المزار الكبير

المزار الكبير8%

المزار الكبير مؤلف:
المحقق: جواد القيّومي الإصفهاني
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 964-92002-0-7
الصفحات: 702

المزار الكبير
  • البداية
  • السابق
  • 702 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 192473 / تحميل: 7003
الحجم الحجم الحجم
المزار الكبير

المزار الكبير

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٩٢٠٠٢-٠-٧
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

صلى الله عليك وعلى روحك وبدنك ، اشهد انك مضيت علىبينة من ربك ، وان من سرك فقد سر رسول الله ، ومن جفاك فقد جفارسول الله ، ومن قطعك فقد قطع رسول الله ، لأنك بضعة(١) منه وروحهالتي بين جنبيه ، كما قال عليه أفضل سلام الله وأفضل صلواته.

اشهد الله ورسوله وملائكته اني راض عمن رضيت عنه ، ساخطعمن سخطت عليه ، متبرئ ممن تبرأت منه ، موال لمن واليت ، معادلمن عاديت ، مبغض لمن أبغضت ، محب لمن أحببت ، وكفى باللهشهيدا حسيبا وجازيا ومثيبا.

ثم قل :

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد بن عبد الله خاتمالنبيين وخير الخلق أجمعين ، وصل على وصيه علي بن أبي طالبأمير المؤمنين وامام المسلمين وخير الوصيين ، وصل على فاطمة بنتمحمد سيدة نساء العالمين ، وصل على سيدي شباب أهل الجنة الحسنوالحسين ، وصل على زين العابدين علي بن الحسين ، وصل علىمحمد بن علي باقر علم النبيين ، وصل على الصادق عن الله جعفر بنمحمد ، وصل على كاظم الغيظ في الله موسى بن جعفر ، وصل علىالرضا علي بن موسى ، وصل على التقي محمد بن علي ، وصل علىالنقي علي بن محمد ، وصل على الزكي الحسن بن علي ، وصل على

__________________

(١) البضعة ـ بفتح الباء وقد يكسر ـ القطعة من اللحم.

٨١

الحجة القائم بن الحسن بن علي.

اللهم أحيي به العدل ، وأمت به الجور ، وزين ببقائه الأرض ، وأظهر به دينك وسنة نبيك ، حتى لا يستخفى بشئ من الحق مخافة أحدمن الخلق ، واجعلنا من أشياعه واتباعه والمقبولين في زمرة أوليائه يارب العالمين ، اللهم صل على محمد وأهل بيته الذين أذهبت عنهمالرجس وطهرتهم تطهيرا.

ثم صل ما بدا لك وادع بما شئت(١) .

٣ ـ زيارة أخرى لهاعليها‌السلام عند بيتها وبالبقيع ، تقول :

السلام على البتولة الشهيدة ابنة النبي الرحمة ، وزوج الوصيالحجة وأم السادة الأئمة ، السلام عليك يا فاطمة الزهراء ابنة النبيالمصطفى ، السلام عليك وعلى أبيك ، السلام عليك وعلى بعلك وبنيك.

السلام عليك أيتها الممتحنة ، السلام عليك أيتها المظلومةالصابرة ، لعن الله من منعك حقك ودفعك عن ارثك ، ولعن الله منكذبك وأعنتك(٢) وغصصك بريقك وادخل الذل بيتك ، لعن الله منرضي بذلك وشايع فيه واختاره وأعان عليه ، والحقهم بدرك الجحيم.

اني أتقرب إلى الله سبحانه بولايتكم أهل البيت والبراءة من

__________________

(١) رواه الشيخ في التهذيب ٦ : ٩ ، عنه البحار ١٠٠ : ١٩٤.

(٢) أعنته : ادخل المشقة عليه.

٨٢

أعدائكم من الجن والإنس ، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين(١) .

الباب (٤)

ذكر ما يفعله الزائر عند مقام جبرئيلعليه‌السلام بالمسجد

سئل الصادق جعفر بن محمدعليهما‌السلام عن مقام جبرئيلعليه‌السلام فقال :تحت الميزاب الذي إذا خرجت من الباب الذي يقال له باب فاطمةعليها‌السلام بحيال الباب ، والميزاب فوقك والباب من وراء ظهرك(٢) .

فان قدرت ان تصلي فيه ركعتين مندوبا فافعل ، فإنه لا يدعو أحدهناك الا استجيب له ، وتقول هناك :

يا من خلق السماوات وملاها جنودا من المسبحين له من ملائكتهوالممجدين لقدرته وعظمته ، وافرغ على أبدانهم حلل الكرامات ،وأنطق ألسنتهم بضروب اللغات ، وألبسهم شعار التقوى ، وقلدهمقلائد النهي ، وجعلهم أوفر أجناس خلقه معرفة بوحدانيته وقدرتهوجلالته وعظمته ، وأكملهم علما به ، وأشدهم فرقا ، وأدومهم له طاعةوخضوعا واستكانة وخشوعا.

يا من فضل الأمين جبرئيلعليه‌السلام بخصائصه ودرجاتهومنازله ، واختاره لوحيه وسفارته وعهده وأمانته ، وانزال كتبه وأوامره

__________________

(١) رواه السيد في مصباح الزائر : ٢٦ ، عنه البحار ١٠٠ : ١٩٨.

(٢) عنه البحار ١٠٠ : ١٨٠.

٨٣

على أنبيائه ورسله ، وجعله واسطة بين نفسه وبينهم.

أسألك ان تصلي على محمد وعلى جميع ملائكتك وسكانسماواتك ، اعلم خلقك بك ، وأخوف خلقك لك ، وأقرب خلقك منكواعمل خلقك بطاعتك ، الذين لا يغشاهم نوم العيون ، ولا سهوالعقول ، ولا فترة الأبدان ، المكرمين بجوارك ، والمؤتمنين على وحيك ،المجتنبين الآفات ، الموقين السيئات.

اللهم واخصص الروح الأمين صلواتك عليه باضعافها منك ،وعلى ملائكتك المقربين وطبقات الكروبيين والروحانيين ، وزد فيمراتبه عندك ، وحقوقه التي له على أهل الأرض بما كان ينزل به منشرايع دينك وما بينته لهم على السنة أنبيائك من محللاتك ومحرماتك.

اللهم أكثر صلواتك على جبرئيل ، فإنه قدوة الأنبياء ، وهاديالأصفياء ، وسادس أصحاب الكساء ، اللهم اجعل وقوفي في مقامه هذاسببا لنزول رحمتك به علي وتجاوزك عني.

وتقول :

اي جواد اي كريم ، اي قريب اي بعيد ، أسألك ان تصلي علىمحمد وال محمد وان توفقني لطاعتك ، ولا تزل عني نعمتك ، وانترزقني الجنة برحمتك ، وتوسع علي من فضلك ، وتغنيني عن شرارخلقك ، وتلهمني شكرك وذكرك ، ولا تخيب يا رب دعائي ، ولا تقطع

٨٤

رجائي بمحمد واله(١) .

الباب (٥)

ما يفعله عند أسطوانة أبي لبابةرضي‌الله‌عنه

تصلي ركعتين مندوبا عند أسطوانة أبي لبابة ، وهي أسطوانة التوبة ، وقل بعدهما :

بسم الله الرحمن الرحيم ، اللهم لا تهني بالفقر ، ولا تذلني بالدين ،ولا تردني إلى الهلكة ، واعصمني كي اعتصم ، وأصلحني كي انصلح ،واهدني كي اهتدي.

اللهم أعني على اجتهاد نفسي ، ولا تعذبني بسوء ظني ،ولا تهلكني وأنت رجائي ، وأنت أهل ان تغفر لي ، وقد أخطأت وأنتأهل العفو عني ، وقد أقررت وأنت أهل ان تقيل ، وقد عثرت وأنتأهل ان تحسن ، وقد أسأت وأنت أهل التقوى والمغفرة ، فوفقني لماتحب وترضى ، ويسر لي اليسير وجنبني كل عسير.

اللهم أغنني بالحلال عن الحرام ، وبالطاعات عن المعصيات ،وبالغني عن الفقر ، وبالجنة عن النار ، وبالابرار عن الفجار ، يا من ليسكمثله شئ وهو السميع البصير ، وأنت على كل شئ قدير(٢) .

