أحكام القرآن الجزء ٣

أحكام القرآن15%

أحكام القرآن مؤلف:
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 388

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 388 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 79941 / تحميل: 5627
الحجم الحجم الحجم
أحكام القرآن

أحكام القرآن الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

عند عدم الولد وسماهم كلالة وعدم الوالد مشروط فيها وإن لم يكن مذكورا لقوله تعالى في أول السورة( وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ) فلم يجعل للأخوة ميراثا مع الأب فخرج الوالد من الكلالة كما خرج الولد لأنه لم يورثهم مع الأب كما لم يورثهم مع الابن والبنت أيضا ليست بكلالة فإن ترك ابنة أو ابنتين وإخوة وأخوات لأب وأم أو لأب فالبنات لسن بكلالة ومن ورث معهما كلالة* وقال تعالى في أول السورة( وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ ) فهذه الكلالة هي الأخ والأخت لأم لا يرثان مع والد ولا ولد ذكرا كان أو أنثى وقد روى أن في قراءة سعد بن أبى وقاص [وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت لأم] فلا خلاف مع ذلك أن المراد بالأخ والأخت هاهنا إذا كانا لأم دونهما إذا كانا لأب وأم أو لأب وقد روى عن طاوس عن ابن عباس أن الكلالة ما عدا الولد وورث الإخوة من الأم مع الأبوين السدس وهو السدس الذي حجبت الأم عنه وهو قول شاذ* وقد بينا ما روى عنه أنها ما عدا الوالد والولد ولا خلاف أن الإخوة* والأخوات من الأم يشتركون في الثلث ولا يفضل منهم ذكر على أنثى* وقد اختلفوا في الجد هل يورث كلالة فقال قائلون لم يورث كلالة وقال آخرون بل هو كلالة وهو قول من يورث الأخوة والأخوات مع الجد والأولى أن يكون خارجا من الكلالة لثلاثة أوجه أحدها أنهم لا يختلفون أن ابن الابن خارج عن الكلالة لأنه منسوب إلى الميت بالولاد فواجب على هذا خروج الجد منها إذا كانت النسبة بينهما من طريق الولاد ومن جهة أخرى أن الجد هو أصل النسب كالأب وليس بخارج عنه فوجب أن يكون خارجا عن الكلالة إذا كانت الكلالة ما تكلل على النسب وتعطف عليه ممن ليس أصل النسب متعلقا به والثالث أنهم لا يختلفون أن قوله تعالى( وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ ) لم يدخل فيه الجد وأنه خارج عنه لا يرث معه الإخوة من الأم كما لا يرثون مع الابن والبنت فدل ذلك على أن الجد بمنزلة الأب في خروجه عن الكلالة وهذا يدل على أن الجد بمنزلة الأب في نفى مشاركة الإخوة والأخوات إياه في الميراث* فإن قيل هذا لا يدل على ما ذكرته من قبل

٢١

أن البنت خارجة عن الكلالة ولا يرث معها الإخوة والأخوات من الأم ويرث معها الإخوة والأخوات من الأب والأم فكذلك الجد* قيل له لم نجعل ما ذكرناه علة للمسئلة فيلزمنا ما وصفت وإنما قلنا أنه لما لم يتناوله اسم الكلالة كالأب والابن اقتضى ظاهر الآية أن يكون ميراث الإخوة والأخوات عند عدمه إلا أن تقوم الدلالة على توريثهم معه والبنت وإن كانت خارجة عن الكلالة فقد قامت الدلالة على توريث الإخوة والأخوات من الأب معها فخصصناها من الظاهر وبقي حكم اللفظ فيما سواه ممن يشتمله اسم الكلالة والله أعلم.

باب العول

روى الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال أول من أعال الفرائض عمر بن الخطاب لما التوت عليه الفرائض ودافع بعضها بعضا قال والله ما أدرى أيكم قدم الله ولا أيكم أخر وكان امرأ ورعا فقال ما أجد شيئا هو أوسع لي أن أقسم المال عليكم بالحصص وأدخل على كل ذي حق ما أدخل عليه من عول الفريضة وروى أبو إسحاق عن الحارث عن على في بنتين وأبوين وامرأة قال صار ثمنها تسعا وكذلك رواه الحكم بن عتيبة عنه وهو قول عبد الله وزيد بن ثابت وقد روى أن العباس ابن عبد المطلب أول من أشار على عمر بالعول قال عبيد الله بن عبد الله قال ابن عباس أول من أعال الفرائض عمر بن الخطاب وأيم الله لو قدم من قدم الله لما عالت فريضة فقيل له وأيها التي قدم الله وأيها التي أخر قال كل فريضة لم تزل عن فريضة إلا إلى فريضة فهي التي قدم الله وكل فريضة إذا زالت عن فرضها لم يكن لها إلا ما بقي فهي التي أخر الله تعالى فأما التي قدم الله تعالى فالزوج والزوجة والأم لأنهم لا يزولون من فرض إلا إلى فرض والبنات والأخوات نزلن من فرض إلى تعصيب مع البنتين والإخوة فيكون لهن ما بقي مع الذكور فنبدأ بأصحاب السهام ثم يدخل الضرر على الباقين وهم الذين يستحقون ما بقي إذا كانوا عصبة قال عبيد الله بن عبد الله فقلنا له فهلا راجعت فيه عمر فقال إنه كان امرأ مهيبا ورعا قال ابن عباس ولو كلمت فيه عمر لرجع وقال الزهري لو لا أنه تقدم ابن عباس إمام عدل فأمضى أمرا فمضى وكان امرأ ورعا ما اختلف على ابن عباس اثنان من أهل العلم وروى محمد بن إسحاق عن ابن أبى نجيح

٢٢

عن عطاء بن أبى رباح قال سمعت ابن عباس ذكر الفرائض وعولها فقال أترون الذي أحصى رمل عالج عددا جعل في مال قسمه نصفا ونصفا وثلثا فهذا النصف وهذا النصف فأين موضع الثلث قال عطاء فقلت لابن عباس يا أبا عباس إن هذا لا يغنى عنك ولا عنى شيئا لو مت أومت قسما ميراثنا على ما عليه القوم من خلاف رأيك ورأيى قال فإن شاءوا فلندع أبناءنا وأبناءهم ونساءنا ونساءهم وأنفسنا وأنفسهم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ما جعل الله في مال نصفا ونصفا وثلثا* والحجة للقول الأول أن الله تعالى قد سمى للزوج النصف وللأخت من الأب والأم النصف وللأخوة من الأم الثلث ولم يفرق بين حال اجتماعهم وانفرادهم فوجب استعمال نص الآية في كل موضع على حسب الإمكان فإذا انفرد واتسع المال لسهامهم قسم بينهم عليها وإذا اجتمعوا وجب استعمال حكم الآية في التضارب بها ومن اقتصر على بعض وأسقط بعضا أو نقص نصيب بعض ووفى الآخرين كمال سهامهم فقد أدخل الضيم على بعضهم مع مساواته للآخرين في التسمية فأما ما قاله ابن عباس من تقديم من قدم الله تعالى وتأخير من أخر فإنما قدم بعضا وأخر بعضا وجعل له الباقي في حال التعصيب فأما حال التسمية التي لا تعصيب فيها فليس واحد منهم أولى بالتقديم من الآخر ألا ترى أن الأخت منصوص على فرضها بقوله تعالى( وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ ) كنصه على فرض الزوج والأم والأخوة من الأم فمن أين وجب تقديم هؤلاء عليها في هذه الحال وقد نص الله تعالى على فرضها في هذه الحال كما نص على فرض الدين معها وليس يجب لأن الله أزال فرضها إلى غير فرض في موضع أن يزيل فرضها في الحال التي نص عليه فيها فهذا القول أشنع في مخالفة الآي التي فيها سهام المواريث من القول بإثبات نصف ونصف وثلث على وجه المضاربة بها ولذلك نظائر في المواريث من الأصول أيضا* قال الله تعالى( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ) فلو ترك الميت ألف درهم وعليه دين لرجل ألف درهم ولآخر خمس مائة ولآخر ألف كانت الألف المتروكة مقسومة بينهم على قدر ديونهم وليس يجوز أن يقال لما لم يمكن استيفاء ألفين وخمس مائة من ألف استحال الضرب بها وكذلك لو أوصى رجل بثلث ماله لرجل وبسدسه لآخر ولم تجز ذلك الورثة تضاربا في الثلث بقدر وصياهم فيضرب أحدهما بالسدس والآخر بالثلث مع استحالة استيفاء النصف

٢٣

من الثلث وكذلك الابن يستحق جميع المال لو انفرد وللبنت النصف لو انفردت فإذا اجتمعا ضرب الابن بجميع المال والبنت بالنصف فيكون المال بينهما أثلاثا وهكذا سبيل العول في الفرائض عند تدافع السهام والله أعلم.

باب المشركة

اختلف أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في مسألة المشركة وهي أن تخلف المورثة زوجها وأمها وإخوتها لأمها وإخوتها لأبيها وأمها فقال على بن أبى طالب وعبد الله بن عباس وأبى بن كعب وأبو موسى الأشعرى للزوج النصف وللأم السدس وللأخوين من الأم الثلث وسقط الأخوة والأخوات من الأب والأم وروى سفيان الثوري عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة قال سئل على عن الأخوة من الأم فقال أرأيتم لو كانوا مائة أكنتم تزيدونهم على الثلث قالوا لا قال فأنا لا أنقصهم منه شيئا وجعل الأخوة والأخوات من الأب والأم عصبة في هذه الفريضة وقد حالت السهام دونهم وقال عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت للزوج النصف وللأم السدس وللأخوين من الأم الثلث ثم يرجع الأخوة من الأب والأم على الأخوة من الأم فيشاركونهم فيكون الثلث الذي أخذوه بينهم سواء* وروى معمر عن سماك ابن الفضل عن وهب بن منبه عن الحكم بن مسعود الثقفي قال شهدت عمر بن الخطاب أشرك الأخوة من الأب والأم مع الأخوة من الأم في الثلث فقال له رجل قضيت عام أول بخلاف هذا قال كيف قضيت قال جعلته للأخوة من الأم ولم تعط الأخوة من الأب والأم شيئا قال تلك على ما قضينا وهذه على ما قضينا* وروى أن عمر كان لا يشرك بينهم حتى احتج الأخوة من الأب والأم فقالوا يا أمير المؤمنين لنا أب وليس لهم أب ولنا أم كما لهم فإن كنتم حرمتونا بأبينا فورثونا بأمنا كما ورستم هؤلاء بأمهم واحسبوا أن أبانا كان حمارا أليس قد تراكضنا في رحم واحدة فقال عمر عند ذلك صدقتم فأشرك بينهم وبين الأخوة من الأم في الثلث وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر والحسن بن زياد إلى قول على بن أبى طالب رضى الله عنه ومن تابعه في ترك الشركة بينهم * والدليل على صحة القول الأول قوله تعالى( وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ

٢٤

شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ ) فنص على فرض الأخوة من الأم وهو الثلث وبين أيضا حكم الأخوة من الأب والأم في قوله تعالى( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ ـ إلى قوله تعالى ـوَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) فلم يجعل الله لهم فرضا مسمى وإنما جعل لهم المال على وجه التعصيب للذكر مثل حظ الأنثيين ولا خلاف أنها لو تركت زوجا وأما وأخا لأم وأخوة وأخوات لأب وأم أن للزوج النصف وللأم السدس وللأخ من الأم السدس وما بقي وهو السدس بين الأخوة والأخوات من الأب والأم للذكر مثل حظ الأنثيين ولم يدخلوا مع الأخ من الأم في نصيبه فلما كانوا مع ذوى السهام إنما يستحقون باقى المال بالتعصيب لا بالفرض لم يجز لنا إدخالهم مع الأخوة من الأم في فرضهم لأن ظاهر الآية ينفى ذلك إذ كانت الآية إنما أوجبت لهم ما يأخذونه للذكر مثل حظ الأنثيين بالتعصيب لا بالفرض فما أعطاهم بالفرض فهو خارج عن حكم الآية ويدل على ذلك قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم الحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفرائض فلا ولى عصبة ذكر عل للعصبة بقية المال بعد أخذ ذوى السهام سهامهم فمن أشركهم مع ذوى السهام وهم عصبة فقد خالف الأثر* فإن قيل لما اشتركوا في نسب الأم وجب أن لا يحرموا بالأب قيل له هذا غلط لأنها لو تركت زوجا وأما وأخا لأم وأخوة وأخوات لأب وأم لأخذ الأخ من أم السدس كاملا وأخذ الأخوة والأخوات من الأب والأم السدس الباقي بينهم وعسى يصيب كل واحد منهم أقل من العشر ولم يكن لواحد منهم أن يقول قد حرمتمونى بالأب مع اشتراكنا في الأم بل كان نصيب الأخ من الأم أوفر من نصيب كل واحد منهم فدل ذلك على معنيين أحدهما انتقاض العلة بالاشتراك في الأم والثاني أنهم لم يأخذوا بالفرض وإنما أخذوا بالتعصيب ويدل على فساد ذلك أيضا أنها لو تركت زوجا وأختا لأب وأم وأختا وأخا لأب أن للزوج النصف وللأخت من الأب والأم النصف ولا شيء للأخ والأخت من الأم لأنهما عصبة فلا يدخل مع ذوى السهام ولم يجز أن يجعل الأخ من الأب بمنزلة من لم يكن حتى تستحق الأخت من الأب سهمها الذي كانت تأخذه في حال الانفراد عن الأخ وإنما التعصيب أخرجها عن السدس الذي كانت تستحقه كذلك التعصيب يخرج الأخوة من الأب والأم عن الثلث الذي يستحقه الأخوة من الأم والله أعلم.

