شرح زيارة آل ياسين

شرح زيارة آل ياسين42%

شرح زيارة آل ياسين مؤلف:
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
الصفحات: 136

شرح زيارة آل ياسين
  • البداية
  • السابق
  • 136 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 62285 / تحميل: 5805
الحجم الحجم الحجم
شرح زيارة آل ياسين

شرح زيارة آل ياسين

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

التوجه الى الله بأهل البيتعليهم‌السلام والتوجه اليهم

معنى قول الإمام عليه‌السلام : فإذا أردتم التوجه بنا إلى الله تعالى ، والينا ، فقولوا

أنكم إذا أردتم التوسل بنا الى الله تعالى ، فأثنوا عليه ، ثم اذكروا مقامنا عنده ، وتوسلوا بنا اليه عز وجل.

قال الإمام الباقر عليه‌السلام : « إذا أردت أمراً تسأله ربك ، فتوضأ وأحسن الوضوء ثم صل ركعتين ، وعظم الله وصل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقل بعد التسليم : اللهم إني أسألك بأنك مَلِكٌ وأنك على كل شئ قدير مقتدر ، وبأنك ما تشاء من أمرٍ يكون.

اللهم إني أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة. يامحمد يا رسول الله إني أتوجه بك إلى الله ربك وربي لينجح لي طلبتي. اللهم بنبيك أنجح لي طلبتي بمحمد. ثم سل حاجتك ». « الكافي : ٣ / ٤٧٨ ».

وفي التهذيب « ٦ / ١٠١ » : « اللهم إني لو وجدت شفعاء أقرب إليك من محمد وأهل بيته الأخيار الأئمة الأبرار ، لجعلتهم شفعائي ، فبحقهم الذي أوجبت لهم عليك أسألك أن تدخلني في جملة العارفين بهم ».

٢١

أما التوجه الى الأئمةعليهم‌السلام في الدعاء ، فهو أعلى من التوجه بهم ، لأن التوجه بهم يعني أنهم وسيلة الى الله ولا يركز على شخصياتهم ، بينما التوجه اليهم يعني أنهم مركز نور الله تعالى وتجلي أسمائه ، كما قال عز وجل : مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاة فيكون التوجه اليهم في طريق التوجه الى الله تعالى ومدخلاً اليه ، لا أنه بدل التوجه اليه ، كما يزعم النواصب!

ويؤيد ذلك الأحاديث الصحيحة في أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمةعليهم‌السلام هم وجه الله الذي منه يؤتى ، فيكون التوجه اليهم توجهاً الى الله تعالى.

ففي الكافي « ١ / ١٤٣ » أن الإمام الصادقعليه‌السلام : « سُئل عن قول الله تبارك وتعالى : كُلُّ شَئٍ هَالِكٌ إلا وَجْهَه ، فقال : ما يقولون فيه؟ قلت : يقولون : يهلك كل شئ إلا وجه الله! فقال : سبحان الله لقد قالوا قولاً عظيماً! إنما عني بذلك وجه الله الذي يؤتى منه ».

وفي زيارة أمير المؤمنينعليه‌السلام : « أشهد لك يا ولي الله وولي رسوله بالبلاغ والأداء ، وأشهد أنك جنب الله ، وأنك باب الله ، وأنك وجه الله الذي منه يؤتى ، وأنك سبيل الله ، وأنك عبد الله وأخو رسوله ». « كامل الزيارات / ١٠٠ ».

هذا ، وقد اعتمدنا في الشرح نص الإحتجاج ، لأنه مختصرٌ وكافٍ لغرضنا.

٢٢

الفصل الثاني :

من مقامات الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) عند الله تعالى

« ١ » سلامٌ على آل ياسين

قال تعالى :وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ. أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ. اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ. فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ. إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ. وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ. سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ. إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ . « الصافات١٢٣ ـ ١٣٢ ».

الموجود في القرآن :سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ . بكسر الهمزة ، وهو قراءة الأكثر. وقرأ أهل المدينة وأهل البيتعليهم‌السلام وغيرهم : آل ياسين. فيكون المعنى على الكسر : سلام على إلياس ، وعُبِّرَ عنه بإلياسين. وعلى الفتح : سلامٌ على آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأن ياسين هو محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢٣

قال العيني في عمدة القاري « ١٥ / ٢٢٣ » : « قرأ ابن عامر ونافع ويعقوب : آل ياسين ، بالمد. والباقون إلياسين بالقطع والقطر. فمن قرأ آل ياسين بالمد فإنه أراد آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله . وقيل أراد إلياس ، وهو أليق بسياق الآية.

ومن قرأ إلياسين فقد قيل إنها لغة في إلياس ، مثل إسماعيل وإسماعين وميكائيل وميكائين. وقال الزمخشري : قرئ على إلياسين وإدريسين وإدراسين ، على أنها لغات في إلياس وإدريس ».

قال الطبري في تفسيره « ٢٣ / ١١٥ » : « وقرأ ذلك عامة قراء المدينة : سلام على آل ياسين ، بقطع آل من ياسين ، فكان بعضهم يتأول ذلك بمعنى : سلام على آل محمد ».

وقال ابن حجر في فتح الباري « ٦ / ٢٦٥ » : « وإلياس بهمزة قطع ، وهو إسم عبراني. وأما قوله تعالى سلامٌ على إلياسين ، فقرأه الأكثر بصورة الإسم المذكور وزيادة ياء ونون في آخره ، وقرأ أهل المدينة آل ياسين بفصل آل من ياسين ، وكان بعضهم يتأول أن المراد سلامٌ على آل محمد وهو بعيد ، ويؤيد الأول أن الله تعالى إنما أخبر في كل موضع ذكر فيه نبياً من الأنبياء في هذه السورة بأن السلام عليه ، فكذلك السلام في

٢٤

هذا الموضع على الياس المُبدأ بذكره ، وإنما زيدت فيه الياء والنون كما قالوا في إدريس إدراسين. والله أعلم ».

وقال في فتح القدير « ٤ / ٤٠٩ » : « قال الكلبي : المراد بآل ياسين آل محمد.قال الواحدي : وهذا بعيد لأن ما بعده من الكلام وما قبله لا يدل عليه ».

وروى الطبراني في المعجم الكبير « ١١ / ٥٦ » عن ابن عباس قال عن إل ياسين : « نحن آل محمد ». وضعفه الهيثمي في مجمع الزوائد « ٩ / ١٧٤ » بموسى بن عمير ، واتهمه بالكذب. لكن رواه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل « ٢ / ١٦٥ » بطرق أخرى صحيحة عن ابن عباس وعن الصادقعليه‌السلام ليس فيها موسى بن عمير. ورواه عن عليعليه‌السلام قال : رسول الله ياسين ، ونحن آله.

وروته مصادرنا ، ففي أمالي الصدوق / ٥٥٨ ، عن عليعليه‌السلام وابن عباس. وفي أمالي الصدوق / ٦٢٢ : قال الإمام الرضاعليه‌السلام للعلماء عند المأمون : « أخبروني عن قول الله عز وجل :يس. وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ. إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . فمن عنى بقوله : يس؟

قالت العلماء : يس محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يشك فيه أحد.

قال أبو الحسنعليه‌السلام فإن الله أعطى محمداً وآل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله من ذلك فضلاً لايبلغ أحد كنه وصفه إلا من عقله ، وذلك أن الله لم يُسلم على أحد إلا

٢٥

على الأنبياء ، فقال تبارك وتعالى :سَلامٌ على نوحٍ في العالمين ، وقال : سَلامٌ على إبراهيم. وقال : سَلامٌ على موسى وهارون. ولم يقل : سلام على آل نوح ، ولم يقل : سلام على آل موسى ، ولا على آل إبراهيم ، وقال : سلام على آل ياسين ، يعني آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

وروى نحوه في معاني الأخبار / ١٢٢ ، وروى عن أبي عبد الرحمن السلمي أن عمر بن الخطاب كان يقرأ :سلامٌ على آل ياسين . قال أبو عبد الرحمن السلمي : آلُ ياسين آلُ محمد ».

