شرح زيارة آل ياسين

شرح زيارة آل ياسين42%

شرح زيارة آل ياسين مؤلف:
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
الصفحات: 136

شرح زيارة آل ياسين
  • البداية
  • السابق
  • 136 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 62371 / تحميل: 5823
الحجم الحجم الحجم
شرح زيارة آل ياسين

شرح زيارة آل ياسين

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وفي صحيح مسلم « ٦ / ٣ » : « عن جابر بن سمرة قال : دخلت مع أبي على النبي « ص » فسمعته يقول : إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة ». ونحوه أحمد : ٥ / ٨٦.

٤. لا يتوقف منصب الخلافة للإمام المهديعليه‌السلام على أن يحكم فعلاً ، فهو ثابتٌ له منذ خلقه الله تعالى ، وهو في مدة غيبته يقوم بمهام خليفة الله تعالى ومعه الخضرعليه‌السلام والأبدال الذين هم جنود الله في الغيب ، نعم تظهر خلافته ظهوراً كاملاً عندما يظهر ويقيم دولة العدل الإلهي.

السلام عليك يا خليفة الله وناصرحقه

حق الله تعالى في الأرض : أن يُوَحِّدَهُ الناس ولا يشركوا به ، وأن يطيعوه ولا يعصوه. ومعنى نصرة الإمام المهديعليه‌السلام لهذا الحق : أنه يدافع عنه ، ويعمل لتحقيقه بدعوة الناس الى الإيمان بالله وتوحيده ، والإيمان بما أنزله على رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويطبق ذلك ببرامج وقوانين.

ومعنى نصرة حق الله تعالى : أنه يوجد مَن يعتدي على هذا الحق ، ويجب مجاهدته ورد ظلمه ، وهم الملحدون والمجسمون لله تعالى.

٦١

والإمام المهديعليه‌السلام صاحب الحق في جهادهم ، وهذا يعني أن سياسة جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله كانت لمرحلة ، فهو يكملها ، وتتسع دائرة من يجاهدهم.

وفي بعض النسخ : وناصر خلقه بدل حقه ، وتكون نصرة خلق الله تعالى بأن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما أخبر جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

« ٥ » السلام عليك يا حجة الله ودليل إرادته

معنى حجة الله تعالى : الدليل الواضح الذي يحتج به على عباده ، كما قال تعالى :لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ . وقال :فَللَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ . وقال :لايُكَلِّفُ الَّلهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا . وقال :لايُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا . وقال :وَمَاكُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً .

وقد عقد الكليني (قدس سره) في الكافي « ١ / ١٦٢ » : « باب البيان والتعريف ولزوم الحجة » وأورد تحته عدة أبواب ، وعشرات الأحاديث.

قال الإمام الصادقعليه‌السلام « ١ / ٢٥ » : « حجة الله على العباد النبي ، والحجة فيما بين العباد وبين الله العقل ».

وقالعليه‌السلام « الكافي : ١ / ١٧٨ » : « ما زالت الأرض إلا ولله فيها الحجة ، يُعَرِّفُ الحلال والحرام ، ويدعو الناس إلى سبيل الله ».

٦٢

وقال عليه‌السلام « ١ / ١٦٨ » : « للزنديق الذي سأله : من أين أثبت الأنبياء والرسل؟ قال : إنه لما أثبتنا أن لنا خالقاً صانعاً متعالياً عنا وعن جميع ما خلق ، وكان ذلك الصانع حكيماً متعالياً ، لم يجز أن يشاهده خلقه ، ولا يلامسوه ، فيباشرهم ويباشروه ويحاجهم ويحاجوه ، ثبت أن له سفراء في خلقه ، يعبرون عنه إلى خلقه وعباده ، ويدلونهم على مصالحهم ومنافعهم ، وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم ، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه ، المعبرون عنه جل وعز ، وهم الأنبياءعليهم‌السلام وصفوته من خلقه ، حكماء مؤدبين بالحكمة ، مبعوثين بها ، غير مشاركين للناس ـ على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب ـ في شئ من أحوالهم ، مؤيدين من عند الحكيم العليم بالحكمة. ثم ثبت ذلك في كل دهر وزمان مما أتت به الرسل والأنبياءعليهم‌السلام من الدلائل والبراهين ، لكيلا تخلو أرض الله من حجة يكون معه عَلَمٌ يدل على صدق مقالته ».

وسئل الإمام الرضا عليه‌السلام : أتبقى الأرض بغير إمام؟ قال : لا ، قلت : فإنا نروي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنها لاتبقى بغير إمام إلا أن يسخط الله تعالى على أهل الأرض أو على العباد ، فقال : لا ، لا تبقى ، إذاً لساخت »! « الكافي : ١ / ١٧٩ ».

٦٣

وقال الإمام الباقر عليه‌السلام « الكافي : ١ / ١٧٩ » : « والله ما ترك الله أرضاً منذ قبض آدمعليه‌السلام إلا وفيها إمام يُهتدي به إلى الله ، وهو حجته على عباده ، ولا تبقى الأرض بغير إمام حجة لله على عباده ».

كما بين الأئمةعليهم‌السلام أن الحجة لا بد أن تكون واضحة تامة ، وأن القرآن بسبب وجود المحكم والمتشابه فيه لايكون حجة إلا بقَيِّمٍ يُفسره ، ويبين المقصود اليقيني لله تعالى منه. « الكافي : ١ / ١٦٩ ».

وبينوا أنهم هم ورثة الكتاب وحجج الله تعالى على عباده. قال الإمام الباقرعليه‌السلام « الكافي : ١ / ١٤٥ » : « نحن حجة الله ، ونحن باب الله ».

وفي حديث الإمام الصادق عليه‌السلام في جواب بريهة الراهب « الكافي : ١ / ٢٢٧ » : « أنَّى لكم التوراة والإنجيل وكتب الأنبياءعليهم‌السلام ؟ قال : هي عندنا وراثةً من عندهم ، نقرؤها كما قرؤوها ، ونقولها كما قالوا ، إن الله لا يجعل حجة في أرضه يُسأل عن شئ فيقول لا أدري ».

وبذلك يتضح معنى : السلام عليك يا حجة الله ، فالإمام المهديعليه‌السلام خاتم حجج الله تعالى الذين هم رسول الله وعترتهعليهم‌السلام ، وهم معدن

٦٤

الحجة وتجسيدها الكامل ، وقد تمت على أجيال من الناس ، وبقي أن يظهر المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) فيتم الله به حجته على العالم كله.

السلام عليك يا حجة الله ودليل إرادته

في الإرادة بحوث أطال فيها علماء الكلام ، والفلسفة ، وأصول الفقه. والذي يهمنا هنا أن إرادة الله تعالى تستعمل بمعنى أمره ونهيه ، وبمعنى رضاه وغضبه. والذي يدل على ذلك هو المعصومعليه‌السلام .

والإمامعليه‌السلام دليل إرادة الله ، ويشمل ذلك المعنى التشريعي لأن الإمام يدل على الحلال والحرام ، وبقية الأحكام ومتعلقاتها.

ويشمل المعنى التكويني بمعنى أن حالات الإمامعليه‌السلام من الرضا والغضب والحزن والسرور ، تعكس إرادة الله تعالى في أمره ونهيه ، ورضاه وغضبه ، فهي تدل عليها.

لمحة عن الإرادة الإلهية

روى في الكافي « ١ / ١٤٨ » : « عن معلى بن محمد قال : سئل العالم « الإمامعليه‌السلام » كيف عَلِمَ الله؟ قال : علم ، وشاء ، وأراد ، وقدر ، وقضى ، وأمضى. فأمضى ما قضى ، وقضى ما قدر ، وقدر ما أراد. فبعلمه كانت المشيئة ،

٦٥

وبمشيئته كانت الإرادة ، وبإرادته كان التقدير ، وبتقديره كان القضاء ، وبقضائه كان الإمضاء ، والعلم متقدم على المشيئة ، والمشيئة ثانية ، والإرادة ثالثة ، والتقدير واقع على القضاء بالإمضاء.

فلله تبارك وتعالى البداء فيما علم متى شاء ، وفيما أراد لتقديرالأشياء ، فإذا وقع القضاء بالإمضاء فلا بداء ، فالعلم في المعلوم قبل كونه ، والمشيئة في المنشأ قبل عينه ، والإرادة في المراد قبل قيامه ، والتقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها وتوصيلها عياناً ووقتاً.

والقضاء بالإمضاء هو المبرم من المفعولات ، ذوات الأجسام ، المدركات بالحواس ، من ذوي لون وريح ووزن وكيل ، وما دب ودرج ، من إنس وجن وطير وسباع وغير ذلك ، مما يدرك بالحواس.

