المزار الكبير

المزار الكبير8%

المزار الكبير مؤلف:
المحقق: جواد القيّومي الإصفهاني
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 964-92002-0-7
الصفحات: 702

المزار الكبير
  • البداية
  • السابق
  • 702 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 192484 / تحميل: 7004
الحجم الحجم الحجم
المزار الكبير

المزار الكبير

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٩٢٠٠٢-٠-٧
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

ثم تقول :

اللهم انك قلت :( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا اللهواستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما ) (١) .

اللهم انا قد سمعنا قولك ، وأطعنا امرك ، وقصدنا نبيكمستشفعين به إليك من ذنوبنا ، وما أثقل ظهورنا من أوزارنا ، تائبين منزللنا ، معترفين بخطايانا ، مستغفرين من كل ذنب اكتسبناه بأعينناونسألك التوبة ، ونستغفرك من كل ذنب اكتسبناه بأسماعنا ونسألكالتوبة ، ونستغفرك من كل ذنب اكتسبناه بألسنتنا ونسألك التوبة ،ونستغفرك من كل ذنب اكتسبناه بأيدينا ونسألك التوبة ، ونستغفرك منكل ذنب اكتسبناه ببطوننا ونسألك التوبة ، ونستغفرك من كل ذنباكتسبناه بفروجنا ونسألك التوبة ، ونستغفرك من كل ذنب اكتسبناهبأرجلنا ونسألك التوبة ، ونستغفرك من كل ذنب اكتسبناه بقلوبناونسألك التوبة.

اللهم فاغفر لنا ذنوبنا ، قديمها وحديثها ، صغيرها وكبيرها ، عمدهاوخطاها ، سرها وعلانيتها ، أولها واخرها ، ما علمت منها وما لم اعلم ،فتب علينا واغفر لنا وارحمنا ، وشفع نبيك فينا ، وارفعنا بمنزلته عندكوحقه علينا ، فاغفر لنا ما تقدم من الزلل قبل انقضاء الأجل

ثم ادع بما بدا لك ، وأكثر من الصلاة عندهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فان الصلاة الواحدة

__________________

(١) النساء : ٦٤.

٦١

تعدل عشرة الف صلاة ، والدرهم هناك بعشرة ألف درهم(١) .

٣ ـ زيارة أخرى لهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

إذا وقفت عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله تقول :

السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا حبيب الله ، السلامعليك يا امين الله ، السلام عليك يا نبي الله ، السلام عليك يا سيدالمرسلين وخاتم النبيين ، السلام عليك يا نبي الرحمة وقائد الخيروالبركة ، وداعي الخلق إلى طريق النجاة والمغفرة.

السلام عليك يا نبي الهدى وسيد الورى ، ومنقذ العباد منالضلالة والردى ، السلام عليك يا صاحب الخلق العظيم والشرفالعميم والآيات والذكر الحكيم ، السلام عليك يا صاحب المقامالمحمود والحوض المورود واللواء المشهود.

السلام عليك يا منهج دين الاسلام والايمان وصاحب القبلةوالفرقان وعلم الصدق والحق والاحسان ، السلام عليك يا صفوةالأنبياء وعلم الأتقياء ومشهور الذكر في الأرض والسماء ، السلامعليك يا أبا القاسم ورحمة الله وبركاته.

اشهد انك رسول الله العزيز على الله ، والنبي المصطفى ،

__________________

(١) عنه البحار ١٠٠ : ١٧٣.

٦٢

والحبيب(١) المجتبى والأمين المرتضى ، والشفيع المرتجى ، المبعوثحين الفترة ودروس الدين والملة ، بالنور الباهر ، والكتاب الزاهر ،والأمر المرضي ، والبيان الجلي ، والمنهاج البدئ.

أكرم العالمين حسبا ، وأفضلهم نسبا ، وأجملهم منظرا ، وأسخاهمكفا ، وأشجعهم قلبا ، وأكملهم حلما ، وأكثرهم علما ، وأثبتهم أصلا ،وأعلاهم ذكرا ، وأسناهم ذخرا ، وأبذخهم شرفا ، وأحمدهم وصفا ، وأوفاهم بالعهد ، وأنجزهم للوعد ، من شجرة أصلها راسخ في الثرى ، وفرعها شامخ في العلى.

قد بشرت بك قبل مبعثك الأنبياء ، وهتفت بصفاتك الأوصياء ،وصرخت بنعوتك العلماء ، وكتب الله المنزلة على رسله من الأممالماضية والقرون الخالية تنطق بتعظيم ناموسك وشرعك ، وتفخيمآياتك وأعلامك ، وفضل أوانك وزمانك ، وكان مستقرك خير مستقر ،ومستودعك خير مستودع.

وأنك سليل الأعلام السادة ، والقروم الذادة ، تنشأ في معادنالكرامة ومماهد السلامة ، وتكن بين العلامة ، بين الوسامة ، بين كتفيكشامة يعرفك بها المستودعون للعلم ، أنك الموفق الرشيد ، والمباركالسعيد ، والميمون السديد ، وأن رأيتك منصورة ، وأعلامك رضية

__________________

(١) الحبيب : المحبوب ، وقد يطلق على المحب.

٦٣

المشهورة ، وفرائضك مهذبة(١) ، وسننك نقية ، وانك أحسن العالمينخلقا وخلقا ، وأشرفهم أصلا ، وأكرمهم فعلا ، وأسناهم خطرا ،وأوفاهم عهدا ، وأوثقهم عقدا.

أشهد أن الله أخرجك من أكرم المحامل ، وأفضل المنابت ، ومنأمنعها ذروة ، وأعزها أرومة(٢) ، وأعظمها جرثومة ، وأفضلها مكرمة ،وأشرفها منقبة ، وأشهرها جلالة ، وأرفعها علوا ، وأعلاها سموا ، مندوحة باسقة(٣) الفرع ، مثمرة الحق ، مورقة الصدق ، طيبة العود ، مسعدةالجدود ، مغروسة في الحلم ، عالية في ذروة العلم.

اشهد أن الله بعثك رحمة للخلق ، ورأفة بالعباد ، وغيثا للبلاد ،وتفضلا على من فوق الأرض ، لينيلهم بك خيره ، ويمنحهم بك فضله ،ويكرمهم بدعوتك ، ويهديهم بنبوتك ، ويبصرهم من العمى بك ،ويستنقذهم من الردى باتباعك ، وجعل سيرتك القصد ، وكلامكالفصل ، وحكمك العدل.

اشهد أن الله أكرمك بالروح الأمين ، والنور المبين ، والكتابالمستبين ، وختم بك النبيين ، وتتم بك عدة المرسلين ، وأحيا بكالبلاد ، ونعش بك العباد ، وطوى بك الأسباب ، وأزجى(٤) بك السحاب ،

__________________

(١) مهدية ( خ ل ).

(٢) الأرومة ـ بالفتح ـ أصل الشجرة.

(٣) الدوحة : الشجرة العظيمة ، الباسقة : الطويلة.

(٤) أزجى ازجاء : ساقه.

٦٤

وسخر لك البراق ، وأسرى بك إلى السماء ، وأرقى بك في علو العلاء ،وأصعدك إلى الملأ الأعلى ، وأحظاك بالزلفة الأدنى ، وأراك الآيةالكبرى ، عند سدرة المنتهى ، عندها جنة المأوى ، ما زاغ بصرك وماطغى ، وما كذب فؤادك ما رأى.

اشهد أنك أتيت بالأعلام القاهرة ، والآيات الباهرة ، والمفاخرالظاهرة ، وبلغت الرسالة ، وأديت الأمانة ، ونصحت الأمة ، وأوضحتالمحجة ، وتلوت عليها الكتاب والحكمة ، وبينت لها الشريعة ،وخلفت فيها الكتاب والعترة ، وأكدت عليها بها الحجة.

اشهد أنك المبعوث على حين فترة من الرسل ، وحيرة من الأمم ،وتمكن من الجهل ، وارتفاع من الحق ، وغلبة من العمى ، وشدة منالردى ، واعتساف من الجور ، وامتحاء من الدين ، وتسعر من الحروبوالبأس ، والدنيا متنكرة لأهلها ، منقلبة على أبنائها ، ثمرها الفتن ،وطعام أهلها الجيف ، وشعارها الخوف ، ودثارها السيف.

قد مزقت أهلها كل ممزق ، وطردتهم كل مطرد ، وأعمت عيونهم ،وأشجت قلوبهم ، وشغلتهم بقطع الأرحام ، وعبادة الأصنام ، وخدمةالنيران ، واستأصلت الكفر ، وهدمت الشرك ، ومحقت الضلالة ، ونفيتالجهالة ، وكشف الله عنهم بك البلاء ، ورد عن ديارهم بك الأعداء ، ورفعمن بينهم العداوة والبغضاء ، وألف بين قلوبهم ، وأعاد الرحمة إلىصدورهم ، وفتح الله عليهم أبواب النعم ، وألبسهم حلل العز والكرم.

