أحكام القرآن الجزء ٣

أحكام القرآن15%

أحكام القرآن مؤلف:
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 388

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 388 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 79973 / تحميل: 5628
الحجم الحجم الحجم
أحكام القرآن

أحكام القرآن الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

جلاله هل يوصف بمكان؟ فقال: تعالى عن ذلك. قلت: فلم أسرى بنبيه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى السماء؟ قال: ليريه ملكوت السموات وما فيها من عجائب صنعه وبدايع خلقه. قلت فقول الله عز وجل: ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى؟ قال: ذاك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دنا من حجب النور فرأى ملكوت السموات، ثم تدلىصلى‌الله‌عليه‌وآله فنظر من تحته إلى ملكوت الأرض حتى ظن أنه في القرب من الأرض كقاب قوسين أو أدنى.

- وروى النيسابوري في روضة الواعظين ص ٣٣

قال عكرمة: بينما ابن عباس يحدث الناس إذ قام نافع بن الأزرق فقال: يابن عباس، تفتي في النملة والقملة، صف لنا إلهك الذي تعبده. فأطرق ابن عباس إعظاماً لله عز وجل، وكان الحسين بن علي قاعداً في موضع فقال: إليَّ يابن الأزرق، فقال: لست إياك أسأل، فقال ابن عباس: يابن الأزرق إنه من أهل بيت النبوة وهم ورثة العلم، فأقبل نافع بن الأزرق نحو الحسين فقال الحسينعليه‌السلام : يا نافع، إن من وضع دينه على القياس لم يزل الدهر في التباس، مائلاً على المنهاج ظاعناً في الإعوجاج، ضالاً عن السبيل قائلاً غير الجميل، يابن الأزرق أصف إلهي بما وصف به نفسه وأعرفه بما عرف به نفسه: لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس، فهو قريب غير ملتصق، وبعيد غير منفصل، يوحد ولا يبعض، معروف بالآيات، موصوف بالعلامات، لا إله إلا هو الكبير المتعال.

- وقال الطوسي في تفسير التبيان ج ٩ ص ٤٢٤

وقوله: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال ابن عباس: رأى ربه بقلبه، وهو معنى قوله علمه، وإنما علم ذلك بالآيات التي رآها.

وقال ابن مسعود وعائشة وقتادة: رأى محمد جبرائيل على صورته.

وقال الحسن: يعني ما رأى من مقدورات الله تعالى وملكوته.

وقال الحسن: عرج بروح محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى السماء وجسده في الأرض.

وقال أكثر المفسرين وهو الظاهر من مذهب أصحابنا والمشهور في أخبارهم: أن

٣٢١

الله تعالى صعد بجسمه حياً سليماً حتى رأى ملكوت السموات وما ذكره الله بعيني رأسه، ولم يكن ذلك في المنام بل كان في اليقظة..... ومعنى: ما كذب الفؤاد، أي ما توهم أنه يرى شيئاً وهو لا يراه من جهة تخيله لمعناه، كالرائي للسراب بتوهمه ماء ويرى الماء من بعيد فيتوهمه سراباً. ومن شدد أراد لم يكذب فؤاد محمد ما رأت عيناه من الآيات الباهرات فعداه.

- وفي تفسير نور الثقلين ج ٥ ص ١٥٥

في تفسير علي بن ابراهيم: حدثني أبي، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن علي بن موسى الرضاعليه‌السلام قال قال لي: يا أحمد ما الخلاف بينكم وبين أصحاب هشام بن الحكم في التوحيد؟ فقلت: جعلت فداك قلنا نحن بالصورة، للحديث الذي روى أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رأى ربه في صورة شاب، وقال هشام بن الحكم بالنفي للجسم، فقال: يا أحمد إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما أسري به إلى السماء وبلغ عند سدرة المنتهى، خرق له في الحجب مثل سم الإبرة فرأى من نور العظمة ما شاء الله أن يرى وأردتم أنتم التشبيه، دع هذا يا أحمد لا ينفتح عليك منه أمر عظيم.

- ورواه في بحار الأنوار ج ٣ ص ٣٠٧ ، وقال: المراد بالحجب إما الحجب المعنوية، وبالرؤية الرؤية القلبية، أو الحجب الصورية، فالمراد بنور العظمة آثار عظمته برؤية عجائب خلقه.

- وفي بحار الأنوار ج ٤ ص ٣٧

بيان: إعلم أن المفسرين اختلفوا في تفسير تلك الآيات قوله تعالى: ما كذب الفؤاد ما رأى، يحتمل كون ضمير الفاعل في رأى راجعاً إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإلى الفؤاد. قال البيضاوي: ما كذب الفؤاد ما رأى ببصره من صورة جبرئيل، أو الله، أي ما كذب الفؤاد بصره بما حكاه له، فإن الأمور القدسية تدرك أولاً بالقلب ثم تنتقل منه إلي البصر، أو ما قال فؤاده لما رآه: لم أعرفك، ولو قال ذلك كان كاذباً، لأنه عرفه بقلبه كما رآه بصره، أو ما رآه بقلبه، والمعنى لم يكن تخيلاً كاذباً. ويدل عليه أنه سئلعليه‌السلام هل رأيت ربك فقال: رأيته بفؤادي، وقرئ (ما كذَّب) أي صدقه ولم يشك فيه....

٣٢٢

قوله تعالى: ولقد رآه نزلة أخرى، قال الرازي: يحتمل الكلام وجوهاً ثلاثة: الأول الرب تعالى، والثاني جبرئيلعليه‌السلام ، والثالث الآيات العجيبة الإلهية. انتهى. أي ولقد رآه نازلاً نزلة أخرى فيحتمل نزولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونزول مرئية.

فإذا عرفت محتملات تلك الآيات عرفت سخافة استدلالهم بها على جواز الرؤية ووقوعها بوجوه:

الأول: أنه يحتمل أن يكون المرئي جبرئيل، إذا المرئي غير مذكور في اللفظ، وقد أشار أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى هذا الوجه في الخبر السابق.

وروى مسلم في صحيحه بإسناده عن زرعة عن عبد الله: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال: رأى جبرئيلعليه‌السلام له ستمائة جناح. وروى أيضاً بإسناده عن أبي هريرة، ولقد رآه نزلة أخرى قال: رأى جبرئيلعليه‌السلام بصورته التي له في الخلقة الأصلية.

