بعد ، فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبّار العنيد ـ يعني معاوية ـ الذي انتزى على هذه الاُمّة فابتزّها أمرها واغتصبها فيئها وتأمّر عليها بغير رضى منها ، ثمّ قتل خيارها واستبقى شرارها ، وجعل مال الله دُولَة بين جبابرتها وأغنيائها ، فبعداً له كما بعُدت ثمود! إنّه ليس علينا إمام

__________________

(1) مقاتل الطالبيِّين / 95.

٣٣٢

فاقبلْ لعلّ الله يجمعنا بك على الحقّ ، والنعمان بن بشير في قصر الإمارة لسنا نجتمع معه في جمعة ولا نخرج معه إلى عيد ، ولو بلغنا أنّك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتّى نلحقه بالشام إنْ شاء الله. والسّلام عليك ورحمة الله وبركاته(1) .

وكتبت هذه الرسالة في أواخر شهر شعبان ، وحملها عبد الله الهمداني وعبد الله بن وائل الهمداني ، وقد أمروهما بالإسراع والحذر مِن العدو. وأخذا يجذّان في السير لا يلويان على شيء ، وقدما مكّة لعشر مضين مِنْ رمضان(2) ، وسلّما الرسالة للإمام وعرّفاه بشوق الناس إلى قدومه.

وقد عرضت هذه الرسالة مساوئ الحكم الاُموي ، فوصفت معاوية بالجبّار العنيد ، وأنّه ابتز أمر الاُمّة بالقهر والغلبة وتأمّر عليها بغير رضى منها ، وقد قتل خيارها وصلحاءها وجعل العطاء خاصة للأغنياء والوجوه ، وحرم منه بقيّة طوائف الشعب ، كما عرضت إلى مقاطعة الشيعة لحاكم الكوفة النعمان بن بشير ، وإنّهم إذا بلغهم قدوم الإمام قاموا بإقصائه عن الكوفة وإلحاقه بدمشق.

2 ـ وقد أرسل الرسالة الثانية جماعة مِنْ أهل الكوفة ، وهذا نصها : إلى الحُسين بن علي مِنْ شيعته والمسلمين. أمّا بعد ، فحي هلا(3) ، فإنّ الناس ينتظرونك ولا رأي لهم غيرك(4) ، فالعجل ثمّ العجل ، والسّلام(5)

__________________

(1) أنساب الأشراف 1 / ق 1 ، الإمامة والسياسة ـ ابن قتيبة الدينوري 2 / 3 ـ 4.

(2) الفتوح 5 / 44.

(3) حي هلا : اسم فعل بمعنى أقبل وعجّل.

(4) في تاريخ اليعقوبي 2 / 215 ، لا إمام لهم غيرك.

(5) الإرشاد / 224.

٣٣٣

وحمل هذه الرسالة قيس بن مسهر الصيداوي مِنْ بني أسد ، وعبد الرحمن بن عبد الله الأرحبي وعمارة بن عبد الله السلولي ، كما حملوا معهم نحواً مِنْ خمسين صحيفة مِن الرجُل والاثنين والثلاثة والأربعة(1) ، وهي تحث الإمام على الإسراع إليهم والترحيب بقدومه ، وتعلن دعمهم الكامل له.

3 ـ وأرسل هذه الرسالة جماعة مِن الانتهازيين الذين لا يؤمنون بالله ، وهم شبث بن ربعي اليربوعي ومحمّد بن عمر التميمي ، وحجّار بن أبجر العجلي ويزيد بن الحارث الشيباني ، وعزرة بن قيس الأحمسي وعمرو بن الحجّاج الزبيدي ، وهذا نصها : أمّا بعد ، فقد اخضرّ الجناب وأينعت الثمار وطمّت الجمام(2) ، فاقدم على جند لك مجنّدة. والسّلام عليك(3) .

وأعربت هذه الرسالة عن شيوع الأمل وازدهار الحياة ، وتهيأة البلاد عسكريّاً للأخذ بحقّ الإمام ومناجزة خصومه ، وقد وقعّها أولئك الأشخاص الذين كانوا في طليعة القوى التي زجّها ابن مرجانة لحرب الإمام.

ومِن المؤكّد أنّهم لمْ يكونوا مؤمنين بحقّه ، وإنّما اندفعوا لمساومة السلطة الاُمويّة ، والحصول منها على الأموال ومتع الحياة ، كما صرح الإمام الحُسين بذلك أمام أصحابه.

4 ـ ومِنْ بين تلك الرسائل : إنّا قد حبسنا أنفسنا عليك ولسنا نحضر الصلاة مع الولاة ، فاقدم علينا فنحن في مئة ألف سيف ، فقد فشا فينا الجور وعمل فينا بغير كتاب الله وسنّة نبيّه ، ونرجوا أنْ يجمعنا

__________________

(1) أنساب الأشراف 4 / ق 1.

(2) الجمام : الآبار.

(3) أنساب الأشراف 1 / ق 1 ، مطالب السؤول في مناقب آل الرسول / 74.

٣٣٤

الله بك على الحقّ وينفي عنّا بك الظلم ، فأنت أحقّ بهذا الأمر مِنْ يزيد وأبيه الذي غضب الاُمّة وشرب الخمور ، ولعب بالقرود والطنابير وتلاعب بالدين(1) .

5 ـ وكتب جمهور أهل الكوفة الرسالة الآتية ووقّعوها ، وهذا نصها : للحُسين بن علي أمير المؤمنين مِنْ شيعة أبيه (عليه السّلام). أمّا بعد ، فإنّ الناس ينتظرونك لا رأي لهم في غيرك ، العجل العجل يا بن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ؛ لعلّ الله أنْ يجمعنا بك على الحقّ ويؤيد بك المسلمين والإسلام. بعد أجزل السّلام وأتمّه عليك ورحمة الله وبركاته(2) .