٦٥

ثم تصلي على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وتقول :

اللهم إنك ندبت المؤمنين إلى الصلاة على رسولك محمد صلىالله عليه وآله ، فقلت :( ان الله وملائكته يصلون على النبي يا أيهاالذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) (١) .

اللهم صل على عبدك المنتجب ، ونبيك المقرب ، ورسولكالمكرم ، وشاهدك المعظم ، سيد الأنبياء ، وقدوة الأصفياء ، وعلمالأتقياء ، واجعله أفضل النبيين عندك عطاء ، وأفضلهم لديك حباء ،وأعظمهم عندك منزلة ، وأرفعهم لديك درجة.

اللهم صل على محمد عبدك ورسولك ، صلاة تشاكل جلالته فيالنبيين ، وتضارع فضله في الصالحين ، وتوازي شرفه في المتقين ،وتعلي علوه في الصالحين ، ونموه في المهتدين ، وارتفاعه في النبيين.

اللهم صل على محمد عبدك المصطفى ، وحبيبك المجتبى ، نبيالرحمة ، وخازن المغفرة ، وقائد الخير والبركة ، ومنقذ العباد منالهلكة ، وداعيهم إلى دينك ، القيم بأمرك ، أول النبيين ميثاقا ، وآخرهممبعثا ، الذي غمست نوره في بحر الفضيلة ، والمنزلة الجليلة ، والدرجةالرفيعة ، وأودعته الأصلاب الطاهرة ، ونقلته بها إلى الأرحام المطهرة ،لطفا منك وتحننا لك عليه.

__________________

(١) الأحزاب : ٥٦.

٦٦

اللهم صل على محمد كما وفي بعهدك ، وبلغ رسالتك ، وقاتلالمشركين على توحيدك ، وجاهد في سبيلك ، ودعا إليك ، وقطع رسمالكفر في أعوان دينك ، ولبس ثوب البلوى في مجاهدة أعدائك.

اللهم صل على محمد عبدك ورسولك ، وأمينك على وحيك ،وخيرتك من خلقك ، وصفوتك من بريتك ، البشير النذير ، السراجالمنير ، الداعي إليك ، والدليل عليك ، والصادع بأمرك ، والناصحلعبادك ، أفضل ما صليت على أنبيائك ورسلك وحججك.

اللهم صل على محمد سيد المرسلين ، وخاتم النبيين ، وإمامالمتقين ، وأفضل الخلق أجمعين من الأولين والآخرين.

اللهم صل على محمد وآل محمد ، واخصص محمدا من عطاياكبأفضلها ، ومن مواهبك بأسناها وأجزلها ، كما نصب لأمرك نفسه ،وعرض للمكروه فيك بدنه ، وكاشف في الدعاء إليك أسرته ، وأدأبنفسه في تبليغ رسالتك ، وأتعبها في الدعاء إلى ملتك.

اللهم صل على محمد عبدك ورسولك ، ونبيك ونجيك ،وصفيك وحبيبك ، ونجيبك وخليلك ، وخيرتك من خلقك ، أفضل ماصليت على أحد من أنبيائك ورسلك ، وأهل الكرامة عليك.

اللهم صل على محمد وآل محمد ، وأعط محمدا درجة الوسيلة ،وشرف الفضيلة ، وابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون.

اللهم صل على محمد وآل محمد ، وأعط محمدا من كل كرامة

٦٧

أفضل تلك الكرامة ، ومن كل نعيم أوفر ذلك النعيم ، ومن كل يسر أنضرذلك اليسر ، ومن كل عطاء أفضل ذلك العطاء ، ومن كل قسم اجزلذلك القسم ، حتى لا يكون أحد من خلقك أقرب منه عندك منزلة ،ولا أوجب لديك كرامة ، ولا أعظم عليك حقا منه.

اللهم صل على محمد عبدك ورسولك ، العظيم حرمته ، القريبمنزلته ، الرفيع درجته ، والشريف ملته ، والجليل قبلته ، والمختار دينهوشرعه ، والزاكي أصله وفرعه ، صلاة تستفرغ وسع المصلين عليه ،وتعيي مجهود المتقربين بحب عترته إليه.

اللهم اجعل صلواتك وصلوات ملائكتك المقربين ، وأنبيائكالمرسلين ، وعبادك الصالحين ، وأهل السماوات وأهل الأرضين ، ومن سبح لك أو يسبح لك يا رب العالمين ، من الأولين والآخرين ، علىمحمد عبدك ورسولك ، ونجيك وحبيبك وصفيك وخاصتكوصفوتك وخيرتك من خلقك.

اللهم كرم مقامه ، وعظم برهانه ، وشرف بنيانه ، وبيض وجهه ،وأعل كعبه ، وارفع درجته ، وتقبل شفاعته في أمته.

اللهم صل على محمد وآل محمد ، وارحم محمدا وآل محمد ،وسلم على محمد وآل محمد ، كأفضل ما صليت وباركت وترحمتوسلمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد.

اللهم إنك قلت لنبيك في كتابك :( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم

٦٨

جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لو جدوا الله توابا رحيما ) (١) وإني أتيتك وأتيت نبيك نبي الرحمة تائبا من ذنوبي فأعتقني من النار ،وارحمني بتوجهي إليك به.

اللهم صل على محمد وال محمد ، واخصص محمدا بأفضلصلواتك ، ونوامي بركاتك ، وفواتح خيراتك ، وبلغ محمدا منا السلام ،والسلام عليه ورحمة الله وبركاته(٢) .

ذكر صلاة الزيارة :

تصلي صلاة الزيارة ، وصفتها أن تنوي بقلبك : أصلي صلاة الزيارةمندوبا قربة إلى الله تعالى ، وتقرأ فيها بعد الحمد ما تيسر لك من السور ، وإن قدرت على سورة الرحمن ويس فافعل ، فالفضل فيهما.

فإذا فرغت منها فادع لنفسك ولأهلك ولإخوانك المؤمنين وتدعوابما أحببت.

٤ ـ فإذا فرغت من الدعاء والصلاة فقم وزر أيضا بهذه الزيارة ، تقولوأنت مسند ظهرك إلى القبر :

اللهم إليك ألجأت أمري ، وبقبر نبيك أسندت ظهري ، وقبلتكالتي رضيت لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله استقبلت بوجهي.

__________________

(١) النساء : ٦٤.

(٢) عنه البحار ١٠٠ : ١٧٥.

٦٩

اللهم لا تبدل اسمي ، ولا تغير جسمي ، ولا تستبدل بي غيري ،أصبحت وأمسيت لا أملك لنفسي خير ما أرجو ، ولا أصرف عنها شيئامما أحذر عليها إلا بك ، وحدك لا شريك لك.

اللهم أردني منك بخير إنه لا راد لفضلك ، اللهم ثبتني بالتقوى ،وجملني بالعافية ، وارزقني شكر العافية ، إنك على كل شئ قدير(١) .

٥ ـ زيارة أخرى لهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

تقف عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله في المكان المذكور وتقول :

اشهد ان لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى اللهعليه وآله ، واشهد انك رسول الله ، وانك محمد بن عبد الله ، واشهدانك قد بلغت رسالات ربك ، ونصحت لامتك ، وجاهدت في سبيلالله حق جهاده ، داعيا إلى طاعته وزاجرا عن معصيته ، وانك لم تزلبالمؤمنين رؤوفا رحيما وعلى الكافرين غليظا حتى اتاك اليقين ، فبلغالله بك أشرف محل المكرمين ، الحمد لله الذي استنقذنا بك من الشركوالضلال.

اللهم فاجعل صلواتك وصلوات ملائكتك المقربين ، وعبادكالصالحين ، وأنبيائك المرسلين وأهل السماوات والأرضين ، ومنسبح لك يا رب العالمين من الأولين والآخرين ، على محمد عبدك و

__________________

(١) رواه في الكامل : ٥١ ، الكافي ٤ : ٥٥١ ، عنه البحار ١٠٠ : ١٥٤ ، الوسائل ١٤ : ٣٤٣.

٧٠

رسولك ونبيك ، وأمينك ونجيك ، وحبيبك وخاصتك وصفوتك ، وخيرتك من خلقك ، اللهم ابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون.

اللهم امنحه أشرف مرتبة ، وارفعه إلى أسنى درجة ومنزلة ،واعطه الوسيلة والرتبة العالية الجليلة ، كما بلغ ناصحا ، وجاهد فيسبيلك ، وصبر على الأذى في جنبك ، وأوضح دينك ، وأقام حججك ،وهدى إلى طاعتك ، وارشد إلى مرضاتك ، اللهم صل عليه وعلىالأئمة الأبرار من ذريته الأخيار من عترته وسلم عليهم أجمعين تسليما.

