شرح زيارة آل ياسين

شرح زيارة آل ياسين28%

شرح زيارة آل ياسين مؤلف:
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
الصفحات: 136

شرح زيارة آل ياسين
  • البداية
  • السابق
  • 136 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 62331 / تحميل: 5815
الحجم الحجم الحجم
شرح زيارة آل ياسين

شرح زيارة آل ياسين

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

فالميثاق هو العهد الذي يعطيه الطرف ويثق به صاحب الحق ، وصاحب الحق الأكبر هو الله تعالى ، وقد أخذ الميثاق على بني آدم قبل أن يخلقهم في الأرض ، وجعله أمانة عند ملك من ملائكته ، ثم حول هذا الملك الى جوهرة وجعلها في ركن الكعبة ، فلمسها الناس فاسودَّت!

روى أحمد « ١ / ٣٠٧ » : « أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال الحجر الأسود من الجنة وكان أشد بياضاً من الثلج ، حتى سودته خطايا أهل الشرك ».

وروينا في الكافي « ٤ / ١٨٤ » : « إن الله عز وجل حيث أخذ ميثاق بني آدم دعا الحجر من الجنة ، فأمره فالتقم الميثاق ، فهو يشهد لمن وافاه بالموافاة.

وقال الإمام الصادق عليه‌السلام : إن الله تبارك وتعالى وضع الحجر الأسود ، وهي جوهرة أخرجت من الجنة إلى آدمعليه‌السلام فوضعت في ذلك الركن لعلة الميثاق ، وذلك أنه لما أخذ من بني آدم من ظهورهم ذريتهم حين أخذ الله عليهم الميثاق في ذلك المكان ، وفي ذلك المكان تراءى لهم ، ومن ذلك المكان يهبط الطير على القائمعليه‌السلام فأول من يبايعه ذلك الطائر وهو والله جبرئيلعليه‌السلام ، وإلى ذلك المقام يسند القائم ظهره. وهو الحجة والدليل على القائم ، وهو الشاهد لمن وافاه في ذلك المكان ، والشاهد على من أدى إليه الميثاق والعهد الذي أخذ الله عز وجل على

٨١

العباد. وأما القُبلة والإستلام فلعلة العهد ألا ترى أنك تقول : أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته ، لتشهد لي بالموافاة ».

كل ما نفعله هنا اخترناه في عالم الذر والميثاق

في الكافي « ١ / ٤٢٨ » عن الإمام الصاق عليه‌السلام : « في قول الله عز وجل :لايَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ، يعني في الميثاق. أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً ، قال : الإقرار بالأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام وأمير المؤمنين خاصة ، قال : لاينفع إيمانهالأنها سُلبته ».

ومعنى ذلك : أن الأصل في الأعمال والجزاء ، امتحاننا في عالم الذر والميثاق ، وحتى لو آمن الإنسان في الدنيا وأقر بالأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام ولم يكن آمن بهم في عالم الذر ، فلا ينفعه ذلك ، لأنه يُسلب منه قبل موته!

كل مقادير الإنسان اختارها في عالم الميثاق

في الكافي « ٥ / ٥٠٤ » : « عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : كان علي بن الحسينعليه‌السلام لا يرى بالعزل بأساً ، فقرأ هذه الآية :وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى . فكل شئ أخذ الله منه الميثاق فهو خارج ، وإن كان على صخرة صماء ».

٨٢

وفي الكافي « ٦ / ١٢ » : « عن سلام بن المستنير قال : سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول الله عز وجل :مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ، فقال : المخلقة هم الذر الذين خلقهم الله في صلب آدمعليه‌السلام أخذ عليهم الميثاق ثم أجراهم في أصلاب الرجال وأرحام النساء ، وهم الذين يخرجون إلى الدنيا حتى يسألوا عن الميثاق. وأما قوله : وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ، فهم كل نسمة لم يخلقهم الله في صلب آدمعليه‌السلام حين خلق الذر وأخذ عليهم الميثاق. وهم النطف من العزل ، والسقط قبل أن ينفخ فيه الروح والحياة والبقاء ».

أول من أجاب من المخلوقات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

في الكافي « ١ / ٤٤١ » عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : « إن بعض قريش قال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : بأي شئ سبقت الأنبياء وأنت بعثت آخرهم وخاتمهم؟ قال : إني كنت أول من آمن بربي ، وأول من أجاب حين أخذ الله ميثاق النبيين وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى ، فكنت أنا أول نبي قال بلى ، فسبقتهم بالإقرار بالله ».

٨٣

وأول من أجاب من الملائكة مَلك الميثاقعليه‌السلام

كما ورد أن أول من أجاب من الملائكة كان الملك الذي حوله الله الى الحجر الأسود ، ففي الكافي « ١ / ١٨٥ » عن الإمام الصادق عليه‌السلام : « كان ملكاً من عظماء الملائكة عند الله فلما أخذ الله من الملائكة الميثاق ، كان أول من آمن به وأقر ذلك الملك ، فاتخذه الله أميناً على جميع خلقه ، فألقمه الميثاق وأودعه عنده ، واستعبد الخلق أن يجددوا عنده في كل سنة الإقرار بالميثاق والعهد الذي أخذ الله عز وجل عليهم ».

أخذ الله ميثاق النبيين على الإقرار بنبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله

ذكر القرآن أنواعاً من المواثيق التي أخذها الله على عباده.

منها على الأنبياء بالطاعة :وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَامَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ . « آل عمران : ٨١ ».

وروت أحاديثنا كيف أخذ الله ميثاق الأنبياء عليهم‌السلام لسيد الرسل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله . ففي الكافي « ٨ / ١٢١ » أن نافعاً القسيس كان مع الخليفة هشام بن عبد الملك في مكة فسأل الإمام الباقر عن المدة بين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وبين عيسى عليه‌السلام فقال له :

٨٤

« بقولكم ست مئة سنة ، وبقولنا خمس مئة. فقال : أخبرني عن قول الله عز وجل لنبيه :وَاسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ . من الذي سأل محمد وكان بينه وبين عيسى خمس مائة سنة؟ قال : فتلا أبو جعفرعليه‌السلام هذه الآية :سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ . فكان من الآيات التي أراها الله تبارك وتعالى محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله حيث أسرى به إلى بيت المقدس أن حشر الله عز ذكره الأولين والآخرين من النبيين والمرسلينعليهم‌السلام ، ثم أمر جبرئيلعليه‌السلام فأذن شفعاً وأقام شفعاً وقال في أذانه حي على خير العمل ، ثم تقدم محمد فصلى بالقوم فلما انصرف قال لهم : على مَ تشهدون وما كنتم تعبدون؟ قالوا : نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك رسول الله ، أخذ على ذلك عهودنا ومواثيقنا ، فقال نافع : صدقت يا أبا جعفر ».