6 ـ وكتب إليه جماعة هذه الرسالة الموجزة : إنّا معك ومعنا مئة ألف سيف(3) .

7 ـ وكانت آخر الرسائل التي وصلت إليه هذه الرسالة : عجّل القدوم يابن رسول الله ، فإنّ لك بالكوفة مئة ألف سيف فلا تتأخّر(4) .

وقد تتابعت عليه الرسائل ما ملأ منها خرجين.

ويقول المؤرّخون : إنّه اجتمع عنده في نوب متفرّقة اثنا عشر ألف كتاب(5) ، ووردت إليه قائمة فيها مئة وأربعون ألف اسم يعربون عن نصرتهم له حال ما يصل إلى

__________________

(1) تذكرة الخواصّ / 248 ، الصراط السوي في مناقب آل النّبي ـ السيّد محمود القادي ، مِنْ مصوّرات مكتبة الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، وبصورة موجزة رواه المسعودي في مروج الذهب 3 / 4.

(2) وسيلة المال / 185 ، الفصول المهمّة ـ ابن الصباغ / 170.

(3) أنساب الأشراف 1 / ق 1.

(4) بحار الأنوار 10 / 180.

(5) اللهوف / 19.

٣٣٥

الكوفة(1) ، كما وردت عليه في يوم واحد ستمئة كتاب(2) .

وعلى أيّ حالٍ ، فقد كثرت كتب أهل الكوفة إلى الإمام ، وقد وقّع فيها الأشراف وقرآء المصر ، وهي تمثّل تعطّشهم لقدوم الإمام ؛ ليكون منقذاً لهم مِنْ طغمة الحكم الاُموي ، ولكن بمزيد الأسف فقد انطوت صحيفة ذلك الأمل ، وانقلب الوضع وتغيّرت الحالة ، وإذا بالكوفة تنتظر الحُسين لتسقي سيوفها مِنْ دمه وتُطعم نبالها مِنْ لحمه. تريد أنْ تحتضنَ جسد الحُسين لتوزّعه السيوف وتطعنه الرماح وتسحقه الخيول بحوافراها.

الكوفة تنتظر الحُسين لتثب عليه وثبة الأسد ، وتنشب أظفارها بذلك الجسد الطاهر. الكوفة تنتظر الحُسين لتسبي عياله بدل أنْ تحميهم ، وتروّع أطفاله بدل أنْ تؤويهم(3) . وهكذا شاءت المقادير ، ولا راد لأمر الله على نكث القوم لبيعة الإمام وإجماعهم على حربه.

ويقول المؤرّخون : إنّ الإمام بعد ما وافته هذه الرسائل عزم على أن يلبّي أهل الكوفة ، ويوفد إليهم ممثّله العظيم مسلم بن عقيل.

__________________

(1) الوافي في المسألة الشرقية 1 / 43.

(2) الدر المسلوك في أحوال الأنبياء والأوصياء 1 / 107 من مخطوطات مكتبة الإمام الحكيم.

(3) مع الحسين في نهضته / 157.

٣٣٦

إيفاد مسلم إلى العراق

٣٣٧
٣٣٨

وتتابعت كتب أهل الكوفة كالسيل إلى الإمام الحُسين وهي تحثّه على المسير والقدوم إليهم ؛ لإنقاذهم مِنْ ظلم الاُمويِّين وعنفهم ، وكانت بعض تلك الرسائل تحمّله المسؤولية أمام الله والاُمّة إنْ تأخّير عن إجابتهم.

ورأى الإمام قبل كلّ شيء أنْ يختار للقياهم سفيراً له يعرّفه باتّجاهاتهم وصدق نيّاتهم ، فإنْ رأى منهم نيّة صادقة وعزيمة مصمّمة فيأخذ البيعة منهم ثمّ يتوجّه إليهم بعد ذلك. وقد اختار لسفارته ثقته وكبير أهل بيته والمبرز بالفضل فيهم مسلم بن عقيل ، وهو مِنْ أفذاذ التاريخ ومِنْ أمهر الساسة وأكثرهم قابلية على مواجهة الظروف ، وللصمود أمام الأحداث ، وعرض عليه الإمام القيام بهذه المهمّة فاستجاب له عن رضى ورغبة ، وزوّده برسالة رويت بصور متعدّدة وهي :

الأولى : رواها أبو حنيفة الدينوري ، وهذا نصّها : «مِن الحُسين بن علي إلى مَنْ بلغه كتابي هذا مِنْ أوليائه وشيعته بالكوفة ، سلام عليكم. أما بعد ، فقد أتتني كتبكم وفهمت ما ذكرتم مِنْ محبّتكم لقدومي عليكم ، وأنا باعث إليكم بأخي وابن عمّي وثقتي مِنْ أهلي مسلم بن عقيل ؛ ليعلم لي كنه أمركم ، ويكتب إليّ بما يتبيّن له مِن اجتماعكم ؛ فإنْ كان أمركم على ما أتتني به كتبكم وأخبرتني به رسلكم أسرعت القدوم إليكم إنْ شاء الله ، والسّلام»(1) .

الثانية : رواها صفي الدين ، وقد جاء فيها بعد البسملة : «أمّا بعد ، فقد وصلتني كتبكم وفهمت ما اقتضته آراؤكم ، وقد بعثت إليكم ثقتي وابن عمّي مسلم بن عقيل ، وسأقدم عليكم وشيكاً في إثره إن شاء الله»(2) .

__________________

(1) الأخبار الطوال / 210.

(2) وسيلة المال / 186 من مصوّرات مكتبة الإمام الحكيم.

٣٣٩

وهذه الرواية شاذّة ؛ إذ لم يذكر فيها مهمّة مسلم في إيفاده إليهم مِنْ أخذ البيعة له وغير ذلك ، ممّا هو مِنْ صميم الموضوع في إرسال مسلم.

