شرح زيارة آل ياسين

شرح زيارة آل ياسين28%

شرح زيارة آل ياسين مؤلف:
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
الصفحات: 136

شرح زيارة آل ياسين
  • البداية
  • السابق
  • 136 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 62270 / تحميل: 5801
الحجم الحجم الحجم
شرح زيارة آل ياسين

شرح زيارة آل ياسين

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

( مسعود بن عمر ) : الأزدي الفهمي سيد الأزد وبسبب قتله قامت حرب البصرة بعد هلاك يزيد ، وهو الذي منع من قتل عبيد الله بن زياد يومئذ ، ويكنّى بأبي قيس ، وله شرف ، وهو الذي جمع الناس وخطبهم لنصرة الحسين فلم يتوفق. ويمضى في كتب المقاتل أنّه يزيد بن مسعود النهشلي ، وهذا تميمي يكنّى بأبي خالد وليس من رؤساء الأخماس ، ولعله مكتوب إليه أيضا. والذي يستظهر من الخطبة والكتاب إلى الحسينعليه‌السلام أنّ الذي جمع الناس هذا ، لا مسعود. ولكن الطبري وغيره من المؤرخين لم يذكروا الثاني.

( قيس بن الهيثم ) : بفتح هاء هيثم وسكون الياء المثنّاة تحت وبالثاء المثلّثة ، بن أسماء بن الصلت السلمي ، سيّد أهل العالية ، وله شرف وذكر في حرب البصرة.

( عبد الله بن عبيد الله ) : بن معمر بوزن مقعد التيمي تيم قريش ، وهذا كان في البصرة وله شرف.

( شريك بن الأعور ) : بفتح شين شريك بن الحرث الهمداني ، من المعروفين بالتشيع ومن أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام والمقاتلين بين يديه في حروبه ، ولي الأعمال بعده لآل أميّة ، فأمّا أبوه الحرث الأعور فمن خوّاص أمير المؤمنينعليه‌السلام كما هو معلوم.

( مسلم بن عمرو ) : الباهلي ، هذا أبو قتيبة بن مسلم صاحب خراسان وفارس الحرون الذي جل خيل العرب من نسله إلى مدّة مائتي سنة ، وكان مسلم رسول يزيد لعبيد الله في ولاية المصرين وعزل النعمان فاستصحبه ، ويمضى في بعض الكتب أنّه مسلم بن عقبة ، وهو غلط فإنّ ذلك شامي لم يكن له في حرب الكوفة يد ، وإنّما تولّى حرب المدينة المعروف بحرب الحرّة ليزيد.

حصين ـ بضم الحاء المهملة وفتح الصاد والياء آخر الحروف والنون ـ بن تميم ابن أسامة بن زهير بن دريد التميمي صاحب شرطة عبيد الله. ويمضى في الكتب

٤١

حصين بن نمير السكوني وهو غلط فاحش فإنّ ذلك عند يزيد حارب به أهل المدينة ومكّة ، وله في محاربة عين الوردة رئاسة في أهل الشام وسمعة.

( ضفّة الطف ) : بفتح الضاد وتشديد الفاء جانبه ، والطف شاطي النهر ، ويطلق على جانب نهر الفرات الجنوبي من البصرة إلى هيت(1) ، ويخص بالموضع الذي قتل فيه الحسينعليه‌السلام .

( القادسية ) : موضع معروف من منازل الحاج عند الكوفة بينه وبينها خمسة عشر فرسخا.

( مخط القلادة ) : يعني موضع خط القلادة وهي في الحقيقة الجلد المستدير من الجيد ، فكما أنّ ذلك الجلد لازم على الرقبة كذلك الموت على ولد آدم ، هذا إذا قلنا إنّ مخطّ اسم مكان ، وإن قلنا إنّه اسم مصدر بمعنى خطّ ، فيعني به إنّ الموت دائرة لا يخرج ابن آدم من وسطها كما إنّ القلادة دائرة لا يخرج الجيد منها في حال تقلّده.

( وما أولهني ) : يعني ما أشدّ شوقي ، والوله شدّة الشوق.

( وخير لي ) : يعني خار الله لي مصرعا أي اختار ، ويمضي على بعض الألسنة ، وفي بعض الكتب خير بالتشديد وهو غلط فاحش.

( عسلان الفلوات ) : بضم العين وسكون السين جمع عاسل وهو المهتز والمضطرب ، يقال للرمح وللذئب وأمثالهما ، والمراد هنا المعنى الثاني.

( النواويس ) : جمع ناوس في الأصل ، وهو القبر للنصراني ، والمراد به هنا القرية التي كانت عند كربلا.

( جوفا ) : بضم الجيم وسكون الواو جمع جوفاء وهي الواسعة ويجري على بعض

__________________

(1) قال الحموي : هي بلدة على الفرات من نواحي بغداد فوق الأنبار. راجع معجم البلدان : 5 / 421.

٤٢

الألسن تحريك الواو أو تشديدها وهو غلط.

( أجربة سغبا ) : أجربة جمع جراب كأغلمة وغلام ، والمراد به البطن مجازا ، وسغبا بضمّتين جمع سغبى من السغب وهو الجوع.

( ورأيت ) : في نسخة ( أحوية ) : فكأنّه جمع لحوية البطن وهي أمعاؤها ، والمعروف حوايا فإن وردت أحوية فما أحسبها إلاّ خيرا من أجربة.

لا يقال : إنّ العسلان لا تتسلّط على أوصال صفوة الله لطفا من الله وإيثارا له ، لأنّا نقول : إنّ الكلام جرى على القواعد العربيّة والأساليب الفصيحة كما يقول قائلهم : عندي جفنة يقعد فيها الخمسة يعني لو كانت ممّا يفعل به ذلك لقعد فيها خمسة رجال ، فيكون معنى الكلام لو جاز ذلك على أوصالي لفعل بها ، وهذا كناية عن قتله وتركه بالعراء.

( لن تشذ ) : لن تنفرد وتتفرّق. ( لحمته ) : بضم اللام وهي القرابة.

( حظيرة القدس ) : اسم الجنّة أو اسم موضع شريف منها.

( التنعيم ) : موضع على أربعة فراسخ من مكّة في الحل.

( وادي العقيق ) : موضع عند المدينة وفيه أرض لابن الزبير ولغيره.

( مغذا ) : مسرعا من أغذ بالسير إذا أسرع.

( ذات عرق ) : بكسر العين موضع يتصل بعرق ، وهو جبل حاجز بين تهامة ونجد.

( الحاجر من بطن الرمة ) : الحاجر بالحاء المهملة والجيم والراء المهملة : موضع ، وأصله ما أمسك شفة الوادي.

( والرمّة ) : بضم الراء المهملة والتشديد ، وقد يخفّف : واد متسع في طريق مكّة تنزل بطنه بنو كلاب فبنو عبس فبنو أسد.

( الثعلبيّة ) : بالثاء المثلثة والعين المهملة والباء المفردة والياء المثنّاة تحت موضع في طريق مكّة ، يقال : هو ثلثا الطريق من الكوفة.

٤٣

( زرود ) : موضع عند الثعلبيّة بينها وبين الخزيميّة.

( زبالة ) : بضم الزاء المعجمة موضع عند الثعلبيّة أيضا بينها وبين الشقوق.

( العقبة ) : بالحركات موضع عند واقصة.

( شراف ) : بفتح الشين المعجمة موضع عند واقصة أيضا بينها وبين الفرعاء.

( ذو حسم ) : بضم الحاء المهملة وفتح السين المهملة والميم بعد : جبل هنالك كان النعمان يصطاد فيه ، وفيه يقول الشاعر : أليلتنا بذي حسم أنيري. ويمضى في الكتب حسب وخشت وجشم وكلّ غلط من النسّاخ.

( استمرت حذاء ) : استمرت دامت ، و ( حذاء ) : بالحاء المهملة والذال المشدّدة المعجمة الناقة الماضية بسرعة ونشاط ، والناقة المقطوعة الذنب والرحم التي لم يعلق بها أحد وينقطع عنها كل أحد ، وفسّرت الفقرة في التاج(1) بالمعاني الثلاثة ، فعلى الأوّل يكون المعنى أنّ الدنيا أدبر معروفها واستمرت على ذلك ومضت بسرعة ، وعلى الثاني استمرت على ذلك ولم يبق لها شيء يمسكه اللاحق ولا ذنب لها فيقبض ، وعلى الثالث استمرّت على ذلك لم يصلها واصل.