وأخذ الله ميثاق النبيين على نصرة نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله في الرجعة

ومن أعجب المواثيق أن الله تعالى أخذ ميثاق الأنبياءعليهم‌السلام على نصرة النبي وآلهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الرجعة ، التي ستكون في المستقبل!

٨٥

روى في مختصر بصائر الدرجات للحسن بن سليمان / ١٦٨ ، بسنده عن الإمامين الباقر والصادق عليه‌السلام في قوله تعالى :وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ : قال : ما بعث الله نبياً من لدن آدم فهلم جراً ، إلا ويرجع إلى الدنيا فيقاتل وينصر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنينعليه‌السلام ».

فالله يعلم كيف ستكون تلك الرجعة وكيف يكون مجتمعها ، ولكن أحاديثها العديدة تدل على أن أمرها يحتاج الى إحياء الأنبياء كلهمعليهم‌السلام ورجوعهم الى الدنيا ، وجهاد أعدائهم من جديد ، ويكون الرسول نبينا محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحامل رايته عليعليه‌السلام !

وفي مختصر بصائر الدرجات / ٣٢ ، عن أبي حمزة الثمالي عن الإمام الباقر عليه‌السلام قال : قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام ، من حديث :

قد نصرت محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله وجاهدت بين يديه وقتلت عدوه ، ووفيت لله بما أخذ عليَّ من الميثاق والعهد والنصرة لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وإن لي الكرة بعد الكرة والرجعة بعد الرجعة ، وأنا صاحب الرجعات والكرات ، وصاحب الصولات والنقمات ، والدولات العجيبات ، وأنا قرن من حديد ، وأنا عبد الله وأخو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

٨٦

وأخذ الله ميثاق المؤمنين على البلايا والتحمل والصمت

قال الإمام الصادق عليه‌السلام : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله أخذ ميثاق المؤمن على بلايا أربع ، أيسرها عليه مؤمنٌ يقول بقوله يحسده ، أو منافقٌ يقفو أثره ، أو شيطانٌ يغويه أو كافرٌ يرى جهاده ، فما بقاء المؤمن بعد هذا » « الكافي « ٢ / ٢٤٩ ».

وفي رسائل الشهيد الثاني / ٣٣١ ، عن علي عليه‌السلام : « أخذ الله ميثاق المؤمن أن لا يصدق في مقالته ولا ينتصف له من عدوه ، وعلى أن لا يَشفى غيظَه إلا بفضيحة نفسه ، لأن كل مؤمن ملجم ، وذلك لغاية قصيرة وراحة طويلة ».

وميثاق المؤمنين على محبة بعضهم

في علل الشرائع « ١ / ٨٤ » عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : « إن الله تبارك وتعالى أخذ ميثاق العباد وهم أظلة قبل الميلاد ، فما تعارف من الأرواح ائتلف ، وما تناكر منها اختلف ».

وميثاق المؤمنين على محبة عليعليه‌السلام

في كتاب الغارات للثقفي « ٢ / ٥٢٠ » : « عن حبة العرني عن عليعليه‌السلام قال : إن الله أخذ ميثاق كل مؤمن على حبي ، وأخذ ميثاق كل منافق على بغضي ، فلو ضربت وجه المؤمن بالسيف ما أبغضني ، ولو صببت الدنيا على المنافق ما أحبني ».

٨٧

وميثاق الخلق على الإقرار بنبينا وآلهصلى‌الله‌عليه‌وآله

وفي الكافي « ٢ / ٨ » عن الإمام محمد الباقر عليه‌السلام قال : « إن الله تبارك وتعالى حيث خلق الخلق خلق ماء عذباً وماء مالحاً أجاجاً ، فامتزج الماءان ، فأخذ طيناً من أديم الأرض فعركه عركاً شديداً ، فقال لأصحاب اليمين وهم كالذر يدبون : إلى الجنة بسلام ، وقال لأصحاب الشمال : إلى النار ولا أبالي ، ثم قال :أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ . ثم أخذ الميثاق على النبيين ، فقال : ألست بربكم وأن هذا محمد رسولي ، وأن هذا علي أمير المؤمنين؟ قالوا : بلى. فثبتت لهم النبوة. وأخذ الميثاق على أولي العزم أنني ربكم ومحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله رسولي ، وعلي أمير المؤمنين ، وأوصياؤه من بعده ولاة أمري وخزان علمي ، وأن المهدي أنتصر به لديني وأظهر به دولتي وأنتقم به من أعدائي ، وأُعبد به طوعاً وكرهاً؟ قالوا : أقررنا يا رب وشهدنا ».فالإيمان بالمهدي عليه‌السلام من ميثاق الله تعالى.

٨٨

أما ميثاق المواثيق فهو : ولاية أهل البيتعليهم‌السلام

كل ميثاق أخذه الله فهو ميثاق الله وله حرمته ، لكن ولاية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيتهعليهم‌السلام ميثاق المواثيق ، لأنها مفتاح الإقرار بالتوحيد والنبوة والمعاد ، ومفتاح العبادة الصحيحة التي يريدها الله تعالى ، فهي الميثاق الأهم عملياً ، ولذلك استحقت أن تكون ميثاق الله على الإطلاق ، وصح أن نقول للإمام المهديعليه‌السلام : السلام عليك يا ميثاقَ الله.

قال الإمام الباقر عليه‌السلام كما في الكافي « ٢ / ١٨ » : « بني الإسلام على خمسة أشياء : على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية ، قال زرارة : فقلت وأي شئ من ذلك أفضل؟ فقال : الولاية أفضل لأنها مفتاحهن والوالي هو الدليل عليهن. قلت : ثم الذي يلي ذلك في الفضل؟

فقال : الصلاة ، إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : الصلاة عمود دينكم.

قال قلت : ثم الذي يليها في الفضل؟ قال : الزكاة ، لأنه قرنها بها وبدأ بالصلاة قبلها ، وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الزكاة تذهب الذنوب.

قلت : والذي يليها في الفضل؟ قال : الحج ، قال الله عز وجل :وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِىٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ . وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لحَجَةَّ ٌمقبولة خير من عشرين صلاة

٨٩

نافلة ، ومن طاف بهذا البيت طوافاً أحصى فيه أسبوعه وأحسن ركعتيه غفر الله له. وقال في يوم عرفة ويوم المزدلفة ما قال.

قلت : فماذا يتبعه؟ قال : الصوم. قلت : وما بال الصوم صار آخر ذلك أجمع؟ قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الصوم جنة من النار.