الثاني: ما ذكرهعليه‌السلام في هذا الخبر وهو قريب من الأول لكنه أعم منه.

الثالث: أن يكون ضمير الرؤية راجعاً إلى الفؤاد، فعلى تقدير إرجاع الضمير إلى الله تعالى أيضاً لا فساد فيه.

الرابع: أن يكون على تقدير إرجاع الضمير إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكون المرئي هو الله تعالى، المراد بالرؤية غاية مرتبة المعرفة ونهاية الإنكشاف.

وأما استدلالهعليه‌السلام بقوله تعالى: ليس كمثله شيء، فهو إما لأن الرؤية تستلزم الجهة والمكان وكونه جسماً أو جسمانياً، أو لأن الصورة التي تحصل منه في المدركة تشبهه.

رأي الشيعة الزيدية في نفي الرؤية

- مختصر في العقيدة للدكتور المرتضى بن زيد المحطوري ص ١١

٨ - الله سبحانه وتعالى لا يرى بالأبصار. لأنه ليس جسماً ولا عرضاً لا يُرى، والدليل على ذلك - عقلاً ونقلاً:

٣٢٣

دليل العقل: إن حاسة الرؤية إذا كانت سليمة ولم يمنع مانع من الرؤية من ظلام أو إضاءة زائدة أو بعد أو قرب ملاصق للعين، فعندما توجد شروط الرؤية المذكورة تستطيع العين رؤية الموجودات. والله سبحانه وتعالى موجود ولم نره، ولا يصح لنا أن نراه، لأن المرئي يجب أن يكون جسماً يرى، وله لون، وفي جهة من الجهات، والله سبحانه وتعالى ليس كذلك، فعظمته سبحانه في خفائه بدليل أن أعظم سر نبحث عنه هو الحياة والروح والعقل والتفكير والتمييز والفرح والحزن ونحو ذلك مما لا نقدر على وضع اليد عليه مع علمنا بوجوده، فالكائنات الحية معجزة في تكوينها.ولكن الروح التي لا ندركها معجزة أكبر(ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) فكيف يرى الله والروح بعض أسراره؟

وكيف يخفى والشمس بعض آياته؟!

نراه سبحانه بعيون التصديق والإيمان في آياته الباهرة وآثاره الظاهرة، نراه بالبصائر لا بالأبصار.

ومن زعم أنه يرى في الآخرة فقد استدل بقوله سبحانه(إلى ربها ناظرة) وهي مؤولة بحذف مضاف والتقدير إلى رحمة ربها ناظرة لأنها مقابلة للآية التي بعدها(تظن أن يفعل بها فاقرة) والمقابلة تقتضي ذلك فوجوه منتظرة لرحمة الله، ووجوه تتوقع غضبه ونقمته.

ومن جهة ثانية: فقد ورد ناظر بمعنى منتظر كما في قوله سبحانه(ما ينظرون إلا صيحة) والصيحة لا تنظر بالعين وإنما تنتظر. وكذلك قوله تعالى - حكاية عن بلقيس -(فناظرة بم يرجع المرسلون) . والدليل إذا طرقه الإحتمال بطل الإستدلال به.

كما أن أهل البيتعليهم‌السلام مجمعون على عدم تجويز رؤية الله، وإجماعهم حجة، كما قال ابن تيمية وغيره، والأحاديث الواردة في هذا الشأن تعرض على القرآن، والقرآن ينفي عن الله الرؤية لأنها تقتضي التشبيه.

فالحديث الذي يقول (إنكم ترون ربكم كالقمر) يؤدي إلى تشبيه الله بخلقه

٣٢٤

كالقمر، وإن كان الحديث لا يفيد ذلك، فهو الذي نريد ويكون معناه ترون وعده ووعيده وصدق ما أخبركم به كالقمر عياناً، وإلا توقفنا عن العمل بحديث ظني يؤدي إلى التشبيه والتجسيم تعالى الله عن ذلك، والأخذ بالآية المحكمة أولى من الأخذ بالمتشابه.

تفسيرهم الموافق لمذهبنا

- صحيح مسلم ج ١ ص ١٠٩

- عن أبي ذر قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل رأيت ربك قال: نور، أنى أراه!

عن عبد الله بن شقيق قال قلت لأبي ذر: لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته، فقال عن أى شيء كنت تسأله؟ قال كنت أسأله هل رأيت ربك؟ قال أبوذر: قد سألته فقال: رأيت نوراً.

حدثنا عباد وهو ابن العوام حدثنا الشيباني قال سألت زر بن حبيش عن قول الله عز وجل:فكان قاب قوسين أو أدنى ، قال أخبرني ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل له ستمائة جناح.

عن زر، عن عبد الله قال: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال: رأى جبريلعليه‌السلام له ستمائة جناح.

زر بن حبيش، عن عبد الله قال: لقد رأى من آيات ربه الكبرى، قال: رأى جبريل في صورته له ستمائة جناح.

عن عطاء، عن أبي هريرة: ولقد رآه نزلة أخرى، قال: رأى جبريل.

عن عبد الملك عن عطاء، عن ابن عباس قال: رآه بقلبه.

عن أبي العالية، عن ابن عباس قال:ما كذب الفؤاد ما رأى * ولقد رآه نزلة أخرى ، قال: رآه بفؤاده مرتين. انتهى.

٣٢٥

- وروى الترمذي في ج ٥ ص ٧٠ ، عدة روايات في رؤية النبي لربه في الإسراء بقلبه، وروايتين في رؤيته له بعينه، قال: عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال رآه بقلبه. هذا حديث حسن....

عن قتادة، عن عبد الله ابن شقيق، قال قلت لأبي ذر لو أدركت النبي صلى الله عليه وسلم لسألته، فقال عما كنت تسأله؟ قلت: أسأله هل رأى محمد ربه؟ فقال: قد سألته فقال: نوراً، أنى أراه! هذا حديث حسن.

- عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبرائيل في حلة من رفرف قد ملأ ما بين السماء والأرض. هذا حديث حسن صحيح.

