أحكام القرآن الجزء ٣

أحكام القرآن15%

أحكام القرآن مؤلف:
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 388

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 388 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 80089 / تحميل: 5633
الحجم الحجم الحجم
أحكام القرآن

أحكام القرآن الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

استعماله مطلقاً.

وقال أبو إسحاق من الشافعية : لا يجوز أن يستعمل من موضع يكون بينه وبين النجاسة أقل من قلّتين(1) . وغلطه الباقون ، إذ الاعتبار بالمجموع ، ولو كانت مائعة واستحالت ولم تغير لم تنجس.

السادس : لو كان قدر كرّ خاصة ، والنجاسة متميزة ، فاغترف بإناء ، فالمأخوذ وباطن الإناء طاهران ، والباقي وظاهر الاناء نجسان.

ولو حصلت النجاسة فيه انعكس الحال في الماء والإناء ، فإن نقط نجس الباقى إن كان النقط من باطنه ، وإلّا فلا.

السابع : لو نبع الماء من تحته لم يطهره وإن أزال التغيّر ، خلافاً ، للشافعي(2) ، لأنا نشترط في المطهر وقوعه كرا دفعة.

مسألة 5 : الماء القليل ينجس بملاقات النجاسة ، ذهب إليه أكثر علمائنا(3) ، وممن فرق بين القليل والكثير ـ وإن اختلفوا في حدّ الكثرة ـ ابن عمر ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، والشافعي ، وأحمد ، وأبو حنيفة وأصحابه ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وأبو عبيد ، والمزني(4) . لقولهعليه‌السلام : ( إذا بلغ الماء قلّتين لم يحمل خبثا ) رواه الجمهور(5) ، وعن الكاظم عليه

__________________

1 ـ المجموع 1 : 142 ، المهذب للشيرازي 1 : 14.

2 ـ الاُم 1 : 5 ، المجموع 1 : 132.

3 ـ اُنظر المبسوط للطوسي 1 : 7 ، المعتبر : 11 ، المراسم : 36 ، المهذب لابن البراج 1 : 21.

4 ـ الاُم 1 : 4 ، التفسير الكبير 24 : 94 ، مختصر المزني : 9 ، المجموع 1 : 112 ، بداية المجتهد 1 : 24 ، أحكام القرآن للجصاص 3 : 340 ، المحلى 1 : 150 ، المغني 1 : 53.

5 ـ سنن الترمذي 1 : 97 / 67 ، سنن النسائي 1 : 175 ، سنن الدارقطني 1 : 16 / 7 ، نيل الأوطار 1 : 37.

٢١

السلام : الدجاجة تطأ العذرة ثم تدخل في الماء ، أيتوضأ منه؟ « فقال » : لا(1) ولأنّه لقلته في مظنة الأنفعال فكان كالتغير في الكثير.

وقال ابن أبي عقيل منّا : لا فرق بين القليل والكثير في أنهما لا ينجسان إلّا بالتغيّر(2) ، وهو مروي عن ابن عباس ، وحذيفة ، وأبي هريرة ، والحسن ، وسعيد بن المسيب ، وعكرمة ، وابن أبي ليلى ، وجابر بن زيد ، وبه قال مالك ، والأوزاعي ، والثوري ، وداود ، وابن المنذر(3) ، لقولهعليه‌السلام : ( الماء طهور لا ينجسه شيء إلّا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه )(4) ويبطل بتقديم الخاص مع التعارض.

فروع :

الأول : ينجس القليل بما لا يدركه الطرف من الدم ، كرؤوس الإبر ، لما تقدم. وقال الشيخ : لا ينجس(5) ، لقول الكاظمعليه‌السلام وقد سئل عن رجل امتخط فصار الدم قطعاً ، فأصاب إناء‌ه ، هل يصلح الوضوء منه؟ قال : « إن لم يكن شيء يستبين في الماء فلا بأس ، وإن كان شيئاً بيّنا فلا يتوضأ منه »(6) ولا حجة فيه ، إذ إصابة الاناء لا تستلزم إصابة الماء.

وللشافعي قول بعدم التنجيس في الدم وغيره(7) .

__________________

1 ـ التهذيب 1 : 419 / 1326 ، الاستبصار 1 : 21 / 49 ، قرب الاسناد : 84.

2 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 10.

3 ـ المجموع 1 : 113 ، المغني 1 : 54 ، التفسير الكبير 24 : 94 ، نيل الأوطار 1 : 36 ، بداية المجتهد 1 : 24.

4 ـ المهذب للشيرازي 1 : 12.

5 ـ المبسوط للطوسي 1 : 7.

6 ـ الكافي 3 : 74 / 16 ، التهذيب 1 : 413 / 1299 ، الاستبصار 1 : 23 / 57 ، البحار 10 : 256.

7 ـ فتح العزيز 1 : 209 ، المجموع 1 : 126 ، الاشباه والنظائر للسيوطي : 432 ، مغني المحتاج 1 : 24.

٢٢

الثاني : لو وصل بين الغديرين بساقية اتحدا إنّ اعتدل الماء ، وإلّا في حق السافل ، فلو نقص الأعلى عن كر انفعل بالملاقاة ، ولو كان أحدهما نجساً فالأقرب بقاؤه على حكمه مع الاتصال وانتقاله إلى الطهارة مع الممازجة ، لأنّ النجس لو غلب الطاهر نجّسه مع الممازجة فمع التمييز يبقى على حاله.

الثالث : لو استهلك القليل المضاف وبقي الاطلاق جازت الطهارة به أجمع ، وكذا النجس في الكثير.

الرابع : النجس لا يجوز استعماله في طهارة الحدث والخبث مطلقاًً ، ولا في الأكل والشرب ، إلّا مع الضرورة.

الخامس : لا يطهر القليل بالاتمام كرا ، لأنفعاله بالنجاسة ، فكيف يرفعها عن غيره؟

وقال المرتضى في الرسية : يطهر ، لأنّ البلوغ يستهلك النجاسة ، ولا فرق بين وقوعها قبل البلوغ وبعده(1) . وهو ممنوع.

وللشافعي قولان(2) .

السادس : لو جمع بين نصفي كر نجس لم يطهر على الاشهر ، لأنّ كلا منهما لا يرفع النجاسة عن نفسه فعن غيره أولى.

وقال بعض علمائنا : يطهر(3) ، وبه قال الشافعي(4) ، لقوله عليه

__________________

1 ـ رسائل الشريف المرتضى 2 : 361.

2 ـ المجموع 1 : 136 ، مغني المحتاج 1 : 23 ، فتح العزيز 1 : 211 ، مختصر المزني : 9.

3 ـ هو ابن البراج في المهذب 1 : 23.

4 ـ المجموع 1 : 136 ، فتح العزيز 1 : 211 ، الاُم 1 : 5.

٢٣

السلام : ( إذا بلغ الماء قلّتين ـ أو كراً على الخلاف ـ لم يحمل خبثاً )(1) ، ولم يثبت عندنا.

السابع : لو تيقن أحد طرفي الطهارة والنجاسة ، وشك في الآخر ، عمل على المتيقن ، ولو شك في استناد التغيّر إلى النجاسة بنى على الأصل ، والأقرب البناء على الظن فيهما ، للبناء على الأصل والاحتياط.

الثامن : لو أخبره العدل بنجاسة الماء لم يجب القبول ، قال ابن البراج : وكذا العدلان(2) وليس بجيد ، لوجوب رده مبيعاً(3) ، ولو تعارضت البينتان فكالمشتبه. ولو أخبره الفاسق بطهارة مائه قبل ، ولو أخبره بنجاسته فإن كان بعد الطهارة لم يلتفت ، وإن كان قبلها فالأقرب القبول.

التاسع : لو شك في وقوع النجاسة قبل الاستعمال فالاصل الصحة ، ولو علم السبق وشك في بلوغ الكرية ينجس ، ولو رأى في الكر نجاسة بنى على الطهارة وإن شك في وقوعها قبل الكرية ، ولو شك في نجاسة الميت فيه فكذلك.

العاشر : الكثير لا ينفعل بالنجاسة ، ولا شيء منه إلّا بالتغير ، وبه قال الشافعي(4) للحديث(5) .

__________________

1 ـ سنن الدارقطني 1 : 16 / 7 و 15 ، سنن الترمذي 1 : 97 / 67 ، سنن النسائي 1 : 175 ، سنن البيهقي 1 : 260 ـ 261.

2 ـ المهذب 1 : 30.

3 ـ ورد ما بين القوسين في الطبع الحجري : متعيّنا. وهو تصحيف. والمراد كما في هامش نسخة ( ن ) : إذا كان مبيعا وشهد عدلان بنجاسته ردّه المشتري على البائع ، فلو لم يقبل العدلان لم يجب ردّه.

4 ـ مغني المحتاج 1 : 21 ، التفسير الكبير 24 : 94 ، أحكام القرآن للجصاص 3 : 341 ، بداية المجتهد 1 : 24 ، الوجيز 1 : 7 ، الاُم 1 : 4 ، المجموع 1 : 112.

5 ـ سنن الدارقطني 1 : 14 / 1 ـ 5 ، سنن الترمذي 1 : 97 / 67 ، سنن النسائي 1 : 175 ، نيل الأوطار 1 : 37.

٢٤

وقال أبو حنيفة أنّه ينجس ، ولو كان بحراً لا ينجس جميعه ، بل القدر الذي يتعدى إليه لون النجاسة(1) .

مسألة 6 : الأقوى أن ماءً البئر إنّما ينجس بالتغير بالنجاسة ، لقول الرضاعليه‌السلام : « ماءً البئر واسع لا يفسده شيء إلّا أن ينتن »(2) .

والاشهر عند علمائنا التنجيس(3) ، لقول الكاظمعليه‌السلام : « يجزيك أن تنزح منها دلاء‌ا فإن ذلك يطهرها »(4) .

وقسموا النجاسة أقساماً :

الأول : ما يوجب نزح الجميع ، وهو موت البعير ، وانصباب الخمر ، لقول الصادقعليه‌السلام : « فإن مات فيها بعير أو صب فيها خمر فلتنزح »(5) وأفتى الصدوق بعشرين دلوا في قطرة الخمر ، والجميع في الثور(6) .

وألحق الشيخ المني ، والفقاع ، ودم الحيض ، والاستحاضة ، والنفاس ، وغير المقدّر(7) ، وألحق أبو الصلاح بول وروث مالا يؤكل لحمه(8) ، وابن البراج عرق الابل الجلالة والجنب من الحرام(9) .

__________________

1 ـ تفسير القرطبي 13 : 42 ، اللباب 1 : 20 ، أحكام القرآن للجصاص 3 : 340.

2 ـ الكافي 3 : 5 / 2 ، التهذيب 1 : 409 / 1287 ، الاستبصار 1 : 33 / 87.

3 ـ المعتبر : 12 ، المقنعة : 9 ، المهذب لابن البراج 1 : 21 ، المبسوط للطوسي 1 : 11.

4 ـ التهذيب 1 : 237 / 686 ، الاستبصار 1 : 37 / 101.

5 ـ الكافي 3 : 6 / 7 ، التهذيب 1 : 240 / 694 ، الاستبصار 1 : 34 / 92.

6 ـ المقنع : 11 ، الهداية : 14 ، الفقيه 1 : 12 ـ 13.

7 ـ المبسوط للطوسي 1 : 11 ـ 12.

8 ـ الكافي في الفقه 1 : 130.

9 ـ المهذب 1 : 21.

٢٥

وإذا تعذر نزح الجميع تراوح عليها أربعة رجال يوماً ، كلّ اثنين دفعة.

الثاني : ما يوجب نزح كرّ ، وهو موت الحمار ، والبغل ، والفرس ، والبقرة.

الثالث : ما ينزح له سبعون دلوا ، وهو موت الانسان لقول الصادقعليه‌السلام : « فأكثره الانسان ينزح منها سبعون دلوا »(1) ولا فرق بين الصغير والكبير ، والمسلم ، والكافر.

وقال بعض أصحابنا : ينزح للكافر الجميع ، لأنّه لو كان حياًَ لوجب الجميع ، حيث لم يرد فيه نصّ ، والموت لا يزيل النجاسة(2) .

ويضعف بزوال الكفر به.