الثالثة : رواها الطبري ، وقد جاء فيها بعد البسملة : «مِن الحُسين بن علي إلى الملأ مِن المؤمنين والمسلمين. أمّا بعد ، فإنّ هانئاً وسعيداً(1) قدما عليّ بكتبكم ، وكانا آخر مَنْ قدم عليّ مِنْ رسلكم ، وقد فهمت كلّ الذي اقتصصتم وذكرتم ، ومقالة جلّكم : أنّه ليس علينا إمام فأقبل ؛ لعلّ الله يجمعنا بك على الهدى والحقّ.

وقد بعثت لكم أخي وابن عمّي وثقتي مِنْ أهل بيتي ، وأمرته أنْ يكتب إليّ بحالكم وأمركم ورأيكم ؛ فإنْ كتب أنّه قد اجتمع رأي ملئكم وذوي الفضل والحجا مِنكم على مثل ما قدمت عليّ به رسلكم وقرأت في كتبكم ، أقدم عليكم وشيكاً إنْ شاء الله. فلعمري ، ما الإمام إلاّ العامل بالكتاب ، والآخذ بالقسط ، والدائن بالحقّ ، والحابس نفسه على ذات الله. والسّلام»(2) .

وحفلت هذه الرسالة حسب نص الطبري بالاُمور التالية :

1 ـ توثيق مسلم والتدليل على سموّ مكانته ، فهو ثقة الحُسين.

2 ـ تحديد صلاحية مسلم باستكشاف الأوضاع الراهنة ، ومعرفة التيارات السياسية ومدى صدق القوم في دعواهم. ومِن الطبيعي أنّه لا تُناط معرفة هذه الأمور الحساسة إلاّ بمَنْ كانت له المعرفة التامّة بشؤون المجتمع وأحوال الناس.

3 ـ إنّه أوقف قدومه عليهم بتعريف مسلم له بإجماع الجماهير ورجال الفكر على بيعته ، فلا يقدم عليهم حتّى يعرّفه سفيره بذلك.

__________________

(1) هما : هانئ بن هانئ السّبيعي ، وسعيد بن عبد الله الحنفي.

(2) تاريخ الطبري 6 / 197.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

القسم الخامس

في زيارة سائر الأئمةعليهم‌السلام

٥٢١

٥٢٢

الباب (١)

زيارة جامعة لسائر الأئمةعليهم‌السلام

اخبرني الشيخان الأجلان العالمان الفقيهان أبو محمد عربي بنمسافر العبادي وهبة الله بن نما بن علي بن حمدونرضي‌الله‌عنهما قراءةعليهما في شهر ربيع الأول من سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة ، قالاجميعا : أخبرنا الشيخان الجليلان أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن طحالالمقدادي وأبو عبد الله الياس بن هشام الحائري ، قالا جميعا : أخبرناالشيخ أبو علي الحسن بن محمد الطوسي ، عن أبيه الشيخ السعيدأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسيرحمه‌الله ، عن الشيخ المفيدأبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان ، عن الشيخ أبي جعفر محمد بنعلي بن الحسين بن بابويهرحمه‌الله ، قال : حدثنا علي بن أحمد بن موسىوالحسين بن أحمد بن إبراهيم بن أحمد الكاتب ، قالا : حدثنا علي بنأبي عبد الله الكوفي ، عن محمد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدثناموسى بن عمران النخعي ، قال :

قلت لعلي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بنالحسين بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام : علمني يا بن رسول الله قولا أقوله

٥٢٣

بليغا كاملا إذا زرت أحدا منكم ، فقال :

إذا صرت إلى الباب فقف واشهد الشهادتين وأنت على غسل ، فإذادخلت ورأيت القبر فقف وقل : الله أكبر الله أكبر ـ ثلاثين مرة ، ثم امشقليلا وعليك السكينة والوقار ، وقارب من خطاك ، ثم قف وكبر اللهثلاثين مرة ، ثم ادن من القبر وكبر الله أربعين مرة ، تمام مائة تكبيرة ، ثم قل :

السلام عليكم يا أهل بيت النبوة ، وموضع الرسالة ، ومختلفالملائكة ، ومهبط الوحي ، ومعدن الرحمة ، وخزان العلم ، ومنتهىالحلم ، وأصول الكرم ، وقادة الأمم ، وأولياء النعم ، وعناصر الأبرار ،ودعائم الأخيار ، وساسة العباد ، وأركان البلاد ، وأبواب الايمان ، وامناءالرحمن ، وسلالة النبيين ، وصفوة المرسلين ، وعترة خيرة ربالعالمين ، ورحمة الله وبركاته.

السلام على أئمة الهدى ، ومصابيح الدجى(١) ، واعلام(٢) التقى ،وذوي النهى(٣) ، وأولي الحجي(٤) ، وكهف الورى(٥) ، وورثة الأنبياء ،

__________________

(١) الدجى جمع الدجية : الظلمة ، اي انكم الهادون للناس من ظلمة الشرك وا لكفر إلى نورالايمان والطاعة.

(٢) الاعلام جمع العلم : العلامة والمنار.

(٣) النهى جمع النهية ، وهي العقل ، لأنها تنهى عن القبائح ، وذلك لأنهم أولى العقولالكاملة.

(٤) الحجى ـ كالى ـ العقل والفطنة.

(٥) كهف الورى : ملجأ الخلائق في الدين والدنيا والآخرة.

٥٢٤

والمثل الاعلى ، والدعوة الحسنى(١) وحجج الله على أهل الدنياوالآخرة والأولى ورحمة الله وبركاته.

السلام على محال معرفة الله ، ومشاكي نور الله ، ومساكن بركةالله ، ومعادن حكمة الله ، وخزنة علم الله ، وحفظة سر الله ، وحملةكتاب الله ، وأوصياء نبي الله ، وذرية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ،ورحمة الله وبركاته.