( عمر بن سعد ) : ابن أبي وقّاص وهو مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة ، يكنّى بأبي حفص. وأمّه أمة ، وأمّ أبيه حمنة بنت سفيان بن أميّة بن عبد شمس ، وهو ابن عم هاشم المرقال بن عتبة بن أبي وقاص صاحب عليعليه‌السلام .

( عمرو بن الحجاج ) : بن سلمة الزبيدي سيد زبيد ، وله شرف فيهم وذكر في المغازي.

( شمر بن ذي الجوشن ) : بفتح الشين وكسر الميم ويجري على الألسن ويمضى في الشعر الحديث كسر الشين وسكون الميم وهو خلاف المضبوط ، وذو الجوشن

__________________

(1) راجع تاج العروس : 10 / 85.

٤٤

أبوه ، واسمه شراحيل بن الأعور قرط بن عمرو بن معاوية بن كلاب الكلابي الضبابي ، وهو قاتل الحسينعليه‌السلام وكان أبرص خارجيّا.

( أنت أخو أخيك ) : يعني أنّ محمّد بن الأشعث الذي غدر بمسلم بن عقيل في الأمان ، أخوك فأنت مثله في الغدر.

( أفر فرار العبيد ) : أي لا أتاكم ذليلا معطيا باليد ولا أهرب عنكم هرب العبد ، بل أنازلكم حتّى يقضي الله ما هو قاض ، ويجري في بعض الألسن أقرّ إقرار العبيد وهو خطأ.

( أصرخناكم موجفين ) : أي أجبنا صراخكم مسرعين إليكم السير ، والإيجاف نوع من السير فيه سرعة ، والاسم منه الوجيف.

( حششتم ) : أي أوقدتم وأصله من جمع الحشيش للإيقاد.

( إلبا ) : بكسرة الهمزة وفتحها : الاجتماع على الظلم والعدوان ، يقال : هم إلب واحد أي مجتمعون على الظلم والعدوان.

( مشيم ) : بفتح الميم أي مغمد من شام السيف بمعنى أغمده. ( الجأش ) : القلب والفكر.

( يستحصف ) : أي يستحكم ، يقال : رأي حصيف أي محكم. ( الدبا ) : بفتح الدال وتخفيف الباء المفردة الجراد.

( الفراش ) : بفتح الفاء الذي يتساقط على الضوء ليلا.

( عبيد الأمة ) : بتخفيف الميم بمعنى الجارية كناية عن الذل مأخوذة من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ذلّ قوم تملكهم أمة » ، ويجري على الألسن التشديد وهو وإن كان له ضرب من التأويل لم يتعلق ببلاغة.

( شذاذ ) : بضم الشين المعجمة وتشديد الذال المعجمة أيضا جمع شاذّ ، وهم المتفرقون من الجمع ويعبّر عنهم بالفارطة والغوغاء.

٤٥

( شجا للناظر ) : الشجا الحزن ، والشجى ما يعترض بالحق(1) من عظم وغيره للإنسان وغيره.

قال الشاعر :

ربّ من انضجت غيظا قلبه

قد تمنّى لي موتا لم يطع

ويراني كالشجى في حلقه

عسرا مخرجه ما ينتزع

وكلّ بالقصر ، والمعنى يحتمل كلا.

( وما إن طبنا إلخ ) : الطب بكسر الطاء : العلّة والسبب. والجبن بضم الجيم وسكون الباء : ضدّ الشجاعة بفتح الشين ، والدولة بفتح الدال : الغلبة في الحرب ، وبضمّها التداول في المملكة ، قال الله تعالى( دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ ) (2) ، والمراد به المعنى الثاني على الظاهر. والأبيات لفروة بن مسيك ، بفتح فاء فروة وضم ميم مسيك المرادي. ومعنى البيت إن قتلنا لم يكن عارا علينا لأنّ سببه لم يكن عن جبن وعدم إقدام على المكافح ، ولكن سببه منايانا ودولة آخرين ، ومثل هذا لم يكن عارا. وقال آخر يعتذر لعدوّه في ذلك :

فلم يك طبهم جبنا ولكن

رميناهم بثالثة الأثافي

أنشده ابن قتيبة في ترجمة خفاف له في كتاب معجم الشعر والشعراء.

( مصبّرة ) : أي ممزوجة بالصبر.

( السبج ) : بفتح السين المهملة وفتح الباء المفردة حجارة سوداء يعمل منها الخرز.

( قد نصل ) : يقال نصل الخضاب من اللحية إذا بانت أصولها بأن مضى عليها أكثر من ثلاثة أيّام فهي سوداء ، وأصل الشعر أبيض ، ويزعم بعض الناس أنّها اتصل بها

__________________

(1) كذا في الأصل ، والصحيح : بالحلق.

(2) سورة الحشر : الآية 7.

٤٦

الخضاب ، وذلك وهم لعدم فهمه المعنى وتصحيف.

( بتبان ) : بثوب قصير يلبسه الفعلة وأمثالهم.

( يلمع فيه البصر ) : أي لا يثبت فيه البصر لشدّة بياضه.

( بواني صدره ) : البواني الأضلاع المقدمة في الصدر.

( مالك بن النسر ) : بالنون والسين ، ويمضى في بعض الكتب النسير بالتصغير الكندي البدي وهم من كندة.

( سنان ) : بكسر السين بن أنس بن عمرو النخعي كان من أشراف النخع ومن الخوارج.

( خولي بن يزيد الأصبحي ) : خولي بفتح الخاء المعجمة وتسكين الواو واللام قبل ياء في صورة المنسوب ، ويجري على بعض الألسن خولي بكسر الخاء وفتح الواو واللام قبل ألف مقصورة وهو خطأ. والأصبحي نسبة إلى ذي أصبح أحد ملوك حمير الذي تنسب إليه السياط الأصبحيّة.

قد تم ضبط ما يهم من ألفاظ فاتحة الكتاب فلنبدأ بالمقاصد.

٤٧
٤٨

المقصد الأوّل

في آل أبي طالب بن عبد المطلّب ومواليهم

من أنصار الحسينعليه‌السلام

علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام

ولد في أوائل خلافة عثمان بن عفان ، وروى الحديث عن جدّه علي بن أبي طالبعليه‌السلام كما حقّقه ابن إدريسقدس‌سره في السرائر ، ونقله عن علماء التاريخ والنسب(1) . أو بعد جدهعليه‌السلام بسنتين كما ذكره الشيخ المفيدقدس‌سره في الإرشاد(2) . وأمّه ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي ، وأمّها ميمونة بنت أبي سفيان بن حرب بن أميّة. وأمّها بنت أبي العاص بن أميّة. وكان يشبّه بجدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في المنطق والخلق والخلق.

وروى أبو الفرج أن معاوية قال : من أحقّ الناس بهذا الأمر؟ قالوا : أنت ، قال : لا ، أولى الناس بهذا الأمر علي بن الحسين بن عليعليه‌السلام ، جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وفيه شجاعة بني هاشم ، وسخاء بني أميّة ، وزهو ثقيف.

__________________

(1) السرائر : 1 / 655 ، وفيه : « في أمارة عثمان ».

(2) الإرشاد : 2 / 137.

٤٩

وفي عليعليه‌السلام يقول الشاعر :

لم تر عين نظرت مثله

من محتف يمشي ومن ناعل

يغلي نهيئ اللحم حتّى إذا

أنضج لم يغل على الآكل

كان إذا شبّت له ناره

يوقدها بالشرف القائل

كيما يراها بائس مرمل

أو فرد حيّ ليس بالآهل

لا يؤثر الدنيا على دينه

ولا يبيع الحقّ بالباطل

أعني ابن ليلى ذا السدى والندى

أعني ابن بنت الحسب الفاضل(1)

ويكنّى أبا الحسن ، ويلقّب بالأكبر لأنّه الأكبر على أصحّ الروايات ، أو لأنّ للحسينعليه‌السلام أولادا ستّة ثلاثة أسماؤهم علي ، وثلاثة أسماؤهم عبد الله وجعفر ومحمّد ، كما ذكره أهل النسب فهو أكبر من علي الثالث على رواية.