التعارض بين الظهور والنص

ذكر الله نوحاًعليه‌السلام في سياق الآيات وختم بقوله :وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ. سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ. إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ . « الصافات : ٧٨ ـ ٨١ ».

ثم ذكر إبراهيمعليه‌السلام وختم بقوله :سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ. كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ. إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ . « الصافات : ١٠٨ ـ ١١١ ».

ثم ذكر موسى وهارونعليهما‌السلام وختم بقوله :سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ. إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ. إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ . « الصافات : ١١٩ ـ ١٢٢ ».

٢٦

ثم ذكر إلياسعليه‌السلام بقوله :وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ. أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ. اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الأَوَلِينَ. فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ. إِلا عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ. وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ. سَلامٌ عَلَى إِلْيَاسِينَ. إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ. إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ . « الصافات : ١٢٣ ـ ١٣٢ ».

ثم ذكر الله تعالى لوطاً ويونسعليهما‌السلام ولم يختم آياتهما بالسلام عليهما.

ثم تحدث عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وتكذيب المكذبين له ، وختم السورة بقوله :وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ. وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ. وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ. وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . « الصافات : ١٧٨ ـ ١٨٢ ».

فظاهر السياق أن التسليم في الآية على إلياس نفسه خاصة ، بقرينة قوله بعدها : إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ. بينما الرواية المستفيضة تنص على أن التسليم فيها على آل ياسين ، الذين هم آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله !

وقد يقال : لو كان السلام فيها على آل ياسين ، فلماذا لم يذكرها في سورة ياسين ، وذكرها بعد إلياس؟

أقول : نعم ، هذا ظاهر السياق ، لكن إذا تعارض الظهور مع النص عن المعصومعليه‌السلام وجب تقديم النص على الظهور ، لأن المعصومعليه‌السلام

٢٧

هو المفسرالشرعي للقرآن ، وكلامه مقدم على ما يظهر لنا منه بَدْواً ، لأنه أعرف بمعانيه ، ولذا رجحنا تفسيرها بآل ياسين آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

هل يصح الجمع بين المعنيين؟

هل يمكن أن يكون إلياسين مستعملاً بمعنيين ، فيكون معناه : سلامٌ على إلياس ، وعلى آل ياسين معاً. وهل لإلياسعليه‌السلام علاقة بآل محمدعليهم‌السلام لأن إسمه إيليا ، وهو إسم عليعليه‌السلام في كتب الأنبياءعليهم‌السلام ؟

هذا احتمال ، لكن استعمال اللفظ في معنيين وأكثر ورد في القرآن كقوله تعالى :فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ، فهو بمعنى العدوان والركض معاً. وقوله تعالى :إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ، فهو بثلاث معانٍ : كوثر الذرية ، وحوض الكوثر في المحشر ، ونهر الكوثر في الجنة.

كان نبي الله إلياس بعد نبي الله سليمانعليهما‌السلام

ذكر المسعودي في مروج الذهب « ١ / ٧٥ » أن نبي الله إلياس كان بين سليمان والمسيحعليهم‌السلام . وذكر الطبري « ١ / ٣٢٥ » أنه بعث الى بني إسرائيل ، وكانوا يعبدون الإله بعل. ويبدو أن صاحب معبد بعلبك المعروفة.

٢٨

وفي قاموس الكتاب المقدس / ١٤٤ ،أن إلياس هو إيليا : « إسم عبري ومعناه إلهي يهوه ، والصيغة اليونانية لهذا الإسم هي إلياس وتستعمل أحياناً في العربية. وهو نبي عظيم عاش في المملكة الشمالية. وبما أنه يدعى التشبي فيرجح أنه ولد في تشبة ولكنه عاش في جلعاد « ١ مل ١٧ : ١ » وكان عادة يلبس ثوباً من الشعر « مسوحاً » ومنطقة من الجد « ٢ مل١ : ٨ » وكان يقضي الكثير من وقته في البرية « ١مل١٧ : ٥ وص ١٩ » وبما أن إيزابل ساقت زوجهما وشعب بني إسرائيل إلى عبادة البعل ، فقد تنبأ إيليا بأن الله سيمنع المطر عن بني إسرائيل. واعتزل النبي إلى نهر كريت ، وكانت الغربان تعوله وتأتي إليه بالطعام ، وبعد أن جف النهر ذهب إلى صرفة « الصرفند في لبنان » وبقي في بيت امرأة أرملة ، ووفقاً لوعد إيليا لها لم يفرغ من بيتها الدقيق والزيت طوال مدة الجفاف ».

وذكرته روايات أهل البيت عليهم‌السلام ، ومنها أن الإمام الصادق كان يقرأ دعاء الياس بالسريانية. قال المفضل بن عمرو « الكافي : ١ / ٢٧٧ » : « أتينا باب أبي عبد اللهعليه‌السلام ونحن نريد الإذن عليه فسمعناه يتكلم بكلام ليس بالعربية فتوهمنا أنه بالسريانية ثم بكى فبكينا لبكائه ، ثم خرج إلينا

٢٩

الغلام فأذن لنا فدخلنا عليه فقلت : أصلحك الله أتيناك نريد الإذن عليك فسمعناك تتكلم بكلام ليس بالعربية ، فتوهمنا أنه بالسريانية ، ثم بكيت فبكينا لبكائك ، فقال : نعم ذكرت إلياس النبيعليه‌السلام وكان من عُبَّاد أنبياء بني إسرائيل ، فقلت كما كان يقول في سجوده ، ثم اندفع فيه بالسريانية ، فلا والله ما رأينا قساً ولا جاثليقاً أفصح لهجةً منه به ، ثم فسره لنا بالعربية فقال : كان يقول في سجوده : أتراك معذبي وقد أظمأت لك هواجري ، أتراك معذبي وقد عفرت لك في التراب وجهي أتراك معذبي وقد اجتنبت لك المعاصي ، أتراك معذبي وقد أسهرت لك ليلي! قال : فأوحى الله إليه أن ارفع رأسك فإني غير معذبك.

قال فقال : إن قلتَ لا أعذبك ثم عذبتني ، ماذا؟ ألست عبدك وأنت ربي؟ قال : فأوحى الله إليه أن ارفع رأسك فإني غير معذبك ، إني إذا وعدت وعداً وفيت به ».

٣٠

« ٢ » السلام عليك يا داعيَ الله وربانيَّ آياته

معنى الدعوة الى الله تعالى : أن تطلبَ من الشخص أن يدخل في دين الله ، أو تطلب منه أن يطيع أوامر الله تعالى ونواهيه.

فهي دعوة الى الدخول في الإسلام ، أو الدخول في الطاعة.

وتدل على أن الداعي الى ذلك ، له الحق في أن يطلب ويأمر وينهى!

والسؤال : مَن الذي يعطي حق دعوة الناس الى الله تعالى؟

يقول بعضهم : هذا حق طبيعي لكل إنسان لقوله تعالى :وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ الْمُسْلِمِينَ . « فُصِّلَتْ : ٣٣ ».

لكن ذلك لايصح ، لأن الممدوح في الآية من له حق الدعوة ، وليس فيها إعطاء هذا الحق الى أحد ، بل يدل قوله تعالى :يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا .وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا . على أن الدعوة الى الله من مناصب الرسالة ، وأنها يجب أن تكون بإذن الله ولا تجوز بدون إذنه! فهي كالشفاعة يجب أن تكون بإذنه :مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلابِإِذْنِهِ .

٣١

بطلان الأساس الذي قامت عليه الحركات الإسلامية!

يتصور بعضهم أن الدعوة الى الإسلام لا تحتاج إلى إذن شرعي لأنها حق لكل مسلم وواجب عليه بقوله تعالى :أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ، فهو خطاب للمسلمين جميعاً كقوله :وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ، فأي مسلم تصدى لإقامة الدين كان له حق قيادة الأمة ، ووجب عليها بيعته وطاعته.