عن عكرمة عن ابن عباس قال: رأى محمد ربه، قلت أليس الله يقول:لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ، قال ويحك ذاك إذا تجلى بنوره الذى هو نوره وقد رأى محمد ربه مرتين. هذا حديث حسن غريب.

عن ابن عباس في قول الله:ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى * فأوحى إلى عبده ما أوحى .[فكان قاب قوسين أو أدنى]. قال ابن عباس: قد رآه النبي صلى الله عليه وسلم. هذا حديث حسن. انتهى.

- وروى أحمد في مسنده ج ١ ص ٢٢٣

عن ابن عباس في قوله عز وجل: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال: رأى محمد ربه عز وجل بقلبه مرتين.

- وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ١٢٣

وأخرج الفريابي وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبوالشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه وأبونعيم والبيهقي معاً في الدلائل عن ابن مسعودرضي‌الله‌عنه قوله ما كذب الفؤاد ما رأى، قال: رأى صلى الله عليه وسلم جبريل عليه حلتا رفرف أخضر قد ملأ ما بين السماء والأرض.

٣٢٦

وأخرج مسلم وأحمد والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله: ما كذب الفؤاد ما رأى ولقد رآه نزلة أخرى، قال: رأى محمد ربه بقلبه مرتين.

وأخرج عبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر والطبراني عن ابن عباس في قوله: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال: رآه بقلبه.

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال قالوا يا رسول الله هل رأيت ربك؟ قال لم أره بعيني، ورأيته بفؤادي مرتين.

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك؟ قال: رأيت نهراً ورأيت وراء النهر حجاباً، ورأيت وراء الحجاب نوراً لم أره غير ذلك.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي العالية في قوله: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال: محمد، رآه بفؤاد ولم يره بعينيه.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي صالح في قوله: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال: رآه مرتين بفؤاده.

وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال: ما أزعم أنه رآه، وما أزعم أنه لم يره.

وأخرج مسلم والترمذي وابن مردويه عن أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك؟ فقال نور، أنى أراه؟! وأخرج مسلم وابن مردويه عن أبي ذر أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك؟ فقال رأيت نوراً!

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي ذر قال: رآه بقلبه ولم يره بعينيه.

وأخرج النسائي عن أبي ذر قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه بقلبه ولم يره ببصره.

٣٢٧

وأخرج مسلم والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة في قوله: ولقد رآه نزلة أخرى، قال: رأى جبريلعليه‌السلام .

وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم قال: رأى جبريل في صورته.

وأخرج عبد بن حميد عن مرة الهمداني قال: لم يأته جبريل في صورته إلا مرتين، فرآه في خضر يتعلق به الدر.

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله ولقد رآه نزلة أخرى، قال: رأى نوراً عظيماً عند سدرة المنتهى.

وأخرج أبوالشيخ وابن مردويه عن ابن مسعود ولقد رآه نزلة أخرى، قال: رأى جبريل معلقاً رجله بسدرة عليه الدر كأنه قطر المطر على البقل.

وأخرج أبوالشيخ عن ابن مسعود: ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى، قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته عند السدرة له ستمائة جناح، جناح منها سد الأفق يتناثر من أجنحته التهاويل الدر والياقوت ما لا يعلمه إلا الله.

وأخرج آدم بن أبي إياس والبيهقي في الأسماء والصفات عن مجاهد، إذ يغشى السدرة ما يغشى، قال: كان أغصان السدرة من لؤلؤ وياقوت، وقد رآها محمد بقلبه ورأى ربه.

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن عائشةرضي‌الله‌عنها قالت: كان أول شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى في منامه جبريل بأجياد ثم خرج لبعض حاجته فصرخ به جبريل يا محمد يا محمد، فنظر يميناً وشمالاً فلم ير شيئاً ثلاثاً، ثم رفع بصره فإذا هو ثان إحدى رجليه على الأخرى على أفق السماء، فقال يا محمد جبريل جبريل يسكنه، فهرب النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخل في الناس، فنظر فلم ير شيئاً، ثم خرج من الناس فنظر فرآه، فذلك قول الله: والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى إلى قوله: ثم دنا فتدلى، يعني جبريل إلى محمد، فكان قاب قوسين أو أدنى، يقول القاب نصف الإصبع، فأوحى إلى عبده ما أوحى، جبريل إلى عبد ربه.

٣٢٨

وروى حديث (في حلة من رفرف) أحمد في ج ١ ص ٣٩٤ و ص ٤١٨ والحاكم ج ٢ ص ٤٦٨، وكلها عن عبد الله بن عمر، وقال الحاكم (صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه)

- الجواهر الحسان للثعالبي ج ٣ ص ٢٥٢

أنكر جمهور العلماء الأشاعرة من أهل السنة حديث مشرك بن أبي خمر الذي يثبت فيه الدنو والتدلي لرب العزة، سبحانه وتعالى عما يصفون.... ذهب البيهقي إلى ترجيح ما روي عن عائشة وابن مسعود وأبي هريرة ومن حملهم هذه الآيات (ثم دنى فتدلى..) عن رؤية جبرئيل، ورواية شريك تنقضها رواية أبي ذر الصحيحة، قال يا رسول الله هل رأيت ربك؟ قال: نور، أنى أراه!

- مصابيح السنة للبغوي ج ٤ ص ٣٠

عن زرارة بن أوفى: أن رسول الله (ص) قال لجبرئيل: هل رأيت ربك؟ فانتفض جبرئيل وقال: يا محمد إن بيني وبينه سبعين حجاباً من نور، لو دنوت من بعضها لاحترقت.

ونفى قدماء المتصوّفة الرؤية بالعين في الدنيا

- التعرف لمذهب أهل التصوف للكلاباذي المتوفى سنة ٣٨٠ قال في ص ٤٣:

وأجمعوا أنه لا يرى في الدنيا بالأبصار ولا بالقلوب إلا من جهة الإيقان، لأنه غاية الكرامة وأفضل النعم، ولا يجوز أن يكون ذلك إلا في أفضل المكان، ولو أعطوا في الدنيا أفضل النعم لم يكن بين الدنيا الفانية والجنة الباقية فرق، ولما منع الله سبحانه كليمه موسىعليه‌السلام ذلك في الدنيا، وكان من هو دونه أحرى. وأخرى أن الدنيا دار فناء، ولا يجوز أن يرى الباقي في الدار الفانية، ولو رأوه في الدنيا لكان الإيمان به ضرورة.