قال ثم قال : إن أفضل الأشياء ما إذا فاتك لم تكن منه توبة دون أن ترجع إليه فتؤديه بعينه ، إن الصلاة والزكاة والحج والولاية ليس يقع شئ مكانها دون أدائها ، وإن الصوم إذا فاتك أو قصرت أو سافرت فيه أديت مكانه أياماً غيرها ، وجزيت ذلك الذنب بصدقة ولا قضاء عليك ، وليس من تلك الأربعة شئ يجزيك مكانه غيره.

قال ثم قال : ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه ، وباب الأشياء ورضا الرحمن : الطاعة للإمام بعد معرفته ، إن الله عز وجل يقول :مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً . أما لو أن رجلاً قام ليله وصام نهاره وتصدق بجميع ماله وحج جميع دهره ، ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه ، ويكون جميع أعماله بدلالته إليه ، ما كان له على الله عز وجل حق في ثوابه ، ولا كان من أهل الإيمان. ثم قال : أولئك المحسن منهم يدخله الله الجنة بفضل رحمته ».

٩٠

المواثيق العامة والمواثيق المؤكدة

الميثاق بنفسه عهد مؤكد ، والميثاق المؤكد هو المشدد ، وقد ذكر القرآن نوعين منه ، أحدهما في حقوق الزوجة فعقد الزواج ميثاق غليظ ، قال تعالى : وَكَيْفَ تَأخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظاً .

ووصف العهد الذي أخذه الله على الأنبياء لنصرة نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال :وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ اقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِى قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ . « آل عمران : ٨١ ».

قال في الفروق اللغوية / ٥٢٥ : « قال بعضهم : العهد يكون حالاً من المتعاهدين ، والميثاق يكون من أحدهما ».

معنى : السلام عليك يا ميثاق الله

معناه : أنت ياسيدي الحلقة الأخيرة والحاسمة في الميثاق الذي أخذه الله لجدك محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله على الأنبياء والعباد ، وأكد عليهم العمل به.

وهو ميثاق ثقيل يوجب على الجميع الإقرار والطاعة.

وهذا الميثاق ياسيدي متجسد فيك ، فأنت ميثاق الله تعالى.

وأنا يا سيدي وفيٌّ لميثاقي في الإقرار بكم ، ونفسي وأهلي ومالي فداءٌ لكم ، ونصرتي لكم معدة ، وأنا رهن أمرك.

٩١

« ٩ » السلام عليك يا وعدَ الله الذي ضَمِنَه

الوعد الإلهي بدولة العدل

في القرآن الكريم بضع آيات تؤكد على الوعد بدولة العدل الإلهي في الأرض ، كقوله تعالى :هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللهِ شَهِيداً .

وقال تعالى :وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ الصَّالِحُونَ . « الأنبياء : ١٠٥ » وهي مطلقة ، تشمل الوراثة في الدنيا والآخرة.

وقال تعالى :وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ . « البقرة : ٣٠ ».

فلم ينفِ الله عز وجل إفساد بني آدم في الأرض وسفكهم الدماء ، لكنه قال للملائكة إني أعلم ما لاتعلمون ، أي أن ذلك سيكون الى وقت معين ، ثم أنهيه وأقيم دولة العدل في الأرض!

وقال تعالى : وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى

٩٢

لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِى لا يُشْرِكُونَ بِى شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. « النور : ٥٥ ».

وهو وعدٌ للمؤمنين من أمة نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله بأن ينصرهم بعد خوفهم ، ويمكِّن لهم دولة العدل ، فلا يكفر بعدها إلا قلة شاذة.

وقال تعالى :مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الآنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا . « الفتح : ٢٨ ـ ٢٩ ».

فالذين معه هم لا بد أن يكونوا منظومة الأئمة من عترته ، وهم غير الصحابة الذين آمنوا معه ، وهم شطأ شجرته أي أولادها ، وهم الرحماء بينهم ، والصحابة أشداء بينهم.

وقد وعد الله تعالى أن يغيظ بهم الكفار ، وهو الى الآن لم يحصل.

وقال تعالى :وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَاكَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ . « هود : ٨ ».

٩٣

والآية تدل على أن هذا العذاب حتمي على فجار هذه الأمة ، وأنه لم يرفع ولكنه أُخر الى وقته ، وسيكون على يد أمة معدودة من الناس.

وقد ورد تفسير الأمة المعدودة بأنهم أصحاب المهديعليه‌السلام .

وفسر بعضهم الأمة بالمدة ، ولا يصح لأنها لم ترد بمعنى المدة.

الى غير ذلك من آيات الوعد الإلهي بدولة العدل ، والتي لم يَدَّعِ أحد أنها تكون إلا على يد المهدي عليه‌السلام ، وأيدت ذلك الأحاديث المفسرة لها.

تأكيد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة عليهم‌السلام على حتمية الوعد الإلهي

عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « سيكون من بعدي خلفاء ومن بعد الخلفاء أمراء ومن بعد الأمراء ملوك ومن بعد الملوك جبابرة ، ثم يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ». « الكبير للطبراني : ٢٢ / ٣٧٥ ».

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ويحُ هذه الأمة من ملوك جبابرة ، كيف يقتلون ويخيفون المطيعين إلا من أظهر طاعتهم ، فالمؤمن التقي يصانعهم بلسانه ويفر منهم بقلبه. فإذا أراد الله عز وجل أن يعيد الإسلام عزيزاً ، قصم كل جبار ، وهو القادر على ما يشاء أن يصلح أمةً بعد فسادها.

٩٤

فقالعليه‌السلام : يا حذيفة لو لم يبق من الدنيا إلايوم واحد لطوَّلَ الله ذلك اليوم حتى يملك رجل من أهل بيتي ، تجري الملاحم على يديه ويظهر الإسلام ، لايخلف وعده وهو سريع الحساب ». « مسند أحمد : ١ / ٩٩ ».

وفي مسند البزار « ٢ / ١٣٤ » : « لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملأها عدلاً كما ملئت جوراً ».

وبشر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة عليها‌السلام فقال لها : « نبينا خير الأنبياء وهو أبوك ، وشهيدنا خير الشهداء وهو عم أبيك حمزة ، ومنا من له جناحان يطير بهما في الجنة حيث يشاء ، وهو ابن عم أبيك جعفر ، ومنَّا سبطا هذه الأمة الحسن والحسين ، وهما إبناك ، ومنا المهدي ». « الطبراني الصغير : ١ / ٣٧ ».

