شرح زيارة آل ياسين

شرح زيارة آل ياسين42%

شرح زيارة آل ياسين مؤلف:
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
الصفحات: 136

شرح زيارة آل ياسين
  • البداية
  • السابق
  • 136 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 62343 / تحميل: 5817
الحجم الحجم الحجم
شرح زيارة آل ياسين

شرح زيارة آل ياسين

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

فداعي الله تعالى منصبٌ ربانيٌّ ، يثبت بالنص عليه ، أو بإذن المنصوص عليه ، ومن ادعاه غيره فهو كاذب ، كمن يدعي النبوة أو الإمامة. وتعبير داعي الله يقصد به الداعي الأصلي ، للتمييز بينه وبين وبين المأذون لهم منه في الدعوة. ولا بد أن يكون قوله تعالى :وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ . منسجماً مع هذه القاعدة ، فيكون أمراً للمأذون لهم ، أو أمراً بأخذ الإجازة منهم.

وفي مقابل الدعاة الى الله : الدعاة الى النار :وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ . والدعاة لغير الله :وَلاتَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ ، والدعاة بدون إذن الله تعالى :وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ . الى آخر المنظومة.

* *

٤١

دعوة الإمام المهدي العالمية

وقد بدأت إمامتهعليه‌السلام ودعوته الى الإسلام بعد شهادة أبيه الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام ، حيث آتاه الله الحكم صبياً ، وكان متخفياً من السلطة يدير شيعته بواسطة سفرائه ، وبقي على هذه الحالة ثلاثاً وسبعين سنة حتى وقعت الغيبة التامة ، وتسمى الغيبة الكبرى.

فكانعليه‌السلام وما زال يعمل بأمر ربه مع الخضرعليه‌السلام وأصحابه الخاصين ، حتى يأذن الله له بالظهور ، فيدعو العالم الى الإسلام ، ويقيم دولة العدل الإلهي على كل الأرض.

مقام الداعي الى الله تعالى

قال الله تعالى :اللهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّىٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضئُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ الله الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَالله بِكُلِّ شئ عَلِيمٌ. فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ . « النور : ٣٥ ـ ٣٦ ».

فهذا النور الإلهي موجود دائماً في بيوت الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله « الدر المنثور : ٥ / ٥٠ » : « عن أنس بن مالك وبريدة قال : قرأ

٤٢

رسول الله هذه الآية :فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَنْ تُرْفَعَ ، فقام إليه رجل فقال : أي بيوت هذه يا رسول الله؟ قال : بيوت الأنبياء. فقام إليه أبو بكر فقال : يا رسول الله هذا البيت منها لبيت عليٍّ وفاطمة؟ قال : نعم من أفاضلها ».

وهو تعبيرٌ آخر عن قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الثقلين :وقد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض . وتعبيرٌآخر عن قول الإمام الصادقعليه‌السلام : «لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت ». « الكافي / ١ / ١٧٩ ».

وتعبيٌر آخر عن نظرية الفيض الإلهي التي تقول إن أنواعاً من عطاء الله تعالى للناس تتم عن طريق مركز نوره في الأرض ، صلوات الله عليه.

فهذه المقامات والمكانة العليا كلها ثابتةٌ لداعي الله تعالى ، بل الأمر أعظم من ذلك ، فأنت إذا بعثت شخصاً ليدعوالناس ليكونوا من أنصارك ، تختار من يتصف بأفضل الصفات ، ليمثلك ويحبب الناس بك ، فكيف برب العالمين عز وجل ، الذي بيده الأمر والخلق؟!

٤٣

إن داعيَ الله تعالى يجب أن يكون أحب شخصية الى الله وعباده ، وأقدر شخصية على الفهم من ربه ، وفهم الناس وتفهيمهم ، وفهم تكوينة المجتمع البشري وقوانينه.

وإذا جعله الله خليفته في أرضه ، وحاكماً بين عباده ، فلا بد أن يوفر له مقومات عمله ونجاحه ، وأول ذلك العلم بالله تعالى ومخلوقاته ، والعلم بالطبيعة ، وكل العلوم التي يحتاج اليها البشر.

بل ورد أن الله يلهم المؤمنين في عصره مايحتاجون اليه من العلوم!

فعن علي في وصف المهدي عليه‌السلام : « ويقذف في قلوب المؤمنين العلم ، فلا يحتاج مؤمن إلى ما عند أخيه من العلم ، فيومئذ تأويل هذه الآية : يُغْنِ اللهُ كُلاً مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللهُ وَاسِعاً حَكِيماً ». « مختصر البصائر / ٢١٠ ».

وعن الإمام الصادق عليه‌السلام : « يستغني الناس عن ضوء الشمس ونور القمر ، ويجتزئون بنور الإمام ». « تفسير القمي : ٢ / ٢٥٣ ».

ومن معاني هذا الكلام : أنهم يستغنون بالنور الذي يخرجه لهم الإمام عليه‌السلام بدل ضوء الشمس.

* *

٤٤

السلام عليك يا داعيَ الله وربانيَّ آياته

معنى رباني آياته : أن عنده آيات الله تعالى ، فعندما يطلبها أو تكون لازمة يُظهرها الله تعالى ، ويستجيب دعوة وليه. ومعناه : أنه خبيرٌ رباني بها يفسرها للناس ، ويطلبها من ربه عز وجل عندما يلزم ذلك.

الربانيون والربيون والعالم الرباني

ورد تعبير الربانيين في القرآن وصفاً للعلماء المؤتمنين على الشريعة بعد الأنبياءعليهم‌السلام ، وذكر أنهم نوعان ، فمنهم من يحكم بالحق ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ومنهم من يقصر ولا ينهى عن المعاصي ، قال تعالى :إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِى ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ . « المائدة : ٤٤ ».

وقال تعالى :لَوْلايَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الآثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ . « المائدة : ٦٣ ».

٤٥

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « إنما هلك من كان قبلكم حيثما عملوا من المعاصي ولم ينههم الربانيون والأحبار عن ذلك ، وإنهم لما تمادوا في المعاصي ، ولم ينههم الربانيون والأحبار عن ذلك ، نزلت بهم العقوبات ». « الكافي « ٥ / ٥٧ ».

ومعناه أن الربانيين ائتمنهم الرب على دينه وأمرهم بحفظه ، فمنهم من وفى ، ومنهم من قصر واستحق الذم والعقوبة.

