المزار الكبير

المزار الكبير8%

المزار الكبير مؤلف:
المحقق: جواد القيّومي الإصفهاني
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 964-92002-0-7
الصفحات: 702

المزار الكبير
  • البداية
  • السابق
  • 702 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 192169 / تحميل: 6965
الحجم الحجم الحجم
المزار الكبير

المزار الكبير

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٩٢٠٠٢-٠-٧
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

ونخرج من هذه النقاط بالنتائج التالية :

أوّلاً : أنّ المدرسة المادّية تفترق عن المدرسة الإلهية في ناحية سلبية ، أي : الإنكار لما هو خارج الحقل التجريبي

ثانياً : أنّ المادّية مسئولة عن الاستدلال على النفي ، كما يجب على الإلهية الاستدلال على الإثبات

ثالثاً : أنّ التجربة لا يمكن أن تُعتَبر برهاناً على النفي ؛ لأنّ عدم وجدان السبب الأعلى في ميدان التجربة ، لا يبرهن على عدم وجوده في مجال أعلى لا تمتدّ إليه يد التجربة المباشرة

رابعاً : أنّ الأسلوب الذي تتّخذه المدرسة الإلهية للاستدلال على مفهومها الإلهي ، هو نفس الأسلوب الذي نثبت به علمياً جميع الحقائق والقوانين العلمية

الاتّجاه الديالكتيكي للمفهوم المادّي :

قلنا : إنّ للمادّية اتّجاهين : أحدهما اتّجاه الآلية الميكانيكية ، والآخر اتّجاه المادّية الديالكتيكية.

وقد استعرضنا الاتّجاه الأوّل استعراضاً سريعاً في الجزء الثاني من نظرية المعرفة ، حين تناولنا بالدرس والتمحيص المثالية الفيزيائية التي قامت على

____________________

(*)

الذاتي للمعرفة ، وفي ضوء هذا المذهب وإن كنّا بحاجة إلى ضمّ بعض المعارف العقليّة التي لا مناص عنها إلى التجربة ، كالمعرفة العقليّة القائلة باستحالة اجتماع النقيضين ، ولكن يمكن أن ينتقل الذهن ـ في ضوء المذهب المذكور ـ من استقراء الموضوعات الجزئيّة الخاضعة للتجربة إلى قواعد وقوانين عامّة ، بحيث يكون السير الفكري فيها من الخاصّ إلى العامّ ، ولا حاجة فيها إلى ضمّ المعارف العقليّة القبليّة التي تحوّل السير الفكري فيها من العامّ إلى الخاصّ ، كما يدّعيه أصحاب المذهب العقلي للمعرفة(لجنة التحقيق)

٢٤١

حطام المادّية الميكانيكية

وأمّا الاتّجاه المادّي الآخر الذي يفسّر العالم تفسيراً مادّياً بقوانين الديالكتيك ، فهو الاتّجاه الذي اتّخذته المدرس الماركسية ، فوضعت مفهومها المادّي عن العالم على أساس هذا الاتّجاه

قال ستالين :

(تسير مادّية ماركس الفلسفيّة من المبدأ القائل : إنّ العالم بطبيعته مادّي ، وإنّ حوادث العالم المتعدّدة هي مظاهر مختلفة للمادّة المتحرّكة ، وإنّ العلاقات المتبادلة بين الحوادث وتكييف بعضها بعضاً بصورة متبادلة كما تقرّرها الطريقة الديالكتيكية ، هي قوانين ضرورية لتطوّر المادّة المتحرّكة ، وإنّ العالم يتطوّر تبعاً لقوانين حركة المادّة ، وهو ليس بحاجة لأيّ عقل كلّي)(١)

ويُعتبر المفهوم المادّي (المادّة = الوجود) هو النقطة المركزية في الفلسفة الماركسية ؛ لأنّها التي تحدّد نظرة الماركسية إلى الحياة ، وتنشئ لها فهماً خاصّاً للواقع وقيمه ، ومن دونها لا يمكن أن تقام الأسس المادّية الخالصة للمجتمع والحياة

وقد فرضت هذه النقطة على المذهب الماركسي تسلسلاً فكرياً خاصّاً ، واقتضت منه أن يقيم شتّى جوانبه الفلسفية لصالحها فلأجل أن تملك الماركسية الحقّ في تقرير النقطة المركزية تقريراً نهائياً ، اختارت أن تكون يقينية ، كما عرفنا في نظرية المعرفة ، وأعلنت أنّ لدى الإنسان من الطاقات العلمية ما يتيح له الجزم بفلسفة معيّنة عن الحياة ، واستكناه أسرار

____________________

(١) المادّية الديالكتيكية والمادّية التاريخية : ٢٨

٢٤٢

الوجود والعالم ، ورفضت مذهب الشكّ المطلق ، وحتّى النسبية الجامدة ، وحاولت بذلك أن تعطي صفة قطعية للمحور الرئيسي ، أي : المفهوم المادّي

ووضعت بعد ذلك المقياس العامّ للمعرفة والحقيقة في التجربة ، واستبعدت المعارف العقلية الضرورية ، وأنكرت وجود منطق عقلي مستقلّ عن التجربة ؛ كلّ ذلك حذراً من إمكان محو النقطة المركزية بالمنطق العقلي ، وحدّاً للطاقة البشرية بالميدان التجريبي خاصّة

وواجهت الماركسية في هذه المرحلة مشكلة جديدة ، وهي : أنّ الميزان الفكري للإنسان إذا كان هو الحسّ والتجربة ، فلا بدّ أن تكون المعلومات التي يكوّنها عن طريق الحسّ والتجربة صحيحة دائماً ، ليمكن اعتبارها ميزاناً أوّلياً توزن به الأفكار والمعارف ، فهل نتائج الحسّ العلمي كذلك حقّاً ؟ وهل النظريات القائمة على التجربة مضمونة الصدق أبداً ؟

وهكذا وقعت الماركسية بين خطرين :

فإن اعترفت بأنّ المعلومات القائمة على أساس التجربة ليست معصومة من الخطأ ، فقد سقطت التجربة عن كونها ميزاناً أوّلياً للحقائق والمعارف

وإن ادّعى الماركسيون أنّ النظرية المستمدّة من التجربة والتطبيق فوق الخطأ والاشتباه ، اصطدموا بالواقع الذي لا يسع لأحد إنكاره ، وهو : أنّ كثيراً من النظريات العلمية ، بل القوانين التي توصّل إليها الإنسان عن طريق درس الظواهر المحسوسة ، قد ظهر خطؤها وعدم مطابقتها للواقع ، فسقطت عن عرشها العلمي بعد أن تربّعت عليه مئات السنين

وإذا كانت المفاهيم العلمية التجريبية قد تخطئ ، وكان المنطق العقلي ساقطاً من الحساب ، فكيف يُعلَن عن فلسفة يقينية ؟! أو تشاد مدرسة ذات صفة جزمية في أفكارها ؟!

٢٤٣

وقد أصرّت الماركسية على وضع التجربة مقياساً أعلى ، وتخلّصت من هذا المأزق بوضع قانون الحركة والتطوّر في العلوم والأفكار ؛ نظراً إلى أنّ الفكر جزء من الطبيعة ، وهو بهذا الاعتبار يحقّق قوانين الطبيعة كاملة ، فيتطوّر وينمو كما تتطوّر الطبيعة وليس التطوّر العلمي يعني سقوط المفهوم العلمي السابق ، وإنّما يعبّر عن حركة تكاملية في الحقيقة والمعرفة فالحقيقة والمعرفة هي الحقيقة والمعرفة ، غير أنّها تنمو وتتحرّك وتتصاعد بصورة مستمرّة

وهكذا قضى بذلك على جميع البدهيات والحقائق ؛ لأنّ كلّ فكر سائر في صراط التطوّر والتغيّر ، فليست توجد حقيقة ثابتة في دنيا الفكر مطلقاً ، ولا يؤمن على ما ندركه الآن من البديهيات ـ نظير إدراكنا : أنّ الكلّ أكبر من الجزء ، وأنّ ٢ + ٢ = ٤ ـ أن يكتسب شكلاً آخر في حركته التطوّرية ، فندرك الحقيقة عند ذاك على وجه آخر

ولمّا كانت الحركة التي وضعتها الماركسية كقانون للفكر وللطبيعة بصورة عامّة لا تنبثق إلاّ عن قوّة وسبب ، ولم تكن في العالم حقيقة إلاّ المادّة في زعمها ، فقد قالت : إنّ الحركة حصيلة تناقضات في المحتوى الداخلي للمادّة ، وإنّ هذه المتناقضات تتصارع فتدفع بالمادّة وتطوّرها ؛ ولهذا ألغت الماركسية مبدأ عدم التناقض ، واتّخذت من الديالكتيك طريقة لفهم العالم ، ووضعت مفهومها المادّي في إطاره وهكذا يتّضح : أنّ جميع الجوانب الفلسفية للمادّية الديالكتيكية ، مرتبطة بالنقطة المركزية (المفهوم المادّي) ، وقد صيغت لأجل تركيزها والحفاظ عليها وليس إسقاط البديهيات وجعلها عرضةً للتغيّر ، أو الإيمان بالتناقض واعتباره قانوناً عاماً للطبيعة ، وما إليها من النتائج الغريبة التي انتهت إليها الماركسية ، إلاّ تسلسلاً حتمياً للانطلاق الذي بدأ من المفهوم المادّي الماركسي ، وتبريراً له في المجال الفلسفي