السلام على الدعاة إلى الله ، والأدلاء على مرضاة الله ،والمستقرين في أمر الله ، والتامين في محبة الله(٢) ، والمخلصين فيتوحيد الله ، والمظهرين لأمر الله ونهيه ، وعباده المكرمين الذينلا يسبقونه بالقول ، وهم بأمره يعملون ، ورحمة الله وبركاته.

السلام على الأئمة الدعاة ، والقادة الهداة(٣) ، والسادة الولاة(٤) ،

__________________

(١) قيل : يمكن أن يكون المراد انهم حصلوا بدعاء إبراهيم وغيره من الأنبياءعليهم‌السلام ، كماقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : انا دعوة أبي إبراهيمعليه‌السلام .

(٢) اي مراتبها الثلاث ، من محبة الذات لذاته سبحانه وتعالى ، ولصفاته الحسنى ، ولأفعالهالكاملة ـ مرآة العقول.

(٣) القادة جمع القائد ، والهداة جمع الهادي ، والمراد أنتم الذين قال الله سبحانه :( وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا ) .

(٤) السادة جمع السيد ، وهو الأفضل الأكرم ، والولاة جمع الوالي ، فإنهمعليهم‌السلام يقودونالسالكين إلى الله ، والأولى بالتصرف في الخلق من أنفسهم ، كما في قوله تعالى :( النبي أولىبالمؤمنين من أنفسهم ) ، وقوله :( إنما وليكم الله ورسوله والذين امنوا ) ، وقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله منكنت مولاه فهذا علي مولاه.

٥٢٥

والذادة الحماة(١) وأهل الذكر(٢) والي الامر(٣) وبقية الله وخيرتهوخزنة علمه ، وحجته وصراطه ، ونوره وبرهانه ، ورحمة الله وبركاته.

اشهد ان لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له كما شهد الله لنفسه ،وشهدت له ملائكته ، وأولوا العلم من خلقه لا إله إلا هو العزيز الحكيم ،وأشهد أن محمدا عبده المنتجب ، ورسوله المرتضى ، أرسله بالهدىودين الحق ليظهره على الدين كله ، ولو كره المشركون.

واشهد انكم الأئمة الهداة الراشدون المهديون ، المعصومونالمكرمون ، المقربون المتقون ، الصادقون المصطفون ، المطيعون لله ،القوامون بأمره ، العاملون بإرادته ، الفائزون بكرامته.

اصطفاكم بعلمه ، وارتضاكم لغيبه(٤) ، واختاركم لسره ، واجتباكمبقدرته ، واعزكم بهداه ، وخصكم ببرهانه ، وانتجبكم لنوره ، وأيدكمبروحه ، ورضيكم خلفاء في ارضه ، وحججا على بريته ، وأنصارالدينه ، وحفظة لسره ، وخزنة لعلمه ، ومستودعا لحكمته ، وتراجمة

__________________

(١) الذادة جمع الذاد من الذود بمعنى الدفع ، والحماة جمع الحامي ، فإنهم حماة الدينيدفعون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين ، أو يدفعون عن شيعتهم الآراء الفاسدةوالمذاهب الباطلة.

(٢) أهل الذكر الذين قال الله سبحانه :( فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون ) ، والذكر اماالقران فهم أهله أو الرسول فهم عترته.

(٣) اولي الامر ، الذين قال الله تعالى :( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) .

(٤) كما في قوله تعالى :( فلا يظهر على غيبه أحدا الا من ارتضى من رسول ) ، و ( من ) فيقوله ( من رسول ) غير بيانية ، اي من ارتضاه الرسول للوصاية والإمامة بأمر الله تعالى.

٥٢٦

لوحيه ، وأركانا لتوحيده ، وشهداء على خلقه ، واعلاما لعباده ، ومنارافي بلاده ، وادلاء على صراطه.

عصمكم الله من الزلل ، وأمنكم من الفتن ، وطهركم من الدنس ،واذهب عنكم الرجس وطهركم تطهيرا.

فعظمتم جلاله ، وأكبرتم شأنه ، ومجدتم كرمه ، وأدمتم ذكره ،ووكدتم ميثاقه ، وأحكمتم عقد طاعته ، ونصحتم له في السر والعلانية ،ودعوتم إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة ، وبذلتم أنفسكم فيمرضاته ، وصبرتم على ما أصابكم في جنبه(١) ، وأقمتم الصلاة ، واتيتمالزكاة ، وأمرتم بالمعروف ، ونهيتم عن المنكر ، وجاهدتم في الله حقجهاده حتى أعلنتم دعوته ، وبينتم فرائضه ، وأقمتم حدوده ، ونشرتمشرايع احكامه ، وسننتم سنته(٢) ، وصرتم في ذلك منه إلى الرضا ،وسلمتم له القضاء ، وصدقتم من رسله من مضى.

فالراغب عنكم مارق ، واللازم لكم لاحق ، والمقصر في حقكمزاهق(٣) ، والحق معكم وفيكم ، ومنكم واليكم ، وأنتم أهله ومعدنه ،ومثواه ومنتهاه ، وميراث النبوة عندكم ، واياب الخلق إليكم ،

__________________

(١) في جنبه اي في امره ورضاه وقربه.

(٢) سننتم اي بينتم ، والمراد سنة الله ، أو المعنى سلكتم طريقه ، وفي اللغة سن الطريقسارها.

(٣) المارق : الخارج ، يعني من رغب عن طريقتكم خرج من الدين ومن لزمها لحق بكم ،والزاهق : الباطل والهالك.

٥٢٧

وحسابهم عليكم(١) وفصل الخطاب عندكم(٢) وايات الله لديكموعزائمه فيكم(٣) ، ونوره وبرهانه عندكم ، وأمره إليكم.