فلله تبارك وتعالى فيه البداء مما لا عين له ، فإذا وقع العين المفهوم المدرك فلا بداء ، والله يفعل ما يشاء ، فبالعلم علم الأشياء قبل كونها ، وبالمشيئة عرف صفاتها وحدودها ، وأنشأها قبل إظهارها ، وبالإرادة ميز أنفسها في ألوانها وصفاتها ، وبالتقدير قدر أقواتها وعرف أولها وآخرها ، وبالقضاء أبان للناس أماكنها ودلهم عليها ، وبالإمضاء شرح عللها ، وأبان أمرها. وذلك تقدير العزيز العليم ».

٦٦

وعن الإمام الصادق عليه‌السلام قال « الكافي : ١ / ١٤٩ » : « لا يكون شئ في الأرض ولا في السماء إلا بهذه الخصال السبع : بمشيئة وإرادة وقدر وقضاء وإذن وكتاب وأجل ، فمن زعم أنه يقدر على نقض واحدة فقد كفر. وفي رواية : فمن زعم غير هذا فقد كذب على الله ، أو رد على الله ».

وروى في الكافي : ١ / ١٥١ : « عن الفتح بن يزيد الجرجاني ، عن أبي الحسن الهاديعليه‌السلام قال : إن لله إرادتين ومشيئتين : إرادة حتم وإرادة عزم ، ينهى وهو يشاء ويأمر وهو لا يشاء ، أو ما رأيت أنه نهى آدم وزوجته أن يأكلا من الشجرة وشاء ذلك ، ولو لم يشأ أن يأكلا لما غلبت مشيئتهما مشيئة الله تعالى ، وأمر إبراهيم أن يذبح إسحاق ولم يشأ أن يذبحه ، ولو شاء لما غلبت مشيئة إبراهيم مشيئة الله تعالى ».

قال الكليني (قدس سره) في الكافي : ١ / ١١١ : « جملة القول في صفات الذات وصفات الفعل : أن كل شيئين وصفت الله بهما وكانا جميعاً في الوجود ، فذلك صفة فعل. وتفسير هذه الجملة : أنك تثبت في الوجود ما يريد وما لا يريد ، وما يرضاه وما يسخطه ، وما يحب وما يبغض.

٦٧

فلو كانت الإرادة من صفات الذات مثل العلم والقدرة ، كان ما لا يريد ناقضاً لتلك الصفة ، ولو كان ما يحب من صفات الذات كان ما يبغض ناقضاً لتلك الصفة ، ألا ترى أنا لا نجد في الوجود ما لايعلم وما لا يقدر عليه. وكذلك صفات ذاته الأزلية لسنا نصفه بقدرة وعجز وعلم وجهل وسفه وحكمة وخطأ وعز وذلة.

ويجوز أن يقال : يحب من أطاعه ويبغض من عصاه ، ويوالي من أطاعه ويعادي من عصاه ، وإنه يرضى ويسخط ».

عظمة مقام : دليل إرادته

دلالة الإمام المهديعليه‌السلام على إرادة الله تعالى بالمعنى التشريعي بمعنى المعلم والدليل المختار من ربه على أحكام شريعته وتطبيقاتها ، وهو مقامٌ عظيم يتفرد به عن الناس ، كما تفرد آباؤه وجده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

أما دلالتهعليه‌السلام التكوينية فمقامٌ أعظم من الأول ، لأن معناه أن إرادة الله تعالى تنعكس على روح المعصوم ، وملامح وجهه ، وبدنه!

والسر كل السر ، والعلم كل العلم في سعة إرادة الله تعالى وتنوعها ، وكيفية انعكاسها على روح المعصوم وملامحه.

٦٨

فعندما تقول الرواية مثلاً : نظر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الى الشئ الفلاني ، فأعرض عنه وعافه ، فمعناه أن إرادة الله تعالى ظهرت في ذلك الشخص أو الشئ ، وانعكست في ذهن المعصوم وحواسه ، وظهرت لنا إعراضاً وعدم رضا! فتكون شخصية المعصومعليه‌السلام صفحة لعلم الله تعالى وإرادته ، كصفحة الحاسب ، تظهر عليها خصائص برنامج معين.

ومن أمثلته ما رواه البخاري « ٤ / ٧١ » قال : « بينا رسول الله « ص » ساجدٌ وحوله ناسٌ من قريش المشركين ، إذ جاءه عقبة بن أبي معيط بسَلَى جزور « كرش ناقة » فقذفه على ظهر النبي « ص » فلم يرفع رأسه حتى جاءت فاطمةعليها‌السلام فأخذت من ظهره ودعت على من صنع ذلك ، فقال النبي « ص » : اللهم عليك الملأ من قريش ، اللهم عليك أبا جهل بن هشام ، وعتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وعقبة بن أبي معيط ، وأمية بن خلف أو أبي بن خلف ».

وإذا عرفنا أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يدع على قومه قبل ذلك ، بل كان يقول : اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون ، فما الذي حدث حتى دعا عليهم؟

٦٩

حدث أنه سمع دعاء ابنته فاطمةعليها‌السلام ، التي تنعكس عليها إرادة الله تعالى ، ففهم من ذلك الإذن الإلهي أو الأمر بالدعاء عليهم ، فدعا!

وبهذا المعنى كان المهديعليه‌السلام مظهر إرادة الله تعالى وتجسيدها ودليلها.

لأنه دليل إرادة الله صار القدوة والأسوة

إن أي إنسان ينظر الى السماء والأرض ويتأمل في الطبيعة المحيطة به ، يتساءل في نفسه عن موقعه من هذا الكون ، وعما يريد منه خالقه المبدع الحكيم عز وجل؟ فالحاجة الى القدوة والأسوة تنشأ من تفكير الإنسان في الكون وخالقه عز وجل ، وشعوره بالحاجة الى معرفة ما يريده منه الله سبحانه ، وكيف يحقق تكامل وجوده الذي خلق من أجله؟

فيجد الجواب الشافي في الإمام الرباني ، الذي يعرف ما يريد الله من الإنسان ، وتظهر إرادته على ملامحه ، وحركاته وسكناته.

* *

٧٠

« ٦ » السلام عليك يا تالي كتاب الله وترجمانه

١. تلاوة القرآن : قراءته ، وسُمىت تلاوةً لأن الكلمات فيها تتلو بعضها. ولا تستعمل لقراءة النص العادي ، ولذا يقال : قرأ الرسالة وتلا القرآن. قال تعالى :وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ. إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ. الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ .

نعم استعملت لتلاوة آيات الله غير القرآن :وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ .

وسمَّى الوحي الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تلاوة :ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ .

وقد كان مصطلح التلاوة مستعملاً لطريقة قراءة الكتاب الإلهي قبل القرآن ، قال تعالى :وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ. أَتَامُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ .

٢. فمعنى أن الإمام المهديعليه‌السلام تالي كتاب الله ، أنه التالي الرسمي للقرآن ، فهو منصوبٌ من الله تعالى لتلاوته ، لأنه ممن أورثهم الله الكتاب :ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا .

٧١

ومن الذين عندهم علم الكتاب :قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ .

وممن عندهم تفسير الكتاب وبيانه ، الذين وعد بهم الله تعالى :إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ. فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ .

وهذه الصفات لا توجد إلا في عترة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولهذا أوصى بهم وقرنهم بالقرآن فقال : إني تارك فيكم الثقلين ، كتاب الله وعترتي.

فالإمام المهديعليه‌السلام يتلو القرآن على الأمة ، ويفسره لها ، ويظهر علومه ومعجزاته ، كما أنه يتلوه على العالم ويفسره لهم بلغاتهم ، ويدعوهم اليه.

السلام عليك يا تالي كتاب الله وترجمانه

١. معنى ترجمان القرآن : أن الإمام المهديعليه‌السلام يُترجم القرآن الى لغات الناس المفهومة ، أي يفسره لهم ، فالذين يعرفون العربية يحتاجون الى تفسيره ويسمى ترجمة. وغيرهم يحتاجون الى ترجمته وتفسيره.

قال ابن منظور « ١٢ / ٦٦ » : « التُّرجمان بالضم والفتح : هو الذي يُتَرْجِم الكلام ، أَي ينقله من لغة إلى لغة أُخرى ، والجمع التَّراجِم ».

٧٢

والقرآن لا تتم حجيته إلا بمفسر رسمي له قيِّمٍ عليه ، لأن فيه المحكم والمتشابه ، والعام والخاص ، والناسخ والمنسوخ الخ.