والجملة أن الله تعالى أخبر أنها تكون في الآخرة، ولم يخبر أنها تكون في الدنيا فوجب الإنتهاء إلى ما أخبر الله تعالى به.

٣٢٩

واختلفوا في النبي صلى الله عليه وسلم: هل رأى ربه ليلة المسرى، فقال الجمهور منهم والكبار إنه لم يره محمد صلى الله عليه وسلم ببصره، ولا أحد من الخلائق في الدنيا، على ما روي عن عائشة أنها قالت: من زعم أن محمداً رأى ربه فقد كذب.....

وقال بعضهم: رآه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المسرى، وإنه خص من بين الخلائق بالرؤية كما خص موسىعليه‌السلام بالكلام، واحتجوا بخبر ابن عباس وأسماء وأنس، منهم أبو عبد الله القرشي والشبلي وبعض المتأخرين.

وقال بعضهم: رآه بقلبه ولم يره ببصره، واستدل بقوله:ما كذب الفؤاد ما رأى .

ولا نعلم أحداً من مشايخ هذه العصبة المعروفين منهم والمتحققين به، ولم نر في كتبهم ولا مصنفاتهم ولا رسائلهم، ولا في الحكايات الصحيحة عنهم، ولا سمعنا ممن أدركنا منهم من زعم أن الله تعالى يرى في الدنيا أو رآه أحد من الخلق، إلا طائفة لم يعرفوا بأعيانهم.

بل زعم بعض الناس أن قوماً من الصوفية ادعوها لأنفسهم، وقد أطبق المشايخ كلهم على تضليل من قال ذلك وتكذيب من ادعاه، وصنفوا في ذلك كتباً، منهم أبو سعيد الخراز، وللجنيد في تكذيب من ادعاه وتضليله رسائل وكلام كثير. وزعموا أن من ادعى ذلك فلم يعرف الله عز وجل، وهذه كتبهم تشهد على ذلك.

تفسيرهم الذي فيه تجسيم

يلاحظ أن روايات إخواننا التي ادعت أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله رأى ربه تعالى بعينه، ورد قليل منها في حادثة الإسراء والمعراج، وأكثرها ورد في حادثة غير مفهومة ادعى راويها أنها وقعت للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في المدينة، وبعض رواياتها نصت على أنها منام، أو شك راويها في أن تكون في المنام.. الخ.

٣٣٠

- شرح مسلم للنووي - الساري ج ٢ ص ٩٤

قوله عن عبد الله بن مسعودرضي‌الله‌عنه في قوله تعالى: ما كذب الفؤاد ما رأى، قال رأى جبريل له ستمائة جناح، وهو مذهبه في هذه الآية.. وذهب الجمهور من المفسرين إلى أن المراد أنه رأى ربه سبحانه وتعالى. انتهى.

ويلاحظ أنه نسب القول بالرؤية بالعين إلى جمهور المفسرين، وهم نوعاً مفسروا العهد الأموي من تلامذة كعب الأحبار وجماعته أو من الرواة عنهم! ولكنه عاد ونسبها إلى أكثر العلماء، فقال في هامش الساري ج ٢ ص ٩٢:

الراجح عند أكثر العلماء أن رسول الله (ص) رأى ربه يعني بعيني رأسه ليلة الإسراء. انتهى. وهذا إن صحّ فهو يعني أن أكثرية علماء إخواننا قلدوا المفسرين من تلاميذ كعب وأعرضوا عن الأحاديث الصحيحة المعارضة لها.

- روى أحمد في مسنده ج ٤ ص ٦٦ وج ٥ ص ٣٧٨ وفي ج ١ ص ٣٦٨:

عن أبي قلابة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتاني ربي عز وجل الليلة في أحسن صورة أحسبه يعني في النوم فقال يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال قلت لا، قال النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي أو قال نحري، فعلمت ما في السموات وما في الأرض، ثم قال يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال قلت نعم يختصمون في الكفارات والدرجات، قال وما الكفارات والدرجات؟ قال المكث في المساجد والمشي على الأقدام إلى الجمعات وابلاغ الوضوء في المكاره، ومن فعل ذلك عاش بخير ومات بخير وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه! وقال: يا محمد أصليت اللهم إني أسألك الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وإذا أردت بعبادك فتنة أن تقبضني إليك غير مفتون، قال والدرجات: قل إذا بذل الطعام وإفشاء السلام والصلاة بالليل والناس نيام.

٣٣١

-ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج ٧ ص ١٧٦ - ١٧٨ بعدة روايات، وقال عن رواية ابن عايش: رواه أحمد ورجاله ثقات. وقال: عن ربيع بن أنس أن النبي (ص) قال رأيت ربي.... قال أحمد بن حنبل: أنا أقول بحديث ابن عباس بعينه، رآه رآه حتى انقطع نفس أحمد.

- وروى الترمذي في سننه ج ٥ ص ٤٤ وقال:

وقد ذكروا بين أبي قلابة وبين ابن عباس في هذا الحديث رجلاً وقد رواه قتادة عن أبي قلابة، عن خالد بن اللجلاج، عن ابن عباس.

ورواه في ٢ ص ٤٥ وص ٤٦ بروايتين أيضاً وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، قال: وفي الباب عن معاذ بن جبل وعبد الرحمن بن عائش، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

- وقال النويري في نهاية الإرب ج ٨ جزء ١٦ ص ٢٩٥:

عن ربيع بن أنس أن النبي (ص) قال رأيت ربي.... ثم ذكر قول أحمد: أنا أقول بحديث بن عباس بعينه رآه رآه، حتى انقطع نفس أحمد.

- وقال السهيلي في الروض الأنف ج ٢ ص ١٥٦ وقال: سئل ابن حنبل عن الرؤية قال: رآه رآه رآه حتى انقطع صوته.

ورواه أيضاً عن أبي هريرة وابن عباس.... وروى: رأى ربه في أحسن صورة ووضع يديه بين كتفيه حتى وجد بردها بين ثدييه.