من والاكم فقد والى الله ، ومن عاداكم فقد عادى الله ، ومنأحبكم فقد أحب الله ، ومن أبغضكم فقد أبغض الله ، ومن اعتصم بكمفقد اعتصم بالله.

أنتم الصراط الأقوم ، وشهداء دار الفناء ، وشفعاء دار البقاء ،والرحمة الموصولة ، والأمانة المحفوظة ، والباب المبتلى به الناس ،من اتاكم نجى ، ومن لم يأتكم هلك ، إلى الله تدعون ، وعليه تدلون ،وبه تؤمنون ، وله تسلمون ، وبامره تعملون ، والى سبيله ترشدون ،وبقوله تحكمون.

سعد من والاكم ، وهلك من عاداكم ، وخاب من جحدكم ، وضلمن فارقكم ، وفاز من تمسك بكم ، وامن من لجأ إليكم ، وسلم من

__________________

(١) اي رجوعهم لاخذ المسائل والاحكام من الحلال والحرام إليكم في الدنيا ، وحسابهمعليكم في الآخرة ، كما قال الله تعالى :( ان إلينا إيابهم * ثم إن علينا حسابهم ) ، اي إلى أوليائناالمأمورين بذلك ، بقرينة الجمع.

(٢) فصل الخطاب هو الذي يفصل بين الحق والباطل.

(٣) عزائمه فيكم : اي الجد والصبر والصدع بالحق ، أو كنتم تأخذون بالعزائم دونالرخص ، أو الواجبات اللازمة غير المرخص في تركها من الاعتقاد بإمامتهم وعصمتهمووجوب متابعتهم وموالاتهم بالآيات والأخبار المتواترة ، أو الأقسام التي أقسم الله تعالى بهافي القران ، كالشمس والقمر والضحى بكم أو لكم ، أو السور العزائم أو آياتها فيكم ، أو قبولالواجبات اللازمة بمتابعتكم ، أو الوفاء بالمواثيق والعهود الإلهية في متابعتكم ـ المرآة.

٥٢٨

صدقكم ، وهدي من اعتصم بكم ، من اتبعكم فالجنة مأواه ، ومنخالفكم فالنار مثواه ، ومن جحدكم كافر ، ومن حاربكم مشرك ، ومن ردعليكم في أسفل درك من الجحيم.

اشهد ان هذا لكم سابق فيما مضى ، وجار لكم فيما بقي(١) ، وانأرواحكم ، وأنواركم ، وطينتكم واحدة ، طابت وطهرت بعضها منبعض ، خلقكم الله أنوارا فجعلكم بعرشه محدقين.

حتى من علينا بكم فجعلكم في بيوت اذن الله ان ترفع ويذكر فيهااسمه ، وجعل صلواتنا(٢) عليكم ، وما خصنا به(٣) من ولايتكم طيبالخلقنا ، وطهارة لأنفسنا ، وبركة لنا ، وكفارة لذنوبنا ، وكنا عنده مسلمينبفضلكم(٤) ، ومعروفين بتصديقنا إياكم.

فبلغ الله بكم أشرف محل المكرمين ، واعلى منازل المقربين ،وارفع درجات المرسلين ، حيث لا يلحقه لاحق ، ولا يفوقه فائق ،ولا يسبقه سابق ، ولا يطمع في ادراكه طامع.

حتى لا يبقى ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، ولا صديق ، ولا شهيد ،ولا عالم ولا جاهل ، ولا دني ولا فاضل ، ولا مؤمن صالح ، ولا فاجر

__________________

(١) يعني ان هذا الحكم ، اي وجوب المتابعة أو كل واحد من المذكورات سابق لكم فيمامضى من الأزمنة ، وجار لكم فيما يأتي.

(٢) صلاتنا ( خ ل ).

(٣) مفعول ثان لجعل ، أو يكون عطفا على ( من علينا ) ، وهو الأظهر.

(٤) في بعض النسخ : مسمين ، وهو الأوفق بالباء.

٥٢٩

طالح ، ولا جبار عنيد ، ولا شيطان مريد ، ولا خلق فيما بين ذلك شهيدالا عرفهم جلالة امركم ، وعظم خطركم(١) ، وكبر شأنكم ، وتمام نوركم ،وصدق مقاعدكم(٢) ، وثبات مقامكم ، وشرف محلكم ومنزلتكم عنده ،وكرامتكم عليه ، وخاصتكم لديه ، وقرب منزلتكم منه.

بابي أنتم وأمي ، وأهلي ومالي وأسرتي(٣) ، اشهد الله وأشهدكماني مؤمن بكم ، وبما امنتم به ، كافر بعدوكم وبما كفرتم به ، مستبصربشأنكم وبضلالة من خالفكم ، موال لكم ولأوليائكم ، مبغضلأعدائكم ، ومعاد لهم.

سلم لمن سالمكم ، وحرب لمن حاربكم ، محقق لما حققتم ،مبطل لما أبطلتم ، مطيع لكم ، عارف بحقكم ، مقر بفضلكم ، محتمللعلمكم ، محتجب بذمتكم(٤) ، معترف بكم.

مؤمن بإيابكم ، مصدق برجعتكم ، منتظر لامركم ، مرتقب لدولتكم ،اخذ لقولكم ، عامل بأمركم ، مستجير بكم ، زائر لكم ، لائذ عائذ بقبوركم ،مستشفع إلى الله تعالى بكم ، ومتقرب بكم إليه ، ومقدمكم امام طلبتي

__________________

(١) الخطر : القدر والمنزلة.

(٢) المقاعد : المراتب ، والمعنى انكم صادقون في هذه المرتبة ، وانها حقكم ، كما في قولهتعالى :( في مقعد صدق عند مليك مقتدر ) .

(٣) الأسرة : عشيرة الرجل ورهطه الأدنون.