وفي أمالي الطوسي : ١ / ٣٦١ ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى من حديث جاء فيه : « معاشر المؤمنين أبشروا بالفرج ، فإن وعد الله لا يخلف ، وقضاءه لا يرد ، وهو الحكيم الخبير ، فإن فتح الله قريب. اللهم إنهم أهلي ، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. اللهم أكلأهم وارعهم وكن لهم ، وانصرهم وأعنهم وأعزهم ولا تذلهم ، واخلفني فيهم. إنك على كل شئ قدير ».

هذا ، وقد عقدنا فصلاً في معجم أحاديث الإمام المهديعليه‌السلام / ١٧٥ ، لبشارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة من أهل بيته عليهم‌السلام ، بالمهدي عليه‌السلام .

٩٥

الوعد الإلهي فوق المحتوم

في غيبة النعماني / ٣١٥ ، عن الإمام الجواد عليه‌السلام قال : « قلنا له : فنخاف أن يبدو لله في القائم. فقال : إن القائم من الميعاد ، والله لايخلف الميعاد ».

وقد تسأل عن وصف الوعد بالمضمون مع أن كل وعد إلهي مضمون.

والجواب : أن وصفه بالمضمون ليس لوجود وعد غير مضمون ، بل لبيان أن ضمان الوعد بدولة العدل أمر كبير معقد ، لكنه على الله تعالى هَيِّنٌ ، فهو سبحانه يملك كل الأوراق ، وسيدير حياة الإنسان ومجتمعه حتى تخضع لدوله المهديعليه‌السلام وينهي الظلم ويقيم دولة العدل.

* *

٩٦

« ١٠ » السلام عليك أيُّهَا العَلَمُ المَنْصُوب

والعِلْمُ المَصْبُوب ، والغَوْثُ والرحمةُ الواسعة ، وعداً غيرَ مكذوب

معنى العَلَمُ المنصوب

العَلَم المنصوب : الإمام الذي نصبه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأمته عَلَماً ، تهتدي به في طريقها ، فهو وصيه وخليفته في أمته ، تتلقى منه معالم دينها وتطيعه.

قال حذيفة في حديثه : « فخرجنا إلى مكة مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في حجة الوداع فنزل جبرئيل فقال : يا محمد إن ربك يقرؤك السلام ويقول : أنصب علياً عَلَماً للناس ، فبكى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى اخضلت لحيته ، وقال : يا جبرئيل إن قومي حديثوا عهد بالجاهلية ، ضربتهم على الدين طوعاً وكرهاً حتى انقادوا لي ، فكيف إذا حملت على رقابهم غيري ، قال : فصعد جبرئيل الى آخر الحديث ». « إقبال الأعمال : ٢ / ٢٤٠ ».

وفي الحديث القدسي في المعراج : « فانصب علياً علماً لعبادي ، يهديهم إلى ديني ». « الجواهر السنية / ٥٨٧ ».

٩٧

والإمام المهديعليه‌السلام منصوب من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إماماً نصباً مباشراً بنصه عليه ، ونصباً غير مباشر لأنه منصوب من أبيه وأجداده حتى يصل الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله . فالمعنى :السلام عليك يا من نصبه رسول الله إماماً وَعَلَماً .

معنى : العِلْمُ المَصْبُوب

قال الله تعالى :فَلْيَنظُرِ الاِْنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ. أنَّا صَبَبْنَا الْمَآءَ صَبًّا. ثُمَّ شَقَقْنَا الاَْرْضَ شَقًّا. فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا. وَعِنَبًا وَقَضْبًا . « عبس : ٢٤ ـ ٢٨ ».

وقد فسر اللغويون صب الماء بالسكب ليكون مهيأً للشرب أو الإستفادة ، فيكون معنى أن الإمامعليه‌السلام هو العِلْمُ المصبوب : أنه صاحب عِلْمٍ رباني وافر متنوع ، مسكوب للناس ومهيأ لاستفادتهم ، في المكان المناسب ، والقدر اللازم لحاجتهم.

فالتعبير بالصب يشير الى أن مصدر العلم هو الله تعالى ، ويشير الى الحكمة في تيسيره. والتعبير بأن الإمام هو العلم يشير الى كثرة علمه ودوامه كما تقول : زيدٌ عدلٌ ، أي شديد العدالة دائمها.

كما أن العلم المصبوب يقابل العلم المخزون أوالمكتوم ، ويدل على أن المهدي يتميز عن المعصومين الذين أمروا أن يكتموا بعض علمهم.

٩٨

الإمام المهدي غوث الأمة والعالم

عرَّفوا الغوث بأنه : نصرة المضطر عند الشدة. « مقاييس اللغة : ٤ / ٤٠٠ ». ومعناه أن الله تعالى يُغيث العباد بالإمام المهديعليه‌السلام ، فيخلصهم من شدائدهم التي تورطوا فيها.

وفي حديث عقد الددر للسلمي / ٩٠ ، عن عليعليه‌السلام قال : « فيأمر الله عز وجل جبريلعليه‌السلام فيصيح على سور مسجد دمشق : ألا قد جاءكم الغوث يا أمة محمد ، قد جاءكم الغوث يا أمة محمد ، قد جاءكم الفرج ، وهو المهدي ، خارجٌ من مكة فأجيبوه ».

وقد وردت الإستغاثة به بعد زيارتهعليه‌السلام : « يا مولاي يا صاحب الزمان ، الغوثَ الغوثَ الغوث ، أدركني أدركني أدركني ». « مزار المشهدي / ٥٩١ ».

وفي نسخة : الأَمَانَ الأَمَانَ الأَمَانَ. السَّاعَةَ السَّاعَةَ السَّاعَةَ ، الْعَجَلَ الْعَجَلَ الْعَجَلَ.

أما المتصوفة فقد صادروا لقب الغوث ، وسموا به رئيسهم!

ففي تهذيب ابن عساكر « ١ / ٦٢ » : « النقباء ثلاث مائة والنجباء سبعون ، والبدلاء أربعون ، والأخيار سبعة ، والعمد أربعة ، والغوث واحد ، فمسكن النقباء المغرب ، ومسكن النجباء مصر ، ومسكن الأبدال الشام ، والأخيار سياحون في الأرض ، والعُمُد في زوايا الأرض. ومسكن الغوث

٩٩

مكة ، فإذا عرضت الحاجة من أمر العامة ابتهل فيها النقباء ، ثم النجباء ، ثم الأبدال ثم الأخيار ، ثم العُمُد ، فإن أجيبوا وإلا ابتهل الغوث ، فلا تتم مسألته حتى تجاب دعوته ».

أقول : هذه المناصب افتراضية منهم ، وكذلك ما زعموه للغوث ، وقد يسمونه القطب ، وقولهم إنه لا ترد له دعوة تعني أنه معصوم!