الرابع : ما ينزح له خمسون دلواً وهو العذرة الذائبة ، والدم الكثير غير الثلاثة ، كذبح الشاة ، وقال المفيد : في الكثير عشر دلاء(3) .

الخامس : ما ينزح له أربعون ، وهو موت الكلب ، والخنزير ، والشاة والثعلب ، والأرنب ، والسنور ، وما في قدر جسمه ، وبول الرجل.

وقال الصدوق : في السنور سبع ، وفي الشاة تسع أو عشر(4) .

السادس : ما ينزح له ثلاثون ، وهو ماءً المطر وفيه خرؤ الكلب ، والبول والعذرة.

__________________

1 ـ التهذيب 1 : 235 / 678.

2 ـ هو ابن إدريس في السرائر : 10.

3 ـ المقنعة : 9.

4 ـ الفقيه 1 : 12 و 15.

٢٦

السابع : ما ينزح له عشر : وهو الدم القليل كذبح الطير ، والعذرة اليابسة.

الثامن : ما ينزح له سبع ، وهو الفأرة إذا تفسخت ، أو انتفخت ، وبول الصبي ، واغتسال الجنب ـ قال الشيخ : ولا يطهر(1) ـ وخروج الكلب حياًَ ، وموت الطير كالحمامة والنعامة.

[ التاسع : ما ينزح له خمس ، وهو ذرق الدجاج ، وقيده الأكثر بالجلال.

العاشر : ما ينزح له ثلاث ، وهو الفأرة إذا لم تتفسخ ولم تنتفخ ، والحية ](2) .

الحادي عشر : ما ينزح له دلو واحد ، وهو العصفور وما في قدره.

وعندي أن ذلك كله مستحب ، وقد بينت الخلاف والحجاج في منتهى المطلب(3) على الاستقصاء.

إذا عرفت هذا فعند الشافعي أن ماءً البئر كغيره ينجس إن كان دون القلتين ، وإن كان أزيد فلا ، ثم إنّ تنجس وهو قليل لم يطهر بالنزح ، لأنّ قعر البئر يبقى نجساً ، بل يترك ليزداد أو يساق إليه الماء الكثير.

وإن كان كثيراً نجس بالتغير فيكاثر إلى زوال التغيّر أو يترك حتى يزول التغيّر بطول المكث أو ازدياد الماء.

ولو تفتت الشيء النجس كالفأرة بتمعط شعرها فيه ، فالماء على

__________________

1 ـ المبسوط للطوسي 1 : 12.

2 ـ ما بين المعقوفتين لم يرد في نسخة ( م ).

3 ـ منتهى المطلب 1 : 10 ـ 12.

٢٧

طهارته ، لعدم التغيّر ، ولا ينتفع به ، لأنّ ما يستقى يوجد فيه شيء من النجاسة ، فينبغي أن يستقى إلى أن يغلب ظن خروج أجزائها(1) .

وقال أبو حنيفة : إذا وقعت في البئر نجاسة نزحت فتكون طهارة لها ، فإن ماتت فيها فأرة أو صعوة ، أو سام أبرص نزح منها عشرون دلوا إلى ثلاثين ، وفي موت الحمامة أو الدجاجة أو السنور ما بين أربعين إلى ستين ، وفي الكلب أو الشاة أو الآدمي جميع الماء(2) .

فروع :

الأول : لو تغير الماء نجس إجماعاً ، وطهر بنزح ما يزيله على الأقوى ، لزوال الحكم بزوال علته ، وقال الشيخان : نزح الجميع فإن تعذر نزح حتى يطيب(3) ، وقال المرتضى ، وابن بابويه : يتراوح الاربعة لانقهاره بالنجاسة فيجب إخراجه(4) .

الثاني : لو تغير بما نجاسته عرضيّة ، كالمسك والدبس والنيل لم ينجس ، وكذا الجاري وكثير الواقف ، خلافاً للشيخ(5) ، لأنّ التغيّر ليس بالنجاسة.

الثالث : الحوالة في الدلو على المعتاد ، لعدم التقدير الشرعي ، ولو اخرج بإناء عظيم ما يخرجه العدد فالأقوى الإجزاء.

الرابع : يجزي النساء والصبيان في التراوح ، لصدق القوم عليهم ، ولا بد من اثنين اثنين ، ولو نهض القويان بعمل الاربعة فالأقرب الاجزاء.

__________________

1 ـ المجموع 1 : 148.

2 ـ اللباب 1 : 24 ـ 26 ، الهداية 1 : 86 و 89.

3 ـ المقنعة : 9 ، المبسوط للطوسي 1 : 11 ، النهاية : 7.

4 ـ الفقيه 1 : 13 / 24 ، وحكى قول المرتضى المحقق في المعتبر : 18.

5 ـ المبسوط للطوسي 1 : 5.

٢٨

الخامس : لا يفتقر النزح إلى النيّة ، ويجزي المسلم والكافر مع عدم التعدي ، والعاقل والمجنون.

السادس : ما لم يقدر فيه منزوح قيل : يجزي أربعون ، وقيل : الجميع(1) . ولو تعدّدت النجاسة فالأقوى التداخل وإن اختلفت.

السابع : لو جفت البئر قبل النزح ثم عاد سقط ، إذ طهارتها بذهاب مائها الحاصل بالجفاف ، ولو سيق الجاري إليها طهرت.

الثامن : لا تنجس جوانب البئر ، ولا يجب غسل الدلو.

التاسع : لو خرج غير المأكول حيّاً لم ينجس الماء.

وقال أبو حنيفة : إنّ خرجت الفأرة وقد هربت من الهرة نجس الماء وإلّا فلا(2) ، وليس بشيء.

العاشر : لو وجدت النجاسة بعد الاستعمال لم تؤثر وإن احتمل سبقها.

وقال أبو حنيفة : إنّ كانت الجيفة منتفخة أو متفسخة أعاد صلاة ثلاثة أيام وإلّا صلاة يوم وليلة(3) . وليس بشيء.

الحادي عشر : لا ينجس البئر بالبالوعة وإن تقاربتا ما لم تتصل عند الأكثر(4) أو تتغيّر عندنا ، نعم يستحب التباعد خمسة أذرع إنّ كانت الأرض صلبة ، أو كانت البئر فوقها ، وإلّا فسبع ، ولو تغير الماء تغيرا يصلح

__________________

1 ـ قال بالأول ابن حمزة في الوسيلة : 74 ـ 75 ، وقال بالثاني ابن إدريس في السرائر : 12 ـ 13 ، والمحقق في المعتبر : 19 ، وهو الذي قواه الشيخ في المبسوط 1 : 12.

2 ـ الاشباه والنظائر لابن نجيم : 394 ، غمز عيون البصائر 4 : 165.

3 ـ اللباب 1 : 28 ، المبسوط للسرخسي 1 : 59 ، بدائع الصنائع 1 : 78 ، المحلى 1 : 144.

4 ـ منهم الشيخ في المبسوط 1 : 31 ، وابن البراج في المهذب 1 : 27 ، والمحقق في المعتبر : 19.

٢٩

استناده إليها أحببت الاحتراز عنها.

الثاني عشر : لو زال التغيّر بغير النزح ووقوع الجاري فيها ، فالأقرب وجوب نزح الجميع لا البعض ، وإن زال به التغيّر لو كان.

* * *

٣٠

الفصل الثاني : في المضاف

مسألة 7 : المضاف ما لا يصدق إطلاق الاسم عليه إلّا بقرينة ، ويمكن سلبه عنه ، كالمعتصر ، والمصعد ، والممزوج مزجاً يسلبه الاطلاق ، وهو طاهر إجماعاً ، ولا يرفع الحدث ، لقوله تعالى :( فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيدا ) (1) وقول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن الوضوء باللبن : « إنّما هو الماء والصعيد »(2) .

وقول الصدوق بجواز الوضوء بماء الورد(3) لقول أبي الحسنعليه‌السلام في الرجل يتوضأ بماء الورد ويغتسل به ، قال : « لا بأس »(4) محمول على اللغوي أو على الممتزج بماء الورد بحيث لا يسلبه الاطلاق ، وإجماع الامامية على ذلك ، وبه قال الشافعي(5) .

وقال أبوبكر الاصم ، وابن أبي ليلى : يجوز الوضوء بالمياه المعتصرة

__________________

1 ـ المائدة : 6.

2 ـ التهذيب 1 : 188 / 540 ، الاستبصار 1 : 155 / 534.

3 ـ الهداية : 13 ، الفقيه 1 : 6 ، أمالي الصدوق : 514.

4 ـ الاستبصار 1 : 14 / 27 ، التهذيب 1 : 218 / 627 ، الكافي 3 : 73 / 12.

5 ـ المجموع 1 : 93 ، الاُم 1 : 7.

٣١

لأنّه يسمى ماء‌اً(1) . وهو غلط.

وقال أبو حنيفة : يجوز الوضوء بنبيذ التمر إذا طبخ واشتد عند عدم الماء في السفر ، لرواية ابن مسعود أنّه كان مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة الجن(2) فأراد أن يصلّي صلاة الفجر فقال : ( أمعك وضوء؟ ) فقال : لا معي إداوة فيها نبيذ. فقال : ( تمرة طيبة وماء طهور )(3) (4) وتوضأ به. وهو خطأ.

قال ابن المنذر : راويه أبو زيد ، وهو مجهول(5) . وأنكر جماعة صحبة ابن مسعود ليلة الجن(6) ، ولو سلم فهو محمول على بقاء الاطلاق ، لأنّهم شكوا ملوحة الماء فأمرهمعليه‌السلام بنبذ تمر قليل في الشن(7) .

والحق المنع ، وأنه نجس ، وبه قال الشافعي ، ومالك ، وأحمد ، وأبو عبيد ، وداود(8) ، لقوله تعلى :( فلم تجدوا ماءً فتيمموا ) (9) .

__________________

1 ـ المجموع 1 : 93 ، التفسير الكبير 11 : 169 ، المغني 1 : 39 ، الشرح الكبير 1 : 41.

2 ـ اُنظر : دلائل النبوة ـ للبيهقي ـ 2 : 227 و 230 ، وفتح الباري 7 : 135 ـ 136.

3 ـ مصنف ابن أبي شيء بة 1 : 25 ـ 26 ، سنن ابن ماجة 1 : 135 / 384 ، سنن الترمذي 1 : 147 / 88 ، سنن ابي داود 1 : 21 / 84 ، سنن البيهقي 1 : 9 ، سنن الدارقطني 1 : 78 / 16.

4 ـ المبسوط للسرخسي 1 : 88 ، بدائع الصنائع 1 : 15 ، الجامع الصغير : 74 ، المجموع 1 : 93 ، بداية المجتهد 1 : 33 ، تفسير القرطبي 13 : 51 ، المغني 1 : 38 ، التفسير الكبير 24 : 98 ، المحلى 1 : 203.

5 ـ المغني 1 : 39.

6 ـ صحيح مسلم 1 : 332 / 450 ، المجموع 1 : 94 ، بدائع الصنائع 1 : 16.

7 ـ اُنظر الكافي 6 : 416 / 3 ، التهذيب 1 : 220 / 629 ، الاستبصار 1 : 16 / 29.

8 ـ المجموع 1 : 93 ، المغني 1 : 38 ، الشرح الكبير 1 : 52 ، تفسير القرطبي 13 : 52 ، المحلى 1 : 203 ، سنن الترمذي 1 : 148.

9 ـ المائدة : 6.

٣٢

مسألة 8 : ولا يجوز إزالة الخبث به عند أكثر علمائنا(1) ، وبه قال الشافعي ، ومالك ، وأحمد ، وإسحاق ، وداود ، وزفر ، ومحمد بن الحسن(2) لقصوره عن رفع الوهمية فعن رفع الحقيقية أولى ، ولأنّها طهارة تراد لاجل الصلاة فلا تحصل بالمائعات ، كطهارة الحدث ، ولأنّ الأمر ورد بالغسل بالماء فلا يصح بغيره.

وقال السيد المرتضى : يجوز(3) ، وبه قال أبو حنيفة ، وأبو يوسف(4) لأنّه طاهر مائع بيقين ، فيزيل النجاسة كالماء.

ويبطل بأن الماء يحصل به الوضوء ، بخلاف المائعات.