اللهم إني لا أجد سبيلا إليك سواهم ، ولا أرى شفيعا مقبولالشفاعة عندك غيرهم ، بهم أتقرب إلى رحمتك ، وبولايتهم أرجو جنتك ،وبالبراءة من أعدائهم أمل الخلاص من عذابك ، اللهم فاجعلني بهموجيها في الدنيا والآخرة ، وارحمني يا ارحم الراحمين.

ثم يستقبل وجه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ويجعل القبلة خلف ظهره والقبر امامه ويقول :

السلام عليك يا نبي الله ورسوله ، السلام عليك يا صفوة اللهوخيرته من خلقه ، السلام عليك يا أمين الله وحجته ، السلام عليك ياخاتم النبيين وسيد المرسلين ، السلام عليك أيها البشير النذير ، السلامعليك أيها الداعي إلى الله والسراج المنير ، السلام عليك وعلى أهلبيتك الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

٧١

اشهد أنك يا رسول الله أتيت بالحق وقلت بالصدق ، الحمد للهالذي وفقني للايمان والتصديق ، ومن علي بطاعتك واتباع سبيكوجعلني من أمتك والمجيبين لدعوتك ، وهداني إلى معرفتك ومعرفةالأئمة من ذريتك ، أتقرب إلى الله بما يرضيك ، وأبرأ إلى الله ممايسخطك ، مواليا لأوليائك ، معاديا لأعدائك.

جئتك يا رسول الله زائرا ، وقصدتك راغبا ، متوسلا إلى اللهسبحانه ، وأنت صاحب الوسيلة ، والمنزلة الجليلة ، والشفاعة المقبولة ،والدعوة المسموعة ، فاشفع لي إلى الله تعالى في الغفران والرحمة ،والتوفيق والعصمة ، فقد غمرت الذنوب ، وشملت العيوب ، وأثقلالظهر ، وتضاعف الوزر.

وقد أخبرتنا وخبرك الصدق أنه تعالى قال وقوله الحق :( ولوأنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسوللوجدوا الله توابا رحيما ) (١) .

وقد جئتك يا رسول الله مستغفرا من ذنوبي ، تائبا من معاصيوسيئاتي ، وإني أتوجه إلى الله ربي وربك ليغفر لي ذنوبي ، فاشفع لي ياشفيع الأمة ، وأجرني يا نبي الرحمة ، صلى الله عليك وعلى آلكالطاهرين.

ويجتهد في المسألة ، ثم يستقبل القبلة بعد ذلك بوجهه ، وهو في

__________________

(١) النساء : ٦٤.

٧٢

موضعه ، ويجعل القبر من خلفه ويقول :

اللهم إليك ألجأت أمري ، والى قبر نبيك ورسولك أسندتظهري ، وإلى القبلة التي ارتضيتها استقبلت بوجهي.

اللهم إني لا أملك لنفسي خير ما أرجو ، ولا أدفع عنها شر ما أحذر ،والأمور كلها بيدك ، فأسألك بحق محمد وعترته ، وقبره الطيب المباركوحرمه ، أن تصلي على محمد وآله ، وأن تغفر لي ما سلف من جرمي ،وتعصمني من المعاصي في مستقبل عمري ، وتثبت على الايمان قلبي ،وتوسع علي رزقي ، وتسبغ علي النعم ، وتجعل قسمي من العافية أوفرقسم ، وتحفظني في أهلي ومالي وولدي ، وتكلأني من الأعداء ، وتحسن لي العاقبة(١) في الدنيا ، ومنقلبي في الآخرة.

اللهم اغفر لي ولوالدي ولجميع المؤمنين والمؤمنات ، الأحياءمنهم والأموات ، إنك على كل شئ قدير.

وتقرأ سورة :( انا أنزلناه في ليلة القدر ) إحدى عشرة مرة ، ثم تصيرإلى مقام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو بين القبر والمنبر ، فقف عند الأسطوانة المخلقةالتي تلي المنبر ، واجعله ما بين يديك ، وصل أربع ركعات ، فإن لم تتمكنفركعتين للزيارة.

فإذا سلمت منهما وسبحت فقل :

اللهم هذا مقام نبيك وخيرتك من خلقك ، جعلته روضة من

__________________

(١) العافية ( خ ل ).

٧٣

رياض جنتك ، وشرفته على بقاع أرضك برسولك ، وفضلته به ،وعظمت حرمته ، وأظهرت جلالته ، وأوجبت على عبادك التبرك بهبالصلاة والدعاء فيه ، وقد أقمتني فيه بلا حول ولا قوة كان مني في ذلكإلا برحمتك.

اللهم وكما أن حبيبك لا يتقدمه في الفضل خليلك ، فاجعلاستجابة الدعاء في مقام حبيبك.

اللهم إني أسألك في هذا المقام الطاهر أن تصلي على محمد وآلمحمد وأن تعيذني من النار ، وتمن علي بالجنة ، وترحم موقفي ،وتغفر زلتي ، وتزكي عملي ، وتوسع لي في رزقي ، وتديم عافيتيورشدي ، وتسبغ نعمتك علي ، وتحفظني في أهلي ومالي ،وتحرسني من كل متعد لي وظالم لي ، وتطيل في طاعتك عمري ،وتوفقني لما يرضيك عني ، وتعصمني عما يسخطك علي.

اللهم إني أتوسل إليك بنبيك وأهل بيته ، حججك على خلقك ،وآياتك في أرضك ، أن تستجيب لي دعائي ، وتبلغني في الدين والدنياأملي ورجائي.

يا سيدي ومولاي قد سألتك فلا تخيبني ، ورجوت فضلكفلا تحرمني ، فأنا الفقير إلى رحمتك الذي ليس لي غير احسانكوتفضلك ، فأسألك أن تحرم شعري وبشري على النار ، وتؤتيني منالخير ما علمت منه وما لم أعلم ، وادفع عني وعن ولدي وإخواني

٧٤

وأخواتي من الشر ، ما علمت منه وما لم أعلم.

اللهم اغفر لي ولوالدي ولجميع المؤمنين والمؤمنات انك علىكل شئ قدير ، وبكل شئ عليم.

ذكر العمل عند المنبر والدعاء عنده :

ثم ائت المنبر وامسحه بيديك ، وخذ برمانتيه ، وهما السفلاوان ،وامسح بهما عينيك ووجهك ، وقل عنده كلمات الفرج ، وتقول بعدها :

اشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، واشهد أن محمدا رسولاللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الحمد لله الذي عقد بك عز الاسلام ، وجعلكمرتقى خير الأنام ، ومصعد الداعي إلى دار السلام ، الحمد لله الذيخفض بانتصابك علو الكفر ، وسمو الشرك ، ونكس بك علم الباطل ،وراية الضلال.

اشهد أنك لم تنصب إلا لتوحيد الله سبحانه وتمجيده ، وتعظيمالله وتحميده ، ولمواعظ عباد الله ، والدعاء إلى عفوه وغفرانه.

اشهد أنك قد استوفيت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ،بارتقائه في مراقيك ، واستوائه عليك حظ شرفك وفضلك ، ونصيبعزك وذخرك ، ونلت كمال ذكرك ، وعظم الله حرمتك ، وأوجبالتمسح بك ، فكم قد وضع المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله قدمه عليك ،وقام للناس خطيبا فوقك ، ووحد الله وحمده ، وأثنى عليه ومجده ،

٧٥

وكم بلغ عليك من الرسالة ، وأدى من الأمانة ، وتلا من القرآن ، وقرأمن الفرقان ، وأخبر من الوحي ، وبين الأمر والنهي ، وفصل بين الحلالوالحرام ، وأمر بالصلاة والصيام ، وحث العباد على الجهاد ، وأنبأ عنثوابه في المعاد(١) .

ذكر ما يفعل في الروضة :

وتقف بعد ذلك في الروضة ، وهي ما بين القبر والمنبر وتدعو بماتحب.

فقد روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( ما بين قبري ومنبري روضة منرياض الجنة ، وان منبري لعلى ترعة من ترع الجنة ، والترعة هي البابالصغير )(٢) .

فإذا وقفت هناك فقل :

اللهم إن هذه روضة من رياض جنتك ، وشعبة من شعب رحمتكالتي ذكرها رسولك ، وأبان عن فضلها ، وشرف التعبد لك فيها ، وقدبلغتنيها في سلامة نفسي.

__________________

(١) روى صدره في الكامل : ٥٣ ، عنه البحار ١٠٠ : ١٥٤ ، وفي الفقيه ٢ : ٣٣٨ ، الكافي ٤ : ٥٥٠ ،مصباح المتهجد : ٦٥١ ، التهذيب ٦ : ٥ ، عنه الوسائل ١٤ : ٣٤٢ ، ذكر ذيله في البحار ١٠٠ : ١٦٩ عن نسخة قديمة من مؤلفات الأصحاب.