ولهذا اختار الله تعالى تعبير الرِّبيين للمؤمنين المقاتلين مع الأنبياءعليهم‌السلام فهو أخص من الربانيين ، لأنه للمدوحين فقط. قال تعالى :وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِىٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ . « آل عمران : ١٤٦ ».

فالرِّبيون نخبة الربانيين ، وهم منسوبون الى الرب تعالى ، في علمهم به وإخلاصهم له ، وتضحيتهم في سبيله.

وقد استعملت السنة تعبير العالم الرباني للمعصوم وهو أفضل من الرَّباني المحض والرِّبِّي المجاهد ، قال أمير المؤمنينعليه‌السلام :

٤٦

« الناس ثلاثة : فعالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع ، أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركن وثيق ». « نهج البلاغة : ٤ / ٣٦ ».

فالعالم الرباني : الذي علمه من الرب تعالى. وتفسيره بالفقهاء والرواة خطأٌ كما أعتقد ، لأن الفقهاء والمؤمنين متعلمون على سبيل نجاة.

قال الإمام الكاظم عليه‌السلام لهشام بن الحكم « الكافي : ١ / ١٧ » : « ولا علم إلا من عالم رباني ، ومعرفة العلم بالعقل ».

وقال الإمام الصادق عليه‌السلام : « فَلْيُشَرِّقِ الحَكَمُ ولْيُغرب ، أما والله لا يصيب العلم إلا من أهل بيت نزل عليهم جبرئيل ». « الكافي : ١ / ٤٠٠ ».

والإمام المهديعليه‌السلام رباني بهذا المعنى الأخير ، لأن علمه من الرب تعالى وهو علمٌ متجدد ومستمر ، لأنه مهديٌّ من ربه الى كل ما يحتاج اليه.

فهو رباني ، في علمه وسلوكه ، وهو رباني آيات الله ، بمعنى صاحبها ورُبانها ، الذي يأتي بها ، وعالمها وخبيرها.

٤٧

معنى آيات الله تعالى

قال الراغب الأصفهاني في المفردات : « الآية : هي العلامة الظاهرة ، وحقيقته لكل شئ ظاهر ، وهو ملازم لشئ لا يظهر ظهوره ».

والصحيح أنها : العَلَامة المقنعة عادةً. وأصلها عند الخليل : أَأْية فقلبت ألفها ياء فصارت أيِيَّة ، فحذفت فصارت آية كراية وغاية. « العين : ٨ / ٤٤٠ ». وأصلها عند سيبويه أوِيَّة. وجمعها : آيٌ وآياتٌ وآيايٌ وآياءٌ.

وفي حديث الإسراء : « وآية ذلك أني مررت بعير لأبي سفيان على ماء لبني فلان وقد أضلوا جملاً ». « الكافي : ٨ / ٣٦٤ ».

وفي صفة الخوارج : « آية ذلك أن فيهم رجلاً أسود مُخَدَّج ». « أحمد : ١ / ٨٨ ».

واستعملت في القرآن مفردةً أربعاً وثمانين مرة. وآياتٍ : مئة وثمانية وأربعين مرة. وآياتنا : اثنين وتسعين مرة. وآياته : سبعاً وثلاثين مرة الخ. وهذا يدل على سعة مصاديقها في القرآن.

أنواع آيات الله وأنواع الذين يتلونها

ذكر القرآن أنواع آيات الله تعالى ، وأنواع تلاوتها على الناس.

فالله تعالى يتلو آياته على الرسل : تِلْكَ آيَاتُ اللهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ .

٤٨

والرسل وغيرهم يتلون آيات الله تعالى :وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا بَلْ هُوَآيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ

وآيات الله تعالى أنواع ، فمنها المحكم والمتشابه :مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ .

ومنها المحكم ثم المفصل : كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ.

ومنها مبصرةٌ وأقل إبصاراً : فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً.

ومنها بيناتٌ وأقل بياناً : فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ.

وآياتٌ كبرى وصغرى : لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى.

ومنها آيات لأنواع الناس : إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوِاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لايَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ..لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ.

وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لايَاتٍ لِلْعَالِمِينَ.

ومنها في الآفاق والأنفس وغيرهما : سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ.

وأعطى الله نبيه موسىعليه‌السلام تسع آيات : وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وهي : « الطوفان ، والجراد ، والقُمَّل ، والضفادع ، والدم ، والحجر ، والبحر ، والعصا ، ويده ». « الخصال / ٤٢٤ ».

٤٩

فمعنى أن الإمام المهدي عليه‌السلام رباني آيات الله : أنه الذي يتلو هذه الآيات على الناس ، ويعلمهم إياها ، ويفسرها ، وهو القَيِّم عليها.

« ٣ » السلام عليك يا باب الله وديان دينه

يقول لك إسلام السلطة : يمكنك أن تعرف الله تعالى من أي طريق ، وأن تعبده وتتقرب اليه من أي باب.

ويقول لك مذهب أهل البيتعليهم‌السلام : لا يمكنك أن تعرف الله تعالى إلا عن طريق واحد ، هو الطريق الصحيح ، وغيره طرقٌ خاطئة توقعك في انحرافات! فالذين طلبوا معرفة الله عن غير طريق أهل البيتعليهم‌السلام وقعوا في التشبيه والتجسيم ، فجهلوا الله تعالى وعبدوا معبوداً خيالياً!

ويقول لك أتباع السلطة : يمكنك أن تعبد الله تعالى وتتقرب اليه ، عن أي طريق ، فالطرق الى الله بعدد أنفاس الخلائق!

ويقول لك مذهب أهل البيتعليهم‌السلام : الطريق الصحيح واحدٌ لا غير! فإن أردت معرفة الله فمن بابه الذي عينه ، وإن أردت عبادته فمن طريقه الذي حدده. فإن دخلت من باب آخر فأنت واهم ولن تصل ، لأن المعرفة والعبادة لا تكون إلا من الطريق التي أمر بها الله تعالى.