٢٤٤

المفهوم الفلسفي للعالم / ٢

الديالكتيك أو الجدل

١- حركة التطوّر

٢- تناقضات التطوّر

٣- قفزات التطوّر

٤- الارتباط العامّ

٢٤٥

٢٤٦

إنّ الجدل كان يعني في المنطق الكلاسيكي طريقة خاصّة في البحث ، وأسلوباً من أساليب المناظرة التي تطرح فيها المتناقضات الفكرية ووجهات النظر المتعارضة بقصد أن تحاول كلّ واحدة منها أن تظهر ما في نقيضها من نقاط الضعف ومواطن الخطأ على ضوء المعارف المسلّمة والقضايا المعترف بها سلفاً وهكذا يقوم الصراع بين النفي والإثبات في ميدان البحث والجدل حتّى ينتهي إلى نتيجة تتقرّر فيها إحدى وجهات النظر المتصارعة ، أو تنبثق عن الصراع الفكري بين المتناقضات وجهة رأي جديدة توفّق بين الوجهات كلّها ، بعد إسقاط تناقضاتها ، وإفراز نقاط الضعف من كلّ واحدة منها

ولكنّ الجدل في الديالكتيك الجديد ، أو الجدل الجديد ، لم يعد منهجاً في البحث وأسلوباً لتبادل الآراء ، بل أصبح طريقة لتفسير الواقع ، وقانوناً كونياً عاماً ينطبق على مختلف الحقائق وألوان الوجود فالتناقض ليس بين الآراء ووجهات النظر فحسب ، بل هو ثابت في صميم كلّ واقع وحقيقة ، فما من قضية إلاّ وهي تنطوي في ذاتها على نقيضها ونفيها

وكان (هيجل) أوّل من أشاد منطقاً كاملاً على هذا الأساس ، فكان التناقض الديالكتيكي هو النقطة المركزية في ذلك المنطق ، والقاعدة الأساسية التي يقوم

٢٤٧

عليها فهم جديد للعالم ، وتنشأ [ بها ](١) نظرية جديدة نحوه ، تختلف كلّ الاختلاف عن النظرة الكلاسيكية التي اعتادها البشر منذ قُدّر له أن يدرِك ويفكّر

وليس (هيجل) هو الذي ابتدع أصول الديالكتيك ابتداعاً ، فإنّ لتلك الأصول جذوراً وأعماقاً في عدّة من الأفكار التي كانت تظهر بين حين وآخر على مسرح العقل البشري ، غير أنّها لم تتبلور على أسلوب منطق كامل واضح في تفسيره ونظرته ، محدّد في خططه وقواعده ، إلاّ على يد (هيجل) فقد أنشأ (هيجل) فلسفته المثالية كلّها على أساس هذا الديالكتيك ، وجعله تفسيراً كافياً للمجتمع والتاريخ والدولة وكلّ مظاهر الحياة ، وتبنّاه بعده (ماركس) فوضع فلسفته المادّية في تصميم ديالكتيكي خالص

فالجدل الجديد في زعم الديالكتيكيين قانون للفكر والواقع على السواء ؛ ولذلك فهو طريقة للتفكير ، ومبدأ يرتكز عليه الواقع في وجوده وتطوّره

قال لينين :

(فإذا كان ثمة تناقضات في أفكار الناس ؛ فذلك لأنّ الواقع الذي يعكسه فكرنا يحوي تناقضات فجدل الأشياء ينتج جدل الأفكار ، وليس العكس)(٢)

وقال ماركس :

(ليست حركة الفكر إلاّ انعكاساً لحركة الواقع ، منقولة ومحوّلة في مخ الإنسان)(٣)

والمنطق (الهيجلي) بما قام عليه من أساس الديالكتيك والتناقض ، يعتبر في النقطة المقابلة للمنطق الكلاسيكي ، أو المنطق البشري العامّ تماماً ؛ ذلك أنّ

____________________

(١) في الطبعة الأُولى : به ، والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه(لجنة التحقيق)

(٢) و (٣) المادّية والمثالية في الفلسفة : ٨٣

٢٤٨

المنطق العام يؤمن بمبدأ عدم التناقض ، ويعتبره المبدأ الأوّل الذي يجب أن تقوم كلّ معرفة على أساسه ، والمبدأ الضروري الذي لا يشذّ عنه شيء في دنيا الوجود ، ولا يمكن أن يبرهن على حقيقة مهما كانت لولاه

ويرفض المنطق (الهيجلي) هذا المبدأ كلّ الرفض ، ولا يكتفي بالتأكيد على إمكان التناقض ، بل يجعل التناقض ـ بدلاً عن سلبه ـ المبدأ الأوّل لكلّ معرفة صحيحة عن العالم ، والقانون العامّ الذي يفسّر الكون كلّه بمجموعة من التناقضات فكلّ قضية في الكون تعتبر إثباتاً ، وتثير نفيها في نفس الوقت ، ويأتلف الإثبات والنفي في إثبات جديد فالنهج المتناقض للديالكتيك أو الجدل الذي يحكم العالم ، يتضمّن ثلاث مراحل تُدعى : الأطروحة ، والطباق ، والتركيب وفي تعبير آخر : الإثبات ، والنفي ، ونفي النفي(١) وبحكم هذا النهج الجدلي يكون كلّ شيء مجتمعاً مع نقيضه ، فهو ثابت ومنفي ، وموجود ومعدوم في وقت واحد

وقد ادّعى المنطق (الهيجلي) أنّه قضى ـ بما زعمه للوجود من جدل ـ على الخطوط الرئيسية للمنطق الكلاسيكي ، وهي ـ في زعمه ـ كما يأتي :

أوّلاً- مبدأ عدم التناقض وهو يعني : أنّ الشيء الواحد لا يمكن أن يتّصف بصفة وبنقيض تلك الصفة في وقت واحد

ثانياً- مبدأ الهوية وهو المبدأ القائل : إنّ كلّ ماهية فهي ما هي بالضرورة ، ولا يمكن سلب الشيء عن ذاته

ثالثاً- مبدأ السكون والجمود في الطبيعة الذي يرى سلبية الطبيعة وثباتها ، وينفي الديناميكية عن دنيا المادّة

____________________

(١) Thesis ـ Antihesis ـ Synthesis

٢٤٩

فالمبدأ الأوّل لا موضع له في المنطق الجديد ما دام كلّ شيء قائماً في حقيقته على التناقض وإذا ساد التناقض كقانون عام ، فمن الطبيعي أن يسقط المبدأ الثاني للمنطق الكلاسيكي أيضاً ؛ فإنّ كلّ شيء تسلب عنه هويته في لحظة الإثبات بالذات ؛ لأنّه في صيرورة مستمرّة ، وما دام التناقض هو الجذر الأساسي لكلّ حقيقة ، فلا غرو فيما إذا كانت الحقيقة تعني شيئين متناقضين على طول الخطّ ولمّا كان هذا التناقض المركز في صميم كلّ حقيقة مثيراً لصراع دائم في جميع الأشياء ، والصراع يعني : الحركة والاندفاع ، فالطبيعة في نشاط وتطوّر دائم ، وفي اندفاعة وصيرورة مستمرّة

هذه هي الضربات التي زعم المنطق الديالكتيكي أنّه سدّدها إلى المنطق الإنساني العام ، والمفهوم المألوف للعالم الذي ارتكزت عليه الميتافيزيقية آلاف السنين

وتتلخّص الطريقة الجدلية لفهم الوجود في افتراض قضية أُولى ، وجعلها أصلاً ، ثمّ ينقلب هذا الأصل إلى نقيضه بحكم الصراع في المحتوى الداخلي بين المتناقضات ، ثمّ يأتلف النقيضان في وحدة ، وتصبح هذه الوحدة بدورها أصلاً ونقطة انطلاق جديد ، وهكذا يتكرّر هذا التطوّر الثلاثي تطوّراً لا نهاية له ولا حدّ ، يتسلسل مع الوجود ، ويمتدّ ما امتدّت ظواهره وحوادثه

وقد بدأ (هيجل) بالمفاهيم والمقولات العامّة ، فطبّق عليها الديالكتيك ، واستنبطها بطريقة جدلية قائمة على التناقض المتمثّل في الأطروحة ، والطباق ، والتركيب وأشهر ثواليثه في هذا المجال وأوّلها هو : الثالوث الذي يبدأ من أبسط تلك المفاهيم وأعمّها ، وهو : مفهوم الوجود فالوجود موجود ، وهذا هو الإثبات أو الأطروحة ، بيد أنّه ليس شيئاً ؛ لأنّه قابل لأن يكون كلّ شيء فالدائرة وجود ، والمربّع ، والأبيض ، والأسود ، والنبات ، والحجر ، كلّ هذا هو موجود فليس

٢٥٠

- إذن- شيئاً محدّداً ، وهو بالتالي ليس موجوداً ، وهذا هو الطباق الذي أثارته الأطروحة ، وهكذا حصل التناقض في مفهوم الوجود ، ويحلّ هذا التناقض في التركيب بين الوجود واللاوجود الذي ينتج موجوداً لا يوجد على التمام ، أي : صيرورة وحركة ، وهكذا ينتج أنّ الوجود الحقّ هو الصيرورة

هذا مثال سقناه لنوضّح كيف يتسلسل أبو الجدل الحديث في استنباط المفاهيم العامّة من الأعمّ إلى الأخصّ ، ومن الأكثر خواءً وضعفاً ، إلى الأكثر ثراءً والأقرب إلى الواقع الخارجي