(٤) محتجب بذمتكم اي مستتر أو داخل في الداخلين تحت أمانكم ، والذمة : العهدوالأمان والحق والحرمة.

٥٣٠

وحوائجي وإرادتي ، في كل أحوالي وأموري مؤمن بسركم وعلانيتكموشاهدكم وغائبكم ، وأولكم وآخركم ، ومفوض في ذلك كله إليكم(١) ،ومسلم فيه معكم.

وقلبي لكم مسلم ، ورأيي لكم تبع ، ونصرتي لكم معدة ، حتىيحيي الله دينه بكم ، ويردكم في أيامه ، ويظهركم لعدله ، ويمكنكم فيارضه ، فمعكم معكم لامع غيركم ، امنت بكم ، وتوليت آخركم بماتوليت به أولكم ، وبرئت إلى الله من أعدائكم ، ومن الجبت والطاغوتوالشياطين ، وحزبهم الظالمين لكم ، والجاحدين لحقكم ، والمارقينمن ولايتكم ، والغاصبين لإرثكم ، الشاكين فيكم ، المنحرفين عنكم ،ومن كل وليجة دونكم ، وكل مطاع سواكم ، ومن الأئمة الذين يدعونإلى النار.

فثبتني الله ابدا ما حييت على موالاتكم ومحبتكم ودينكم ،ووفقني لطاعتكم ، ورزقني شفاعتكم ، وجعلني من خيار مواليكم ،التابعين لما دعوتم إليه ، وجعلني ممن يقتص آثاركم ، ويسلك سبيلكم ،ويهتدي بهداكم ، ويحشر في زمرتكم ، ويكر في رجعتكم ، ويملك فيدولتكم ، ويشرف في عافيتكم ، ويمكن في أيامكم ، وتقر عينه غدابرؤيتكم.

__________________

(١) اي اعتقد الجميع بقولكم ، ( ومسلم فيه معكم ) اي كما سلمتم لله تعالى أوامره عارفينإياها ، فانا أيضا مسلم وان لم يصل عقلي إليها.

٥٣١

بابي أنتم وأمي ، ونفسي وأهلي ومالي ، من أراد الله بدأ بكمومن وحده قبل عنكم ، ومن قصده توجه بكم ، موالي لا احصيثنائكم(١) ، ولا أبلغ من المدح كنهكم ، ومن الوصف قدركم.

وأنتم نور الأخيار ، وهداة الأبرار ، وحجج الجبار ، بكم فتح الله ،وبكم يختم الله ، وبكم ينزل الغيث ، وبكم يمسك السماء ان تقع علىالأرض الا باذنه(٢) ، وبكم ينفس الهم ، وبكم يكشف الضر ، وعندكم مانزلت به رسله ، وهبطت به ملائكته ، والى جدكم بعث الروحالأمين(٣) ، اتاكم الله ما لم يؤت أحدا من العالمين.

طأطأ كل شريف لشرفكم ، وبخع(٤) كل متكبر لطاعتكم ، وخضعكل جبار لفضلكم ، وذل كل شئ لكم ، وأشرقت الأرض بنوركم ، وفازالفائزون بولايتكم ، بكم يسلك إلى الرضوان ، وعلى من جحد ولايتكمغضب الرحمن.

بأبي أنتم وأمي ، ونفسي وأهلي ومالي ، ذكركم في الذاكرين ،وأسماؤكم في الأسماء ، وأجسادكم في الأجساد ، وأرواحكم فيالأرواح ، وأنفسكم في النفوس ، واثاركم في الآثار ، وقبوركم في

__________________

(١) لأنه لا يمكن لنا ان نعرف جميع كمالاتهم المعنوية.

(٢) بكم ينزل الغيث ، اي من اجلكم ينزل الله الغيث لعباده ، وهكذا من اجلكم يمسك اللهالسماء ان تقع على الأرض ، والا لو يؤاخذ الله الناس بظلم ما ترك على ظهرها من دابة.

(٣) في المصادر : وان كانت الزيارة لأمير المؤمنين فقل : والى أخيك بعث الروح الأمين.

(٤) البخوع : الخضوع والاقرار.

٥٣٢

القبور ، فما أحلى أسماءكم(١) وأكرم أنفسكم ، وأعظم شأنكم ، وأجلخطركم ، وأوفى عهدكم ، واصدق وعدكم.

كلامكم نور ، وأمركم رشد ، ووصيتكم التقوى ، وفعلكم الخير ،وعادتكم الاحسان ، وسجيتكم الكرم ، وشأنكم الحق والصدق ،وقولكم حكم وحتم ، ورأيكم علم وحلم وحزم ، ان ذكر الخير كنتمأوله ، واصله وفرعه ، ومعدنه ، ومأواه ومنتهاه.

بابي أنتم وأمي ونفسي ، كيف أصف حسن ثنائكم ، وأحصيجميل بلائكم ، وبكم أخرجنا الله من الذل ، وفرج عنا غمرات الكروب ،وانقذنا من شفا جرف الهلكات ومن النار.

بابي أنتم وأمي ونفسي ، بموالاتكم علمنا الله معالم ديننا ،وأصلح ما كان فسد من دنيانا ، وبموالاتكم تمت الكلمة ، وعظمتالنعمة ، وائتلفت الفرقة ، وبموالاتكم تقبل الطاعة المفترضة ، ولكمالمودة الواجبة ، والدرجات الرفيعة ، والمكان المحمود ، والمقامالمعلوم عند اللهعزوجل ، والجاه العظيم ، والشأن الكبير ، والشفاعةالمقبولة.

ربنا امنا بما أنزلت ، واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ، ربنالا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك أنت الوهاب ،

__________________

(١) اي وإن كان بحسب الظاهر ذكركم مذكورا بين الذاكرين ، ولكن لا نسبة ولا ربط بينذكركم وذكر غيركم ، فما أحلى أسمائكم ، وكذا البواقي ـ مرات العقول.