ولذا ورد أنه إنما يفهم القرآن من خوطب به وهم أهل البيتعليهم‌السلام ، فهؤلاء يفهمونه حق فهمه ، ويتلونه حق تلاوته.

وفي الكافي « ٨ / ٣١١ » : « دخل قتادة بن دعامة على أبي جعفرعليه‌السلام فقال : يا قتادة أنت فقيه أهل البصرة؟ قال : هكذا يزعمون. فقال أبو جعفرعليه‌السلام : بلغني أنك تفسر القرآن؟ فقال له قتادة : نعم ، فقال له أبو جعفرعليه‌السلام : بعلم تفسره أم بجهل؟ قال : لا ، بعلم ، فقال له أبو جعفر : فإن كنت تفسره بعلم فأنت أنت ، وأنا أسألك؟ قال قتادة : سل. قال : أخبرني عن قول الله عز وجل في سبأ :وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِي وَأَيَّامًا آمِنِينَ . فقال قتادة : ذلك من خرج من بيته بزاد حلال وراحلة وكراء حلال ، يريد هذا البيت كان آمناً ، حتى يرجع إلى أهله. فقال أبو جعفرعليه‌السلام : نشدتك الله يا قتادة هل تعلم أنه قد يخرج الرجل من بيته بزاد حلال وراحلة وكراء حلال ، يريد هذا البيت فيقطع عليه الطريق فتذهب نفقته ويضرب مع ذلك ضربة فيها اجتياحه؟ قال قتادة : اللهم نعم ، فقال أبو جعفرعليه‌السلام : ويحك يا قتادة إن كنت إنما فسرت القرآن

٧٣

من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت ، وإن كنت قد أخذته من الرجال ، فقد هلكت وأهلكت.

ويحك يا قتادة ، ذلك من خرج من بيته بزاد وراحلة وكراء حلال يروم هذا البيت عارفاً بحقناً يهوانا قلبه كما قال الله عز وجل :فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ ، ولم يعن البيت فيقول : إليه ، فنحن والله دعوة إبراهيمعليه‌السلام التي من هوانا قلبه قبلت حجته وإلا فلا.

يا قتادة فإذا كان كذلك كان آمناً من عذاب جهنم يوم القيامة ، قال قتادة : لا جرم والله لا فسرتها إلا هكذا. فقال أبو جعفرعليه‌السلام : ويحك يا قتادة إنما يعرف القرآن من خوطب به ».

ومن خوطب به ليفسره للناس ، هم رسول الله وأهل بيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢. قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا ، كذباً وبغياً علينا ، أنْ رفعنا الله ووضعهم ، وأعطانا وحرمهم ، وأدخلنا وأخرجهم. بنا يُستعطى الهدى ويُستجلى العمى. إن الأئمة من قريش ، غرسوا في هذا البطن من هاشم. لا تصلح على سواهم ، ولا تصلح الولاة من غيرهم »! « نهج البلاغة : ٢ / ٢٧ ».

٧٤

وهم الذين عندهم علم الكتاب ، والذين أورثوا الكتاب ، وأهل الذكر. وقد روى السيوطي في الدر المنثور بثلاث روايات « ٣ / ٣٢٤ » : « أخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في المعرفة ، عن علي بن أبي طالب قال : ما من رجل من قريش إلا نزل فيه طائفة من القرآن. فقال له رجل : ما نزل فيك؟ قال أما تقرأ سورة هود :أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ : رسول الله على بينة من ربه ، وأنا شاهد منه ».

وفي تفسير العياشي « ٢ / ٢٢٠ » عن عبد الله بن عطاء قال : « قلت لأبي جعفر : هذا ابن عبد الله بن سلام يزعم أن أباه الذي يقول الله :قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ . قال : كَذِبَ. هو علي بن أبي طالب »!

وبهذا يتضح معنى أن الإمام المهديعليه‌السلام ترجمان القرآن ، لأنه مفسره الرسمي ، والقيِّم عليه ، ووارث علومه.

٣. وقال الإمام الكاظم عليه‌السلام : « إن سليمان بن داود قال للهدهد حين فقده وشكَّ في أمره ، فقال : مَا لِي لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ، حين فقده فغضب عليه وقال : لاعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لاذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَاتِيَنِّى

٧٥

بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ. وإنما غضب لأنه كان يدله على الماء ، فهذا وهو طائر قد أعطي ما لم يعط سليمان!

وقد كانت الريح والنمل والإنس والجن والشياطين والمردة له طائعين ولم يكن يعرف الماء تحت الهواء ، وكان الطير يعرفه!

وإن الله يقول في كتابه :وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى : وقد ورثنا نحن هذا القرآن الذي فيه ما تسير به الجبال وتقطع به البلدان ، وتحيى به الموتى ، ونحن نعرف الماء تحت الهواء ، وإن في كتاب الله لآيات ما يراد بها أمر إلا أن يأذن الله به ، مع ما قد يأذن الله مما كتبه الماضون ، جعله الله لنا في أم الكتاب. إن الله يقول :وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ، ثم قال : ثُمَّأَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ، فنحن الذين اصطفانا الله عز وجل وأورثنا هذا الذي فيه تبيان كل شئ ». « الكافي : ١ / ٢٢٦ ».

فترجمة الإمام المهديعليه‌السلام للقرآن تعني إظهار علومه للبشر ، وكشف معجزاته وأسراره ، واستثمار طاقاته التي أودعها الله فيه.

* *

٧٦

« ٧ » السلام عليك يا بقية الله في أرضه

قال الله تعالى في سورة هود :وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ. وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ. بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ. قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَانَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ . « هود : ٨٤ ـ ٨٧ »

فقد استعمل نبي الله شعيبعليه‌السلام تعبير بقية الله للباقي من الربح الحلال قال :بَقِيَّةُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . وهي قاعدة عامة تعني : أن كل ما أبقاه الله تعالى للإنسان بعد أن ذهب بغيره ، فهو خيرٌ له.

وقد عُبِّرَ بها عمن بقي من الأئمة بعد ذهاب الماضين ، فقال الإمام الكاظم عندما ولد ابنه الرضاعليه‌السلام : « هنيئاً لك يا نجمةُ كرامة ربك خذيه فإنه بقية الله تعالى في أرضه ». « عيون أخبار الرضاعليه‌السلام : ١ / ٣٠ ».

كما سُمِّيَ الإمام المهديعليه‌السلام بقية الله ، لأنه آخر من أبقاه الله من الأئمةعليهم‌السلام ، قال الإمام الصادقعليه‌السلام : « فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة واجتمع عنده

٧٧

ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً ، وأول ما ينطق به هذه الآية : بَقِيَّةُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ، ثم يقول : أنا بقية الله وحجته وخليفته عليكم. فلا يُسَلِّمُ عليه مسلمٌ إلا قال : السلام عليك يا بقية الله في أرضه ».

وفي الكافي « ١ / ٤١١ » عن عمر بن زاهر ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : « قال سأله رجل عن القائم يسلم عليه بإمرة المؤمنين قال : لا ، ذاك إسمٌ سمَّى الله به أمير المؤمنينعليه‌السلام لم يُسَمَّ أحدٌ قبله ولا يتسمى به بعده إلا كافر!

قلت جعلت فداك كيف يسلم عليه؟ قال : يقولون السلام عليك يا بقية الله ، ثم قرأ :بَقِيَّةُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ».

وفي الإحتجاج « ١ / ٢٤٠ » في حديث أمير المؤمنين عليه‌السلام مع الزنديق : « هم بقية الله ، يعني المهدي ، يأتي عند انقضاء هذه النَّظْرة « المهلة » فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما ملئت ظلماً وجوراً ».

معنى بقية الله في أرضه

عندما نقول للإمام المهديعليه‌السلام : يا بقية الله في أرضه. نستحضر الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام الذين قتلهم الناس عبر التاريخ ، أو ماتوا ، فلم يبق منهم إلا هذا الوحيد ، فهو بقية الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام !

٧٨

وهو بقية الله تعالى ، الذي حفظه من أعدائه وأبطل خططهم لقتله ، وحفظه من الموت ومدَّ عمره حتى يبلغ المجتمع البشري وقت ظهوره.

ومعناه أيضاً : السلام عليك يا بقية الماضين وذكراهم ، وحامل رسالتهم ومناقبيتهم وعبيرهم الطيب ، ووارث خطهم الرباني ، والآخذ بثارهم ، من ظالميهم الجبابرة ، وجنودهم الأشرار!