(٢) رواه في الكامل : ٥١ ، عنه البحار ١٠٠ : ١٥٢.

الظاهر أن التفسير من الرواة ويحتمل أن يكون من الإمام عليه‌السلام

٧٦

فلك الحمد يا سيدي على عظيم نعمتك علي في ذلك ، وعلى مارزقتنيه من طاعتك وطلب مرضاتك وتعظيم حرمة نبيك صلى اللهعليه وآله ، بزيارة قبره والتسليم عليه ، والتردد في مشاهده ومواقفه.

فلك الحمد يا مولاي حمدا ينتظم به محامد حملة عرشك وسكانسماواتك لك ، ويقصر عنه حمد من مضى ، ويفضل حمد من بقي منخلقك ، ولك الحمد يا مولاي حمد من عرف الحمد لك ، والتوفيقللحمد منك ، حمدا يملا ما خلقت ، ويبلغ حيث ما أردت ، ولا يحجبعنك ، ولا ينقضي دونك ، ويبلغ أقصى رضاك ، ولا يبلغ آخره أوائلمحامد خلقك لك ، ولك الحمد ما عرف الحمد ، واعتقد الحمد ، وجعلابتداء الكلام الحمد.

يا باقي العز والعظمة ، ودائم السلطان والقدرة ، وشديد البطشوالقوة ، ونافذ الأمر والإرادة ، وواسع الرحمة والمغفرة ، ورب الدنياوالآخرة ، كم من نعمة لك علي يقصر عن أيسرها حمدي ، ولا يبلغأدناها شكري ، وكم من صنايع منك إلي لا يحيط بكثرتها وهمي ،ولا يقيدها فكري.

اللهم صل علي نبيك المصطفى ، عين البرية(١) طفلا ، وخيرها شاباوكهلا ، أطهر المطهرين شيمة ، وأجود المستمطرين ديمة(٢) ، وأعظم

__________________

(١) عين الشئ : خياره.

(٢) الشيمة ـ بالكسر ـ الطبيعة ، الديمة ـ بالكسر ـ مطر يدوم في سكون بلا رعد وبرق.

٧٧

الخلق جرثومة(١) ، الذي أوضحت به الدلالات ، وأقمت به الرسالات ،وختمت به النبوات ، وفتحت به باب الخيرات ، وأظهرته مظهرا(٢) وابتعثته نبيا وهاديا ، أمينا مهديا ، داعيا إليك ، ودالا عليك ، وحجةبين يديك.

اللهم صل على المعصومين من عترته ، والطيبين من أسرته ،وشرف لديك به منازلهم ، وعظم عندك مراتبهم ، واجعل في الرفيقالأعلى مجالسهم ، وارفع إلى قرب رسولك درجاتهم ، وتمم بلقائهسرورهم ، ووفر بمكانه انسهم(٣) .

الباب (٣)

زيارة الزهراء فاطمةعليها‌السلام

١ ـ السلام على البتولة(٤) الطاهرة ، الصديقة المعصومة ، البرة التقية ،سليلة(٥) المصطفى وحليلة المرتضى وأم الأئمة النجباء.

__________________

(١) جرثومة الشئ ـ بالضم ـ أصله.

(٢) مطهرا ( خ ل ) ، المظهر ـ بالفتح ـ المصعد ، اي بنيته ورفعته على مصعد عظيم من العلو والشرف ، ويمكن أن يكون بضم الميم ، اي أظهرته حال كونه مظهرا لمعارفك وأحكامك.

(٣) روي في معاني الأخبار : ٢٦٧ ، عنه البحار ١٠٠ : ١٩٢ ، الوسائل ١٤ : ٣٦٩.

(٤) قال الجزري : سميت فاطمةعليها‌السلام البتول لانقطاعها عن نساء زمانها فضلا ودينا وحسنا ، وقيل :لانقطاعها عن الدنيا إلى الله تعالى ( النهاية ١ : ٧١ ).

(٥) السليل : الولد.

٧٨

اللهم انها خرجت من دنياها مظلومة مغشومة(١) ، قد ملئت داءوحسرة وكمدا(٢) وغصة ، تشكو إليك والى أبيها ما فعل بها ، اللهم انتقملها وخذ لها بحقها.

اللهم صل على الزهراء(٣) الزكية المباركة الميمونة(٤) ، صلاة تزيد فيشرف محلها عندك وجلالة منزلتها لديك ، وبلغها مني السلام ، والسلامعليها ورحمة الله وبركاته.

وتقول أيضا :

اللهم إني يوهمني غالب ظني ان هذه الروضة مواراة سيدة نساءالعالمين ومثواها ، وموضع قبرها ومغزاها ، فصل عليها وأبلغها عنيالسلام حيث حلت وكانت(٥) .

٢ ـ زيارة أخرى لهاعليها‌السلام :

السلام عليك يا ممتحنة ، امتحنك الله الذي خلقك قبل ان يخلقك ،فوجدك لما امتحنك صابرة ، ونحن لك أولياء ومصدقون وصابرونلكل ما اتانا به أبوكصلى‌الله‌عليه‌وآله وأتانا به وصيه ، فانا نسألك ان

__________________

(١) الغشم : الظلم.

(٢) الكمد بالفتح : الحزن الشديد ومرض القلب.

(٣) الزهراء : البيضاء المنيرة.

(٤) الميمونة : المباركة.

(٥) رواه السيد في مصباح الزائر : ٢٥ ، عنه البحار ١٠٠ : ١٩٧.

٧٩

كنا صدقناك الا ألحقتنا بتصديقنا لهما ، لنبشر أنفسنا انا قد طهرنا بولايتك.

ثم تقول :

السلام عليك يا بنت رسول الله ، السلام عليك يا بنت نبي اللهالسلام عليك يا بنت حبيب الله ، السلام عليك يا بنت صفي الله ، السلامعليك يا بنت امين الله ، السلام عليك يا بنت خير خلق الله ، السلامعليك يا بنت أفضل أنبياء الله ورسله وملائكته.

السلام عليك يا بنت خير البرية ، السلام عليك يا سيدة نساءالعالمين من الأولين والآخرين ، السلام عليك يا زوجة ولي الله وخيرالخلق بعد رسول الله ، السلام عليك يا أم الحسن والحسين سيديشباب أهل الجنة.

السلام عليك أيتها الشهيدة الصديقة ، السلام عليك أيتها الرضيةالمرضية ، السلام عليك أيتها الفاضلة الزكية ، السلام عليك أيتها الحوريةالانسية ، السلام عليك أيتها التقية النقية ، السلام عليك أيتها المحدثة(١) العليمة ، السلام عليك أيتها المضطهدة(٢) المقهورة.

السلام عليك يا فاطمة بنت رسول الله ، السلام عليك أيتهاالمغصوبة المظلومة ، السلام عليك وعلى أبيك ، السلام عليك وعلىبعلك وبنيك ورحمة الله وبركاته.

__________________

(١) المحدثة بفتح الدال ، لأنه كانت تحدثهاعليها‌السلام الملائكة.

(٢) المضطهدة بفتح الهاء المقهورة.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

المصدّرة بـ «المص» في مضمونها كأنّها جامعة بين مضامين الميمات وص [أي ما افتتح بـ «ألم» و «ص»] وكذا سورة الرعد المصدّرة بـ «المر» في مضمونها كأنّها جامعة بين مضامين الميمات والراءات».

«ولعلّ المتدبر لو تدبر في مشتركات هذه الحروف ، وقايس مضامين السور التي وقعت فيها بعضها إلى بعض ، لتبيّن له الأمر أزيد من ذلك»(١) .

وثمّة تفسير آخر أشرنا إليه سابقا ، وهو احتمال أن تكون هذه الحروف إشارات ورموزا لأسماء الخالق ونعمه وقضايا اخرى.

مثلا ، في السورة التي نبحثها اعتبروا الحاء إشارة إلى الرحمن ، والميم إلى المجيد ، والعين إلى العليم ، والسين إلى القدوس ، والقاف إلى القاهر(٢) .

يعترض البعض على هذا الكلام بقولهم : لو كان المقصود من الحروف المقطعة أن لا يعلم بها الآخرون فإنّ ذلك غير صحيح ، لأنّ هناك آيات اخرى تصرّح بأسماء الله ، ولكن يجب الانتباه إلى أنّ الرموز والإشارات لا تعني دائما أن يبقى الموضوع أو المعنى سرّيا ، بل قد تكون أحيانا علامة للاختصار ، وهذا الأمر كان موجودا سابقا ، وهو مشهور في عصرنا الراهن ، بحيث أنّ أسماء العديد من المؤسسات والمنظمات الكبيرة ، تكون على شكل مجموعة مختصرة من الحروف المقطّعة التي يرمز كلّ منها إلى جزء من الاسم الأصيل.

بعد الحروف المقطعة تتحدث الآية الكريمة عن الوحي ، فتقول :( كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) .