- وقال الذهبي في تاريخ الإسلام ج ١ ص ٢٥٧

وأما الروايات عن ابن مسعود فإنما فيها تفسير ما في النجم، وليس في قوله ما يدل على نفي الرؤية لله.

- تاريخ الإسلام للذهبي ج ١٦ ص ٤٢٩

عن نعيم عن.... أم الطفيل أنها سمعت النبي (ص) يقول رأيت ربي في أحسن صورة، شاباً، موقراً، رجلاه في مخصر، عليه نعلان من ذهب.

٣٣٢

- وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٣ ص ٢٤

وأخرج أحمد وابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن عبد الرحمن بن عائش الحضرمي عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: رأيت ربي في أحسن صورة....

- وقال الذهبي في ميزان الإعتدال ج ١ ص ٥٩٣

إبراهيم زبن أبي سويد، وأسود بن عامر، حدثنا حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعاً: رأيت ربي جعداً أمرد، عليه حلة خضراء.

وقال ابن عدي: حدثنا عبد الله بن عبدالحميد الواسطي، حدثنا النضر بن سلمة شاذان، حدثنا الأسود بن عامر، عن حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس أن محمداً رأى ربه في صورة شاب أمرد، دونه ستر من لؤلؤ، قدميه أو رجليه في خضرة.

وحدثنا ابن أبي سفيان الموصلي وابن شهريار قالا: حدثنا محمد بن رزق الله بن موسى، حدثنا الأسود بنحوه. وقال عفان: حدثنا عبدالصمد بن كيسان، حدثنا حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رأيت ربي.

وقال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا الحسن بن يحيى بن كثير، حدثنا أبي، حدثنا حماد بنحوه، فهذا من أنكر ما أتى به حماد بن سلمة، وهذه الرؤية رؤية منام إن صحت. قال المرودي قلت لأحمد: يقولون لم يسمع قتادة عن عكرمة! فغضب وأخرج كتابه بسماع قتادة عن عكرمة في ستة أحاديث. ورواه الحكم بن أبان، عن زيرك، عن عكرمة. وهو غريب جداً. انتهى. وروى نحوه الدارمي في سننه ج ٢ ص ١٢٦ والبغوي في مصابيحه ج ١ ص ٢٩٠ والسهيلي في الروض الأنف ج ١ ص ٢٦٨ وابن الأثير في أُسد الغابة ج ٣ ص ٤٦٥ وج ٧ ص ٣٥٦ ورواه الهندي في كنز العمّال ج ١٥ ص ٨٩٧ - ٥٩٨ وفي ج ١٦ ص ٢٤٥ - ٢٤٧ بروايات متعددة وقال في مصادره (عب، حم وعبد بن حميد، ت عن ابن عباس) (ت، ك عن معاذ) (كر) (ابن مندة، والبغوي، ق، كر). والنويري في نهاية الإرب ج ٨ جزء ١٦ ص ٢٩٥ والمنذري في الترغيب والترهيب ج ١ ص ٢٦٢

٣٣٣

- وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب ج ٦ ص ٢٠٤

عبد الرحمن بن عائش الحضرمي، روي عنه حديث: رأيت ربي في أحسن صورة.

- الأحاديث القدسية من الصحاح ج ١ ص ١٥٨

- حديث: أتاني ربي في أحسن صورة، أخرجه الترمذي عن ابن عباس: إن الله وضع يده على كتف رسول الله (ص) حتى وجد رسول الله بردها بين ثدييه أو قال في خدي. وروى نحوه أيضاً في ج ٢ ص ٤٤ والقسطلاني في إرشاد الساري ج ٧ ص ٣٢٠ وص ٣٥٩

- وقال أبو الشيخ في طبقات المحدثين ج ٢ ص ٤٣٢

عن عبد الله بن عباس أن رسول الله (ص) خرج يوماً على أصحابه مستبشراً.. فقال لهم: إن ربي أتاني الليلة في أحسن صورة.... فوضع يده على كتفي فوجدت بردها بين ثديي.. الخ.

- وقال في ج ١ ص ١٢٩

عن عبد الرحمن بن المبارك بن فضالة عن أبيه: كان الحسن يحلف بالله أن محمداً (ص) قد رأى ربه تبارك وتعالى.

- وقال الطبري في تفسيره ج ٧ ص ١٦٢

خالد الحلاج، قال سمعت عبد الرحمن بن عياش، يقول صلى بنا رسول الله (ص) ذات غداة فقال له قائل: ما رأيت أسعد منك الغداة، قال: ومالي وقد أتاني ربي في أحسن صورة فقال: فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد؟ قلت أنت أعلم، فوضع يده على كتفي فعلمت ما في السموات والأرض.... الخ.

- وقال الدميري في حياة الحيوان ج ٢ ص ٣٥٩

من حديث معاذ بن جبلرضي‌الله‌عنه قال: احتبس عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة عن صلاة الصبح حتى كدنا نتراءى عين الشمس، فخرج سريعاً فَثَوَّبَ بالصلاة فصلى وتجوز في صلاته.... ثم انفتل إلينا فقال: أما إني سأحدثكم ما

٣٣٤

حبسني عنكم الغداة: إني قمت من الليل فتوضأت وصليت ما قدر لي فنعست في صلاتي حتى استثقلت، فإذا أنا بربي تعالى في أحسن صورة! فقال يا محمد.... فيم يختصم الملأ الأعلى.... الخ.

- وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٥ ص ٣١٩

أخرج عبدالرزاق وأحمد وعبد ابن حميد والترمذي وحسنه ومحمد بن نصر... الخ.

وأخرج الترمذي وصححه ومحمد بن نصر والطبراني والحاكم وابن مردويه عن معاذ بن جبلرضي‌الله‌عنه .... الخ.

وأخرج الطبراني في السنة وابن مردويه عن جابر بن سمرةرضي‌الله‌عنه .... عن أبي هريرةرضي‌الله‌عنه ...

وأخرج الطبراني في السنة والشيرازي في الألقاب....

وابن مردويه عن أنسرضي‌الله‌عنه ....

وأخرج ابن نصر والطبراني وابن مردويه عن أبي أمامة....

وأخرج الطبراني في السنة والخطيب عن أبي عبيدة بن الجراحرضي‌الله‌عنه ....