ومن عجائب مقادير الله تعالى أن أكبر انتصار إلهي في الأرض سيتحقق على يد بقية الله في أرضه ، فهو الذي يقيم دولة العدل الإلهي التي تدوم الى يوم القيامة ، والتي قال عنها الله للملائكة :إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ .

فما أعظم بركة هذه البقية ، والدور الذي أوكل الى المهديعليه‌السلام !

٧٩

« ٨ » السلام عليك يا ميثاق الله الذي أخذه ووكَّده

تقول آيات القرآن إن الله تعالى أخذ مواثيق الناس والملائكة في عالمٍ قبل عالمنا هذا. وتقول أحاديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وآلهعليهم‌السلام إن الناس نسوا مواثيق الله عليهم ، وسوف يُذَكَرُونَ بها فيذكرونها!

قال الله تعالى :وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ . « الأعراف : ١٧٢ ».

وقال :وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا . « الأحزاب : ٧ ».

وقال :وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ « آل عمرا : ١٨٧ ».

وقال :وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . « الحديد : ٨ ».

قال الخليل في العين « ٥ / ٢٠٢ » : « والوثيقة في الأمر : إحكامه والأخذ بالثقة والجميع وثائق. والميثاق : من المواثقة والمعاهدة ومنه الموثق ».

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

* بما أنَّ الكتب الأربعة هي أكثر كتبنا الجامعة للروايات قيمةً، وهناك اختلاف كبير في نصوص الروايات في نسخها المختلفة، وهذا الاختلاف يغير المعنى في كثير من موارده، فإلى أيِّ حدٍّ يمكن إصدار الفتوى اعتمادا ًعلى ألفاظ الروايات؟

الشيخ النوري: أنا لا أعتقد بذلك، فلم تكن جميع الكتب المتداولة آنذاك موجودة لدى الكليني والصدوق. ففي التهذيب روايات لا توجد في الكافي للكليني، مع أنَّ المدة الفاصلة بينهما هي مئة وثلاثون عاماً، وقد استغرق الكليني عشرين عاماً في كتابة الكافي. كما أنَّ هناك روايات في(مَن لا يحضره الفقيه) غير موجودة في الكافي، طبعاً الاستبصار أيضاً فيه روايات غير موجودة في التهذيب. فإذا وجد اختلاف في النص الخبري، كان الكافي أكثر ضبطاً من الآخرين، هذا إذا كان الخبر منقولاً لدى الثلاثة. مثل:(مَن حدَّد) و(مَن حدَّث) وعندها يقدِّمون الكليني.

* في باب الشهادة يقولون: يجب أن تكون الشهادة عن حسّ، وعندئذ تكون حُجَّة، بخلاف الشهادة عن حدس. فإذا كانت الشهادة عن حسٍ وحدها الحُجَّة، فكيف تُسوِّغ شهادة عظماء من أمثال: النجاشي، والكشي، والشيخ الطوسي، والعلاَّمة الحلِّي وآخرين، عن أصحاب النبي والأئمة (صلوات الله عليهم)؟

الشيخ النوري: هذا البحث مطروح في علم الرجال، وهو: هل أنَّ الرجوع إلى أقوال الرجاليين، مثل: النجاشي، والكشي، والشيخ الطوسي، والعلاَّمة وغيرهم، هو من باب الشهادة، أو أنَّه من باب الرجوع إلى الخبرة وأهل الفن؟ لأنَّهم كانوا من فحول علم الرجال، وفطاحل فيه.

فإذا كان الرجوع إلى قول الرجالي من باب الشهادة، كانت عدالة الشاهد لازمة، وأحياناً يُؤخذ التعدُّد أيضاً بنظر الاعتبار، لكن إذا كان من باب الرجوع إلى الخبرة أيضاً؛ ذلك لأنَّ المعيار والميزان في الرجوع إلى ذي الخبرة هو الاطمئنان. نعم، من حيث المهارة والتخصُّص، لا بد من أن يكون في مستوى يجعل قوله مطمئَناً، كالاعتماد على الطبيب الماهر والمتخصِّص حتى لو لم يكن مسلماً، وكمراجعة المقوِّم ليعيِّن قيمة البضاعة.

١٢١

صاحبالمعالم يعتقد أنَّ الراوي الذي يشكِّل قوله حُجَّة هو الذي يزكِّيه عدلان. فهو يرى أنَّ الخبر الصحيح هو ما أخبر به الراوي العادل؛ لأنَّه يرى أن حُجِّـيَّة قول الرجالي تكون من باب الشهادة.

وفي مقابل ذلك، فإنَّ آية الله العظمى البروجردي يرى أنَّ الرجوع إلى أقوال الرجاليين هو من باب الرجوع إلى أهل الخبرة والفن، فيقول: إنَّ النجاشي والكشي وغيرهما، صاروا خبراء في معرفة رجال الحديث لكثرة ممارستهم في تراجم الرجال، وقرب زمانهم من زمان رواة الحديث، ومن القرائن الموجودة لديهم، وبما أنَّ الميزان هو حصول الاطمئنان، لهذا فإنَّ ما نقله أولئك العظماء، يبعث على الاطمئنان لخبرتهم.

* استناداً إلى ما مرَّ، فإنَّ الرجوع إلى أقوال الرجاليين هو من باب رجوع العقلاء إلى أهل الفن والخبرة. وهنا يطرح سؤال آخر، وهو: إذا كان الرجوع إلى أقوال الرجاليين من باب رجوع العقلاء إلى أهل الفن والخبرة، عندئذٍ ينبغي ألاَّ نُفرِّق بين شهادة الرجاليين، أي أنَّه لا ينبغي أن يكون هناك فرق بين شهادة العلاَّمة والنجاشي؛ لأنَّ كليهما من أهل الفن في معرفة الرجال؟

الشيخ النوري: رغم أنَّ الرجوع إلى أقوال الرجاليين هو من باب الرجوع إلى إلى الفن والخبرة، فإنَّ الكلام هو في تفاوت الخبرات، وهل يُميَّز ويُرجَّح قول بعضهم على بعضهم الآخر أو لا؟ بطبيعة الحال الإجابة بالإثبات؛ لأنَّ للخبراء مراتب، كما أنَّ للعلم والظن مراتب. فقول أمثال النجاشي يعطي اطمئناناً أكثر.

١٢٢

* هل المعيار في باب جرح الراوي وتعديله أمر تعبُّدي أو عقلائي؟ وإذا كان عقلائياً، فهل يمكن تخطِّي المعيار المذكور في كُتب الرجال؟ وإذا كان التعدِّي أمراً جائزاً - كما يقول الشيخ في المعيار في باب التعادل والتراجيح - فما تفسير الجمود على الشهادة والثقة؟

الشيخ النوري: ظاهراً ليس هذا بأمر تعبُّدي؛ لأنَّ المعيار في حُجِّـيَّة خبر الواحد هو رأي العقلاء، ورأي العقلاء في الحياة هو العمل بأيِّ خبرٍ يُوجب حصول الاطمئنان، واعتباره حُجَّة. والحُجَّة هي ما يحتج به العبد على مولاه وبالعكس، فإذا خالف العبد احتج عليه المولى أنْ لماذا خالفتْ؟

فالعقلاء بنوا على أساس أنَّ خبر الثقة حُجَّة، لهذا إذا تعارض خبران أو أكثر نرجِّح الأكثر إثارةً للاطمئنان.

* ما هو تفسير الجمود على ألفاظ الرجاليين في الشهادة والتوثيق؟ فهناك أشخاص مثل إبراهيم بن هاشم الذي قيل فيه: (إنَّه أول مَن نشر حديث الكوفيِّين في قم)، لكن الرجاليين لا يشهدون بأنَّه ثقة، فهل يكفي ذلك لنفي صحَّة أحاديثه؟

الشيخ النوري: هنا توجد عدة أمور: الشهادة ليست ميزاناً، بل الرجوع إلى أهل الخبرة هو الميزان، وبتعبير المناطقة: هناك (كبرى) و(صغرى). الكبرى، هي:كل خبر يبعث على الاطمئنان حسب رأي العقلاء ، والصغرى، هي:الخبر الذي يكون راويه عادلاً وإمامياً وصحيحاً . وإذا لم يكن راويه عدلاً إمامياً، بل كان فطحياً وناووسياً وواقفياً، وكان خبره يوجب الاطمئنان فهو حُجَّة. فالعدالة ليست مِلاكاً، بل الوثاقة هي المعيار.