«كذلك» إشارة إلى محتوى السورة ومضامينها.

ومصدر الوحي واحد ، وهو علم الله وقدرته ، ومحتوى الوحي في الأصول والخطوط العريضة واحد أيضا بالنسبة لجميع الأنبياء والرسالات ، بالرغم من أنّ

__________________

(١) الميزان ، للعلّامة محمد حسين الطباطبائي ، المجد ١٨ ، صفحة ٨ ـ ٩.

(٢) يستفاد هذا التّفسير عن حديث للإمام الصادقعليه‌السلام . يراجع تفسير القرطبي ، المجلد ٩ ، صفحة ٥٨٢٢.

٤٦١

هناك خصوصيات بين دعوة نبي وآخر بحسب حاجة الزمان والمسيرة التكاملية للبشر(١) .

وضروري أن نشير إلى أنّ الآيات التي نبحثها أشارت إلى سبع صفات من صفات الله الكمالية ، لكل منها دور في قضية الوحي بشكل معين ، ومن ضمنها الصفتان اللتان نقرؤهما في هذه الآية :( الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) .

فعزته تعالى وقدرته المطلقة تقتضي سيطرته على الوحي ومحتواه العظيم.

وحكمته تستوجب أن يكون الوحي الإلهي حكيما متناسقا مع حاجات الإنسان التكاملية في جميع الأمور والشؤون.

وتعبير «يوحى» دليل على استمرار الوحي منذ خلق الله آدمعليه‌السلام حتى عصر النّبي الخاتمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأن الفعل المضارع يفيد الاستمرار.

قوله تعالى :( لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) .

إنّ مالكيته تعالى لما في السماء والأرض تستوجب ألّا يكون غريبا عن مخلوقاته وما يؤول إليه مصيرها ، بل يقوم بتدبير أمورها وحاجاتها عن طريق الوحي ، وهذه هي الصفة الثّالثة من الصفات السبع.

أمّا «العليّ» و «العظيم» اللذان هما رابع وخامس صفة له (سبحانه وتعالى) في هذه الآيات ، فهما يشيران إلى عدم حاجته لأي طاعة أو عبودية من عباده ، وإنّما قام تعالى بتدبير أمر العباد عن طريق الوحي من أجل أن ينعم على عباده.

الآية التي بعدها تضيف :( تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَ ) (٢) وذلك بسبب نزول الوحي من قبل الله ، أو بسبب التهم الباطلة التي كان المشركون والكفّار ينسبونها إلى الذات المقدسة ويشركون الأصنام في عبادته.

__________________

(١) بالرغم من الكلام الكثير للمفسّرين حول المشار إليه في اسم الإشارة «كذلك» لكن يظهر أنّ المشار إليه هو نفس هذه الآيات النازلة على النّبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لذا يكون مفهوم الآية : إنّ الوحي هو بهذا الشكل الذي أنزله الله عليك وعلى الأنبياء السابقين ، وقد استخدم اسم الإشارة للبعيد بالرغم من قرب المشار إليه ، وذلك للتعظيم والاحترام.

(٢) «يتفطرن» من كلمة «فطر» على وزن «سطر» وتعني في الأصل الشق الطولي.

٤٦٢

ويتّضح ممّا سلف أنّ للجملة معنيين :

الأوّل : أنّها تختص بموضوع الوحي الذي هو حديث الآيات السابقة ، وهو في الواقع يشبه ما جاء في الآية (٢١) من سورة «الحشر» في قوله تعالى :( لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ ) .

إنّه كلام الله الذي يزلزل السماوات عند نزوله وتكاد تتلاشى ، فلو أنّه نزل على الجبال لتصدّعت ، لأنّه كلام عظيم من خالق حكيم.

والويل لقلب الإنسان ، فهو الوحيد الذي لا يلين ولا يستسلم ، ويصر على عناده وتكبره.

التّفسير الثّاني : أنّ السماوات تكاد تتفطّر وتتلاشى بسبب شرك المشركين وعبادتهم للأصنام من دون الله ، بل هم يساوون بين أدنى الكائنات والموجودات وبين المبدأ العظيم خالق الكون جلّ وعلا.

التّفسير الأوّل يناسب الآيات التي نبحثها والتي تنصب حول الوحي والتّفسير الثّاني يناسب ما نقرؤه في الآيتين (٩٠ ، ٩١) من سورة «مريم» حيث يقول تعالى بعد أن يذكر قول الكفار ـ وقبح قولهم ـ باتخاذه ولدا (!!) :( تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً ) .

ومن الواضح أن ليس ثمّة تعارض بين التّفسيرين.

أمّا عن كيفية انفطار السماوات وانهدام الجبال وهي موجودات جامدة ، فقد ذكروا كلاما وأقوالا متعدّدة في الموضوع تعرضنا لها في نهاية حديثنا عن الآيتين المذكورتين من سورة مريم.

وإذا أردنا أن نقف على استخلاص عام لما قلناه هناك ، فيمكن أن نلاحظ أنّ مجموعة عالم الوجود من جماد ونبات وغير ذلك لها نوع من العقل والشعور ، بالرغم من عدم إدراكنا له ، وهم على هذا الأساس يسبحون الله ويحمدونه ، ويخضعون له ويخشعون لكلامه.

٤٦٣

أو أن يكون التعبير كناية عن عظمة وأهمية الموضوع ، مثلما نقول مثلا : إنّ الحادثة الفلانية كانت عظيمة جدّا وكأنّما انطبقت معها السماء على الأرض.

بقية الآية ، قوله تعالى :( وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ ) .

أمّا الرابطة بين هذا الجزء من الآية والجزء الذي سبقه ، فهو ـ وفقا للتفسير الأوّل ـ أنّ الملائكة الذين هم حملة الوحي العظيم وواسطته ، يسبحون ويحمدون الله دائما ، يحمدونه بجميع الكمالات ، وينزهونه عن جميع النواقص ، وعند ما ينحرف المؤمنون أحيانا ، تقوم الملائكة بنصرهم ويطلبون المغفرة لهم من الله تعالى.

أمّا وفق التّفسير الثّاني ، فإنّ تسبيح الملائكة وحمدهم إنّما يكون لتنزيهه تعالى عما ينسب إليه من شرك ، وهم يستغفرون كذلك للمشركين الذين آمنوا وسلكوا طريق التوحيد ورجعوا إلى بارئهم جلّ جلاله.

وعند ما تستغفر الملائكة لمثل هذا الذنب العظيم لدى المؤمنين ، فهي حتما ـ ومن باب أولى ـ تستغفر لجميع ما لهم من ذنوب اخرى. وقد يكون الإطلاق في الآية لهذا السبب بالذات.

نقرأ نظيرا لهذه البشرى العظيمة في الآية (٧) من سورة المؤمن في قوله تعالى :( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ ) .

وأخيرا تشير نهاية الآية الكريمة إلى سادس وسابع صفة من صفات الله تبارك وتعالى ، وتنصب حول الغفران والرحمة ، وتتصل بقضية الوحي ومحتواه ، وبخصوص وظائف المؤمنين ، حيث يقول تعالى :( أَلا إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) .

وبهذا الترتيب أتمّت الآيات الكريمات الإشارة إلى مجموعة متكاملة من

٤٦٤

الأسماء الحسنى المختصة بالله تعالى والمرتبطة بالوحي.

وفي نهاية الآية ثمّة إشارة لطيفة إلى استجابة دعاء الملائكة بخصوص استغفارهم للمؤمنين ، بل أنّه تعالى يضيف الرحمة إلى صفة الغفور ممّا يدل على عظيم فضله.

أمّا عن مسألة الوحي فسيكون لنا كلام مفصل في نهاية هذه السورة إن شاء الله عند ما نتحدّث عن الآيتين (٥١ ، ٥٢).

هل تستغفر الملائكة للجميع؟

قد يطرح السؤال الآتي حول قوله تعالى :( وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ ) .

وهو : الآية تفيد استغفار الملائكة لمطلق أهل الأرض سواء المؤمن منهم أو الكافر ، فهل يمكن ذلك؟

لقد أجابت الآية (٧) من سورة المؤمن على هذا السؤال من خلال قوله تعالى :( يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا ) .

وبناء على هذا فإنّ شرط الاستغفار هو الإيمان ، إضافة إلى كونهم معصومين ، وهم بذلك لا يطلبون المستحيل للذين يفتقدون إلى أرضية الغفران.

* * *

٤٦٥

الآيات

( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (٦) وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (٧) وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٨) )

التّفسير

انطلاقة من «أم القرى» :

تحدثت الآيات السابقة عن قضية الشرك ، لذلك فإنّ الآية الأولى في المجموعة الجديدة ، تتناول بالبحث نتيجة عمل المشركين وعاقبة أمرهم حيث يقول تعالى :( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ ) .