وليس هذا الجدل في استنباط المفاهيم عنده إلاّ انعاكساً لجدل الأشياء بذاتها في الواقع ، فإذا استثارت فكرة من الأفكار فكرة مقابلة لها ، فلأنّ الواقع الذي تمثّله هذه الفكرة يتطلّب الواقع المضادّ(١)

ونظرة بسيطة على الأطروحة ، والطباق والتركيب ، في قضية الوجود التي هي أشهر ثواليثه ، تدلّنا بوضوح على أنّ (هيجل) لم يفهم مبدأ عدم التناقض حق الفهم حين ألغاه ، ووضع موضعه مبدأ التناقض ولا أدري كيف يستطيع (هيجل) أن يشرح لنا التناقض ، أو النفي والإثبات المجتمعين في مفهوم الوجود ؟ إنّ مفهوم الوجود مفهوم عام دون شكّ ، وهو لذلك قابل لأن يكون كلّ شيء ، قابل لأن يكون نباتاً أو جماداً ، أبيض أو أسود ، دائرة أو مربّعاً ولكن هل معنى هذا : أنّ هذه الأضداد والأشياء المتقابلة مجتمعة كلّها في هذا المفهوم ، ليكون ملتقىً للنقائض والأضداد ؟ طبعاً لا ؛ فإنّ اجتماع الأمور المتقابلة في موضوع واحد شيء ، وإمكان صدق مفهوم واحد عليها شيء آخر فالوجود مفهوم ليس فيه من نقائض

____________________

(١) انظر للتفصيل : زكريا إبراهيم ، هيجل ، أو المثاليّة المطلقة : ١٣٨ ـ ١٧٢ إمام عبد الفتّاح إمام : هيجل / ج ١ (= المنهج الجدلي عند هيجل)

٢٥١

السواد والبياض ، أو النبات والجماد شيء ، وإنّما يصحّ أن يكون هذا أو ذاك ، لا أنّه هو هذا وذاك معاً في وقت واحد(١)

ولندع مقولات هيجل ، لندرس الجدل الماركسي في خطوطه العريضة التي وضع تصميمها الأساسي هيجل نفسه

والخطوط الأساسية أربعة ، وهي : حركة التطوّر ، وتناقضات التطوّر ، وقفزات التطوّر ، والإقرار بالارتباط العام

____________________

(١) أضف إلى ذلك : أنّ هذا التناقض المزعوم في ثالوث الوجود ، يرتكز على خلط آخر بين فكرة الشيء ، والواقع الموضوعي لذلك الشيء ؛ فإنّ مفهوم الوجود ليس إلاّ عبارة عن فكرة الوجود في أذهاننا ، وهي غير الواقع الموضوعي للوجود وإذا ميّزنا بين فكرة الوجود وواقع الوجود زال التناقض ؛ فإنّ واقع الوجود معيّن ومحدود لا يمكن سلب صفة الوجود عنه مطلقاً ، وأمّا فكرتنا عن الوجود فهي ليست وجوداً واقعياً ، وإنّما هي المفهوم الذهني المأخوذ عنه (المؤلّف قدس‌سره )

٢٥٢

١- حركة التطوّر

قال ستالين :

(إنّ الديالكتيك ـ خلافاً للميتافيزية ـ لا يعتبر الطبيعة حالة سكون وجمود ، حالة ركود واستقرار ، بل يعتبرها حالة حركة وتغيّر دائمين ، حالة تجدّد وتطوّر لا ينقطعان ، ففيها دائماً شيء يولد ويتطوّر وشيء ينحلّ ويضمحلّ ولهذا تريد الطريقة الديالكتيكية أن لا يكتفى بالنظر إلى الحوادث من حيث علاقات بعضها ببعض ، ومن حيث تكييف بعضها لبعض بصورة متقابلة ، بل أن ينظر إليها ـ أيضاً ـ من حيث حركتها ، من حيث تغيّرها وتطوّرها ، من حيث ظهورها واختفائها)(١)

وقال أنجلز :

(ينبغي لنا ألاّ ننظر إلى العالم وكأنّه مركّب من أشياء ناجزة ، بل ينبغي أن ننظر إليه وكأنّه مركّب في أدمغتنا إنّ هذا المرور ينمّ عن تغيّر لا ينقطع من الصيرورة والانحلال ، حيث يشرق نهار النمو المتقدّم في النهاية رغم جميع الصدف الظاهرة والعودات إلى الوراء)(٢)

____________________

(١) المادّية الديالكتيكية والمادّية التاريخية : ١٦

(٢) هذه هي الديالكتيكية : ٩٧ ـ ٩٨

٢٥٣

فكلّ شيء خاضع لقوانين التطوّر والصيرورة ، وليس لهذا التطوّر أو الصيرورة حدّ يتوقّف عنده ؛ لأنّ الحركة هي المسألة اللامتناهية للوجود كلّه

ويزعم الديالكتيكيون أنّهم وحدهم الذين يعتبرون الطبيعة حالة حركة وتغيّر دائمين وينعون على المنطق الميتافيزيقي والأسلوب التقليدي للتفكير طريقة دراسته للأشياء وفهمها ؛ إذ يفترض الطبيعة في حالة سكون وجمود مطلقين ، فهو لا يعكس الطبيعة على واقعها المتطوّر المتحرّك فالفرق بين المنطق الجدلي الذي يعتقد في الطبيعة حركة دائمة وصاعدة أبداً ، والمنطق الشكلي ـ في زعمهم ـ كالفرق بين شخصين أرادا أن يسبرا أغوار كائن حيّ في شتّى أدواره ، فأجرى كلّ منهما تجاربه عليه ، ثمّ وقف أحدهما يراقب تطوّره وحركته المستمرّة ، ويدرسه على ضوء تطوّراته كلّها ، واكتفى الآخر بالتجربة الأُولى معتقداً أنّ ذلك الكائن جامد في كيانه ، ثابت في هويّته وواقعه فالطبيعة برمّتها شأنها شأن هذا الكائن الحيّ ، من النبات أو الحيوان في تطوّره ونموّه ، فلا يواكبها الفكر إلاّ إذا جاراها في حركتها وتطوّرها

والواقع : أنّ قانون التطوّر الديالكتيكي الذي يعتبره الجدل الحديث من مميّزاته الأساسية ليس شيئاً جديداً في الفكر الإنساني ، وإنّما الجديد طابعه الديالكتيكي الذي يجب نزعه عنه ، كما سنعرف فهو في حدوده الصحيحة ينسجم مع المنطق العامّ ، ولا صلة له بالديالكتيك ، ولا فضل للديالكتيك في اكتشافه ، فليس علينا لأجل أن نقبل هذا القانون ، ونعرف سبق الميتافيزيقا إليه ، إلاّ أن نجرّده عن قالب التناقض ، وأساس الجدل القائم عليه في عرف الديالكتيك

إنّ الميتافيزيقي في زعم الديالكتيكي يعقتد أنّ الطبيعة جامدة يخيّم عليها السكون ، وأنّ كلّ شيء فيها ثابت لا يتغيّر ولا يتبدّل ، كأنّ الميتافيزيقي المسكين قد حُرِم من كلّ ألوان الإدراك ، وسُلِب منه الشعور والحسّ معاً ، فأصبح لا يحسّ

٢٥٤

ولا يشعر بما يشعر به جميع الناس وحتّى الأطفال من ضروب التغيّر والتبدّل في دنيا الطبيعة

ومن الواضح لدى كلّ أحد : أنّ الإيمان بوجود التغيّر في عالم الطبيعة مسألة لا تحتاج إلى دراسات علمية سابقة ، وليست موضعاً لخلاف أو نقاش ، وإنّما الجدير بالدرس هو ماهية هذا التغيّر ، ومدى عمقه وعمومه ؛ فإنّ التغيّر نحوان : أحدهما التعاقب البحت ، والآخر الحركة والتاريخ الفلسفي يروي صراعاً حادّاً لا في مسألة التغيّر بصورة عامّة ، بل في كنهه وتفسيره الفلسفي الدقيق ويدور الصراع حول الجواب عن الأسئلة التالية :

هل التغيّر الذي يطرأ على الجسم حين يطوي مسافةً ما ، عبارة عن وقفات متعدّدة في أماكن متعدّدة تعاقبت بسرعة ، فتكوّنت في الذهن فكرة الحركة ؟ أو أنّ مردّ هذا التغيّر إلى سير واحد متدرّج لا وقوف فيه ولا سكون ؟ وهل التغيّر الذي يطرأ على الماء حين تتضاعف حرارته وتشتدّ ، يعني مجموعة من الحرارات المتعاقبة ، يتلو بعضها بعضاً ؟ أو أنّه يعبّر عن حرارة واحدة تتكامل وتتحرّك وتترقّى درجتها ؟

وهكذا نواجه هذا السؤال في كلّ لون من ألوان التغيّر التي تحتاج إلى شرح فلسفي بأحد الوجهين الذين يقدّمهما السؤال

والتاريخ الإغريقي يحدّث عن بعض المدارس الفلسفية : أنّها أنكرت الحركة ، وأخذت بالتفسير الآخر للتغيّر الذي يردّ التغيّر إلى تعاقب أمور ساكنة ومن رجالات تلك المدرسة (زينون) الذي أكّد على أنّ حركة المسافر من أقصى الأرض إلى أقصاها ليست إلاّ سلسلة من سكنّات متعاقبة فهو لا يتصوّر التدرج في الوجود والتكامل فيه ، بل يرى كلّ ظاهرة ثابتة ، وأنّ التغيّر يحصل بتعاقب الأمور الثابتة ، لا بتطوّر الأمر الواحد وتدرّجه وعلى هذا تكون حركة الإنسان