مسألة 9 : ينجس كلّه ـ قل أو كثر ـ بكلّ نجاسة لاقته ـ قلّت أو كثرت ـ غيرت أحد أوصافه أو لا ، قاله علماؤنا أجمع ، وكذا المائع غير الماء ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل عن فأرة وقعت في سمن ، فقال : ( إن كان مائعاً فلا تقربوه )(5) ولأنّها لا تدفع نجاسة غيرها فكذا عنها لقصور قوتها.

وقال أحمد في إحدى الروايتين : إنّه كالمطلق سواء كان مضافاً أو مائعاً ، كالسمن الكثير لأنّه كثير فلا ينجس كالماء(6) والفرق ظاهر.

وطريق تطهيره إلقاء كرّ عليه إن لم يسلبه الاطلاق ، فإن سلبه فكر آخر ، وهكذا ، ولو لم يسلبه لكن غير أحد أوصافه فالأقوى الطهارة ، خلافاً

__________________

1 ـ منهم الشيخ في النهاية : 3 ، والمبسوط 1 : 5 والجمل والعقود : 169 ، والخلاف 1 : 59 المسألة 8 ، وابن حمزة في الوسيلة : 76 ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي : 131 ، والمحقق في المعتبر : 20.

2 ـ المجموع 1 : 95 ، المغني 1 : 38 ، بدائع الصنائع 1 : 83 ، المهذب للشيرازي 1 : 11 ، مقدمات ابن رشد 1 : 57.

3 ـ الناصريات : 219 المسألة 22.

4 ـ المجموع 1 : 95 ، بدائع الصنائع 1 : 83 ، المغني 1 : 38.

5 ـ سنن ابي داود 3 : 364 / 3842 ، مسند أحمد 2 : 265.

6 ـ المغني 1 : 58 ، الشرح الكبير 1 : 61.

٣٣

للشيخ(1) .

مسألة 10 : أقسام المستعمل ثلاثة :

الأول : المستعمل في الوضوء ، وهو طاهر مطهر عندنا إجماعاً ـ وعليه نصّ عليعليه‌السلام ، وبه قال الحسن البصري ، والنخعي ، وعطاء ، والزهري ، ومكحول ، وأبو ثور ، وداود وأهل الظاهر ، ومالك في إحدى الروايتين ، والشافعي في أحد القولين(2) ـ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسح رأسه بفضل ما كان في يده(3) ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « الماء كله طاهر حتى يعلم أنّه قذر »(4) .

وقال أحمد ، والأوزاعي ، ومحمد : إنّه طاهر غير مطهر(5) وهو القول الثاني للشافعي ، والرواية الاُخرى عن مالك ، والمشهور عن أبي حنيفة(6) ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى أن يستعمل الرجل فضل وضوء المرأة(7) ، ولم يرد به ما أبقت في الاناء ، بل ما استعملته.

ونمنع النهي ، ونحمله على الباقي لغير المأمونة.

__________________

1 ـ المبسوط للطوسي 1 : 5.

2 ـ المجموع 1 : 153 ، التفسير الكبير 11 : 170 ، بداية المجتهد 1 : 27 ، المغني 1 : 47 ، المحلى 1 : 184 ، تفسير القرطبي 13 : 49 ، غرائب القران 6 : 79 ، الشرح الكبير 1 : 43.

3 ـ سنن الدارقطني 1 : 87 / 2.

4 ـ التهذيب 1 : 215 / 619 ، الكافي 3 : 1 / 3.

5 ـ التفسير الكبير 11 : 170 ، المغني 1 : 47 ، الشرح الكبير 1 : 43 ، غرائب القرآن 6 : 79 ، الهداية للمرغيناني 1 : 19 ، المجموع 1 : 151.

6 ـ المحلى 1 : 185 ـ 186 ، الشرح الكبير 1 : 43 ، المغني 1 : 47 ، غرائب القرآن 6 : 79 ، الهداية للمرغيناني 1 : 19 ، المجموع 1 : 151 ، اللباب 1 : 23.

7 ـ سنن البيهقي 1 : 191 ، مصنف ابن أبي شيء بة 1 : 34.

٣٤

وقال أبو يوسف : إنّه نجس ، وهو رواية عن أبي حنيفة(1) ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ، ولا يغتسل فيه من جنابة )(2) فاقتضى أن الغُسل فيه كالبول فيه فينجسه. وهو خطأ ، فإن الاقتران في اللفظ لا يقتضي الاقتران في الحكم ، وأن النهي عن البول لا للتنجيس ، وكذا عن الاغتسال فيه ، بل لافساده بإظهار أجزاء الحمأة(3) فيه.

الثاني : المستعمل في الغُسل الواجب مع خلو البدن من النجاسة ، وهو طاهر مطهر على الأقوى ، وبه قال المرتضى(4) لقوله تعالى :( فلم تجدوا ماءً فتيمموا ) (5) وللاستصحاب.

وقال الشيخان : إنّه طاهر غير مطهر(6) لقول الصادقعليه‌السلام : « الماء الذي يغسل به الثوب ، أو يغتسل الرجل به من الجنابة ، لا يجوز أن يتوضأ به »(7) ويحمل على نجاسة المحل ، وخلاف الجمهور كما تقدم.

فروع :

الأول : لو كان المحل نجساً نجس الماء.

الثاني : لو بلغ المستعمل كرّاً ، قال الشيخ في المبسوط : زال المنع(8) .

__________________

1 ـ بداية المجتهد 1 : 27 ، الهداية للمرغيناني 1 : 20 ، شرح فتح القدير 1 : 77 ، المجموع 1 : 151 ، المحلى 1 : 185 ، غرائب القرآن 6 : 79.

2 ـ سنن أبي داود 1 : 18 / 70 ، كنز العمال 9 : 355 / 26422.

3 ـ الحمأة : الطين الأسود المتغير المجتمع أسفل البئر مجمع البحرين 1 : 107 ، الصحاح 1 : 45 « حمأ ».

4 ـ جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) 3 : 22.

5 ـ النساء : 43.

6 ـ المقنعة : 9 ، المبسوط للطوسي 1 : 5.

7 ـ التهذيب 1 : 221 / 630 ، الاستبصار 1 : 27 / 71.

8 ـ المبسوط للطوسي 1 : 11.

٣٥

وتردد في الخلاف(1) وللشافعية قولان(2) .

الثالث : يجوز إزالة النجاسة به ـ خلافاً للشافعي في أحد القولين ـ(3) لقولهعليه‌السلام : ( ثم اغسليه بالماء )(4) وهو يصدق عليه.

الرابع : المستعمل في الاغسال المندوبة طاهر مطهر ، وكذا في غسل الثوب الطاهر إجماعاً منّا ، وهو أحد قولي الشافعي(5) لأنّه لم يرفع به حدثا ، والآخر : المنع(6) ، لأنّه مستعمل.

الثالث : المستعمل في إزالة النجاسات إنّ تغير بالنجاسة نجس إجماعاً ، وإن لم يتغير فكذالك على الأقوى ، عدا ماءً الاستنجاء ، سواء كان من الغسلة الاُولى أو الثانية ، وسواء أزال النجاسة عن المحل أو لا ، وهو أحد قولي الشيخ(7) وبه قال أبو حنيفة ، وبعض الشافعية(8) ، لأنّه ماءً قليل لاقى نجاسة.

والثاني للشيخ : أنّه نجس في الاُولى ، طاهر في الثانية(9) ، وبه قال

__________________

1 ـ الخلاف 1 : 173 مسألة 127.

2 ـ مغني المحتاج 1 : 21 ، الوجيز 1 : 5 ، المهذب للشيرازي 1 : 15 ، فتح العزيز 1 : 111 ـ 112 ، المجموع 1 : 157.

3 ـ المجموع 1 : 156 ، المهذب للشيرازي 1 : 15 ، الوجيز 1 : 5 ، فتح العزيز 1 : 111.

4 ـ سنن الدارمي 1 : 240 ، سنن ابي داود 1 : 100 / 363 ، سنن النسائي 1 : 155 ، موارد الظمآن : 82 / 235.

5 ـ مغني المحتاج 1 : 20 ، المجموع 1 : 157 ، المهذب للشيرازي 1 : 15 ، كفاية الأخيار 1 : 6 ، السراج الوهاج : 8.

6 ـ مغني المحتاج 1 : 20 ، كفاية الأخيار 1 : 6 ، السراج الوهاج : 8.

7 ـ المبسوط للطوسي 1 : 11.

8 ـ المجموع 1 : 158 ، بدائع الصنائع 1 : 66.

9 ـ الخلاف 1 : 179 ـ 180 مسألة 135.

٣٦

الشافعي(1) لأمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإلقاء الذنوب(2) على بول الأعرابي(3) وهو مع التسليم غير دال.

فروع :

الأول : ماءً الاستنجاء طاهر ، لقول الصادقعليه‌السلام ، وقد سئل عن الرجل يقع ثوبه في الماء الذي استنجى به أينجس ثوبه؟ : « لا »(4) وللمشقة ، ولا فرق بين القُبل والدبر ، ولو تغير بالنجاسة أو لاقته نجاسة من خارج نجس قطعاً.

الثاني : قال في الخلاف : لا يغسل ما أصابه ماءً يغسل به إناء الولوغ ، من الاُولى أو الثانية(5) وتردد في المبسوط في نجاسة الثانية(6) والحق النجاسة.

الثالث : فرق المرتضى بين ورود الماء على النجاسة ، وورودها عليه ، فحكم بطهارة الأول دون الثاني(7) ، ويحتمل نجاسة الجميع.

الرابع : لو أورد الثوب النجس على ماءً قليل نجس الماء ، ولم يطهرالثوب ، ولو ارتمس الجنب في ماءً قليل طهر ، وصار الماء مستعملاً.

__________________

1 ـ المجموع 1 : 159.

2 ـ الذنوب : الدلو المملؤ ماءً. الصحاح 1 : 129 « ذنب ».

3 ـ صحيح مسلم 1 : 236 / 284 ، صحيح البخاري 1 : 65 ، سنن أبي داود 1 : 103 / 387 ، الموطأ 1 : 64 / 111 ، سنن الترمذي 1 : 276 / 147 ، سنن الدارمي 1 : 189 ، سنن النسائي 1 : 175 ، سنن ابن ماجة 1 : 176 / 528 ، مسند أحمد 2 : 239.

4 ـ التهذيب 1 : 87 / 228.

5 ـ الخلاف 1 : 181 مسألة 137.

6 ـ المبسوط للطوسي 1 : 36.

7 ـ الناصريات : 215 المسألة 3.

٣٧

الخامس : غسالة الحمام لا يجوز استعمالها ، لعدم انفكاكها من النجاسة إلّا أن يعلم خلوّها منها.

السادس : لا بأس للرجل أن يستعمل فضل وضوء المرأة وإن خلت به ، ويكره إذا لم تكن مأمونة ، وكذا فضلة وضوء الرجل لمثله وللمرأة ، وهو قول أكثر العلماء(1) لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اغتسل من جفنة فضل ماؤها من اغتسال ميمونة من جنابة ، فقالت : إني قد اغتسلت منه ، فقال : ( الماء ليس عليه جنابة )(2) .

وقال أحمد : لا يجوز أن يتوضأ الرجل بفضل وضوء المرأة إذا خلت به(3) لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى أن يتوضأ الرجل بفضل وضوء المرأة(4) . وحكي عنه الكراهة ، وبه قال الحسن ، وابن المسيب(5) .

والنهي يحتمل التنزيه مع التهمة أو النسخ ، لأنّ ميمونة قالت : إني قد اغتسلت منه. وهو يشعر بتقدم النهي عنه.

__________________

1 ـ الاُم 1 : 29 ، الشرح الكبير 1 : 51 ، المغني 1 : 247 ، عمدة القارئ 3 : 85 ، المجموع 2 : 191.

2 ـ سنن الدارقطني 1 : 52 / 3 ، سنن ابن ماجة 1 : 132 / 370 ، سنن الدارمي 1 : 187 ، سنن الترمذي 1 : 94 / 65 ، المصنف لابن أبي شيء بة 1 : 32 ، سنن أبي داود 1 : 18 / 68.

3 ـ نيل الأوطار 1 : 32 ، المغني 1 : 247 ، مسائل أحمد : 4 ، الشرح الكبير 1 : 50 ، المجموع 2 : 191 ، الإنصاف 1 : 48.