وعلى هذا الأساس قامت خلافة أبي بكر وعمر ومَن بعدهما الى العثمانيين ، وبعدها الحركات التي تدعو الى الخلافة الإسلامية ، باستثناء خلافة علي وأهل البيتعليهم‌السلام التي قامت على النص.

ولهذا ، عندما تصدى الشيخ حسن البنا للدعوة وأسس حركة ، كان له حق القيادة ، ووجب على الأمة بيعته وطاعته!

وكذا عندما أسس الشيخ تقي الدين النبهاني حزب التحرير في الأردن لإقامة الخلافة ، كانت قيادته شرعية ، ووجب على الأمة بيعته!

وكذلك قال الوهابيون وأن شيخهم ابن عبد الوهاب تصدى لإقامة الدين ومواجهة الخلافة العثمانية ، فكان له حق القيادة ووجبت بيعته!

٣٢

وكذلك عندما أسس عبد الصاحب دْخَيِّل أبو عصامرحمه‌الله : الدعوة الإسلامية ، متأثراً بالإخوان المسلمين ، كان يرى أن تصديه لعمل الدعوة يعطيه الشرعية لقيادة الأمة ، كما كان يرى حسن البنا.

وكان أبو عصامرحمه‌الله يرى أن قائد الحركة أو المرشح للخلافة ، عليه أن يستعين بفقهاء ، فيختار من فتاويهم ما يراه مصلحة للدعوة أو الأمة.

وقد طبق ذلك عندما كلف السيد الصدر بكتابة : الأسس الإسلامية ، فكتب فيها أن الدعوة تتبنى رأياً يقبل توبة المرتد عن ملة أو فطرة.

وهكذا يرى قادة الحركات الإسلامية أنهم يستمدون شرعيتهم من نفس حركتهم وتصديهم ، ويجب على الأمة بيعتهم وطاعتهم!

لكن الإشكال الذي لا جواب له عندهم : كيف تتعقلون أن يوجب الله تعالى إقامة الدين ، ويترك ذلك مهملاً بدون آلية!

وهل يعقل أن ينزل الله ديناً ثم يقول لأتباعه : كل من تصدى منكم لإقامته فهو قائد شرعي ، وهو خليفة لي ويمثلني!

وهل هذا إلا فتحٌ لباب الصراع على السلطة ، ودعوةٌ لتعدد القيادات وصراعها ، حتى في البلد الواحد ، والحي الواحد ، والبيت الواحد!

وهل هذا إلا هرطقة ونسبة العبث والظلم الى الله ، تعالى عن ذلك!

٣٣

لاحق لأحد أن يدعو الى الله تعالى إلا بإذنه

حصر مذهب أهل البيتعليهم‌السلام المأذون لهم بالدعوة إلى الإسلام بالمعصومين أي النبي والأئمةعليهم‌السلام فقط. « تهذيب الأحكام : ٦ / ١٣١ ».

فالمعصوم وحده هو المخوَّل بدعوة الناس والشعوب إلى الإسلام ، لأنه مُنزَّهٌ عن ظلمهم ، وضامنٌ للعدل فيهم.

فقد سأل أبو عمرو الزبيري الإمام الصادق عليه‌السلام : « أخبرني عن الدعاء إلى الله والجهاد في سبيله ، أهو لقوم لا يحل إلا لهم ولا يقوم به إلا من كان منهم ، أم هو مباح لكل من وحد الله عز وجل وآمن برسوله ، ومن كان كذا فله أن يدعو إلى الله عز وجل وإلى طاعته ، وأن يجاهد في سبيله؟ فقالعليه‌السلام : ذلك لقوم لا يحل إلا لهم ، ولا يقوم بذلك إلا من كان منهم. قلت : من أولئك؟ قال : من قام بشرائط الله عز وجل في القتال والجهاد على المجاهدين فهو المأذون له في الدعاء إلى الله عز وجل ، ومن لم يكن قائماً بشرائط الله عز وجل في الجهاد على المجاهدين ، فليس بمأذون له في الجهاد ولا الدعاء إلى الله حتى يُحَكِّم في نفسه ما أُخذ الله عليه من شرائط الجهاد.

٣٤

قلت : فبيِّن لي يرحمك الله. قال : إن الله تبارك وتعالى أخبر في كتابه عن الدعاء إليه ، ووصف الدعاة إليه فجعل ذلك لهم درجات يعرف بعضها بعضاً ، ويستدل بعضها على بعض ، فأخبر أنه تبارك وتعالى أول من دعا إلى نفسه ، ودعا إلى طاعته واتباع أمره ، فبدأ بنفسه فقال :وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . ثم ثنى برسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال :أُدْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ . يعني بالقرآن. ولم يكن داعياً إلى الله عز وجل من خالف أمر الله ويدعو إليه بغير ما أمر في كتابه والذي أمر أن لا يدعى إلا به. وقال : في نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله :وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . يقول : تدعو. ثم ثَلَّثَ بالدعاء إليه بكتابه أيضاً ، فقال تبارك وتعالى :إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ . أي يدعو ويبشر المؤمنين.

ثم ذكر من أذن له في الدعاء إليه بعده وبعد رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في كتابه فقال :وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ .

ثم أخبر عن هذه الأمة وممن هي ، وأنها من ذرية إبراهيم ومن ذرية إسماعيل من سكان الحرم ، ممن لم يعبدوا غير الله قط ، الذين وجبت

٣٥

لهم الدعوة دعوة إبراهيم وإسماعيلعليهما‌السلام من أهل المسجد ، الذين أخبر عنهم في كتابه أنه أَذْهَبَ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وطَهَّرَهُمْ تَطْهِيرَا

ثم أخبر تبارك وتعالى أنه لم يأمر بالقتال إلا أصحاب هذه الشروط ، فقال عز وجل :أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ

وذلك أن جميع ما بين السماء والأرض لله عز وجل ولرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولأتباعهما من المؤمنين من أهل هذه الصفة.

فما كان من الدنيا في أيدي المشركين والكفار والظلمة والفجار من أهل الخلاف لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والمولي عن طاعتهما ، مما كان في أيديهم ظلموا فيه المؤمنين من أهل هذه الصفات وغلبوهم عليه ، مما أفاء الله على رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله فهو حقهم أفاء الله عليهم ورده إليهم ، وإنما معنى الفيئ كل ما صار إلى المشركين ثم رجع ، مما كان قد غُلب عليه أو فيه. فما رجع إلى مكانه من قول أو فعل ، فقد فاء.

وإن لم يكن مستكملاً لشرائط الإيمان فهو ظالم ، ممن يبغي ويجب جهاده حتى يتوب! وليس مثله مأذوناً له في الجهاد والدعاء إلى الله عز وجل ، لأنه ليس من المؤمنين المظلومين ، الذين أذن لهم في القرآن في القتال.

٣٦

فليتق الله عز وجل عبدٌ ، ولايغترَّ بالأماني التي نهى الله عز وجل عنها ، من هذه الأحاديث الكاذبة على الله التي يُكذبها القرآن ، ويتبرأ منها ومن حملتها ورواتها ». « الكافي : ٥ / ١٣ ».

أقول : هذا الحديث صريح في أن دعوة الناس إلى دين الله مَنصبُ نيابةٍ عن الله تعالى ، يحتاج إلى نص ، وليس تبرعاً ، أو تطوعاً مفتوحاً لكل الناس.

ويدل من ناحية حقوقية ، على أن الدعوة فيها تصرفٌ في حقوق العباد وأنفسهم وأموالهم ، فهي تحتاج إلى مُجَوِّزِ قانوني من المالك عز وجل.