٥٠

قال الإمام محمد الباقر عليه‌السلام « الكافي : ١ / ١٩٨ » : « فإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله باب الله الذي لا يؤتى إلا منه ، وسبيله الذي من سلكه وصل إلى الله عز وجل ، وكذلك كان أمير المؤمنينعليه‌السلام من بعده ، وجرى للأئمةعليهم‌السلام واحداً بعد واحد ، جعلهم الله عز وجل أركان الأرض أن تميد بأهلها ، وعَمَد الإسلام ، ورابطةً على سبيل هداه ، لا يهتدي هاد إلا بهداهم ، ولا يضل خارج من الهدى إلا بتقصير عن حقهم.

أمناءُ الله على ما أهبط من علم أو عُذر أو نُذر ، والحجة البالغة على من في الأرض ، يجري لآخرهم من الله مثل الذي جرى لأولهم ، ولا يصل أحد إلى ذلك إلا بعون الله ».

معنى أن الإمام المهديعليه‌السلام باب الله تعالى

معنى هذا الوصف للنبي والأئمةعليهم‌السلام :

١. أن الواحد منهم باب معرفة الله والعلم به ، لذلك يجب أن تكون معرفة الله تعالى من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي وأبنائه الأئمةعليهم‌السلام في تفسير التوحيد والقرآن.

٥١

والإمام المهديعليه‌السلام ممثل هذا الخط وامتداده وشارحه ، وهو الداعي الى الله الواحد الأحد ، كما وصف نفسه في القرآن.

فيكون معنى التسليم عليه بهذا اللقب : السلام عليك يا باب معرفة الله عز وجل ، معرفة ذاته وصفاته ، معرفةً صحيحةً ، خاليةً من الباطل والخطأ ، نقيةً من الجهل والتحريف والزيغ والهوى.

٢. ومعنى : السلام عليك يا بابَ الله ، أنه مصدرُ تلقِّي الدين ، فمن أراد بعد العقيدة علم الشريعة ومعرفة الحلال والحرام ، وجب أن يتلقى من الإمام المهدي ، ومن أجدادهعليهم‌السلام ، لا من مخالفيهم.

والتلقي من الإمام المهديعليه‌السلام مع غيبته ، يعني التلقي من أجداده الذين هو امتداد لهم ، وعند ظهوره يتحقق التلقي الكامل منه مباشرة.

٣. ومعنى باب الله : أنه باب العطاء الإلهي ، لأنه النور الإلهي في الأرض :مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّىٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ .

٤. ومعنى باب الله : أنه الإمام الذي يجب الإعتقاد بإمامته ، والإنتساب اليه ، لندعى به في محشر القيامة :يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ .

٥٢

٥. ومعنى باب الله : أن الإمام المهديعليه‌السلام باب التوجه الى الله ، فيصح التوجه به الى الله تعالى ، ويصح التوجه اليه ، لأنه باب الله تعالى.

وقد تقدم معنى قولعليه‌السلام : إذا أردتم التوجه بنا إلى الله ، وإلينا ، فقولوا كما قال الله تعالى : سلام على آل ياسين ، ذلك هو الفضل المبين.

وقد عَلَّمَنَا الأئمة كيف نتوجه بهم الى الله تعالى ، قال الإمام الباقرعليه‌السلام : « اللهم إني أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة. يا محمد يا رسول الله إني أتوجه بك إلى الله ربك وربي لينجح لي طلبتي. اللهم بنبيك أنجح لي طلبتي ، بمحمد. ثم سل حاجتك ». « الكافي : ٣ / ٤٧٨ ».

وفي التهذيب : ٦ / ١٠١ : « اللهم إني لو وجدت شفعاء أقرب إليك من محمد وأهل بيته الأخيار الأئمة الأبرار ، لجعلتهم شفعائي ، فبحقهم الذي أوجبت لهم عليك أسألك أن تدخلني في جملة العارفين بهم ».

التكبر على أهل البيتعليهم‌السلام تكبر على الله تعالى!

عَيَّنَ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عترته من بعده مصدراً لتلقي الدين وقدوةً للأمة ، وقرنهم بالقرآن فقال :إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي وأهل بيتي .

٥٣

وبدل أن تقول قريش : سمعنا وأطعنا ، قالت : نحن نعبد الله ونؤمن بالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ونتلقى ديننا عن صحابته ، وليس عن أهل بيته!

لكن الله لا يقبل عبادته إلا من الطريق التي عينها. فقد روىعن الإمام الصادق عليه‌السلام ، قال : « الإستكبار هو أول معصية عصي الله بها. قال : فقال إبليس : يا رب ، أعفني من السجود لآدم ، وأنا أعبدك عبادةً لم يعبدكها ملك مقرب ولا نبي مرسل!

قال الله تبارك وتعالى : لاحاجة لي إلى عبادتك ، إنما أريد أن أعبد من حيث أريد لا من حيث تريد. فأبى أن يسجد فقال الله تعالى :قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ. وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِى إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ». « تفسير القمي : ١ / ٤٢ ».

السلام عليك يا باب الله وديان دينه

قال الصدوق (قدس سره) في التوحيد / ٢١٦ : « الدَّيَّان : هو الذي يدين العباد ويجزيهم بأعمالهم. والدِّينُ : الجزاء ، ولا يجمع لأنه مصدر ، يقال : دانَ يدين دِيناً. ويقال في المثل : كما تَدين تُدان ، أي كما تجزي تجزى ، قال الشاعر :

كما يدينُ الفتى يوماً يدانُ به

من يَزرع الثومَ لا يقلعْهُ ريحانا ».

٥٤

وقال الزمخشري في أساس البلاغة / ٢٩١ : « داينته : حاكمته. وكان عليٌّ دَيَّانَ هذه الأمة بعد نبيها ، أي قاضيها ».

وقال ابن منظور « ١٣ / ١٦٦ » : « الدَّيّانُ : من أَسماء الله عز وجل معناه الحكَم القاضي. وسئل بعض السلف عن علي بن أَبي طالب فقال : كان دَيّانَ هذه الأُمة بعد نبيها ، أَي قاضيها وحاكمها ».

وفي كتاب سُليم / ٢٨٣ ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « عليٌّ ديان هذه الأمة والشاهد عليها ». وفي رواية :ياعلي أنت ديان هذه الأمة والشاهد عليها .

وهذه الصفة لعليعليه‌السلام ثابتة لكل الأئمة من أهل البيتعليهم‌السلام ففي الزيارة الجامعة : « وميراث النبوة عندكم ، وإياب الخلق إليكم ، وحسابهم عليكم ، وفصل الخطاب عندكم ». « من لايحضره الفقيه : ٢ / ٦١٢ ».