وروى أبو مخنف عن عقبة بن سمعان قال : لمّا كان السحر من الليلة التي بات بها الحسين عند قصر بني مقاتل ، أمرنا الحسين بالاستقاء من الماء ، ثمّ أمرنا بالرحيل ففعلنا ، قال : فلمّا ارتحلنا عن قصر بني مقاتل ، خفق برأسه خفقة ، ثمّ انتبه وهو يقول : « إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، والحمد لله ربّ العالمين » ، ثمّ كرّرها مرّتين أو ثلاثا ، فأقبل إليه ابنه علي بن الحسينعليه‌السلام ـ وكان على فرس له ـ فقال : « إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، والحمد لله رب العالمين ، يا أبت جعلت فداك ، ممّ استرجعت وحمدت الله »؟ فقال الحسينعليه‌السلام : « يا بنيّ إنّي خفقت برأسي خفقة فعنّ لي فارس على فرس فقال : القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم ، فعلمت أنّها أنفسنا نعيت إلينا » ، فقال له : « يا أبت لا أراك الله سوءا ، ألسنا على الحق »؟ قال : « بلى ، والذي إليه مرجع العباد »

__________________

(1) راجع مقاتل الطالبيين : 86.

٥٠

قال : « يا أبت ، إذن لا نبالي نموت محقّين » فقال له : « جزاك الله من ولد خير ما جزى ولدا عن والده »(1) .

قال أبو الفرج(2) وغيره : وكان أوّل من قتل بالطف من بني هاشم بعد أنصار الحسينعليه‌السلام علي بن الحسينعليهما‌السلام ، فإنّه لمّا نظر إلى وحدة أبيه تقدّم إليه وهو على فرس له يدعى ذا الجناح ، فاستأذنه للبراز ـ وكان من أصبح الناس وجها ، وأحسنهم خلقا ـ فأرخى عينيه بالدموع وأطرق ثمّ قال : « اللهمّ اشهد أنّه قد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا وخلقا ومنطقا برسولك ، وكنّا إذا اشتقنا إلى نبيّك نظرنا إليه ، ثمّ صاح : « يا ابن سعد ، قطع الله رحمك كما قطعت رحمي ولم تحفظني في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله » ، فلمّا فهم علي الإذن من أبيه شدّ على القوم وهو يقول :

أنا علي بن الحسين بن علي

نحن وبيت الله أولى بالنبي

والله لا يحكم فينا ابن الدعي

فقاتل قتالا شديدا ، ثمّ عاد إلى أبيه وهو يقول : يا أبت ، العطش قد قتلني ، وثقل الحديد قد أجهدني ، فبكى الحسينعليه‌السلام وقال : « وا غوثاه أنّى لي الماء ، قاتل يا بنيّ قليلا واصبر ، فما أسرع الملتقى بجدّك محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله فيسقيك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبدا ». فكرّ عليهم يفعل فعل أبيه وجدّه. فرماه مرّة بن منقذ العبدي بسهم في حلقه(3) .

وقال أبو الفرج : قال حميد بن مسلم الأزدي : كنت واقفا وبجنبي مرّة بن منقذ ، وعلي بن الحسين يشدّ على القوم يمنة ويسرة فيهزمهم ، فقال مرّة عليّ آثام العرب

__________________

(1) تاريخ الطبري : 3 / 309 ، بتفاوت في بعض العبارات.

(2) مقاتل الطالبيين : 115.

(3) راجع اللهوف : 166.

٥١

إن مرّ بي هذا الغلام لأثكلنّ به أباه ، فقلت : لا تقل ، يكفيك هؤلاء الذين احتوشوه. فقال : لأفعلنّ ، ومرّ بنا عليّ وهو يطرد كتيبة فطعنه برمحه فانقلب على قربوس فرسه فاعتنق فرسه فكرّ به على الأعداء فاحتووه بسيوفهم فقطّعوه(1) . فصاح قبل أن يفارق الدنيا : السلام عليك يا أبتي ، هذا جدّي المصطفى قد سقاني بكأسه الأوفى وهو ينتظرك الليلة ، فشدّ الحسينعليه‌السلام حتّى وقف عليه وهو مقطّع فقال : « قتل الله قوما قتلوك يا بنيّ ، فما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حرمة الرسول » ، ثمّ استهلت عيناه بالدموع ، وقال : « على الدنيا بعدك العفا »(2) .

وروى أبو مخنف ، وأبو الفرج عن حميد بن مسلم الأزدي أنّه قال : وكأنّي أنظر إلى امرأة قد خرجت من الفسطاط وهي تنادي : يا حبيباه يا ابن أخيّاه ، فسألت عنها ، فقالوا : هذه زينب بنت علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فجاءت حتّى انكبّت عليه ، فجاء الحسينعليه‌السلام إليها وأخذ بيدها إلى الفسطاط ، ورجع فقال لفتيانه : « احملوا أخاكم » فحملوه من مصرعه ، ثمّ جاءوا به فوضعه بين يدي فسطاطه(3) . وقتل ولا عقب له.

وفيه أقول :

بأبي أشبه الورى برسول

الله نطقا وخلقة وخليقه

قطعته أعداؤه بسيوف

هي أولى بهم وفيهم خليقه

ليت شعري ما يحمل الرهط منه

جسدا أم عظام خير الخليقة

__________________

(1) مقاتل الطالبيين : 115.

(2) راجع مقاتل الطالبيين : 115 ، واللهوف : 167.

(3) تاريخ الطبري : 3 / 331 بتفاوت في بعض الكلمات.

٥٢

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( الخلق ) : بضم الخاء الطبع وبفتحها التصوير. ( يغلي ) : أي يفير.

( النهيء ) : كأمير اللحم النيء. ( يغلي ) : الثاني ضدير خص.

( الشرف ) : الموضع العالي وهو على زنة جبل.

وقال الشاعر :

آتي النديّ فلا يقرّب مجلسي

وأقود للشرف الرفيع حماري

( القابل ) : المقبل عليك ومنه عام قابل.

( السدى ) : ندى أول الليل والندى ندى آخر الليل ويكنّى بكلّ منها وبهما عن الكرم.

( قطع الله رحمك ) : يعني قطع نسلك من ولدك كما قطعت نسلي من ولدي فإنّه لا عقب له.

( الأوفى ) : وصف الكأس وهي مؤنثة بالأوفى ، وهو مذكر غير صحيح على القواعد العربيّة ، فإن صحّت روايته فمحمول على أنّ المراد بالكأس الإناء والظرف وأمثالهما.

( احتووه ) : أي حازوه إليهم واشتملوا عليه ، يقال : احتويت على الصيد إذا حزته إليك واشتملت عليه.

( قربوس ) : السرج بفتح القاف والراء ولا تسكن الراء إلاّ في الضرورة بمعنى حنوه.

( الخليقة ) : الأولى بمعنى الطبيعة ، والثانية بمعنى الجديرة ، والثالثة بمعنى المخلوقات.

٥٣

عبد الله بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام

ولد في المدينة ، وقيل في الطف ، ولم يصح. وأمّه الرباب بنت امرئ القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم بن جناب بن كلب. وأمّها هند الهنود بنت الربيع بن مسعود بن مصاد بن حصن بن كعب المذكور ، وأمّها ميسون بنت عمرو بن ثعلبة بن حصين بن ضمضم. وأمّها الرباب بنت أوس بن حارثة بن لام الطائي ، وهي التي يقول فيها أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام :

لعمرك إنني لأحب دارا

تحل بها سكينة والرباب

أحبّهما وأبذل جلّ مالي

وليس لعاتب عندي عتاب

وكان امرؤ القيس زوّج ثلاث بناته في المدينة من أمير المؤمنين والحسن والحسينعليهم‌السلام ، وقصّته مشهورة ، فكانت الرباب عند الحسينعليه‌السلام وولدت له سكينة وعبد الله هذا.