حتى يحاسبهم في الوقت المناسب ، ويعاقبهم جزاء أعمالهم.

ثم تخاطب الآية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله تعالى :( وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ ) إنّ مسئوليتك هي تبليغ الرسالة وإيصال نداء الله الى جميع العباد.

٤٦٦

وثمّة في كتاب الله آيات اخرى تشير إلى هذا المعنى :

قوله تعالى :( لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ) (١) .

قوله تعالى :( ما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ ) (٢) .

قوله تعالى :( وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً ) (٣) .

قوله تعالى :( ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ ) (٤) .

إنّ هذه الآيات تبيّن حقيقة حرية العباد واختيارهم الطريق الذي يريدونه بإرادتهم وحريتهم ، لأنّ القيمة الحقيقة للإيمان والعمل الصالح تمكن في حرية الإختيار ، وليس للإيمان أو العمل الإجباري أي قيمة معنوية.

يعود القرآن إلى قضية الوحي مرّة اخرى ، وإذا كانت الآيات السابقة قد تحدّثت عن أصل الوحي ، فإنّ الكلام هنا ينصب حول الهدف النهائي له ، إذ يقول تعالى :( وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها ) و «امّ القرى» هي مكّة المكرمة ، ثمّ تنذر الناس من يوم القيامة وهو يوم الجمع الذي يجتمع فيه الناس للحساب والجزاء :( وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ ) .

وفي ذلك اليوم ينقسم الناس إلى مجموعتين :( فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ) .

وقد يكون التعبير بـ «كذلك» إشارة إلى أنّه مثلما أوحينا إلى الأنبياء السابقين بلسانهم ، فإنّنا كذلك أوحينا إليك بلسانك ، هذا القرآن العربي.

وعليه تكون «كذلك» إشارة إلى :( وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ ) .

ويمكن أن تكون إشارة إلى ما بعدها ، يعني أنّا أوحيناه إليك بهذه الصورة

__________________

(١) الغاشية ، الآية ٢٢.

(٢) سورة ق ، الآية ٤٥.

(٣) الأنعام ، الآية ١٠٧.

(٤) المائدة ، الآية ٩٩.

٤٦٧

قرآنا عربيا يهدف إلى الإنذار.

صحيح أنّنا نستفيد من نهاية الآية أيّ من قوله تعالى :( فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ) أنّ مسئولية النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هي التبشير والإنذار ، ولكن بسبب ما للإنذار من تأثير أعمق في نفوس الأفراد المعاندين والجهلة ، لذا فإنّ الآية استندت إلى «الإنذار» مرّتين فقط ، مع اختلاف بينهما ، إذ أنّ الكلام شمل في المرحلة الأولى إنذار المستمعين ، بينما شمل في الثانية تخويفهم من شيء يجب أن يخافوه ، يعني القيامة وما فيها من حساب وفضيحة ستكون مؤلمة وصعبة للغاية ، بسبب حضور الأشهاد والملائكة والناس(١) .

وقد يتساءل البعض هنا : إنّنا نستفيد من قوله تعالى :( لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها ) أنّ الهدف من نزول القرآن هو لإنذار أهل مكّة وأطرافها. أفلا يتنافى هذا المعنى مع مفهوم عالمية الإسلام؟

الجواب على هذا الاستفهام يتمّ من خلال ملاحظة المعنى الذي تستبطنه( أُمَّ الْقُرى ) .

إنّ كلمة «أمّ القرى» وهي أحد أسماء مكّة المكرّمة ، مؤلّفة من كلمتين هما : «أمّ» وتعني في الأصل الأساس والبداية في كلّ شيء ، ولهذا السبب تسمى الأمّ بهذا الاسم لأنّها أساس وأصل الأبناء.

ثمّ كلمة «قرى» جمع «قرية» بمعنى أي منطقة معمورة أو مدينة ، سواء كانت المدينة كبيرة أم صغيرة ، أو مجرّد قرية.

وفي القرآن الكريم ثمّة أدلة كثيرة على هذا المعنى.

والآن لنر لماذا سمّيت «مكّة» بأمّ القرى؟

__________________

(١) ينبغي الانتباه ، إلى أنّ (تنذر) تتعدى إلى مفعولين ، وفي الآية مورد البحث ذكر مفعولها الأوّل في الجملة الأولى ، والثّاني في الجملة الثانية. وقد يصحب المفعول الثّاني بالباء فيقال : أنذره بذلك.

٤٦٨

الرّوايات الإسلامية تصرّح بأنّ الأرض كانت في البداية مغطاة جميعها بالماء ، ثمّ بدأت اليابسة تظهر بشكل تدريجي من تحت هذه المياه. (تؤيد النظريات العلمية الآن هذا المعنى).

ثمّ تخبرنا الرّوايات بأنّ منطقة الكعبة كانت أوّلا منطقة ظهرت من تحت الماء ، ثمّ بدأت اليابسة بالاتساع من جوار الكعبة ، ويعرف ذلك بدحو الأرض.

وهكذا يتّضح أن مكّة هي أصل وأساس لجميع القرى والمدن على سطح الأرض ، لذا فمتى قيل( أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها ) فالمعنى سيشمل جميع الناس على سطح الكرة الأرضية(١) .

مضافا إلى ذلك ، نحن نعرف أنّ الإسلام بدأ بالانتشار تدريجيا ، ففي البداية أمر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإنذار المقرّبين إليه ، كما ورد في قوله تعالى :( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) (٢) كي تتقوى قاعدة الإسلام وتصلب نواته ، ويكون أكثر قدرة واستعدادا للانتشار.

ثم جاءت المرحلة الثانية المتمثلة بإنذار العرب ، كما ورد في قوله تعالى :( قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) (٣) .

وكذلك في قوله تعالى :( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ) .

وعند ما ترسخت أعمدة الإسلام بين هؤلاء القوم ، وقوي عوده أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأوسع من ذلك ، أن ينذر العالم والناس كافة ، كما نقرأ في أوّل سورة الفرقان في قوله تعالى :( تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً ) وفي آيات اخرى.

__________________

(١) جاء هذا التعبير في سورة الأنعام كذلك الآية (٩٢) وقد ذكرنا هناك توضيحا أوسع ، فليراجع.

(٢) الشعراء ، الآية ٢١٤.

(٣) فصلت ، الآية ٣ ، إنّ ما قلناه هو في حال اعتبارنا كلمة (عربي) بمعنى اللغة العربية ، أمّا إذا فسرناها بالمعنى الفصيح فسيكون للآية مفهوم آخر.

٤٦٩

وبسبب هذا التكليف قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإرسال الرسائل إلى زعماء العالم خارج الجزيرة العربية ، ودعا كسرى وقيصر والنجاشي وغيرهم إلى الإسلام.

ووفق هذه التعليمات قام أتباعه من بعده بالدعوة إلى الإسلام في مختلف بقاع العالم ، ونشروا تعاليم الإسلام في جميع أرجاء المعمورة.

أمّا لماذا سمّي يوم القيامة بيوم الجمع؟ فهناك أقوال مختلفة منها :

بسبب ما يكون فيه من جمع بين الأرواح والأجساد.

أو بسبب الجمع بين الإنسان وعمله.

أو بسبب الجمع بين الظالم والمظلوم.

ولكن يظهر أنّ السبب يتمثل في الجمع بين الخلائق من الأولين والآخرين كما نقرأ ذلك واضحا في قوله تعالى :( قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ) (١) .

وبما أن قوله تعالى :( فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ) يقسّم الناس إلى فئتين ، فإنّ الآية التي بعدها تضيف :( وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً ) على الهداية.

إلّا أنّ الإيمان الإجباري ليست له قيمة ، وكيف يمكن لمثل هذا الإيمان أن يكون معيارا للكمال الإنساني؟

إنّ التكامل الحقيقي هو أن يسير الإنسان بإرادته وبمنتهى الإختيار والحرية.

إنّ الآيات القرآنية مليئة بأدلة حرية الإنسان ، ومثل هذا الإختيار هو ما يميّز الإنسان عادة عن غيره من الكائنات الأخرى ، وإذا سلبت منه إرادته واختياره فكأنما سلبت منه إنسانيته.

__________________

(١) الواقعة ، الآية ٥٠.

٤٧٠

وكما أن سمة الحرية والإختيار طريق إلى التكامل ، فهي أيضا سنّة إلهية لا قبل التغيير.

ولكن العجيب أمر البعض الذين ما زالوا على عقيدة الجبر ، وهم يدعون أتباعهم للأنبياء ، في حين أنّ قبول الجبر يساوي في الواقع نفي مضمون دعوة جميع الأنبياء ، فلا معنى للتكليف حينئذ ، ولا للحساب والسؤال والجواب ، ولا النصيحة والموعظة ، وبشكل أولى الثواب والعقاب!