وأخرج محمد بن نصر في كتاب الصلاة والطبراني في السنة عن عبد الرحمن بن عابس الحضرميرضي‌الله‌عنه ....

- وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ١٢٤

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال قال صلى الله عليه وسلم رأيت ربي في أحسن صورة فقال لي: يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ فقلت لا يا رب، فوضع يده بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي فعلمت ما في السماء والأرض، فقلت يا رب في الدرجات والكفارات ونقل الأقدام إلى الجماعات وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فقلت يا رب إنك اتخذت ابراهيم خليلاً وكلمت موسى تكليماً وفعلت وفعلت فقال: ألم أشرح لك صدرك ألم أضع عنك وزرك ألم أفعل بك ألم أفعل،

٣٣٥

فأفضى إليَّ بأشياء لم يؤذن لي أن أحدثكموها فذلك قوله: ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى ما كذب الفؤاد ما رأى. فجعل نور بصري في فؤادي فنظرت إليه بفؤادي. انتهى.

- قال الذهبي في سيره ج ٢ ص ١٦٦

ولم يأتنا نص جلي بأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الله تعالى بعينيه. وهذه المسألة مما يسع المرء المسلم في دينه السكوت عنها، فأما رؤية المنام فجاءت من وجوه متعددة مستفيضة، وأما رؤية الله عياناً في الآخرة فأمر متيقن تواترت به النصوص. جمع أحاديثها الدارقطني والبيهقي وغيرهما.

- وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ١٢٣

وأخرج عبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن المنذر والحاكم وابن مردويه عن الشعبي قال: لقي ابن عباس كعباً بعرفة، فسأله عن شيء فكبر حتى جاوبته الجبال فقال ابن عباس إنا بنو هاشم نزعم أو نقول إن محمداً قد رأى ربه مرتين، فقال كعب: إن الله قسم رؤيته وكلامه بين موسى ومحمدعليهما‌السلام فرأى محمد ربه مرتين وكلم موسى مرتين.

قال مسروق فدخلت على عائشة فقلت هل رأى محمد ربه؟ فقالت لقد تكلمت بشيء قَفَّ له شعري، قلت رويداً، ثم قرأت لقد رأى من آيات ربه الكبرى، قالت أين يذهب بك! إنما هو جبريل. من أخبرك أن محمداً رأى ربه أو كتم شيئاً مما أمر به أو يعلم الخمس التي قال الله إن الله عنده علم الساعة الآية، فقد أعظم الفرية، ولكنه رأى جبريل لم يره في صورته إلا مرتين، مرة عند سدرة المنتهى، ومرة عند جياد له ستمائة جناح قد سد الأفق.

- وروى الطبري في تفسيره ج ٩ ص ٣٤ ما يوهم قرب النبي المادي من الله تعالى في الإسراء، قال: عن عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: وقربناه نجيا، قال: من لقي أصحاب النبي أنه قرب للرب حتى سمع صريف القلم من الشوق إليه. انتهى.

٣٣٦

- وروى النويري في نهاية الإرب ج ٨ جزء ١٦ ص ٢٩٨

قال جعفر بن محمد.... والدنو من الله لا حد له، ومن العباد بالحدود. انتهى. ويقصد بجعفر الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام .

والملاحظات على هذه الروايات كثيرة: منها تعارض نصوصها، واضطرابها، وأن سؤال الله تعالى لنبيه عن اختصام الملأ الأعلى غير مفهوم، بل غير منطقي! وكذا تأخر النبي عن صلاة الصبح، وطريقة تحديثه المسلمين بالقصة، ثم شباهة متونها بأحاديث اليهود مثل قوله (فوضع يده بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي فعلمت ما في السماء والأرض). هذا مضافاً إلى أن بعضها خلط بين القصة المزعومة وبين روايات المعراج وآياته، والمعراج كان في مكة، وهذه القصة المزعومة في المدينة.

كل ذلك، وغيره، يوجب الشك في هذه الرواية والتريث في الحكم بصحتها، خاصة أن بعضها اشتمل على التناقض كرواية الطبري التي يذكر في أولها أنه رآه في أحسن صورة، وفي آخرها أنه رآه بفؤاده!

وبعضها روي عن صاحبها ما يناقضها كرواية ابن عباس، وقد شهد ابن قيم أن روايتي الرؤية بالعين وضدها كلتاهما صحتا عن ابن عباس، فلابد أن تكون إحداهما مكذوبة! قال في زاد المعاد ج ٣ ص ٢٩ - ٣٠: واختلف الصحابةرضي‌الله‌عنهم ، هل رأى ربه تلك الليلة أم لا؟ فصح عن ابن عباس أنه رأى ربه وصح عنه أنه قال: رآه بفؤاده. انتهى.

وقد علق على ذلك ناشر الكتاب الشيخ عبد القادر عرفان فقال في هامشه: لم أقف على هذه الرواية في الصحيح، بل الذي صح عن ابن عباسرضي‌الله‌عنه ما جاء عند مسلم في الإيمان ١٧٦ - ٢٨٥ في قوله تعالى:ما كذب الفؤاد ما رأى ، وقوله تعالى:ولقد رأه نزلة أخرى ، قال رآه بفؤاده مرتين. وأخرجه الترمذي في التفسير ٣٢٨٠.

ثم قال ابن قيم: وصح عن عائشة وابن مسعود إنكار ذلك وقالا إن قوله:ولقد رآه

٣٣٧

نزلة أخرى عند سدرة المنتهى ، إنما هو جبريل. وصح عن أبي ذر أنه سأله هل رأيت ربك فقال صلى الله عليه وسلم: نور، أنى أراه! أي: حال بيني وبين رؤيته النور، كما قال في لفظ آخر: رأيت نوراً. وقد حكى عثمان بن سعيد الدارمي اتفاق الصحابة على أنه لم يره.