٢٥٥

في مسافة ما عبارة عن وقوفه في المنطقة الأولى من تلك المسافة ، فوقوفه في النقطة الثانية ، ففي الثالثة ، وهكذا فإذا رأينا شخصين أحدهما واقف في نقطة معيّنة ، والآخر يمشي نحو اتّجاه خاصّ ، فكلاهما في رأي (زينون) واقف ساكن ، غير أنّ الأوّل ساكن في نقطة معيّنة على طول الخطّ ، وأمّا الآخر فله سكنات متعدّدة ؛ لتعدّد النقاط التي يطويها ، وله في كلّ لحظة مكانيّة خاصّة ، وهو في كلّ تلك اللحظات لا يختلف مطلقاً عن الشخص الأوّل الواقف في نقطة معيّنة ، فهما معاً ساكنان ، وإن كان سكون الأوّل مستمرّاً ، وسكون الثاني يتبدّل بسرعة إلى سكون آخر في نقطة أخرى من المسافة فالاختلاف بينهما هو الاختلاف بين سكون قصير الأمد وسكون طويل الأمد

هذا ما كان يحاوله (زينون) وبعض فلاسفة الإغريق وقد برهن على وجهه نظره بالأدلّة الأربعة المشهورة عنه التي لم يقدّر لها النجاح والتوفيق في الميدان الفلسفي ؛ لأنّ مدرسة أرسطو ـ وهي المدرسة الفلسفية الكبرى في العهد الإغريقي ـ آمنت بالحركة ، وردّت على تلك الأدلّة وزيّفتها ، وبرهنت على وجود الحركة والتطوّر في ظواهر الطبيعة وصفاتها ، بمعنى : أنّ الظاهرة الطبيعية قد لا توجد على التمام في لحظة ، بل توجد على التدريج وتستنفذ إمكاناتها شيئاً فشيئاً ، وبذلك يحصل التطوّر ويوجد التكامل فالماء حين تتضاعف حرارته لا يعني ذلك : أنّه في كلّ لحظة يستقبل حرارة بدرجة معيّنة ، توجد على التمام ثمّ تُفنى وتُخلق من جديد حرارة أخرى بدرجة جديدة ، بل محتوى تلك المضاعفة : أنّ حرارة واحدة وجدت في الماء ، ولكنّها لم توجد على التمام ، بمعنى : أنّها لم تستنفذ في لحظتها الأُولى كلّ طاقاتها وإمكاناتها ، ولذلك أخذت تستنفذ إمكاناتها بالتدريج ، وتترقّى بعد ذلك وتتطوّر وبالتعبير الفلسفي : أنّها حركة مستمرّة متصاعدة.

٢٥٦

ومن الواضح : أنّ التكامل ـ أو الحركة التطوّرية ـ لا يمكن أن يُفهم إلاّ على هذا الأساس ، وأمّا تتابع ظواهر متعدّدة يوجد كلّ واحدة منها بعد الظاهرة السابقة ، وتفسح المجال بفنائها لظاهرة جديدة ، فليس هذا نموّاً وتكاملاً ، وبالتالي ليس حركة ، وإنّما هو لون من التغيّر العامّ

فالحركة سير تدريجي للوجود ، وتطوّر للشيء في الدرجات التي تتّسع لها إمكاناته ؛ ولذلك حدّد المفهوم الفلسفي للحركة بأنّها خروج الشيء من القوّة إلى الفعل تدريجياً(١)

ويتركز هذا التحديد على الفكرة التي قدّمناها عن الحركة ، فإنّ الحركة ـ كما عرفنا ـ ليست عبارة عن فناء الشيء فناءً مطلقاً ووجود شيء آخر جديد ، وإنّما هي تطوّر الشيء في درجات الوجود فيجب ـ إذن ـ أن تحتوي كلّ حركة على وجود واحد مستمرّ منذ تنطلق إلى أن تتوقّف ، وهذا الوجود هو الذي يتحرّك ، بمعنى : أنّه يتدرّج ويثرى بصورة مستمرّة ، وكلّ درجة تعبّر عن مرحلة من مراحل ذلك الوجود الواحد ، وهذه المراحل إنّما توجد بالحركة ، فالشيء المتحرّك أو الوجود المتطوّر لا يملكها قبل الحركة وإلاّ لما وجدت حركة ، بل هو في لحظة الانطلاق يتمثّل لنا في قوىً وإمكانات ، وبالحركة تستنفذ تلك الإمكانات ، ويُستبدَل في كلّ درجة من درجات الحركة الإمكانُ بالواقع والقوّةُ بالفعليّة

فالماء قبل وضعه على النار لا يملك من الحرارة المحسوسة إلاّ إمكانها ، وهذا الإمكان الذي يملكه ليس إمكاناً لدرجة معيّنة من الحرارة ، بل هي بجميع درجاتها ـ التي تؤدّي إلى الحالة الغازية في النهاية ـ ممكنة للماء ، وحين يبدأ

____________________

(١) القوّة : عبارة عن إمكان الشيء ، والفعل : عبارة عن وجوده حقيقة (المؤلّف قدس‌سره )

٢٥٧

الماء بالانفعال والتأثّر بحرارة النار تبدأ حرارته بالحركة والتطوّر ، بمعنى : أنّ القوى والإمكانات التي كانت تملكها تتبدّل إلى حقيقة ، والماء في كلّ مرحلة من مراحل الحركة يخرج من إمكان إلى فعلية ، ولذلك تكون القوّة والفعلية متشابكتين في جميع أدوار الحركة ، وفي اللحظة التي تستنفذ جميع الإمكانات تقف الحركة

فالحركة ـ إذن ـ في كلّ مرحلة ذات لونين : فهي من ناحية فعلية وواقعية ؛ لأنّ الدرجة التي تسجّلها المرحلة موجودة بصورة واقعية وفعلية ومن ناحية أخرى هي إمكان وقوّة للدرجات الأخرى الصاعدة التي ينتظر من الحركة أن تسجّلها في مراحلها الجديدة فالماء في مثالنا إذا لاحظناه في لحظة معيّنة من الحركة ، نجد أنّه ساخن بالفعل بدرجة ثمانين مثلاً ، ولكنّه في نفس الوقت ينطوي على إمكان تخطّي هذه الدرجة ، وقوّة تطوّر للحرارة إلى أعلى ففعلية كلّ درجة في مرحلتها الخاصّة مقارنة لقوّة فنائها

ولنأخذ مثالاً أعمق للحركة ، وهو الكائن الحيّ الذي يتطوّر بحركة تدريجية ، فهو بويضة ، فنطفة ، فجنين ، فطفل ، فمراهق ، فراشد إنّ هذا الكائن في مرحلة محدودة من حركته هو نطفة بالفعل ، ولكنّه في نفس الوقت شيء آخر مقابل للنطفة وأرقى منها ، فهو جنين بالقوّة ، ومعنى هذا : أنّ الحركة في هذا الكائن قد ازدوجت فيها الفعلية والقوّة معاً فلو لم يكن في الكائن الحيّ قوّة درجة جديدة وإمكاناتها لما وجدت حركة ، ولو لم يكن شيئاً من الأشياء بالفعل لكان عدماً محضاً ، فلا توجد حركة أيضاً فالتطوّر يأتلف دائماً من شيء بالفعل وشيء بالقوّة وهكذا تستمرّ الحركة ما دام الشيء يحتوي على الفعلية والقوّة معاً ، على الوجود والإمكان معاً ، فإذا نفذ الإمكان ، ولم تبقَ في الشيء طاقة على درجة جديدة ، انتهى عمر الحركة

هذا هو معنى خروج الشيء من القوّة إلى الفعل تدريجاً ، أو تشابك القوّة

٢٥٨

والفعل أو اتّحادهما في الحركة

وهذا هو المفهوم الفلسفي الدقيق الذي تعطيه الفلسفة الميتافيزيقية للحركة ، وقد أخذته المادّية الديالكتيكية فلم تفهمه ولم تتبيّنه على وجهه الصحيح ، فزعمت أنّ الحركة لا تتمّ إلاّ بالتناقض ، التناقض المستمرّ في صميم الأشياء ، كما سوف نعرف عن قريب

وجاء بعد ذلك دور الفلسفة الإسلامية على يد الفيلسوف الإسلامي الكبير (صدر الدين الشيرازي) ، فوضع نظرية الحركة العامّة ، وبرهن فلسفياً على أنّ الحركة بمفهومها الدقيق الذي عرضناه ، لا تمسّ ظواهر الطبيعة وسطحها العرضي فحسب ، بل الحركة في تلك الظواهر ليست إلاّ جانباً من التطوّر يكشف عن جانب أعمق ، وهو التطوّر في صميم الطبيعة وحركتها الجوهرية ؛ ذلك أنّ الحركة السطحية في الظواهر لمّا كان معناها التجدّد والانقضاء ، فيجب لهذا أن تكون علّتها المباشرة أمراً متجدّداً غير ثابت الذات أيضاً ؛ لأنّ علّة الثابت ثابتة ، وعلّة المتغيّر المتجدّد متغيّرة متجدّدة ، فلا يمكن أن يكون السبب المباشر للحركة أمراً ثابتاً ، وإلاّ لم تنعدم أجزاء الحركة ، بل تصبح قراراً وسكوناً(١)

____________________

(١) ويتلخّص الاستدلال الرئيسي على الحركة الجوهرية بالأمرين التاليين :

الأوّل : أنّ العلّة المباشر للحركات العرضية والسطحية في الأجسام ـ من الميكانيكية والطبيعية ـ قوّة خاصّة قائمة بالجسم ، وهذا المعنى صادق حتّى على الحركات الآلية التي يبدو لأوّل وهلة أنّها منبثقة عن قوّة منفصلة ، كما إذا دفعت بجسم في خطّ أُفقي أو عمودي ، فإنّ المفهوم البدائي من هذه الحركة أنّها معلولة للدفعة الخارجية والعامل المنفصل ، ولكنّ الواقع غير هذا ؛ فإنّ العامل الخارجي لم يكن إلاّ شرطاً من شروط الحركة وأمّا المحرّك الحقيقي فهو : القوّة القائمة بالجسم ، ولأجل ذلك كانت الحركة تستمرّ بعد انفصال الجسم

(*)

٢٥٩

.............................................