قال المسعودي والأصبهاني والطبري وغيرهم : إنّ الحسين لمّا آيس من نفسه ذهب إلى فسطاطه فطلب طفلا له ليودّعه ، فجاءته به أخته زينب ، فتناوله من يدها ووضعه في حجره ، فبينا هو ينظر إليه إذ أتاه سهم فوقع في نحره فذبحه(1) .

قالوا : فأخذ دمه الحسينعليه‌السلام بكفّه ورمى به إلى السماء وقال : « اللهمّ لا يكن أهون عليك من دم فصيل ، اللهمّ إن حبست عنا النصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خير لنا ؛ وانتقم لنا من هؤلاء الظالمين ، فلقد هوّن ما بي أنّه بعينك يا أرحم الراحمين »(2) .

__________________

(1) تاريخ الطبري : 3 / 332 ، مقاتل الطالبيين : 94. ولم أعثر عليه في مروج الذهب ولا في إثبات الوصيّة.

(2) راجع الكامل : 4 / 75.

٥٤

قالوا : فروي عن الباقرعليه‌السلام « أنّه لم تقع من ذلك الدم قطرة إلى الأرض »(1) . ثمّ إنّ الحسينعليه‌السلام حفر له عند الفسطاط حفيرة في جفن سيفه فدفنه فيها بدمائه ورجع إلى موقفه(2) .

وروى السيّد الطاوسي أنّه أخذ الطفل من يدي أخته زينب فأومى إليه ليقبله ، فأتته نشابة فذبحته فأعطاه إلى أخته وقال : خذيه إليك ، ثمّ فعل ما فعل بدمائه ، وقال ما قال بدعائه(3) .

وروى أبو مخنف أنّ الذي رماه بالسهم حرملة بن الكاهن الأسدي(4) . وروى غيره إنّ الذي رماه عقبة بن بشر الغنوي(5) . والأول هو المروي عن أبي جعفر محمّد الباقرعليهما‌السلام .

يا لرضيع أتاه سهم ردى

حيث أبوه كالقوس من شفقه

قد خضبت جسمه الدماء فقل

بدر سماء قد اكتسى شفقه

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( الحجر ) : هو بتثليث الحاء المهملة وبعدها الجيم الساكنة حضن الإنسان.

( الكاهن ) : بالنون ، ويجري على بعض الألسن ويمضى في بعض الكتب باللام ، والمضبوط خلافه.

__________________

(1) اللهوف : 169 ، مثير الأحزان : 70 ، وعنه البحار : 45 / 46.

(2) الاحتجاج : 2 / 101 ، وليس فيه : ورجع إلى موقفه.

(3) اللهوف : 169.

(4) تاريخ الطبري : 3 / 343.

(5) راجع مقاتل الطالبيين : 95. وليس فيه : الغنوي.

٥٥

( الشفقة ) : الأولى الحذر من جهة المحبّة ، والثانية هي شفق مضاف إلى ضمير البدر ، والشفق هو : الحمرة الشديدة عند أوّل الليل بين المغرب والعشاء.

العباس بن علي بن أبي طالب عليهم السلام

ولد سنة ست وعشرين من الهجرة. وأمّه أمّ البنين ، فاطمة بنت حزام بن خالد بن ربيعة بن عامر المعروف بالوحيد بن كلاب بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. وأمّها ثمامة بنت سهيل بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب. وأمّها عمرة بنت الطفيل فارس قرزل ، ابن مالك الأخزم رئيس هوازن ، بن جعفر بن كلاب. وأمّها كبشة بنت عروة الرحّال بن عتبة بن جعفر بن كلاب. وأمّها أم الخشف بنت أبي معاوية فارس هوازن ، ابن عبادة بن عقيل بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. وأمّها فاطمة بنت جعفر بن كلاب. وأمّها عاتكة بنت عبد شمس بن عبد مناف. وأمّها آمنة بنت وهب بن عمير بن نصر بن قعين بن الحرث بن ثعلبة بن ذودان بن أسد بن خزيمة. وأمّها بنت حجدر بن ضبيعة الأغرّ بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن ربيعة بن نزار. وأمّها بنت مالك بن قيس بن ثعلبة. وأمّها بنت ذي الرأسين خشين ابن أبي عاصم بن سمح بن فزارة. وأمّها بنت عمرو بن صرمة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن الريث بن غطفان.

قال السيد الداودي في العمدة : إنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام قال لأخيه عقيل ـ وكان نسّابة عالما بأخبار العرب وأنسابهم ـ : ابغني امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوّجها فتلد لي غلاما فارسا ، فقال له : أين أنت عن فاطمة بنت حزام بن خالد الكلابيّة ، فإنّه ليس في العرب أشجع من آبائها ولا أفرس(1) .

__________________

(1) عمدة الطالب : 324 بتفاوت في بعض الكلمات.

٥٦

وفي آبائها يقول لبيد للنعمان بن المنذر ملك الحيرة :

نحن بنو أم البنين الأربعه

ونحن خير عامر بن صعصعة

الضاربون الهام وسط المجمعة

فلا ينكر عليه أحد من العرب ، ومن قومها ملاعب الأسنّة أبو براء الذي لم يعرف في العرب مثله في الشجاعة ، والطفيل فارس قرزل ، وابنه عامر فارس المزنوق ، فتزوجها أمير المؤمنينعليه‌السلام فولدت له وأنجبت. وأوّل ما ولدت له العبّاسعليه‌السلام يلقّب في زمنه قمر بني هاشم ، ويكنّى أبا الفضل. وبعده عبد الله ، وبعده جعفرا ، وبعده عثمان. وعاش العبّاس مع أبيه أربع عشرة سنة ، حضر بعض الحروب فلم يأذن له أبوه بالنزال ، ومع أخيه الحسن أربعا وعشرين سنة ، ومع أخيه الحسينعليه‌السلام أربعا وثلاثين سنة ، وذلك مدّة عمره ، وكانعليه‌السلام أيدا شجاعا فارسا وسيما جسيما يركب الفرس المطهّم ورجلاه تخطان في الأرض.

وروي عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام أنّه قال : « كان عمّنا العبّاس بن علي نافذ البصيرة ، صلب الإيمان ، جاهد مع أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وأبلى بلاء حسنا ، ومضى شهيدا(1) .

وروي عن علي بن الحسينعليه‌السلام أنّه نظر يوما إلى عبيد الله بن العبّاس بن عليعليه‌السلام فاستعبر ثمّ قال : « ما من يوم أشدّ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من يوم أحد ، قتل فيه عمّه حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله ، وبعده يوم مؤتة قتل فيه ابن عمّه جعفر ابن أبي طالب ، ولا يوم كيوم الحسين ، ازدلف إليه ثلاثون ألف رجل ، يزعمون أنّهم من هذه الأمّة ، كلّ يتقرّب إلى الله عزّ وجلّ بدمه ، وهو يذكّرهم بالله فلا يتّعظون ، حتّى قتلوه بغيا وظلما وعدوانا ، ثمّ قال : « رحم الله العبّاس فلقد آثر وأبلى ، وفدى

__________________

(1) الخصال : 86 ، باب الاثنين ، عمدة الطالب : 323.

٥٧

أخاه بنفسه حتّى قطعت يداه ، فأبدله الله عزّ وجلّ منهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنّة ، كما جعل لجعفر بن أبي طالب.

وإنّ للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة »(1) .

وروى أبو مخنف أنّه لما منع الحسينعليه‌السلام وأصحابه من الماء وذلك قبل أن يجمع على الحرب اشتدّ بالحسين وأصحابه العطش ، فدعا أخاه العبّاس فبعثه في ثلاثين فارسا وعشرين راجلا ليلا ، فجاءوا حتّى دنوا من الماء ، واستقدم أمامهم باللواء نافع فمنعهم عمرو بن الحجاج الزبيدي ، فامتنعوا منه بالسيوف وملأوا قربهم وأتوا بها والعباس بن علي ونافع يذبان عنهم ويحملان على القوم حتّى خلصوا بالقرب إلى الحسين(2) . فسمّي السقّاء وأبا قربة.