أقول : إن الله تعالى هو مالك يوم الدين وديان الدين ، وهو الذي يحاسب الخلق يوم القيامة ، فيوكل بذلك ملائكته ، فلا عجب أن يوكل به محمداً وآل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وهم أفضل من الملائكة باتفاق المسلمين.

٥٥

فعن الإمام الصادق عليه‌السلام في حديث الإسراء : « أذن جبرئيل وأقام الصلاة فقال : يا محمد تقدم ، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : تقدم يا جبرئيل ، فقال له : إنا لانتقدم على الآدميين منذ أُمرنا بالسجود لآدم »! « علل الشرائع : ١ / ٨ ».

قال الصدوق (قدس سره) في كتابه الإعتقادات / ٧٣ : « والحساب منه ما يتولاه الله تعالى ، ومنه ما يتولاه حججه. فحساب الأنبياء والرسل والأئمةعليهم‌السلام يتولاه الله عز وجل ، ويتولى كل نبي حساب أوصيائهعليهم‌السلام ، ويتولى الأوصياء حساب الأمم. والله تعالى هو الشهيد على الأنبياء والرسل ، وهم الشهداء على الأوصياء ، والأئمة شهداء على الناس.

وذلك قوله عز وجل :لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا. وقوله عز وجل : فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا. وقال عز وجل : أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ. والشاهد أمير المؤمنين. وقال عز وجل : إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ».

وعندما يجعل الله تعالى حساب الخلق بيد ملائكته ، أو نبيه وأهل بيته فهو لايتخلى عنهم ، بل يعلمهم قواعد المحاسبة المفصلة ، أو يزودهم بخبراء محاسبة من ملائكته ، وهو الرقيب عليهم.

٥٦

ويؤيده ما روي عن الإمام الصادق عليه‌السلام : « لو وليَ الحساب غير الله لمكثوا فيه خمسين ألف سنة من قبل أن يفرغوا ، والله سبحانه يفرغ من ذلك في ساعة ». « مجمع البيان : ١٠ / ١٢٠ ».

ومعناه أنه يُعَلِّمُ قواعد الحساب وطريقته لقضاة المحشر ، ولولا ذلك لما استطاعوا محاسبة الناس في خمسين ألف سنة ، ولا مئة ألف سنة!

والنتيجة : أن دياني الناس بدين الله هم النبي وأهل بيتهعليهم‌السلام ، ولهذا وصف الإمام المهدي بأنه باب الله وديان دينه ، لأنه أحد القادة الديانين يوم القيامة ، وأحد الأشهاد الذين قال الله فيهم :وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ . وفي تفسير القمي « ٢ / ٢٥٨ » أنهم الأئمةعليهم‌السلام .

وفي العدد القوية / ٨٩ : « عن الحارث وسعيد بن قيس ، عن علي بن أبي طالب ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا واردكم على الحوض ، وأنت يا علي الساقي ، والحسن الذائد ، والحسين الآمر ، وعلي بن الحسين الفارط « الرائد » ومحمد بن علي الناشر ، وجعفر بن محمد السايق ، وموسى بن جعفر محصي المحبين والمبغضين وقامع المنافقين ، وعلي بن موسى مزين المؤمنين ، ومحمد بن علي منزل أهل الجنة في درجاتهم ،

٥٧

وعلي بن محمد خطيب شيعته ومزوجهم الحور العين ، والحسن بن علي سراج أهل الجنة يستضيئون به ، والمهدي شفيعهم يوم القيمة ».

وفي المناقب « ١ / ٢٥١ » : « يا علي أنا نذير أمتي وأنت هاديها ، والحسن قايدها ، والحسين سايقها ، وعلي بن الحسين جامعها ، ومحمد بن علي عارفها ، وجعفر بن محمد كاتبها ، وموسى بن جعفر محصيها ، وعلي بن موسى معبرها ومنجيها وطارد مبغضيها ومُدْني مؤمنيها ، ومحمد بن علي قايدها وسايقها ، وعلي بن محمد سايرها وعالمها ، والحسن بن علي ناديها ومعطيها ، والقائم الخلف ساقيها وناشدها وشاهدها ».

« ٤ » السلام عليك يا خليفة الله وناصرحقه

١. خلط بعضهم بين الإستخلاف التكويني لأجيال الإنسان ، وبين نصب الله تعالى خليفةً له في الأرض ، كآدم وداود ومحمد وآلهعليهم‌السلام .

فقوله تعالى :إِنْ يَشَا يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ . وقوله :فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ . وقوله :وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ كل ذلك في الإستخلاف التكويني ولاعلاقة له بمنصب

٥٨

الخلافة ، لكن قوله تعالى :وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً . وقوله :يَادَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ .

وأمثالها من الآيات والأحاديث تتعلق بمنصب الخلافة الذي جعله الله تعالى لآدمعليه‌السلام ، ولبعض رسله ، وليس كلهم.

٢. فالخلافة لغةً : كل شئ يخلف شيئاً. لكنها في الإصطلاح الإسلامي الشخص الذي يختاره الله تعالى خليفةً له في الأرض.

ولذلك قال المأمون للفقهاء في مناظرته : « فخبروني عن رجل تختاره الأمة فتنصبه خليفة ، هل يجوز أن يقال له خليفة رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن قِبَل الله عز وجل ولم يستخلفه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ! فإن قلتم : نعم ، فقد كابرتم. وإن قلتم : لا وجب أن أبا بكر لم يكن خليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا كان من قبل الله وأنكم تكذبون على نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فإنكم متعرضون لأن تكونوا ممن وسمه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بدخول النار!

وخبروني في أي قوليكم صدقتم؟ أفي قولكم مضى رسول الله ولم يستخلف ، أو في قولكم لأبي بكر يا خليفة رسول الله؟!

٥٩

فإن كنتم صدقتم في القولين فهذا ما لايمكن ، كونه إذ كان متناقضاً! وإن كنتم صدقتم في أحدهما بطل الآخر! فاتقوا الله وانظروا لأنفسكم ودعوا التقليد ، وتجنبوا الشبهات ، فوالله ما يقبل الله تعالى إلا من عبد لايأتي إلا بما يعقل ولايدخل إلا فيما يعلم أنه حق. والريب شكٌّ وإدمان الشك كفر بالله تعالى وصاحبه في النار ». « عيون أخبار الرضا : ٢ / ١٩٩ ».