ومع عقيدة الجبر لا معنى لتردّد الإنسان في أعماله ، ولا معنى لندمه وعزيمته على تصحيح الأخطاء!

تشير الآية بعد ذلك إلى وصف أهل الجنّة والسعادة حيال أهل النّار ، فيقول تعالى :( وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ) .

وعند ما يشخّص أهل النّار بوصف «الظلم» فيبيّن أنّ المراد من «من يشاء» في الجملة الأولى هم المجموعة التي لا ترتكب الظلم.

وعلى هذا الأساس يكون أهل العدل هم أصحاب الجنّة في مقابل أهل الظلم الذي هم أهل النّار.

ولكن ينبغي الانتباه إلى أنّ «ظالم» هنا ، وفي العديد من الآيات القرآنية الأخرى لها معنى واسع ولا تشمل الذين يظلمون غيرهم فقط ، بل تشمل الذين يظلمون أنفسهم أيضا ، وتشمل المنحرفين عقائديا ، وهل هناك ظلم أعلى من الشرك والكفر؟

يقول لقمان لابنه وهو يعظه :( يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) (١) .

وفي آية اخرى نقرأ قوله تعالى :( أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ

__________________

(١) لقمان ، الآية ١٣.

٤٧١

سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ ) .

وقال بعضهم في الفرق بين «ولي» و «نصير» أنّ «الولي» الذي يقوم بمساعدة الإنسان دون طلبه. أما النصير فأعلم من ذلك(١) .

ويحتمل أن تشير كلمة «ولي» إلى المشرف الذي يقوم بالحماية والمساعدة بحكم ولايته ودون أي طلب.

أمّا «النصير» فالذي يقوم بنصر الإنسان ومساعدته بعد أن يطلب العون.

* * *

__________________

(١) يلاحظ ذلك في مجمع البيان ، المجلد ٨ ، صفحة ٧٧٩ ، ذيل الآية (٢٢) من العنكبوت.

٤٧٢

الآيات

( أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٩) وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (١٠) فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١) لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٢) )

التّفسير

الولي المطلق :

أوضحت الآيات السابقة أن لا وليّ ولا نصير سوى الله ، والآيات التي بين أيدينا تعطي أدلة على هذه القضية ، وتنفي الولاية لما دونه سبحانه وتعالى.

تقول الآية بأسلوب التعجب والإنكار :( أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ) (١) . إلا

__________________

(١) اعتبر بعض المفسّرين (كالزمخشري في الكشاف والفخر ، الرازي في التّفسير الكبير ـ أنّ «أم» هنا بمعنى الاستفهام

٤٧٣

أنّه :( فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُ ) .

فلو أراد هؤلاء أن يختاروا وليا ، فعليهم أن يختاروا الله ، لأنّ أدلة ولايته واضحة في الآيات السابقة ، مع بيان أوصافه الكمالية ، فالعزيز والحكيم ، والمالك والعلي والعظيم ، والغفور والرحيم ، هذه الصفات السبع التي مرّت علينا تعتبر ـ لوحدها ـ أفضل دليل على اختصاص الولاية به.

ثم تذكر دليلا آخر فتقول :( وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى ) .

ويجب اللجوء إليه لا لغيره ، لأنّ المعاد والبعث بيده ، وأنّ أكثر ما يخشاه الإنسان هو مصيره بعد الموت.

ثم تذكر دليلا ثالثا فتقول :( وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .

وهذه إشارة إلى أنّ الشرط الرئيسي للولي هو امتلاكه للقدرة الحقيقة.

الآية التي بعدها تشير إلى الدليل الرابع لولايته تعالى فتقول :( وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ ) . فهو التوحيد الذي يستطيع أن يحل مشاكلكم.

إنّ من اختصاصات الولاية أن يستطيع الولي إنهاء اختلافات من هم تحت ولايته بحكمه الصائب ، فهل تستطيع الأصنام والشياطين التي تعبدونها أن تقوم بذلك ، أم أنّ هذا الأمر يختص بالله الحكيم والعالم والقادر على حل مشاكل عباده ، وتنفيذه لحكمه وإرادته دون غيره؟

إذن فالله العزيز الحكيم هو الحاكم لا غيره.

لقد حاول بعض المفسّرين حصر مفهوم الاختلاف الذي تشير إليه الآية في قوله تعالى :( مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ ) في الاختلاف الوارد في الآيات المتشابهة ، أو في الاختلاف والمخاصمات الحقوقية فقط ، إلّا أنّ مفهوم الآية أوسع من ذلك ، إذ هي تشمل الاختلاف سواء كان في المعارف الإلهية والعقائد ، أم الأحكام

__________________

ـ الإنكاري ، أما البعض الآخر ـ كالطبرسي في «مجمع البيان» والقرطبي في «الجامع لأحكام القرآن» ـ فقد اعتبروها بمعنى «بل».

٤٧٤

الشرعية ، أم القضايا الحقوقية والقضائية ، أم غير ذلك ممّا يحدث بين الناس لقلّة معلوماتهم ومحدوديتها ، إنّ ذلك ينبغي أن يحل عن طريق الوحي ، وبالرجوع إلى علم الله وولايته.

وبعد ذكر الدلائل المختلفة على اختصاص الولاية بالله ، تقول الآيات على لسان النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( ذلِكُمُ اللهُ رَبِّي ) (١) فهو الذي يتصف بهذه الأوصاف الكمالية ولهذا السبب :( عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) أيّ أعود إليه في المشكلات والشدائد والزلات.

جملة :( ذلِكُمُ اللهُ رَبِّي ) تشير إلى الربوبية المطلقة لله بمعنى الحاكمية المتزامنة مع التدبير. ونحن نعلم أنّ للربوبية قسمين : القسم التكويني الذي يعود إلى إرادة نظام الوجود ، والقسم التشريعي الذي يقوم بتوضيح الأحكام ووضع القوانين وإرشاد الناس بواسطة الرسل والأنبياءعليهم‌السلام .

وعلى أساس ذلك طرحت الآية فيما بعد قضية «التوكل» و «الإنابة» حيث تعني الأولى رجوع جميع الأمور الذاتية في النظام التكويني إلى الخالق جلّ وعلا.

والثّانية تعني رجوع الأمور التشريعية إليه(٢) .

الآية التي تليها يمكن أن تكون دليلا خامسا على ولاية الله المطلقة ، أو دليلا على ربوبيته ، واستحقاقه دون غيره للتوكل والإنابة ، إذ تقول :( فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) .

«فاطر» من مادة «فطر» وتعني في الأصل فتق شيء ما ، ويقابلها «قط» التي تعني بقول البعض الشق العرضي.

وكأنّما الآية تشير إلى تفتق ستار العدم المظلم عند خلق الكائنات وخروج

__________________

(١) في بداية هذه الجملة تكون كلمة «قل» مقدّرة ، فهذه الجملة وما بعدها تتحدث عن لسان النبيّ فقط ، أمّا جملة( مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ ) فهي استمرار لحديث الخالق جلّ وعلا. والذين اختاروا غير ذلك لم يسلكوا الطريق الصحيح في الظاهر.

(٢) الميزان ، المجلد ١٨ ، الصفحة ٢٣.

٤٧٥

الموجودات منه.

وبهذه المناسبة فإنّ «فطر» تطلق على «طلاع» التمر عند ما يتفتق ويخرج منه التمر.

والمقصود بالسماوات والأرض هنا جميع السماوات والأرض وما فيها من كائنات وما بينها ، لأنّ الخالقية تشملها جميعا.

ثم تشير الآية إلى وصف آخر من أفعاله تعالى فتقول :( جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ) (١) .

وهذه لوحدها تعتبر إحدى الدلائل الكبيرة على تدبير الله وربوبيته وولايته ، حيث خلق سبحانه وتعالى للناس أزواجا من أنفسهم ، وهو يعتبر أساسا لراحة الروح وسكون النفس ، ومن جانب آخر يعتبر الزواج أساسا لبقاء النسل واستمراره ، وتكاثره.

وبالرغم من أنّ خطاب الآية موجّه للإنسان ، والمعنى منصب عليه من خلال «يذرؤكم» إلّا أنّ هذا الأمر هو حكم سائد وسنة جارية في جميع الأنعام والموجودات الحية الأخرى التي تسري عليها التكاثر بالمثل.

وفي الواقع إنّ توجيه الخطاب للإنسان دونها يشير الى مقامه الكريم ، وأما أمر البقية فيتبيّن من خلال الإنسان كمثال.

الصفة الثّالثة التي تذكرها الآية هو قوله تعالى :( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) .

إنّ هذا الجزء من الآية يتضمّن حقيقة أساسية في معرفة صفات الله الأخرى ، وبدونها لا يمكن التوصّل إلى أي صفة من صفات الله ، لأنّ أكبر منزلق يواجه السائرين في طريق معرفة الله يتمثل في «التشبيه» حيث يشبهون الخالق جلّ وعلا بصفات مخلوقاته ، وهو أمر يؤدي للسقوط في وادي الشرك!