٢٥

ذكر اختلاف السلف في ميراث الأخت مع البنت

لم يختلف عن على وعمر وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل في رجل خلف بنتا وأختا لأب وأم وعصبة أن للبنت النصف وما بقي فللأخت فجعلوها عصبة مع البنات وقال عبد الله بن عباس وابن الزبير للبنت النصف وما بقي فللعصبة وإن بعد نسبه ولاحظ للأخت في الميراث مع البنت وروى أن ابن الزبير رجع عن ذلك بعد أن قضى به وروى أنه قيل لعبد الله بن عباس أن عليا وعبد الله وزيدا كانوا يجعلون الأخوات مع البنات عصبة فيورثونهن فاضل المال فقال أأنتم أعلم أم الله يقول الله( إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ ) وأنتم تجعلون لها مع الولد النصف* قال أبو بكر مما يحتج به للقول الأول قوله تعالى( لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً ) فظاهره يقتضى توريث الأخت مع البنت لأن أخاها الميت هو من الأقربين وقد جعل الله ميراث الأقربين للرجال والنساء ويحتج فيه بحديث أبى قيس الأودي عن هزيل بن شرحبيل عن عبد الله بن مسعود أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قضى في بنت وبنت ابن وأخت لأب وأم أن للبنت النصف ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين وما بقي فللأخت فأعطى للأخت بقية المال بعد السهام وجعلها عصبة مع البنت وأما احتجاج من يحتج في ذلك بأن الله تعالى إنما جعل لها النصف إذا لم يكن ولد ولا يجوز أن يجعل لها النصف مع الولد فإنه غير لازم من قبل أن الله تعالى نص على سهمها عند عدم الولد ولم ينف ميراثها مع وجوده وتسميته لها النصف عند عدم الولد لا دلالة فيه على سقوط حقها إذا كان هناك ولد إذ لم يذكر هذه الحال بنفي الميراث ولا بإيجابه فهو موقوف على دليله ومع ذلك فإن معناه إن امرؤ هلك وليس له ولد ذكر بدلالة قوله تعالى في نسق التلاوة( وَهُوَ يَرِثُها ) يعنى الأخ يرث الأخت( إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ ) معناه عند الجميع أن لم يكن لها ولد ذكر إذ لا خلاف بين الصحابة أنها إذا تركت ولدا أنثى وأخا أن للبنت النصف والباقي للأخ والولد المذكور هاهنا هو المذكور بديا في أول الآية وأيضا قال الله تعالى( وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ ) ومعناه عند الجميع إن كان له ولد ذكر لأنه لا خلاف بين الصحابة ومن بعدهم من الفقهاء أنه لو ترك

٢٦

ابنة وأبوين أن للبنت النصف وللأبوين السدسان والباقي للأب فيأخذ الأب في هذه الحال مع الولد الأنثى أكثر من السدس وإن قوله تعالى( وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ ) على أنه ولد ذكر وكذلك لو ترك أبا وبنتا كان للبنت النصف وللأب النصف فقد أخذ في هاتين المسألتين أكثر من السدس مع الولد قال أبو بكر وشذت طائفة عن الأمة فزعمت أنه إذا ترك بنتا وأختا كان المال كله للبنت وكذلك البنت والأخ وهذا قول خارج عن ظاهر التنزيل واتفاق الأمة قال الله تعالى( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ) فنص على سهم البنت وسهم ما فوق الثنتين وجعل لها إذا انفردت النصف وإذا ضامها غيرها الثلثين لهما جميعا فغير جائز أن تعطى أكثر منه إلا بدلالة* فإن قيل إذا كان ذكر النصف والثلثين غير دال على ما ذكرت فليس إذا في الظاهر نفى ما زاد وإنما تحتاج إلى أن تطالب خصمك بإقامة الدلالة على أن الزيادة مستحقة* قيل له لما كان قوله تعالى( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ ) أمرا باعتبار السهام المذكورة إذ كانت الوصية أمرا أوجب ذلك اعتبار كل فرض مقدر في الآية على حياله ممنوعا من الزيادة والنقصان فيه فاقتضى ذلك وجوب الاقتصار على المقادير المذكورة لمن سميت له غير زائدة ولا ناقصة ولم يقل بذلك من حيث خصه بالذكر دون ما تقدم من الأمر باعتبارها في ابتداء الخطاب فلذلك منعنا الزيادة عليها إلا بدلالة* وقوله تعالى( لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ ) يدل على وجوب توريث الأخ مع البنت ويدل عليه حديث ابن عباس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم الحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت فلا ولى عصبة ذكر فواجب بمجموع الآية والخبر أنا إذا أعطينا البنت النصف أن نعطى الباقي الأخ لأنه أولى عصبة ذكر واختلف السلف في ابني عم أحدهما أخ لأم فقال على وزيد للأخ من الأم السدس وما بقي فبينهما نصفان وهو قول فقهاء الأمصار وقال عمر وعبد الله المال للأخ من الأم وقالا ذو السهم أحق ممن لا سهم له وإليه كان يذهب شريح والحسن ولم يختلفوا في أخوين لأم أحدهما ابن عم أن لهما الثلث بنسب الأم وما بقي فلابن العم خاصة ولم يجعلوا ابن العم أحق بجميع الميراث لاجتماع السهم والتسمية له دون الآخر كذلك حكم ابني العم إذا كان أحدهما أخا لأم فغير جائز أن يجعل أولى

٢٧

بالميراث من أجل اختصاصه بالسهم والتعصيب وشبه عمر وعبد الله ذلك بالأخ لأب وأم وأخ لأب أنه أولى بالميراث وليس هذا عند الآخرين مشبها لهذه المسألة من قبل أن نسبهما من جهة واحدة وهي الأخوة فاعتبر فيها أقربهما إليه وهو الذي اجتمع له قرابة الأب والأم ولا يستحق بقرابته من الأم سهم الأخ من الأم بل إنما يؤكد ذلك حكم الأخوة وليس كذلك ابنا العم إذا كان أحدهما أخا لأم لأنك تريد أن تؤكد بالأخوة من جهة الأم ما ليس بأخوة وإنما هو سبب آخر غيرها فلم يجز أن تؤكده بها ويدل لك على هذا أن نسبته من جهة أنه ابن العم لا يسقط سهمه من جهة أنه أخ لأم بل يرث بأنه أخ لأم سهم الأخ من الأم وإن كان ابن عم ألا ترى أن الميتة لو تركت أختين لأب وأم وزوجا وأخا لأم هو ابن عم أن للأختين الثلثين وللزوج النصف وللأخ من الأم السدس ولم يسقط سهمه من جهة أنه ابن عم ولو تركت زوجا وأما وأختا لأم وأخوة لأب وأم كان للزوج النصف وللأم السدس وللأخت من الأم السدس وما بقي فللإخوة من الأب والأم ولم يستحق أخوة من الأب والأم سهم الأخوة من الأم لمشاركتهم للأخ من الأم في نسبها بل إنما استحقوا بالتعصيب فكانت قرابتهم بالأب والأم مؤكدة لتعصيبهم فلا يستحقون بها أن يكونوا من ذوى السهام وقرابة ابن العم بنسبه من جهة الأم لا تخرجه من أن يكون من ذوى السهام فيما يستحقه من سهم الأخ من الأم وليس لهذا تأثير في تأكيد التعصيب لأنه لو كان كذلك لوجب أن لا يستحق أبدا إلا بالتعصيب كما لا يؤخذ الأخوة من الأب والأم إلا بالتعصيب ولا يأخذون بقرابتهم من الأم سهم الأخوة من الأم والله أعلم.

باب الرجل يموت وعليه دين ويوصى بوصية

قال الله تعالى( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ) وروى الحارث عن على قال تقرءون الوصية قبل الدين وأن محمداصلى‌الله‌عليه‌وسلم قضى بالدين قبل الوصية * قال أبو بكر وهذا لا خلاف فيه بين المسلمين وذلك لأن معنى قوله( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ) أن الميراث بعد هذين وليست أو في هذا الموضع لأحدهما بل قد تناولهما جميعا وذلك لأن قوله( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ) مستثنى عن الجملة المذكورة في قسمة المواريث ومتى دخلت أو على النفي صارت في معنى الواو كقوله تعالى( وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ

٢٨

كَفُوراً ) وقال تعالى( حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ) فكانت أو في هذه المواضع بمنزلة الواو فكذلك قوله تعالى( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ) لما كان في معنى الاستثناء كأنه قال إلا أن تكون هناك وصية أو دين فيكون الميراث بعدهما جميعا وتقديم الوصية على الدين في الذكر غير موجب للتبدئة بها على الدين لأن أو لا توجب الترتيب وإنما ذكر الله تعالى ذلك بعد ذكر الميراث إعلاما لنا أن سهام المواريث جارية في التركة بعد قضاء الدين وعزل حصة الوصية ألا ترى أنه إذا أوصى بثلث ماله كانت سهام الورثة معتبرة بعد الثلث فيكون للزوجة الربع أو الثمن في الثلثين وكذلك سهام سائر أهل الميراث جارية في الثلثين دون الثلث الذي فيه الوصية فجمع تعالى بين ذكر الدين والوصية ليعلمنا أن سهام الميراث معتبرة بعد الوصية كما هي معتبرة بعد الدين وإن كانت الوصية مخالفة للدين من جهة الاستيفاء لأنه لو هلك من المال شيء لدخل النقصان على أصحاب الوصايا كما يدخل على الورثة وليس كذلك الدين لأنه لو هلك من المال شيء استوفى الدين كله من الباقي وإن استغرقه وبطل حق الموصى له والورثة جميعا فالموصى له شريك الورثة من وجه ويأخذ شبها من الغريم من وجه آخر وهو أن سهام أهل المواريث معتبرة بعد الوصية كاعتبارها بعد الدين وليس المراد بقوله تعالى( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ) أن الموصى له يعطى وصيته قبل أن يأخذ الورثة أنصباءهم بل يعطون كلهم معا كأنه أحد الورثة في هذا الوجه وما هلك من المال قبل القسمة فهو ذاهب منهم جميعا.