٣. وقد ثبت عندنا بأحاديث صحيحة متواترة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نص على أن الأئمة من عترته هم خلفاء الله تعالى في أرضه. ففي الكافي « ١ / ١٩٣ » عن الإمام الرضاعليه‌السلام قال : « الأئمة خلفاء الله عز وجل في أرضه ».

وفي رواية أمالي الصدوق / ٧٠ : « فإنهم خلفائي ، وأوصيائي ، وحجج الله على الخلق بعدي ، وسادة أمتي ».

فيكون معنى : السلام عليك يا خليفة الله ، يا من جعلك الله خليفته في أرضه. وقد ورد وصف الإمام المهديعليه‌السلام بالخليفة في مصادر السنة أيضاً ،ففي كتاب الفتن لنعيم بن حماد « ١ / ٢٢٤ » عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « يكون في أمتي خليفةٌ يحثي المل حثياً ، لا يَعُدُّهُ عَدّاً ».

٦٠

وأقول :

إن أراد بملاحظة الغاية كونها داعية للفعل ، فهو مذهبنا(١) ، ولا يقوله الأشاعرة.

وإن أراد بها مجرّد إدراك الغاية من دون أن تكون باعثة على الفعل ، فهو مذهب الأشاعرة(٢) ، ويلزمه العبث وسائر المحالات ، ويجوز بمقتضاه أن يعذّب الله سبحانه أعظم المطيعين ، ويثيب أعظم العاصين ؛ لأنّه لا غاية له تبعثه إلى الفعل ، بل يفعل مجّانا بلا غرض ، بل يجوز أن لا تكون أفعاله متقنة ، وإن اتّفق إتقانها في ما وقع ، وأمّا في ما لم يقع بعد ـ كالثواب والعقاب ـ فمن الجائز أن لا يكون متقنا ؛ لفرض عدم الغرض له تعالى ، ولأنّه لا يقبح منه شيء ، ولا يجب عليه شيء!

فما زعمه من عدم تحرير الفريقين لمحلّ النزاع حقيق بالسخرية! أتراه يخفى على جماهير العلماء ويظهر لهذا الخصم وحده؟! وهل يخفى على أحد أنّ النزاع في الغرض والعلّة الغائيّة ، وأنّ الإمامية والمعتزلة لم يروا بالقول بالغرض بأسا ونقصا ، بخلاف الأشاعرة؟! وهذا الخصم ما زال ينسب لقومه القول بالغاية ، فإن أراد بها الغاية الباعثة على الفعل ، فهي خلاف مذهبهم بالضرورة.

__________________

(١) تجريد الاعتقاد : ١٩٨ ، كشف المراد : ٣٣١ ، تلخيص المحصّل : ٣٤٣ ـ ٣٤٤.

(٢) الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٥٠ ، المواقف : ٣٣١ ـ ٣٣٢ ، شرح المواقف ٨ / ٢٠٢ ـ ٢٠٦.

٦١

وإن أراد بها الأمر المترتّب اتّفاقا ، كقوله تعالى :( فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً ) (١) ، غاية الأمر : أنّ الله تعالى عالم بهذا الأمر المترتّب ، فهو حقيقة مذهبهم ، وعليه ترد الإشكالات ، ولا ينفع معه التسويلات والتنصّلات.

وأمّا ما ذكره من قولهم بالحكمة والمصلحة ، فهو وإن قالوا به ظاهرا ، لكن لا بنحو اللزوم كقولهم بالإتقان ؛ لأنّ اللزوم لا يجتمع مع نفي الغرض ونفي الحسن والقبح العقليّين ونفي وجوب شيء عليه تعالى.

وأمّا قوله : « ولولاه لم يكن للفاعل المختار أن يفعل ذلك الفعل »

فإن أراد به أنّه لا يفعله لكونه عبثا ، فهو صحيح ، والله سبحانه أحقّ به.

وإن أراد أنّه لا يفعله لعدم قدرته عليه كما زعمه سابقا ، فهو باطل ـ كما عرفت ـ ، ومنه يعلم ما في قوله : « فهذا الفاعل بالاختيار يحتاج في صدور الفعل عنه ».

وقد بيّنّا أنّ هذا الاحتياج لإخراج الفعل عن العبث لا لنقص في القدرة ، فيكون كمالا للفعل ، ودليلا على كمال ذات الفاعل ، لا كاحتياج الذات إلى صفاتها الزائدة الموجب لنقص الذات في نفسها(٢) ؛ تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.

* * *

__________________

(١) سورة القصص ٢٨ : ٨.

(٢) انظر ج ٢ / ١٦٩ وما بعدها من هذا الكتاب.

٦٢

إنّه تعالى يريد الطاعات ويكره المعاصي

قال المصنّف ـ قدّس الله روحه ـ(١) :

المطلب الخامس

في أنّه تعالى يريد الطاعات ويكره المعاصي

هذا هو مذهب الإمامية ، قالوا : إنّ الله تعالى أراد الطاعات سواء وقعت أم لا ، ولا يريد المعاصي سواء وقعت أم لا ، [ وكره المعاصي سواء وقعت أم لا ] ، ولم يكره الطاعات سواء وقعت أم لا(٢) .

وخالفت الأشاعرة مقتضى العقل والنقل في ذلك ، فذهبوا إلى أنّ الله تعالى يريد كلّ ما يقع في الوجود ، سواء كان طاعة أم لا ، وسواء أمر به أم نهى عنه(٣) [ وكره كلّ ما لم يقع ، سواء كان طاعة أو لا ، وسواء أمر به أو نهى عنه ] ، فجعلوا كلّ المعاصي الواقعة في الوجود من الشرك والظلم والجور والعدوان وأنواع الشرور مرادة لله تعالى ، وأنّه تعالى راض بها!

__________________

(١) نهج الحقّ : ٩٤.

(٢) أوائل المقالات : ٥٧ ـ ٥٨ ، شرح جمل العلم والعمل : ٨٧ ، المنقذ من التقليد ١ / ١٧٩ ، تجريد الاعتقاد : ١٩٩.

(٣) الإبانة في أصول الديانة : ١٢٦ ـ ١٢٧ ، تمهيد الأوائل : ٣١٧ ، الاقتصاد في الاعتقاد ـ للغزّالي ـ : ١٠٢ ، الملل والنحل ١ / ٨٣ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٤٣ ، المواقف : ٣٢٠ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٧٤ ، شرح المواقف ٨ / ١٧٣.