__________________

(١) رواه السيد في مصباح الزائر : ٢٥ ، عنه البحار ١٠٠ : ١٦٦.

(٢) عنه البحار ١٠٠ : ١٦٧.

٨٥

الباب (٦)

باب زيارة الأئمةعليهم‌السلام بالبقيع

أبي محمد الحسن بن علي ، وأبي محمد علي بن الحسينزين العابدين ، وأبي جعفر محمد بن علي الباقر ، وأبي عبد الله جعفر بنمحمد الصادق صلوات الله عليهم أجمعين.

١ ـ فإذا أتيتهم فقف عندهم واجعل القبر بين يديك ، وقل :

السلام عليكم أئمة الهدى ، السلام عليكم أهل التقوي ، السلامعليكم أيها الحجج على أهل الدنيا ، السلام عليكم أيها القوام في البرية ،السلام عليكم أهل الصفوة ، السلام عليكم أهل النجوي(١) .

اشهد انكم قد بلغتم ونصحتم وصبرتم في ذات اللهعزوجل ،وكذبتم وأسئ إليكم فغفرتم ، واشهد انكم الأئمة الراشدون المهديون ،وان طاعتكم مفروضة ، وان قولكم الصدق ، وانكم دعوتم فلم تجابوا ،وأمرتم فلم تطاعوا ، وانكم دعائم الدين ، وأركان الأرض.

لم تزالوا بعين الله(٢) عزوجل ، ينسخكم في أصلاب كل مطهر ،وينقلكم في الأرحام الطاهرات ، لم تدنسكم الجاهلية الجهلاء ،

__________________

(١) أهل النجوي : اي تناجون الله ويناجيكم ، أو عندكم الاسرار التي ناجي الله بها رسوله.

(٢) لم تزالوا بعين الله : اي منظورين بعين عنايته ولطفه.

٨٦

ولم تشرك فيكم فتن الأهواء(١) طبتم وطهرتم

من بكم علينا ديان الدين ، فجعلكم في بيوت اذن الله ان ترفعويذكر فيها اسمه ، وجعل صلاتنا عليكم ، رحمة لنا وكفارة لذنوبنا ،واختاركم لنا ، وطيب خلقنا بما من به علينا من ولايتكم ، وكنا عندهمسمين.

وهذا مقام من أسرف واخطأ ، واستكان(٢) وأقر بما جنى ، يرجوبمقامه الخلاص ، وان يستنقذه بكم مستنقذ الهلكى ، فكونوا لي شفعاء ،فقد وفدت إليكم إذ رغب عنكم مخالفوكم عنكم من أهل الدنيا ،واتخذوا آيات الله هزوا ولعبا واستكبروا عنها(٣) .

ثم ترفع رأسك وتقول :

يا من هو قائم لا يسهو ، ودائم لا يلهو ، ومحيط بكل شئ ، لكالمن بما وفقتني وعرفتني بما أعنتني عليه ، إذ صد عنه عبادك ، وجهلوامعرفتهم ، واستخفوا بحقهم ، ومالوا إلى سواهم ، وكانت المنة لك عليومنك إلي.

فلك الحمد إذ كنت عندك في مقامي هذا مذكورا مكتوبا ،

__________________

(١) لم تشرك فيكم فتن الأهواء : لم يصادفكم في آبائكم أهل الأهواء الباطلة ، اي لم يكونوا كذلك بلكانوا على الحق والدين القويم ، أو المراد خلوص نسبهم عن الشبهة ، أو انه لم تشرك في عقائدكم وأعمالكمفتن الأهواء والبدع ـ البحار

(٢) استكان : تضرع.

(٣) ثم ترفع رأسك وتقول ( خ ل ).

٨٧

فلا تحرمني ما رجوت ، ولا تخيبني فيما دعوت

وادع لنفسك ولوالديك ولمن أحببت بما شئت من الدعاء ، وصللكل امام ركعتين زيارة مندوبا وانصرف(١) .

٢ ـ زيارة أخرى لهمعليهم‌السلام :

يستحب لمن أراد زيارتهم ان يغتسل أولا ثم يأتي بسكينة(٢) ووقار ،فإذا ورد إلى الباب الشريف وقف عليه وقال :

يا موالي يا أبناء رسول الله ، عبدكم وابن أمتكم ، الذليل بينأيديكم ، والمضعف في علو قدركم ، والمعترف بحقكم ، جاءكممستجيرا بكم ، قاصدا إلى حرمكم ، متوسلا إلى مقامكم ، متوسلا إلىالله بكم.

أأدخل يا موالي ، أأدخل يا أمناء الله ، أأدخل يا أولياء الله ،أأدخل يا ملائكة الله المحدقين بهذا الحرم ، المقيمين بهذا المشهد.

واخشع لربك وابك ، فان خشع قلبك ودمعت عيناك فهو علامةالقبول والاذن ، وادخل رجلك اليمنى القبة واخر اليسرى ، وقل :

الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا ، وسبحان الله بكرة وأصيلا ،

__________________

(١) رواه في الكامل : ١١٧ ، عنه البحار ١٠٠ : ٢٠٣ ، ذكره في مصباح المتهجد : ٦٥٧.

(٢) قال الكفعمي : السكينة فعيلة من السكون ، يعني السكون الذي هو وقار ، لا السكون الذي هوضد الحركة.

٨٨

والحمد لله الفرد الصمد الماجد الاحد ، المتفضل المنان المتطولالحنان ، الذي من بطوله ، وسهل زيارة سادتي باحسانه ، ولم يجعلنيعن زيارتهم ممنوعا بل تطول ومنح.

ثم ادخل واجعل القبور بين يديك وقل :

السلام عليكم أئمة الهدى ، السلام عليكم أهل التقوى ، السلامعليكم أيها الحجج على أهل الدنيا ، السلام عليكم القوام في البريةبالقسط ، السلام عليكم أهل الصفوة ، السلام عليكم أهل النجوى.

اشهد انكم قد بلغتم عن الله ونصحتم أولياء الله وصبرتم فيذات الله ، وانكم المهتدون ، وان طاعتكم مفروضة ، وان قولكمالصدق ، وانكم دعائم الدين ، وأركان الأرض.

لم تزالوا بعين الله ، ينسخكم في أصلاب كل مطهر ، وينقلكم منأصلاب المطهرات ، لم تدنسكم الجاهلية الجهلاء ، ولم تشرك فيكم فتنالأهواء ، طبتم وطاب منبتكم.

من بكم علينا ديان الدين ، فجعلكم في بيوت اذن الله ان ترفعويذكر فيها اسمه ، وجعل صلاتنا عليكم ، وطيب خلقتنا بما من به علينامن ولايتكم ، وكنا عنده مسمين بعلمكم ، معترفين بتصديقنا إياكم.

وهذا مقام من أسرف واخطأ ، واستكان وأقر بما جنى ، ورجابمقامه الخلاص من لظى ، وان يستنقذه بكم مستنقذ الهلكى من الردى ،فكونوا لي شفعاء ، فقد وفدت إليكم إذ رغب عنكم أهل الدنيا ، واتخذوا

٨٩

آيات الله هزوا واستكبروا عنها.

السلام عليكم يا ساداتي ، انا عبدكم ومولاكم وزائركم ، اللائذبكم ، أتوسل إلى الله في نجح طلبتي وكشف كربتي ، وإجابة دعوتي وغفران حوبتي ، واسأله ان يسمع ويجيب برحمته.

وصل صلاة الزيارة ، وصفتها ان تنوي بقلبك صلاة الزيارة مندوباقربة إلى الله تعالى ، وتكون النية مقارنة للفعل ، وتصلي لكل امام ركعتين ، وادع بما تحب ، واسأله الحوائج ، فإنه موضع إجابة(١) .