باب مقدار الوصية الجائزة

قال الله تعالى( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ) ظاهره يقتضى جواز الوصية بقليل المال وكثيره لأنها منكورة لا تختص ببعض دون بعض إلا أنه قد قامت الدلالة من غير هذه الآية على أن المراد بها الوصية ببعض المال لا بجميعه وهو قوله تعالى( لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ) فأطلق إيجاب الميراث فيه من غير ذكر الوصية فلو اقتضى قوله تعالى( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها ) الوصية بجميع المال لصار قوله تعالى( لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ ) منسوخا بجواز الوصية بجميع المال فلما كان حكم هذه الآية

٢٩

ثابتا في إيجاب الميراث وجب استعمالها مع آية الوصية فوجب أن تكون الوصية مقصورة على بعض المال والباقي للورثة حتى تكون مستعملين لحكم الآيتين ويدل عليه أيضا قوله تعالى( وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ) يعنى في منع الرجل الوصية بجميع ماله على ما تقدم من بيان تأويله فيدل على جواز الوصية ببعض المال لاحتمال اللفظ للمعنيين وقد روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أخبار تلقتها الأمة بالقبول والاستعمال في الاقتصار بجواز الوصية على الثلث منها ما حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عثمان بن أبى شيبة وابن أبى خلف قالا حدثنا سفيان عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه قال مرض أبى مرضا شديدا قال ابن أبى خلف بمكة مرضا شفى منه فعاده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال يا رسول الله إن لي مالا كثيرا وليس يرثني إلا ابنة لي أفأتصدق بالثلثين قال لا قال فبالشطر قال لا قال فبالثلث قال الثلث والثلث كثير وإنك إن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس فإنك لن تنفق نفقة إلا أجرت عليها حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك قلت يا رسول الله أتخلف عن هجرتي قال إنك أن تخلف بعدي فتعمل عملا تريد به وجه الله لا تزداد به إلا رفعة ودرجة لعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون ثم قال اللهم امض لأصحابى هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم لكن البائس سعد بن خولة يرثى له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أن مات بمكة * قال أبو بكر قد حوى هذا الخبر ضروبا من الأحكام والفوائد منها أن الوصية غير جائزة في أكثر من الثلث والثاني أن المستحب النقصان عن الثلث ولذلك قال بعض الفقهاء أستحب النقصان عنه لقولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم والثلث كثير والثالث أنه إذا كان قليل المال وورثته فقراء أن الأفضل أن لا يوصى بشيء لقولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس وفي ذلك أيضا دليل على جواز الوصية بجميع المال إذا لم يكن له وارث لأنه أخبر أن الوصية بأكثر من الثلث ممنوعة لأجل الورثة وفيه الدلالة على أن الصدقة في المرض وصية غير جائزة إلا من الثلث لأن سعد قال أتصدق بجميع مالي فقال لا إلى أن رده إلى الثلث وقد رواه جرير عن عطاء بن السائب عن أبى عبد الرحمن السلمى عن سعد قال عادني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنا مريض فقال أوصيت قلت نعم قال بكم قلت بمالي كله في

٣٠

سبيل الله قال فما تركت لولدك قال هم أغنياء قال أوص بالعشر فما زلت أناقصه ويناقصنى حتى قال أوص بالثلث والثلث كثير قال أبو عبد الرحمن فنحن نستحب أن تنقص من الثلث لقولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم والثلث كثير فذكر في هذا الحديث أنه قال أوصيت بمالي كله وهذا لا ينفى ما روى في الحديث الأول من الصدقة في المرض لأنه جائز أن يكون لما منعه الوصية بأكثر من الثلث ظن أن الصدقة جائزة في المرض فسأله عنها فأخبرصلى‌الله‌عليه‌وسلم أن حكم الصدقة حكم الوصية في وجوب الاقتصار بها على الثلث وهو نظير حديث عمران بن حصين في الرجل الذي أعتق ستة أعبد له عند موته وفيه أن الرجل مأجور في النفقة على أهله وهذا يدل على أن من وهب لامرأته هبة لم يجز له الرجوع فيها لأنها بمنزلة الصدقة لأنه قد استوجب بها الثواب من الله تعالى وهو نظير ما روى عنهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال إذا أعطى الرجل امرأته عطية فهي له صدقة * وقول سعد أتخلف عن هجرتي عنى به أنه يموت بمكة وهي داره التي هاجر منها إلى المدينة وقد كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم نهى المهاجرين أن يقيموا بعد النفر أكثر من ثلاث فأخبره النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه يتخلف بعده حتى ينفع الله به أقواما ويضربه آخرين وكذلك كان فإنه بقي بعدهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وفتح الله على يده بلاد العجم وأزال به ملك الأكاسرة وذلك من علوم الغيب الذي لا يعلمه غير الله تعالى* حدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا أبو عبد الله عبيد الله بن حاتم العجلى قال حدثني عبد الأعلى ابن واصل قال حدثنا إسماعيل بن صبيح قال حدثنا مبارك بن حسان قال حدثنا نافع عن ابن عمر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال حاكيا عن الله تعالى أنه قال يا ابن آدم اثنتان ليست لك واحدة منهما جعلت لك نصيبا في مالك حين أخذت بكظمك لأطهرك وأزكيك وصلاة عبادي عليك بعد انقضاء أجلك ففي هذا الحديث أيضا أن له بعض المال عند الموت لا جميعه وحدثنا عبد الباقي قال حدثنا محمد بن أحمد بن شيبة قال حدثنا محمد بن صالح بن النطاح قال حدثنا عثمان قال سمعت طلحة بن عمرو قال حدثنا عطاء عن أبى هريرة قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إن الله أعطاكم ثلث أموالكم في آخر أعماركم زيادة في أعمالكم * قال أبو بكر فهذه الأخبار الموجبة للاقتصار بالوصية على الثلث عندنا في حيز التواتر الموجب للعلم لتلقى الناس إياها بالقبول وهي مبينة لمراد الله تعالى في الوصية المذكورة في الكتاب أنها مقصورة على الثلث* وقوله تعالى( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ) يدل على أن

٣١

من ليس عليه دين لآدمى ولم يوص بشيء أن جميع ميراثه لورثته وأنه إن كان عليه حج أو زكاة لم يجب إخراجه إلا أن يوصى به وكذلك الكفارات والنذور* فإن قيل إن الحج دين وكذلك كل ما يلزمه الله تعالى من القرب في المال لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم للخثعمية حين سألته عن الحج عن أبيها أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيتيه أكان يجزئ قالت نعم قال فدين الله أحق بالقضاء * قيل له أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم إنما سماه دين الله تعالى ولم يسمه بهذا الاسم إلا مقيدا فلا يتناوله الإطلاق وقول الله تعالى( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ) إنما اقتضى التبدئة بما يسمى به على الإطلاق فلا ينطوى تحته ما لا يسمى به إلا مقيدا لأن في اللغة والشرع أسماء مطلقة وأسماء مقيدة فلا يتناول المطلق إلا ما يقع الاسم عليه على الإطلاق فإذا لم تتناول الآية ما كان من حق الله تعالى من الديون لما وصفنا اقتضى قوله تعالى( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ) أنه إذا لم يوص ولم يكن عليه دين لآدمى أن يستحق الوارث جميع تركته وحديث سعد يدل على ذلك أيضا لأنه قال أتصدق بمالي وفي لفظ آخر أوصى بمالي فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم الثلث والثلث كثير ولم يستئن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم الحج ولا الزكاة ونحوها من حقوق الله تعالى ومنع الصدقة والوصية إلا بثلث المال فثبت بذلك أنه إذا أوصى بهذه الحقوق كانت من الثلث ويدل عليه أيضا حديث أبى هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم إن الله تعالى جعل لكم ثلث أموالكم في آخر أعماركم زيادة في أعمالكم وحديث ابن عمر أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال حاكيا عن الله تعالى جعلت لك نصيبا في مالك حين أخذت بكظمك يدل جميع ذلك على أن وصيته بالزكاة والنذور وسائر القرب وإن كانت واجبة لا تجوز إلا من الثلث والله أعلم.

باب الوصية للوارث

حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عبد الوهاب بن نجدة قال حدثنا ابن عياش عن شرحبيل بن مسلم قال سمعت أبا أمامة قال سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث وروى عمرو بن خارجة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال لا وصية لوارث إلا أن تجيزها الورثة ونقل أهل السير خطبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في حجة الوداع وفيها أن لا وصية لوارث فورد نقل ذلك مستفيضا كاستفاضة وجوب الاقتصار بالوصية على الثلث دون ما زاد لا فرق بينهما من طريق نقل الاستفاضة

٣٢

واستعمال الفقهاء له وتلقيهم إياه بالقبول وهذا عندنا في حيز المتواتر الموجب للعلم والنافى للريب والشك وقوله في حديث عمرو بن خارجة إلا أن تجيزها الورثة يدل على أنها إذا أجازتها فهي جائزة وتكون وصية من قبل الموصى لا تكون هبة من قبل الوارث لأن الهبة من قبل الوارث ليست بإجازة من قبل الموروث وحدثنا عبد الباقي قال حدثنا عبد الله بن عبد الصمد قال حدثنا محمد بن عمرو قال حدثنا يونس بن راشد عن عطاء الخراساني عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لا وصية لوارث إلا أن تشاء الورثة * قال أبو بكر وقد اختلف الفقهاء فيمن أوصى بأكثر من الثلث فأجازه الباقون في حياته فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر والحسن بن زياد والحسن ابن صالح وعبيد الله بن الحسن والشافعى لا يجوز ذلك حتى يجيزها بعد الموت وقال ابن أبى ليلى وعثمان البتى ليس لهم أن يرجعوا فيه بعد الموت وهي جائزة عليهم وقال ابن القاسم عن مالك إذا استأذنهم فكل وارث بائن عن الميت مثل الولد الذي قد بان عن أبيه والأخ وابن العم الذين ليسوا في عياله فإنه ليس لهم أن يرجعوا فأما امرأته وبناته اللاتي لم يبن وكل من في عياله وإن كان قد احتلم فلهم أن يرجعوا وكذلك العم وابن العم ومن خاف منهم أنه إن لم يجز لحقه ضرر منه في قطع النفقة إن صح فلهم أن يرجعوا وقول الليث في هذا كقول مالك* قال أبو بكر وإن أجازوها بعد الموت جازت عند* جميع الفقهاء* قال أبو بكر لما لم يكن لهم فسخها في الحياة كذلك لا تعمل إجازتهم لأنهم لم يستحقوا بعد شيئا والله أعلم.

باب الوصية بجميع المال إذا لم يكن وارث

قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر والحسن بن زياد إذا لم يكن له وارث فأوصى بجميع ماله جاز وهو قول شريك بن عبد الله وقال مالك والأوزاعى والحسن ابن صالح لا تجوز وصيته إلا من الثلث* قال أبو بكر قد بينا دلالة قوله تعالى( وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ) وأنهم كانوا يتوارثون بالحلف وهو أن يحالفه على أنه إن مات ورثه ما يسمى له من ميراثه من ثلث أو أكثر وقد كان ذلك حكما ثابتا في صدر الإسلام وفرضه الله تعالى بقوله تعالى( وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ) ثم أنزل الله تعالى( لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ ) وقوله تعالى( يُوصِيكُمُ

«٣ ـ أحكام لث»

٣٣

اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) وقوله تعالى( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) فجعل ذوى الأرحام أولى من الحلفاء ولم يبطل بذلك ميراث الحلفاء أصلا بل جعل ذوى الأنساب أولى منهم كما جعل الابن أولى من الأخ فإذا لم يكن ذوو الأنساب جاز له أن يجعل ماله على أصل ما كان عليه حكم التوارث لحلف وأيضا فإن الله تعالى أوجب سهام المواريث بعد الوصية بقوله تعالى( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ) وقال( لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ ) وقد بينا أن ظاهر قوله تعالى( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ) يقتضى جواز الوصية بجميع المال لو لا قيام دلالة الإجماع والسنة على منع ذلك ووجوب الاقتصار بها على الثلث وإيجاب نصيب الرجال والنساء من الأقربين فمتى عدم من وجب به تخصيص الوصية في بعض المال وجب استعمال اللفظ في جواز الوصية بجميع المال على ظاهره ومقتضاه ويدل عليه قولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في حديث سعد إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس فأخبر أن منع الوصية بأكثر من الثلث إنما هو لحق الورثة ويدل عليه حديث الشعبي وغيره عن عمرو بن شرحبيل قال قال عبد الله بن مسعود ليس من حي من العرب أحرى أن يموت الرجل منهم ولا يعرف له وارث منكم معشر همدان فإذا كان ذلك فليضع ماله حيث أحب ولا يعلم له مخالف من الصحابة وأيضا فإنه لا يخلو من لا وارث له إذا مات من أن يستحق المسلمون ماله من جهة الميراث أو من جهة أنه مال لا مالك له فيضعه الإمام حيث يرى فلما جاز أن يستحقه الرجل مع ابنه ومع أبيه والبعيد مع القريب علمنا أنه غير مستحق لهم على وجه الميراث لأن الأب والجد لا يجتمعان في استحقاق ميراث واحد من جهة الأبوة وأيضا لو كان ميراثا لم يجز حرمان واحد منهم لأن سبيل الميراث أن لا يخص به بعض الورثة دون بعض وأيضا لو كان ميراثا لوجب أن يكون لو كان الميت رجلا من همدان ولا يعرف له وارث أن يستحق ميراثه أهل قبيلته لأنهم أقرب إليه من غيرهم فلما كان إنما يستحقه بيت المال للمسلمين وللإمام أن يصرفه إلى من شاء من الناس ممن يراه أهلا له دل ذلك على أن المسلمين لا يأخذونه ميراثا وإذا لم يأخذوه ميراثا وإنما كان للإمام صرفه إلى حيث يرى لأنه مالك له فمالكه أولى بصرفه إلى من يرى ومن جهة أخرى أنهم إذا لم يأخذوه ميراثا أشبه الثلث الذي يوصى به الميت

٣٤

ولا ميراث فيه فله أن يصرفه إلى من شاء فكذلك بقية المال إذا لم يستحقه الوارث كان له صرفه إلى من شاء ويدل عليه ما حدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا بشر بن موسى قال حدثنا الحميدي قال حدثنا أيوب قال سمعت نافعا عن ابن عمر قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ما حق امرئ مسلم له مال يوصى فيه تمر عليه الليلتان إلا ووصيته عنده مكتوبة فلم يفرق بين الوصية ببعض المال أو بجميعه وظاهره يقتضى جواز الوصية بجميع المال وقد قامت الدلالة على وجوب الاقتصار على بعضه إذا كان له وارث فإذا لم يكن له وارث فهو على ظاهر مقتضاه في جوازها بالجميع والله أعلم.