٦٣

وبعضهم قال : إنّه محبّ لها ، وكلّ الطاعات التي لم تصدر عن الكفّار مكروهة لله تعالى غير مريد لها ، وإنّه تعالى أمر بما لا يريد ونهى عمّا لا يكره ، وإنّ الكافر فعل في كفره ما هو مراد لله تعالى وترك ما كره الله تعالى من الإيمان والطاعة منه(١) .

وهذا القول يلزم منه محالات ، منها : نسبة القبيح إلى الله تعالى ؛ لأنّ إرادة القبيح قبيحة ، وقد بيّنّا أنّه تعالى منزّه عن فعل القبائح كلّها(٢) .

* * *

__________________

(١) انظر : الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٤٣ ـ ٣٤٥ ، شرح المواقف ٨ / ١٧٣ وقال : « منهم ـ أي الأشاعرة ـ من جوّز أن يقال : الله مريد للكفر والفسق والمعصية » وذكر في ص ١٧٤ أنّ خالق الشيء بلا إكراه مريد له بالضرورة ، وفيه أيضا : أنّ عدم إيمان الكافر مراد لله فلاحظ!

(٢) راجع كلام العلّامة الحلّي1 في ج ٢ / ٣٣٤ المبحث الحادي عشر من هذا الكتاب.

٦٤

وقال الفضل (١) :

قد سبق أنّ مذهب الأشاعرة : إنّ الله تعالى مريد لجميع الكائنات غير مريد لما لا يكون ، فكلّ كائن مراد وما ليس بكائن ليس بمراد ، واتّفقوا على جواز إسناد الكلّ إليه تعالى جملة ، واختلفوا في التفصيل كما هو مذكور في موضعه(٢) .

ومذهب المعتزلة ومن تابعهم من الإمامية : إنّه تعالى مريد لجميع أفعاله ، أمّا أفعال العباد فهو مريد للمأمور به منها كاره للمعاصي والكفر(٣) .

ودليل الأشاعرة : إنّه خالق للأشياء كلّها ، وخالق الشيء بلا إكراه مريد له بالضرورة(٤) .

وأمّا ما استدلّ به هذا الرجل في عدم جواز إرادة الله تعالى للشرك والمعاصي ، فهو من استدلالات المعتزلة.

والجواب : إنّ الشرك مراد لله تعالى ، بمعنى : إنّه أمر قدّره الله تعالى في الأزل للكافر ، لا أنّه رضي به وأمر المشرك به ، وهذا من باب التباس

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ١ / ٤٤٨.

(٢) الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٤٣ ، المواقف : ٣٢٠ ، شرح المواقف ٨ / ١٧٣ و ١٧٤.

(٣) تقدّم في الصفحة ٦٣ ه‍ ٢ ، وراجع المصارد التالية التي تذكر آراء المعتزلة : شرح الأصول الخمسة : ٤٥٦ ـ ٤٥٧ ، الملل والنحل ١ / ٣٩ ، شرح المواقف ٨ / ١٧٣.

(٤) الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٤٣ ، المواقف : ٣٢٠ ، شرح المواقف ٨ / ١٧٤.

٦٥

الرضا بالإرادة.

وأمّا كون الطاعات التي لم تصدر من الكافر مكروهة لله تعالى

فإن أراد بالكراهة عدم تعلّق الإرادة به ، فصحيح ؛ لأنّه لو أراد لوجد

وإن أراد عدم الرضا به ، فهو باطل ؛ لأنّه لم يحصل في الوجود حتّى يتعلّق به الرضا أو عدمه.

وأمّا أنّه تعالى أمر بما لا يريد ونهى عمّا لا يكره ، فإنّه تعالى أمر الكفّار بالإسلام ولم يرد إسلامهم ، بمعنى عدم تقدير إسلامهم ، وهذا لا يعدّ من السفه ، ولا محذور فيه ، وإنّما يكون سفها لو كان الغرض من الأمر منحصرا في إيقاع المأمور به ، ولكن هذا الانحصار ممنوع ؛ لأنّه ربّما كان لإتمام الحجّة عليهم فلا يعدّ سفها.

وأمّا ما ذكره من لزوم نسبة القبيح إلى الله تعالى ؛ لأنّ إرادة القبيح قبيحة

فجوابه : إنّ الإرادة بمعنى التقدير ، وتقدير خلق القبيح في نظام العالم ليس بقبيح من الفاعل المختار ، إذ لا قبيح بالنسبة إليه.

على أنّ هذا مبنيّ على القبح العقلي وهو غير مسلّم عندنا ، ومع هذا فإنّه مشترك الإلزام ؛ لأنّ خلق الخنزير الذي هو القبيح يكون قبيحا ، والله تعالى خلقه بالاتّفاق منّا ومنكم.

* * *

٦٦

وأقول :

لا يخفى أنّ الأمور الممكنة إنّما يفعلها القادر المختار أو يتركها بإرادة منه ؛ لأنّ الممكن لا يترجّح أحد طرفيه إلّا بمرجّح ، وهو الإرادة ، فيكون العدم على طبع الوجود مقدورا ومستندا إلى الإرادة.

ولذا أسند الله تعالى العدم المسبوق بالوجود إلى إرادته حيث يقول :

( وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً ) (١) الآية ، فإنّ إهلاك القرية عبارة عن إماتة أهلها بسبب العذاب ، والموت عدم الحياة.

ولا ريب أنّ الإرادة تتوقّف على أمور :

منها : تصوّر المراد

ومنها : الرضا به ، سواء كان وجودا أو عدما ، وسواء كان حكما أم غيره ، فإنّ من يريد شيئا لا بدّ أن يرضى به بالضرورة.

ومنها : الرضا بمتعلّق المراد على وجه التعيّن له أو الترجيح له أو التساوي كما في متعلّق التكاليف ، فإنّ الحاكم إذا كلّف بنحو الوجوب لا بدّ أن يرضى بوجود الواجب على وجه التعيّن له بحيث يكون كارها لنقيضه ، ومثله الحرمة بالنسبة إلى الرضا بالترك والكراهة لنقيضه.

وإذا كلّف بنحو الندب ، لزم أن يرضى بالوجود على وجه الرجحان ، ومثله الكراهة بالنسبة إلى الرضا بالترك.