الباب (٧)

زيارة إبراهيم ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

فإذا خرجت من قبة الأئمةعليهم‌السلام وامض إلى قبر إبراهيمعليه‌السلام ، فإذاوقفت عليه فقل :

السلام على رسول الله ، السلام على نبي الله ، السلام على حبيبالله ، السلام على صفي الله ، السلام على نجي الله ، السلام على محمدابن عبد الله سيد الأنبياء وخاتم المرسلين وخيرة الله من خلقه وسمائه ،السلام على جميع أنبياء الله ورسله ، السلام على الشهداء والسعداءوالصالحين ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

السلام عليك أيتها الروح الزاكية ، السلام عليك أيتها النفس

__________________

(١) عنه البحار ١٠٠ : ٢١١.

٩٠

الشريفة ، السلام عليك أيتها السلالة الطاهرة ، السلام عليك أيتها النسمةالزاكية ، السلام عليك يا بن خير الورى ، السلام عليك يا بن النبيالمجتبى ، السلام عليك يا بن المبعوث إلى كافة الورى.

السلام عليك يا بن البشير النذير ، السلام عليك يا بن السراجالمنير ، السلام عليك يا بن المؤيد بالقرآن ، السلام عليك يا بن المرسلإلى الإنس والجان ، السلام عليك يا بن صاحب الراية والعلامة ، السلامعليك يا بن الشفيع يوم القيامة ، السلام عليك يا بن من حباه الله بالكرامة ،السلام عليك ورحمة الله وبركاته.

اشهد انك قد اختار الله لك دار انعامه قبل ان يكتب عليك احكامهأو يكلفك حلاله وحرامه ، فنقلك إليه طيبا زاكيا مرضيا طاهرا من كلنجس ، مقدسا من كل دنس ، وبوأك جنة المأوى ، ورفعك إلى درجاتالعلى ، وصلى الله عليك صلاة يقر بها عين رسوله ، ويبلغه بها أكبرمأمولة.

اللهم اجعل أفضل صلواتك وأزكاها ، وأنمى بركاتك وأوفاها ،على رسولك ونبيك وخيرتك من خلقك ، محمد خاتم النبيين ، وعلىما نسل من أولاده الطيبين ، وعلى ما خلف من عترته الطاهرين ،برحمتك يا ارحم الراحمين.

اللهم إني أسألك بحق محمد صفيك ، وإبراهيم نجل نبيك ، انتجعل سعيي بهم مشكورا ، وذنبي بهم مغفورا ، وحياتي بهم سعيدة ،

٩١

وعافيتي بهم حميدة ، وحوائجي بهم مقضية ، وافعالي بهم مرضيةوأموري بهم مسعودة ، وشؤوني بهم محمودة.

اللهم وأحسن لي التوفيق ، ونفس عني كل هم وضيق ، اللهمجنبني عقابك ، وامنحني ثوابك ، واسكني جنانك ، وارزقني رضوانكوأمانك ، واشرك في صالح دعائي والدي وولدي وجميع المؤمنينوالمؤمنات ، الاحياء منهم والأموات ، انك ولي الباقيات الصالحات ،امين رب العالمين.

ثم يسأل حوائجه ، ويصلي ركعتي الزيارة مندوبا قربة إلى الله(١) .

الباب (٨)

زيارة فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام

فإذا وقف على قبرها قال :

السلام على نبي الله ، السلام على رسول الله ، السلام على محمدسيد المرسلين ، السلام على سيد الأولين ، السلام على سيد الآخرين ،السلام على من بعثه الله رحمة للعالمين ، السلام عليك أيها النبيورحمة الله وبركاته.

السلام على فاطمة بنت أسد الهاشمية ، السلام عليك أيتهاالصديقة المرضية ، السلام عليك أيتها التقية النقية ، السلام عليك أيتها

__________________

(١) عنه وعن المفيد والشهيد والسيد ، البحار ١٠٠ : ٢١٧.

٩٢

الكريمة الرضية ، السلام عليك يا كافلة محمد خاتم النبيين.

السلام عليك يا من ظهرت شفقتها على رسول الله خاتم النبيين ،السلام عليك يا من تربيتها لولي الله الأمين ، السلام عليك وعلىروحك وبدنك الطاهر ، السلام عليك وعلى ولدك ورحمة اللهوبركاته.

اشهد انك أحسنت الكفالة وأديت الأمانة ، واجتهدت في مرضاةالله ، وبالغت في حفظ رسول الله ، عارفة بنبوته ، مستبصرة بنعمته ،كافلة بتربيته ، مشفقة على نفسه ، واقفة على خدمته ، مختارة رضاه ،مؤثرة رضاه.

واشهد انك مضيت على الايمان والتمسك بأشرف الأديان ،راضية مرضية ، طاهرة زكية ، تقية نقية ، فرضي الله عنك وأرضاك ،وجعل الجنة منزلك ومأواك.

اللهم صل على محمد وال محمد وانفعني بزيارتها ، وثبتني علىمحبتها ، ولا تحرمني شفاعتها وشفاعة الأئمة من ذريتها ، وارزقنيمرافقتها ، واحشرني معها ومع أولادها الطاهرين.

اللهم لا تجعله اخر العهد من زيارتي إياها ، وارزقني العود إليهاابدا ما أبقيتني ، وإذا توفيتني فاحشرني في زمرتها ، وادخلني فيشفاعتها ، برحمتك يا ارحم الراحمين.

اللهم بحقها عندك ومنزلتها لديك اغفر لي ولوالدي ولجميع

٩٣

المؤمنين والمؤمنات ، وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنابرحمتك عذاب النار.

وتصلي ركعتين للزيارة مندوبا قربة إلى الله تعالى(١) .

الباب (٩)

زيارة حمزة بن عبد المطلب بأحدرضي‌الله‌عنه

إذا اتيت قبرهعليه‌السلام بأحد فقل :

السلام عليك يا عم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، السلام عليكيا خير الشهداء ، السلام عليك يا أسد الله واسد رسوله ، اشهد انك قدجاهدت في اللهعزوجل ، وجدت بنفسك ، ونصحت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكنت فيما عند الله سبحانه راغبا.

بابي أنت وأمي اتيتك متقربا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك ، راغبا إليك في الشفاعة ، ابتغي بزيارتك خلاص نفسي ، متعوذابك من نار استحقها مثلي بما جنيت على نفسي ، هاربا من ذنوبي التياحتطبتها على ظهري ، فزعا إليك رجاء رحمة ربي.

اتيتك استشفع بك إلى موالي ، وأتقرب بنبيه إليه ليقضي لي بكحوائجي ، اتيتك من شقة بعيدة طالبا فكاك رقبتي من النار ، وقد أوقرتظهري ذنوبي ، واتيت ما اسخط ربي ، ولم أجد أحدا افزع إليه خيرا لي

__________________

(١) عنه البحار ١٠٠ : ٢١٧.

٩٤

منكم أهل بيت الرحمة ، وكن لي شفيعا يوم فقري وحاجتي

فقد سرت إليك محزونا ، واتيتك مكروبا ، وسكبت عبرتي عندكباكيا ، وصرخت إليك منفردا ، أنت ممن امرني الله بصلته ، وحثني علىبره ، ودلني على فضله ، وهداني لحبه ، ورغبني في الوفادة إليه ،والهمني طلب الحوائج عنده ، أنتم أهل بيت لا يشقى من تولاكم ،ولا يخيب من اتاكم ، ولا يخسر من يهواكم ، ولا يسعد من عاداكم.

ثم تستقبل القبلة وتجعل القبر بين يديك وتصلي ركعتين مندوباللزيارة ، فإذا فرغت من صلاتك فانكب على القبر وقل :

اللهم صل على محمد وال محمد ، اللهم إني تعرضت لرحمتكبلزومي لقبر عم نبيكصلى‌الله‌عليه‌وآله لتجيرني من نقمتك وسخطكومقتك ، في يوم تكثر فيه الأصوات ، وتشغل كل نفس بما قدمت ، وتجادل كل نفس عن نفسها ، فان ترحمني اليوم فلا خوف علي ولا حزن ،وان تعاقب فمولى له القدرة على عبده ، ولا تخيبني بعد اليوم ، ولاتصرفني بغير حاجتي.