الإمام المهدي : الرحمة الواسعة

قد يقال كيف يوصف الإمام المهديعليه‌السلام بأنه الرحمة الواسعة ، وهو النقمة الإلهية من الظالمين والعصاة؟

ففي الكافي « ٨ / ٢٣٣ » عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : « إذا تمنى أحدكم القائم فليتمنه في عافية ، فإن الله بعث محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله ويبعث القائم نقمة ».

وفي البحار « ٦٠ / ٢١٣ » عن تاريخ قم ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام : « ثم يظهر القائم ويصير سبباً لنقمة الله وسخطه على العباد ، لأن الله لا ينتقم من العباد إلا بعد إنكارهم حجة »

فهو الغضب الرباني والنقمة ، فكيف يكون الرحمة الواسعة؟

١٠٠

والجواب : أن هذه النقمة جزئية ، لأنها على بعض الكافرين والفراعنة. والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بهذا المعنى كان نقمة أيضاً ، ومع ذلك وصفه الله تعالى بأنه رحمة للعالمين فقال :وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ .

وكذلك وصف الإمام الصادق الإمام المهديعليه‌السلام كما في حديث اللوح الذي جاء به جبرئيلعليه‌السلام الى الزهراءعليها‌السلام وفيه أسماء الأئمة من أولادها : « وأكمل ذلك بابنه محمد ، رحمة للعالمين ، عليه كمال موسى ، وبهاء عيسى ، وصبر أيوب ». « الكافي : 1 / 528 ».

فكونه نقمة على بعض الفجار ، لا يمنع كونه رحمة لعامة الناس.

قال الإمام الرضا عليه‌السلام يصف نداء البشارة بالإمام المهدي عليه‌السلام : « كأني آيس ما كانوا قد نودوا نداءً يُسمع من بُعدٍ كما يُسمع من قُربٍ ، يكون رحمةً للعالمين ، وعذاباً على الكافرين ». « كمال الدين : 2 / 376 ».

معنى : وعداً غيرَ مكذوب

ورد هذا التعبير في القرآن في إنذار صالح لقومه ، قال تعالى :فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ . « هود : 65 ».

لكنه وعدٌ بالعذاب ، وهذا وعدٌ بالرحمة والرخاء.

١٠١

ولم أجد هذا التعبير في كل القرآن والسنة في غير هذين الموردين!

ومعناه وعداً قطعياً حتمياً لا يُخلف.

والتقابل بينهما هو التقابل بين العذاب والرحمة الإلهية ، وقد قال تعالى :عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَئٍ .

* *

١٠٢

الفصل الثالث :

حب المؤمن لإمامه المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وهيامه به

وهل الإيمان إلا الحب والبغض؟

حب المؤمن لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله وإمامهعليه‌السلام حبٌّ خاصٌّ ، قد يصل الى حد الهيام بشخصية الإمام الفريدة ، التي تتجسد فيها إرادة الله تعالى ، وتتجلى فيها أسماؤه وأنواره.

قال الفضيل بن يسار : « سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الحب والبغض ، أمن الإيمان هو؟ فقال : وهل الإيمان إلا الحب والبغض؟ ثم تلا هذه الآية :حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الآيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ». « الكافي : 2 / 124 ».

وفي مستدرك الحاكم « 2 / 291 » : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الشرك أخفى من دبيب الذر على الصفا في الليلة الظلماء. وأدناه أن تحب على شئ من الجوْر وتبغض على شئ من العدل. وهل الدين إلا الحب والبغض. قال الله عز وجل : قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ».

١٠٣

يتفاوت الناس في طاقة الحب والبغض!

يحتاج الإيمان الى طاقةٍ من حب الخير وبغض الشر ، تجعل الإنسان يتفاعل مع الكون والطبيعة والمجتمع ، ومع العقائد والمشاعر ، فينبض قلبه وتجيش مشاعره ، حباً للحق والخير ، وبغضاً للباطل والشر.

ويتفاوت الناس في طاقة الحب التي أعطاهم الله ، وفي تربية الشخص وتنميته لها. والبغض مثله دائماً أو غالباً.

فقويُّ العاطفة والحب ، المملوء حيويةً ، مرشحٌ لأن يكون مؤمناً متديناً. أما ضعيف العاطفة ، الذي قلما تجيش مشاعره أو ينبض قلبه ، فهو يشبه الميت ، وليس مرشحاً للإيمان أو لدرجة عالية فيه.

وقد وصف الله تعالى هذين النوعين من الناس فقال : وَمَا يَسْتَوِى الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ . « فاطر : 22 ».

وقال تعالى : أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِى بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا . « الأنعام : 122 ».

وكل إنسان لا بد أن يكون محباً لنفسه ولأنواعٍ من الخير أو الشر ، فإن وجدت شخصاً لا يحب الله ورسوله وأولياءه مثلاً ، فابحث عمن يحب بدلهم ، أو في مقابلهم!

١٠٤

ويحتاج الحب والبغض الى العقل والشرع

ولا تكفي طاقة الحب والبغض وحدها ليكون الإنسان مقبول الإيمان بل لا بد له من عقل يوجه حبه وبغضه ، ويحفظهما في نطاق الإعتدال والشرع ، وهذا معنى الحب في الله والبغض في الله عز وجل ، أي الخاضع لأحكام الشريعة ، وأوامر الله تعالى ونواهيه.

قال الإمام الباقر عليه‌السلام : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وُدُّ المؤمن للمؤمن في الله من أعظم شعب الإيمان. ألا ومن أحب في الله ، وأبغض في الله ، وأعطى في الله ، ومنع في الله ، فهو من أصفياء الله ». « الكافي « 2 / 124 ».

وروى ابن عبد البر في التمهيد « 17 / 430 » : « عن ابن مسعود قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عبد الله بن مسعود. قلت : لبيك يا رسول الله ، قال : تدري أي عرى الإيمان أوثق؟ قال قلت : الله ورسوله أعلم. قال : الولاية في الله ، والحب والبغض فيه ».

١٠٥

حب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام أرقى أنواع الحب

روى في الكافي « 8 / 78 » عن الإمام الصادق عليه‌السلام هذه الرواية العجيبة ، قال : « كان رجلٌ يبيع الزيت وكان يحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حباً شديداً ، كان إذا أراد أن يذهب في حاجته لم يمض حتى ينظر إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله !

وقد عَرف ذلك منه ، فإذا جاء تطاول له حتى ينظر إليه ، حتى إذا كان ذات يوم دخل عليه فتطاول له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى نظر إليه ، ثم مضى في حاجته فلم يكن بأسرع من أن رجع!