وروى أبو مخنف أنّه لما كاتب عمر بن سعد عبيد الله بن زياد في أمر الحسينعليه‌السلام وكتب إليه على يدي شمر بن ذي الجوشن بمنازلة الحسين ونزوله ، أو بعزله وتولية شمر العمل ، قام عبد الله بن أبي المحلّ بن حزام بن خالد بن ربيعة بن عامر الوحيد ـ وكانت عمّته أمّ البنين ـ فطلب من عبيد الله كتابا بأمان العبّاس وإخوته ، وقام معه شمر في ذلك ، فكتب أمانا وأعطاه لعبد الله ، فبعثه إلى العبّاس وإخوته مع مولى له يقال له : كزمان ، فأتى به إليهم فلمّا قرءوه قالوا له : أبلغ خالنا السلام وقل له أن لا حاجة لنا في الأمان ، أمان الله خير من أمان ابن سميّة. فرجع ، قال : ووقف شمر في اليوم العاشر ناحية فنادى : أين بنو أختنا ، أين العبّاس وإخوته ، فلم يجبه أحد ، فقال لهم الحسينعليه‌السلام : أجيبوه ولو كان فاسقا ، فقام إليه العبّاس فقال له : ما تريد؟ قال : أنتم

__________________

(1) الخصال : 68 ، باب الاثنين ، ح 101.

(2) تاريخ الطبري : 3 / 312 ، بتفاوت وسقط في بعض الكلمات.

٥٨

آمنون يا بني أختنا. فقال له العبّاس : لعنك الله ولعن أمانك ، لئن كنت خالنا أتؤمنّا وابن رسول الله لا أمان له؟ وتكلّم إخوته بنحو كلامه ثمّ رجعوا(1) .

وروى أبو مخنف أيضا وغيره أنّ عمر بن سعد نادى في اليوم التاسع : يا خيل الله اركبي وأبشري بالجنّة. فركب الناس وزحفوا ، وذلك بعد صلاة العصر ، والحسينعليه‌السلام جالس أمام بيته محتبيا بسيفه وقد خفق على ركبتيه ، فسمعت زينب الصيحة فدنت منه وقالت : أما تسمع الأصوات يا أخي قد اقتربت! فرفع الحسينعليه‌السلام رأسه وأخبرها برؤية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّه يدعوه ، فلطمت زينب وجهها وقالت : يا ويلتاه ، فقال لها : ليس الويل لك يا أخيّة ، اسكتي رحمك الرحمن. ثمّ قال العبّاس له : يا أخي قد أتاك القوم فنهض ، ثمّ قال : « يا عبّاس ، اركب بنفسي أنت حتّى تلقاهم فتقول لهم : ما لكم؟ وما بدا لكم؟ وتسألهم عمّا جاء بهم » ، فأتاهم العبّاس في نحو عشرين فارسا فيهم زهير وحبيب فقال لهم : ما لكم وما بدا لكم وما تريدون؟ فقالوا : جاء أمر عبيد الله أن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو ننازلكم. قال : فلا تعجلوا حتّى أرجع إلى أبي عبد الله فأعرض عليه ما ذكرتم ، فوقفوا ثمّ قالوا : القه فأعلمه ذلك ، ثمّ أعلمنا بما يقول. فانصرف العبّاس يركض فرسه إلى الحسينعليه‌السلام يخبره ، ووقف أصحابه يخاطبون القوم حتّى أقبل العبّاس يركض فرسه فانتهى إليهم ، فقال : يا هؤلاء : إنّ أبا عبد الله يسألكم أن تنصرفوا هذه العشيّة حتّى ينظر في هذا الأمر ، فإنّ هذا أمر لم يجر بينكم وبينه فيه منطق ، فإذا أصبحنا التقينا فإمّا رضيناه فأتينا بالأمر الذي تسألونه وتسومونه أو كرهنا فرددناه. قال : وإنّما أراد بذلك أن يردّهم عن الحسين تلك العشيّة حتى يأمر بأمره ويوصي أهله ، وقد كان الحسينعليه‌السلام قال له : « يا أخي ان استطعت أن تؤخّرهم هذه العشيّة إلى غدوة ،

__________________

(1) تاريخ الطبري : 3 / 313.

٥٩

وتدفعهم عنّا لعلّنا نصلّي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره ، فهو يعلم أني قد كنت أحبّ الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار » ، فقال لهم العبّاس ما قال ، فقال عمر بن سعد : ما ترى يا شمر؟ فقال : ما ترى أنت ، أنت الأمير والرأي رأيك ، فقال : قد أردت أن لا أكون ذا رأي. ثمّ أقبل على الناس فقال : ما ذا ترون؟ فقال عمرو بن الحجاج : سبحان الله! والله لو كانوا من الديلم ثمّ سألوك هذه المنزلة لكان ينبغي لك أن تجيبهم إليها. وقال قيس بن الأشعث : لا تجبهم إلى ما سألوك فلعمري ليصبحنّك بالقتال غدوة. فقال : والله لو أعلم أن يفعلوا ما أخّرتهم العشيّة ، ثمّ أمر رجلا أن يدنو من الحسينعليه‌السلام بحيث يسمع الصوت فينادي : إنّا قد أجّلناكم إلى غد ، فإن استسلمتم سرّحنا بكم إلى الأمير ، وإن أبيتم فلسنا تاركيكم(1) .

وروى أهل السير عن الضحّاك بن قيس المشرقي ، قال : إنّ الحسينعليه‌السلام جمع تلك الليلة أهل بيته وأصحابه فخطبهم بخطبته التي قال فيها : « أمّا بعد : فإنّي لا أعلم أهل بيت إلخ ». فقام العبّاس فقال : لم نفعل ذلك؟! لنبقى بعدك؟! لا أرانا الله ذلك أبدا(2) . ثمّ تكلّم أهل بيته وأصحابه بما يشبه هذا الكلام ، وسيذكر بعد.

قالوا : ولمّا أصبح ابن سعد جعل على ربع المدينة عبد الله بن زهير بن سليم الأزدي ، وعلى ربع مذحج وأسد عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي ، وعلى ربع ربيعة وكندة قيس بن الأشعث بن قيس ، وعلى ربع تميم وهمدان الحر بن يزيد الرياحي ، وجعل الميمنة لعمرو بن الحجاج الزبيدي ، والميسرة لشمر بن ذي الجوشن الضبابي ، والخيل لعزرة بن قيس الأحمسي ، والرجال لشبث بن ربعي ، وأعطى الراية لدريد

__________________

(1) تاريخ الطبري : 3 / 313 ، وأورده الشيخ المفيد في الإرشاد 2 / 90.

(2) راجع الإرشاد : 2 / 91.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

والجواب : أن هذه النقمة جزئية ، لأنها على بعض الكافرين والفراعنة. والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بهذا المعنى كان نقمة أيضاً ، ومع ذلك وصفه الله تعالى بأنه رحمة للعالمين فقال :وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ .

وكذلك وصف الإمام الصادق الإمام المهديعليه‌السلام كما في حديث اللوح الذي جاء به جبرئيلعليه‌السلام الى الزهراءعليها‌السلام وفيه أسماء الأئمة من أولادها : « وأكمل ذلك بابنه محمد ، رحمة للعالمين ، عليه كمال موسى ، وبهاء عيسى ، وصبر أيوب ». « الكافي : ١ / ٥٢٨ ».

فكونه نقمة على بعض الفجار ، لا يمنع كونه رحمة لعامة الناس.

قال الإمام الرضا عليه‌السلام يصف نداء البشارة بالإمام المهدي عليه‌السلام : « كأني آيس ما كانوا قد نودوا نداءً يُسمع من بُعدٍ كما يُسمع من قُربٍ ، يكون رحمةً للعالمين ، وعذاباً على الكافرين ». « كمال الدين : ٢ / ٣٧٦ ».

معنى : وعداً غيرَ مكذوب

ورد هذا التعبير في القرآن في إنذار صالح لقومه ، قال تعالى :فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ . « هود : ٦٥ ».

لكنه وعدٌ بالعذاب ، وهذا وعدٌ بالرحمة والرخاء.

١٠١

ولم أجد هذا التعبير في كل القرآن والسنة في غير هذين الموردين!

ومعناه وعداً قطعياً حتمياً لا يُخلف.

والتقابل بينهما هو التقابل بين العذاب والرحمة الإلهية ، وقد قال تعالى :عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَئٍ .

* *

١٠٢

الفصل الثالث :

حب المؤمن لإمامه المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وهيامه به

وهل الإيمان إلا الحب والبغض؟

حب المؤمن لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله وإمامهعليه‌السلام حبٌّ خاصٌّ ، قد يصل الى حد الهيام بشخصية الإمام الفريدة ، التي تتجسد فيها إرادة الله تعالى ، وتتجلى فيها أسماؤه وأنواره.

قال الفضيل بن يسار : « سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الحب والبغض ، أمن الإيمان هو؟ فقال : وهل الإيمان إلا الحب والبغض؟ ثم تلا هذه الآية :حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الآيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ». « الكافي : ٢ / ١٢٤ ».

وفي مستدرك الحاكم « ٢ / ٢٩١ » : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الشرك أخفى من دبيب الذر على الصفا في الليلة الظلماء. وأدناه أن تحب على شئ من الجوْر وتبغض على شئ من العدل. وهل الدين إلا الحب والبغض. قال الله عز وجل : قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ».

١٠٣

يتفاوت الناس في طاقة الحب والبغض!

يحتاج الإيمان الى طاقةٍ من حب الخير وبغض الشر ، تجعل الإنسان يتفاعل مع الكون والطبيعة والمجتمع ، ومع العقائد والمشاعر ، فينبض قلبه وتجيش مشاعره ، حباً للحق والخير ، وبغضاً للباطل والشر.

ويتفاوت الناس في طاقة الحب التي أعطاهم الله ، وفي تربية الشخص وتنميته لها. والبغض مثله دائماً أو غالباً.

فقويُّ العاطفة والحب ، المملوء حيويةً ، مرشحٌ لأن يكون مؤمناً متديناً. أما ضعيف العاطفة ، الذي قلما تجيش مشاعره أو ينبض قلبه ، فهو يشبه الميت ، وليس مرشحاً للإيمان أو لدرجة عالية فيه.

وقد وصف الله تعالى هذين النوعين من الناس فقال : وَمَا يَسْتَوِى الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ . « فاطر : ٢٢ ».

وقال تعالى : أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِى بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا . « الأنعام : ١٢٢ ».

وكل إنسان لا بد أن يكون محباً لنفسه ولأنواعٍ من الخير أو الشر ، فإن وجدت شخصاً لا يحب الله ورسوله وأولياءه مثلاً ، فابحث عمن يحب بدلهم ، أو في مقابلهم!

١٠٤

ويحتاج الحب والبغض الى العقل والشرع

ولا تكفي طاقة الحب والبغض وحدها ليكون الإنسان مقبول الإيمان بل لا بد له من عقل يوجه حبه وبغضه ، ويحفظهما في نطاق الإعتدال والشرع ، وهذا معنى الحب في الله والبغض في الله عز وجل ، أي الخاضع لأحكام الشريعة ، وأوامر الله تعالى ونواهيه.

قال الإمام الباقر عليه‌السلام : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وُدُّ المؤمن للمؤمن في الله من أعظم شعب الإيمان. ألا ومن أحب في الله ، وأبغض في الله ، وأعطى في الله ، ومنع في الله ، فهو من أصفياء الله ». « الكافي « ٢ / ١٢٤ ».

وروى ابن عبد البر في التمهيد « ١٧ / ٤٣٠ » : « عن ابن مسعود قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عبد الله بن مسعود. قلت : لبيك يا رسول الله ، قال : تدري أي عرى الإيمان أوثق؟ قال قلت : الله ورسوله أعلم. قال : الولاية في الله ، والحب والبغض فيه ».

١٠٥

حب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام أرقى أنواع الحب

روى في الكافي « ٨ / ٧٨ » عن الإمام الصادق عليه‌السلام هذه الرواية العجيبة ، قال : « كان رجلٌ يبيع الزيت وكان يحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حباً شديداً ، كان إذا أراد أن يذهب في حاجته لم يمض حتى ينظر إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله !

وقد عَرف ذلك منه ، فإذا جاء تطاول له حتى ينظر إليه ، حتى إذا كان ذات يوم دخل عليه فتطاول له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى نظر إليه ، ثم مضى في حاجته فلم يكن بأسرع من أن رجع!

فلما رآه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد فعل ذلك أشار إليه بيده إجلس فجلس بين يديه فقال : مالك فعلت اليوم شيئاً لم تكن تفعله قبل ذلك؟

فقال : يا رسول الله والذي بعثك بالحق نبياً لَغَشِيَ قلبي شئٌ من ذكرك حتى ما استطعت أن أمضي في حاجتي ، حتى رجعت إليك ، فدعا له وقال له خيراً.

ثم مكث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أياماً لا يراه ، فلما فقده سأل عنه فقيل : يا رسول الله ما رأيناه منذ أيام ، فانتعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وانتعل معه أصحابه وانطلق حتى أتوا سوق الزيت ، فإذا دكان الرجل ليس فيه أحد ، فسأل عنه جيرته فقيل : يا رسول الله مات ، ولقد كان عندنا أميناً

١٠٦

صدوقاً ، إلا أنه قد كان فيه خصلة! قال : وما هي؟ قالوا : كان يرهق ، يعنون يتبع النساء. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : رحمه الله ، والله لقد كان يحبني حباً لو كان نَخَّاساً لغفر الله له ».

أقول : النخاس بائع الجواري ، وهو عادة يقع في الحرام ويرتكب الزنا معهن. ومعنى قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن حب الشاب بياع الزيت له وهيامه به ، حتى لا يستطيع أن يذهب الى عمله حتى يراه كل يوم ، هذا الحب ، يغلب ذنوبه حتى لو كانت كذنوب نخاس زناء.

ونلاحظ في الحديث شهادة رفقاء بياع الزيت بصدقه وأمانته ، فذلك من تأثير حبه للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإن بقيت عنده معاص في سلوكه.

كما نلاحظ أن مؤشرب حبه رضي الله عنه دله على أن يرى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لآخر مرة ، فرجع اليه ليراه رؤية مودع ، ثم توفي بعد ذلك!

وقال بريد بن معاوية العجليرحمه‌الله « تفسير العياشي : ١ / ١٦٧ » :

« كنت عند أبي جعفر « الإمام الباقرعليه‌السلام » إذ دخل عليه قادمٌ من خراسان ماشياً ، فأخرج رجليه وقد تغلفتا « ورمتا من المشي » وقال : أما والله ما جاء بي من حيث جئت إلا حبكم أهل البيت! فقال أبو جعفرعليه‌السلام : والله لو أحبنا حجر حشره الله معنا ، وهل الدين إلا الحب ، إن الله يقول : قُلْ

١٠٧

إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ. وقال :يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ . وهل الدين الا الحب.

وقال ربعي بن عبد الله : قيل لأبي عبد الله « الإمام الصادقعليه‌السلام » : جعلت فداك إنا نسمى بأسمائكم وأسماء آبائكم فينفعنا ذلك؟

فقال : إي والله ، وهل الدين إلا الحب؟ قال الله :قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ».

أقول : يدل قول الإمام الباقرعليه‌السلام : لو أحبنا حجر حشره الله معنا ، على أن الجمادات لها أرواح بحسبها ، كما نذهب اليه ، ولذلك قال الله تعالى : وَإِنْ مِنْ شَئٍْ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لاتَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ. كما يدل على أن الحشر يوم القيامة شامل لكل ذوات الأوراح والنبات والجماد.

وفسره بعضهم بوجه ضعيف : لو أحبنا شخص قلبه حجر ، لصلح بحبنا وحشره الله معنا ، فيكون معناه تأثير حبهمعليهم‌السلام في حسن عاقبة الإنسان.

أما معنى نفع تسمية أولادنا بأسماء أهل البيتعليهم‌السلام فهو أن ذلك يقربنا من الله تعالى فينفعنا ، كما ينفع أولادنا بتأثير وضعي وشرعي.

١٠٨

الفرق بين الحب والعشق

استعمل العرب مادة عَشِقَ في الحب المفرط ، واشتهر في حب الرجل للمرأة والعكس ، فعندما تقول فلان عاشق فمعناه مغرم بحب امرأة ، ولا يفهم منه غير ذلك إلا بقرينة. « العين : ١ / ١٢٤ ».