فقد لصقت بقبر عم نبيك ، وتقربت به إليك ابتغاء مرضاتك ورجاء رحمتك ، فتقبل مني ، وعد بحلمك على جهلي ، وبرأفتك علىجناية نفسي ، فقد عظم جرمي ، وما أخاف ان تظلمني ولكن أخاف سوءالحساب ، فانظر اليوم تقلبي على قبر عم نبيكعليهما‌السلام ، فبهمافكني من النار ، ولا تخيب سعيي ، ولا يهونن عليك ابتهالي ، ولا تحجبنعنك صوتي ، ولا تقلبني بغير حوائجي.

٩٥

يا غياث كل مكروب ومحزون ، يا مفرجا عن الملهوف الحيرانالغريق المشرف على الهلكة ، فصل على محمد وال محمد وانظر إلينظرة لا أشقى بعدها ابدا ، وارحم تضرعي وعبرتي وانفرادي ، فقدرجوت رضاك وتحريت(١) الخير الذي لا يعطيه أحد سواك ، فلا ترد املي.

اللهم ان تعاقب فمولى له القدرة على عبده وجزاؤه فعله ،فلا أخيبن اليوم ، ولا تصرفني بغير حاجتي ، ولا يخيبن شخوصيووفادتي ، فقد أنفدت نفقتي ، وأتعبت بدني ، وقطعت المفازات ،وخلفت الأهل والمال وما خولتني ، واثرت ما عندك على نفسي ،ولذت بقبر عم نبيكصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتقربت به ابتغاء مرضاتك ،فعد بحلمك على جهلي ، وبرأفتك على ذنبي فقد عظم جرمي برحمتكيا كريم(٢) .

الباب (١٠)

زيارة قبور الشهداء بأحد رضوان الله عليهم

إذا اتيت قبورهم فقل :

السلام على رسول الله ، السلام على نبي الله ، السلام على محمدابن عبد الله ، السلام على أهل بيته الطاهرين.

__________________

(١) تحري الامر : قصده وفضله.

(٢) عنه البحار ١٠٠ : ٢٢٠.

٩٦

السلام عليكم أيها الشهداء المؤمنون ، السلام عليكم يا أهلالايمان والتوحيد ، السلام عليكم يا أنصار دين الله وأنصار رسوله عليهواله السلام ، سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار.

اشهد ان الله اختاركم لدينه واصطفاكم لرسوله ، واشهد انكمجاهدتم في الله حق جهاده ، وذبيتم عن دين الله وعن نبيه ، وجدتمبأنفسكم دونه ، واشهد انكم قتلتم على منهاج رسول الله ، فجزاكم اللهعن نبيه وعن الاسلام وأهله أفضل الجزاء ، وعرفنا وجوههم في محلرضوانه وموضع اكرامه ، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحينوحسن أولئك رفيقا.

اشهد انكم حزب الله ، وان من حاربكم فقد حارب الله ، وانكممن المقربين الفائزين ، الذين هم احياء عند ربهم يرزقون ، فعلى من قتلكملعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

اتيتكم يا أهل التوحيد زائرا ، ولحقكم عارفا ، وبزيارتكم إلى اللهمتقربا ، وبما سبق من شريف الأعمال ومرضي الافعال عالما ، فعليكمسلام الله ورحمة الله وبركاته ، وعلى من قتلكم لعنة الله وغضبهوسخطه.

اللهم انفعني بزيارتهم ، وثبتني على قصدهم ، وتوفني على ماتوفيتهم عليه ، واجمع بيني وبينهم في مستقر دار رحمتك ، اشهد انكملنا فرط ونحن لكم لاحقون.

٩٧

ويقرأ سورة( انا أنزلناه في ليلة القدر ) ما قدر عليه ، وينصرفراشدا ، وتصلي عند كل من زرته ركعتي الزيارة مندوبا إلى الله تعالى(١) .

الباب (١١)

ذكر المساجد المعظمة

ينبغي ان يصلي في المساجد المعظمة ان تمكن من ذلك ، ويبتدئمنها بمسجد قبا ، وهو الذي أسس على التقوى(٢) .

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( من اتي قبا فصلي فيه ركعتين رجع بعمرة )(٣) .

فإذا دخله صلى فيه ركعتين تحية المسجد ، فإذا فرغ من الصلاة وسبحوقال :

السلام على أولياء الله وأصفيائه ، السلام على أنصار الله وخلفائه ،السلام على محال معرفة الله ، السلام على معادن حكمة الله ، السلامعلى عباد الله المكرمين الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملونالسلام على مظاهر امره ونهيه ، السلام على الادلاء على الله ، السلامعلى المستقرين في مرضاة الله ، السلام على الممحصين في طاعة الله.

السلام على الذين من والاهم فقد والى الله ، ومن عاداهم فقد

__________________

(١) عنه البحار ١٠٠ : ٢٢١.

(٢) التوبة : ١٠٨ : ( لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق ان تقوم فيه ).

(٣) روى مضمونه العياشي في تفسيره ٢ : ١١١ ، عنه البحار ١٠٠ : ٢١٥ ، الوسائل ١٤ : ٣٥٦.

٩٨

عادى الله ، ومن عرفهم فقد عرف الله ، ومن جهلهم فقد جهل الله ،ومن اعتصم بهم فقد اعتصم بالله ، ومن تخلى منهم فقد تخلى من الله.

اشهد الله اني حرب لمن حاربكم ، سلم لمن سالمكم ، مؤمن بماامنتم به ، كافر بما كفرتم به ، محقق لما حققتم ، مبطل لما أبطلتم ، مؤمنبسركم وعلانيتكم ، مفوض في ذلك كله إليكم ، لعن الله عدوكم منالجن والإنس ، ضاعف عليهم العذاب الأليم.

وتدعو فتقول :

يا كائنا قبل كل شئ ، ويا كائنا بعد هلاك كل شئ ، لا يستتر عنهشئ ، ولا يشغله شئ عن شئ ، كيف تهتدي به القلوب لصفتك ، أوتبلغ العقول نعتك ، وقد كنت قبل الواصفين من خلقك ، ولم تركالعيون بمشاهدة الابصار فتكون بالعيان موصوفا ، ولم تحط بك الأوهامفتوجد متكيفا محدودا.

حارت الابصار دونك ، وكلت الألسن عنك ، وعجزت الأوهامعن الإحاطة بك ، وغرقت الأذهان في نعت قدرتك ، وامتنعت عنالابصار رؤيتك ، وتعالت عن التوحيد أزليتك ، وصار كل شئ خلقتهحجة لك ومنتسبا إلى فعلك ، وصادرا عن صنعك ، فمن بين مبتدعيدل على ابداعك ، ومصور يشهد بتصويرك ، ومقدر ينبئ عن تقديرك ،ومدبر ينطق عن تدبيرك ، ومصنوع يومي إلى تأثيرك.

وأنت لكل جنس من مصنوعاتك ومبروراتك ومفطوراتك ،

٩٩

صانع وبارئ وفاطر ، لم تمارس في خلقك السماوات والأرض نصبا ،ولا في ابتداعك أجناس المخلوقين تعبا ، ولا لك حال سبق حالا فتكونأولا قبل أن تكون اخرا ، وتكون ظاهرا قبل أن تكون باطنا ، أحاط بكلشئ علمك ، واحصى كل شئ غيبك.

لست بمحدود فتدركك الابصار ، ولا بمتناه فتحويك الأقطار ،ولا بجسم فتكفيك الاقدار ، ولا بمرئي فتحجبك الأستار ، ولم تشبهشيئا فيكون لك مثلا ، ولا كان معك شئ فتكون لك ضدا.

ابتدأت الخلق لا من شئ كان من أصل يضاف إليه فعلك حتىتكون لمثاله محتديا ، وعلى قدر هيبته مهيئا ، ولم يحدث(١) لك إذاخلقته علما ، ولم تستفد به عظمة ولا ملكا ، ولم تكون سماواتكوارضك وأجناس خلقك لتشديد سلطانك(٢) ، ولا لخوف من زوالونقصان ، ولا استعانة على ضد مكاثر(٣) أو ند مشاور ، ولا يؤودك حفظما خلقت ولا تدبير ما ذرأت ، ولا من عجز اكتفيت بما برأت ، ولا مسكلغوب فيما فطرت وبنيت ، وعليه قدرت ، ولا دخلت عليك شبهة فيماأردت.