4 ـ سنن أبي داود 1 : 21 / 81 ، سنن ابن ماجة 1 : 132 / 373 ، سنن النسائي 1 : 179 ، مسند أحمد 5 : 66.

5 ـ الشرح الكبير 1 : 51 ، سنن الترمذي 1 : 92 / 63 ، المجموع 2 : 191.

٣٨

الفصل الثالث : في الاسئار

مسألة 11 : الاسئار كلها طاهرة إلّا سؤر نجس العين ، وهو الكلب والخنزير والكافر على الأشهر ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل عن الحياض تنوبها السباع والدواب فقال : ( لها ما حملت في بطونها ، وما بقي فهو لنا شراب وطهور )(1) ولم يفرق بين القليل والكثير.

وسأل البقباق الصادقعليه‌السلام عن فضل الشاة والبقرة والابل ، والحمار والبغل والوحش ، والهرة والسباع ، قال : فلم أترك شيئاً إلّا سألته عنه فقال : « لا بأس » حتى انتهيت إلى الكلب فقال : « رجس نجس لا تتوضأ بفضله ، وصبّ ذلك الماء »(2) وقوله تعالى :( أو لحم خنزير فانه رجس ) (3) والرجاسة : النجاسة ، وقوله تعالى :( إنّما المشركون نجس ) (4) .

وحكم الشيخ في المبسوط بنجاسة ما لا يؤكل لحمه من الإنسية عدا

__________________

1 ـ سنن ابن ماجة 1 : 173 / 519 ، سنن الدارقطني 1 : 31 / 12 ، نيل الأوطار 1 : 45.

2 ـ التهذيب 1 : 225 / 646 ، الاستبصار 1 : 19 / 40.

3 ـ الأنعام : 145.

4 ـ التوبة : 28.

٣٩

ما لا يمكن التحرز عنه ، كالفأرة والحيّة والهرة(1) ، لأنّ الصادقعليه‌السلام قال : « كلّ ما يؤكل لحمه فلا بأس بسؤره »(2) وهو يدل من حيث المفهوم على منع الوضوء والشرب مما لا يؤكل لحمه ، والسند ودلالة المفهوم ضعيفان.

مسألة 12 : قسم أبو حنيفة الاسئار أربعة : ضرب نجس وهو سؤر الكلب والخنزير والسباع كلها ، وضرب مكروه ، وهو حشرات الأرض وجوارح الطير والهر ، وضرب مشكوك فيه ، وهو سؤر الحمار والبغل ، وضرب طاهر غير مكروه ، وهو كلّ مأكول اللحم(3) ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل عن المياه تكون بأرض الفلاة وما ينوبها من السباع والدواب ، فقال : ( إذا كان الماء قلّتين لم ينجسه شيء )(4) ولا حجة فيه لدخول الكلب والخنزير في السباع والدواب.

وقال الشافعي : سؤر الحيوان كله طاهر إلّا الكلب والخنزير وما تولد منهما أو من أحدهما ، وبه قال عمرو بن العاص ، وأبو هريرة(5) ولم يحكم بنجاسة المشرك(6) لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توضأ من مزادة(7) مشركة(8) .

__________________

1 ـ المبسوط للطوسي 1 : 10.

2 ـ الفقيه 1 : 10 / 18 ، التهذيب 1 : 284 / 832 ، الاستبصار 1 : 25 / 64 ، الكافي 3 : 9 / 5.

3 ـ اللباب 1 : 28 ـ 29 ، الهداية للمرغيناني 1 : 23 ـ 24 ، المجموع 1 : 173.

4 ـ سنن الترمذي 1 : 97 / 67 ، سنن ابن ماجة 1 : 172 / 517 ، سنن الدارمي 1 : 186 ـ 187 ، سنن الدارقطني 1 : 14 / 1 ، مستدرك الحاكم 1 : 132.

5 ـ المحلى 1 : 134 ، الاُم 1 : 5 ، الهداية للمرغيناني 1 : 23 ، فتح العزيز 1 : 160 ـ 161 ، الوجيز 1 : 6 ، المجموع 1 : 172 ـ 173 ، بداية المجتهد 1 : 28.

6 ـ الاُم 1 : 8 حيث حكم بجواز الوضوء من فضل ماءً النصراني.

7 ـ المزادة : الراوية ، سميت بذلك لأنّه يزاد فيها جلد آخر من غيرها ولهذا انها اكبر من القربة مجمع البحرين 3 : 59 « زيد ».

8 ـ سبل السلام 1 : 46.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

خطأ أو عمدا وقال المزني في مختصره عن الشافعى إذا عمد رجل بسيف أو حجر أو سنان رمح أو ما يشق بحده فضرب به أو رمى به الجلد أو اللحم فجرحه جرحا كبيرا أو صغيرا فمات فعليه القود وان شدخه بحجر أو تابع عليه الخنق ووالى بالسوط عليه حتى مات أو طبق عليه مطبقا بغير طعام ولا شراب أو ضربه بسوط في شدة حر أو برد مما الأغلب أنه يموت منه فمات فعليه القود وإن ضربه بعمود أو بحجر لا يشدخ أو بحد سيف ولم يجرح أو ألقاه في بحر قريب البر وهو يحسن العوم أو ما الأغلب أنه لا يموت مثله فمات فلا قود فيه وفيه الدية مغلظة على العاقلة* والدليل على ثبوت شبه العمد ما روى هشيم عن خالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة بن جوشن عن عقبة بن أوس السدوسي عن رجل من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنهصلى‌الله‌عليه‌وسلم خطب يوم فتح مكة فقال في خطبته ألا إن قتيل خطأ العمد بالسوط والعصا والحجر فيه الدية مغلظة مائة من الإبل منها أربعون خلفة في بطونها أولادها * وروى إبراهيم عن عبيد بن نضلة الخزاعي عن المغيرة بن شعبة أن امرأتين ضربت إحداهما الأخرى بعمود الفسطاط فقتلتها فقضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بالدية على عصبة القاتلة وقضى فيما في بطنها بالغرة * وروى يونس عن ابن شهاب عن ابن المسيب وأبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبى هريرة قال اقتتلت امرأتان من هذيل فضربت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فاختصموا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقضى أن دية جنينها عبد أو وليدة وقضى بدية المرأة على عاقلتها ففي أحد هذين الحديثين أنها ضربتها بعمود فسطاط وفي الآخر أنها ضربتها بحجر* وقد روى أبو عاصم عن ابن جريج قال أخبرنى عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب نشد الناس قضاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في الجنين فقام حمل بن مالك بن النابغة فقال اننى كنت بين امرأتين لي وأن إحداهما ضربت الأخرى بمسطح فقتلتها وجنينها فقضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في الجنين بغرة وأن تقتل مكانها * وروى الحجاج بن محمد عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس عن عمر بمثله فذكر أبو عاصم والحجاج عن ابن جريج أنه أمر بقتل المرأة* وروى هذا الحديث هشام بن سليمان المخزومي عن ابن جريج عن ابن دينار وسفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار بإسناده ولم يذكرا فيه أنه أمر أن تقتل وذكر أبو عاصم والحجاج أنه أمر أن تقتل المرأة فاضطرب حديث ابن عباس في هذه القصة

٢٠١

وروى سعيد عن قتادة عن أبى المليح عن حمل بن مالك قال كانت له امرأتان فرجمت إحداهما الأخرى بحجر فأصاب قلبها وهي حامل فألقت جنينا فماتت فرفع ذلك إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بالدية على عاقلة القاتلة وقضى في الجنين بغرة عبد أو أمة فكان حديث حمل بن مالك في إيجاب القود على المرأة مختلفا متضادا وروى في بعض أخبار ابن عباس في هذه القصة بعينها القصاص ولم يذكره في بعضها قال حمل بن مالك وهو صاحب القصة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أوجب الدية على عاقلة القاتلة فتضادت الأخبار في قصة حمل ابن مالك وسقطت وبقي حديث المغيرة بن شعبة وأبى هريرة في نفى القصاص من غير معارض* وقد روى أبو معاوية عن حجاج عن قتادة عن الحسن قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم * قتيل السوط والعصا شبه العمد * وإثبات شبه العمد ضربا من القتل دون الخطأ فيه اتفاق السلف عندنا لا خلاف بينهم فيه وإنما الاختلاف بينهم في كيفية شبه العمد فأما أن يقول مالك لا أعرف إلا خطأ أو عمدا فإن هذا قول خارج عن أقاويل السلف كلهم وروى شريك عن أبى إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن على قال شبه العمد بالعصا والحجر الثقيل وليس فيهما قود وروى عن عمر بن الخطاب أنه قال يعمد أحدكم فيضرب أخاه بمثل آكلة اللحم وهي العصا ثم يقول لا قود على لا أوتى بأحد فعل ذلك إلا أقدته فكان هذا عنده من العمد لأن مثله يقتل في الغالب على ما قال أبو يوسف ومحمد ومما يبين إجماع الصحابة على شبه العمد وأنه قسم ثالث ليس بعمد محض ولا خطأ محض اختلاف أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في أسنان الإبل في الخطأ ثم اختلافهم في أسنان شبه العمد وأنها أغلظ من الخطأ منهم على وعمر وعبد الله بن مسعود وعثمان بن عفان وزيد بن ثابت وأبو موسى والمغيرة بن شعبة كل هؤلاء أثبت أسنان الإبل في شبه العمد أغلظ منها في الخطأ على ما سنبينه فيما بعد إن شاء الله تعالى فثبت بذلك شبه العمد* ولما ثبت شبه العمد بما قدمنا من الآثار واتفاق السلف بعد اختلاف منهم في كيفيته احتجنا أن نعتبر شبه العمد فوجدنا عليا قال شبه العمد بالعصا والحجر العظيم ومعلوم أن شبه العمد اسم شرعي لا سبيل إلى إثباته إلا من جهة التوقيف إذ ليس في اللغة هذا الاسم لضرب من القتل فعلمنا أن عليا لم يسم القتل بالحجر العظيم شبه العمد إلا توقيفا ولم يذكر الحجر العظيم إلا والصغير والكبير متساويان عنده في سقوط القود به ويدل عليه ما حدثنا عبد الباقي

٢٠٢

ابن قانع قال حدثنا المعمري قال حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الرقى قال حدثنا ابن المبارك عن سليمان التيمي وخالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة عن عقبة بن أوس عن عبد الله بن عمر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال قتيل الخطأ العمد قتيل السوط والعصا فيه مائة من الإبل منها أربعون خلفة في بطونها أولادها فقد حوى هذا الخبر معاني منها إثباته قتيل خطأ العمد قسما غالب العمد وغير الخطأ وهو شبه العمد ومنها إيجابه الدية في قتيل السوط والعصا من غير فرق بين ما يقتل مثله وبين ما لا يقتل مثله وبين من يوالى الضرب حتى يقتله وبين من يقتل بضربة واحدة ومنها أنه جمع بين السوط والعصا والسوط لا يقتل مثله في الغالب والعصا يقتل مثلها في الأكثر فدل على وجوب التسوية بين ما يقتل وبين ما لا يقتل* وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا محمد بن عثمان بن أبى شيبة قال حدثنا عقبة بن مكرم قال حدثنا يونس بن بكير قال حدثنا قيس بن الربيع عن أبى حصين عن إبراهيم بن بنت النعمان بن بشير قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم كل شيء سوى الحديدة خطأ ولكل خطأ أرش وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا محمد بن يحيى بن سهل بن محمد العسكري قال حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا يوسف بن يعقوب الضبعي قال حدثنا سفيان الثوري وشعبة عن جابر الجعفي عن أبى عازب عن النعمان بن بشير قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم كل شيء خطأ إلا السيف وفي كل خطأ أرش وأيضا لما اتفقوا على أنه لو جرحه بسكين صغيرة لم يختلف حكمها وحكم الكبيرة في وجوب القصاص فوجب أن لا يختلف حكم الصغير والكبير من الحجر والخشب في سقوطه وهذا يدل على أن الحكم في إيجاب القصاص متعلق بالآلة وهي أن تكون سلاحا أو يعمل عمل السلاح فإن قيل على ما روينا من قولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قتيل خطأ العمد إن العمد لا يكون خطأ ولا الخطأ عمدا وهذا يدل على فساد الحديث* قيل ليس كذلك لأنّه سماه خطأ في الحكم عمد في الفعل وذلك معنى صحيح لأنه دل به على التغليظ من حيث هو عمد وعلى سقوط القود من حيث هو في حكم الخطأ* فإن قيل قوله تعالى( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى ) وقوله( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) وسائر الآي التي فيها إيجاب القصاص يوجبه على القاتل بالحجر العظيم* قيل له لا خلاف أن هذه الآي إنما أوجبت القصاص في العمد وهذا ليس بعمد ومع ذلك فإن الآي وردت في إيجاب القصاص في الأصل والآثار التي