وإذا حكم على وجه الإباحة ، لزم أن يرضى بالوجود والعدم بنحو

__________________

(١) سورة الإسراء ١٧ : ١٦.

٦٧

التساوي.

نعم ، إذا كان التكليف امتحانيا لم تتوقّف إرادته إلّا على الرضا بأصل التكليف ، لا بمتعلّقه.

فإذا عرفت هذا فنقول : لمّا كانت أفعال العباد عند الإمامية غير مخلوقة لله تعالى ، لم تكن له إلّا إرادة تشريعية ، أي إرادة للأحكام ، فلم يكن له تعالى رضا بما يريده العباد ويفعلونه من المعاصي ، ولا كراهة لما يتركونه من الطاعات.

بخلافه على مختار الأشاعرة من أنّ أفعال العباد مخلوقة لله تعالى ، فإنّه يلزم أن يكون الله سبحانه مريدا للمعاصي الواقعة راضيا بها ، ولعدم الطاعات المتروكة كارها لها ؛ لأنّ فعله للمعاصي يتوقّف على إرادتها المتوقّفة على الرضا بها ، وتركه للطاعات يتوقّف على إرادة الترك المتوقّفة على الرضا به وكراهته الفعل ، كما سبق(١) .

ويلزم أن يكون الله تعالى آمرا بما يريد عدمه ويكرهه ولا يرضى به ، وهو الذي لم يخلقه من الطاعات ، وناهيا عمّا أراده ورضي به ، وهو الذي خلقه من المعاصي ، بل يلزم اجتماع الضدّين : الرضا والكراهة في ما أمر به وتركه ؛ لأنّ أمره دليل الرضا وتركه دليل الكراهة.

وكذا يجتمعان في ما نهى عنه وفعله ؛ لأنّ نهيه مستلزم للكراهة ، وفعله مستلزم للرضا.

وهذا الذي قلناه لا يبتني على أنّ تكون الإرادة بمعنى الرضا كما تخيّله الخصم ، بل هو مبنيّ على توقّف الإرادة على الرضا ـ كما بيّنّاه ـ ،

__________________

(١) راجع ردّ الشيخ المظفّر1 في مبحث « استلزام الأمر للإرادة والنهي للكراهة » في ج ٢ / ٣٧٣ من هذا الكتاب.

٦٨

فلا معنى لقوله : « الشرك مراد لله تعالى ، بمعنى أنّه أمر قدّره الله في الأزل ، لا أنّه رضي به وأمر المشرك به ، وهذا من باب التباس الرضا بالإرادة ».

على أنّ تفسير الإرادة بالتقدير ، خطأ ؛ لأنّ الإرادة صفة ذاتية والتقدير فعل ، ولو سلّم فقد عرفت أنّ التقدير موقوف على الإرادة(١) ، وهي موقوفة على الرضا.

ومن الفضول قوله في ما سمعت : « وأمر المشرك به »

فإنّ المصنّف لم يدّع أنّه يلزم مذهبهم أمر المشرك به حتّى ينفيه ، ولا هو متوهّم من كلام المصنّف.

وأمّا إنكاره لعدم الرضا بترك الطاعات ، بحجّة أنّها لم تحصل في الوجود حتّى يتعلّق بها الرضا أو عدمه ، فخطأ ؛ لأنّ الرضا وعدمه إنّما يتعلّقان بالشيء من حيث هو ، لا بما هو موجود ، كيف؟! وهما سابقان على الإرادة السابقة على الوجود.

وأمّا إنكاره للسفه في الأمر بالإسلام الذي لم يقدّره ، فمكابرة ظاهرة.

وقوله : « إنّما يكون سفها لو كان الغرض من الأمر منحصرا في إيقاع المأمور به »

باطل ؛ لأنّ إتمام الحجّة إنّما يكون على القادر المتمكّن ، لا على العاجز ، فيكون امتحانه سفها آخر ، تعالى الله عنه علوّا كبيرا ، وسيأتي قريبا زيادة إشكال عليه فانتظر.

وأمّا قوله : « وتقدير خلق القبيح في نظام العالم ليس بقبيح »

__________________

(١) راجع ردّ الشيخ المظفّر1 في مبحث « استلزام الأمر للإرادة والنهي للكراهة » في ج ٢ / ٣٧٣ من هذا الكتاب.

٦٩

فمكابرة أخرى كما مرّ(١) ، إذ لا وجه لعدم قبح القبيح منه سبحانه ، وهو أولى من يتنزّه عن فعل القبيح.

وأمّا ما زعمه من الاشتراك في الإلزام ، فقد عرفت جوابه(٢) .

* * *

__________________

(١) راجع ردّ الشيخ المظفّر1 في مبحث « إنّه تعالى لا يفعل القبيح » ، الصفحة ٩ من هذا الجزء.

(٢) راجع الصفحة ٢٥ من هذا الجزء.

٧٠

قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ(١) :

ومنها : كون العاصي مطيعا بعصيانه ، حيث أوجد مراد الله تعالى وفعل وفق مراده.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٩٥.

٧١

وقال الفضل(١) :

جوابه : إنّ المطيع من أطاع الأمر ، والأمر غير الإرادة ، فالمريد هو المقدّر للأشياء ومرجّح وجوداتها ، فإذا وقع الخلق على وفق إرادته فلا يقال : إنّ الخلق أطاعوه.

نعم ، إذا أمرهم بشيء فأطاعوه يكونون مطيعين.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ١ / ٤٥٢.

٧٢

وأقول :

غير خفيّ أنّ الطاعة منوطة بموافقة الإرادة ، والعصيان بمخالفتها ، لا بموافقة لفظ الأمر ومخالفته

ولذا لو علمت إرادة المولى لشيء ولم يأمر به لمانع وجب إتيانه

ولو علم عدم إرادته مع أمره صورة لم يجب فعله

وإنّما قالوا : الطاعة موافقة الأمر ؛ لأنّه دليل الإرادة ولا تعرف بدونه غالبا ، وحينئذ فيلزم ما ذكره المصنّف من كون العاصي مطيعا بعصيانه لموافقته للإرادة التكوينية ، بل هو موافق للأمر التكويني فيكون مطيعا ألبتّة.

قال عزّ من قائل :( فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ ) (١)

وقال تعالى :( إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (٢) .