بل ورد التصريح بذلك في وصية أمير المؤمنينعليه‌السلام الى كميل بن زياد رحمه‌الله ، كما في تحف العقول لابن شعبة / ٩١ ، وبشارة المصطفى للطبري / ٥١ ، بسنده الى كميل من وصيته له ، جاء فيها : « يا كميل أرأيت لو أن الله لم يُظهر نبياً وكان في الأرض مؤمن تقي ، أكان في دعائه إلى الله مخطئاً أو مصيباً؟ بل والله مخطئاً حتى ينصبه الله عز وجل ، ويؤهله »!

ونلاحظ تعبير أمير المؤمنين عليه‌السلام : ينصبه ويؤهله ، فالدعوة الى الله منصبٌ لا تصح الدعوة إلا به ، وهو منصب لا يعطيه الله تعالى إلا لمن يؤهله تأهيلاً خاصاً ، ليكون مُعَبِّراً عن الله تعالى ، رحيماً بمن يدعوه ، لا يريد رئاسة عليه ولا جعله عضواً مطيعاً في حزبه وحلقته ، كما يفعل أعضاء الحركات!

٣٧

ومن هنا أجمع فقهاؤنا على أن القيادة الشرعية إنما هي للإمام المعصومعليه‌السلام وبعده للفقيه الجامع للشروط ، وفي حدود ما خوله المعصومعليه‌السلام لا أكثر.

بل روى أتباع المذاهب الأخرى أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حصر هذا الحق في أعلم الأمة وأفقهها ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من ضرب الناس بسيفه ودعاهم إلى نفسه ، وفي المسلمين من هو أعلم منه ، فهو ضال متكلف »! « الكافي : ٥ / ٢٧ ».

وفي مغني ابن قدامه « ٢ / ٢٠ » عن رسالة أحمد بن حنبل : « إذا أمَّ الرجل القوم وفيهم من هو خير منه ، لم يزالوا في سِفَال ».

وفي طبقات الحنابلة « ١ / ٣٥٩ » : « ومن الحق الواجب على المسلمين أن يقدموا خيارهم وأهل الدين والفضل منهم ، وأهل العلم بالله تعالى ، الذين يخافون الله عز وجل ويراقبونه. وقد جاء الحديث : إذا أمَّ بالقوم رجلٌ وخلفه من هو أفضل منه ، لم يزالوا في سفال ». ورواه السيوطي في الفتح الكبير « ٣ / ١٦ ».

وفي مجموع النووي « ١ / ٤١ » : « قال مالك : ولا ينبغي لرجل أن يرى نفسه أهلاً لشئ ، حتى يسأل من هو أعلم منه ».

وفي مصنف عبد الرزاق « ٥ / ٤٤٥ » بسند صحيح : « من دعا إلى إمارة نفسه أو غيره من غير مشورة من المسلمين ، فلا يحل لكم إلا أن تقتلوه »!

٣٨

وعلى هذا ، يجب على المسلمين الشيعة أخذ الشرعية في دعوتهم الى الإسلام من المرجع الجامع للشروط ، وإلا فلا شرعية لعملهم!

ويجب على السنة أن يأخذوا الشرعية لدعوتهم من أعلم الفقهاء في المذاهب ثم ببيعة أهل الحل والعقد من المسلمين ، وإلا فلا شرعية لعملهم!

الدعاة الأصليون الى الله تعالى

السلام عليك يا داعيَ الله : تعني أن الإمام المهديعليه‌السلام منصوبٌ من الله لدعوة الناس اليه ، وأن الذي يعطيه الله هذا المنصب ويبعثه لهذه المهمة لا بد أن يعطيه لوازم الدعوة ووسائلها من العلم والقدرات الأخرى ، ولذلك سمي المهدي ، لأن ربه يهديه الى كل ما يحتاجه الناس.

وكذلك الأئمة الإثنا عشرعليهم‌السلام فهم الدعاة الرسميون الى الله تعالى. كما في الزيارة الجامعة : « السلام على الأئمة الدعاة ، والقادة الهداة ».

ودعوتهمعليهم‌السلام الى الله تعالى امتدادٌ لدعوة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي أمره ربه أن يستخلفهم ، فهو داعي الله الأكبرصلى‌الله‌عليه‌وآله :يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ الله وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ . « الأحقاف : ٣١ ـ ٣٢ ».

٣٩

فالأئمةعليهم‌السلام دعاة الى الله باستخلاف رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والمؤمنون إنما يدعون الى الله تعالى بإذن النبي والأئمةعليهم‌السلام ومن ناب عنهم.

والنتيجة : أن داعيَ الله الأكبر هو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبعده الأئمة من عترتهعليهم‌السلام فهم دعاة الى الله تعالى أيضاً ، وكل الدعاة عبر الأجيال لا بد أن يكونوا مأذونين من الداعي المأذون من الله تعالى وداعين بدعوته.

ونقرأ في رسالة الإمام الباقر عليه‌السلام الى سعد الخير الأموي رحمه‌الله « الكافي : ٨ / ٥٦ » :يصف فيها الأئمة الدعاة الى الله عليهم‌السلام : « إن الله عز وجل جعل في كل من الرسل بقايا من أهل العلم ، يدعون من ضل إلى الهدى ، ويصبرون معهم على الأذى ، يجيبون داعيَ الله ، ويدعون إلى الله. فأبصرهم رحمك الله فإنهم في منزلة رفيعة ، وإن أصابتهم في الدنيا وضيعة ، إنهم يحيون بكتاب الله الموتى ، ويبصرون بنور الله من العمى ، كم من قتيل لإبليس قد أحيوه ، وكم من تائه ضال قد هدوه ، يبذلون دماءهم دون هلكة العباد ، وما أحسن أثرهم على العباد ، وأقبح آثار العباد عليهم ».

وقولهعليه‌السلام : يجيبون داعيَ الله : يقصد به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ويدعون إلى الله : بنصب الداعي لهم.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

قال : ثمّ إنّ أبا ثمامة قال للحسين ، وقد صلّى : يا أبا عبد الله إنّي قد هممت أن ألحق بأصحابي ، وكرهت أن أتخلّف وأراك وحيدا من أهلك قتيلا ، فقال له الحسينعليه‌السلام : « تقدّم فإنّا لاحقون بك عن ساعة » ، فتقدّم فقاتل حتّى أثخن بالجراحات ، فقتله قيس بن عبد الله الصائدي ابن عمّ له ، كان له عدوّا. وكان ذلك بعد قتل الحر.

برير بن خضير الهمداني المشرقي ( وبنو مشرق بطن من همدان )

كان برير شيخا تابعيّا ناسكا ، قارئا للقرآن ، من شيوخ القرّاء ، ومن أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وكان من أشراف أهل الكوفة من الهمدانيين ، وهو خال أبي إسحاق الهمداني السبعي(1) .

قال أهل السير : أنّه لمّا بلغ خبر الحسينعليه‌السلام سار من الكوفة إلى مكّة ليجتمع بالحسينعليه‌السلام فجاء معه حتّى استشهد.

وقال السروي : لمّا ضيّق الحرّ على الحسينعليه‌السلام جمع أصحابه فخطبهم بخطبته التي يقول فيها : « أمّا بعد ، فإنّ الدنيا قد تغيّرت إلخ »(2) . فقام إليه مسلم ونافع فقالا ما قالا في ترجمتيهما ، ثمّ قام برير فقال : والله يا ابن رسول الله لقد منّ الله بك علينا أن نقاتل بين يديك ، تقطع فيك أعضاؤنا ، حتّى يكون جدّك يوم القيامة بين أيدينا شفيعا لنا ، فلا أفلح قوم ضيّعوا ابن بنت نبيّهم ، وويل لهم ما ذا يلقون به الله ، وأفّ لهم يوم ينادون بالويل والثبور في نار جهنّم.

وقال أبو مخنف : أمر الحسينعليه‌السلام في اليوم التاسع من المحرّم بفسطاط فضرب ، ثمّ أمر بمسك فميث في جفنة عظيمة فأطلى بالنورة ، وعبد الرحمن بن عبد ربّه ،

__________________

(1) راجع ترجمته في تهذيب الكمال : 22 / 102 ، الرقم : 4400.