٢٠٣

ذكرنا واردة فيما يجب فيه القصاص فكل واحد منهما مستعمل فيما ورد فيه لا يعترض بأحدهما على الآخر وأيضا قال الله تعالى( وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ ) وسمى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم شبه العمد قتيل خطأ العمد فلما أطلق عليه اسم الخطأ وجب أن تكون فيه الدية فإن احتجوا بحديث ابن عباس في قصة المرأتين قتلت إحداهما الأخرى بمسطح فأوجب النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم عليها القصاص قيل له قد بينا اضطراب الحديث وما عارضه من رواية حمل بن مالك في إيجاب الدية دون القود ولو ثبت القود أيضا فإن ذلك إنما كان في شيء بعينه ليس بعموم في جميع من قتل بمسطح وجائز أن يكون كان فيه حديد وأصابها الحديد دون الخشب فمن أوجب النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فيه القود فإن احتجوا بما روى أن يهوديا رضخ رأس جارية بالحجارة فأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بأن يرضخ رأسه قيل له جائز أن يكون كان لها مروة وهي التي لها حد يعمل عمل السكين فلذلك أوجب النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قتله وأيضا روى عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن أيوب عن أبى قلابة عن أنس أن يهوديا قتل جارية من الأنصار على حلى لها وألقاها في نهر ورضخ رأسها بالحجارة فأتى بها النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فأمر به أن يرجم حتى يموت فرجم حتى مات ولا خلاف أن الرجم لا يجب على وجه القود وجائز أن يكون اليهودي مستأمنا فقتل الجارية ولحق بأرضه فأخذ وهو حربى لقرب منازلهم من المدينة فقتله على أنه محارب حربى ورجمه كما سمل أعين العرنيين الذين استاقوا الإبل وقتلوا الراعي وقطع أيديهم وأرجلهم وتركهم حتى ماتوا ثم نسخ القتل على وجه المثلة.

فصل وأما ما دون النفس فإنه ليس فيه شبه العمد من جهة الآلة ويجب فيه القصاص بحجر شجه أو بحديد وفيه شبه العمد من جهة التغليظ إذا تعذر فيه القصاص وإنما لم يثبت فيما دون النفس بشبه العمد لأن الله تعالى قال( وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ ) وقال( وَالسِّنَّ بِالسِّنِ ) ولم يفرق بين وقوعها بحديد أو غيره والأثر إنما ورد في إثبات خطأ معمد في القتل وذلك اسم شرعي لا يجوز إثباته إلا من طريق التوقيف ولم يرد فيما دون النفس توقيف في شبه العمد وأثبتوا فيه التغليظ إذا لم يمكن فيه القصاص لأنه بمنزلة شبه العمد حين كان عمدا في الفعل وقد روى عن عمر نضر الله وجهه أنه قضى قتادة المدلجي حين حذف ابنه بالسيف فقتله بمائة من الإبل مغلظة حين كان عمدا سقط فيه القصاص

٢٠٤

ذلك فيما دون النفس إذا كان عمدا قد سقط فيه القصاص إيجاب قسطه من الدية مغلظا ومع ذلك فلا نعلم خلافا بين الفقهاء في إيجاب القصاص في الجراحات التي يمكن القصاص فيها بأى شيء جرح قال أبو بكر قد ذكرنا الخطأ وشبه العمد في سورة البقرة والله أعلم.

باب مبلغ الدية من الإبل

قد تواترت الآثار عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بمقدار الدية وأنها مائة من الإبل فمنها حديث سهل ابن أبى حثمة في القتيل الموجود بخيبر وأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وداه بمائة من الإبل وروى سفيان ابن عيينة عن على بن زيد بن جدعان عن القاسم بن ربيعة عن ابن عمر قال خطبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة فقال ألا إن قتيل خطأ العمد بالسوط والعصا فيه الدية مغلظة مائة من الإبل أربعون خلفة في بطونها أولادها وفي كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وفي النفس مائة من الإبل وروى عمرو بن دينار عن طاوس قال فرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم دية الخطأ ماله من الإبل وذكر على بن موسى القمي قال حدثنا يعقوب بن شيبة قال حدثنا قيس بن حفص قال حدثنا الفضل بن سليمان النميري قال حدثنا غالب بن ربيعة ابن قيس النميري قال أخبرنى قرة بن دعموص النميري قال أتيت أنا وعمى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت يا رسول الله إن لي عند هذا دية أبى فمره أن يعطينيها قال أعطه دية أبيه وكان قتل في الجاهلية قلت يا رسول الله هل لأمى فيها حق قال نعم وكان ديته مائة من الإبل فقد حوى هذا الخبر أحكاما منها أن المسلم والكافر في الدية سواء لأنه أخبر أنه قتل في الجاهلية ومنها أن المرأة ترث من دية زوجها ومنها أن الدية مائة من الإبل ولا خلاف بين السلف وفقهاء الأمصار في ذلك والله أعلم.

باب أسنان الإبل في دية الخطأ

قال أبو بكر اختلف السلف في ذلك* فروى علقمة عن الأسود عن عبد الله بن مسعود في دية الخطأ أخماسا وعشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بنات مخاض وعشرون بنو مخاض وعشرون بنات لبون وعن عمر بن الخطاب أخماسا أيضا وروى عاصم بن ضمرة وإبراهيم عن على في دية الخطأ أرباعا خمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون بنات مخاض وخمس وعشرون بنات لبون أربعة

٢٠٥

أسنان مثل أسنان الزكاة وقال عثمان وزيد بن ثابت في الخطأ ثلاثون بنات لبون وثلاثون جذعة وعشرون بنو لبون وعشرون بنات مخاض وروى عنهما مكان الجذاع الحقاق قال أبو بكر واتفق فقهاء الأمصار أصحابنا ومالك والشافعى أن دية الخطأ أخماس إلا أنهم اختلفوا في الأسنان من كل صنف فقال أصحابنا جميعا عشرون بنات مخاض وعشرون بنو مخاض وعشرون بنات لبون وعشرون حقة وعشرون جذعة وقال مالك والشافعى عشرون بنات مخاض وعشرون بنو لبون وعشرون بنات لبون وعشرون حقة وعشرون جذعة* وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا أحمد بن داود بن توبة التمار قال حدثنا عمرو بن محمد الناقد قال حدثنا أبو معاوية قال حدثنا حجاج بن أرطاة عن زيد بن جبير عن خشف بن مالك عن عبد الله بن مسعود أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم جعل الدية في الخطأ أخماسا واتفق الفقهاء على استعمال هذا الخبر في الأخماس يدل على صحته ولم يبين فيه كيفية الأسنان فروى منصور عن إبراهيم عن ابن مسعود في دية الخطأ أخماسا وذكر الأسنان مثل قول أصحابنا فهذا يدل على أن الأخماس التي رواها عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم كانت على هذا الوجه لأنه غير جائز أن يروى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم شيئا ثم يخالفه إلى غيره* فإن قيل خشف بن مالك مجهول* قيل له استعمال الفقهاء الخبرة في إثبات الأخماس يدل على صحته واستقامته وأيضا فإن قول من جعل في الخطأ مكان بنو لبون بنى مخاض أولى لأن بنى لبون بمنزلة بنات مخاض لقولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فإن لم توجد ابنة مخاض فابن لبون فيصير بمنزلة من أوجب أربعين بنات مخاض إذا أوجب عشرين بنى لبون وعشرين بنات مخاض وأيضا فإن بنى لبون فوق بنى مخاض ولا يجوز إثبات زيادة ما بين بنى لبون وبنات مخاض إلا بتوقيف وأيضا فإن قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم الدية مائة من الإبل يقتضى جواز ما يقع عليه الاسم فلا تثبت الزيادة إلا بدلالة ومذهب أصحابنا أقل ما قيل فيه فهو ثابت وما زاد فلم تقم عليه دلالة فلا يثبت وأيضا قد ثبت مثل قول أصحابنا عن عبد الله بن مسعود في كيفية الأسنان ولم يرو عن أحد من الصحابة ممن قال بالأخماس خلافه وقول مالك والشافعى لا يروى عن أحد من الصحابة وإنما يروى عن سليمان بن يسار فكان قول أصحابنا أولى لاتفاق الجميع من فقهاء الأمصار على إثبات الأخماس وثبوت كيفيتها على الوجه الذي يذهب إليه أصحابنا عن عبد الله بن مسعود* فإن قيل إيجاب

٢٠٦

بنى لبون أولى من بنى مخاض لأنها تؤخذ في الزكاة ولا تؤخذ بنو مخاض* قيل له ابن اللبون يؤخذ في الزكاة على وجه البدل وكذلك ابن مخاض يؤخذ عندنا على وجه البدل فلا فرق بينهما وأيضا فإن الديات غير معتبرة بالزكاة ألا ترى أنه يجب عند المخالف أربعون خلفة في شبه العمد ولا يجب مثلها في الزكاة والله أعلم.

باب أسنان الإبل في شبه العمد

روى عن عبد الله بن مسعود في شبه العمد أرباعا خمس وعشرون بنات مخاض وخمس وعشرون بنات لبون وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وهي مثل أسنان الإبل في الزكاة* وروى عن على وأبى موسى والمغيرة بن شعبة في شبه العمد ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون ما بين ثنية إلى بازل عامها كلها خلفة وعن عثمان وزيد بن ثابت ثلاثون بنات لبون وثلاثون حقة وأربعون جذعة خلفة* وروى أبو إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن على في شبه العمد ثلاث وثلاثون حقة وثلاث وثلاثون جذعة وأربع وثلاثون ثنية إلى بازل عامها كلها خلفة * واختلف فقهاء الأمصار في ذلك فقال أبو حنيفة وأبو يوسف دية شبه العمد أرباع على ما روى عن عبد الله بن مسعود وقال محمد دية شبه العمد أثلاث ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون ما بين ثنية إلى بازل عامها كلها خلفة والخلفة هي الحوامل وهو قول سفيان الثوري وروى مثله عن عمر وزيد بن ثابت ومن قدمنا ذكره من السلف* وروى ابن القاسم بن مالك أن الدية المغلظة في الرجل يحذف ابنه بالسيف فيقتله فتكون عليه الدية مغلظة ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة وهي حالة قال والجد إذا قتل ولد ولده على هذا الوجه مثل الأب فإن قطع يد الولد وعاش ففيه نصف الدية مغلظة وقال مالك تغلظ على أهل الورق والذهب أيضا وهو أن ينظر إلى قيمة الثلاثون من الحقة والثلاثين من الجذعة والأربعين من الخلفة فيعرف كم قيمتهن ثم ينظر إلى دية الخطأ أخماسا من سنان عشرين بنت مخاض وعشرين ابن لبون وعشرين بنات لبون وعشرين حقة وعشرين جذعة ثم ينظركم فضل ما بين دية الخطأ والدية المغلظة فيزاد في الرقة على قدر ذلك قال وهو على قدر الزيادة والنقصان في سائر الأزمان وإن صارت دية التغليظ ضعفى دية الخطأ زيد عليه من الورق بقدر ذلك وقال الثوري في دية شبه العمد من