* * *

__________________

(١) سورة فصّلت ٤١ : ١١.

(٢) سورة يس ٣٦ : ٨٢.

٧٣

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ(١) :

ومنها : كونه تعالى يأمر بما يكره ؛ لأنّه أمر الكافر بالإيمان وكرهه منه حيث لم يوجد وينهى عمّا يريد ، لأنّه نهاه عن الكفر وأراده منه.

وكلّ من فعل هذا من أشخاص البشر ينسبه كلّ عاقل إلى السفه والحمق ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.

فكيف يجوز للعاقل أن ينسب إلى ربّه تعالى ما يتبرّأ هو منه ويتنزّه عنه؟!

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٩٥.

٧٤

وقال الفضل(١) :

قد سبق المنع من أنّ الأمر بخلاف ما يريده يعدّ سفها(٢) ، وإنّما يكون كذلك لو كان الغرض من الأمر منحصرا في إيقاع المأمور به ، وليس كذلك ؛ لأنّ الممتحن لعبده هل يطيعه أم لا؟ قد يأمره ولا يريد منه الفعل.

أمّا أنّ الصادر منه أمر حقيقة ؛ فلأنّه إذا أتى العبد بالفعل يقال : امتثل أمر سيّده.

وأمّا أنّه لا يريد الفعل منه ؛ فلأنّه يحصل مقصوده وهو الامتحان ، أطاع أو عصى ، فلا سفه بالأمر بما لا يريده الآمر.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ١ / ٤٥٢.

(٢) راجع ردّ الفضل في مبحث « استلزام الأمر للإرادة والنهي للكراهة » في ج ٢ / ٣٧٢ ، وانظر الصفحتين ٦٥ ـ ٦٦ من هذا الجزء.

٧٥

وأقول :

لا يخفى أنّ السفه يحصل بطلب الفعل والأمر به حقيقة مع كراهته في الواقع ، وبالنهي عنه حقيقة مع إرادته واقعا ، كما هو الحاصل في الشرعيّات ، ضرورة مطلوبية مثل الإيمان وعدم الكفر حقيقة.

ولا محلّ لاحتمال أن يكون الطلب لمثل ذلك صوريا لغرض الامتحان أو غيره ، على أنّ الامتحان للعاجز سفه آخر.

ثمّ إنّ كلامه دالّ على ثبوت الغرض لله تعالى ، وهو باطل على قولهم : « إنّ أفعاله تعالى لا تعللّ بالأغراض »(١) !

* * *

__________________

(١) الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٥٠ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ٢٩٦ ، المواقف : ٣٣١ ، شرح المواقف ٨ / ٢٠٢.

٧٦

قال المصنّف ـ طيّب الله رمسه ـ(١) :

ومنها : مخالفة النصوص القرآنية الشاهدة بأنّه تعالى يكره المعاصي ويريد الطاعات ، كقوله تعالى :( وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ ) (٢)

( كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً ) (٣)

( فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ) (٤)

( وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ ) (٥)

إلى غير ذلك من الآيات

فترى لأيّ غرض يخالفون هؤلاء القرآن العزيز وما دلّ العقل عليه؟!

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٩٥.

(٢) سورة غافر ٤٠ : ٣١.

(٣) سورة الإسراء ١٧ : ٣٨.

(٤) سورة الزمر ٣٩ : ٧.

(٥) سورة البقرة ٢ : ٢٠٥.

٧٧

وقال الفضل(١) :

قد يستعمل لفظ الإرادة ويراد به الرضا والاستحسان ، ويقابله الكراهة بمعنى السخط وعدم الرضا ، فقوله تعالى :( وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ ) (٢) ، أريد من الإرادة الرضا ، فسلب الرضا بالظلم عن ذاته المقدّسة ، وهذا عين المذهب.

وأمّا الإرادة بمعنى التقدير والترجيح ، أو مبدأ الترجيح ، فلا تقابلها الكراهة ، وهو معنى آخر.

وسائر النصوص محمولة على الإرادة بمعنى الرضا.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ١ / ٤٥٤.

(٢) سورة غافر ٤٠ : ٣١.

٧٨

وأقول :

لمّا كان من مذهبه : أنّ الله سبحانه هو الخالق للظلم الواقع في الكون ، المريد له(١) ، وكان ذلك خلافا صريحا للآية الأولى ، التجأ إلى حمل الإرادة فيها على الرضا ، وهو لو سلّم لا ينفعه ؛ لتوقّف الإرادة على الرضا ؛ لأنّه من مقدّماتها ، فإذا نفت الآية رضاه تعالى بالظلم ـ كما زعم ـ استلزم نفي إرادته له ، وهو خلاف مذهبه.

وليت شعري إذا لم يرض سبحانه بالظلم والكفر وكان السيّئ عنده مكروها ولا يحبّ الفساد ، فكيف أرادها وخلقها وهو العالم المختار؟!

وإذا كان يرضى الشكر ، فما المانع له عن إرادته وخلقه وهو المتصرّف فيه كما زعموا؟!

وأمّا قوله : « وسائر النصوص محمولة على الإرادة بمعنى الرضا »

فكلام صادر من غير تروّ ، إذ ليس في بقيّة الآيات التي ذكرها المصنّفرحمه‌الله ما يشتمل على لفظ الإرادة ، ولا يعوزه الجواب إذا كان مبنيا على المغالطة.

* * *

__________________

(١) راجع الصفحة ٦٣ من هذا الجزء.

٧٩

قال المصنّف ـ قدّس الله روحه ـ(١) :

ومنها : مخالفة المحسوس وهو : استناد أفعال العباد إلى تحقّق الداعي وانتفاء الصوارف ؛ لأنّ الطاعات حسنة والمعاصي قبيحة.

وإنّ الحسن جهة دعاء والقبح جهة صرف ، فيثبت لله تعالى في الطاعة دعوى الداعي إليها وانتفاء الصارف عنها.

وفي القبيح ثبوت الصارف وانتفاء الداعي ؛ لأنّه ليس داعي الحاجة لاستغنائه تعالى ، ولا داعي الحكمة لمنافاتها إيّاها ، ولا داعي الجهل لإحاطة علمه به.

فحينئذ يتحقّق ثبوت الداعي إلى الطاعات ، وثبوت الصارف في المعاصي ، فثبت إرادته للأوّل وكراهته للثاني.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٩٦.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136