(2) لم أعثر عليه في المناقب ، راجع تاريخ الطبري : 3 / 307.

١٢١

وبرير على باب الفسطاط تختلف مناكبهما(1) ، فازدحما أيّهما يطلي على أثر الحسينعليه‌السلام ، فجعل برير يهازل عبد الرحمن ويضاحكه ، فقال عبد الرحمن : دعنا ، فو الله ما هذه بساعة باطل! فقال برير : والله لقد علم قومي أنّي ما أحببت الباطل شابّا ولا كهلا ، ولكنّي والله لمستبشر بما نحن لاقون ، والله إنّ بيننا وبين الحور العين إلاّ أن نحمل على هؤلاء فيميلون علينا بأسيافهم ، ولوددت أن مالوا بها الساعة(2) !

وقال أيضا : روى الضحّاك بن قيس المشرقي ـ وكان بايع الحسين على أن يحامي عنه ما ظنّ أنّ المحاماة تدفع عن الحسينعليه‌السلام فإن لم يجد بدّا فهو في حلّ ـ قال : بتنا الليلة العاشرة ، فقام الحسين وأصحابه الليل كلّه يصلّون ويستغفرون ويدعون ويتضرّعون ، فمرّت بنا خيل تحرسنا ، وإنّ الحسين ليقرأ( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ * ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ) (3) ، فسمعها رجل(4) من تلك الخيل فقال : نحن وربّ الكعبة الطيّبون ، ميّزنا منكم. قال : فعرفته ، فقلت لبرير : أتعرف من هذا؟ قال : لا. قلت : أبو حريث(5) عبد الله بن شهر السبيعي ـ وكان مضحاكا بطّالا ، وكان ربّما حبسه سعيد بن قيس الهمداني في جناية ـ فعرفه برير ، فقال له : أما أنت فلن يجعلك الله في الطيبين! فقال له : من أنت؟ قال : برير. فقال : إنّا لله عزّ عليّ! هلكت والله ، هلكت والله يا برير! فقال له برير : هل لك أن تتوب إلى الله من ذنوبك العظام! فو الله إنّا لنحن الطيّبون وأنتم

__________________

(1) في المصدر : تحتك مناكبهما.

(2) تاريخ الطبري : 3 / 318 بتفاوت ، راجع الكامل : 4 / 60.

(3) سورة آل عمران : 178 ـ 179.

(4) في الإرشاد 2 / 95 : فسمعها من تلك الخيل رجل يقال له عبد الله بن سمير.

(5) في المصدر : أبو حرب.

١٢٢

الخبيثون ، قال : وأنا والله على ذلك من الشاهدين ، فقال : ويحك أفلا تنفعك معرفتك! قال : جعلت فداك! فمن ينادم يزيد بن عذرة العنزيّ؟ ها هو ذا معي. قال : قبّح الله رأيك أنت سفيه على كلّ حال(1) . قال : ثمّ انصرف عنّا.

وروى بعض المؤرّخين أنّه لمّا بلغ من الحسينعليه‌السلام العطش ما شاء الله أن يبلغ استأذن برير الحسينعليه‌السلام في أن يكلّم القوم فأذن له ، فوقف قريبا منهم ، ونادى : يا معشر الناس ، إنّ الله بعث بالحقّ محمّدا بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابها ، وقد حيل بينه وبين ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أفجزاء محمّد هذا؟ فقالوا : يا برير ، قد أكثرت الكلام فاكفف ، فو الله ليعطشنّ الحسينعليه‌السلام كما عطش من كان قبله ، فقال الحسينعليه‌السلام اكفف يا برير ، ثمّ وثب متوكئا على سيفه ، فخطبهم هوعليه‌السلام بخطبته التي يقول فيها : « أنشدكم الله هل تعرفوني إلخ ».

وروى أبو مخنف عن عفيف بن زهير بن أبي الأخنس قال : خرج يزيد بن معقل من بني عميرة بن ربيعة فقال : يا برير بن خضير ، كيف ترى صنع الله بك؟ قال : صنع الله بي والله خيرا ، وصنع بك شرا ، فقال : كذبت ، وقبل اليوم ما كنت كذّابا ، أتذكر وأنا اماشيك في سكّة بني دودان(2) وأنت تقول : إنّ عثمان كان كذا ، وإنّ معاوية ضالّ مضلّ ، وإنّ علي بن أبي طالب إمام الحق والهدى؟ قال برير : أشهد أنّ هذا رأيي وقولي ، فقال يزيد : فإنّي أشهد أنّك من الضالّين ، قال برير : فهل لك أن أباهلك ، ولندع الله أن يلعن الكاذب ، وأن يقتل المحقّ المبطل ، ثمّ أخرج لأبارزك. قال : فخرجا فرفعا أيديهما بالمباهلة إلى الله ، يدعوانه أن يلعن الكاذب وأن يقتل المحقّ المبطل ،

__________________

(1) تاريخ الطبري : 3 / 317 ، راجع الإرشاد : 2 / 95.

(2) في المصدر : لوذان.

١٢٣

ثمّ برز كلّ واحد منهما لصاحبه فاختلفا ضربتين ، فضرب يزيد بريرا ضربة خفيفة لم تضرّه شيئا ، وضرب برير يزيد ضربة قدّت المغفر وبلغت الدماغ ، فخرّ كأنّما هوى من حالق ، وإنّ سيف برير لثابت في رأسه ، فكأنّي أنظر إليه ينضنضه من رأسه ، حتّى أخرجه وهو يقول :

أنا برير وأبي خضير

وكلّ خير فله برير

ثمّ بارز القوم فحمل عليه رضي بن منقد العبدي ، فاعتنق بريرا ، فاعتركا ساعة ، ثمّ إنّ بريرا صرعه وقعد على صدره ، فجعل رضي يصيح بأصحابه : أين أهل المصاع والدفاع؟ فذهب كعب بن جابر بن عمرو الأزدي يحمل عليه ، فقلت له : إنّ هذا برير ابن خضير القارئ الذي كان يقرئنا القرآن في المسجد! وحمل عليه بالرمح حتّى وضعه في ظهره ، فلمّا وجد برير مسّ الرمح برك على رضي فعضّ أنفه حتّى قطعه ، وأنفذ الطعنة كعب حتّى ألقاه عنه ، وقد غيب السنان في ظهره ، ثمّ أقبل يضربه بسيفه حتّى برد ، فكأنّي أنظر إلى رضي قام ينفض التراب عنه ، ويده على أنفه وهو يقول :

أنعمت عليّ يا أخا الأزد نعمة لا أنساها أبدا. فلمّا رجع كعب ، قالت له أخته(1) النوار بنت جابر : أعنت على ابن فاطمة ، وقتلت سيّد القراء ، لقد أتيت عظيما من الأمر ، والله لا أكلّمك من رأسي كلمة أبدا.

فقال كعب في ذلك :

سلي تخبري عنّي وأنت ذميمة

غداة حسين والرماح شوارع

ألم أت أقصى ما كرهت ولم يخل

عليّ غداة الروع ما أنا صانع

معي يزنّي لم تخنه كعوبه

وأبيض مخشوب الغرارين قاطع

فجرّدته في عصبة ليس دينهم

بديني وإنّي بابن حرب لقانع

__________________

(1) في الكامل 4 / 67 : قالت له امرأته.