فلما رآه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد فعل ذلك أشار إليه بيده إجلس فجلس بين يديه فقال : مالك فعلت اليوم شيئاً لم تكن تفعله قبل ذلك؟

فقال : يا رسول الله والذي بعثك بالحق نبياً لَغَشِيَ قلبي شئٌ من ذكرك حتى ما استطعت أن أمضي في حاجتي ، حتى رجعت إليك ، فدعا له وقال له خيراً.

ثم مكث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أياماً لا يراه ، فلما فقده سأل عنه فقيل : يا رسول الله ما رأيناه منذ أيام ، فانتعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وانتعل معه أصحابه وانطلق حتى أتوا سوق الزيت ، فإذا دكان الرجل ليس فيه أحد ، فسأل عنه جيرته فقيل : يا رسول الله مات ، ولقد كان عندنا أميناً

١٠٦

صدوقاً ، إلا أنه قد كان فيه خصلة! قال : وما هي؟ قالوا : كان يرهق ، يعنون يتبع النساء. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : رحمه الله ، والله لقد كان يحبني حباً لو كان نَخَّاساً لغفر الله له ».

أقول : النخاس بائع الجواري ، وهو عادة يقع في الحرام ويرتكب الزنا معهن. ومعنى قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن حب الشاب بياع الزيت له وهيامه به ، حتى لا يستطيع أن يذهب الى عمله حتى يراه كل يوم ، هذا الحب ، يغلب ذنوبه حتى لو كانت كذنوب نخاس زناء.

ونلاحظ في الحديث شهادة رفقاء بياع الزيت بصدقه وأمانته ، فذلك من تأثير حبه للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإن بقيت عنده معاص في سلوكه.

كما نلاحظ أن مؤشرب حبه رضي الله عنه دله على أن يرى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لآخر مرة ، فرجع اليه ليراه رؤية مودع ، ثم توفي بعد ذلك!

وقال بريد بن معاوية العجليرحمه‌الله « تفسير العياشي : 1 / 167 » :

« كنت عند أبي جعفر « الإمام الباقرعليه‌السلام » إذ دخل عليه قادمٌ من خراسان ماشياً ، فأخرج رجليه وقد تغلفتا « ورمتا من المشي » وقال : أما والله ما جاء بي من حيث جئت إلا حبكم أهل البيت! فقال أبو جعفرعليه‌السلام : والله لو أحبنا حجر حشره الله معنا ، وهل الدين إلا الحب ، إن الله يقول : قُلْ

١٠٧

إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ. وقال :يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ . وهل الدين الا الحب.

وقال ربعي بن عبد الله : قيل لأبي عبد الله « الإمام الصادقعليه‌السلام » : جعلت فداك إنا نسمى بأسمائكم وأسماء آبائكم فينفعنا ذلك؟

فقال : إي والله ، وهل الدين إلا الحب؟ قال الله :قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ».

أقول : يدل قول الإمام الباقرعليه‌السلام : لو أحبنا حجر حشره الله معنا ، على أن الجمادات لها أرواح بحسبها ، كما نذهب اليه ، ولذلك قال الله تعالى : وَإِنْ مِنْ شَئٍْ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لاتَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ. كما يدل على أن الحشر يوم القيامة شامل لكل ذوات الأوراح والنبات والجماد.

وفسره بعضهم بوجه ضعيف : لو أحبنا شخص قلبه حجر ، لصلح بحبنا وحشره الله معنا ، فيكون معناه تأثير حبهمعليهم‌السلام في حسن عاقبة الإنسان.

أما معنى نفع تسمية أولادنا بأسماء أهل البيتعليهم‌السلام فهو أن ذلك يقربنا من الله تعالى فينفعنا ، كما ينفع أولادنا بتأثير وضعي وشرعي.

١٠٨

الفرق بين الحب والعشق

استعمل العرب مادة عَشِقَ في الحب المفرط ، واشتهر في حب الرجل للمرأة والعكس ، فعندما تقول فلان عاشق فمعناه مغرم بحب امرأة ، ولا يفهم منه غير ذلك إلا بقرينة. « العين : 1 / 124 ».

وقال ابن فارس « 4 / 321 » : « يدل على تجاوز حد المحبة ». ويحتمل أن يكون أصلها فارسياً ، فـ « إيشك » الفهلوية تعني غرام الرجل والمرأة.

ولم يستعمل القرآن كلمة العشق ، واستعمل بدلها مادة الحب في أكثر من سبعين مورداً ، ولعل السبب أنها أوسع منها وأكثر احتراماً.

وقد فرق ابن الرومي بين العشق فجعله للغانيات ، وجعل الحب لعلي وأهل البيت عليهم‌السلام ، قال « مناقب آل أبي طالب : 2 / 230 » :

يا هندُ لم أعشق ومثلي لا يَرَى

عِشْقَ النساءِ ، ديانةً وتحَرُّجَا

لكنَّ حبي للوصي مخيمٌ

في الصدر يسرحُ في الفؤاد تولجا

فهو السراج المستنير ومن به

سببُ النجاة من العذاب لمن نجا

١٠٩

لكن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله استعمل العشق للعبادة ، فقال « الكافي : 2 / 83 » : « أفضل الناس من عشق العبادة ، فعانقها وأحبها بقلبه ، وباشرها بجسده وتفرغ لها ، فهو لايبالي على ما أصبح من الدنيا على عسر أم على يسر ».

ونلاحظ أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله استعمل أوصاف العاشقين من المعانقة والمباشرة ، لينقل معنى العشق الجنسي الى العشق المعنوي للعبادة لتكون محبوبة العابد ، يهيم بتلاواتها ، ويأنس بركوعها وسجودها ، ويتلذذ بعطش صومه وجوعه!

كما رود عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه جعل العشق أشد درجةً من الشوق ، فقال : « إن الجنة لأشوق إلى سلمان من سلمان إلى الجنة ، وإن الجنة لأعشق لسلمان من سلمان إلى الجنة ». « روضة الواعظين / 282 ».

ليس كل عشق مذموماً

العشق المذموم : ما يصرف الإنسان عن واجب ، أو يوقعه في حرام. أما ما عداه فهو عشق حلال ، وقد يكون مستحباً ومندوباً اليه ، كما رأيت في وصف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعاشق العبادة.

وقد ذمَّ أمير المؤمنينعليه‌السلام عشق الدنيا ، وقصده الذي يسيطر على الإنسان فيرى الأمور بمنظار نفعي ، وليس بمنظار عقلاني رباني.

١١٠

قال عليه‌السلام « نهج البلاغة : 1 / 211 » : « سبحانك خالقاً ومعبوداً ، بحسن بلائك عند خلقك. خلقت داراً وجعلت فيها مأدبة : مشرباً ومطعماً ، وأزواجاً وخدماً ، وقصوراً وأنهاراً ، وزروعاً وثماراً.