يا من تعالى عن الحدود وعن أقاويل المشبهة والغلاة واجبار

__________________

(١) لم يخلق ( خ ل ).

(٢) لم تكن ، سلطان ( خ ل ).

(٣) مكابر ( خ ل ).

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

الاجتماعيّة مِن التلون والخِداع وعدَم الوفاء التي سرعان ما يكشفهما محكّ الاختبار. وقد أوضح أمير المؤمنينعليه‌السلام واقع الأصدقاء وأبعاد صداقتهم فيما رواه أبو جعفر الباقرعليه‌السلام فقال: ( قام رجلٌ بالبصرة إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرنا عن الإخوان.

فقالعليه‌السلام : الإخوان صنفان: إخوان الثقة، وإخوان المكاشرة.

فأمّا إخوان الثقة: فهُم الكفّ والجناح، والأهل والمال، فإذا كنت مِن أخيك على حدِّ الثقة، فابذل له مالك، وبدنك، وصافِ مَن صافاه وعادِ مَن عاداه، واكتم سرّه وعيبه، واظهر منه الحسَن، واعلم أيها السائل، إنّهم أقلّ مِن الكبريت الأحمر.

وأمّا إخوان المكاشرة: فإنّك تصيب لذّتك منهم، فلا تقطعنّ ذلك منهم، ولا تطلبنّ ما وراء ذلك مِن ضَمِيرهم، وابذل لهم ما بذلوا لك مِن طلاقةَ الوجه، وحلاوةَ اللسان )(١).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( لا تكون الصداقة إلاّ بحدودها، فمَن كانت فيه هذه الحدود أو شيء منها فانسبه إلى الصداقة، ومَن لم يكن فيه شيءٌ منها، فلا تنسبه إلى شيءٍ مِن الصداقة: فأوّلها: أنّ تكون سريرته وعلانيَته لك واحدة، والثانية: أنْ يرى زَينك زينه وشَينك شينه، والثالثة: أنْ لا تغيّره عليك ولايةٌ ولا مال.

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ١٠٤ عن الكافي.

٤٤١

والرابعة: أنْ لا يمنعك شيئاً تناله مقدرته.

والخامسة: وهي تجمع هذه الخِصال أنْ لا يسلّمك عند النكَبات )(١).

وقال بعض الحكماء: المودّات ثلاث: مودّة في اللّه عزَّ وجل لغير رغبةٍ ولا رهبة، فهي التي لا يشوبها غدرٌ ولا خيانة.

ومودّةٌ مقارنة ومعاشرة، ومودّة رغبةٍ أو رهبة، وهي: شرّ المودّات، وأسرعها انتقاضاً.

وقال مهيار الديلمي:

ما أنا مِن صبغة أيّامكم

ولا الذي إنْ قلبوه انقلبا

ولا ابن وجهَين ألمّ حاضراً

مِن الصديق وألوم الغُيّبا

قلبي للإخوان شطّوا أو دنَوا

وللهوى ساعف دهر أو نبا

مِن عاذري مِن متلاشٍ كلّما

أذنَب يوماً وعذَرتُ أذنَبا

يضحك في وجهي ملء فمه

وإنْ أغب وذكِر اسمي قطّبا

يطير لي حمامةً فإنْ رأى

خصاصةً دبّ ورائي عقربا

ما أكثر الناس وما أقلّهم

وما أقلّ في القليل النُّجَبا

اختيار الصديق:

للصديق أثرٌ بالغ في حياة صديقه وتكييفه فكريّاً وأخلاقيّاً، لِما طُبِع

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ١٠٤ عن الكافي.

٤٤٢

عليه الإنسان مِن سرعة التأثّر والانفعال بالقُرَناء والأخلاّء، ما يحفّزه على محاكاتهم والاقتباس مِن طِباعهم ونَزَعاتهم.

مِن أجل ذلك كان التجاوب قويّاً بين الأصدقاء، وكانت صِفاتهم سريعةَ العدوى والانتقال، تنشر مفاهيم الخير والصلاح تارة، ومفاهيم الشرِّ والفساد أُخرى، تَبَعاً لخصائصهم وطَبائعهم الكريمة أو الذميمة، وإنْ كانت عدوى الرذائل أسرع انتقالاً وأكثر شيوعاً مِن عدوى الفضائل.

فالصديق الصالح: رائدُ خير، وداعية هدى، يهدي إلى الرشد والصلاح.

والصديق الفاسد: رائدُ شرٍّ، وداعيةُ ضلالٍ، يقود إلى الغيّ والفساد. وكم انحرف أشخاصٌ كانوا مثاليّين هدياً وسلوكاً، وضلّوا في متاهات الغواية والفساد، لتأثّرهم بالقُرَنَاء والأخلاّء المنحرفين.

وهذا ما يحتّم على كلّ عاقل أنْ يتحفّظ في اختيار الأصدقاء، ويصطفي منهم مَن تحلّى بالخُلق المرضي والسُّمعة الطيّبة والسلوك الحميد.

خِلال الصديق المثالي:

وأهم تلك الخِلال وألزمها فيه هي:

١ - أنْ يكون عاقلاً لبيباً مبرّءاً مِن الحُمق. فإنْ الأحمق ذميم العشرة مقيت الصحبة، مجحف بالصديق، وربّما أراد نفعه فأضره وأساء إليه لسوء تصرّفه وفرّط حماقته، كما وصفه أمير المؤمنينعليه‌السلام في حديثٍ له فقال: ( وأمّا الأحمق فإنّه لا يشير عليك بخير، ولا يُرجى لصرفِ السوء

٤٤٣

عنك ولو أجهد نفسه، وربّما أراد منفعتك فضرّك، فموته خيرٌ مِن حياته وسكوته خيرٌ من نطقه، وبعده خيرٌ من قُربه )(١).

٢ - إنّ يكون الصديق متحلياً بالإيمان والصلاح وحسن الخلق، فإن لم يتحلّ بذلك كان تافهاً مُنحرفاً يُوشك أنْ يغوي إخلاّءه بضلاله وانحرافه.

انظر كيف يصوّر القرآن ندم النادمين على مخادنة الغاوين والمضلّلين وأسفَهم ولوعتهم على ذلك:

( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولاً ) ( الفرقان: ٢٧ - ٢٩ ).

وعن الصادقعليه‌السلام عن آبائه قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : المرء على دين خليله، فلينظر أحدُكم مَن يُخالِل )(٢).

وعن أبي جعفرعليه‌السلام عن أبيه عن جدّهعليه‌السلام قال: ( قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : مجالسةُ الأشرار تُورث سُوء الظنِّ بالأخيار، ومجالسة الأخيار تلحق الأشرار بالأخيار، ومجالسة الإبرار للفُجّار تلحق الأبرار بالفُجّار، فمَن اشتبه عليكم أمرُه، ولم تعرفوا دينه، فانظروا إلى خُلطائه، فإنْ كانوا أهل دين اللّه، فهو على دين اللّه، وإنْ كانوا على

_____________________

(١) البحار. كتاب العشرة. ص ٥٦ عن الكافي.

(٢) البحار، كتاب العشرة. ص ٥٢ عن أمالي أبي علي ابن الشيخ الطوسي.

٤٤٤

غيرِ دين اللّه فلا حظّ له مِن دين اللّه ؛ إنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول: مَن كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يؤاخين كافراً، ولا يخالطن فاجراً، ومَن آخى كافراً، أو خالَط فاجراً كان كافراً فاجراً )(١).

وهكذا يحذَر أهل البيتعليهم‌السلام عن مخادنة أنماط مِن الرجال اتّسموا بأخلاقٍ ذميمة وسجايا هابطة باعثة على النفرة وسوء الخلّة.

وعن أبي عبد اللّه عن أبيهعليهما‌السلام قال: ( قال لي أبي عليّ بن الحسينعليه‌السلام : يا بني، انظر خمسة فلا تُصاحبهم، ولا تحادثهم، ولا ترافقهم، فقلت: يا أبه، مَن هُم ؟ عرّفنيهم.