١٢٤

ولم تر عيني مثلهم في زمانهم

ولا قبلهم في الناس إذ أنا يافع

أشدّ قراعا بالسيوف لدى الوغى

ألا كلّ من يحمي الذمار مقارع

وقد صبروا للطعن والضرب حسّرا

وقد نازلوا لو أنّ ذلك نافع

فابلغ عبيد الله إمّا لقيته

بأنّي مطيع للخليفة سامع

قتلت بريرا ثمّ حمّلت نعمة

أبا منقذ لمّا دعا : من يماصع؟

قال : فبلغت أبياته رضي بن منقذ ، فقال مجيبا له يرد عليه :

فلو شاء ربّي ما شهدت قتالهم

ولا جعل النعماء عند ابن جابر

لقد كان ذاك اليوم عارا وسبّة

تعيّره الأبناء بعد المعاشر

فيا ليت أنّي كنت من قبل قتله

ويوم حسين كنت في رمس قابر(1)

وفي برير أقول :

جزى الله رب العالمين مباهلا

عن الدين كيما ينهج الحق طالبه

وأزهر من همدان يلقي بنفسه

على الجمع حيث الجمع تخشى مواكبه

أبّر على الصيد الكماة بموقف

مناهجه مسدودة ومذاهبه

إلى أن قضى في الله يعلم رمحه

بصدق توخّيه ويشهد قاضبه

فقل لصريع قام من غير مارن

عذرتك إنّ الليث تدمى مخالبه

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( برير ) : في ضبط هذا الاسم وضبط اسم أبيه خلاف. فقد كتب في الرجال : يزيد

__________________

(1) تاريخ الطبري : 3 / 373 بتفاوت في النقل. وقال في معجم الشعراء ، 345 : كعب بن جابر العبدي شهد مقتل الحسين بن عليعليهما‌السلام مع عبيد الله بن زياد وقال : سلي تخبري عنّي ...

١٢٥

ابن حصين ، وضبطه ابن الأثير(1) برير بالباء الموحدة والرائين المهملتين وبينهما ياء مثنّاة تحت والتصغير. وضبط خضير بالخاء المعجمة والضاد كذلك والتصغير أيضا ، وهو الذي يقوى نظرا إلى ما روي من شعره.

( بمسك ) : يحتمل أن يقرأ بالفتح وهو الجلد فمعناه أمر بجلد فيه نورة فميث.

ويحتمل أن يقرأ بالكسر وهو الطيب المعروف ، فمعناه أمر بنورة فميث فيها بطيب.

( ميث ) : مجهول من ماث يميث ويموث بالياء والواو يقال : ماث الملح بالماء أذابه وماث المسك دافه ومرسه وخلطه ، فمعنى الكلمة أذيب وديف.

( سعيد ) : بن قيس سيّد همدان ، وكان من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ومن الشيعة وشعرائهم. واختلف في زمن موته ، فقيل : في زمن عليعليه‌السلام في أخريات أيّامه بعد حرب صفّين وهو المعروف ، وقيل بعده.

( دودان ) : بطن من أسد ولهم سكّة في الكوفة. وصحفت الكلمة في بعض النسخ بلوذان وهو غلط. ( ينضنضه ) : يحرّكه ويعالجه ليخرجه. ( المصاع ) : القتال والجلاد.

( مخشوب ) : مصقول يقال خشب السيف أي صقله. ( المارن ) : بالراء المهملة والنون الأنف أو طرفه.

عابس بن أبي شبيب الشاكري (2)

هو عابس بن أبي شبيب بن شاكر بن ربيعة بن مالك بن صعب بن معاوية بن كثير بن مالك بن جشم بن حاشد الهمداني الشاكري ، وبنو شاكر بطن من همدان. كان عابس من رجال الشيعة رئيسا شجاعا خطيبا ناسكا متهجدا ، وكانت بنو شاكر

__________________

(1) الكامل : 4 / 60.

(2) عدّه الشيخ الطوسي في أصحاب الحسينعليه‌السلام ، راجع رجال الشيخ : 103 ، الرقم 1019.

١٢٦

من المخلصين بولاء أمير المؤمنينعليه‌السلام وفيهم يقولعليه‌السلام يوم صفين : « لو تمّت عدّتهم ألفا لعبد الله حقّ عبادته » وكانوا من شجعان العرب وحماتهم ، وكانوا يلقّبون فتيان الصباح ، فنزلوا في بني وادعة من همدان ، فقيل لها فتيان الصباح ، وقيل لعابس الشاكري والوادعي.

قال أبو جعفر الطبري : قدم مسلم بن عقيل الكوفة فاجتمع عليه الشيعة في دار المختار ، فقرأ عليهم كتاب الحسينعليه‌السلام فجعلوا يبكون ، فقام عابس بن أبي شبيب ، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : أمّا بعد ، فإنّي لا أخبرك عن الناس ، ولا أعلم ما في أنفسهم ، وما أغرّك منهم ، ولكن والله أخبرك بما أنا موطّن نفسي عليه ، والله لأجيبنّكم إذا دعوتم ، ولأقاتلنّ معكم عدوّكم ولأضربنّ بسيفي دونكم حتّى ألقى الله ، لا أريد بذلك إلاّ ما عند الله(1) .

فقام حبيب وقال لعابس ما قدّمته في ترجمة حبيب.

وقال الطبري أيضا : إنّ مسلما لمّا بايعه الناس ثمّ تحوّل من دار المختار إلى دار هاني بن عروة ، كتب إلى الحسينعليه‌السلام كتابا يقول فيه : أمّا بعد فإنّ الرائد لا يكذب أهله ، وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفا ، فحيّهلا بالإقبال حين يأتيك كتابي ، فإنّ الناس كلّهم معك ، ليس لهم في آل معاوية رأي ولا هوى(2) .

وأرسل الكتاب مع عابس فصحبه شوذب مولاه.

وروى أبو مخنف : أنّه لمّا التحم القتال في يوم عاشوراء وقتل بعض أصحاب الحسينعليه‌السلام جاء عابس الشاكري ومعه شوذب ، فقال لشوذب : يا شوذب ما في نفسك أن تصنع؟ قال : ما أصنع؟! أقاتل معك دون ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى

__________________

(1) تاريخ الطبري : 3 / 279.

(2) راجع تاريخ الطبري : 3 / 290.

١٢٧

أقتل. فقال : ذلك الظن بك ، أمّا الآن فتقدّم بين يدي أبي عبد الله حتّى يحتسبك كما احتسب غيرك من أصحابه ، وحتّى أحتسبك أنا ، فإنّه لو كان معي الساعة أحد أنا أولى به مني بك لسرّني أن يتقدّم بين يدي حتّى أحتسبه ، فإنّ هذا يوم ينبغي لنا أن نطلب الأجر فيه بكلّ ما نقدر عليه ، فإنّه لا عمل بعد اليوم ، وإنّما هو الحساب(1) .

أقول : هذا مثل مقال العبّاس بن عليعليه‌السلام لإخوته في ذلك اليوم ، تقدّموا لأحتسبكم فإنّه لا ولد لكم. يعني فينقطع نسلكم فيشتدّ بلائي ويعظم أجري.

وفهم بعض المؤرخين من هذا المقال أنّه أراد : لأحوز ميراثكم لولدي ، وهو اشتباه ، والعبّاس أجلّ قدرا من ذلك.

وروى أبو مخنف أيضا قال : فتقدّم عابس إلى الحسين بعد مقالته لشوذب فسلّم عليه وقال : يا أبا عبد الله أما والله ما أمسى على ظهر الأرض قريب ولا بعيد أعزّ عليّ ولا أحبّ إليّ منك ، ولو قدرت على أن أدفع عنك الضيم والقتل بشيء أعزّ عليّ من نفسي ودمي لفعلته ، السلام عليك يا أبا عبد الله ، أشهد أنّي على هداك وهدى أبيك ، ثمّ مشى بالسيف مصلتا نحو القوم ، وبه ضربة على جبينه ، فطلب البراز(2) .

وروى أبو مخنف عن الربيع بن تميم الهمداني أنّه قال : لمّا رأيت عابسا مقبلا عرفته وكنت قد شاهدته في المغازي والحروب ، وكان أشجع الناس ، فصحت : أيّها الناس : هذا أسد الأسود ، هذا ابن أبي شبيب ، لا يخرجن إليه أحد منكم. فأخذ عابس ينادي : ألا رجل ألا رجل!؟ فلم يتقدّم إليه أحد ، فنادى عمر بن سعد : ويلكم ارضخوه بالحجارة. فرمي بالحجارة من كلّ جانب ، فلمّا رأى ذلك ألقى درعه ومغفره خلفه ، ثمّ شدّ على الناس ، فو الله لقد رأيته يكرد أكثر من مائتي من الناس ،

__________________

(1) تاريخ الطبري : 3 / 329.