باب الضرار في الوصية

قال الله تعالى( غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللهِ ) قال أبو بكر الضرار في الوصية على وجوه منها أن يقر في وصيته بماله أو ببعضه لأجنبى أو يقر على نفسه بدين لا حقيقة له زيا للميراث عن وارثه ومستحقه ومنها أن يقر باستيفاء دين له على غيره في مرضه لئلا يصل إلى وارثه ومنها أن يبيع ماله من غيره في مرضه ويقر باستيفاء ثمنه ومنها أن يهب ماله في مرضه أو يتصدق بأكثر من ثلثه في مرضه إضرارا منه بورثته ومنها أن يتعدى فيوصي بأكثر مما تجوز له الوصية به وهو الزيادة على الثلث فهذه الوجوه كلها من المضارة في الوصية وقد بين النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ذلك في فحوى قوله لسعد الثلث والثلث كثير إنك لأن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا أحمد بن الحسن المصرى قال حدثنا عبد الصمد بن حسان قال حدثنا سفيان الثوري عن داود يعنى ابن أبى هند عن عكرمة عن ابن عباس قال الإضرار في الوصية من الكبائر ثم قرأ( تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ ) قال في الوصية( وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ ) قال في الوصية وحدثنا عبد الباقي قال حدثنا القاسم بن زكريا ومحمد بن الليث قال حدثنا حميد بن زنجويه قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال حدثنا عمر بن المغيره عن داود بن أبى هند عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم الإضرار في الوصية من الكبائر وحدثنا عبد الباقي قال حدثنا طاهر بن عبد الرحمن بن إسحاق القاضي قال حدثنا يحيى بن معين قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن أشعث عن شهر بن حوشب عن أبى هريرة قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة سبعين سنة فإذا أوصى

٣٥

حاف في وصيته فيختم له بشر عمله فيدخل النار وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار سبعين سنة فيعدل في وصيته فيختم له بخير عمله فيدخل الجنة قال أبو بكر ومصادقه في كتاب الله فيما تأوله ابن عباس في قوله تعالى( تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ ) قال في الوصية( وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ ) قال في الوصية.

باب من يحرم الميراث مع وجود النسب

قال أبو بكر لا خلاف بين المسلمين أن قوله تعالى( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ ) وما عطف عليه من قسمة الميراث خاص في بعض المذكورين دون بعض فبعض ذلك متفق عليه وبعضه مختلف فيه فما اتفق عليه أن الكافر لا يرث المسلم وأن العبد لا يرث وأن قاتل العمد لا يرث وقد بينا ميراث هؤلاء في سورة البقرة ما أجمعوا عليه منه وما اختلفوا فيه واختلف في ميراث المسلم الكافر وميراث المرتد فأما ميراث المسلم من الكافر فإن الأمة من الصحابة متفقون على نفى التوارث بينهما وهو قول عامة التابعين وفقهاء الأمصار وروى شعبة عن عمرو بن أبى حكيم عن ابن(١) باباه عن يحيى بن يعمر عن أبى الأسود الدؤلي قال كان معاذ بن جبل باليمن فارتفعوا إليه في يهودي مات وترك أخاه مسلما فقال سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول الإسلام يزيد ولا ينقص وروى ابن شهاب عن داود بن أبى هند قال قال مسروق ما أحدث في الإسلام قضية أعجب من قضية قضاها معاوية قال كان يورث المسلم من اليهودي والنصراني ولا يورث اليهودي والنصراني من المسلم قال فقضى بها أهل الشام قال داود فلما قدم عمر بن عبد العزيز ردهم إلى الأمر الأول وروى هشيم عن مجالد عن الشعبي أن معاوية كتب بذلك إلى زياد يعنى توريث المسلم من الكافر فأرسل زياد إلى شريح فأمره بذلك وكان شريح قبل ذلك لا يورث المسلم من الكافر فلما أمره زياد بما أمره قضى بقوله فكان شريح إذا قضى بذلك قال هذا قضاء أمير المؤمنين وقد روى الزهري عن على بن الحسين عن عمرو ابن عثمان عن أسامة بن زيد قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يتوارث أهل ملتين شتى وفي لفظ لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يتوارث أهل ملتين فهذه الأخبار تمنع توريث المسلم من الكافر

__________________

(١) قوله : ابن باباه ـ اسمه عبد الله واسم أبيه باباه كما في خلاصة تهذيب الكمال.

٣٦

والكافر من المسلم ولم يرو عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم خلافه فهو ثابت الحكم في إسقاط التوارث بينهما وأما حديث معاذ فإنه لم يعن هذه المقالة وإنما تأول فيها قوله الإيمان يزيد ولا ينقص والتأول لا يقضى به على النص والتوقيف وإنما يرد التأويل إلى المنصوص عليه يحمل على موافقته دون مخالفته وقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم الإيمان يزيد ولا ينقص يحتمل أن يرد به من أسلم ترك على إسلامه ومن خرج عن الإسلام رد إليه وإذا احتمل ذلك واحتمل ما تأوله معاذ وجب حمله على موافقة خبر أسامة في منع التوارث إذ غير جائز رد النص بالتأويل والاحتمال أيضا لا تثبت به حجة لأنه مشكوك فيه وهو مفتقر في إثبات حكمه إلى دلالة من غيره فسقط الاحتجاج به وأما قول مسروق ما أحدث في الإسلام قضية أعجب من قضية قضى بها معاوية في توريث المسلم من الكافر فإنه يدل على بطلان هذا المذهب لإخباره أنها قضية محدثة في الإسلام وذلك يوجب أن يكون قبل قضية معاوية لم يكن يورث المسلم من الكافر وإذا ثبت أن من قبل قضية معاوية لم يكن يورث المسلم من الكافر وأن معاوية لا يجوز أن يكون خلافا عليهم بل هو ساقط القول معهم ويؤيد ذلك أيضا قول داود بن أبى هند أن عمر بن عبد العزيز ردهم إلى الأمر الأول والله أعلم.

باب ميراث المرتد

اختلف السلف في ميراث المرتد الذي اكتسبه في حال الإسلام قبل الردة على أنحاء ثلاثة فقال على وعبد الله وزيد بن ثابت والحسن البصري وسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي وجابر بن زيد وعمر بن عبد العزيز وحماد بن الحكم وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر وابن شبرمة والثوري والأوزاعى وشريك يرثه ورثته من المسلمين إذا مات أو قتل على ردته وقال ربيعة بن عبد العزيز وابن أبى ليلى ومالك والشافعى ميراثه لبيت المال وقال قتادة وسعيد بن أبى عروبة إن كان له ورثة على دينه الذي ارتد إليه فميراثه لهم دون ورثته من المسلمين ورواه قتادة عن عمر بن عبد العزيز والصحيح عن عمر أن ميراثه لورثته من المسلمين ثم اختلفوا فيما اكتسبه بعد الردة إذا قتل أو مات مرتدا فقال أبو حنيفة والثوري ما اكتسبه بعد الردة فهو فيء وقال ابن شبرمة وأبو يوسف ومحمد والأوزاعى في إحدى الروايتين ما اكتسبه بعد الردة أيضا فهو لورثته

٣٧

المسلمين قال أبو بكر ظاهر قوله تعالى( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ ) يقتضى توريث المسلم من المرتد إذ لم يفرق بين الميت المسلم وبين المرتد فإن قيل يخصه حديث أسامة بن زيد لا يرث المسلم الكافر كما خص توريث الكافر من المسلم وهو وإن كان من أخبار الآحاد فقد تلقاه الناس بالقبول واستعملوه في منع توريث الكافر من المسلم فصار في حيز المتواتر ولأن آية المواريث خاصة بالاتفاق وأخبار الآحاد مقبولة في تخصيص مثلها قيل له في بعض ألفاظ حديث أسامة لا يتوارث أهل ملتين لا يرث المسلم الكافر فأخبر أن المراد إسقاط التوارث بين أهل ملتين وليست الردة بملة قائمة لأنه وإن ارتد إلى النصرانية أو اليهودية فغير مقر عليها فليس هو محكوما له بحكم أهل الملة التي انتقل إليها ألا ترى أنه وإن انتقل إلى ملة الكتابي أنه لا تؤكل ذبيحته وإن كانت امرأة لم يجز نكاحها فثبت بذلك أن الردة ليست بملة وحديث أسامة مقصور في منع التوارث بين أهل ملتين وقد بين ذلك في حديث مفسر وهو ما رواه هشيم عن الزهري قال حدثنا على بن الحسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يتوارث أهل ملتين شتى لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم فدل ذلك على أن مراد النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذلك هو منع التوارث بين أهل ملتين وأيضا فإن أبا حنيفة من أصله أن ملك المرتد يزول بالردة فإذا قتل أو مات انتقل إلى التوارث ومن أجل ذلك لا يجيز تصرف المرتد في ماله الذي اكتسبه في حال الإسلام وإذا كان هذا أصله فهو لم يورث مسلما من كافر لأن ملكه زال عنه في آخر الإسلام وإنما ورث مسلما ممن كان مسلما* فإن قبل فإذا يكون قد ورثته منه وهو حي* قيل له ليس يمتنع توريث الحي قال الله تعالى( وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ ) وكانوا أحياء وعلى أنا إنما نقلنا المال إلى الورثة بعد الموت فليس فيه توريث الحي ويقال للسائل عن ذلك وأنت إذا جعلت ماله لبيت المال فقد ورثت منه جماعة المسلمين وهو كافر وورثتهم منه وهو حي إذا لحق بدار الحرب مرتد وأيضا فإن المسلمين إذا كانوا إنما يستحقون ماله بالإسلام فقد اجتمع للورثة القرابة والإسلام وجب أن يكونوا أولى بماله لاجتماع السببين لهم وانفراد المسلمين بأحدهما دون الآخر والسببان اللذان اجتمعا للورثة هو الإسلام وقرب النسب فأشبه سائر الموتى من المسلمين لما كان ماله مستحقا للمسلمين كان من اجتمع له قرب النسب مع الإسلام أولى ممن بعد نسبه منه وإن