وقال ابن فارس « ٤ / ٣٢١ » : « يدل على تجاوز حد المحبة ». ويحتمل أن يكون أصلها فارسياً ، فـ « إيشك » الفهلوية تعني غرام الرجل والمرأة.

ولم يستعمل القرآن كلمة العشق ، واستعمل بدلها مادة الحب في أكثر من سبعين مورداً ، ولعل السبب أنها أوسع منها وأكثر احتراماً.

وقد فرق ابن الرومي بين العشق فجعله للغانيات ، وجعل الحب لعلي وأهل البيت عليهم‌السلام ، قال « مناقب آل أبي طالب : ٢ / ٢٣٠ » :

يا هندُ لم أعشق ومثلي لا يَرَى

عِشْقَ النساءِ ، ديانةً وتحَرُّجَا

لكنَّ حبي للوصي مخيمٌ

في الصدر يسرحُ في الفؤاد تولجا

فهو السراج المستنير ومن به

سببُ النجاة من العذاب لمن نجا

١٠٩

لكن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله استعمل العشق للعبادة ، فقال « الكافي : ٢ / ٨٣ » : « أفضل الناس من عشق العبادة ، فعانقها وأحبها بقلبه ، وباشرها بجسده وتفرغ لها ، فهو لايبالي على ما أصبح من الدنيا على عسر أم على يسر ».

ونلاحظ أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله استعمل أوصاف العاشقين من المعانقة والمباشرة ، لينقل معنى العشق الجنسي الى العشق المعنوي للعبادة لتكون محبوبة العابد ، يهيم بتلاواتها ، ويأنس بركوعها وسجودها ، ويتلذذ بعطش صومه وجوعه!

كما رود عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه جعل العشق أشد درجةً من الشوق ، فقال : « إن الجنة لأشوق إلى سلمان من سلمان إلى الجنة ، وإن الجنة لأعشق لسلمان من سلمان إلى الجنة ». « روضة الواعظين / ٢٨٢ ».

ليس كل عشق مذموماً

العشق المذموم : ما يصرف الإنسان عن واجب ، أو يوقعه في حرام. أما ما عداه فهو عشق حلال ، وقد يكون مستحباً ومندوباً اليه ، كما رأيت في وصف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعاشق العبادة.

وقد ذمَّ أمير المؤمنينعليه‌السلام عشق الدنيا ، وقصده الذي يسيطر على الإنسان فيرى الأمور بمنظار نفعي ، وليس بمنظار عقلاني رباني.

١١٠

قال عليه‌السلام « نهج البلاغة : ١ / ٢١١ » : « سبحانك خالقاً ومعبوداً ، بحسن بلائك عند خلقك. خلقت داراً وجعلت فيها مأدبة : مشرباً ومطعماً ، وأزواجاً وخدماً ، وقصوراً وأنهاراً ، وزروعاً وثماراً.

ثم أرسلت داعياً يدعو إليها ، فلا الداعي أجابوا ، ولا فيما رغبت رغبوا ، ولا إلى ما شوقت إليه اشتاقوا. أقبلوا على جيفة افتضحوا بأكلها ، واصطلحوا على حبها ، ومن عشق شيئاً أعشى بصره ، وأمرض قلبه ، فهو ينظر بعين غير صحيحة ويسمع بأذن غير سميعة ، قد خرقت الشهوات عقله ، وأماتت الدنيا قلبه ، وولهت عليها نفسه ، فهو عبد لها ، ولمن في يده شئ منها »!

وقد ذمَّ الإمام الصادقعليه‌السلام العشاق الهائمين لأنهم ينشغلون بعشقهم عن ذكر الله تعالى ، ففي علل الشرائع « ١ / ١٤٠ » قال المفضل بن عمر : « سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام عن العشق فقال : قلوب خلت من ذكر الله ، فأذاقها الله حب غيره ».

١١١

وقال في عمدة القاري « ١٤ / ١٢٧ » : « وروى البزار بسند صحيح عن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه : من عشق وعَفَّ وكتم ومات ، مات شهيداً ».لكنه مدح لمن لم يرتكب حراماً ، ولم يرفعه الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

هذا ، وقد شاع عند الصوفية والعامة استعمال العشق للنبي وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله تعبيراً عن شدة الحب الى حد الهيام ، وقد استنكره بعضهم ، لكن لا أرى فيه بأساً ما دام المقصود منه مفهوماً. وتقدم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله استعمله للعبادة.

جاذبية شخصية الإمام المهديعليه‌السلام

تشعر وأنت تقرأ بشارة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بولده المهدي الموعودعليه‌السلام بأنه يريد أن يحببك به! فقد وصفه وصفاً معنوياً بأنه سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً. كما وصف شكله وأنه أجلى الجبهة ، أقنى الأنف ، براق الجبين ، أفرق الثنايا ، أزجُّ ، أبلج ، أعين ، في خده الأيمن خال أسود ، حسن الوجه ، وجهه كالقمر الدري ، شمائله شمائلي ، أشبه الناس بي خلقاً وخلقاً ، يُبعث وهو ما بين الثلاثين إلى الأربعين. « معجم أحاديث الإمام المهديعليه‌السلام : ٢ / ٥١٦ »

١١٢

وتقرأ في زيارة آل ياسين ـ وقد رجحنا أن تكون من نص الحسين بن روحرحمه‌الله ـ سبع تسليمات على الإمامعليه‌السلام في حالاته المختلفة :

١١. السلام عليك حين تقعد ، السلام عليك حين تقوم.

١٢. السلام عليك حين تقرأ وتُبيِّن.

١٣. السلام عليك حين تُصلي وتقنت.

١٤. السلام عليك حين تركع وتسجد.

١٥. السلام عليك حين تُكبِّر وتُهلل.

١٦. السلام عليك حين تحمد وتستغفر.

١٧. السلام عليك حين تمسي وتصبح.

١٨. السلام عليك في الليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى.

١٩. السلام عليك أيها الإمام المأمون.

٢٠. السلام عليك أيها المقدم المأمول.

٢١. السلام عليك بجوامع السلام.

وهذه الفقرات ابتكار في عشق الإمامعليه‌السلام في حالاته المختلفة ، كالمصور الذي يركز اللقْطة على حالة خاصة ، أو لحظة خاصة.

١١٣

أو كمن يعجب بمحبوبه في حالة معينة ، فيقول له : نفسي فداك عندما تبتسم ، أو ما أجملك وأنت تتكلم ، أو ما أجمل قامتك ، وكم أكون سعيداً بالنظر اليك وأنت واقف.

واستعمل كلمة « حين » أي الوقت الذي ، وإنما قصد الفعل في ذلك الحين. والمعنى : السلام عليك وأنت تقوم بذلك في ذلك الحين.

ومعنى الفقرة الأولى :

سلام الله عليك يامولاي حين تقعد ، أي وأنت قاعد في غيبتك ، تقوم بمهامك مع الخضر وأصحابك الأبدال ، جنود الله في الغيب.

وسلام الله عليك عندما تقوم وتظهر ، وتسند ظهرك الى ركن الكعبة ، وتوجه بيانك الأول الى العالم بلغاته ، وتخاطب شعوب الأرض بأن تنصرك لتنهي الظلم وتقيم دولة العدل الإلهي.

فالفقرة تشير الى أن المهديعليه‌السلام إمام رباني سواء قام أو قعد ، وسواء غاب أو ظهر ، كما قال الإمام الحسنعليه‌السلام لمن اعترض على صلحه مع معاوية : « يا أبا سعيد ، ألستُ الذي قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لي ولأخي :

١١٤

الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا؟ قلتُ : بلى ، قال : فأنا إذن إمامٌ لو قمتُ وأنا إمامٌ لو قعدتُ.

يا أبا سعيد ، عِلَّةُ مصالحتي لمعاوية عِلة مصالحة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لبني ضُمرة وبني أشجع ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية ، أولئك كفارٌ بالتنزيل ومعاوية وأصحابه كفارٌ بالتأويل ». « علل الشرائع : ١ / ٢١١ ».