٢٠٧

الورق يزاد عليها بقدر ما بين دية الخطأ إلى دية شبه العمد في أسنان الإبل نحو ما قال مالك وهو قول الحسن بن صالح* قال أبو بكر لما ثبت أن دية الخطأ أخماس بما روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وبما قدمنا من الحجاج ثم اختلفوا في شبه العمد فجعله بعضهم أرباعا وبعضهم أثلاثا كان قول من قال بالأرباع أولى لأن في الأثلاث زيادة تغليظ لم تقم عليها دلالة وقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم الدية مائة من الإبل يوجب جواز الكل والتغليظ بالأرباع متفق عليه والزيادة عليها غير ثابتة فظاهر الخبر ينفيها فلم نثبتها وأيضا فإن في إثبات الخلفات وهي الحوامل إثبات زيادة عدد فلا يجوز لأنها تصير أكثر من مائة لأجل الأولاد* فإن قيل في حديث القاسم بن ربيعة عن ابن عمر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في قتيل خطأ العمد مائة من الإبل أربعون منها خلفة في بطونها أولادها وقد احتججتم به في إثبات شبه العمد فهلا أثبتم الأسنان* قيل له أثبتنا به شبه العمد لاستعمال الصحابة إياه في إثبات شبه العمد ولو كان ذلك ثابتا لكان مشهورا ولو كان كذلك لما اختلفوا فيه كما لم يختلفوا في إثبات شبه العمد وليس يمتنع أن يشتمل خبر على معان فيثبت بعضها ولا يثبت بعض إما لأنه غير ثابت في الأصل أو لأنه منسوخ وأما التغليظ في الورق والذهب فإنه لا يخلوا أصل الدية من أن يكون واجبا من الإبل وأن الورق والذهب مأخوذان عنها على أنهما قيمة لها أو أن تكون الدية في الأصل واجبة في أحد الأصناف الثلاثة من الدراهم والدنانير والإبل لا على أن بعضها بدل من بعض فإن كانت الإبل هي الدية وإنما تؤخذ الدراهم والدنانير بدلا منها فلا اعتبار بما ذكره مالك من إيجاب فضل ما بين دية الخطأ إلى الدية المغلظة وإنما الواجب أن يقال أن عليه قيمة الإبل على أسنان التغليظ وكذلك دية الخطأ ينبغي أن تعتبر فيها قيمة الإبل على أسنان الخطأ وأن لا تعتبر الدراهم والدنانير في الديات مقدرا محدودا فلا يقال أن الدية من الدراهم عشرة آلاف ولا اثنا عشر ألفا ولا من الذهب ألف دينار بل ينظر في سائر الأزمان إلى قيمة الإبل فإن كانت ستة آلاف أوجب ذلك من الدراهم بغير زيادة خمسة عشر ألفا أوجب ذلك وكذلك قيمتها من الدنانير فلما قال السلف في الدية أحد قولين إما عشرة آلاف وإما اثنا عشر ألفا وقالوا أنها من الدنانير ألف دينار حصل الاتفاق من الجميع على أن الزيادة على هذه المقادير والنقصان منها غير سائغ وفي ذلك

٢٠٨

دليل على أن الدراهم والدنانير هي ديات بأنفسها لا بدلا من غيرها وإن كان كذلك لم يجز التغليظ فيها من وجهين أحدهما أن إثبات التغليظ طريقه التوقيف أو الاتفاق ولا توقيف في إثبات التغليظ في الدراهم والدنانير ولا اتفاق والثاني أن التغليظ في الإبل إنما هو من جهة الأسنان لا من جهة زيادة العدد وفي إثبات التغليظ من جهة زيادة الوزن في الورق والذهب خروج عن الأصول ووجه آخر يدل على أن الدراهم والدنانير ليست على وجه القيمة عن الإبل وهو أنه معلوم أن القاضي يقضى على العاقلة إذا كانت من أهل الورق بالورق وإذا كانت من أهل الذهب بالدنانير فلو كانت الإبل هي الواجبة والدراهم والدنانير بدل منها لما جاز أن يقضى القاضي فيها بالدراهم والدنانير على أن تؤديها في ثلاث سنين لأنه دين بدين فلما جاز ذلك دل على أنها ديات بأنفسها ليست أبدالا عن غيرها ويدل على أن التغليظ غير جائز في الدراهم والدنانير أن عمر رضى الله عنه جعل الدية من الذهب ألف دينار ومن الورق ما اختلف عنه فيه فروى عنه أهل المدينة اثنا عشر ألفا وروى عنه أهل العراق عشرة آلاف ولم يفرق في ذلك بين دية شبه العمد والخطأ وذلك بمحضر من الصحابة من غير خلاف من أحد منهم عليه فدل على أن اعتبار التغليظ فيها ساقط ويدل عليه أيضا أن الصحابة قد اختلفت في كيفية التغليظ في أسنان الإبل لما كان التغليظ فيها واجبا ولو كان التغليظ في الورق والذهب واجبا لاختلفوا فيه حسب اختلافهم في الإبل فلما لم يذكر عنهم خلاف في ذلك وإنما روى عنهم في الذهب ألف دينار وفي الدراهم عشرة آلاف أو اثنا عشر ألفا من غير زيادة ولا نقصان ثبت بإجماعهم على نفى التغليظ في غير الإبل* فإن قيل على ما ذكرنا من الأصول لو كان من الإبل لكان قضاء القاضي عليهم بالدية من الدراهم يوجب أن يكون دينا بدين إن هذا كما يقولون فيمن تزوج امرأة على عبد وسط أنه إن جاء بالقيمة دراهم قبلت منه ولم يكن ذلك بيع دين بدين* قيل له القاضي عندنا لا يقضى عليه بدراهم إذا تزوجها على عبد ولكنه يقول له إن شئت فأعطها عبدا وسطا وإن شئت قيمته دراهم فليس فيما قلنا بيع دين بدين والدية يقضى بها القاضي على العاقلة دراهم ولا يقبل منهم الإبل إذا قضى بذلك وعلى أنه إنما تعتبر قيمة العبد في وقت ما يعطى قيمته دراهم والإبل لا تعتبر قيمتها إذا أراد القضاء بالدراهم سواء نقصت قيمتها أو زادت* واختلف

«١٤ ـ أحكام لث»

٢٠٩

السلف وفقهاء الأمصار في المقتول في الحرم والشهر الحرام فقال أبو حنيفة ومحمد وزفر وابن أبى ليلى ومالك القتل في الحرم والشهر الحرام كهو في غيره فيما يجب من الدية والقود وسئل الأوزاعى عن القتل في الشهر الحرام والحرم هل تغلظ الدية فيه بلغنا أنه إذا قتل في الحرم أو الشهر الحرام زيد العقل ثلثه ويزاد في شبه العمد في أسنان الإبل وذكر المزني عن الشافعى في مختصره وذكر تغليظ الدية في شبه العمد وقال الدية في هذا على العاقلة وكذلك الجراح وكذلك التغليظ في النفس والجراح في الشهر الحرام والبلد الحرام وذوى الرحم وروى عن عثمان أنه قضى في دية امرأة قتلت بمكة بدية وثلث وروى إبراهيم عن الأسود أن رجلا أصيب عند البيت فسأل عمر عليا فقال له على ديته من بيت المال فلم ير فيه على أكثر من الدية ولم يخالفه عمر وقال الله تعالى( وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ ) وهو عام في الحل والحرم ولما كانت الكفارة في الحرم كهي في الحل لا فرق بينهما وإن كان ذلك كله حقا لله تعالى وجب أن تكون الدية كذلك إذ الدية حق لآدمى ولا تعلق لها بالحرم ولا بالشهر الحرام لأن حرمة الحرم والشهر الحرام إنما هي حق لله تعالى فلو كان لحرمة الحرم والأشهر تأثير في إلزام الغرم لكان تأثيره في الكفارة التي هي حق لله تعالى أولى ويدل عليه قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ألا إن قتيل الخطأ العمد قتيل السوط والعصا فيه مائة من الإبل ولم يفرق بين الحل والحرم وقد اختلف التابعون في ذلك فروى عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وأبى بكر بن عبد الرحمن وخارجة بن زيد وعبيد الله بن عبد الله وسليمان بن يسار الدية في الحرم كهي في غيره وكذلك الشهر الحرام وروى عن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله أن من قتل في الحرم زيد على ذلك ديته مثل ثلثها والله أعلم.

باب الدية من غير الإبل

قال أبو حنيفة الدية من الإبل والدراهم والدنانير فمن الدراهم عشرة آلاف درهم ومن الدنانير ألف دينار وأبو حنيفة لا يرى الدية إلا من الإبل والورق والذهب وقال مالك والشافعى من الورق اثنا عشر ألفا ومن الذهب ألف دينار وقال مالك أهل الذهب أهل الشام ومصر وأهل الورق أهل العراق وأهل الإبل أهل البوادي وقال مالك ولا يقبل من أهل الإبل إلا الإبل ومن أهل الذهب إلا الذهب ومن أهل الورق إلا الورق وقال

٢١٠

أبو يوسف ومحمد الدية من الورق عشرة وعلى أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الإبل مائة بعير وعلى أهل البقر مائتا بقرة وعلى أهل الشاء ألفا شاة وعلى أهل الحلل مائتا حلة يمانية ولا يؤخذ من الغنم والبقر في الدية إلا الثنى فصاعدا ولا تؤخذ من الحلل إلا اليمانية قيمة كل حلة خمسون درهما فصاعدا وروى عن ابن أبى ليلى عن الشعبي عن عبيدة السلماني عن عمر أنه جعل الدية على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الشاء ألفى شاة وعلى أهل الحلل مائتي حلة وعلى أهل الإبل مائة من الإبل* قال أبو بكر الدية قيمة النفس وقد اتفق الجميع على أن لها مقدارا معلوما لا يزاد عليه ولا ينقص منه وأنها غير موكولة إلى اجتهاد الرأى كقيم المتلفات ومهور المثل ونحوهما وقد اتفق الجميع على إثبات عشرة آلاف واختلفوا فيما زاد فلم يجز إثباته إلا بتوقيف وقد روى هشيم عن يونس عن الحسن أن عمر بن الخطاب قوم الإبل في الدية مائة من الإبل قوم كل بعير بمائة وعشرين درهما اثنى عشر ألف درهم وقد روى عنه في الدية عشرة آلاف وجائز أن يكون من روى اثنى عشر ألفا على أنها وزن ستة فتكون عشرة آلاف وزن سبعة وذكر الحسن في هذا الحديث أنه جعل الدية من الورق قيمة الإبل لا أنه أصل في الدية وفي غير هذا الحديث أنه جعل الدية من الورق وروى عكرمة عن أبى هريرة في الدية عشرة آلاف درهم* فإن احتج محتج بما روى محمد ابن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال الدية اثنا عشر ألفا وروى ابن أبى نجيح عن أبيه أن عمر قضى في الدية باثنى عشر ألفا وروى نافع بن جبير عن ابن عباس مثله والشعبي عن الحارث عن على مثله* قيل له أما حديث عكرمة فإنه يرويه ابن عيينة وغيره عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يذكر فيه ابن عباس ويقال إن محمد بن مسلم غلط في وصله وعلى أنه لو ثبت جميع ذلك احتمل أن يريد بها اثنى عشر ألف درهم وزن ستة وإذا احتمل ذلك لم يجز إثبات الزيادة بالاحتمال ويثبت عشرة آلاف بالاتفاق وأيضا قد اتفق الجميع على أنها من الذهب ألف دينار وقد جعل في الشرع كل عشرة دراهم قيمة لدينار ألا ترى أن الزكاة في عشرين مثقالا وفي مائتي درهم فجعلت مائتا الدرهم نصابا بإزاء العشرين دينارا كذلك ينبغي أن يجعل بإزاء كل دينار من الدية عشرة دراهم* وإنما لم يجعل أبو حنيفة الدية من غير الأصناف

٢١١

الثلاثة من قبل أن الدية لما كانت قيمة النفس كان القياس أن لا تكون إلا من الدراهم والدنانير كقيم سائر المتلفات إلا أنه لما جعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قيمتها من الإبل اتبع الأثر فيها ولم يوجبها من غيرها والله أعلم.