ثم أرسلت داعياً يدعو إليها ، فلا الداعي أجابوا ، ولا فيما رغبت رغبوا ، ولا إلى ما شوقت إليه اشتاقوا. أقبلوا على جيفة افتضحوا بأكلها ، واصطلحوا على حبها ، ومن عشق شيئاً أعشى بصره ، وأمرض قلبه ، فهو ينظر بعين غير صحيحة ويسمع بأذن غير سميعة ، قد خرقت الشهوات عقله ، وأماتت الدنيا قلبه ، وولهت عليها نفسه ، فهو عبد لها ، ولمن في يده شئ منها »!

وقد ذمَّ الإمام الصادقعليه‌السلام العشاق الهائمين لأنهم ينشغلون بعشقهم عن ذكر الله تعالى ، ففي علل الشرائع « 1 / 140 » قال المفضل بن عمر : « سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام عن العشق فقال : قلوب خلت من ذكر الله ، فأذاقها الله حب غيره ».

١١١

وقال في عمدة القاري « 14 / 127 » : « وروى البزار بسند صحيح عن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه : من عشق وعَفَّ وكتم ومات ، مات شهيداً ».لكنه مدح لمن لم يرتكب حراماً ، ولم يرفعه الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

هذا ، وقد شاع عند الصوفية والعامة استعمال العشق للنبي وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله تعبيراً عن شدة الحب الى حد الهيام ، وقد استنكره بعضهم ، لكن لا أرى فيه بأساً ما دام المقصود منه مفهوماً. وتقدم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله استعمله للعبادة.

جاذبية شخصية الإمام المهديعليه‌السلام

تشعر وأنت تقرأ بشارة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بولده المهدي الموعودعليه‌السلام بأنه يريد أن يحببك به! فقد وصفه وصفاً معنوياً بأنه سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً. كما وصف شكله وأنه أجلى الجبهة ، أقنى الأنف ، براق الجبين ، أفرق الثنايا ، أزجُّ ، أبلج ، أعين ، في خده الأيمن خال أسود ، حسن الوجه ، وجهه كالقمر الدري ، شمائله شمائلي ، أشبه الناس بي خلقاً وخلقاً ، يُبعث وهو ما بين الثلاثين إلى الأربعين. « معجم أحاديث الإمام المهديعليه‌السلام : 2 / 516 »

١١٢

وتقرأ في زيارة آل ياسين ـ وقد رجحنا أن تكون من نص الحسين بن روحرحمه‌الله ـ سبع تسليمات على الإمامعليه‌السلام في حالاته المختلفة :

11. السلام عليك حين تقعد ، السلام عليك حين تقوم.

12. السلام عليك حين تقرأ وتُبيِّن.

13. السلام عليك حين تُصلي وتقنت.

14. السلام عليك حين تركع وتسجد.

15. السلام عليك حين تُكبِّر وتُهلل.

16. السلام عليك حين تحمد وتستغفر.

17. السلام عليك حين تمسي وتصبح.

18. السلام عليك في الليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى.

19. السلام عليك أيها الإمام المأمون.

20. السلام عليك أيها المقدم المأمول.

21. السلام عليك بجوامع السلام.

وهذه الفقرات ابتكار في عشق الإمامعليه‌السلام في حالاته المختلفة ، كالمصور الذي يركز اللقْطة على حالة خاصة ، أو لحظة خاصة.

١١٣

أو كمن يعجب بمحبوبه في حالة معينة ، فيقول له : نفسي فداك عندما تبتسم ، أو ما أجملك وأنت تتكلم ، أو ما أجمل قامتك ، وكم أكون سعيداً بالنظر اليك وأنت واقف.

واستعمل كلمة « حين » أي الوقت الذي ، وإنما قصد الفعل في ذلك الحين. والمعنى : السلام عليك وأنت تقوم بذلك في ذلك الحين.

ومعنى الفقرة الأولى :

سلام الله عليك يامولاي حين تقعد ، أي وأنت قاعد في غيبتك ، تقوم بمهامك مع الخضر وأصحابك الأبدال ، جنود الله في الغيب.

وسلام الله عليك عندما تقوم وتظهر ، وتسند ظهرك الى ركن الكعبة ، وتوجه بيانك الأول الى العالم بلغاته ، وتخاطب شعوب الأرض بأن تنصرك لتنهي الظلم وتقيم دولة العدل الإلهي.

فالفقرة تشير الى أن المهديعليه‌السلام إمام رباني سواء قام أو قعد ، وسواء غاب أو ظهر ، كما قال الإمام الحسنعليه‌السلام لمن اعترض على صلحه مع معاوية : « يا أبا سعيد ، ألستُ الذي قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لي ولأخي :

١١٤

الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا؟ قلتُ : بلى ، قال : فأنا إذن إمامٌ لو قمتُ وأنا إمامٌ لو قعدتُ.

يا أبا سعيد ، عِلَّةُ مصالحتي لمعاوية عِلة مصالحة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لبني ضُمرة وبني أشجع ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية ، أولئك كفارٌ بالتنزيل ومعاوية وأصحابه كفارٌ بالتأويل ». « علل الشرائع : 1 / 211 ».

ومعنى السلام عليك حين تقوم :

سلام الله عليك يا سيدي وأنت واقفٌ فما أجمل قوامك وأنت أشبه الناس بجدك المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، شمائلك شمائله ، وأخلاقه ، وتركيب بدنك كبدنه ، تنام عيناك ولا ينام قلبك ، وليس لبدنك ظل. سلامٌ عليك عندما تظهر وينظر اليك الناس ، فتذكرهم بجدك محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله !

ومعنى : السلام عليك حين تقرأ وتُبيِّن :

أي حين تقرأ القرآن وتبينه للناس ، وتبين لهم سنة جدكصلى‌الله‌عليه‌وآله . والمقصود عندما يظهرعليه‌السلام ، لأنه في غيبته لم يبين لكل الناس.

١١٥

أما عندما يظهر فسيخاطب الناس بلغاتهم ، ويستخرج لليهود أسفاراً من التوراة من جبل بالشام وجبل بفلسطين ، ويقرؤها عليهم ، فيندهشون لخبرته بها ويُسلم منهم ألوف. « معجم أحاديث الإمام المهدي : 2501 ».

والأئمةعليهم‌السلام يعرفون كل لغات العالم ، لأنهم حجة الله على العالم.