٣٨

كان له إسلام فإن قال قائل هذه العلة توجب توريثه من مال الذمي قيل له لا يجب ذلك لأن مال الذمي بعد موته غير مستحق بالإسلام لاتفاق الجميع على أن ورثته من أهل الذمة أولى به من المسلمين واتفاق جميع فقهاء الأمصار على أن مال المرتد مستحق بالإسلام فمن قائل يقول يستحقه جماعة المسلمين وآخرين يقولون يستحقه ورثته من المسلمين فلما كان ماله مستحقا بالإسلام أشبه مال المسلم الميت لما كان مستحقا بالإسلام كان من اجتمع له الإسلام وقرب النسب أولى من جماعة المسلمين فإن قيل فلو مات ذمي وترك مالا ولا وارث له من أهل دينه وله قرابة مسلمون كان ماله لجماعة المسلمين ولم يكن أقاربه من المسلمين أولى به لاجتماع السببين لهم من الإسلام والنسب قيل له إن مال الذمي غير مستحق بالإسلام والدليل عليه أنه لو كانت له ورثة من أهل الذمة لم يستحق المسلمون ماله وما استحق من مال الذمي بالإسلام لا يكون ورثته من أهل الذمة أولى به منهم بل يكونون هم أولى كمواريث المسلمين فدل ذلك على أن مال الذمي وإن جعل لبيت المال إذا لم يكن له وارث فليس هو مستحقا بالإسلام وإنما هو مال لا مالك له وجده الإمام في دار الإسلام كاللقطة التي لا يعرف مستحقها فتصرف في وجوه القرب إلى الله تعالى فإن قيل فقد قال أبو حنيفة فيما اكتسبه المرتد في حال ردته أنه فيء لبيت المال وهذا ينقض الاعتلال ويدل على أصل المسألة للمخالف قيل له لا يلزم ذلك ولا دلالة فيه على قول المخالف وذلك لأن ما اكتسبه في حال الردة هو بمنزلة مال الحربي ولا يملكه ملكا صحيحا ومتى جعلناه في بيت المال بعد موته أو قبله فإنما يصير ذلك المال مغنوما كسائر أموال الحرب إذا ظفرنا بها وما يؤخذ على وجه الغنيمة فليس بمستحق لبيت المال لأجل الإسلام لأن الغنائم ليست بمستحقة لغانميها بالإسلام والدليل عليه أن الذمي متى شهد القتال استحق أن يرضخ له من الغنيمة فثبت بذلك أن مال الحربي ومال المرتد الذي اكتسبه في الردة مغنوم غير مستحق بالإسلام فلم يعتبر فيه قرب النسب والإسلام كما اعتبرناه في ماله الذي اكتسبه في حال الإسلام لأن ذلك المال كان ملكه فيه صحيحا إلى أن ارتد ثم زال ملكه عنه بالردة فمن يستحقه من الناس فإنما يستحقه بالميراث والمواريث يعتبر فيها الإسلام وقرب النسب إذا كان ملكا لمسلم إلى أن زال عنه بالردة الموجبة لزوال ملكه كما يزول بالموت فلم يلزم عليه حكم ماله المكتسب في حال الردة ولا يجوز

٣٩

أيضا أن يكون أصلا للمال المكتسب في حال الإسلام لأن ملكه فيه كان صحيحا إلى أن زال عنه بالموت والمال المكتسب في حال الردة بمنزلة مال الحربي ملكه فيه غير صحيح لأنه اكتسبه وهو مباح الدم فمتى حصل في يد المسلمين صار مغنوما بمنزلة حربى دخل إلينا بغير أمان فأخذناه مع ماله أن ماله يكون غنيمة فكذلك مال المرتد الذي اكتسبه في حال الردة* فإن احتج محتج بحديث البراء بن عازب قال مربى خالي أبو بردة ومعه الراية فقلت إلى أين تذهب فقال أرسلنى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى رجل نكح امرأة أبيه أن أقتله وآخذ ماله وهذا يدل على أن مال المرتد فيء* قيل له إنما فعل ذلك لأن الرجل كان محاربا مع استحلاله لذلك حربيا فكان ماله مغنوما لأن الراية إنما تعد للمحاربة وقد روى معاوية بن قرة عن أبيه أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث جد معاوية إلى رجل عرس بامرأة أبيه أن يضرب عنقه ويخمس ماله وهذا يدل على أن مال ذلك الرجل كان مغنوما بالمحاربة ولذلك أخذ منه الخمس* فإن قيل ما أنكرت أن يكون مال المرتد مغنوما* قيل له أما ما اكتسبه في حال الردة فهو كذلك وأما ما اكتسبه في حال الإسلام فغير جائز أن يكون مغنوما من قبل أن ما كان يغنم من الأموال سبيله أن يكون ملك مالكه غير صحيح فيه قبل الغنيمة كمال الحربي ومال المرتد قبل الردة قد كان ملكه فيه صحيحا فغير جائز أن يغنم كما لا يغنم أموال سائر المسلمين إذ كانت أملاكهم فيه صحيحة وزواله عن المرتد بالردة كزواله بالموت فمتى انقطع حقه عنه بالقتل أو بالموت أو اللحاق بدار الحرب استحقه ورثته دون سائر المسلمين لأن سائر المسلمين إن استحقوه بالإسلام لا على أنه غنيمة كانت ورثته أولى به لاجتماع الإسلام والقرابة لهم وإن استحقوه بأنه غنيمة لم يصح ذلك لما بينا من أن شرط الغنيمة أن يكون مال المغنوم غير صحيح الملك في الأصل واختلف السلف فيمن أسلم قبل قسمة الميراث فقال على بن أبى طالب في مسلم مات فلم يقسم ميراثه حتى أسلم ابن له كافرا وكان عبدا فأعتق أنه لا شيء له وهو قول عطاء وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار والزهري وأبى الزناد وأبى حنيفة وأبى يوسف ومحمد وزفر ومالك والأوزاعى والشافعى وروى عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان أنهما قالا من أسلم على ميراث قبل أن يقسم شارك في الميراث وهو مذهب الحسن وأبى الشعثاء وشبهوا ذلك بالمواريث التي كانت في الجاهلية ما طرأ عليه الإسلام منها قبل القسمة قسم على حكم الإسلام ولم يعتبر وقت الموت وليس هذا عند الأولين كذلك لأن حكم

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

فتىً كان يُدنيه الغنى من صديقه

إذا ما هو استغنى ويَبعِد الفقرُ

كان الثريَّا عُلُقت بجبينه

وفي خدّهِ الشعرا وفي جبينه البدرُ

نشوب القتال بين الفريقين

قال المسعودي(١) : وذكره ابنُ ابي الحديد ، ان اصحاب الجمل حملوا على ميمنة عسكر امير المؤمنينعليه‌السلام حتى كشفوها على الميسرة ، فأتى بعض ولد عقيل الى امير المؤمنينعليه‌السلام فوجده [ يخصف نعلاً ](٢) ، فقال له : يا أمير المؤمنين !

فقالعليه‌السلام : « اسكت يا ابن اخي ، انّ لِعمّكَ يوماً لا يعدوه(٣) ، والله لا يبالي عمّك [ وقع على الموت ام الموت وقع عليه ](٤) ،

قال : جعلت فداك ، ان القوم قد بلغت من القوم مرادها من ميمنتك حتى كشفتها على الميسرة بحيث لم تر ، [ وانت جالس تخصف نعلاً ](٥) .

فقالعليه‌السلام : اُسْكُت يا ابن اخي ، انّ لعمك يوماً لا يتعداه ، والله لا

__________________

(١) مروج الذهب م ٢ : ٣٧٥.

(٢) في مروج الذهب : يخفق نعاساً على قربوس فرسه.

(٣) في النسخة الخطية : لا بعده والصواب كما اثبت من مروج الذهب.

(٤) في النسخة : على فرسه من سرجه ، وهذا تصحيف ربما من الناسخ والصواب كما ذكره المسعودي.

(٥) في مروج الذهب : وانت تخفق نعاساً.

١٤١

يبالي عمك أوقع على الموت أو الموت وقع عليه.

ثم انهعليه‌السلام بعث الى صاحب الراية ، وهو ولده محمّد بن الحنفية(١) ، يأمره ان يحمل على القوم ، فأبطأ بالحملة عليهم ، وكان بأزائه [ قومٌ من الرماة قد نفذت سهامهم ](٢) .

فأتاهعليه‌السلام وقال له : « لِمَ لا حملت على القوم ؟ ».

قال : لم أجد متقدماً [ إلا الرماة ، وقد نفدت سِهامهم ](٣) .

فضربه بقائِم سيفهِ ، وقال : [ ما ادركك عِرقٌ من ابيك ](٤) .

أحمل بين الاسنة ، [ فإنّ الموت عليك جنة ](٥) ...

فحمل حتى شبك بين الرماح والسّهام ، وقد اخذ منه الراية وحمل عليّعليه‌السلام على القوم.

وطاف بنو ضبّة بالجمل وهم يرتجزون بهذه الابيات(٦) :

__________________

(١) كان لمحمد يوم البصرة عشرون سنة لان ولادته سنة ١٦ للهجرة ، وتوفي سنة احدى وثمانين عن خمس وستين سنة.

اُنظر : تذكرة الخواص : ١٦٩ ، البداية والنهاية ٩ : ٣٨.

(٢) في مروج الذهب : قوم من الرماة ينتظر نفاد سهامهم.

(٣) في مروج الذهب : الا على سهم أو سنان ، واني منتظر نفاد سهامهم واحمل.

(٤) في مروج الذهب : ادركك عِرق من امك.

(٥) في مروج الذهب : فإنّ الموت أحب اليك من.

(٦) ذكر المسعودي في مروج الذهب م ٢ : ٣٧٥ ، وطافت بنو ضبة بالجمل واقبلوا يرتجزون ويقولون :

نحن بنو ضبة اصحاب الجمل

ننازل الموت إذا الموت نزل

رُدُّوا علينا شيخنا ثمّ بَجَلْ

ننعي ابْنَ عفان بأطراف الاسل

والموت أحلى عندنا من العسلِ

١٤٢

نحن بنو ضبة اصحاب الجمل

ردوا علينا شيخنا ثمّ حبل

عثمان ردوه علينا بأطراف الاسل

الموت أحلى عندنا من العسل

وكانوا بنو ضبّة سبعين رجلاً ، فكلّما لزم خطامَ الجمل رجل منهم قطعت يداه(١) ، حتى لم يبق منهم أحد وعرقب الجمل ، ولم يقع حتى قطعت قوائمه الاربع ، فأخذوه بالسيوف قطعاً ، وكان المعرقب له أبو جعدة بن غوبة الانصاري.

فمن قتل عنده محمد بن طلحة السجّاد(٢) ، قتله عاصمُ بن الغيث ،

__________________

(١) قال المسعودي : قطع على خطام الجمل سبعون يداً ، من بني ضبة منهم سعد بن سود القاضي متقلداً مصحفاً ، كُلما قطعت يد واحد منهم فصُرع قام آخر فأخذ الخطام وقال : انا الغلام الضبي.

وذكر ابن الاثير : ربيعة العقيلي من اصحاب الامام علي عليه‌السلام برز الى العدوي بعد ان تولى زمام الجمل ، فبرز له العقيلي وهو يقول :

يا اُمّنا أعقَّ أمٍ نعلمُ

والأمُّ تغذو ولداً وترحمُ

ألا ترين كم شجاعٍ يُكلمُ

وتُحتلى منه يدٌ ومعصمُ

انظر : الكامل في التاريخ ٣ : ٢٤٨.

(٢) ذكر ابن الاثير في الكامل في التاريخ ٣ : ٢٤٩ ، وكان ممن أخذ بزمام الجمل محمد بن طلحة ، وقال : يا امّتاه مريني بأمرك. قالت : آمرك ان تكون خير بني آدم ان تركت ، فجعل لا يحمل عليه احد الا حمل عليه ، وقال : حاميم لا ينصرون ، واجتمع عليه نفر كلهم ادعى قتله ، المكعبر الاسدي ، والمكعبر الضبي ، ومعاوية بن شداد ، وعفار السعدي النّصري ، فأنفذه بعضهم بالرمح ، ففي ذلك يقول :

وأشعَثَ قوّامٍ بآياتِ رَبّهِ

قليل الاذى فيما ترى العينُ مسلمِ

هتكتُ له بالرمح جيبَ قميصهِ

فخرّ صريعاً لليدينِ وللفمِ

يذكّرني حاميم والرّمحُ شاجرٌ

فهلا تلا حاميم قبل التقدمِ

على غير شيءٍ غير ان ليس تابعاً

علياً ومن لا يتبعِ الحقّ يندمِ

١٤٣

وطلحةُ بن عبد الله.