(2) تاريخ الطبري : 3 / 329.

١٢٨

ثمّ إنّهم تعطّفوا عليه من حواليه ، فقتلوه واحتزّوا رأسه ، فرأيت رأسه في أيدي رجال ذوي عدّة ، هذا يقول : أنا قتلته ، وهذا يقول : أنا قتلته ، فأتوا عمر بن سعد فقال : لا تختصموا ، هذا لم يقتله إنسان(1) واحد ، كلّكم قتله ، ففرّقهم بهذا القول(2) .

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( إنّ الرائد لا يكذب أهله ) : هذا مثل مشهور ومعناه أن من يرسل أمام أهله ليخبرهم عن مربع يليق بهم لا يكذب عليهم بخبره ويغرّهم فإنّ المربع لهم وله وإنّ أهله آتون فناظرون إليه.

( حيّهلاّ ) : بتشديد الياء ، أي : أسرع حثيثا. ( يكرد ) : ويطرد سواء في المعنى.

شوذب بن عبد الله الهمداني الشاكري ( مولى لهم )

كان شوذب من رجال الشيعة ووجوهها ، ومن الفرسان المعدودين ، وكان حافظا للحديث حاملا له عن أمير المؤمنينعليه‌السلام (3) .

قال صاحب الحدائق الورديّة : وكان شوذب يجلس للشيعة فيأتونه للحديث وكان وجها فيهم(4) .

وقال أبو مخنف : صحب شوذب عابسا مولاه من الكوفة إلى مكّة بعد قدوم

__________________

(1) في المصدر : سنان.

(2) تاريخ الطبري : 3 / 329.

(3) عدّه الشيخ الطوسي في رجاله في أصحاب الإمام الحسينعليه‌السلام . راجع رجال الشيخ : 101 ، الرقم 993.

(4) الحدائق الورديّة : 122 ، وفيه : وكان متقدما في الشيعة.

١٢٩

مسلم الكوفة بكتاب لمسلم ووفادة على الحسينعليه‌السلام عن أهل الكوفة وبقي معه حتّى جاء إلى كربلا. ولمّا التحم القتال حارب أولا ، ثمّ دعاه عابس ، فاستخبره عمّا في نفسه ، فأجاب بحقيقتها كما تقدّم. فتقدم إلى القتال وقاتل قتال الأبطال ، ثمّ قتل رضوان الله عليه(1) .

حنظلة بن أسعد الشبامي (2)

هو حنظلة بن أسعد بن شبام بن عبد الله بن أسعد بن حاشد بن همدان الهمداني الشبامي ، وبنو شبام بطن من همدان.

كان حنظلة بن أسعد الشبامي وجها من وجوه الشيعة ذا لسان وفصاحة ، شجاعا قارئا ، وكان له ولد يدعى عليّا ، له ذكر في التاريخ.

قال أبو مخنف : جاء حنظلة إلى الحسينعليه‌السلام عند ما ورد الطف ، وكان الحسينعليه‌السلام يرسله إلى عمر بن سعد بالمكاتبة أيّام الهدنة ، فلمّا كان اليوم العاشر جاء إلى الحسينعليه‌السلام يطلب منه الإذن ، فتقدّم بين يديه وأخذ ينادي :( يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ ) (3) يا قوم لا تقتلوا(4) حسينا

__________________

(1) تاريخ الطبري : 3 / 329. وقال الشيخ المفيد : فتقدّم بعده شوذب مولى شاكر فقال : السلام عليك يا أبا عبد الله ورحمة الله وبركاته ، أستودعك الله وأسترعيك ، ثمّ قاتل حتّى قتلرحمه‌الله . الإرشاد : 2 / 105.

(2) عدّه الشيخ الطوسي في أصحاب الإمام الحسينعليه‌السلام . راجع رجال الشيخ : 100 ، الرقم 977.

(3) سورة غافر : 30 و 33.

(4) في المصدر : يا قوم تقتلوا.

١٣٠

( فَيُسْحِتَكُمْ الله بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى ) (1) ، فقال الحسينعليه‌السلام : « يا ابن أسعد ، إنّهم قد استوجبوا العذاب حين ردّوا عليك ما دعوتهم إليه من الحق ، ونهضوا إليك ليستبيحوك وأصحابك فكيف بهم الآن وقد قتلوا إخوانك الصالحين »! قال : صدقت ، جعلت فداك! أفلا نروح إلى ربّنا ونلحق بإخواننا؟ قال : « رح إلى خير من الدنيا وما فيها ، وإلى ملك لا يبلى » ، فقال حنظلة : السلام عليك يا أبا عبد الله ، صلّى الله عليك وعلى أهل بيتك ، وعرّف بينك وبيننا في جنّته ، فقال الحسين : « آمين آمين ». ثمّ تقدّم إلى القوم مصلتا سيفه يضرب فيهم قدما حتّى تعطفوا عليه فقتلوه في حومة الحرب رضوان الله عليه(2) .

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( الشبامي ) : بالشين المعجمة والباء المفردة والألف والميم والياء منسوب إلى شبام على زنة كتاب ، ويمضى في بعض الكتب الشامي نسبة إلى الشام وهو غلط فاضح.

عبد الرحمن الأرحبي

هو عبد الرحمن بن عبد الله بن الكدن بن أرحب بن دعام بن مالك بن معاوية بن صعب بن رومان بن بكير الهمداني الأرحبي ، وبنو أرحب بطن من همدان كان عبد الرحمن وجها تابعيّا شجاعا مقداما.

قال أهل السير : أوفده أهل الكوفة إلى الحسينعليه‌السلام في مكّة مع قيس بن مسهّر

__________________

(1) سورة طه : 61.

(2) تاريخ الطبري : 3 / 329 ، الكامل : 4 / 72 ، الإرشاد : 2 / 105 ، اللهوف : 164.

١٣١

ومعهما كتب نحو من ثلاث وخمسين صحيفة(1) يدعونه فيها كلّ صحيفة من جماعة. وكانت وفادته ثانية الوفادات ، فإنّ وفادة عبد الله بن سبع وعبد الله بن وال الأولى ، ووفادة قيس وعبد الرحمن الثانية ، ووفادة سعيد بن عبد الله الحنفي وهاني ابن هاني السبعي الثالثة.

قال : فدخل مكّة عبد الرحمن لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان وتلاقت الرسل ثمة.

وقال أبو مخنف : ولمّا دعا الحسين مسلما وسرّحه قبله إلى الكوفة سرّح معه قيسا وعبد الرحمن وعمارة بن عبيد السلولي(2) . وكان من جملة الوفود ، ثمّ عاد عبد الرحمن إليه فكان من جملة أصحابه ، حتّى إذا كان اليوم العاشر ورأى الحال استأذن في القتال ، فأذن له الحسينعليه‌السلام فتقدّم يضرب بسيفه في القوم وهو يقول :

صبرا على الأسياف والأسنّة

صبرا عليها لدخول الجنّة

ولم يزل يقاتل حتّى قتل ، رضوان الله عليه.

سيف بن الحرث بن سريع بن جابر الهمداني الجابري

ومالك بن عبد الله بن سريع بن جابر الهمداني الجابري

وبنو جابر بطن من همدان. كان سيف ومالك الجابريّان ابني عم وأخوين لأم جاءا إلى الحسينعليه‌السلام ومعهما شبيب مولاهما فدخلا في عسكره وانضمّا إليه.

قالوا : فلمّا رأيا الحسينعليه‌السلام في اليوم العاشر بتلك الحال ، جاءا إليه وهما يبكيان ، فقال لهما الحسينعليه‌السلام : « أي ابني أخويّ ما يبكيكما؟ فو الله إنّي لأرجو أن تكونا بعد

__________________

(1) راجع الأخبار الطوال : 229.