١٢٣

إذاً، فكل خبر كان قول راويه موجباً للاطمئنان فهو حُجَّة. وفي تقسيم الأحاديث إلى أربع: (صحيح، موثَّق، حسن، ضعيف) لا يُعَد امتداحه فقط مِلاكاً، بل يُلحظ أيضاً كونه غير كذَّاب. لهذا فالصحيح والموثَّق يوجبان الاطمئنان، لكن كونه حسناً لا يوجب الاطمئنان؛ أي كونه إمامياً ممدوحاً، لا يوجب الوثوق، بل لا بد من حصول الاطمئنان أيضاً؛ لهذا فإنَّ الوثوق محدود في صحته وكونه موثَّقاً، أي أن يكون عادلاً أو ثقة. لهذا إذا كان الخبر في أعلى درجات الضعف، لكن فقهاءنا يعملون به، نكتشف أن هناك قرائن وجدها الفقهاء جعلتهم يطمئنُّون لصدور الخبر، ولهذا عملوا به.

نعم، كان المرحوم السيد الخوئي يشترط وثاقة الراوي من دون غيرها من القرائن، كعمل الفقهاء. أمَّا آية الله البروجردي، فكان يعتقد أنَّ الوثوق بصدور الخبر كافٍ؛ لهذا إذا كان الخبر في أعلى درجات الصحة، لكن أعرض عنه الأصحاب، فإنَّه كان لا يعمل به؛ لأنَّه لا يوجب الوثوق.

والأساس الذي قام عليه رأي السيد الخوئي هو قوله بموضوعية العدالة والثقة، بينما نرى نحن أنَّ المعيار هو حكم العقلاء بكفاية الوثاقة بمضمون الخبر حتى لو كان راويه ضعيفاً.

أمَّا إبراهيم بن هاشم، فالمرحوم البروجردي كان يقول: إنَّه يرفض قول النجاشي أو الكشي عنه من أنَّه: (أول مَن نشر حديث الكوفيين)؛ لأنَّ قم كانت مركز العلماء، وقد انتشرت أحاديث أهل البيتعليهم‌السلام فيها قبل إبراهيم بن هاشم. فالقمِّـيُّون كانوا يتردَّدون على الأئمة في زمان الإمام الباقرعليه‌السلام ، وكانوا رواة للحديث قبل إبراهيم بن هاشم. فطبق التقسيم الذي وضعه آية الله البروجردي كان إبراهيم بن هاشم من الطبقة السابعة، والكليني في الطبقة التاسعة، وعلي بن إبراهيم في الطبقة الثامنة، وعبد الله بن مسكان وحماد بن عثمان في الطبقة الخامسة، وأبي نصير بن البزنطي في الطبقة السادسة. وبما أنَّ أهل الطبقتين الخامسة والسادسة كانوا يتردَّدون على الأئمة المعصومينعليهم‌السلام في المدينة والكوفة؛ لذا لا يمكن القول: إنَّ أول من نشر حديث الكوفيين في قم هو إبراهيم بن هاشم.

١٢٤

من ناحية أخرى، فإنَّ جميع الروايات التي نقلها إبراهيم بن هاشم معروفة، وقد ذكرته في كتابي(الطبقات والثقات) الذي ألَّفته في زمان المرحوم البروجردي.

الأمر الآخر هو أنَّ روايات إبراهيم بن هاشم صحيحة، فالمرحوم بحر العلوم أثبت في كتابالفوائد الرجالية - الذي كان البروجردي مهتمَّاً به - أنَّ إبراهيم بن هاشم هو عادل إمامي. كما أثبت السيد الداماد في كتابالرواشح السماوية أنَّ إبراهيم بن هاشم كان من العدول.

* سماحة الشيخ تجليل، نظراً للعلاقة التي كانت لسيادتك بآية الله العظمى البروجردي، وكونك من أصحاب الرأي والدراية في بحث الرجال، ولك مؤلَّفات فيه، نسألك: إلى أيِّ حدٍّ كان المرحوم السيد البروجرديقدس‌سره يولي علم الرجال أهمية وقيمة بوصفه مقدِّمةً للاستنباط الشَّرعي؟

الشيخ تجليل: كان المرحوم العلاّمة البروجردي يستخدم أسلوباً خاصاً في الاستنباط، على خلاف ما هو متعارف حالياً بين الفقهاء؛ حيث يأتون بالروايات ويجرِّحون فيها ويعدِّلونها، ثُمَّ يقبلون بعضها ويرفضون بعضها الآخر. فقد كان ينظر في جميع الروايات، ويؤكِّد على وجود عدَّة روايات حول أيِّ موضوع، فتعدُّد الأحاديث في موضوع ما يوجب عنده الاعتماد عليه. فأحياناً تصل الروايات إلى حد التواتر، فتفيد القطع، وقد لا تبلغ حد التواتر، بل توجب الوثوق، حيث المعيار في حُجِّـيَّة خبر الثقة هو الوثوق أيضاً. وعندما يحصل الوثوق من جميع النواحي يصبح حُجَّة، فتعدُّد النقل وكثرته لحديث ما تفيد الوثوق عنده.

لهذا كان أسلوبه هو حساب عدد الروايات في كل مسألة، ثم إرجاع الروايات بعضها إلى بعضها الآخر؛ ليعرف هل هناك عشر روايات في هذا الموضع حقيقة أو لا، وسأتحدث في ما بعد عن طريقة استنباطه.

١٢٥

فمن الناحية الرجالية، كان يولي تحديد الأسانيد المعلولة أهمية، والأسانيد المعلولة تُعرف إشكالاتها بالرجوع إلى طبقات الرجال؛ يعني إذا أخذت سنداً من كتابوسائل الشيعة ، ثُمَّ ترجع إلى علم الرجال، تجد أنَّ كل رواته ثقاة، لكنَّه كان يقول: كلاّ، السند غير صحيح؛ لأنَّ هذين الرجلين لا يمكنهما نقل الحديث عن بعضهما، لأنَّهما من طبقتين مختلفتين، فهذا السند معلول رغم أنَّ رواته ثقات.

* يعني يجب أن يكون الراوي والمروي عنه من طبقة واحدة؟

الشيخ تجليل: نعم، يجب أن تكون الطبقات متلائمة مع بعضها. وعندما لا يمكن أن ينقل راويان عن بعضهما لاختلاف طبقتيهما، يظهر عندها أنَّه سقط اسم أحد الرواة بين هذين الاثنين، ومَن هو الذي أسقط؟ لا يُعلم ذلك. هنا يتدخَّل علم الرجال بوصفه مقدِّمة للاستنباط.

* ما هو إبداع السيِّد البروجردي الخاص في علم الرجال؟

الشيخ تجليل: إبداعه كان في الطبقات؛ لأنَّنا لم نكن نمتلك ترتيباً لطبقات الرجال بهذه الصورة. طبعاً كان لدينا في هذا المجال كتاب رجال الشيخ الطوسي (رضوان الله عليه)؛ حيث كان له كتابالفهرست ، وكتابالرجال، ورجال الشيخ الطوسي مشابه لهذا العمل؛ إذ إنَّه قام بعزل مَن روى عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثُمَّ مَن روى عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ثُمَّ مَن روى عن الحسنينعليهما‌السلام ، ثُمَّ مَن روى عن السجادعليه‌السلام ، وهكذا، ثُمَّ جاء في آخر كتابه بباب عنوانه (مَن لم يروِ عنهمعليهم‌السلام بلا واسطة)، وعمله هذا يشبه عمل السيد البروجردي، لكنَّه كان المرحلة الابتدائية لضبط الطبقات. أمَّا المرحلة النهائية، فتتمثَّل في ما قام به المرحوم السيد البروجردي.

١٢٦

* ما معنى مصطلح (الطبقة) الذي استعمله المرحوم السيد البروجردي؟ وما الفرق بينه وبين الطبقة التي اصطلح عليها المرحوم الشيخ الطوسي؟

الشيخ تجليل: لم يستعمل الشيخ الطوسي كلمة(طبقة)، وإنَّما هي من مصطلحات المرحوم العلاَّمة البروجردي؛ حيث قسَّم الطبقات بهذه الطريقة:

الطبقة الأولى: هم الرواة الذين نقلوا أحاديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من دون واسطة.

الطبقة الثانية: هم الرواة الذين لا يمكن لهم نقل أحاديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من دون واسطة، بل ينقلون عن الطبقة الأولى، ويُطلق عليهم اسم:التابعين .

الطبقة الثالثة: هم الرواة الذين ينقلون عن الطبقة الثانية، فيروون الحديث (معنعن)؛ أي كل طبقة تنقله عن الطبقة التي سبقتها.