قال [ المصنف; ] :

فجاء خُزيمة بن ثابت ذو الشهادتين الى امير المؤمنينعليه‌السلام ، وقال : جعلتُ فداك ، لا تنكس رأس محمد ، فأردد الراية إليه ، فدعاه وردها عليه ، فأخذها وقال :

أطعن بها طعن ابيك تحمدِ

لا خير في الحرب إذ لم توقدِ

بالمشرفي والقنا المسددِ

قال : والذي قتل من اصحاب الجمل ستة عشر الف وسبعمائة وسبعون رجلاً(١) ، والذي قتل من أصحاب امير المؤمنين أربعة آلاف رجل وقيل ان عبدالله بن الزبير قبض على خطام الجمل ، فصرخت به عائشةرضي‌الله‌عنه تقول : واثكل اسماء !

__________________

(١) ذكر المدائني أنه رأى بالبصرةِ رجلاً مصطلم الاذن ، فسألته عن قصته ، فذكر أنه خرج يوم الجمل ينظر الى القتلى ، فنظر الى رجل منهم يخفض رأسه ويرفعه وهو يقول :

لقد أوردتنا حومة الموتِ أُمُّنا

فلم تنصرف إلا ونحن رَواءُ

أطعنا بني تيمٍ لشقوة جدنا

وما تيم إلا أعبدٌ وإماءُ

فقلت : سبحان الله ! أتقول هذا عند الموت ؟ قل لا اله الا الله ، فقال : يا ابن اللخناء ، إياي تأمر بالجزع عند الموت ؟ فوليت عنه متعجباً منه ، فصاح لي ادنُ مني ولقّنّي الشهادة ، فصرتُ إليه ، فلما قربت منه استدناني ، ثمّ التقم أذني فذهب بها ، فجعلت ألعنه وأدعو عليه ، فقال : إذا صرت الى امك فقالت مَنْ فعل هذا بك ؟ فقل : عمير بن الاهلب الضبي مخدوع المرأة التي أرادت ان تكون امير المؤمنين.

انظر : مروج الذهب م ٢ : ٣٧٩.

١٤٤

خلِّ عن الخطام ودونك القوم ، خلاه والتقى بمالك النخعي الاشتر ، فاعتركا ملياً حتى سقطاً الى الارض ، فعلاه مالك بالسيف ، فلم يجد له سبيلاً الى قتلهِ ، وعبدالله ينادي من تحته :

اقتلوني ومالكاً واقتلوا مالكاً معي.

فلم يجبه أحد ، ولا احد يعلم من الذي يعنيه لشدة اختلاط الناس ببعضهم ، وثور النقع ، فلو قال اقتلوني ومالك الاشتر ، لقتلا جميعاً(١) ، فقال مالك هذه الابيات(٢) :

أعايشُ لَوْلا أنني كُنتُ طاوياً

ثلاثاً لالفَيتِ ابْنَ أختِكِ هالِكاً

غداة يُنادي والرماحُ تنُوشُهُ

كوقعِ الضَياحي اُقتُلُوني ومالِكاً

فنجاه منّي أكلُه(٣) وشبابُهُ

وأنّي شيخٌ لم اكُنْ مُتماسَكاً

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٣ : ٢٥١.

(٢) ذكره الشيخ المجلسي في بحار الانوار ٣٢ : ١٩٢ ، وزاد فيه

فلم يعرفوه إذْ دعاهم وغمّهُ

خدبٌّ عليه في العَجاجَةِ باركاً

وذكر المناسبة التي قال فيها مالك الاشتر هذه الابيات ، قال :

فلما وضعت الحرب أوزارها ، ودخلت عائشة الى البصرة ، دخل عليها عمّار بن ياسر ومعه الاشتر ، فقالت : من معك يا ابا اليقظان ؟ فقال : مالك الاشتر.

فقالت : انت فعلت بعبدالله ما فعلت ؟ فقال : نعم ولولا كوني شيخاً كبيراً وطاوياً لقتلته وأرحت المسلمين منه. قالت : أوما سمعت قول النبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) : ان المسلم لا يقتل إلا عن كفر بعد ايمان ، أو زنى بعد أحصان ، أو قتل النفس التي حرم الله قتلها ؟

فقال : يا ام المؤمنين على أحد الثلاثة قاتلناه ، ثمّ انشد الشعر.

انظر : بحار الانوار ٣٢ : ١٩١.

(٣) في الاصل : سيفه والصواب كما ورد في بحار الانوار.

١٤٥

ولمّا سقط الجمل بالهودج ، انهزم القوم عنهُ ، فكانوا كرمادٍ اشتدت به الريح في يوم عاصف(١) .

فجاء محمدُ بنُ ابي بكررضي‌الله‌عنه وادخل يده الى اختهِ ، فقالت له : من هذا المتهجم على حرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ؟

قال : انا اقرب الناس اليك ، وابغضهم لكِ ، انا أخوك محمد بعثني اليك أمير المؤمنين ، يقول لك ، هل اصابك شيء من السلاح ؟

__________________

(١) قال الشيخ المفيد; : ولمّا رأى أمير المؤمنينعليه‌السلام جُرأة القوم على القتال وصبرهم على الهلاك ، نادى أصحاب ميمنته ان يميلوا على ميسرة القوم ، ونادى اصحاب ميسرته ان يميلوا على ميمنتهم ، ووقفعليه‌السلام في القلب فما كان بأسرع من ان تضعضع القوم ، واخذت السيوف من هاماتهم مأخذها ، فأنكشفوا وقد قتل منهم ما لا يحصى كثرة ، واصيب من اصحاب امير المؤمنين نفرٌ كثير ، وأحاطت الازَدُ بالجمل يقدُمُهُم كعبُ بن سُور ، وخطام الجمل بيده ، واجتمع إليه من كان أنفل بالهزيمة ونادت عائشة :

يا بنيَّ الكرَّة الكرةَّ ! اصبروا فإنّي ضامنةٌ لكم الجنّة ؛ فحفُّوا بها من كل جانب واستقدموا بُردة كانت معها ، وقلبت يمينها على منكبها الايمن الى الايسر ، والايسر الى الايمن ، كما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ يصنع عند الاستسقاء ؛

ثم قالت : ناولوني كفاً من تُرابٍ ؛ فناولوها ، فحثت به وجُوه أصحاب امير المؤمنينعليه‌السلام وقالت : شاهت الوُجُوهُ ! كما فعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ بأهل بَدْرٍ ، قال : وجرَّ كعبُ بنُ سُورٍ بالخطام ، وقال : اللهم إن تحقن الدِماءَ وتُطفي هذه الفتنة فاقْتُلْ علياً ، ولما فعلت عائشة ما فعلت من قلب البرد وحصبِ اصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام بالتراب ، قالعليه‌السلام :

« ما رَمَيْتِ إذ رَمَْتِ يا عائشةُ ولكنّ الشيطانَ رمى وليعُودنَّ وبالُكِ عليك إنْ شاء الله ».

انظر : مصنفات الشيخ المفيد م ١ : ٣٢٨ ، الفتوح م ١ : ٤٨٤.

١٤٦

قالت : ما اصابني إلا سهم لم يضرّني(١) .

ثم جاء إليها امير المؤمنينعليه‌السلام بذاته ، حتى وقف عليها ، وضرب الهودج بالقضيب ، وقال :

« يا حميراء ! هل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ أمرك بهذا الخروج عليّ ؟ ألم يأمرك ان تقري في بيتك ؟ والله ما انصفكِ الذين أخرجوكِ من بيتكِ ، إذ صانوا حلائلهم وابرزوكِ !! »

ثم انهعليه‌السلام أمر اخاها محمداً ان يُنزلها في دار آمنة بنت الحارث [ ابن طلحة الطلحات ] ، فرفع الهودج وجعل يضرب الجمل بسيفهِ.

[ امير المؤمنينعليه‌السلام يأمر بأعادة عائشة الى المدينة ]

قال المسعودي(٢) : ثمّ انّ اميرَ المؤمنينعليه‌السلام بعث عبدالله بن العبّاس الى عائشة يأمرها بالذهاب الى المدينة المنورة ، فدخل عليها بغير اذنها ، فاجتذب وسادةً وجلس عليها.

فقالت له : يا ابن عباس ، لقد أخطأت السُّنة المأمور بها بدخولك

__________________

(١) روى بن ابي سبرة عن علقمه ، عن امه ، قال : سمعت عائشة تقول : لقد رأيتني يوم الجمل وانّه على هودجي الدروع الحديدية ، والنبل يخلص اليّ منها وانا في الهودج ، فهوّن ذلك عليّ ما صنعنا بعثمان ، ألبنا عليه حتى قتلناه ، وجرينا عليه الغواة ، فنعوذ بالله من الفرقة بين المسلمين.

انظر : مصنفات الشيخ المفيد م ١ : ٣٨١.

(٢) مروج الذهب م ٢ : ٣٧٦.

١٤٧

علينا بغير اذنٍ منّا ، وجلوسك على رَحْلِنا بغير إذننا(١) !

فقال : نعم ، لو كُنْتِ في البيتِ الذي تَرَكَكِ فيهِ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ لما دخلتُ(٢) عَلَيكِ إلا بأذنِكِ ، ولا جلستُ(٣) على رَحْلِكِ إلا بأمركِ ، بعثني امير المؤمنينعليه‌السلام إليك يَأمُركِ بسُرعة الاوبة ، والتأهب للذهاب الى المدينة.

قالت : أبَيتُ عمّا قلت ، وخالفتُ امرَ من وصفت(٤) ، فمضى إليه واخبره بأمتناعها ، [ فبعثهعليه‌السلام إليها ثانية ](٥) ، وقال : ان امير المؤمنين يعزم عليك ان ترجعي(٦) .

فأمنعت بالاجابة للامر فجهزهاعليه‌السلام ، واتاها في اليوم الثاني ، ومعه بنوه الحسنُ والحسين واولاده جميعاً واخوته وبنو هاشم(٧) ، فدخلوا عليها فلما [ ابصرته صاحت مع من عندها من النسوة ](٨) في وجههعليه‌السلام ، يا قاتل الاحبة !

فقالعليه‌السلام : « لو كنت قاتل الاحبةِ لقتلتُ من في هذا البيت ».

__________________

(١) في مروج الذهب : وجلست على رحلنا بغير امرنا.

(٢) في مروج الذهب : دخلنا.

(٣) في مروج الذهب : جلسنا.

(٤) في مروج الذهب : وخالفت ما من وصفت.

(٥) في مروج الذهب : فرده إليها.

(٦) في مروج الذهب : وقال : قل لها : ان أبيتِ عمّا قلتُ لكِ ، ما تعلمين.

(٧) في مروج الذهب : وغيرهم وشيعته من همدان.

(٨) وفيه أيضاً : ابصرت به النسوان صحن.

١٤٨

وهو يشير الى احدِ تلك البيوت ، قد اختلى فيه مروان بن الحكم ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عامر ، [ وجماعة من بني اميّة ](١) ، فضرب كل من كان معه على قائم سيفهِ ، لما علموا منهعليه‌السلام ، مخافة من خروجهم عليهم فيغتالونهم.

فقالت عائشة [ بعد كلام بينهما ](٢) : قد صار ما صار ، فأحب الآن ان اقيمَ معك لعلي اسيرُ لقتال عدوك.

فقال : « بل ارجعي الى البيت الذي ترككِ فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ .

فسألته ان يؤمن ابن اختها عبدالله بن الزبير ، فأمنه ، وتكلم الحسن والحسين8 في مروان ، فأمنه(٣) .

فقالت : والله ، اني قد ازددت يا ابن ابي طالب كرباً ، ووددت اني

__________________

(١) سقطت من مروج الذهب.

(٢) في مروج الذهب : بعد خطب طويل كان بينهما.

(٣) في مروج الذهب م ٢ : ٣٧٨ وأمن الوليد بن عقبة وولد عثمان وغيرهم من بني اميّة ، وأمّن الناس جميعاً ، وقد كان نادى يوم الوقعة ، من ألقى سلاحه فهو آمن ، ومن دخل داره فهو آمن.

وخرجت امرأة من عبد القيس تطوف في القتلى ، فوجدت ابنين لها قد قتلا ، وقد كان قُتل زوجها وأخوان لها فيمن قتل قبل مجيء عليّ البصرة ، فأنشأت تقول :

شهدت الحروب فشيبتني

فلم أر يوماً كيوم الجمل

أضرّ على مؤمنٍ فتنةً

وأقتله لشجاع بطل

فليت الظعينة في بيتها

وليتك عسكر لم ترحل

مروج الذهب م ٢ : ٣٧٨.

١٤٩

لم اخرج هذا المخرج ، ولقد علمت بما قد اصابني فيه.