قال: إيّاك ومصاحبة الكذّاب فإنّه بمنزلة السراب يُقرّب لك البعيد ويُبعّد لك القريب، وإيّاك ومصاحبة الفاسق فإنّه بايعك بأكلة أو أقلّ مِن ذلك، وإيّاك مِن مصاحبة البخيل فإنّه يخذلك في ماله أحوَج ما تكون إليه، وإيّاك ومصاحبة الأحمق فإنّه يُريد أنْ ينفعك فيضرّك، وإيّاك ومصاحبة القاطع لرحمه فإنّي وجدتّه ملعوناً في كتاب اللّه عزّ وجل في ثلاث مواضع )... الخبر(٢) .

_____________________

(١) البحار. كتاب العشرة. ص ٥٣ عن كتاب صفات الشيعة للصدوق.

(٢) الوافي ج ٣ ص ١٠٥ عن الكافي.

٤٤٥

وقال أبو العتاهية:

اصحب ذو العقل وأهل الدين

فالمرءُ منسوبٌ إلى القرين

وقال أبو نؤاس:

ولقد نهَزت مع الغواة بدَلوِهم

وأسَمَت سرْح اللهوِ حيثُ أساموا

وبلغتُ ما بلَغ امرؤٌ بشبابه

فإذا عصارة كلّ ذاكَ أثام

٣ - أنْ يكون بين الصديقين تجاوبٌ عاطفي ورغبةٌ متبادلة في الحبّ والمؤاخاة، فذلك أثبتُ للمودّة وأوثَق لعُرى الإخاء، فإنْ تلاشت في أحدهما نوازع الحبّ والخِلّة وهَت علاقة الصداقة وغدا المجفو منها الحريص على توثيقها عرضةً للنقد والازدراء.

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( زُهدُك في راغبٍ فيك نُقصانُ عقلٍ (حظ) ورغبتُك في زاهدٍ فيك ذلُّ نفس )(١).

وقال الشهيد الأوّل رحمه الله:

غنينا بنا عن كلّ مَن لا يُريدنا

وإنْ كثُرت أوصافه ونُعوته

ومَن صدّ عنّا حسبُه الصدُّ والقلا

ومَن فاتنا يكفيه أنّا نفوته

وقال الطغرائي:

جامِل أخاك إذا استربت بودّه

وانظر به عقب الزمان العائدِ

فإنْ استمرّ به الفساد فخلِّهِ

فالعضوُ يُقطعُ للفسادِ الزائدِ

_____________________

(١) نهج البلاغة.

٤٤٦

مقاييس الحبّ

وقد تلتبس مظاهر الحبّ في الأخلاّء خاصّة والناس عامّة، وتخفى سماته وعلائمه، ويغدو المرء آنذاك في شكٍّ وارتياب مِن ودّهم أو قلاهم، وقد وضع أهلُ البيتعليهم‌السلام مقاييس نفسيّة تستكشف دخائل الحبِّ والبُغض في النفوس وتجلو أسرارها الخفيّة.

قال الراوي: سمِعت رجُلاً يسأل أبا عبد اللّهعليه‌السلام فقال:

الرجل يقول أودّك، فكيف أعلم أنّه يودّني ؟

فقالعليه‌السلام : ( امتحن قلبك، فإنْ كنت تودّه فإنّه يودّك )(١).

وقالعليه‌السلام في موطنٍ آخر: ( انظر قلبك، فإنْ أنكر صاحبك، فاعلم أنّه أحدث )(٢) يعني قد أحدَث ما يُوجب النفرة وضعف المودّة.

وعن أبي جعفرعليه‌السلام قال:

( لمّا احتضر أمير المؤمنينعليه‌السلام جمع بنيه، حسناً وحُسيناً وابن الحنفيّة والأصاغر فوصّاهم، وكان في آخر وصيّته: - يا بنيّ، عاشروا الناس عشرة، إنْ غبتم حنّوا إليكم، وإنْ فقدتم بكوا عليكم، يا بنيَّ، إنّ القُلوب جنودٌ مجنّدة تتلاحظ بالمودّة، وتتناجى بها، وكذلك هي في البغض،

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ١٠٦ عن الكافي.

(٢) الوافي ج ٣ ص ١٠٦ عن الكافي.

٤٤٧

فإذا أحببتم الرجل مِن غير خيرٍ سبَقَ منه إليكم فارجوه، وإذا أبغضتم الرجل مِن غير سوءٍ سبَق منه إليكم فاحذروه )(١).

الصداقة بين المدّ والجزر:

اختلف العقلاء في أيّهما أرجح وأفضل، الإكثار مِن الأصدقاء أو الإقلال منهم.

ففضّل بعضهم الإكثار منهم والتوفّر عليهم، لما يؤمل فيهم مِن جمال المؤانسة وحُسن المؤازرة والتأييد.

ورجّح آخرون الإقلال منهم، لِما ينجم عن استكثارهم مِن ضروب المشاكل المؤديّة إلى التباغض والعِداء، كما قال ابن الرومي:

عدوّك مِن صديقِك مستفادٌ

فلا تستكثرنَّ مِن الصحاب

فإنّ الداء أكثر ما تراه

يكون مِن الطعام أو الشراب

والحقّ أنّ قِيَم الأصدقاء ليست منوطة بالقلّة أو الكثرة، وإنّما هي فيما يتحلّون به من صِفات النُّبل والإخلاص والوفاء، التي لا تجتمع إلاّ في المثاليّين منهم، وهُم فئةٌ قليلةٌ نادرةٌ تتألّق في دنيا الأصدقاء تألّق اللآليّ بين الحصا.

_____________________

(١) البحار كتاب العشرة ص ٤٦ عن أمالي الشيخ أبي عليّ ابن الشيخ الطوسي.

٤٤٨

وصديقٌ مخلصٌ وفيٌّ خيرٌ من ألفِ صديقٍ عديمِ الإخلاص والوفاء، كما قال الإسكندر: المُستكثر مِن الإخوان مِن غير اختيارٍ كالمستوفر مِن الحِجارةِ، والمقلّ مِن الإخوان المتخيّر لهم كالذي يتخيّر الجوهر.

حقوق الأصدقاء:

وبعد أنْ أوضح أهلُ البيتعليهم‌السلام فضل الأصدقاء الأوفياء، رسَموا لهم سياسةً وآداباً وقرّروا حقوق بعضهم على بعض، ليوثقوا أواصر الصداقة بين المؤمنين، ومِن ثمّ لتكون باعثاً على تعاطفهم وتساندهم. وإليك طرَفاً مِن تلك الحقوق:

١ - الرعاية الماديّة:

قد يقَع الصديق في أزمةٍ اقتصاديّة خانقة، ويُعاني مرارة الفاقة والحِرمان ويغدو بأمَسّ الحاجة إلى النجدة والرعاية الماديّة، فمَن حقه على أصدقائه النُّبلاء أنْ ينبروا لإسعافه، والتخفيف من أزمته بما تجود به أريحيّتهم وسخاؤهم، وذلك مِن ألزم حقوق الأصدقاء وأبرَز سمات النبل والوفاء فيهم، وقد مدح اللّه أقواما تحلّوا بالإيثار وحُسن المواساة فقال تعالى:( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) ( الحشر: ٩ ).

وقال الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام لرجل من خاصّته:

٤٤٩

( يا عاصم، كيف انتم في التواصل والتواسي ؟)

قلتُ: على أفضل ما كان عليه أحد.

قالعليه‌السلام : ( أَ يأتي أحدُكم إلى دُكان أخيه أو منزله، عِند الضائقة، فيستخرج كيسه ويأخذ ما يحتاج إليه، فلا ينكر عليه ؟ ) قال: لا.

قالعليه‌السلام : ( فلستم على ما أحب في التواصل )(١).

وعن أبي إسماعيل قال: قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : جُعلتُ فداك، إنّ الشيعة عندنا كثير، فقالعليه‌السلام :

( فهل يعطف الغنيُّ على الفقير؟ وهل يتَجاوز المُحسِن عن المُسيء ؟ ويتواسون ). فقلت: لا.

فقالعليه‌السلام : ( ليس هؤلاء شيعة، الشيعة مَن يفعل هذا )(٢).