فرتَّب السيد البروجردي الرواة من عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى عهد شيخ الطائفة الطوسيرضي‌الله‌عنه إلى اثنتي عشرة طبقة، وقد تُوفِّي شيخ الطائفة عام ٤٦٠هـ؛ أي أنَّ المدَّة ما بين الهجرة ونهاية عهد شيخ الطائفة هي ٤٦٠ عاماً، وإذا كان السن المتعارف للناس هو (٧٠) عاماً، وكل راوٍ كان يعيش نصف حياته معاصرا ًلرواة الطبقة السابقة، والنصف الآخر من عمره يقضيه مع الطبقة اللاَّحقة، فإذا كان متوسط أعمار الرواة سبعين عاماً، فيكون الرواة من عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى وفاة شيخ الطائفة (١٢) طبقة؛ لأنَّه إذ حسبنا لكل طبقة سبعين عاماً، وكان منها (٣٥) عاماً مشتركة مع الطبقة السابقة واللاَّحقة، فنقسم(٧٠) على اثنين؛ والنتيجة (٣٥)، ثُمَّ نضربها في (١١)؛ تكون النتيجة(٣٨٥) عاماً، إذن إحدى عشرة طبقة متَّصلة. وبما أنَّ الطبقة الأولى والأخيرة لم تعش ٣٥ عاماً مشتركة مع غيرها، فيُجْمَع الحاصل (٣٨٥) مع (٣٥) الأولى والأخيرة، فيكون الناتج( ٤٥٥) عاماً، وهو ما يعادل المرحلة التي سبقت وفاة الشيخ، وإذا حسبنا الأعمار بالتاريخ الهجري يكون الفرق خمس سنوات أيضاً. هذا هو معيار الطبقات لدى المرحوم العلاَّمة البروجردي. وأضيفُ هنا أنَّه لم يدوِّنه بهذه الصورة، لكن يمكن الاستنباط بأنَّه هو صاحب هذا الإبداع.

١٢٧

* ألم يتحدَّث أحد، في كتب الرِّجال السابقة، على هذا المنوال؟

الشيخ تجليل: عندما كنت أكتبُ(معجم الثقات) عثرت، في كتب الرجال التي كنت أبحث فيها، على مخطوطة كتاب لم يكمل تأليفه؛ أي أنَّه لم يكن مرتَّباً، كان واضحاً أنَّه مقدِّمة تأليف أو مسوَّدة، وكان اسم تلك المسوَّدة:(طرائف المقال في معرفة طبقات الرجال)، ومؤلِّفه هو السيد علي أكبر بن محمد شفيع الموسوي، وكان معاصراً للشيخ الأنصاريرضي‌الله‌عنه ، هذا الكتاب المكتوب بحروف صغيرة، هو نفسه الكتاب النفيسطبقات الرجال، وهو العمل نفسه الذي قام به المرحوم العلاّمة البروجردي، الفرق بينهما هو أنَّه بدأ بطبقات الرجال من نفسه وأنهاها برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ أي أنَّ المؤلِّف من الطبقة الأولى، وأستاذه من الطبقة الثانية، إلى أن بلغ إلى أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجعلهم من الطبقة الثلاثين. أمَّا المرحوم آية الله البروجردي، فقد بدأ بعكسه، فجعل أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الطبقة الأولى، إلى أن بلغ شيخ الطائفة، ومن شيخ الطائفة فما بعده عدّهم طبقة طبقة، فكان هو من الطبقة الثانية والثلاثين.

أمَّا فائدة هذه الطبقات، فهي أنَّها تُيسِّر حساب الأحاديث المعلولة، عندما يقرأ السند يقول: إنَّ السند خطأ - وإن كان الجميع ثُقات - واصطلاحه كان:(السند معلول) .

* بالنسبة للعُمْر المشترَك الذي عُدَّ ٣٥ عاماً، لا يمكن حساب العشرة أو الاثني عشر عاماً الأولى من عمر الراوي، رغم ما يقال عن ابن عبَّاس: إنَّ عمره عند وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ١١ أو ١٣ عاماً.

الشيخ تجليل : على أي حال، يصلح لنقل الحديث بعد عمر اثني عشر عاماً، لكن مقدار الزمان لا يختلف، هكذا نحسب مدة ٤٥٠ عاماً، فنرى كم طبقة اتصلت خلال هذه المدة.

١٢٨

* ما أردت قوله: إنَّه إذا حذفنا ١٢ - ١٥ عاماً الأولى يكون كل راوٍ قد عاصر مَن سبقه مدة عشرين عاماً فقط.

الشيخ تجليل: لكنَّه كان معاصراً خلال الخمسة وثلاثين عاماً تلك، والمفيد منها هو العشرون عاماً. على أيِ حال، لا بد من أن يطوي ١٢ عاماً الأولى ليصبح قادراً على تحمُّل الحديث.

* أي أنَّه على الفقيه أن ينتبه إلى الزمن الذي ولد فيه السكوني حتى يتسنَّى له نقل الحديث عمَّن سبقه، وأنَّه كان في سنِّ التحمُّل عند نقل الحديث.

الشيخ تجليل: نعم، وبطبيعة الحال بالترتيب نفسه الذي ذكرتُ فيه الطبقات.

* ما السبب الذي دعاه ليجعل الشيخ الطوسي نهاية الطبقات الاثنتي عشرة؟

الشيخ تجليل: لأنَّ الشيخ الطوسي كان آخر مؤلِّفي الكتب الأربعة، وعُمدة الأحاديث في الكتب الأربعة، فالكليني في الطبقة التاسعة، والصدوق في العاشرة، والمفيد في الحادية عشرة، والشيخ الطوسي في الثانية عشرة.

* ذكرتم أنَّ أحد مميِّزات المرحوم آية الله البروجردي، هو: إرجاع عدَّة روايات إلى رواية واحدة رغم تعدُّد أسانيدها. فما هي كيفية الإرجاع تلك، وما هي معاييرها؟ ثُمَّ إنَّ تَعَدُّد السند - حسب العُرف - يعني تَعَدُّد الروايات، فكيف كان يجمعها؟

الشيخ تجليل: هذا الأمر صحيح، لكن إرجاعه يرتبط بالسند أيضاً، فقد يكون سند جميع رواة ذلك الحديث منذ البداية وحتى النهاية مشترَكاً، وهذا الأمر قليل جداً، وأحياناً يكون جزء من السند مشتركاً، وأحياناً يكون آخر رواته مشتركاً؛ وهذا يدل على أنَّ الرواية واحدة. فمن الطبيعي أن يكون بعض السند مشتركاً؛ لأنَّ كل واحد من مؤلِّفي الكتب الأربعة، كالشيخ الطوسي والكليني والصدوق، كان يمتلك سنداً مستقلاً في المجاميع الأولية والأصول الأربعمائة، ولكن هذه الأسانيد المتعدِّدة جميعها تنتهي إلى مجاميع أولية؟ وهل الحديث متعدِّد في المجاميع الأولية؟ وهل للحديث الذي نقله صفوان بن يحيى في كتابه سندٌ؟ الشيخ ذكر سنده في التهذيب، والشيخ الصدوق أيضاً حدَّد سنده في كتابه (مَن لا يحضره الفقيه)، والكليني كتب سنده الصريح في متنه، لكن كتاب الكافي

١٢٩

يختلف عنهم في كونه قد أورد السند كاملاً. فعندما نفتح كتاب وسائل الشيعة ونجد الحديث في روايات متعدِّدة، فهذا لا يعني أنَّه ثلاثة أو أربعة أحاديث، بل يعني أنَّه حديث واحد رُوي بطريقة مختلفة.

ثانياً: قد يكون هناك اختلاف في السند كلِّه، فنَقَلَه الكافي بالكامل، أو ذكره الكافي والتهذيب بشكل مختلف، ثُمَّ كان آخر راوٍ لهما هو معاوية بن عمّار مثلاً، فمعاوية بن عمّار هذا لم يكن لديه راوٍ، بل كان أستاذاً في الحديث، فأخذ عنه ذلك الحديث أفراد متعدِّدون، كما يشير إلى ذلك علماء الرجال.

حدَّث معاوية بن عمَّار بهذا الحديث في مجلس شخصاً ما، ثُمَّ حدَّث به في مجلس آخر شخصاً آخر، أو أنَّ عدَّة أشخاص كانوا في مجلس واحد، كلٌ منهم ينقل مباشرة عن أستاذه، فهل يدل ذلك على أنَّه حدَّث به أربع مرَّات؟

كلا؛ لهذا فإنَّ الاشتراك في السند كلِّه أو بعضه - بعضه الذي ينتهي إلى المعصوم - حتى الاشتراك في آخر راوٍ، كل ذلك ينفي تعدُّد الحديث. طبعاً إذا كان النص واحداً.