وقال له مروان بن الحكم : يا امير المؤمنين ، اني احبّ ان ابايعَكَ ، واكون في خدمتك !

فقالعليه‌السلام : « اولم تبايعني ، بعد ان قتل عثمان ، ثمّ نكثت ، فلا حاجة لي ببيعتك ، انها كف يهودية.

لو بايعني بيده لغدر بأسته ، اما ان له امرةً كلعقة الكلب انفه ، وهو ابن الاكبش الاربعة ، وستلقى الامة منه ، ومن ولده يوماً احمر ».

قال المسعودي : ولمّا توجهت عائشةرضي‌الله‌عنه الى المدينة ، بعث امير المؤمنينعليه‌السلام معها اخاها عبد الرحمن بن ابي بكر(١) ، وثلاثين رجلاً ، وعشرين امرأةً من ذوات الدّين من آل عبد قيس وهمدان ، ولزم عليهم بخدمتِها(٢) ، فلما وصلت المدينة ، قيل لها : كيف رأيت مسيرك وما صنع معكِ عليّعليه‌السلام ؟

قالت : والله ، لقد كنت بخير ، ولقد اجاد ابن ابي طالب واكثر بالعطاء(٣) ، [ ولكنّه بعث معي رجالاً انكرتهم ، فعرفها النسوة امرهن ،

__________________

(١) مروج الذهب م ٢ : ٣٧٩.

(٢) في مروج الذهب : ألبسهن العمائم وقلدهن السيوف ، وقال لهن : لا تعلمن عائشة أنكن نسوة وتلثمن كأنكن رجال.

(٣) في مستدرك احقاق الحقّ وبالاسناد عن العوام بن حوشب قال : حدثني ابن عمّ لي من بني الحارث بن تيم الله يقال له مجمع قال : دخلت مع أمي على عائشة.

١٥٠

فسجدت وقالت : ما ازددت والله يابن ابي طالب الا كرماً ، ووددت اني لم اخرج ، وان اصابتني كيت وكيت من امور ذكرتها ](١) .

قال [ المصنف; ] ؛ ومن كلام امير المؤمنينعليه‌السلام ، لما أظفره الله تعالى على اصحاب الجمل ، بعد ان حمد الله عزّوجلّ واثنى عليه ، صلى على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ، قال : « اما بعدُ ، ايّها الناسُ :

انّ الله عزّوجلّ ، ذو رحمةٍ واسعةٍ ، ومغفرةٍ دائمة ، وعفوٍ جم ، وعقابٍ اليمٍ ، قضى ان رحمتهُ وسعت كل شيء ، ومغفرتهُ لأهل طاعتهِ من خلقه ، وبرحمتهِ اهتدى المهتدون ، وقضى ان نقمتهُ وسطواته وعقابهُ على اهل معصيته من خلقه ، وبعد الهُدى والبينات ما ضلّ الضّالُّون ، فما ظنكم يا اهل البصرة وقد نكثتُم بيعتي ، وظاهرتُم على عدوِّي(٢) ». « وقمتُ بالحجةِ واقلتُ العثرة ، والزلة من اهل الردة ،

__________________

فسألتها امي قالت : كيف رأيت خروجك يوم الجمل ؟ قالت : انه كان قدراً من الله تعالى. فسألتها عن علي قالت : سألتني عن أحب الناس كان الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ . لقد رأيت علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً وقد جمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ لفوعاً عليهم ثمّ قال : هؤلاء اهل بيتي وخاصتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.

انظر : احقاق الحقّ ٢ : ٥٤٦.

(١) نص ما ذكره المسعودي في مروج الذهب وقد سقط من النسخة.

(٢) الارشاد ١ : ٢٥٧ ، بحار الانوار ٣٢ : ٢٣٠ ، « خطبة الامامعليه‌السلام المحصورة بين الاقواس كما جاء في الارشاد وبحار الانوار ».

اما ما زاده المصنف وقد حصرناه أيضاً بين قوسين فهو ما ورد في كتاب الامام عليّ عليه‌السلام الى اهل الكوفة عندما تحقق النصر على اصحاب الجمل وفتح البصرة ، وربما وقع المصنف في وهمٍ ، فنبهنا عنه ».

١٥١

فأستتبت من نكث فيهم بيعتي ، فلم يرجع عمّا اصرّ عليه ، فقَتل الله تعالى من قتل منهم الناكث ، وولى الدبر الى مصيرهم بشقائِهم ، فكانت المرأة عليها اشأم من ناقة الحجر ، فخذلوا وأدبروا دبراً ، فقطعت بهم الاسباب فلما حَل بهم ما قدروا سألوني العفو ، فقبلتُ منهم القول وغمدتُ عنهم السيف ، واجريت الحقّ والسنّة بينهم ، واستعملت عبدالله بن العبّاس عليهم »(١) .

فقام إليه رجل منهم ، وقال : نظُنُّ خيراً ، ونراك قد ظفرت وقدرت ، فإنّ عاقبت فقد اجترمنا ذلك ، وان عفوت [ فأنت محلُ العفو ، والعفو أحبُّ الى الله عزّوجلّ ، والينا ](٢) .

فقالعليه‌السلام : « قد عفوتُ عنكم ، فإيّاكم والفتنة فأنها أشدّ من القتل ، فأنّكم اوّل الرّعيةِ لنكث البيعة ، وشقَّ عصا هذه الامة »(٣) .

__________________

(١) لم تردك تكملة الخطبة في الارشاد أو في بحار الانوار.

(٢) في الارشاد : وإن عفوت فالعفو أحبُّ الى الله.

(٣) قال الواقدي : ولما فرغَ امير المؤمنينعليه‌السلام من أهل الجمل جاءهُ قومٌ من فتيان قريش يسألونه الامان وأن يقبل منهم البيعة ، فأستشفعوا إليه بعبدالله بن عباس ، فشفعه وأمرهم في الدخول عليه ، فلما مثلوا بين يديه قال لهم : « ويلكم يا معشر قريش علام تقاتلونني ! على أنْ حكمت فيكم بغير عدلٍ ! أو قسمت بينكم بغير سويّةٍ ! أو استأثرت عليكم ! أو تبعدي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ ، أو لقلة بلاءٍ في الاسلام ! ». فقالوا : يا امير المؤمنين نحن إخوة يوسفعليه‌السلام فأعفُ عنّا ، واستغفر لنا ، فنظر الى أحدهم فقال له : « من انت ؟ ». قال : أنا مساحق بن مخرمة معترف بالزلة ، مقرٌّ بالخطيئة ، تائب من ذنبي. فقالعليه‌السلام : « قد صفحت عنكم ». وتقدم إليه مروان بن

١٥٢

ثم جلس ، فأتاه الناس وبايعوه.

من كلامهعليه‌السلام حين قتل طلحة وانفضّ اهل البصرة

ومن كلامهعليه‌السلام ، لمّا طاف على القتلى يوم الجمل ، قال الشيخ المفيد; في ارشاده(١) :

قال امير المؤمنينعليه‌السلام : « بنا [ تسنّمتم ](٢) الشرف ، وبنا [ انفجرتم ](٣) عن السّرار ، وبنا اهتديتم في الظلماءِ ، [ وقر ](٤) سمعٌ لم يفقهِ الواعية للنبأة كيف يُراعُ من أصمَّتهُ الصَّيحةُ ، رُبط جنانُ لم يُفارقهُ الخَفَقان ، ما زَلتُ أتوقعُ بكم عواقِبَ الغدْر ، وأتوسَّمكم بحيلةِ المغترِّين ، سترني عنكم جلبابُ الدّينِ ، وبصَّرنيكم صدق النية ، اقمت لكم الحقّ حيث تعرفون ، ولا دليل وتحتفرون ولا تُميهون(٥) اليوم ،

__________________

الحكم وهو متكئ على رجل ، فقالعليه‌السلام : « أبك جراحة ؟ ». قال : نعم يا امير المؤمنين وما أراني لما بي إلا ميتاً ! فتبسم أمير المؤمنينعليه‌السلام وقال : « لا والله ما انت لِما بك ميّتٌ ، وستلقى هذه الامة منك ومن ولدك يوماً أحمر ».

انظر : مصنفات الشيخ المفيد م ١ : ٤١٣.

(١) الارشاد ١ : ٢٥٣ ، بحار الانوار ٣٢ : ٢٣٦ ح ١٩٠.

(٢) في النسخة : اكتسبتم ، والصواب كما جاء في الارشاد.

(٣) في النسخة : افتخرتم من السراء.

(٤) في النسخة : وقرع.

(٥) أماه الحافر يميه : إذا أنبط الماء ووصل إليه عند حفره البئر.

انظر : الصحاح ـ موه ـ ٦ : ٢٢٥.

١٥٣

نطق لكم العجماء ذات البيان ، عزبَ فهمّ امرءٍ تخلف عني ، ما شككت في الحقّ منذ أريته ](١) ، كان بنو يعقوب على المحجة العظمى حتى عقوا اباهم ، وباعوا أخاهم ، وبعد الاقرار كانت توبتهم ، وباستغفار ابيهم واخيهم غُفِرَ لهم ».

من كلامهعليه‌السلام عندما طاف بالقتلى (٢)

« هذه قُرَيْشٌ ، جَدَعْتَ أنفي ، وشَفَيْتَ نَفْسي ؛ لقد تقدَّمتُ اليكم(٣) احذِّرُكم عضَّ السّيوفِ ، فكُنتُم أَحداثاً لا عِلمَ لكم بما تَرونَ ، [ فَناشَدتُكم العهدَ والميثاق ، فتماديتُمْ في الغي والطُغيان ، وأبيتُمْ إلا القتالَ ، فناهضتُكمْ بالجهادِ ](٤) .

ولكنَّه الحَيْنُ(٥) وسُوء المَصرع ، فأَعوذُ بالله مِن سوء المصرع ».

فمرَّعليه‌السلام [ بمعبد بن المقداد ](٦) ، فقالعليه‌السلام :

« رَحِمَ الله أبا هذا ، أَمَا إنّه لو كان حيّاً لكانَ رأيُهُ أحسن من رأي هذا ».

__________________

(١) في النسخة : رأيته.

(٢) انظر : الارشاد ١ : ٢٥٤ ـ ٢٥٦ ، بحار الانوار ٣٢ : ٢٠٧ ح ١٦٣. مصنفات الشيخ المفيد م ١ : ٣٩١ ، ٣٩٢ ، ٣٩٤.

(٣) سقطت من النسخة الخطية واثبتناها من الارشاد.

(٤) سقطت من الارشاد.

(٥) الحين : الهلاك.

(٦) في الاصل : سعيد ، وصوابه كما في الارشاد.

١٥٤

فقال عمّار بن ياسر : الحمدُللهِ الذي [ رَفَعَكَ ](١) يا امير المؤمنين(٢) ، وجَعَلَ خدَّهُ الأسفلَ ، إنّا واللهِ يا أميرَ المؤمنين [ ما نُبالي مَنْ عَنَدَ عَنِ الحقِّ مِنْ ولَدٍ ووالدٍ. فقال أميرُ المؤمنين ](٣) : « رحمِكَ اللهُ وجَزاكَ عنِ الحقِّ خيراً ».

ثم انهعليه‌السلام مرّ بعبدِاللهِ بن رَبْيعَة بن دَرَّاجٍ ، فقالعليه‌السلام : « هذا البائسُ ما كانَ أخرجَهُ ؟ أدينُ أخرجهُ أمْ نَصْرٌ لعُثمان ؟! واللهِ ما كان رأيُ عُثمان فيهِ ولا في [ ابيه ](٤) لحسنٍ ».

ثمَّ إنهُعليه‌السلام مرّ بمَعْبدِ بن زُهَير بن أبي اميّة(٥) ، فقالعليه‌السلام : « لو كانت الفتنةُ برأسِ الثريّا لَتَنَاولها هذا الغُلامُ ، واللهِ ما كان فيها بذي نحيزة(٦) ، ولقد أخبرني مَنْ أَدركهُ إنّه لَيُولْولَ فرقاً من السَّيف ».

ثم مرّعليه‌السلام بمسلمة بن قَرَظَةَ ، فقالعليه‌السلام : « البرُّ أخرجَ هذا ! والله لَقد كلَّمني أن أكلِّمَ له عُثمانَ في شيءٍ كان يدَّعيه قَبلَهُ بمكة ، [ فأعطاهُ

__________________

(١) في الارشاد : أوقعه.