٥٣٣

سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا

يا ولي الله ان بيني وبين اللهعزوجل ذنوبا لا يأتي عليها الارضاكم(١) ، فبحق من ائتمنكم على سره ، واسترعاكم أمر خلقه ، وقرنطاعتكم بطاعته لما استوهبتم ذنوبي ، وكنتم شفعائي ، فاني لكم مطيع ،من أطاعكم فقد أطاع الله ، ومن عصاكم فقد عصى الله ، ومن أحبكمفقد أحب الله ، ومن أبغضكم فقد أبغض الله.

اللهم إني لو وجدت شفعاء(٢) أقرب إليك من محمد وأهل بيتهالأخيار ، الأئمة الأبرار لجعلتهم شفعائي ، فبحقهم الذي أوجبت لهمعليك أسألك ان تدخلني في جملة العارفين بهم وبحقهم ، وفي زمرةالمرحومين بشفاعتهم ، انك ارحم الراحمين ، وصلى الله على محمدالنبي وآله الطاهرين(٣) .

__________________

(١) اي لا يهلكها ولا يمحوها ، اتى عليه الدهر اي أهلكه.

(٢) شفيعا ( خ ل ).

(٣) رواه الصدوق في عيون الأخبار ٢ : ٢٧٢ باسناده عن علي بن أحمد بن محمد بن عمرانالدقاق ومحمد بن أحمد السناني وعلي بن عبد الله الوراق والحسين بن إبراهيم بن أحمد بنهشام المكتب ، جميعا عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي وأبي الحسين الأسدي ، عن محمد بنإسماعيل المكي البرمكي ، عن موسى بن عمران النخعي ، عن الهاديعليه‌السلام .

أورده الصدوق في الفقيه ٢ : ٦٠٩ ، عن محمد بن إسماعيل البرمكي ، عن الهادي عليه‌السلام ، عنهالبحار ١٠٢ : ١٢٧.

ذكره الشيخ في التهذيب ٦ : ٩٥ عن الصدوق باسناده.

ذكره مع اختلاف الكفعمي في البلد الأمين : ٢٩٧ ، عنه المستدرك ١٠ : ٤١٧.

أورده مع اختلاف في البحار ١٠٢ : ١٤٦ عن الكتاب العتيق الغروي.

٥٣٤

باب الوداع :

إذا أردت الانصراف فقل :

السلام عليك سلام مودع ، لا سئم ولا قال ورحمة الله وبركاته ياأهل بيت النبوة انه حميد مجيد ، سلام ولي غير راغب عنكم ،ولا مستبدل بكم ، ولا مؤثر عليكم ، ولا منحرف عنكم ، ولا زاهد فيقربكم واتيان مشاهدكم.

والسلام عليكم ، وحشرني الله في زمرتكم ، وأوردني حوضكم ،وجعلني من حزبكم ، وأرضاكم عني ، ومكنني في دولتكم ، وأحيانيفي رجعتكم ، وملكني في أيامكم ، وشكر سعيي بكم ، وغفر ذنبيبشفاعتكم ، وأقال عثرتي بمحبتكم ، واعلى كعبي بموالاتكم ، وشرفنيبطاعتكم ، واعزني بهداكم ، وجعلني ممن انقلب مفلحا منجحا ، غانماسالما ، معافا غنيا ، فائزا برضوان الله وفضله وكفايته ، بأفضل ما ينقلببه أحد من زواركم ومواليكم ، ومحبيكم وشيعتكم ، ورزقني الله العودثم العود ابدا ما أبقاني ، بنية وايمان وتقوى واخبات ، ورزق واسعحلال طيب.

اللهم لا تجعله اخر العهد من زيارتهم وذكرهم والصلاة عليهم ،وأوجب المغفرة والخير والبركة والنور والايمان وحسن الإجابة ، بماأوجبت لأوليائك العارفين بحقهم ، الموجبين طاعتهم ، والراغبين في

٥٣٥

زيارتهم ، المتقربين إليك واليهم

بابي أنتم وأمي ونفسي وأهلي اجعلوني في همكم ، وصيرونيفي حزبكم ، وأدخلوني في شفاعتكم ، واذكروني عند ربكم ، اللهم صلعلى محمد وال محمد وأبلغ أرواحهم وأجسادهم مني السلام ،والسلام عليه وعليهم ورحمة الله وبركاته(١) .

فاما الأئمة الذين بالمدينة ، وهم الحسن بن علي بن أبي طالب ،وزين العابدين علي بن الحسين ، ومحمد بن علي الباقر ، وجعفر بنمحمد الصادق صلوات الله عليهم ، فقد تقدم القول في فضل زيارتهموما لزائرهم من الثواب والاجر ، وذكرنا زيارتهم هناك ، فلا حاجة إلىذكرها هاهنا ، ونحن الان ذاكرون زيارة الامامين أبي الحسن موسى بنجعفر وأبي جعفر محمد بن علي الجواد صلوات الله عليهما.

الباب (٢)

مختصر زيارة الامام أبي الحسن موسى بن جعفر الكاظمعليهما‌السلام ببغداد

فإذا وردت إن شاء الله بغداد فيستحب لك ان تغتسل للزيارةمندوبا ، ثم تقصد المشهد الشريف وتدخل إلى الضريح الطاهر بسكينةووقار ، وتقول :

__________________

(١) رواه الصدوق في عيون الأخبار ٢ : ٢٧٢ ، عنه البحار ١٠٣ : ١٣٣.

٥٣٦

بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله والسلامعلى أولياء الله.