وقد ورد أن الإمام الكاظمعليه‌السلام لما كان صغير السن قرأ الإنجيل أمام بريهة الراهب فقال بريهة « الكافي : 1 / 227 » : « والمسيح لقد كان يقرأ هكذا وما قرأ هذه القراءة إلا المسيح! ثم قال بريهة : إياك كنت أطلب منذ خمسين سنة أو مثلك! قال : فآمن وحسن إيمانه ، وآمنت المرأة وحسن إيمانها. قال : فدخل هشام وبريهة والمرأة على أبي عبد اللهعليه‌السلام وحكى هشام الحكاية والكلام الذي جرى بين موسىعليه‌السلام وبريهة ، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. فقال بريهة : جعلت فداك أنى لكم التوراة والإنجيل وكتب الأنبياء؟ قال : هي عندنا وراثة من عندهم نقرؤها كما قرؤوها ونقولها كما قالوها ، إن الله لا يجعل حجة في أرضه يسأل عن شئ فيقول : لا أدري.

فلزم بريهة أبا عبد اللهعليه‌السلام حتى مات أبو عبد الله ، ثم لزم موسى بن جعفر حتى مات في زمانه فغسله بيده وكفنه بيده ولحده بيده ، وقال :

١١٦

هذا حواري من حواريي المسيح يعرف حق الله عليه ، قال : فتمنى أكثر أصحابه أن يكونوا مثله ».

وفي عيون أخبار الرضا عليه‌السلام « 2 / 139 »في مناظرته مع حاخام ، قال : « يا يهودي خذ عليَّ هذا السفر من التوراة ، فتلى علينا من التوراة آيات ، فأقبل اليهودي يترجج لقرائته ، ويتعجب »!

فمعنى الفقرة : السلام عليك يا سيدي وأنت تقرأ القرآن وتفسره للمسلمين ، وتقرأ التوراة والإنجيل ، وتفسرهما لأهل الكتاب.

والسلام عليك وأنت تعبد ربك وتتلوكتابه ، وأنت تعبد ربك وتبين دينه ووحيه ، لكل الناس.

ومعنى قوله : السلام عليك حين تُصلي وتقنت : أني معجب بك يا سيدي وأنت في صلاتك وقنوتك لربك ، فسلامُ الله عليك وأنت خاشع لربك ، وروحي لك الفداء وأنت رافعٌ يديك تناجي ربك وتدعوه.

فالفقرة صورة من صلاة المعصوم وقنوته ، وقد وردت روايات عديدة في وصفهما ، منها في وصف صلاح أمير المؤمنين وزين العابدينعليه‌السلام ، كما ورد في صفة المهديعليه‌السلام أنه خاشع لربه خشوع النسر بجناحه.

١١٧

ومعنى قوله : السلام عليك حين تركع وتسجد :

أني أحبك يا سيدي وأنت على علو مقامك تركع بين يدي ربك ، وتعظم مقامه ، وتعلم الناس عبادته ، والإنحناء أمام عظمته.

تعلمهم أن العزة بالعبودية ، وبالإنحناء لعظمة الله تعالى ، وأن كمال الإنسان بالإعتراف بخالقه وربه ، الذي أكرمه من بين المخلوقات.

والسلام عليك وأنت تسجد لربك ، فتذوب خضوعاً للخالق العظيم وتُعلم الناس أن تكاملهم إنما هو بعمق عبادتهم لربهم ، وإخلاص سجودهم بين يديه ، وأن الإنسان إذا صار صفراً بين يدي ربه تحول الى رقم صعب ، مقدس في ملكوت الله.

ومعنى قوله : السلام عليك حين تُكبِّر وتُهلل :

السلام عليك وأنت تعبد الله تعالى ، فتكبره في صلاتك ، وبعد صلاتك في تسبيح جدتك الزهراءعليها‌السلام . وتهلله في شهادتك بوحدانيته ، في أذانك وإقامتك ، وذكرك وشكرك.

والسلام عليك عندما تظهر ، وتعلن أن الله تعالى أكبر من كل شئ ، ومن الطواغيت المتسلطين على الأرض ، ومن قوة جيوشهم.

١١٨

فسلام الله عليك وأنت تطبق شعار : الله أكبر ، فتحطم أعداءه ، وتهزم جيوشهم ، وتتبر ما علوا تتبيرا.

وتعلن أن الله أكبر ، فتكشف خططهم ، وتخبرهم بنواياهم ، وتهزم مخابراتهم ، بما علمك الله من علم ، وهداك اليه من أسلوب عمل.

وسلام الله عليك وأنت تهلل الله تعالى ، فتوحده في ذاته وصفاته ، وتكشف الذين تطاولوا عليه فصغروا عظمته ، وشبهوه بخلقه ، وجعلوه جسماً محدوداً ، وهو خالق الأجسام ومجسمها.

وسلام الله عليك وأنت توحده في ربوبيته فتعلن انتهاء الأرباب والأنداد لله ، والمطاعين دونه ، في طول الأرض وعرضها. وتعلن أنه لا سلطان بعد اليوم الى يوم القيامة ، ولا حكم إلا لله تعالى ومن ينصبه حاكماً على عباده في أرضه ، يحكم بينهم بالعدل والهدى والرأفة.

ومعنى قوله : السلام عليك حين تحمد وتستغفر :

أني أحبك يا سيدي وأنت تحمد ربك ، فتعترف له وتعلن أن جميع النعم في الكون منه لاغير. وتدعو الناس الى الإعتراف بذلك.

١١٩

وسلام الله عليك ياسيدي وأنت تعترف بمحدودية الإنسان وقصوره عن أداء شكر ربه ، وتعلن أن حق الخالق عظيم لا يمكن لأحد مهما علا مقامه أن يوفيه ، فستغفره لتقصيرك في طاعته وأداء شكره ، كمن أذنب ذنباً منا ، وأنت بلا ذنب. أو ارتكب مخالفة ، وأنت معصوم!

ومعنى قوله : السلام عليك حين تمسي وتصبح :

أني أحبك يا سيدي في هاتين الحالتين ، فالسلام عليك وأنت تُسَبِّحُ ربك في هذين الوقتين :فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ .

وأتصورك ياسيدي تمسي في مدينة جدكصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنها مسكنك ومقرك ، فتصلي فريضتك ونافلتك عند جدك ، أو في مسكنك.

أو تكون في أي مكان من أرض الله ، تنفذ فيه مهمةً ، أو يكون لك غرضٌ في زيارته. فسلام عليك وأنت تعيش الزمن ، تمسي وتصبح في طاعة الله وذكره ، وتعرف كيف تعيش وتعمر أيامك بطاعة ربك وعبادته ، تعمل لما يدوم ويبقى ، وتعرض عما يزول ويفنى.

هذا ، وينبغي أن نشير الى بقية عناصر الجذب في شخصيته عليه‌السلام وهي كثيرة :

منها : أنه عاش عمراً طويلاً وبقي كهلاً ، وكذلك المسيحعليه‌السلام .

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136