(2) تاريخ الطبري : 3 / 277.

١٣٢

ساعة قريري العين » ، فقالا : جعلنا الله فداك ، لا والله ما على أنفسنا نبكي ، ولكن نبكي عليك نراك قد أحيط بك ولا نقدر على أن نمنعك بأكثر من أنفسنا ، فقال الحسينعليه‌السلام : « جزاكما الله يا ابني أخوي عن وجدكما من ذلك ومواساتكما إيّاي أحسن جزاء المتّقين »(1) .

قال أبو مخنف : فهما في ذلك إذ تقدّم حنظلة بن أسعد يعظ القوم فوعظ وقاتل فقتل كما تقدّم. فاستقدما يتسابقان إلى القوم ويلتفتان إلى الحسينعليه‌السلام فيقولان :

السلام عليك يا ابن رسول الله ، ويقول الحسينعليه‌السلام : « وعليكما السلام ورحمة الله وبركاته ». ثمّ جعلا يقاتلان جميعا وأنّ أحدهما ليحمي ظهر صاحبه حتّى قتلا(2) .

شبيب مولى الحرث بن سريع الهمداني الجابري

كان شبيب بطلا شجاعا جاء مع سيف ومالك ابني سريع ، قال ابن شهرآشوب :

قتل في الحملة الأولى التي قتل فيها جملة من أصحاب الحسين ، وذلك قبل الظهر في اليوم العاشر(3) .

عمّار الدالاني

هو عمّار بن أبي سلامة بن عبد الله بن عمران بن راس بن دالان ، أبو سلامة الهمداني الدالاني. وبنو دالان بطن من همدان.

كان أبو سلامة ، عمّار صحابيّا له رؤية كما ذكره الكلبي(4) وابن حجر.

__________________

(1) الكامل : 4 / 72.

(2) تاريخ الطبري : 3 / 328 ، راجع مثير الأحزان : 66.

(3) لم أعثر عليه في المناقب. راجع مستدركات علم رجال الحديث : 4 / 199.

(4) لم أعثر عليه في مضانّه.

١٣٣

وقال أبو جعفر الطبري : وكان من أصحاب عليعليه‌السلام ومن المجاهدين بين يديه في حروبه الثلاث ، وهو الذي سأل أمير المؤمنينعليه‌السلام عند ما سار من ذي قار إلى البصرة ، فقال : يا أمير المؤمنين إذا قدمت عليهم فما ذا تصنع؟ فقال : أدعوهم إلى الله وطاعته ، فإن أبوا قاتلتهم ، فقال أبو سلامة : إذن لن يغلبوا داعي الله(1) . في كلام له.

وقال ابن حجر في الإصابة : إنّه أتى إلى الحسينعليه‌السلام في الطف وقتل معه(2) .

وذكر صاحب الحدائق(3) والسروي(4) : أنّه قتل في الحملة الأولى حيث قتل جملة من أصحاب الحسينعليه‌السلام .

حبشي بن قيس النهمي

هو حبشي بن قيس بن سلمة بن طريف بن أبان بن سلمة بن حارثة الهمداني النهمي. وبنو نهم بطن من همدان.

كان سلمة صحابيّا ذكره جماعة من أهل الطبقات. وابنه قيس له إدراك ورؤية ، وابن قيس حبشي ممّن حضر الطف وجاء الحسينعليه‌السلام فيمن جاء أيّام الهدنة.

قال ابن حجر : وقتل مع الحسينعليه‌السلام (5) .

زياد أبو عمرة الهمداني الصائدي

هو زياد بن عريب بن حنظلة بن دارم بن عبد الله بن كعب الصائد بن شرحبيل بن

__________________

(1) لم أعثر عليه.

(2) الإصابة : 5 / 113.

(3) الحدائق الورديّة : 122 ، وفيه : عمّار بن أبي سلامة الغالاني.

(4) المناقب : 4 / 113.

(5) لم أعثر عليه.

١٣٤

شراحيل بن عمرو بن جشم بن حاشد بن جشم بن حيزون بن عوف بن همدان ، أبو عمرة الهمداني الصائدي. وبنو الصائد بطن من همدان.

كان عريب صحابيّا ذكره جملة من أهل الطبقات. وأبو عمرة ولده هذا له إدراك وكان شجاعا ناسكا معروفا بالعبادة ، قال صاحب الإصابة : إنّه حضر وقتل مع الحسينعليه‌السلام (1) .

وروى الشيخ ابن نما عن مهران الكاهلي مولى لهم ، قال : شهدت كربلا مع الحسينعليه‌السلام فرأيت رجلا يقاتل قتالا شديدا لا يحمل على قوم إلاّ كشفهم ، ثمّ يرجع إلى الحسينعليه‌السلام فيقول له :

أبشر هديت الرشد يا ابن أحمدا

في جنّة الفردوس تعلو صعّدا

فقلت : من هذا؟ قالوا : أبو عمرة الحنظلي(2) . فاعترضه عامر بن نهشل أحد بني تيم اللات بن(3) ثعلبة فقتله واحتزّ رأسه ، قال : وكان متهجدا(4) .

سوار بن منعم بن حابس بن أبي عمير بن نهم الهمداني النهدي (5)

كان سوار ممّا أتى إلى الحسينعليه‌السلام أيّام الهدنة وقاتل في الحملة الأولى فجرح وصرع.

قال في الحدائق الورديّة : قاتل سوار حتّى إذا صرع ، أتي به أسيرا إلى عمر بن

__________________

(1) لم أعثر عليه في مضانّه. وقال المامقاني : حضر الطف وقاتل قتالا شديدا حتّى استشهد بين يدي الحسينعليه‌السلام . راجع تنقيح المقال : 1 / 456.

(2) في المصدر : النهشلي.

(3) في المصدر : ( من ) بدل ( بن ).

(4) مثير الأحزان : 57.

(5) عدّه الشيخ في أصحاب الحسينعليه‌السلام . راجع رجال الشيخ : 101 ، الرقم 989.

١٣٥

سعد ، فأراد قتله ، فشفع فيه قومه ، وبقي عندهم جريحا حتّى توفي على رأس ستّة أشهر(1) .

وقال بعض المؤرّخين : إنّه بقي أسيرا حتّى توفي ، وإنّما كانت شفاعة قومه الدفع عن قتله ، ويشهد له ما ذكر في القائميّات من قولهعليه‌السلام : « السلام على الجريح المأسور سوار بن أبي عمير النهمي » على أنّه يمكن حمل العبارة على أسره في أوّل الأمر.

( ضبط الغريب )

ممّا وقع في هذه الترجمة :

( النهمي ) : بالنون المفتوحة والهاء الساكنة والميم والياء المثنّاة تحت. ويمضى في بعض الكتب الفهمي بالفاء وهو تصحيف واضح وغلط فاضح.

عمرو بن عبد الله الهمداني الجندعي

وبنو جندع بطن من همدان. كان عمرو الجندعي ممّن أتى إلى الحسينعليه‌السلام أيّام المهادنة في الطف ، وبقي معه.

قال في الحدائق : إنّه قاتل مع الحسينعليه‌السلام فوقع صريعا مرتثا بالجراحات قد وقعت ضربة على رأسه بلغت منه ، فاحتمله قومه وبقي مريضا من الضربة صريع فراش سنة كاملة ، ثمّ توفي على رأس السنة ،رضي‌الله‌عنه (2) . ويشهد له ما ذكر في القائميّات من قولهعليه‌السلام : « السلام على الجريح المرتث عمرو الجندعي ».

__________________

(1) الحدائق الورديّة : 122 ، وفيه : وارتث من همدان سوار بن حمير الجابري فمات لستة أشهر من جراحته.

(2) الحدائق الورديّة : 122 ، وفيه : عمرو بن عبد الله الجندعي ، مات من جراحة كانت به على رأس سنة.

١٣٦