____________________

(*)

المتحرّك عن الدفعة الخارجية والعامل المنفصل ، وكان الجهاز الميكانيكي المتحرّك يسير مقداراً ما بعد بطلان العامل الآلي المحرّك ، وعلى هذا الأساس وضع الميكانيك الحديث قانون القصور الذاتي القائل : إنّ الجسم إذا حُرِّك استمرّ في حركته ما لم يمنعه شيء خارجي عن مواصلة نشاطه الحركي غير أنّ هذا القانون أسيء استخدامه ؛ إذ اعتبر دليلاً على أنّ الحركة حين تنطلق لا تحتاج بعد ذلك إلى سبب خاصّ وعلّة معيّنة ، واتّخذ أداة للردّ على مبدأ العلّية وقوانينها

ولكنّ الصحيح : أنّ التجارب العلمية في الميكانيك الحديث ، إنّما تدلّ على أنّ العامل الخارجي المنفصل ليس هو العلّة الحقيقية للحركة ، وإلاّ لما استمرّت حركة الجسم بعد انفصال الجسم المتحرّك عن العامل الخارجي المستقلّ ويجب لهذا أن تكون العلّة المباشرة للحركة قوّة قائمة بالجسم ، وأن تكون العوامل الخارجية شرائط ومثيرات لتلك القوّة

الثاني : أنّ المعلول يجب أن يكون مناسباً للعلّة في الثبات والتجدّد ، فإذا كانت العلّة ثابتة كان المعلول ثابتاً ، وإذا كان المعلول متجدّداً ومتطوّراً كانت العلّة متجدّدة ومتطوّرة ومن الضروري على هذا الضوء أن تكون علّة الحركة متحرّكة ومتجدّدة ، طبقاً لتجدّد الحركة وتطوّرها نفسها ؛ إذ لو كانت علّة الحركة ثابتة ومستقرّة ، لكان كلّ ما يصدر منها ثابتاً ومستقرّاً ، فتعود الحركة سكوناً واستقراراً ، وهو يناقض معنى الحركة والتطوّر

وعلى أساس هذين الأمرين نستنتج :

أوّلاً : أنّ القوّة القائمة بالجسم والمحرّكة له ، قوّة متحرّكة ومتطوّرة ، فهذه القوّة بسبب تطوّرها تكون علّة للحركات العرضية والسطحية جميعاً ، وهي قوّة جوهرية ؛ إذ لا بدّ أن تنتهي إلى قوّة جوهرية ؛ لأنّ العرض يتقوّم بالجوهر وهكذا ثبتت الحركة الجوهرية في الطبيعة

ثانياً : أنّ الجسم يأتلف دائماً من مادّة تعرضها الحركات ، وقوّة جوهرية متطوّرة ،

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

العلماء بشرعك الزهاد ، ومصابيح الظلم ، وينابيع الحكم ، وأولياءالنعم ، وعصم الأمم ، قرناء التنزيل وآياته ، وامناء التأويل وولاته ،وتراجمة الوحي ودلالاته ، أئمة الهدى ، ومنار الدجى ، وأعلام التقى ،وكهوف الورى ، وحفظة الاسلام ، وحججك على جميع الأنام.

الحسن والحسين ، سيدي شباب أهل الجنة ، وسبطي نبي الرحمةوعلي بن الحسين السجاد زين العابدين ، ومحمد بن علي باقر علمالدين ، وجعفر بن محمد الصادق الأمين ، وموسى بن جعفر الكاظمالحليم ، وعلي بن موسى الرضا الوفي ، ومحمد بن علي البر التقي ،وعلي بن محمد المنتجب الرضي ، والحسن بن علي الهادي الزكي(١) ،والحجة بن الحسن صاحب العصر والزمان ، وصي الأوصياء وبقيةالأنبياء ، المستتر عن خلقك ، والمؤمل لاظهار حقك ، المهدي المنتظر ،والقائم الذي به ينتصر.

اللهم صل عليهم أجمعين ، صلاة باقية في العالمين ، تبلغهم بهاأفضل محل المكرمين ، اللهم ألحقهم في الاكرام بجدهم وأبيهم ، وخذلهم الحق من ظالميهم.

اشهد يا موالي أنكم المطيعون لله ، القوامون بأمره ، العاملونبإرادته ، الفائزون بكرامته ، اصطفاكم بعلمه ، واجتباكم لغيبه ، واختاركملسره ، وأعزكم بهداه ، وخصكم ببراهينه ، وأيدكم بروحه ، ورضيكم

__________________

(١) الزكي ، الرضي ( خ ل ).

٥٦١

خلفاء في ارضه ، ودعاة إلى حقه ، وشهداء على خلقه ، وأنصارا لدينهوحججا على بريته ، وتراجمة لوحيه ، وخزنة لعلمه ، ومستودعالحكمته ، عصمكم الله من الذنوب ، وبرأكم من العيوب ، وائتمنكمعلى الغيوب.

زرتكم يا موالي عارفا بحقكم ، مستبصرا بشأنكم ، مهتديا بهداكم ،مقتفيا لأثركم ، متبعا لسنتكم ، متمسكا بولايتكم ، معتصما بحبلكم ،مطيعا لأمركم ، مواليا لأوليائكم ، معاديا لأعدائكم ، عالما بأن الحق فيكمومعكم ، متوسلا إلى الله بكم ، مستشفعا إليه بجاهكم ، وحق عليه أنلا يخيب سائله ، والراجي ما عنده لزواركم ، والمطيعين لأمركم.

اللهم فكما وفقتني للايمان بنبيك ، والتصديق لدعوته ، ومننتعلي بطاعته واتباع ملته ، وهديتني إلى معرفته ، ومعرفة الأئمة منذريته ، وأكملت بمعرفتهم الايمان ، وقبلت بولايتهم وطاعتهم الأعمال ،واستعبدت بالصلاة عليهم عبادك ، وجعلتهم مفتاحا للدعاء ، وسبباللإجابة ، فصل عليهم أجمعين ، واجعلني بهم عندك وجيها في الدنياوالآخرة ومن المقربين.

اللهم اجعل ذنوبنا بهم مغفورة ، وعيوبنا مستورة ، وفرائضنامشكورة ، ونوافلنا مبرورة ، وقلوبنا بذكرك معمورة ، وأنفسنا بطاعتكمسرورة ، وجوارحنا على خدمتك مقهورة ، وأسمائنا في خواصكمشهورة ، وأرزاقنا من لدنك مدرورة ، وحوائجنا لديك ميسورة ،

٥٦٢

برحمتك يا ارحم الراحمين

اللهم أنجز لهم وعدهم(١) ، وطهر بسيف قائمهم أرضك ، وأقم بهحدودك المعطلة ، وأحكامك المهملة والمبدلة ، وأحيي به القلوبالميتة ، واجمع به الأهواء المتفرقة ، وأجل به صداء الجور عن طريقتك ،حتى يظهر الحق على يديه في أحسن صورته ، ويهلك الباطل وأهلهبنور دولته ، ولا يستخفي بشئ من الحق مخافة أحد من الخلق.

اللهم عجل فرجهم ، وأظهر فلجهم ، واسلك بنا منهجهم ، وأمتناعلى ولايتهم ، واحشرنا في زمرتهم ، وتحت لوائهم ، وأوردنا حوضهم ،واسقنا بكأسهم ، ولا تفرق بيننا وبينهم ، ولا تحرمنا شفاعتهم ، حتى نظفربعفوك وغفرانك ، ونصير إلى رحمتك ورضوانك ، إله الحق ربالعالمين.

يا قريب الرحمة من المؤمنين ، ونحن أولئك ، حقا لا ارتيابا ، يا منإذا أوحشنا التعرض لغضبه آنسنا حسن الظن به ، فنحن واثقون بين رغبةورهبة ارتقابا ، قد أقبلنا لعفوك ومغفرتك طلابا ، وأذللنا لقدرتكوعزتك رقابا ، فصل على محمد وآله الطاهرين ، واجعل دعاءنا بهممستجابا ، وولاءنا لهم من النار حجابا.

اللهم بصرنا قصد السبيل لنعتمده ، ومورد الرشد لنرده ، وبدلخطايانا صوابا ، ولا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ، وهب لنا من لدنك رحمة ،

__________________

(١) وعدك ( خ ل ).

٥٦٣

يا من تسمى من جوده وكرمه وهابا ، وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرةحسنة ، وقنا عذاب النار ، إن حقت علينا اكتسابا ، برحمتك يا أرحمالراحمين ، وأنت حسبنا ونعم الوكيل(١) .