باب ديات أهل الكفر

قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر وعثمان البتى وسفيان الثوري والحسن بن صالح دية الكافر مثل دية المسلم واليهودي والنصراني والمجوسي والمعاهد والذمي سواء وقال مالك بن أنس دية أهل الكتاب على دية المسلم ودية المجوسي ثمان مائة درهم وديات نسائهم على النصف من ذلك وقال الشافعى دية اليهودي والنصراني ثلث الدية ودية المجوسي ثمان مائة والمرأة على النصف* قال أبو بكر الدليل على مساواتهم المسلمين في الديات قوله عز وجل( وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا ـ إلى قوله ـوَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ ) والدية اسم لمقدار معلوم من المال بدلا من نفس الحر لأن الديات قد كانت متعالمة معروفة بينهم قبل الإسلام وبعده فرجع الكلام إليها في قوله في قتل المؤمن خطأ ثم لما عطف عليه قوله تعالى( وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ ) كانت هذه الدية المذكورة بديا إذ لو لم تكن كذلك لما كانت دية لأن الدية اسم لمقدار معلوم من بدل النفس لا يزيد ولا ينقص وقد كانوا قبل ذلك يعرفون مقادير الديات ولم يكونوا يعرفون الفرق بين دية المسلم والكافر فوجب أن تكون الدية المذكورة للكافر هي التي ذكرت للمسلم وأن يكون قوله تعالى( فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ ) راجعا إليها كما عقل من دية المسلم أنها المعتاد المتعارف عندهم ولو لا أن ذلك كذلك لكان اللفظ مجملا مفتقرا إلى البيان وليس الأمر كذلك* فإن قيل فقوله تعالى( فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ ) لا يدل على أنها مثل دية المسلم كما أن دية المرأة على النصف من دية الرجل ولا يخرجها ذلك من أن تكون دية كاملة لها* قيل له هذا غلط من وجهين أحدهما أن الله تعالى إنما ذكر الرجل في الآية فقال( وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً ) ثم قال( وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ ) فكما اقتضى فيما ذكره للمسلم كمال الدية كذلك دية المعاهد لتساويهما في اللفظ مع وجود التعارف عندهم في مقدار الدية والوجه الآخر أن دية المرأة لا يطلق عليها اسم الدية

٢١٢

وإنما يتناولها الاسم مقيدا ألا ترى أنه يقال دية المرأة نصف الدية وإطلاق اسم الدية إنما يقع على المتعارف المعتاد وهو كمالها* فإن قيل قوله تعالى( وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ ) يحتمل أن يريد به وإن كان المقتول المؤمن من قوم بينكم وبينهم ميثاق فاكتفى بذكر الإيمان للقتيلين الأولين عن إعادته في القتيل الثالث* قيل له هذا غلط من وجوه أحدها أنه قد تقدم في أول الخطاب ذكر القتيل المؤمن خطأ وحكمه وذلك عموم يقتضى سائر المؤمنين إلا ما خصه الدليل فغير جائز إعادة ذكر المؤمن بذلك الحكم في سياق الآية مع شمول أول الآية له ولغيره فعلمنا أنه لم يرد المؤمن ممن كان بيننا وبينهم ميثاق والثاني لما يقيده بذكر الإيمان وجب إجراؤه في الجميع من المؤمنين والكفار من قوم بيننا وبينهم ميثاق وغير جائز تخصيصه بالمؤمنين دون الكافرين بغير دلالة والثالث أن إطلاق القول بأنه من المعاهدين يقتضى أن يكون معاهدا مثلهم ألا ترى أن قول القائل إن هذا الرجل من أهل الذمة يفيد أنه ذمي مثلهم وظاهر قوله تعالى( وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ ) يوجب أن يكون معاهدا مثلهم ألا ترى أنه لما أراد بيان حكم المؤمن إذا كان من ذوى أنساب المشركين قال( فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ) فقيده بذكر الإيمان لأنه لو أطلقه لكان المفهوم منه كافر مثلهم والرابع أنه لو كان كما قال هذا القائل لما كانت الدية مسلمة إلى أهله لأن أهله كفار لا يرثونه فهذه الوجوه كلها تقتضي المساواة وفساد هذا التأويل* ويدل على صحة قول أصحابنا أيضا ما رواه محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال لما نزلت( فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ ) الآية قال كان إذا قتل بنو النضير من بنى قريظة قتيلا أدوا نصف الدية وإذا قتل بنو قريظة من بنى النضير أدوا الدية إليهم قال فسوى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بينهم في الدية * قال أبو بكر لما قال أدوا الدية ثم قال سوى بينهم في الدية دل ذلك على أنه راجع إلى الدية المعبودة المبدوء بذكرها لأنه لو كان رد بنى النضير إلى نصفها لقال سوى بينهم في نصف الدية ولم يقل سوى بينهم الدية ويدل عليه أيضا قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في النفس مائة من الإبل وهو عام في الكافر والمسلم وروى مقسم عن ابن عباس أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ودى العامريين وكانا مشركين دية الحرين المسلمين وروى محمد بن عبدوس قال حدثنا على بن الجعد قال حدثنا أبو بكر قال سمعت نافعا عن ابن عمر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه ودى ذميا دية مسلم وهذان الخبران يوجبان

٢١٣

مساواة الكافر للمسلم في الدية لأنه معلوم أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وداهما بما في الآية في قوله عز وجل( وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ ) فدل على أن المراد من الآية دية المسلم وأيضا لما لم يكن مقدار الدية مبينا في الكتاب كان فعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذلك واردا مورد البيان وفعلهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا ورد مورد البيان فهو على الوجوب وروى أبو حنيفة عن الهيثم عن أبى الهيثم أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان قالوا دية المعاهد دية الحر المسلم وروى إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب قال كان أبو بكر وعمر وعثمان يجعلون دية اليهودي والنصراني إذا كانوا معاهدين مثل دية المسلم وروى سعيد بن أبى أيوب قال حدثني يزيد بن أبى حبيب أن جعفر بن عبد الله بن الحكم أخبره أن رفاعة بن السموءل اليهودي قتل بالشام فجعل عمر ديته ألف دينار وروى محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح عن مجاهد عن ابن مسعود قال دية أهل الكتاب مثل دية المسلمين وهو قول علقمة وإبراهيم ومجاهد وعطاء والشعبي وروى الزهري عن سالم عن أبيه أن مسلما قتل كافرا من أهل العقد فقضى عليه عثمان بن عفان بدية المسلم فهذه الأخبار وما ذكرنا من أقاويل السلف مع موافقتها لظاهر الآية توجب مساواة الكافر للمسلم في الديات وقد روى عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم ودية المجوسي ثمان مائة قال سعيد وقضى عثمان في دية المعاهد بأربعة آلاف* قال أبو بكر وقد روى عنهما خلاف ذلك وقد ذكرناه واحتج المخالف بما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لما دخل مكة عام الفتح قال في خطبته ودية الكافر نصف دية المسلم وبما روى عبد الله بن صالح قال حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبى حبيب عن أبى الخير عن عقبة بن عامر قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم دية المجوس ثمان مائة * قيل له قد علمنا حضور هؤلاء الصحابة الذين ذكرنا عنهم مقدار الدية خطبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة فلو كان ذلك ثابتا لعرفه هؤلاء ولما عدلوا عنه إلى غيره وأيضا قد روى عنهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال دية المعاهد مثل دية المسلم وأنه ودى العامريين دية الحرين المسلمين وهذا أولى لما فيه من الزيادة ولو تعارض الخبران لكان ما اقتضاه ظاهر الكتاب وما ورد به النقل المتواتر عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وسلم في أن الدية مائة من الإبل من غير فصل فيه بين المسلم والكافر أولى فوجب تساويهما في الديات وأما حديث عقبة بن عامر في دية المجوسي فإنه حديث واه لا يحتج بمثله لأن ابن

٢١٤

لهيعة ضعيف لا سيما من رواية عبد الله بن صالح عنه* فإن قيل قوله تعالى( فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ ) عطفا على ما ذكر في دية المسلم لا يدل على تساوى الديتين كما لو قال من قتل عبدا فعليه قيمته ومن استهلك ثوبا فعليه قيمته لم يدل على تساوى القيمتين* قيل له الفرق بينهما أن الدية اسم لمقدار من المال بدلا من نفس الحر كانت معلومة المقدار عندهم وهي مائة من الإبل فمتى أطلقت كان من مفهوم اللفظ هذا القدر فإطلاق لفظ الدية قد أنبأ عن هذا المعنى وعطفها على الدية المتقدمة مع تساوى اللفظ فيهما بأنها دية مسلمة قد اقتضى ذلك أيضا والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.

باب المسلم يقيم في دار الحرب فيقتل قبل أن يهاجر إلينا

قال الله تعالى( فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ) روى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى( فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) قال يكون الرجل مؤمنا وقومه كفار فلا دية له ولكن عتق رقبة مؤمنة* قال أبو بكر هذا محمول على الذي يسلم في دار الحرب فيقتل قبل أن يهاجر إلينا لأنه غير جائز أن يكون مراده في مؤمن في دار الإسلام إذا قتل وله أقارب كفار لأنه لا خلاف بين المسلمين أن على قاتله الدية لبيت المال وأن كون أقربائه كفارا لا يوجب سقوط ديته لأنهم بمنزلة الأموات حيث لا يرثونه وروى عطاء بن السائب عن أبى يحيى عن ابن عباس( فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ ) الآية قال كان الرجل يأتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فيسلم ثم يرجع إلى قومه فيكون فيهم فيصيبه المسلمون خطأ في سرية أو غزاة فيعتق الذي يصيبه رقبة قال أبو بكر إذا أسلم في دار الإسلام لم تسقط ديته برجوعه إلى دار الحرب كسائر المسلمين لأن ما بينه وبين المشركين من القرابة لا تأثير له في إسقاط قيمة دمه كسائر أهل دار الإسلام إذا دخلو دار الحرب بأمان على القاتل الدية وروى عن ابن عباس وقال قتادة هو المسلم يكون في المشركين فيقتله المؤمن ولا يدرى ففيه عتق رقبة وليس فيه دية وهذا على أنه يقتل قبل الهجرة إلى دار الإسلام وروى مغيرة عن إبراهيم( فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ ) قال هو المؤمن يقتل وقومه مشركون ليس بينهم وبين النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم عهد فعليه تحرير رقبة وإن كان بينهم وبين النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم عهد أدى ديته إلى قرابته الذين بينهم وبين النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم عهد* قال أبو بكر وهذا لا معنى له من قبل أن أقرباءه لا يرثونه لأنهم كفار

٢١٥

وهو مسلم فكيف يأخذون ديته وإن كان قومه أهل حرب وهو من أهل الإسلام فالدية واجبة لبيت المال كمسلم قتل في الإسلام ولا وارث له* وقد اختلف فقهاء الأمصار فيمن قتل في دار الحرب وهو مؤمن قبل أن يهاجر فقال أبو حنيفة وأبو يوسف في الرواية المشهورة ومحمد في الحربي يسلم فيقتله مسلم مستأمن قبل أن يخرج فلا شيء عليه إلا الكفارة في الخطأ وإن كان مستأمنين دخلا دار الحرب فقتل أحدهما صاحبه فعليه الدية في العمد والخطأ والكفارة في الخطأ خاصة وإن كانا أسيرين فلا شيء على القاتل إلا الكفارة في الخطأ في قول أبى حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد الدية في العمد والخطأ وروى بشر بن الوليد عن أبى يوسف في الحربي يسلم في دار الحرب فيقتله رجل مسلم قبل أن يخرج إلينا أن عليه الدية استحسانا ولو وقع في بئر حفرها أو وقع عليه ميزاب عمله لم يضمن شيئا وهذا خلاف المشهور من قوله وخلاف القياس أيضا* وقال مالك إذا أسلم في دار الحرب فقتل قبل أن يخرج إلينا فعلى قاتله الدية والكفارة إن كان خطأ قال وقوله تعالى( فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ) إنما كان في صلح النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أهل مكة لأن من لم يهاجر لم يورث لأنهم كانوا يتوارثون بالهجرة قال الله تعالى( وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا ) فلم يكن لمن يهاجر ورثة يستحقون ميراثه فلم تجب الدية ثم نسخ ذلك بقوله( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) وقال الحسن بن صالح من أقام في أرض العدو وإن انتحل الإسلام وهو يقدر على التحويل إلى المسلمين فأحكامه أحكام المشركين وإذا أسلم الحربي فأقام ببلادهم وهو يقدر على الخروج فليس بمسلم يحكم فيه بما يحكم على أهل الحرب في ماله ونفسه وقال الحسن إذا لحق الرجل بدار الحرب ولم يرتد عن الإسلام فهو مرتد بتركه دار الإسلام* وقال الشافعى إذا قتل المسلم مسلما في دار الحرب في الغارة أو الحرب وهو لا يعلمه مسلما فلا عقل فيه ولا قود وعليه الكفارة وسواء كان المسلم أسيرا أو مستأمنا أو رجلا أسلم هناك وإن علمه مسلما فقتله فعليه القود* قال أبو بكر لا يخلو قوله تعالى( فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ) من أن يكون المراد به الحربي الذي يسلم فيقتل قبل أن يهاجر على ما قاله أصحابنا أو المسلم الذي له قرابات من أهل الحرب لأن قوله تعالى( فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ ) يحتمل المعينين جميعا بأن يكون من