وقال أبو تمّام:

أولى البريّة حقّاً أنْ تراعيه

عند السرور الذي آساك في الحُزن

إنّ الكرام إذا ما أسهلوا ذكروا

مَن كان يألفَهم في المنزل الخشن

وقال الواقدي:

كان لي صديقان: أحدهما هاشمي، وكنّا كنفسٍ واحدة، فنالتني ضيقةٌ شديدة وحضَر العيد، فقالت امرأتي: أمّا نحن في أنفسنا فنصبر على البؤس والشدّة، وأمّا صبياننا هؤلاء فقد قطّعوا قلبي رحمةً لهم،

_____________________

(١) البحار كتاب العشرة ص ٤٦ عن كتاب قضاء الحقوق للصوري.

(٢) البحار كتاب العشرة ص ٧١ عن الكافي.

٤٥٠

لأنّهم يرَون صبيان الجيران وقد تزيّنوا في عيدهم، وأصلحوا ثيابهم، وهُم على هذه الحال مِن الثياب الرثّة ! فلو احتلت بشيءٍ تصرفه في كسوتهم! فكتبت إلى صديقي الهاشمي أسأله التوسعة عليّ، فوجّه إليّ كيساً مختوماً، ذكر إنّ فيه ألف درهم، فما استقرّ قراري حتّى كتب إلي الصديق الآخر يشكو مثل ما شكوت إلى صاحبي، فوجّهت إليه الكيس بحاله، وخرجت إلى المسجد فأقمت فيه ليلي مُستحياً مِن امرأتي.

فلمّا دخلت عليها استحسنت ما كان منّي، ولم تعنّفني عليه.

فبينما أنا كذلك إذ وافى صديقي الهاشمي ومعه الكيس كهيئته، فقال لي: أصدقني عمّا فعلته فيما وجهّت إليك ؟

فعرّفته الخبَر على وجهه، فقال: إنّك وجّهت إليّ وما أملك على الأرض إلاّ ما بعثت به إليك، وكتبتُ إلى صديقنا اسأله المواساة فوجّه إليّ بكيسي! فتواسينا الآلاف أثلاثاً !

ثمّ نمي الخبَر إلى المأمون فدعاني، فشرحت له الخبر، فأمر لنا بسبعة آلاف دينار، لكلِّ واحدٍ ألفا دينار وللمرأة ألف دينار!(١).

٢ - الرعاية الأدبيّة:

وهكذا تنتاب الصديق ضروب الشدائد والأرزاء ما تسبّب إرهاقه وبلبلة حياته، ويغدو آنذاك مفتقراً إلى النجدة والمساندة لإغاثته وتفريج كربه.

_____________________

(١) قصص العرب ج ١ ص ٢٩٠.

٤٥١

فحقيقٌ على أصدقائه الأوفياء أنْ يسارعوا إلى نصرته والذبِّ عنه، لساناً وجاهاً، لإنقاذه مِن أعاصير الشدائد والأزَمات، ومواساته في ظرفه الحالك.

هذا هو مقياس الحبّ الصادق والعلاّمة الفارقة بين الصديق المُخلص مِن المزيّف.

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( لا يكون الصديق صديقاً، حتّى يحفظ أخاه في ثلاث: في نكبته، وغيبته، ووفاته )(١).

وقال الشريف الرضي:

يعرّفك الإخوانُ كلٌّ بنفسه

وخيرُ أخٍ مَن عرّفتك الشدائد

* * *

٣ - المداراة:

والأصدقاء مهما حسُنت أخلاقهم، وقويت علائق الودّ بينهم فإنّهم عرضة للخطأ والتقصير، لعدَم عصمتهم عن ذلك. فإذا ما بدرت مِن أحدهم هناةٌ وهفوةٌ في قولٍ أو فعلٍ، كخُلفِ وعد، أو كلمةٍ جارحة أو تخلّف عن مواساة في فرح أو حزن ونحو ذلك مِن صوَر التقصير.

فعلى الصديق إذا ما كان واثقاً بحبّهم وإخلاصهم، أنْ يتغاضى عن إساءتهم

_____________________

(١) نهج البلاغة.

٤٥٢

ويصفح عن زلَلهم حِرصاً على صداقتهم واستبقاءً لودّهم، إذ المُبالغة في نقدهم وملاحاتهم، باعثة على نفرتهم والحِرمان منهم.

ومَن ذا الذي ترضى سجاياه كلّها

كفى المرءُ نُبلاً أنْ تُعدّ معائبه

انظر كيف يوصي أمير المؤمنينعليه‌السلام ابنه الحسنعليه‌السلام بمداراة الصديق المُخلص والتسامح معه والحفاظ عليه:

( احمل نفسك مِن أخيك عند صرفه على الصلة، وعند صدوده على اللطف والمقاربة، وعند جموده على البذل، وعند تباعده على الدنو، وعند شدّته على اللين، وعند جرمه على العذر، حتّى كأنّك له عبد، وكأنّه ذو نعمةٍ عليك.

وإيّاك أنْ تضَع ذلك في غير موضعه أو تفعله بغير أهله، لا تتخذنّ عدوَّ صديقِك صديقاً فتعادي صديقك، وامحض أخاك النصيحة حسنةً كانت أو قبيحة، وتجرّع الغيظ ؛ فإنّي لم أرَ جرعةً أحلى منها عاقبةً ولا ألذُّ مغبّة، ولِن لِمَن غالَظك فإنّه يُوشك أنْ يلين لك، وخُذ على عدوّك بالفضل فإنّه أحلى الظَفَرين، وإنْ أردت قطيعة أخيك فاستبقِ له مِن نفسِك بقيّةً ترجع إليها إنْ بدا له ذلك يوماً ما، ومَن ظنَّ بك خيراً فصدّق ظنّه، ولا تضيّعنّ حقّ أخيك اتّكالاً على ما بينك وبينه ؛ فإنّه ليس لكَ بأخٍ مَن أضعت حقّه )(١).

وقال الإمام الحسنعليه‌السلام لبعض ولده:

( يا بُنَيّ، لا تؤاخِ أحداً حتّى تعرف موارده ومصادره، فإذا استبطنت

_____________________

(١) نهج البلاغة. في وصيّته لابنه الحسنعليه‌السلام .

٤٥٣

الخبرة، ورضيت العِشرة، فآخه على إقالة العثرة، والمواساة في العشرة )(١).

وقال أبو فراس الحمداني:

لم أُواخذك بالجفاء لأنّي

واثقٌ منك بالوداد الصريح

فجميل العدوّ غير جميل

وقبيح الصديق غير قبيح

وقال بشّار بن بُرد:

إذا كُنت في كلّ الأُمور معاتباً

صديقك لم تلقَ الذي لا تعاتبه

فعِش واحداً أو صِل أخاك فإنّه

مقارفُ ذنبٍ مرّة ومجانبه

إذا أنتَ لم تشرَب مِراراً على القذى

ظمِئت وأي الناس تصفو مشاربه

وقال أبو العلاء المعرّي:

مَن عاشَ غير مداج مَن يعاشره

أساء عِشرة أصحابٍ وأخدان

كم صاحبٍ يتمنّى لو نُعيتَ له

وإنْ تشكّيت راعاني وفدّاني

ومِن أروع صوَر مداراة الأصدقاء وأجملها وقْعاً في النفوس: الإغضاء عن إساءتهم والصفْح عن مسيئهم.

ولذلك مظاهرٌ وأساليبٌ رائعة:

١ - أنْ يتناسى الصديق الإساءة ويتجاهلها ثقةً بصديقه، وحسن ظنٍّ به، واعتزازاً بإخائه، وهذا ما يبعث المُسيء على إكبار صديقه وودّه والحِرص على صداقته.

٢ - أنْ يتقبل معذرة صديقه عند اعتذاره منه، دونما تشدّد أو تعنّت في قبولها، فذلك مِن سِمات كرم الأخلاق وطهارة الضمير والوجدان.

_____________________

(١) تُحف العقول.

٤٥٤

٣ - أنْ يستميل صديقه بالعتاب العاطفي الرقيق، استجلاباً لودّه، فترك العتاب قد يُشعر بإغفاله وعدم الاكتراث به، أو يُوهمه بحنق الصديق عليه وإضمار الكيد له.