(٢) سقط من الارشاد.

(٣) سقطت من النسخة واثبتناها من الارشاد.

(٤) في النسخة : ابنه.

(٥) في الاصل ( اميّة ) ، والصواب هو : معبد بن زهير بن ابي اُميّة بن عبدالله بن عمرو بن مخزوم القرشي المخزومي ابن أخي ام سلمة زوج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ .

انظر : اسد الغابة ٤ : ٣٩١ ، الاصابة ٣ : ٤٧٩/٤٣٢٧.

(٦) النحيزة : الطبيعة. الصحاح ـ نحز ـ ٣ : ٨٩٨.

١٥٥

ايّاه ](١) ، ثمّ قال [ لي ](٢) لَولا أنتَ ما اعطيتهُ [ اياه ](٣) ، إنّ هذا [ ما علمت ](٤) بئسَ أخو العشِيرةِ ، ثمّ جاءَ المشُومُ لِلحَين(٥) ، [ ناصراً يُطالب دم عُثمان ] »(٦) .

ثمَّ مرّعليه‌السلام بعبدِاللهِ بن حميدِ بن زُهَير ، فقالعليه‌السلام : « إنّ هذا أيضاً ممّن أوضَعَ في قتالنا ، [ ثمّ أنَّه يزعمُ إنّهُ يطلبُ رِضاءَ اللهِ بذلك ](٧) ، ولقد كَتَبَ اليَّ كتاباً يُؤذي عُثمان فيه ، فأعطاهُ شيئاً فَرضِي عنه ».

ثمَّ مَرّعليه‌السلام بعبداللهِ بن حَكيم بنِ حزام ، فقالعليه‌السلام : « إنَّ هذا قد خَالفَ أباه في الخروج ، وأبوهُ حيثُ لم ينصُرنا وقد أَحسن في بيعته لنا ، وإن كان قد كَفَّ وجَلسَ حيثُ شكَّ في القتال ، وما ألوم اليوم مَنْ كفَّ عنّا وعن غيرنا ، ولكنَّ [ اللوم على ](٨) الذي قاتلنا ».

ثمَّ مرّعليه‌السلام بعبدالله بنِ المغيرةِ بن الأخْنَس بن [ شريق ](٩) ،

__________________

(١) في الارشاد : فأعطاه عثمان.

(٢) سقطت من الارشاد.

(٣) سقطت من الارشاد.

(٤) في النسخة الخطية : اما علمت ان هذا ، والصواب كما اثبت من الارشاد.

(٥) في النسخة الخطية : لحينه.

(٦) في الارشاد : ينصر عثمان.

(٧) في الارشاد : زعم يطلب الله بذلك.

(٨) في الارشاد : المليم.

(٩) سقطت من الارشاد.

١٥٦

فقالعليه‌السلام : « وأما هذا [ فقتل ابوه ](١) يَوم قُتِلَ عُثمان [ في الدار ](٢) خَرَجَ مُغْضَباً لقتلَ أبيهِ ، وهو غُلامٌ حَدَثٌ [ حينَ قتله ](٣) ».

ثم مرَّعليه‌السلام [ بعبدالله بن عُثمان ](٤) بن الأخْنَس بن شريق ، فقالعليه‌السلام : « وأمَّا هذا فكأنّي أنظُرُ إليه ، وقد أخذ القومَ السُّيوفُ هارباً يغدو من الصَّفِّ ، [ فَنْهنَهْتُ ](٥) عنهُ فلم يَسمعْ مَنْ [ نَهْنَهْتُ ](٦) ، حتى قتل ، وكان هذا ممّا خَفِيَ على فتيان قُريش ، أغمار لا عِلمَ لهم بالحربِ ، خُدِعوا [ واستُزِلُّوا ](٧) ، فلمّا وقفوا [ وَقَعوا ](٨) فقتلوا ».

ثمَّ مرَّعليه‌السلام [ بكَعبِ بن سُور ](٩) ، فقالعليه‌السلام : « وأمّا هذا الَّذي خَرَجَ علينا ، وفي عُنُقِه المُصحَفُ ، يزعُمُ أنّه ناصرُ [ أمِّهِ ](١٠) ، يدعو الناسَ الى ما فيه وهو لا يعلَمُ بما فيهِ ، ثمَّ استفتح [ وخابَ كُلّ ](١١) جبّار عَنيدٍ ، أمَّا

__________________

(١) سقطت من المخطوطة واثبتناها من الارشاد.

(٢) سقطت أيضاً واثبتناها من الارشاد.

(٣) في النسخة : حين قتل ، والصواب كما في الارشاد.

(٤) في النسخة الاصلية : عبدالله بن ابي عثمان ، وهذا تصحيف ربما من الناسخ واثبتت الصواب من الارشاد.

(٥) في النسخة الاصلية : فنهيت.

(٦) في النسخة كلمة مبهمة ويحتمل من تصحيفات الناسخ.

(٧) في النسخة : يستنبزوا.

(٨) في النسخة الكلمة غير واضحة واثبتناها من الارشاد.

(٩) في النسخة : كعب بن ثور ، وهو تصحيف والصواب كما في الارشاد.

(١٠) سقطت من النسخة واثبتت من الارشاد.

(١١) في النسخة [ وجاء معه ] وهو تصحيف والصواب كما في الارشاد.

١٥٧

إنه دعا الله أَن يقتُلني فقتلهُ اللهُ تعالى ».

أجلِسُوا [ كَعبَ بن سُورٍ ](١) فأجلسَ ، فقالَ لَهُعليه‌السلام : « يا كعبُ ، قد وَجدْتُ ما وَعَدَني ربي حَقّاً ، فَهَل وَجدْتَ ما وَعَدَك ربُّكَ حقّاً ؟ ».

ثم قالعليه‌السلام : « أضجعُوهُ ».

ثمَّ مرّعليه‌السلام بطلحة بن عُبيدِاللهِ(٢) ، فقالعليه‌السلام : « وأمَّا هذا فَهو النّاكثُ لبيعتي ، والمُنْشئ الفِتنَة في الأمّةِ ، والمُجلُبِ عَلَيَّ ، والدّاعي إلى قَتْلي وقتل عترتي ».

اجلسوا [ طلحة بن عبيدالله ](٣) فأُجلِس ، ثمَّ قالَعليه‌السلام له : « يا طلحة ، قد وجدْتُ ما وَعَدَني ربّي حقّاً ، فهلْ وجدْتَ ما وَعَدَك ربُّكَ حقّاً ؟! » ثمّ قالعليه‌السلام : « أضجعُوه » ، فأُضجع.

وسارَعليه‌السلام ، فقالَ لهُ بعضَ أصحابه : يا امير المؤمنين ، رأيتك تُكلّمُ كعباً وطلحة بعد أنْ قُتِلا ، فَهل يفْقَهان ما قلت لهُما ؟!

فقالعليه‌السلام : « [ أمَ ](٤) وَاللهِ ، إنّهما لقد سَمِعا كلامي ، كما سَمِعَ أهلُ

__________________

(١) سقطت من الاصل.

(٢) هو طلحة بن عبيدالله بن عثمان بن عبيدالله بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة ، وهو ابن عمّ أبي بكر الصديق ، ويكنى ابا محمد ، وأمه الصعبة ، وكانت تحت ابي سفيان بن حرب ، وقتل وهو ابن اربع وستين ، وقيل غير ذلك ، ودفن بالبصرة ، وقبره فيها الى هذه الغالية ، وقبر الزبير بوادي السباع.

انظر : مروج الذهب م ٢ : ٣٧٤.

(٣) سقطت من الاصل.

(٤) في النسخة : ايم.

١٥٨

القَلِيب كلامَ رسولِ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ يومَ بَدْرِ »(١) .

قال المسعودي : ولمّا ان مَنَّ الله تعالى عليهِ بما هو اهله من الظفرِ على أصحاب الجمل ، دخل عليه بجماعةٍ من اصحابه الى بيت مالَ المسلمين بالبصرة ، فنظر الى ما فيه من العينِ والورق ، فأدام انظر إليه ، فجعل يقول : « يا صفراء ويا بيضاء ، غُرِّي غيري »(٢) .

ثم قالعليه‌السلام : « اقسموه بين اصحابي ، خمسمائة خمسمائة » ،

__________________

(١) عن محمد بن الحنفية; ، قال : فوالله لقد رأيتُ أوّل قتيل من القوم كعب بن سُور بعدَ ان قُطِعت يمينهُ التي كان الخِطام بها ، فأخذه بشماله وقُتل بعد ذلك ، وقُتِلَ معه أخوهُ وابناه. ثمّ اخذ خطام الجمل بعده رجل منهم وهو يقول :

يا اُمَّنا عائِشَ لا تُراعِي

كُلُّ بَنيكِ بَطَلٌ شُجاعُ

فما بَرَحَ حتى قطعت يداهُ وطُعِنَ فهلك ؛ فقام مقامه آخر منهم فقطعت يمينه وضُرِبَ على رأسه فهلَكَ ؛ فما زال كل منّ اخذ بخطام الجمل قُطِعتُ يداهُ أو جُذَّ ساقه حتى هلَكَ منهم ثمانمائةِ رجلٍ ، وقبل ذلك قُتِلَ حول الجمل سبعون رجلاً من قريش.

مصنفات الشيخ المفيد م ١ : ٣٤٩ ، تاريخ الطبري ٤ : ٥١٨.

(٢) قال الشيخ المفيد ( رضي الله تعالى عنه ) : ورجع طلحة والزبير ، ونزلا دار الاماره ، وغلبا على بيت المال ، فتقدمت عائشة وحملت مالاً منه لتفرقه على انصارها فدخل عليها طلحة والزبير في طائفة معهما واحتملا منه شيئاً كثيراً ، فلما خرجا جعلا على ابوابه الاقفال ، ووكلا به من قبلهما قوماً ، فأمرت عائشة بختمه ، فبرز لذلك طلحة يختمه فمنعه الزبير ، وأراد ان يختمه الزبير دونه فتدافعا ! فبلغ عائشة ذلك فقالت : يختمها عني ابن اختي عبدالله بن الزبير ، فختم يومئذٍ بثلاثة ختوم.

وقال أيضاً : ولمّا خرج عثمان بن حنيف من البصرة ، وعاد طلحة والزبير الى بيت المال ، فتأملاً الى ما فيه من الذهب والفضة قالوا : هذه الغنائم التي وعدنا الله بها ، واخبرنا انه يجعلها لنا !!

انظر : مصنفات الشيخ المفيد م ١ : ٢٨٤ ، ٢٨٥.

١٥٩

فقسموه فأصابَ كل رجل منهم خمسمائة ، فلم يزد درهماً ولا نقص درهماً !

فكان عدد اصحابه اثني عشر الفاً ، وقبضعليه‌السلام على ما اصابه في معسكرهم ، فباعه وقسمه أيضاً عليهم ، ولم يزد لنفسه ولا لأولاده واهل بيته عن اصحابه بشيء ابداً.

ثم اتاه رجلٌ من اصحابه لم يكن حاضر القسمة ، فقال : يا امير المؤمنين ، اني لم آخذ شيئاً لعدم حضوري عند القسمة ، فالسبب الموجب لغيابي عنها هو كيت وكيت ، فأعطاه ما اصابه من القسمة(١) .

ومن كلامهعليه‌السلام حين قدم الكوفة من البصرة

ثم توجهعليه‌السلام الى الكوفة. قال [ المسعودي ] : فقال حين قدومه إليها ؛ بعد ان حمد الله واثنى عليه ، وصلى على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌ :

« أمَّا بعدُ ، فالحمدُ للهِ الّذي نَصرَ وَليه ، وخَذلَ عدوَّه ، وأعزَّ الصَادِق المُحِقَّ ، وأذلَّ الكاذِب المُبطِلَ.

ايّها الناس عليكم(٢) بتقوى الله حقَّ تقاتِهِ ، واطاعةِ مَن اطاعَ اللهَ من اهلِ بيتِ نبيِّكم ، الذين هم أَولى بطاعتِكم من المُنتَحِلينَ المُدَّعين القَائلينَ الينا ، يتفضَّلون بفضلنا ، ويُجاحِدونا في أمرِنا ، وينازعونا حقّنا

__________________

(١) مروج الذهب م ٢ : ٣٨٠.

(٢) في الارشاد : يا اهل هذا المصر.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388