وقد يكون النص مختلفاً تماماً أحياناً، عندئذٍ يُعلم أنَّهما حديثان. فمعاوية ابن عمار أتى الإمام الصادقعليه‌السلام يوماً، وأخذ عنه هذا الحديث، وفي يوم آخر، أخذ عنه الحديث الآخر، عندها يكون الحديث متعدِّداً. لكن أحياناً يكون النص واحداً، قد يختلف في كلمة، يُعلم حينها أنَّ شيئاً ما حدث، فاختلفتْ إمَّا خلال النسخ، أو اختلفتْ عند بعض الرواة. لهذا نشكُّ في تلك الكلمة؛ أي هل قالها الإمام الصادقعليه‌السلام بهذه الكيفية أو لا؟ فتسقط تلك الكلمة من الاعتبار، لكنَّ سقوطها الإجمالي يسقط علْمنا، بل يصبح نفياً ثالثاً، لكنَّه لا يثبت بشكل جازم إحدى تلك الروايتين،هذه هي الفائدة من إرجاع الأحاديث .

١٣٠

الفائدة الثانية للإرجاع هي: أنَّ التعدُّد يأتي بالوثوق، ولإثبات التعدُّد لابدَّ من تلك الإرجاعات؛ لنُثبت هل هذا الحديث متعدِّد أو لا.

* إذا نقل أحدُ الرواة حديثاً ناقصاً، ونقله الآخر كاملاً، فما نفعل؟

الشيخ تجليل: إذا روى راوٍ نصف الحديث، ورواه آخر بكامله، ولو كان ذلك في مجلس واحد، فإنَّ الكامل لا يُسقط الناقص. فنحن لا نأخذ الفقه من الروايات فقط، نرجع إلى الروايات فقط، ثُمَّ نستنبط، بل إنَّنا نعتقد بأنَّ الفقه لم ينقطع أبداً، بل انتقل من يدٍ إلى يدٍ، منذ عهد المعصومينعليهم‌السلام وحتى عصرنا هذا، انتقل من صدرٍ إلى صدر. بعضٌ كَتَبَ الكتب، وبعضٌ آخر لم يكتب، ولم ينقطع وجود الفقهاء والتفقُّه أبداً، فبعض المسائل متَّفق عليها ولا تحتاج إلى دليل. فإذا استنبطتُ أنا من روايةٍ ما، فهناك روايات أخرى. فلا يمكن مخالفة فتوى ثابتة في فقه الإمامية منذ زمان المعصوم وحتى الآن بسبب رواية، حتى لو كانت صحيحة، بل تُتْرَك الرواية المُعْرَض عنها وتسقط.

* نظرية الوثوق بالأصول المُتلقَّاة، هي من النظريَّات المعروفة للمرحوم آية الله العظمى البروجردي، برأيكم لماذا لا نجد في بعض هذه الأصول المتلقَّاة روايةً صحيحة أو موثَّقة، على الرغم من أنَّ هذه الأصول مُتلقَّاة؟

الشيخ تجليل: الإجابة عن هذا السؤال تظهر في توضيح أمور ثلاثة:

١ - المرحوم العلاَّمة البروجردي كان محقَّاً في قوله إنَّه لا يوجد لدى القدماء كتاب موثَّق، والتوثيق الذي نشهده في الكتب الرِّجالية إنَّما هو استطرادي، وقد كُتِبت هذه الكتب لغرض آخر؛ فمثلاً رجال الشيخ الطوسي كُتِب لتبيان الطبقات، فقسَّم الرواة إلى مجموعات، وفصل بين أصحاب كل إمام ورتبهم، إذاً، لم يكن هدفه من تأليف كتاب الرجال التوثيق، بل إنَّه أراد تعيين الطبقات.

١٣١

أمَّا فهرست الشيخ، فواضح أنَّ الهدف منه تثبيت أسماء المؤلِّفين الشيعة؛ حيث بدأ بأسماء المؤلِّفين والمصنِّفين، ثُمَّ يذكر استطراداً كون أحدهم ثقة. وهكذا الحال مع رجال النجاشي، فرجال النجاشي هو فهرس للمؤلِّفين أيضاً. والمتعارف في الفهرسة المتأخِّرة أنَّ أسماء الكتب تأتي مفهرَسة أيضاً بالترتيب، ولكن في تلك الأزمنة القديمة لم يكونوا يدرجون أسماء الكتب بالترتيب، بل كانوا يرتِّبون الكتب حسب أسماء مؤلِّفيها. وما زال هذا مُتَّبعاً في المكتبات الكبرى، فيدوِّنون فهرساً للمؤلِّفين وآخر للكتب.

في ذلك الزمان، كانوا يكتبون التوثيق أحياناً من خلال ترجمة المؤلِّفين، أمَّا رجال الكشي، فقد أورد أيضاً الرواة الذين رووا عن المعصومينعليهم‌السلام أحاديثَهم. لهذا فنحن لا نملك أيَّ كتابٍ توثيقي لنقول: هذه توثيقات القدماء، وإذا لم نجد أحداً ما من بينهم، فهو غير موثوق، بل هناك كثير من الثقات لم يصلنا توثيقهم في الرجال.

وفي الطَّبقات التي جاءت بعد شيخ المحدِّثين، همَّ العلماءُ والفقهاء أنفسهم، فقد انتهجوا النهج نفسه في الأحاديث؛ فما دام الفقهاء لم يحرزوا الثقة بأحدٍ ما بشكل مسلَّم به، فلن يعملوا بحديثه، والوثوق لا ينحصر في قولهم: (هذا الرجل ثقة)، بل قد تحصل الثقة بكلامه وصدق قوله من العدالة وأسباب أخرى؛ ذلك لأنَّ المعيار في حُجِّـيَّة خبر الثقة ليس أمراً تعبُّديَّاً، بل المعيار هو الوثوق، فإذا تحقَّق تمَّت الحُجَّة. وقد ذكر صاحب وسائل الشيعة قرائن كثيرة تُستفاد منها وثاقة الراوي.

٢ - إنَّ مصطلح(صحيح) وجد بعد العلاَّمة الذي يُعَد من المتأخِّرين، ورأس مشايخ المتأخِّرين هو المحقِّق؛ أي أستاذ العلاَّمة. ومصطلح (صحيح) يُطلق على الحديث الذي يكون رواته عدولاً، عدولاً لا ثقات. طبعاً بعد الشيخ الأنصاري أصبح الرأي أنَّ العدالة ليست مطلوبة، بل تكفي الوثاقة، وقالوا: إنَّ كلمة(ثقة) لدى القدماء أخص من العدالة، وقد تستفاد بما هو أكثر من العدل؛ لأنَّ العدالة تتحقَّق من اجتناب الإنسان للكبائر وعدم إصراره على الصغائر. أمَّا في الثقة، فيضاف إلى ذلك أنْ يكون من أهل الضبط؛ أي مَن كان يمتلك حفظاً جيداً وضبطاً.

١٣٢

أمَّا كلمة حديث (صحيح)، قبل العلاَّمة، فكان لها معنى آخر؛ كانت تعني أنَّه حديث موثوق به، وله حجِّـيَّته من أيِّ ناحية كانت، إنْ كان راويه عادلاً أم لا.

ومهما كان الطريق الذي ثبتت به حجِّـيَّته، ولو بعمل الأصحاب، فنقول: عمل الأصحاب يجبر ضعف السند، ومن أيِّ ناحية ثبت لنا صحة السند، فهو حديث صحيح، لا فرق إن كان ثقة أم لا.

٣ - إنَّ مبدأ المرحوم العلاَّمة البروجردي في الأصول المُتلقَّاة، يقوم على تقسيمه للفتاوى الفقهية إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأوَّل هو مجموعة من فتاوى فقهاء الشيعة، كانت متلقَّاة من المعصوم يداً بيد، من دون أيِّ تصرُّف، حتى أنَّهم لم يكونوا يغيِّرون تعبيرات تلك الفتاوى. فهو يقول: إنَّ الشيخرضي‌الله‌عنه يكتب في أول كتابهالمبسوط ، منتقداً الفقهاء الشيعة لأنَّهم لا يبدون آراءهم الخاصة في مؤلَّفاتهم، بل يذكرون كل ما أخذوه عن المعصومعليه‌السلام فقط، فكتب كتابالمبسوط في الردِّ على هذا الانتقاد، ثُمَّ شرع باشتقاق الفروع.

نحن نعلم أنَّ فقهاء الشيعة لا يعدُّون القياس والاستحسان حُجَّة، ولهذا فإنَّهم يأخذون المسائل التعبُّدية عن الإمام المعصومعليه‌السلام كما هي، فعندما نرى فتوى قد جرت في الكتب الفقهية من عصر إلى آخر، نعلم أنَّها صدرت عن الإمام المعصومعليه‌السلام ؛ سواء كان فيها حديث من بين الأحاديث الموجودة بين أيدينا أم لم يكن.