٢١٦

أهل دار الحرب وبأن يكون ذا نسب من أهل الحرب فلو خلينا والظاهر لأسقطنا دية من قتل في دار الإسلام من المسلمين إذا كان ذا قرابة من أهل الحرب لاقتضاء الظاهر ذلك فلما اتفق المسلمون على أن كونه ذا قرابة من أهل الحرب لا يسقط حكم دمه في إيجاب الدية أو القود إذا قتل في دار الإسلام دل ذلك على أن المراد من كان مسلما من أهل دار الحرب لم يهاجر إلى دار الإسلام فيكون الواجب على قاتله خطأ الكفارة دون الدية لأن الله تعالى إنما أوجب فيه الكفارة ولم يوجب الدية وغير جائز أن يزاد في النص إلا بنص مثله إذ كانت الزيادة في النص توجب النسخ* فإن قيل هلا أوجبت الدية بقوله تعالى( وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ ) قيل له غير جائز أن يكون هذا المؤمن مرادا بالمؤمن المذكور في أول الآية لأن فيها إيجاب الدية والرقبة فيمتنع أن نعطفه عليه ونشرط كونه من أهل دار الحرب ونوجب فيه الرقبة وهو قد أوجبها بديا مع الدية في ابتداء الخطاب وأيضا فإن قوله( فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) استيناف كلام يتقدم له ذكر في الخطاب لأنه لا يجوز أن يقال أعط هذا رجلا وإن كان رجلا فأعطه هذا كلام فاسد لا يتكلم به حكيم فثبت أن هذا المؤمن المعطوف على الأول غير داخل في أول الخطاب* ويدل عليه من جهة السنة ما حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا هناد بن السرى قال حدثنا أبو معاوية عن إسماعيل عن قيس عن جرير بن عبد الله قال بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم سرية إلى جعثم فاعتصم ناس منهم بالسجود فأسرع فيهم القتل فبلغ ذلك النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فأمر لهم بنصف العقل وقال أنا برىء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين قالوا يا رسول الله لم قال لا تراءى ناراهما وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا محمد بن على بن شعيب قال حدثنا ابن عائشة قال حدثنا حماد ابن سلمة عن الحجاج عن إسماعيل عن قيس عن جرير بن عبد الله قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم من أقام مع المشركين فقد برئت منه الذمة أو قال لا ذمة له قال ابن عائشة هو الرجل يسلم فيقيم معهم فيغزون فإن أصيب فلا دية له لقولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقد برئت منه الذمة * وقوله أنا برىء منه يدل على أن لا قيمة لدمه كأهل الحرب الذين لا ذمة لهم ولما أمر لهم بنصف العقل في الحديث الأول كان ذلك على أحد وجهين إما أن يكون الموضع الذي قتل فيه كان مشكوكا في أنه من دار الحرب أو من دار الإسلام أو أن يكون النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم تبرع

٢١٧

به لأنه لو كان جميعه واجبا لما اقتصر على نصفه* وحدثنا عبد الباقي قال حدثنا عبد الله ابن أحمد بن حنبل قال حدثنا شيبان قال حدثنا سليمان يعنى ابن المغيرة قال حدثنا حميد ابن هلال قال أتانى أبو العالية وصاحب لي فانطلقنا حتى أتينا بشر بن عاصم الليثي فقال أبو العالية حدث هذين فقال بشر حدثني عقبة بن مالك الليثي وكان من رهطه قال بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم سرية فأغارت على قوم فشذ رجل من القوم واتبعه رجل من السرية ومعه السيف شاهرة فقال الشاذاني مسلم فضربه فقتله فنمى الحديث إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال فيه قولا شديدا فقال القاتل يا رسول الله ما قال إلا تعوذا من القتل فأعرض عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم مرارا تعرف المساءة في وجهه وقال إن الله أبى على أن أقتل مؤمنا ثلاث مرات قال أبو بكر فأخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بإيمان المقتول ولم يوجب على قاتله الدية لأنه كان حربيا لم يهاجر بعد إسلامه* وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا الحسن بن على وعثمان بن أبى شيبة قالا حدثنا يعلى بن عبيد عن الأعمش عن أبى ظبيان قال حدثنا أسامة بن زيد قال بعثنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم سرية إلى الحرقات فنذروا بنا فهربوا فأدركنا رجلا فلما غشيناه قال لا إله إلا الله فضربناه حتى قتلناه فذكرته النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة فقلت يا رسول الله إنما قالها مخافة السلاح قال أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم من أجل ذلك قالها أم لا من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة فما زال يقولها حتى وددت أنى لم أسلم إلا يومئذ وهذا الحديث أيضا يدل على ما قلنا لأنه لم يوجب عليه شيئا* وهو حجة على الشافعى في إيجابه القود على قاتل المسلم في دار الحرب إذا علم أنه مسلم لأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قد أخبر بإسلام هذا الرجل ولم يوجب على أسامة دية ولا قودا* وأما قول مالك إن قوله تعالى( فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ ) إنما كان حكما لمن أسلم ولم يهاجر وهو منسوخ بقوله تعالى( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) فإنه دعوى لنسخ حكم ثابت في القرآن بلا دلالة وليس في نسخ التوارث بالهجرة وإثباته بالرحم ما يوجب نسخ هذا الحكم بل هو حكم ثابت بنفسه لا تعلق له بالميراث وعلى أنه في حال ما كان التوارث بالهجرة قد كان من لم يهاجر من القرابات يرث بعضهم بعضا وإنما كانت الهجرة قاطعة للميراث بين المهاجر وبين من لم يهاجر فأما من لم يهاجر فقد كانوا يتوارثون بأسباب أخر فلو كان الأمر على ما قال مالك لوجب أن تكون ديته واجبة لمن لم يهاجر من أقربائه لأنه معلوم أنه

٢١٨

لم يكن ميراث من لم يهاجر مهملا لا مستحق له فلما لم يوجب الله تعالى له دية قبل الهجرة لا للمهاجرين ولا لغيرهم علمنا أنه كان مبقى على حكم الحرب لا قيمة لدمه وقوله تعالى( فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ ) يفيد أنه ما لم يهاجر فهو أهل دار الحرب باق على حكمه الأول في أن لا قيمة لدمه وإن كان دمه محظورا إذ كانت النسبة إليهم قد تصح بأن يكون من بلدهم وإن لم يكن بينه وبينهم رحم بعد أن يجمعهم في الوطن بلد أو قرية أو صقع فنسبه الله إليهم بعد الإسلام إذ كان من أهل ديارهم ودل بذلك على أن لا قيمة لدمه وأما قول الحسن بن صالح في أن المسلم إذا لحق بدار الحرب فهو مرتد فإنه خلاف الكتاب والإجماع لأن الله تعالى قال( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا ) فجعلهم مؤمنين مع إقامتهم في دار الحرب بعد إسلامهم وأوجب علينا نصرتهم بقوله( وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ ) ولو كان ما قال صحيحا لوجب أن لا يجوز للتجار دخول دار الحرب بأمان وأن يكونوا بذلك مرتدين وليس هذا قول أحد فإن احتج محتج بما حدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا إسماعيل بن الفضل وعبد ان المروزى قالا حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا حميد بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبى إسحاق عن الشعبي عن جرير قال سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول إذا أبق العبد إلى المشركين فقد حل دمه فإن هذا محمول عندنا على أنه قد لحق بهم مرتدا عن الإسلام لأن أباق العبد لا يبيح دمه واللحاق بدار الحرب كدخول الناجر إليها بأمان فلا يبيح دمه وأما قول الشافعى في أن من أصاب مسلما في دار الحرب وهو لا يعلمه مسلما فلا شيء عليه وإن علم إسلامه أقيد به فإنه متناقض من قبل أنه إذا ثبت أن لدمه قيمة لم يختلف حكم العمد والخطأ في وجوب بدله في العمد وديته في الخطأ فإذا لم يجب في الخطأ شيء كذلك حكم العمد فيه ولما ثبت بما قدمنا أنه لا قيمة لدم المقيم في دار الحرب بعد إسلامه قبل الهجرة إلينا وكان مبقى على حكم الحرب وإن كان محظور الدم أجروه أصحابنا مجرى الحربي في إسقاط الضمان عن متلف ماله لأن دمه أعظم حرمة من ماله ولا ضمان على متلف نفسه فما له أحرى أن لا يجب فيه ضمان وأن يكون كمال الحربي من هذا الوجه ولذلك أجاز أبو حنيفة مبايعته على سبيل ما يجوز مبايعته الحربي من بيع الدرهم بالدرهمين في دار الحرب وأما الأسير في دار الحرب فإن أبى حنيفة أجراه مجرى الذي أسلم هناك قبل أن يهاجر وذلك لأن

٢١٩

إقامته هناك لا على وجه الأمان وهو مقهور مغلوب فلما استويا من هذا الوجه استوى حكمهما في سقوط الضمان عن قاتلهما والله أعلم.

ذكر أقسام القتل وأحكامه

قال أبو بكر القتل ينقسم إلى أربعة أنحاء واجب ومباح ومحظور وما ليس بواجب ولا محظور ولا مباح فأما الواجب فهو قتل أهل الحرب المحاربين لنا قبل أن يصيروا في أيدينا بالأسر أو بالأمان أو العهد وذلك في الرجال منهم دون النساء اللاتي لا يقاتلن ودون الصغار الذين لا يقاتلون المحاربين إذا خرجوا ممتنعين وقتلوا وصاروا في يد الإمام قبل التوبة وقتل أهل البغي إذا قاتلونا وقتل من غير قصد إنسانا محظور الدم بالقتل فعلينا قتله وقتل الساحر والزاني المحصن رجما وكل قتل وجب على وجه الحد فهذه ضروب القتل الواجب وأما المباح فهو القتل الواجب لولى الدم على وجه القود فهو مخير بين القتل والعفو فالقتل هاهنا مباح ليس بواجب وكذلك قتل أهل الحرب إذا صاروا في أيدينا فالإمام مخير بين القتل والاستبقاء وكذلك من دخل دار الحرب وأمكنه القتل والأسر فهو مخير بين أن يقتل وبين أن يأسر وأما المحظور فإنه ينقسم إلى أنحاء منها ما يجب فيه القود هو قتل المسلم عمدا في دار الإسلام العاري من الشبهة فعلى القاتل القود في ذلك ومنها ما تجب فيه الدية دون القود وهو قتل شبه العمد وقتل الأب ابنه وقتل الحربي المستأمن والمعاهد وما يدخله الشبهة فيسقط القود وتجب الدية ومنها ما لا يجب فيه شيء وهو قتل المسلم في دار الحرب قبل أن يهاجر وقتل الأسير في دار الحرب من المسلمين على قول أبى حنيفة وقتل المولى لعبده هذه ضروب من القتل محظورة ولا يجب على القاتل فيها شيء غير التعزير وأما ما ليس بواجب ولا مباح ولا محظور فهو قتل المخطئ والساهي والنائم والمجنون والصبى وقد بينا حكمه فيما سلف قوله تعالى( وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ) قال ابن عباس والشعبي وقتادة والزهري هو الرجل من أهل الذمة يقتل خطأ فتجب على قاتله الدية والكفارة وهو قول أصحابنا وقال إبراهيم والحسن وجابر بن زيد أراد وإن كان المؤمن المقتول من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة وكانوا لا يوجبون الكفارة على قاتل الذمي وهو مذهب مالك وقد بينا فيما سلف أن ظاهر

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388