فإذا وقفت عليه فقل :

السلام عليك يا نور الله في ظلمات الأرض ، السلام عليك يا وليالله ، السلام عليك يا حجة الله ، السلام عليك يا باب الله ، اشهد أنكأقمت الصلاة ، واتيت الزكاة ، وأمرت بالمعروف ، ونهيت عن المنكر ،وتلوت الكتاب حق تلاوته ، وجاهدت في الله حق جهاده ، وصبرتعلى الأذى في جنبه محتسبا ، وعبدته مخلصا حتى أتاك اليقين.

اشهد انك أولى بالله وبرسوله وانك ابن رسول الله حقا ، أبرأ إلىالله من أعدائك وأتقرب إلى الله بموالاتك ، اتيتك يا مولاي عارفابحقك ، مواليا لأوليائك ، معاديا لأعدائك ، فاشفع لي عند ربك.

ثم تنكب على القبر وتضع خديك عليه وتحول إلى عند الرأس ،وقف وقل :

السلام عليك يا بن رسول الله ، اشهد انك صادق صديق ، أديتناصحا وقلت أمينا ومضيت شهيدا ، لم تؤثر عمى على هدى ، ولم تملمن حق إلى باطل ، صلى الله عليك وعلى ابائك وأبنائك الطاهرين.

ثم قبل القبر وصل ركعتين ، وصل بعدهما ما أحببت واسجدوقل :

اللهم إليك اعتمدت ، واليك قصدت ، ولفضلك رجوت ، وقبر

٥٣٧

امامي الذي أوجبت علي طاعته زرت ، وبه إليك توسلت ، فبحقهم الذيأوجبت على نفسك اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يا كريم.

ثم تقلب خدك الأيمن وتقول :

اللهم قد علمت حوائجي ، فصل على محمد وال محمد واقضها.

ثم تقلب خدك الأيسر وتقول :

اللهم قد أحصيت ذنوبي فبحق محمد وال محمد واغفرها ،وتصدق علي بما أنت أهله.

ثم عد إلى السجود فقل : شكرا شكرا ـ مائة مرة ، ثم ارفع رأسكوادع بما شئت(١) .

الباب (٣)

زيارة مولانا أبي جعفر محمد بن علي الجواد صلوات الله عليه

وهو بظهر جدهعليه‌السلام

تقف عليه بعد فراغك من زيارة جده صلى الله عليه وتقول :

السلام عليك يا ولي الله ، السلام عليك يا حجة الله ، السلامعليك يا نور الله في ظلمات الأرض ، السلام عليك وعلى أبنائك ،السلام عليك وعلى أوليائك.

اشهد أنك أقمت الصلاة ، واتيت الزكاة ، وأمرت بالمعروف ،

__________________

(١) رواه في البحار ١٠٢ : ١١ ، عنه وعن المزار للمفيد والمزار للشهيد.

٥٣٨

ونهيت عن المنكر ، وتلوت الكتاب حق تلاوته ، وجاهدت في الله حقجهاده ، وصبرت على الأذى في جنبه حتى أتاك اليقين.

اتيتك زائرا عارفا بحقك ، مواليا لأوليائك ، معاديا لأعدائك ،فاشفع لي عند ربك.

ثم قبل القبر وضع خديك عليه ، ثم صل ركعتين للزيارة ، وصلبعدهما ما شئت ، ثم اسجد وقل :

ارحم من أساء واقترف واستكان واعترف.

ثم قلب خدك الأيمن وقل :

ان كنت بئس العبد فأنت نعم الرب.

ثم قلب خدك الأيسر وقل :

عظم الذنب من عبدك فليحسن العفو من عندك ، يا كريم.

ثم تعود إلى السجود وتقول : شكرا شكرا ـ مائة مرة(١) .

الباب (٤)

زيارة مختصرة أخرى للسيدين الامامين أبي الحسن موسى بن جعفر

وأبي جعفر محمد بن علي الجوادعليهما‌السلام

١ ـ تقف على ضريحهما الطاهر وتقول :

السلام عليكما يا وليي الله ، السلام عليكما يا حجتي الله ، السلام

__________________

(١) رواه في البحار ١٠٢ : ١٢ ، عنه وعن المزار للمفيد والمزار للشهيد.

٥٣٩

عليكما يا نوري الله في ظلمات الأرض ، اشهد انكما قد بلغتما عن اللهما حملكما ، وحفظتما ما استودعكما ، وحللتما حلال الله ، وحرمتماحرام الله ، وأقمتما حدود الله ، وتلوتما كتاب الله ، وصبرتما علىالأذى في جنب الله ، محتسبين حتى أتاكما اليقين.

أبرأ إلى الله من أعدائكما ، وأتقرب إلى الله بولايتكما ، أتيتكمازائرا عارفا بحقكما ، مواليا لأوليائكما ، معاديا لأعدائكما ، مستبصرابالهدى الذي أنتما عليه ، عارفا بضلالة من خالفكما ، فاشفعا لي عندربكما ، فان لكما عند الله جاها ومقاما محمودا.

ثم قبل التربة وضع خدك الأيمن عليهما وتحول إلى عند الرأسفقل :

السلام عليكما يا حجتي الله في ارضه وسمائه ، عبدكما ووليكماوزائركما ، متقرب إلى الله بزيارتكما ، اللهم اجعل لي لسان صدق فيأوليائك المصطفين ، وحبب إلى مشاهدهم ، واجعلني معهم في الدنياوالآخرة يا ارحم الراحمين.

وتصلي لكل امام ركعتين زيارة مندوبا ، وتدعو بما أحببت ، فإذاأردت الانصراف فودعهماعليهما‌السلام ، تقف عليهما كما وقفت أول مرة ، وتقول :

السلام عليكما يا وليي الله ، استودعكما الله واقرأ عليكما السلام ،امنا بالله وبالرسول وبما جئتما به ودللتما عليه ، اللهم اكتبنا معالشاهدين ، اللهم لا تجعله اخر العهد من زيارتي ، وارزقني مرافقتهما ،

٥٤٠

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702