إنَّ ثبات فتاوى الفقهاء نفسه في المسائل التعبُّدية - من قبل جميع الفقهاء، وفي جميع العصور - التي لم تؤخذ إلاّ من المعصومينعليهم‌السلام ؛ هو دليل على كونها من كلام المعصومعليه‌السلام ، وهي حُجَّة بالنسبة لنا. إنَّه كان يرى، في مثل هذه المسائل، أنَّ الشهرة حُجَّة.

فضلاً عن ذلك، لا يوجد حديث موثَّق - بين الأحاديث التي بين أيدينا - يدل عليه. أمَّا الأحاديث غير الموثَّقة، فكثير منها يدل عليه. فكيف يمكنك دعوى عدم وثاقة الحديث الذي لم تجد توثيقاً لبعض رواته؛ ذلك لأنَّ التوثيق لا يقتصر على ما وصلنا فقط، ثُمَّ إذا كان الراوي ليس بثقة، وثَبَتَ صدقه من طريق آخر، فمن البديهي أنَّ هذه الشهادة ستكون توثيقاً له.

١٣٣

القسم الثاني من الفتاوى هو الفتاوى التفسيرية، وهي الفتاوى التي تُؤخذ عن المعصوم بألفاظها نفسها، لكن هناك وثائق ومصادر لكلام المعصومعليه‌السلام فسَّرها الفقهاء، ومن البديهي أنَّ تفسيرهم لها لا يُعدُ حُجَّة لدينا.

فمثلاً عنوان:(كثير السفر) غير موجود في الأحاديث، فبعض القدماء عبَّّروا بكثير السفر، وغيرهم قالوا: مَن كان سفره أكثر من حضره. فكل منهم بلغ استنباطاً معيناً، لكن النصوص ذكرت:(شغله السفر) ، و(مَن كان بيته معه) ؛ لهذا نجد أنَّ المرحوم السيد اليزدي ترك تعبير القدماء في كتابه العروة الوثقى، واتخذ من العنوانين الأخيرين معياراً. وفقهاء آخرون اقتدوا بالسيد اليزدي. إذاً، القسم الثاني - أي التفسير - ليس حُجَّة أيضاً.

القسم الثالث من الفتاوى هو الفتاوى التفريعية، وهي الفتاوى التي لم تكن مأثورة بعينها عن المعصومعليه‌السلام ، لكنَّها استُنْبطت من المسائل الأصلية، وتفرَّعت عنها. وقد يقع خطأ في هذا التفريع أيضاً؛ لهذا فإنَّ التفريع الموجود في كتب القدماء لا يعد حُجَّة عندنا، بل علينا أن نتأكَّد بأنفسنا من صحَّة ذلك التفريع.

* أي أنَّهم اجتهدوا في حقيقة الأمر؟

الشيخ تجليل: نعم، اجتهدوا.

* إذاً، بعد هذه الأمور الثلاثة التي ذكرتموها، ينتهي رأيه في الفتاوى الأصلية التعبُّدية، التي لا مجال فيها لحكم العقل وآراء العقلاء وغير ذلك.

الشيخ تجليل: إنَّ رسوَّ الفتاوى على مسألةٍ ما؛ يدلُّ على كونها من قول المعصومعليه‌السلام ، ومن الطبيعي أنَّ عدالة الفقهاء لا تسمح بالكذب على المعصومعليه‌السلام ، وكانوا لا يرون في الاستحسان والقياس حُجَّة، بل كان تعبُّدهم بكلام المعصوم إلى درجة أنَّهم كانوا يستعملون لفظ المعصوم نفسه؛ ما عرَّضهم لطعن فقهاء أهل السُّـنَّة واتهامهم بأنَّهم ليسوا من أهل الرأي.

١٣٤

* كان المرحوم آية الله العظمى البروجردي يهتم بما اشتهر بين القدماء، ولا يهتم بما اشتهر بين المتأخرين، ولا بإجماعهم، فهل كان يتصوَّر أنَّ الشهرة بين القدماء تعني الأصول المُتلقَّاة؟

الشيخ تجليل: نعم، أولئك أخذوا من المعصومعليه‌السلام يداً بيد. أمَّا المتأخرون، فقد استنبطوا، وليس لدى المتأخرين ما يضيفونه، كل ما هو موجود هو ما بين أيدينا، وعلينا أن نعود إلى الماضي في استنباطنا، أن نفترض أنفسنا في عصر العلاَّمة، وقبله في عصر شيخ الطائفة؛ لأنَّ النصوص الموجودة هي ما كان موجوداً في أيدي المتقدِّمين نفسه، ومن هنا لا تُعدُّ شهرة المتأخرين حُجَّة لدينا.

* ما هو الفرق بين كتب الفهرسة وكتب الرجال؟ فقد قلتم: إنَّ تلك تبيِّن الطبقات والأخرى تذكر فهرساً بالمؤلِّفين. فلماذا يولي بعض الأساتذة كتب الفهرسة وتوثيقاها اهتماماً أكثر من كتب الرجال؟

الشيخ تجليل: الكتب الرجالية التي كانت بين القدماء، مثل رجال الشيخ الطوسي وفهرست النجاشي، وليس لدينا كتب رجالية سواها.

* يُطرح في بعض الدروس، أنَّ الفرق بين كتب الرجال والفهارس، هو أنَّ المؤلِّف لكتب الرجال يهتم بالطبقات، في حين أنَّ الفهارس تعطي نبذة عن المؤلِّف أيضاً؛ ولهذا فإنَّ الآراء المطروحة في الفهارس أكثر دقَّة، فما هو رأيكم؟

الشيخ تجليل: الفهارس لا تتحدَّث عن الأشخاص وسِيَرِهم، بل تُفهرس أسماء المؤلِّفين. فأكثر ما كان النجاشي يهتم به هو أن يصل بسنده إلى صاحب الكتاب، ولم يعطِ رأيه بتوثيق أحدٍ ما، فلا يبحث الفهرس عن وثاقة ثقة الراوي، بل قد يقول استطراداً: إنَّه ثقة، لكن هدف الكتاب ليس التوثيق؛ لهذا ليس بين أيدينا كتب رجال، سوى رجال الشيخ، وتوثيقاته أيضاً قليلة.

١٣٥

* في بعض الموارد يكون الراوي مجهولاً في كتب الرجال والفهارس؛ أي أنَّ اسمه موجود في سند الروايات، لكن إذا راجعتَ كتب الرجال لا تجد له توثيقاً.

الشيخ تجليل: قد ذكرتُ لكم أنَّ النجاشي جمع أسماء المؤلِّفين فقط، وكثير من الرواة لم يكونوا مؤلِّفين. أمَّا المعاجم المتأخرة للرجال - بعد العلاَّمة - مثل رجال الاسترابادي، ورجال المامقاني، فقد حاولتْ الاستيعاب أكثر؛ لأنَّهم كانوا متأخِّرين من حيث الزمان، فأتوا بأسماء الرجال الذين أتوا في ما بعد.

ثُمَّ إنَّهم تتبَّعوا الأسانيد، واستخرجوا ما فيها من أسماء، مؤلِّفين كانوا أم غير ذلك. لهذا نجد - على ما أذكرُ - ستة آلاف شخص، تقريباً، في رجال المامقاني، في حين أنَّ عددهم كان قليلاً جداً في كتب القدماء.

إذاً، ليس كل راوٍ ورد اسمه في سند الرواية نجده في كتب الرجال، وإذا ورد اسمه في كتب الرجال، فبشكل إضافي عرضي. كما أنَّ أسماء كثير من الرواة ورد، لكن من دون أي شرح عن سِيَرِهم. لمجرد وجود اسمه في السند، أدخل في الرجال. وعلى أيِّ حال، إذا لم يرد اسم أحد الرواة، لا يُعدُّ ذلك جرحاً فيه.

* بما أنَّه يوجد في الروايات والمتون اختلاف بين النُّسخ، ونقل بالمعنى، فما هو الحل للمشكلات الناشئة عن ذلك؟ علماً بأنَّ اختلاف النُّسخ قد يُغيِّر المعنى أحياناً، فماذا تقترحون من حلول لتكون تلك الروايات حُجَّة عندنا؟

الشيخ تجليل: إذا كان هذا الاختلاف في سند الرواية، فعندها ينشأ علم إجمالي يوجب التردُّد والشك في السند الواقعي لهذا الحديث، وبالتالي لا نعلم مَن هُم رواته.

١٣٦