باب الوداع لسائر الأئمةعليهم‌السلام ، تقول :

السلام عليكم يا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ، سلام مودع ،لا سئم ولا قال ورحمة الله وبركاته انه حميد مجيد ، سلام ولي غيرراغب عنكم ، ولا مستبدل بكم ، ولا مؤثر عليكم ، ولا زاهد في قربكم ،لا جعله الله اخر العهد من زيارة قبوركم واتيان مشاهدكم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وحشرني الله في زمرتكم ،وأوردني حوضكم ، وجعلني من حزبكم ، وأرضاكم عني ، ومكنني فيدولتكم ، وأحياني في رجعتكم ، وملكني في أيامكم ، وشكر سعييبكم ، وغفر ذنبي بشفاعتكم ، وأقال عثرتي بمحبتكم ، واعلى كعبيبموالاتكم ، وشرفني بطاعتكم ، واعزني بهداكم ، وجعلني ممن ينقلبمفلحا منجحا غانما ، معافا غنيا ، فائزا برضوان الله وفضله وكفايته ،بأفضل ما ينقلب به أحد من زواركم ومواليكم ، ومحبيكم وشيعتكم ،ورزقني الله العود ثم العود ابدا ما أبقاني ، بنية صادقة ، وايمان وتقوىواخبات ، ورزق واسع حلال طيب.

__________________

(١) رواه السيد في مصباح الزائر : ٢٤٦ ، عنه البحار ١٠٢ : ١٧٨.

٥٦٤

اللهم لا تجعله اخر العهد من زيارتهم وذكرهم والصلاة عليهموأوجب لي المغفرة والرحمة ، والخير والبركة ، والفوز والايمانوحسن الإجابة ، كما أوجبت لأوليائك العارفين بحقهم ، الموجبينطاعتهم ، والراغبين في زيارتهم ، المقربين إليك واليهم.

بابي أنتم وأمي ونفسي وأهلي اجعلوني في همكم ، وصيرونيفي حزبكم ، وأدخلوني في شفاعتكم ، واذكروني عند ربكم ، اللهم صلعلى محمد وال محمد وأبلغ أرواحهم وأجسادهم مني السلام ،والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(١) .

٢ ـ زيارة أخرى مختصرة جامعة ، ويجزيك في جميع المشاهدعلى ساكنها السلام ، ان تقول :

السلام على أولياء الله وأصفيائه ، السلام على أمناء الله وأحبائه ،السلام على أنصار الله وخلفائه ، السلام على محال معرفة الله ، السلامعلى معادن حكمة الله ، السلام على مساكن ذكر الله ، السلام على عبادالله المكرمين الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون.

السلام على مظاهري أمر الله ونهيه ، السلام على الادلاء على الله ،السلام على المستقرين في مرضات الله ، السلام على الممحصين فيطاعة الله.

__________________

(١) رواه الصدوق في العيون ٢ : ٢٧٢ ، عنه البحار ١٠٢ : ١٣٣.

٥٦٥

السلام على الذين من والاهم فقد والى الله ، ومن عاداهم فقد عادالله ، ومن عرفهم فقد عرف الله ، ومن جهلهم فقد جهل الله ، ومناعتصم بهم فقد اعتصم بالله ، ومن تخلى منهم فقد تخلى من الله.

اشهد الله اني سلم لمن سالمكم ، وحرب لمن حاربكم ، مؤمن بماامنتم به ، كافر بما كفرتم به ، محقق لما حققتم ، مبطل لما أبطلتم ، مؤمنبسركم وعلانيتكم ، مفوض في ذلك كله إليكم ، لعن الله عدوكم منالجن والإنس ، وضاعف عليه العذاب الأليم(١) .

الباب (٩)

زيارة مولانا الخلف الصالح صاحب الزمان عليه وعلى آبائه السلام

حدثنا الشيخ الأجل الفقيه العالم أبو محمد عربي بن مسافر العباديرضي‌الله‌عنه قراءة عليه بداره بالحلة السيفية في شهر ربيع الأول سنة

__________________

(١) رواه الكليني في الكافي ٤ : ٥٧٨ ، باسناده عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ،عن هارون بن مسلم ، عن علي بن حسان ، عن الرضا ، عن أبيهعليهما‌السلام ، عنه الشيخ في التهذيب٦ : ١٠٢.

ذكره ابن قولويه في الكامل : ٥٢٢ ، باسناده عن محمد بن الحسين بن مت الجوهري ، عنمحمد بن أحمد بن يحيى بن عمران ، عن هارون بن مسلم ، عن علي بن حسان ، عن الرضا عليه‌السلام ،عنه البحار ١٠ : ٤٣١ ، ١٠٢ : ١٢٦ ، المستدرك ١٠ : ٣٥٤.

أخرجه الصدوق في العيون ٢ : ٢٧١ ، باسناده عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، عنمحمد بن الحسن الصفار ، عن علي بن حسان ، عن الرضا عليه‌السلام ، عنه البحار ١٠٢ : ١٢٦.

أورده في الفقيه ٢ : ٦٠٨ عن علي بن حسان ، عن الرضا عليه‌السلام .

٥٦٦

ثلاث وسبعين وخمسمائة ، وحدثني الشيخ العفيف أبو البقاء هبة الله بننماء بن علي بن حمدونرحمه‌الله قراءة عليه أيضا بالحلة السيفية ، قالاجميعا : حدثنا الشيخ الأمين أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بنعلي بن طحال المقداديرحمه‌الله بمشهد مولانا أمير المؤمنين علي بنأبي طالب صلوات الله عليه في الطرز الكبير الذي عند رأس الإمامعليه‌السلام في العشر الأواخر من ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وخمسمائة ، قال :حدثنا الشيخ الأجل السيد المفيد أبو علي الحسن بن محمد الطوسيرضي‌الله‌عنه بالمشهد المذكور في العشر الأواخر من ذي العقدة سنةتسع وخمسمائة ، قال : حدثنا السيد السعيد الوالد أبو جعفر محمد بنالحسن الطوسيرضي‌الله‌عنه ، عن محمد بن إسماعيل ، عن محمد بناشناس البزاز ، قال : أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن يحيى القمي ،قال : حدثنا محمد بن علي بن زنجويه القمي ، قال : حدثنا أبو جعفرمحمد بن عبد الله بن جعفر الحميري ، قال :

قال أبو علي الحسن بن اشناس ، وأخبرنا أبو المفضل محمد بنعبد الله الشيباني ان أبا جعفر محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري اخبرهوأجاز له جميع ما رواه ، انه خرج إليه من الناحية ، حرسها الله ، بعدالمسائل والصلاة والتوجه ، أوله :

بسم الله الرحمن الرحيم ، لا لأمر الله تعقلون ، ولا من أوليائه تقبلون ،حكمة بالغة عن قوم لا يؤمنون ، والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

٥٦٧

فإذا أردتم التوجه بنا إلى الله تعالى والينا ، فقولوا كما قال اللهتعالى :( سلام على ال يس ) (١) ، ذلك هو الفضل المبين ، والله ذو الفضلالعظيم ، لمن يهديه صراطه المستقيم.

التوجه :

قد اتاكم الله يا ال يس خلافته وعلم مجاري امره ، فيما قضاهودبره ، واراده في ملكوته ، وكشف لكم الغطاء ، وأنتم خزنته وشهداؤه ،وعلماؤه وامناؤه ، وساسة العباد وأركان البلاد ، وقضاة الاحكام ،وأبواب الايمان.

ومن تقديره منائح العطاء بكم انفاذه محتوما مقرونا ، فما شئ منهالا وأنتم له السبب واليه السبيل ، خياره لوليكم نعمة ، وانتقامه منعدوكم سخطة ، فلا نجاة ولا مفزع الا أنتم ، ولا مذهب عنكم ، يا أعينالله الناظرة ، وحملة معرفته ، ومساكن توحيده في ارضه وسمائه.

وأنت يا حجة الله وبقيته ، كمال نعمته ، ووارث أنبيائه وخلفائه مابلغناه من دهرنا ، وصاحب الرجعة لوعد ربنا التي فيها دولة الحقوفرجنا ، ونصر الله لنا وعزنا.

السلام عليك أيها العلم المنصوب ، والعلم المصبوب ، والغوثوالرحمة الواسعة ، وعدا غير مكذوب ، السلام عليك يا صاحب المرأى

__________________

(١) الصافات : ١٣٠.

٥٦٨

والمسمع(١) الذي بعين الله مواثيقه ، وبيد الله عهوده ، وبقدرة اللهسلطانه.

أنت الحكيم الذي لا تعجله العصبية ، والكريم الذي لا تبخلهالحفيظة(٢) ، والعالم الذي لا تجهله الحمية ، مجاهدتك في الله ذات مشيةالله ، ومقارعتك في الله ذات انتقام الله ، وصبرك في الله ذو أناة الله ،وشكرك لله ذو مزيد الله ورحمته.

السلام عليك يا محفوظا بالله ، الله نور امامه وورائه ، ويمينهوشماله ، وفوقه وتحته ، السلام عليك يا مخزونا(٣) في قدرة الله ، الله نورسمعه وبصره ، السلام عليك يا وعد الله الذي ضمنه ، ويا ميثاق اللهالذي اخذه ووكده ، السلام عليك يا داعي الله ورباني آياته ، السلامعليك يا باب الله وديان دينه.

السلام عليك يا خليفة الله وناصر حقه ، السلام عليك يا حجة اللهودليل ارادته ، السلام عليك يا تالي كتاب الله وترجمانه ، السلام عليكفي اناء ليلك ونهارك ، السلام عليك يا بقية الله في ارضه.