ومعنى السلام عليك حين تقوم :

سلام الله عليك يا سيدي وأنت واقفٌ فما أجمل قوامك وأنت أشبه الناس بجدك المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، شمائلك شمائله ، وأخلاقه ، وتركيب بدنك كبدنه ، تنام عيناك ولا ينام قلبك ، وليس لبدنك ظل. سلامٌ عليك عندما تظهر وينظر اليك الناس ، فتذكرهم بجدك محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله !

ومعنى : السلام عليك حين تقرأ وتُبيِّن :

أي حين تقرأ القرآن وتبينه للناس ، وتبين لهم سنة جدكصلى‌الله‌عليه‌وآله . والمقصود عندما يظهرعليه‌السلام ، لأنه في غيبته لم يبين لكل الناس.

١١٥

أما عندما يظهر فسيخاطب الناس بلغاتهم ، ويستخرج لليهود أسفاراً من التوراة من جبل بالشام وجبل بفلسطين ، ويقرؤها عليهم ، فيندهشون لخبرته بها ويُسلم منهم ألوف. « معجم أحاديث الإمام المهدي : ٢٥٠١ ».

والأئمةعليهم‌السلام يعرفون كل لغات العالم ، لأنهم حجة الله على العالم.

وقد ورد أن الإمام الكاظمعليه‌السلام لما كان صغير السن قرأ الإنجيل أمام بريهة الراهب فقال بريهة « الكافي : ١ / ٢٢٧ » : « والمسيح لقد كان يقرأ هكذا وما قرأ هذه القراءة إلا المسيح! ثم قال بريهة : إياك كنت أطلب منذ خمسين سنة أو مثلك! قال : فآمن وحسن إيمانه ، وآمنت المرأة وحسن إيمانها. قال : فدخل هشام وبريهة والمرأة على أبي عبد اللهعليه‌السلام وحكى هشام الحكاية والكلام الذي جرى بين موسىعليه‌السلام وبريهة ، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. فقال بريهة : جعلت فداك أنى لكم التوراة والإنجيل وكتب الأنبياء؟ قال : هي عندنا وراثة من عندهم نقرؤها كما قرؤوها ونقولها كما قالوها ، إن الله لا يجعل حجة في أرضه يسأل عن شئ فيقول : لا أدري.

فلزم بريهة أبا عبد اللهعليه‌السلام حتى مات أبو عبد الله ، ثم لزم موسى بن جعفر حتى مات في زمانه فغسله بيده وكفنه بيده ولحده بيده ، وقال :

١١٦

هذا حواري من حواريي المسيح يعرف حق الله عليه ، قال : فتمنى أكثر أصحابه أن يكونوا مثله ».

وفي عيون أخبار الرضا عليه‌السلام « ٢ / ١٣٩ »في مناظرته مع حاخام ، قال : « يا يهودي خذ عليَّ هذا السفر من التوراة ، فتلى علينا من التوراة آيات ، فأقبل اليهودي يترجج لقرائته ، ويتعجب »!

فمعنى الفقرة : السلام عليك يا سيدي وأنت تقرأ القرآن وتفسره للمسلمين ، وتقرأ التوراة والإنجيل ، وتفسرهما لأهل الكتاب.

والسلام عليك وأنت تعبد ربك وتتلوكتابه ، وأنت تعبد ربك وتبين دينه ووحيه ، لكل الناس.

ومعنى قوله : السلام عليك حين تُصلي وتقنت : أني معجب بك يا سيدي وأنت في صلاتك وقنوتك لربك ، فسلامُ الله عليك وأنت خاشع لربك ، وروحي لك الفداء وأنت رافعٌ يديك تناجي ربك وتدعوه.

فالفقرة صورة من صلاة المعصوم وقنوته ، وقد وردت روايات عديدة في وصفهما ، منها في وصف صلاح أمير المؤمنين وزين العابدينعليه‌السلام ، كما ورد في صفة المهديعليه‌السلام أنه خاشع لربه خشوع النسر بجناحه.

١١٧

ومعنى قوله : السلام عليك حين تركع وتسجد :

أني أحبك يا سيدي وأنت على علو مقامك تركع بين يدي ربك ، وتعظم مقامه ، وتعلم الناس عبادته ، والإنحناء أمام عظمته.

تعلمهم أن العزة بالعبودية ، وبالإنحناء لعظمة الله تعالى ، وأن كمال الإنسان بالإعتراف بخالقه وربه ، الذي أكرمه من بين المخلوقات.

والسلام عليك وأنت تسجد لربك ، فتذوب خضوعاً للخالق العظيم وتُعلم الناس أن تكاملهم إنما هو بعمق عبادتهم لربهم ، وإخلاص سجودهم بين يديه ، وأن الإنسان إذا صار صفراً بين يدي ربه تحول الى رقم صعب ، مقدس في ملكوت الله.

ومعنى قوله : السلام عليك حين تُكبِّر وتُهلل :

السلام عليك وأنت تعبد الله تعالى ، فتكبره في صلاتك ، وبعد صلاتك في تسبيح جدتك الزهراءعليها‌السلام . وتهلله في شهادتك بوحدانيته ، في أذانك وإقامتك ، وذكرك وشكرك.

والسلام عليك عندما تظهر ، وتعلن أن الله تعالى أكبر من كل شئ ، ومن الطواغيت المتسلطين على الأرض ، ومن قوة جيوشهم.

١١٨

فسلام الله عليك وأنت تطبق شعار : الله أكبر ، فتحطم أعداءه ، وتهزم جيوشهم ، وتتبر ما علوا تتبيرا.

وتعلن أن الله أكبر ، فتكشف خططهم ، وتخبرهم بنواياهم ، وتهزم مخابراتهم ، بما علمك الله من علم ، وهداك اليه من أسلوب عمل.

وسلام الله عليك وأنت تهلل الله تعالى ، فتوحده في ذاته وصفاته ، وتكشف الذين تطاولوا عليه فصغروا عظمته ، وشبهوه بخلقه ، وجعلوه جسماً محدوداً ، وهو خالق الأجسام ومجسمها.

وسلام الله عليك وأنت توحده في ربوبيته فتعلن انتهاء الأرباب والأنداد لله ، والمطاعين دونه ، في طول الأرض وعرضها. وتعلن أنه لا سلطان بعد اليوم الى يوم القيامة ، ولا حكم إلا لله تعالى ومن ينصبه حاكماً على عباده في أرضه ، يحكم بينهم بالعدل والهدى والرأفة.

ومعنى قوله : السلام عليك حين تحمد وتستغفر :

أني أحبك يا سيدي وأنت تحمد ربك ، فتعترف له وتعلن أن جميع النعم في الكون منه لاغير. وتدعو الناس الى الإعتراف بذلك.

١١٩

وسلام الله عليك ياسيدي وأنت تعترف بمحدودية الإنسان وقصوره عن أداء شكر ربه ، وتعلن أن حق الخالق عظيم لا يمكن لأحد مهما علا مقامه أن يوفيه ، فستغفره لتقصيرك في طاعته وأداء شكره ، كمن أذنب ذنباً منا ، وأنت بلا ذنب. أو ارتكب مخالفة ، وأنت معصوم!

ومعنى قوله : السلام عليك حين تمسي وتصبح :

أني أحبك يا سيدي في هاتين الحالتين ، فالسلام عليك وأنت تُسَبِّحُ ربك في هذين الوقتين :فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ .

وأتصورك ياسيدي تمسي في مدينة جدكصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنها مسكنك ومقرك ، فتصلي فريضتك ونافلتك عند جدك ، أو في مسكنك.

أو تكون في أي مكان من أرض الله ، تنفذ فيه مهمةً ، أو يكون لك غرضٌ في زيارته. فسلام عليك وأنت تعيش الزمن ، تمسي وتصبح في طاعة الله وذكره ، وتعرف كيف تعيش وتعمر أيامك بطاعة ربك وعبادته ، تعمل لما يدوم ويبقى ، وتعرض عما يزول ويفنى.

هذا ، وينبغي أن نشير الى بقية عناصر الجذب في شخصيته عليه‌السلام وهي كثيرة :

منها : أنه عاش عمراً طويلاً وبقي كهلاً ، وكذلك المسيحعليه‌السلام .

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136