ولكنّ العتاب لا يجدي نفعاً ولا يستميل الصديق، إلاّ إذا كان عاطفيّاً رقيقاً كاشفاً عن حبِّ العاتب ورغبته في استعطاف صديقه واستدامة ودّه، إذ العشرة فيه والإفراط منه يُحدّثان ردّ فعلٍ سيّئ يُضاعف نفار الصديق ويفصم عُرى الودِّ والإخاء.

لذلك حثّت الشريعة الإسلامية على الصفح والتسامح عن المسيء، وحسن مداراة الأصدقاء خاصّة، والناس عامّة.

قال تعالى:( وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) ( آل عمران: ١٥٩ ).

وقال سُبحانه:( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) ( حم السجدة: ٣٤ - ٣٥ ).

وعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أمرني ربّي بمداراة الناس، كما أمَرني بأداء الفرائض )(١).

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( أعقَل الناس أشدُّهم مداراةً للناس )(٢).

_____________________

(١) الوافي. ج ٣ ص ٨٦ عن الكافي.

(٢) معاني الأخبار للصدوق.

٤٥٥

والجدير بالذكر أنّ مِن أقوى عوامل ازدهار الصداقة وتوثيق أواصر الحبّ والإخلاص بين الأصدقاء، هو أنْ يتفادى كلٌّ منهم جهده عن تصديق النمّامين والوشاة المُغرَمين بغرس بذور البغضاء والفرقة بين الأحباب وتفريق شملهم، وفصم عُرى الإخاء بينهم. وهؤلاء هُم شرار الخلْق كما وصَفَهم رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله حيث قال: ( ألا أُنبئكم بشراركم ؟ ).

قالوا: بلى يا رسول اللّه. قال: ( المشّاؤون بالنميمة، المُفرّقون بين الأحبّة، الباغون للبراء المعايب )(١).

* * *

الاعتدال في حبّ الصديق والثقة به:

ومِن الحكمة أنْ يكون العاقل معتدلاً في محبّة الأصدقاء والثقة بهم والركون إليهم دون إسرافٍ أو مغالاة، فلا يصحّ الإفراط في الاطمئنان إليهم واطلاعهم على ما يخشى إفشاءه من إسراره وخفاياه.

فقد يرتدّ الصديق ويغدو عدوّاً لدوداً، فيكون آنذاك أشدّ خطَراً وأعظم ضرَراً مِن الخصوم والأعداء.

وقد حذّرت وصايا أهل البيتعليهم‌السلام وأقوال الحكماء والأدباء، نظماً ونثراً مِن ذلك:

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( أحبب حبيبك هوناً ما، عسى أنْ

_____________________

(١) البحار كتاب العشرة ص ١٩١ عن الكافي.

٤٥٦

يكون بغيضك يوماً ما، وابغض بغيضك هوناً ما، عسى أنْ يكون حبيبك يوماً ما )(١).

وقال الصادقعليه‌السلام لبعض أصحابه:

( لا تُطلِع صديقك مِن سرِّك، إلاّ على ما لو اطّلع عليه عدوّك لم يضرّك فإنّ الصديق قد يكون عدوّك يوماً ما )(٢).

قال المعرّي:

خف مَن تودّ كما تخاف معادياً

وتمارَ فيمَن ليس فيه تمار

فالرزء يبعثه القريب وما درى

مضرٌّ بما تجنى يدا أنمار

وقال أبو العتاهية:

ليَخلُ امرؤٌ دون الثقات بنفسه

فما كلّ موثوق ناصح الحبّ

* * *

_____________________

(١) نهج البلاغة.

(٢) البحار، كتاب العشرة ص ٣٩ عن أمالي الصدوق.

٤٥٧

حقوق الجِوار

التآزر والتعاطف:

لقد جهد الإسلام في حثّ المسلمين وترغيبهم في التآزر والتعاطف، ليجعلهم أُمّةً مثاليّةً في اتّحادها وتعاضدها على تحقيق أهدافها، ودفع الأزَمَات والأخطار عنها.

ودأَبَ على غرْس تلك المفاهيم السامية في نُفوس المسلمين ؛ ليزدادوا قوّة ومنعة وتجاوباً في أحاسيس الودّ ومشاعر الإخاء.

( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ ) ( الفتح: ٢٩ ).

( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) ( المائدة:٢ ).

وكان مِن ذلك تحريض المسلمين على حُسن الجِوار ورعاية الجار، ليُنشئ مِن المُتجاورين جماعةً متراصّة متعاطفة تتبادل اللطف والإحسان، وتتعاون على كسب المنافع ودرء المضار، ليستشعروا بذلك الدِّعة والرخاء والقوّة على معاناة المشاكل والأحداث.

ولقد أوصى القرآن الكريم برعاية الجار والإحسان إليه فقال:

( وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) ( النساء: ٣٦ ).

٤٥٨

والمُراد - بالجار ذي القربى - الجار القريب داراً أو نسَباً - والجار الجنب - هو البعيد جواراً أو نسباً.

وعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كلّ أربعينَ داراً جيران مِن بين يدَيه ومِن خلفه، وعن يمينه وعن شماله )(١).

و - الصاحب بالجَنب - الرفيق في السفر، أو الزميل في التعليم، أو في الحرفة.

و - ابن السبيل - المُسافر أو الضيف.

- وما ملَكت أيمانكم - الأهل والخدَم.

وناهيك في حرمة الجار وضرورة رعايته قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه: ( ما زال جبرئيل يُوصيني بالجار، حتّى ظننتُ أنّه سيورّثه )(٢) .

وعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وآله ): حُسن الجوار يُعمّر الديار، ويُنسئ في الأعمار )(٣).

وقال الصادقعليه‌السلام ، ( ليس منّا مَن لم يُحسن مجاورةَ مَن جاوره )(٤).

وعن أبي جعفرعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما آمن بي مَن بات شبعان وجارُه جائع، وما مِن أهل قريةٍ يبيت فيهم جائع ينظر اللّه إليهم يوم القيامة )(٥).

_____________________

(١) الوافي. ج ٣ ص ٩٧ عن الكافي.

(٢) الوافي. ج ٣ ص ٩٦ عن الفقيه.

(٣)، (٤)، (٥) الوافي ج ٣ ص ٩٦ عن الكافي.

٤٥٩

وقال الصادقعليه‌السلام : ( إنّ يعقوب لمّا ذهب منه بنيامين نادى، يا ربّ أما ترحمني، أذهَبت عيني، وأذهَبت ابني. فأوحى اللّه تعالى إليه: لو أمتّهما لأحييتهما لك حتّى أجمع بينك وبينهما، ولكن تذكر الشاة التي ذبحتها، وشويتها وأكلت، وفلان إلى جانبك صائم لم تنله منها شيئاً )(١).

وفي روايةٍ أُخرى قال: ( وكان بعد ذلك يعقوب يُنادي مناديه كلّ غداة، مِن منزله على فرسخ، ألا مَن أراد الغداء فليأتِ إلى يعقوب. وإذا أمسى نادى: ألا مَن أراد العشاء فليأتِ إلي يعقوب )(٢).

حقوق الجار:

وخلاصتها أنْ يُساس الجار باللطف وحُسن المداراة، كابتدائه بالسلام وعيادته في المرض، وتهنئته في الأفراح، وتعزيته في المصائب، وعدَم التطلّع إلى حرمه، والإغضاء عن هفَواته، وكفّ الأذى عنه، وإعانته ماديّاً إذا كان معوزاً، وإعادة ما يستعيره مِن الأدوات المنزليّة، ونصحه إذا ما زاغ وانحرف عن الخطّ المستقيم.

ومِن طريف ما يُحكى في حُسن الجوار:

( إنّ رجُلاً كان جاراً لأبي دلف ببغداد، فأدركته حاجة، وركِبه دينٌ فادحٌ حتّى احتاج إلى بيع داره، فساوموه فيها، فسمّى لهم ألف

_____________________

(١) - (٢) الوافي ج ٣ ص ٩٦ عن الكافي.

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702