السلام عليك حين تقوم ، السلام عليك حين تقعد ، السلام عليكحين تقرأ وتبين ، السلام عليك حين تصلي وتقنت ، السلام عليك حين

__________________

(١) اي الذي يرى الخلائق ويسمع كلامهم من غير أن يروه.

(٢) الحفيظة : الحمية والغضب والذب عن المحارم.

(٣) محروزا ( خ ل ).

٥٦٩

تركع وتسجد ، السلام عليك حين تعوذ وتسبح ، السلام عليك حينتهلل وتكبر.

السلام عليك حين تحمد وتستغفر ، السلام عليك حين تمجدوتمدح ، السلام عليك حين تمسي وتصبح ، السلام عليك في الليل إذايغشى والنهار إذا تجلى ، السلام عليك في الآخرة والأولى.

السلام عليكم يا حجج الله ورعاتنا ، وقادتنا وأئمتنا ، وسادتناوموالينا ، السلام عليكم أنتم نورنا ، وأنتم جاهنا أوقات صلواتنا ،وعصمتنا لدعائنا وصلاتنا ، وصيامنا واستغفارنا ، وسائر أعمالنا.

السلام عليك أيها الامام المأمول ، السلام عليك بجوامع السلام ،أشهدك يا مولاي اني اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداعبده ورسوله ، لا حبيب الا هو وأهله ، وان أمير المؤمنينحجته ، وان الحسن حجته ، وان الحسين حجته ، وان علي بن الحسينحجته ، وان محمد بن علي حجته ، وان جعفر بن محمد حجته ، وانموسى بن جعفر حجته ، وان علي بن موسى حجته ، وان محمد بن عليحجته ، وان علي بن محمد حجته ، وان الحسن بن علي حجته ، وأنتحجته ، وان الأنبياء دعاة وهداة رشدكم.

أنتم الأول والاخر وخاتمته ، وان رجعتكم حق لا شك فيها ، يوملا ينفع نفسا ايمانها لم تكن امنت من قبل أو كسبت في ايمانها خيرا ،وان الموت حق ، وان منكرا ونكيرا حق ، وان النشر حق ، والبعث حق ،

٥٧٠

وان الصراط حق والمرصاد حق ، وان الميزان حق ، والحساب حق ، وانالجنة والنار حق ، والجزاء بهما للوعد والوعيد حق ، وانكم للشفاعةحق ، لا تردون ، ولا تسبقون بمشية الله ، وبامره تعملون.

ولله الرحمة والكلمة العليا ، وبيده الحسنى ، وحجة اللهالنعمى ، خلق الجن والإنس لعبادته ، أراد من عباده عبادته ، فشقيوسعيد ، قد شقي من خالفكم ، وسعد من أطاعكم.

وأنت يا مولاي فاشهد بما أشهدتك عليه ، تخزنه وتحفظه ليعندك ، أموت عليه وانشر عليه ، واقف به وليا لك ، بريئا من عدوك ، ماقتالمن أبغضكم ، وادا لمن أحبكم ، فالحق ما رضيتموه ، والباطل ماأسخطتموه ، والمعروف ما أمرتم به ، والمنكر ما نهيتم عنه ، والقضاءالمثبت ما استأثرت به مشيتكم ، والمحو ما لا استأثرت به سنتكم.

فلا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ومحمد عبده ورسوله ، عليأمير المؤمنين حجته ، الحسن حجته ، الحسين حجته ، علي حجته ، محمدحجته ، جعفر حجته ، موسى حجته ، علي حجته ، محمد حجته ، عليحجته ، الحسن حجته ، وأنت حجته ، وأنتم حججه وبراهينه.

انا يا مولاي مستبشر بالبيعة التي اخذ الله علي ، شرطه قتالا فيسبيله ، اشترى به أنفس المؤمنين ، فنفسي مؤمنة بالله وبكم يا مولاي ،أولكم وآخركم ، ونصرتي لكم معدة ، ومودتي خالصة لكم ، وبراءتي من

٥٧١

أعدائكم ، أهل الحردة(١) والجدال ثابتة لثاركم ، آنا ولي وحيد(٢) والله الهالحق يجعلني كذلك ، امين امين ، من لي الا أنت فيما دنت ، واعتصمتبك فيه ، تحرسني فيما تقربت به إليك ، يا وقاية الله وستره وبركته ،أغثني أدركني ، صلني بك ولا تقطعني.

اللهم إليك بهم توسلي وتقربي ، اللهم صل على محمد والهوصلني بهم ولا تقطعني ، اللهم بحجتك اعصمني ، وسلامك على اليس مولاي ، أنت الجاه عند الله ربك وربي.

الدعاء بعقب القول :

اللهم إني أسألك باسمك الذي خلقته من كلك ، فاستقر فيكفلا يخرج منك إلى شئ ابدا ، ايا كينون ايا مكون ، ايا متعال ايا متقدس ،ايا مترحم ايا مترائف ، ايا متحنن.

أسألك كما خلقته غضا ان تصلي على محمد نبي رحمتك ،وكلمة نورك ، ووالد هداة رحمتك ، واملأ قلبي نور اليقين ، وصدرينور الايمان ، وفكري نور الثبات ، وعزمي نور التوفيق ، وذكائي نورالعلم ، وقوتي نور العمل ، ولساني نور الصدق ، وديني نور البصائر منعندك ، وبصري نور الضياء ، وسمعي نور وعي الحكمة ، ومودتي نور

__________________

(١) حرد عليه : غضب.

(٢) وجيه ( خ ل ).

٥٧٢

الموالاة لمحمد والهعليهم‌السلام ، ونفسي(١) نور قوة البراءة من أعداءال محمد.

حتى ألقاك وقد وفيت بعهدك وميثاقك ، فلتسعني رحمتك يا ولييا حميد ، بمرآك ومسمعك يا حجة الله دعائي ، فوفني منجزات إجابتي ،اعتصم بك ، معك معك سمعي ورضاي(٢) .

٢ ـ الدعاء للندبة :

قال محمد بن أبي قرة : نقلت من كتاب أبي جعفر محمد بن الحسينابن سفيان البزوفريرضي‌الله‌عنه هذا الدعاء ، وذكر فيه انه الدعاءلصاحب الزمان صلوات الله عليه وعجل فرجه وفرجنا به ، ويستحب انيدعى به في الأعياد الأربعة :

__________________

(١) يقيني ( خ ل ).

(٢) عنه البحار ٥٣ : ١٧٣ ، ١٠٢ : ٩٦.

رواه الطبرسي في الاحتجاج ٢ : ٤٩٢ ، باسناده عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري ،عنه البحار ٥٣ : ١٧١ ، ٩٤ : ٢ ، ١٠٢ : ٨١.

أورده مع اختلاف السيد في مصباح الزائر ٢٢٣ ، عنه البحار ١٠٢ : ٩٢.

أخرجه في البحار ٩٤ : ٣٦ مع اختلاف عن خط الشيخ الجبعي ، نقلا عن خط الشيخ الأجلعلي بن السكون ، عن أبي محمد عربي بن مسافر العبادي ، عن أبي عبد الله الحسين بن أحمد بنطحال المقدادي ، عن أبي علي الطوسي ، عن والده ، عن محمد بن إسماعيل ، عن محمد بنحسين البزار ، عن محمد بن أحمد بن يحيى القمي ، عن محمد بن علي بن زنجويه القمي ، عنالحميري.

٥٧٣

الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد نبيه والهوسلم تسليما.

اللهم لك الحمد على ما جرى به قضاؤك في أوليائك ، الذيناستخلصتهم لنفسك ودينك ، إذ اخترت لهم جزيل ما عندك من النعيم(١) المقيم ، الذي لا زوال له ولا اضمحلال ، بعد أن شرطت عليهم الزهد فيزخارف هذه الدنيا الدنية وزبرجها(٢) ، فشرطوا لك ذلك ، وعلمت منهمالوفاء به.

فقبلتهم وقربتهم ، وقدمت(٣) لهم الذكر العلي والثناء الجلي ،وأهبطت عليهم ملائكتك ، وكرمتهم بوحيك ، ورفدتهم بعلمك ،وجعلتهم الذرايع(٤) إليك ، والوسيلة إلى رضوانك.

فبعض أسكنته جنتك إلى أن أخرجته منها ، وبعض حملته فيفلكك ونجيته ومن آمن معه من الهلكة برحمتك ، وبعض اتخذتهخليلا ، وسألك لسان صدق في الآخرين فأجبته ، وجعلت ذلك عليا.

__________________

(١) النعم ( خ ل ).

(٢) في مصباح الزائر : درجات هذه الدنيا الدنية وزخرفها وزبرجها.

أقول : زخرف الدنيا زينتها واصله الذهب ثم اطلق على كل مزين ، الزبرج ـ بالكسر ـ الزينةمن وشى أو جوهر والذهب.

(٣) قدرت ( خ ل ).

(٤) الذريعة : الوسيلة.

٥٧٤

وبعض كلمته من شجرة تكليما ، وجعلت له من أخيه ردءا(١) ووزيرا ، وبعض أولدته من غير أب ، وآتيته البينات وأيدتهبروح القدس.

وكلا شرعت له شريعة ، ونهجت منهاجا ، وتخيرت له أوصياء ،مستحفظا بعد مستحفظ ، من مدة إلى مدة ، إقامة لدينك ، وحجة علىعبادك ، ولئلا يزول الحق عن مقره ، ويغلب الباطل على أهله ، ولا يقولأحد لولا أرسلت إلينا رسولا منذرا ، فنتبع آياتك من قبل ان نذل ونخزى.