__________________

(١) الضمير في «فيه» يعود إلى «التدبير» أو «جعل الأزواج» و «يذرؤ» من «ذرأ» على وزن «زرع» وتعني «الخلق» لكنّه الخلق الذي يقترن ويتزامن مع إظهار الأفراد. وقد وردت أيضا بمعنى الانتشار.

٤٧٦

إنّ وجود الله تعالى ليس له نهاية ولا يحد بحد ، وكل شيء غيره له نهاية وحد من حديث القدر والعمر والعلم والحياة والإرادة والفعل ، وفي كلّ شيء.

وهذا هو خط تنزيه الخالق من نقائص الممكنات.

لذا فإنّ ما يثبت لغيره لا يصح عليه (سبحانه وتعالى) ولا ينطبق على ذاته المنزّهة ، بل ولا معنى له.

فبالنسبة إلينا تكون بعض الأمور سهلة والأخرى صعبة ، وبعض الأحداث وقع في الماضي وبعضها يقع الآن ، ومنها ما يقع في المستقبل. وبعض الأشياء صغير وبعضها كبير.

إنّ مقاييس هذه الأشياء ومدلولاتها ومفاهيمها تحتكم إلى وجودنا المحدود ، وهي تلائم إدراكنا وحاجتنا إلى مقايسة الأشياء بغيرها.

أمّا هذه المواصفات والمقاييس والمصطلحات المحدودة ، فإنّ أيا منها لا ينطبق على صفات الله ، إذ لا معنى لديه للقرب والبعد ، فالكل قريب وفي متناول إرادته ، ولا معنى للصعب والسهل ، فكل شيء سهل وطوع إرادته المطلقة ، ولا يوجد مستقبل وماض ، فكل شيء بالنسبة إليه تعالى حضور وحال.

إنّ إدراك هذه المعاني غير مستطاع من دون تفريغ الذهن وتخليته ممّا هو فيه.

لهذا السبب يقال : إنّ من السهل معرفة أصل وجود الخالق جلّ وعلا ، لكن من الصعب معرفة صفاته.

يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام في هذا الشأن : «وما الجليل واللطيف ، والثقيل والخفيف ، والقوي والضعيف في خلقه إلّا سواء»(١) .

تشير نهاية الآية إلى صفات اخرى من صفات الله :( وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) .

هو الخالق والمدبّر ، والسميع والبصير ، وفي نفس الوقت ليس له شبيه أو نظير

__________________

(١) نهج البلاغة ، الخطبة رقم ١٨٤.

٤٧٧

أو مثيل ، ولهذا لا ينبغي الاستظلال إلّا تحت ولايته ، ولا تصح العبودية والربوبية إلّا له ، وذلك لا يكون ألّا بفك قيود عبودية الغير ، وتصريفها إليه دون غيره سبحانه وتعالى.

الآية التي بعدها تتحدّث عن ثلاثة أقسام أخرى من صفات الفعل والذات حيث توضح كلّ واحدة منها قضية الولاية والربوبية في بعد خاص.

يقول تعالى :( لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) .

فكل ما يملكه مالك هو منه سبحانه وتعالى ، وكل ما يرغب به راغب ينبغي أن يطلبه منه ، لأنّ له تعالى خزائن السماوات والأرض وليس «مفاتيحها» وحسب( وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) (١) .

«مقاليد» جمع «مقليد» وتعني المفتاح ، وهي تستخدم ككناية للسيطرة الكاملة على كلّ شيء ما ، فيقال مثلا : إنّ مفتاح هذا الأمر بيدي ، يعني أنّ برنامجه وطريقه وشرائطه كلّها تحت قدرتي وفي يدي.(٢) .

وفي الصفة الأخرى ، والتي هي في الواقع ثمرة ونتيجة للصفة السابقة تقول الآية :( يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ ) لأنّ بيده تعالى جميع خزائن السماوات والأرض فإنّ جميع الأرزاق في قبضته ، ويقسمها وفقا لمشيئته التي تصدر بمقتضى حكمته ، ويلاحظ فيها مصلحة العباد.

إنّ من مقتضيات استفادة جميع الكائنات من رزقه تعالى هو العلم بمقدار حاجتها ، ومكانها وسائر شؤون حياتها الأخرى ، لذا تضيف الآية في آخر صفة قوله تعالى :( إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) .

وهناك ما يشبه هذا الأمر وهو ما جاء في الآية (٦) من سورة «هود» في قوله تعالى:( وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ

__________________

(١) المنافقون ، آية ٧.

(٢) بهذا الخصوص لدينا بحث مفصل يمكن مراجعته في نهاية الحديث عن الآية (٦٣) من سورة «الزمر».

٤٧٨

فِي كِتابٍ مُبِينٍ ) .

وبذلك يتّضح أنّ الآيات الأربع التي بحثناها ذكرت إحدى عشرة صفة من صفات الله الكمالية سواء الذاتية منها أو الفعلية.

فقد وصفته بصفات الولاية المطلقة ، إحياء الموتى ، قدرته على كلّ شيء ، خلقه للسماوات والأرض ، خلقه للأزواج وتكثير النسل ، لا يوجد مثيل له ، سميع ، بصير ، له خزائن السماوات والأرض ، رزاق ، وعليم بكل شيء.

إنّها صفات تكمل الواحدة منها الأخرى من حيث البيان ، وكلّها دليل على ولايته وربوبيته ، وبالنتيجة تعتبر طريقا لإثبات توحيده في العبادة.

* * *

بحوث

١ ـ معرفة صفات الله تعالى

إنّ علمنا وعلوم الكائنات جميعا محدود ، لذا لا نستطيع أن نصل إلى كنه وحقيقة ذات الخالق غير المحدودة ، لأنّ المعرفة بحقيقة شيء ما تعني الإحاطة به ، فكيف يستطيع الكائن المحدود أن يحيط بالذات غير المحدودة؟

وكذلك الحال بالنسبة لصفات الله ، إذ لا يمكن معرفتها بالنسبة لنا ، خصوصا وأنّ صفاته هي عين ذاته.

لذلك فعلمنا بذات الخالق وصفاته هو علم إجرائي ، وأكثر ما يدور حول آثاره جلّ وعلا.

من جانب آخر لا تستطيع ألفاظنا أن تبيّن ذات الله وصفاته المطلقة غير المحدودة ، لأنّ ألفاظنا موضوعة لتلبية حاجاتنا في حياتنا اليومية ، لذلك سوف نصل إلى معاني خاطئة من خلال استخدام ألفاظنا في توصيف صفات الخالق الكمالية ، كالعلم والقدرة والحياة والولاية والمالكية ، وسائر الصفات الأخرى.

٤٧٩

نقول مثلا : إنّ الله هو «الأول» وهو أيضا «الآخر» هو «الظاهر» وهو «الباطن» هو مع كلّ شيء وليس مع شيء ، وبعيد عن كلّ شيء إلّا أنّه ليس غربيا عنه.

قد يبدو في بعض هذه الألفاظ تناقض أو تضاد ، لأنّ معاني الألفاظ نقيسها على الأشياء والموجودات المحدودة ، فيمكن أن يكون هو الأوّل ولا يكون الآخر ، والظاهر ولا يكون باطن ، ولكن التفكير الدقيق في ذات الله وصفاته يوصلنا إلى إمكانية انطباق معاني هذه الألفاظ عليه ، فهو الأوّل في نفس الوقت الذي هو الآخر ، وهو الباطن في نفس الوقت الذي يكون فيه هو الظاهر أيضا.

وعلينا أن نعترف هنا بأنّ المهم في معرفة أوصافه الجمالية والجلالية هو أن ننتبه إلى حقيقة :( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) .

يشير أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام إلى هذه الحقيقة بوضوح فيقول : «ما وحده من كيفه ، ولا حقيقته أصاب من مثله ، ولا إيّاه عنى من شبهه ، ولا صمده من أشار إليه وتوهمه»(١) .

وفي مكان آخر يقولعليه‌السلام : «كل مسمّى بالوحدة غير قليل»(٢) .

خلاصة القول : يجب ولوج البحث في صفات الخالق على ضوء قوله تعالى :( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) وعلينا أن ننظر إلى ذاته المقدسة من خلال قوله تعالى:( وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ) وعبارة «سبحان الله» في العبادات وغيرها تشير إلى هذه الحقيقة.

٢ ـ ملاحظة أدبية

إنّ الكاف في جملة( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) للتشبيه ، وتعني المثل أيضا. لذا فإنّ هذا التكرار أصبح سببا لأن يعتبر الكثير من المفسّرين أنّها زائدة ، وأنّها جاءت

__________________

(١) الخطبة رقم (١٨٦).

(٢) نهج البلاغة ، الخطبة رقم ٦٥.

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702