إلى أن انتهيت بالامر إلى حبيبك ونجيبك محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكان كما انتجبته سيد من خلقته ، وصفوة من اصطفيته ، وأفضلمن اجتبيته ، وأكرم من اعتمدته.

قدمته على أنبيائك ، وبعثته إلى الثقلين من عبادك ، وأوطأتهمشارقك ومغاربك ، وسخرت له البراق ، وعرجت به إلى سمائك ،وأودعته علم ما يكون إلى انقضاء خلقك.

ثم نصرته بالرعب ، وحففته بجبرئيل وميكائيل والمسومين منملائكتك ، ووعدته ان تظهره على الدين كله ، ولو كره المشركون.

وذلك بعد أن بوأته(٢) مبوء صدق من أهله ، وجعلت له ولهم أولبيت وضع للناس ، للذي ببكة مباركا ، وهدى للعالمين ، فيه آيات بينات ،

__________________

(١) الردء : الناصر ، العون.

(٢) بوأه هيأ له وانزله فيه.

٥٧٥

مقام إبراهيم ، ومن دخله كان امنا ، وقلت( إنما يريد الله ليذهب عنكمالرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) (١) .

ثم جعلت اجر محمد صلواتك عليه واله مودتهم في كتابك ،فقلت :( قل ما أسألكم عليه من اجر الا من شاء ان يتخذ إلى ربه سبيلا ) (٢) ،فكانوا هم السبيل إليك ، والمسلك إلى رضوانك.

فلما انقضت أيامه أقام وليه علي بن أبي طالب صلواتك عليهماوالهما هاديا ، إذ كان هو المنذر ولكل قوم هاد ، فقال والملاء امامه : منكنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر مننصره ، واخذل من خذله ، وقال : من كنت انا وليه فعلي اميره ، وقال : اناوعلي من شجرة واحدة وسائر الناس من أشجار شتى.

وأحله محل هارون من موسى ، فقال : أنت مني بمنزلة هارون منموسى الا انه لا نبي بعدي ، وزوجه ابنته سيدة نساء العالمين ، وأحل لهمن مسجده ماحل له ، وسد الأبواب الا بابه.

ثم أودعه علمه وحكمته ، فقال : انا مدينة العلم وعلي بابها ، فمنأراد الحكمة فليأتها من بابها ، ثم قال له :

أنت أخي ووصيي ووارثي ، لحمك من لحمي ، ودمك من دمي ،وسلمك سلمي ، وحربك حربي ، والايمان مخالط لحمك ودمك ، كما

__________________

(١) الأحزاب : ٣٣.

(٢) الفرقان : ٥٧.

٥٧٦

خالط لحمي ودمي ، وأنت غدا على الحوض معي ، وأنت خليفتي ،وأنت تقضي ديني وتنجز عداتي ، وشيعتك على منابر من نور مبيضةوجوههم حولي في الجنة وهم جيراني ، ولولا أنت يا علي لم يعرفالمؤمنون بعدي.

فكان بعده هدى من الضلالة ، ونورا من العمى ، وحبل الله المتينوصراطه المستقيم ، لا يسبق بقرابة في رحم ، ولا بسابقة في دين ،ولا يلحق في منقبة من مناقبه ، يحذو(١) حذو الرسول صلى الله عليهماوالهما ، ويقاتل على التأويل ، ولا تأخذه في الله لومة لائم.

قد وتر(٢) فيه صناديد(٣) العرب ، وقتل ابطالهم ، وناهش(٤) ذؤبانهم(٥) ،وأودع(٦) قلوبهم أحقادا بدرية وخيبرية وحنينية وغيرهن ، فاضبت(٧) على عداوته ، واكبت على منابذته(٨) ، حتى قتل الناكثين والقاسطينوالمارقين.

__________________

(١) حذا حذوا : قطعها على مثال.

(٢) وتر : الانتقام أو الظلم فيه.

(٣) الصنديد : السيد الشجاع.

(٤) ناوش ( خ ل ) ، أقول : نهشه عضه أو اخذه بأضراسه ، ناوشوهم في القتال : نازلوهم.

(٥) الذؤبان جمع الذئب ، وذؤبان العرب صعاليكهم ولصوصهم.

(٦) فاودع ( خ ل ).

(٧) الضب : الحقد الخفي.

(٨) نابذه الحرب : جاهره بها.

٥٧٧

ولما قضى نحبه(١) وقتله اشقى الآخرين ، يتبع اشقى الأولينلم يمتثل أمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في الهادين بعد الهادين ،والأمة مصرة على مقته ، مجمعة على قطيعة رحمه واقصاء ولده ، الاالقليل ممن وفى لرعاية الحق فيهم.

فقتل من قتل ، وسبي من سبي ، واقصي من اقصي ، وجرى القضاءلهم بما يرجى له حسن المثوبة ، إذ كانت الأرض لله يورثها من يشاء منعباده الصالحين والعاقبة للمتقين ، وسبحان ربنا إن كان وعد ربنالمفعولا ، ولن يخلف الله وعده ، وهو العزيز الحكيم.

فعلى الأطائب من أهل بيت محمد وعلي صلى الله عليهماوالهما ، فليبك الباكون ، وإياهم فليندب النادبون ، ولمثلهم فلتدر(٢) الدموع ، وليصرخ الصارخون ، ويضج الضاجون ، ويعج(٣) العاجون.

أين الحسن أين الحسين ، أين أبناء الحسين ، صالح بعد صالح ،وصادق بعد صادق ، أين السبيل بعد السبيل ، أين الخيرة بعد الخيرة ، أينالشموس الطالعة ، أين الأقمار المنيرة ، أين الأنجم الزاهرة ، أين اعلامالدين وقواعد العلم.

أين بقية الله التي لا تخلو من العترة الهادية ، أين المعد لقطع دابر

__________________

(١) النحب : الموت ، الاجل.

(٢) فلتذرف ( خ ل ) ، أقول : الدر : السيلان ، ذرفت العين : دمعها.

(٣) عج : صاح ورفعه صوته.

٥٧٨

الظلمة ، أين المنتظر لإقامة الأمت(١) والعوج ، أين المرتجى لإزالة الجوروالعدوان ، أين المدخر لتجديد الفرائض والسنن ، أين المتخير لإعادةالملة والشريعة ، أين المؤمل لاحياء الكتاب وحدوده ، أين محيي معالمالدين وأهله ، أين قاصم شوكة المعتدين ، أين هادم أبنية الشرك والنفاق.

أين مبيد أهل الفسق والعصيان ، أين حاصد فروع الغي والشقاق ،أين طامس(٢) اثار الزيغ والأهواء ، أين قاطع حبائل الكذب والافتراء ، أينمبيد أهل العناد والمردة ، أين معز الأولياء ومذل الأعداء ، أين جامعالكلمة على التقوى ، أين باب الله الذي منه يؤتي.

أين وجه الله الذي إليه تتوجه الأولياء ، أين السبب المتصل بينالأرض والسماء ، أين صاحب يوم الفتح وناشر راية الهدى ، أين مؤلفشمل الصلاح والرضا ، أين الطالب بذحول(٣) الأنبياء وأبناء الأنبياء ، أينالطالب بدم المقتول بكربلاء.

أين المنصور على من اعتدى عليه وافترى ، أين المضطر الذييجاب إذا دعى ، أين صدر الخلائف ذو البر والتقوي ، أين ابن النبيالمصطفى ، وابن علي المرتضى ، وابن خديجة الغراء ، وابن فاطمةالكبرى.

__________________

(١) الأمت : الضعف.

(٢) طمس : درس وانمحى.

(٣) الذحل : الثأر.

٥٧٩

بابي أنت وأمي ونفسي لك الوقاء والحمى ، يا بن السادة المقربينيا بن النجباء الأكرمين ، يا بن الهداة المهديين ، يا بن الخيرة المهذبين ، يا بنالغطارفة(١) الأنجبين.

يا بن الأطائب المطهرين ، يا بن الخضارمة(٢) المنتجبين ، يا بنالقماقمة(٣) الأكرمين ، يا بن البدور المنيرة ، يا بن السرج المضيئة ، يا بنالشهب الثاقبة ، يا بن الأنجم الزاهرة ، يا بن السبل الواضحة ، يا بن الاعلاماللائحة ، يا بن العلوم الكاملة ، يا بن السنن المشهورة.

يا بن المعالم المأثورة ، يا بن المعجزات الموجودة ، يا بن الدلائلالمشهورة ، يا بن الصراط المستقيم ، يا بن النبأ العظيم ، يا بن من هو في أمالكتاب لدى الله علي حكيم ، يا بن الآيات البينات ، يا بن الدلائلالظاهرات ، يا بن البراهين الباهرات.

يا بن الحجج البالغات ، يا بن النعم السابغات ، يا بن طهوالمحكمات ، يا بن يس والذاريات ، يا بن الطور والعاديات ، يا بن من دنافتدلى ، فكان قاب قوسين أو أدنى ، دنوا واقترابا من العلي الاعلى.

ليت شعري ، أين استقرت بك النوى ، بل اي ارض تقلك(٤) أو ثرى(٥) ،

__________________

(١) الغطريف : السخي ، السيد.

(٢) الخضرم : الكثير العطاء.

(٣) القمقام : السيد الكثير العطاء.

(٤) قلا الشئ : حمله.

(٥) الثرى : التراب الندي.

٥٨٠

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702