ثم قال ابن قيم: قال شيخ الإسلام ابن تيمية... وقد صح عنه أنه قال: رأيت ربي تبارك وتعالى ولكن لم يكن هذا في الإسراء، ولكن كان في المدينة لما احتبس عنهم في صلاة الصبح، ثم أخبرهم عن رؤية ربه تبارك وتعالى تلك الليلة في منامه، وعلى هذا بنى الإمام أحمدرحمه‌الله وقال: نعم رآه حقاً، فإن رؤيا الأنبياء حق ولا بد، ولكن لم يقل أحمدرحمه‌الله : إنه رآه بعيني رأسه يقظة، ومن حكى عنه ذلك فقد وهم عليه، ولكن قال مرة رآه، ومرة قال رآه بفؤاده، فحكيت عنه روايتان، وحكيت عنه الثالثة من تصرف بعض أصحابه: أنه رآه بعيني رأسه، وهذه نصوص أحمد موجودة، ليس فيها ذلك. انتهى.

راجع ما تقدم في أول الباب من أن جمهور الصحابة كانوا يوافقون عائشة على نفي الرؤية بالعين.

وجهل بعضهم فنسب الدنو والتدلّي إلى الله تعالى!

- تاريخ الإسلام للذهبي ج ١ ص ٢٦٧

وقال سليمان بن بلال.. وذكر حديث الإسراء وفيه ثم عرج به محمد (ص) إلى السماء السابعة ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله حتى جاء إلى سدرة المنتهى، ودنا الجبار رب العزة فتدلى....

- تفسير الطبري ج ١٢ ص ١٤

عبد الله بن عمر، قال سمعت نبي الله (ص) يقول يدنو المؤمن من ربه حتى يضع عليه كتفه!

٣٣٨

- الدر المنثور ج ٦ ص ١٢٣

وأخرج ابن جرير عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عرج بي مضى جبريل حتى جاء الجنة فدخلت فأعطيت الكوثر، ثم مضى حتى جاء لسدرة المنتهى فدنا ربك فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى!

وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباسرضي‌الله‌عنهما في قوله ثم دنا قال دنا ربه فتدلى.

وأخرج أبوالشيخ وأبونعيم في الدلائل عن سريج بن عبيد قال لما صعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء فأوحى الله إلى عبده ما أوحى، قال فلما أحس جبريل بدنو الرب خر ساجداً، فلم يزل يسبحه تسبيحات ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة حتى قضى الله إلى عبده ما قضى، ثم رفع رأسه فرأيته في خلقه الذي خلق عليه منظوم أجنحته بالزبرجد واللؤلؤ والياقوت فخيل إليَّ أن ما بين عينيه قد سد الأفقين وكنت لا أراه قبل ذلك إلا على صور مختلفة، وأكثر ما كنت أراه على صورة دحية الكلبي، وكنت أحياناً لا أراه قبل ذلك إلا كما يرى الرجل صاحبه من وراء الغربالي.

- وقال السهيلي في الروض الأنف ج ٢ ص ١٥٦

وروي: لما أحس جبريل دنو الرب خر ساجداً. انتهى.

وقدتقدم ذكر روايات أخرى تنسب التدلي إلى الله تعالى، وتقدم عن أهل البيتعليهم‌السلام أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (دنا من حجب النور فرأى ملكوت السماوات، ثم تدلى فنظر من تحته الى ملكوت الأرض، حتى ظن أنه في القرب من الأرض كقاب قوسين أو أدنى).

ووصفوا عرشه بأنّه تحمله حيوانات كما وصفه اليهود

- الدر المنثور ج ٦ ص ١٢٣

وأخرج ابن إسحاق والبيهقي في الأسماء والصفات وضعفه عن عبد الله بن أبي

٣٣٩

سلمة أن عبد الله بن عمر بن الخطاب بعث إلى عبد الله بن عباس يسأله هل رأى محمد ربه؟ فأرسل إليه عبد الله بن عباس: أن نعم، فرد عليه عبد الله بن عمر رسوله أن كيف رآه؟ فأرسل أنه رآه في روضة خضراء دونه فراش من ذهب على كرسي من ذهب يحمله أربعة من الملائكة، ملك في صورة رجل وملك في صورة ثور وملك في صورة نسر وملك في صورة أسد! انتهى.

وسيأتي ذكر بقية الحيوانات التي ادعوا أنها تحمل عرش الله تعالى في بازار الأحاديث، ويأتي بعضها في تفسير: الرحمن على العرش استوى.

وقالوا رأى ربّه واقفاً على أرض خضرة خلف ستر شفّاف

- وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ١٢٤

وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات وضعفه من طريق عكرمة عن ابن عباس أنه سئل هل رأى محمد ربه؟ قال نعم رآه كأن قدميه على خضرة دونه ستر من لؤلؤ، فقلت يا أبا عباس أليس يقول الله لا تدركه الأبصار! قال لا أم لك ذاك نوره الذي هو نوره، إذا تجلى بنوره لا يدركه شيء! انتهى.

ومضافاً إلى تضعيف البيهقي لهذه الرواية، فإنها تحاول تفسير قوله تعالى: لا تدركه الأبصار، أي لا تدرك نوره، أما ذاته تعالى فتدركها الأبصار. وهو مخالف لظهور الآية، ولم يفسرها به أحد.

وحاول بعضهم أن يخفف القصة ويجعلها رؤيا في المنام

- تقدم في رواية الترمذي نقل قول الراوي وهو ابن عباس بزعمهم (أحسبه قال في المنام)

- وروى عبد الرزاق في تفسيره ج ٢ ص ١٣٧

عن ابن عباس: أن النبي (ص) قال: أتاني ربي الليلة في أحسن صورة أحسبه قال: يعني في المنام، فقال: يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال

٣٤٠

الله الصلاة إلا به يوجب فرض المضمضة والاستنشاق قيل له أما الحديث الذي فيه أنه توضأ مرة مرة ثم قال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به فإنه لم يذكر فيه أنه تمضمض فيه واستنشق وإنما ذكر فيه الوضوء فحسب والوضوء هو غسل الأعضاء المذكورة في كتاب الله تعالى وجائز أن لا يكون تمضمض واستنشق في ذلك الوضوء لأنه قصد به توقيفهم على المفروض الذي لا يجزى غيره فإذا لا دلالة في هذا الخبر على ما قال هذا القائل ولو ثبت أنه تمضمض واستنشق لم يجز أن يراد في حكم الآية وكذلك قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بالغ في المضمضة والاستنشاق إلا أن تكون صائما لا يجوز الاعتراض به على الآية في إثبات الزيادة لأنه غير جائز أن يزاد في حكم القرآن بخبر الواحد وقد حدثنا عبد الباقي ابن قانع قال حدثنا أبو ميسرة محمد بن الحسن بن العلاء قال حدثنا عبد الأعلى قال حدثنا يحيى بن ميمون بن عطاء قال حدثنا ابن جريج عن عطاء قال سئلت عائشة عن وضوء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بإناء فيه ماء فتوضأ وكفا على يديه مرة وغسل وجهه مرة وغسل ذراعيه مرة ومسح برأسه مرة وغسل قدميه مرة وقال هذا الوضوء الذي افترض الله علينا ثم أعاد ذلك فقال من ضاعف ضاعف الله له ثم أعاد الثالثة فقال هذا وضوؤنا معشر الأنبياء فمن زاد فقد أساء فأخبرت بوضوئه من غير مضمضة ولا استنشاق لأنه قصد بيان المفروض منه ولو كان فرضا فيه لفعله.

باب غسل اللحية وتخليلها

قال الله تعالى( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) وقد بينا أن الوجه ما واجهك من الإنسان فاحتمل أن تكون اللحية من الوجه لأنها تواجه المقابل له غير مغطاة في الأكثر كسائر الوجه وقد يقال أيضا خرج وجهه إذا خرجت لحيته فليس يمتنع أن تكون اللحية من الوجه فيقتضى ظاهر ذلك وجوب غسلها ويحتمل أن يقال ليست من الوجه وإنما الوجه ما واجهك من بشرته دون الشعر النابت عليه بعد ما كانت البشرة ظاهرة دونه ولمن قال بالقول الأول أن يقول نبات الشعر عليه بعد ظهور البشرة لا يخرجه من أن يكون من الوجه كما أن شعر الرأس من الرأس وقد قال الله تعالى( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ ) فلو مسح على شعر رأسه من غير إبلاغ الماء بشرته كان ماسحا على الرأس وفاعلا لمقتضى الآية عند جميع المسلمين فكذلك نبات الشعر على الوجه لا يخرجه من أن يكون منه

٣٤١

ولمن يأبى أن يكون من الوجه أن يفرق بينه وبين شعر الرأس أن شعر الرأس يوجد مع الصبى حين يولد فهو بمنزلة الحاجب في كون كل واحد منهما من العضو الذي هو فيه وشعر اللحية غير موجود معه في حال الولادة وإنما نبت بعدها فلذلك لم يكن من الوجه وقد ذكر عن السلف اختلاف في غسل اللحية وتخليلها ومسحها فروى إسرائيل عن جابر قال رأيت القاسم ومجاهدا وعطاء والشعبي يمسحون لحاهم وكذلك روى عن طاوس وروى جرير عن زيد بن عبد الرحمن بن أبى ليلى قال رأيته توضأ ولم أره خلل لحيته وقال هكذا رأيت عليا رضى الله عنه توضأ وقال يونس رأيت أبا جعفر لا يخلل لحيته فلم ير أحد من هؤلاء غسل اللحية واجبا وروى ابن جريج عن نافع أن ابن عمر كان يبل أصول شعر لحيته ويغلغل بيديه في أصول شعرها حتى يكثر القطر منها وكذلك روى عن عبيد بن عمير وابن سيرين وسعيد بن جبير فهؤلاء كلهم روى عنهم غسل اللحية ولكنه لم يثبت عنهم أنهم رأوا ذلك واجبا كغسل الوجه وقد كان ابن عمر متقضيا في أمر الطهارة كان يدخل الماء عينيه ويتوضأ لكل صلاة وكان ذلك منه استحبابا لا إيجابا ولا خلاف بين فقهاء الأمصار في أن تخليل اللحية ليس بواجب* وقد روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه خلل لحيته وروى عن أنس أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم خلل لحيته وقال بهذا أمرنى ربي وروى عثمان وعمار عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه خلل لحيته في الوضوء وروى الحسن عن جابر قال وضأت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لا مرة ولا مرتين ولا ثلاثا فرأيته يخلل لحيته بأصابعه كأنها أسنان مشط قال أبو بكر وروى أخبار أخر في صفة وضوء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ليس فيها ذكر تخليل اللحية منها حديث عبد خير عن على وحديث عبد الله بن زيد وحديث الربيع بنت معوذ وغيرهم كلهم ذكر أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم غسل وجهه ثلاثا ولم يذكروا تخليل اللحية فيه وغير جائز إيجاب تخليل اللحية ولا غسلها بالآية وذلك لأن الآية إنما أوجبت غسل الوجه والوجه ما واجهك منه وباطن اللحية ليس من الوجه كداخل الفم والأنف لما لم يكونا من الوجه لم يلزم تطهيرهما في الوضوء على جهة الوجوب فإن ثبت عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم تخليلها أو غسلها كان ذلك منه استحبابا لا إيجابا كالمضمضة والاستنشاق وذلك لأنه لما لم تكن في الآية دلالة على وجوب غسلها أو تخليلها لم يجز لنا أن نزيد في الآية بخبر الواحد وجميع ما روى من أخبار التخليل إنما هي أخبار

٣٤٢

آحاد لا يجوز إثبات الزيادة بها في نص القرآن وأيضا فإن التخليل ليس بغسل فلا يجوز أن يكون موجبا بالآية ولما ثبت عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم التخليل ثبت أن غسلها غير واجب لأنه لو كان واجبا لما تركه إلى التخليل وقد اختلف أصحابنا في تخليل اللحية ومسحها* فروى المعلى عن أبى يوسف عن أبى حنيفة قال سألته عن تخليل اللحية في الوضوء فقال لا يخللها ويجزيه أن يمر بيده على ظاهرها قال فإنما مواضع الوضوء منها الظاهر وليس تخليل الشعر من مواضع الوضوء وبه قال ابن أبى ليلى قال أبو يوسف وأنا أخلل وقال بشر بن الوليد عن أبى يوسف في نوادره يمسح ما ظهر من اللحية وإن كانت عريضة فإن لم يفعل فعليه الإعادة إن صلى وذكر ابن شجاع عن الحسن عن زفر في الرجل يتوضأ أنه ينبغي له إذا غسل وجهه أن يمر الماء على لحيته فإن أصاب لحيته من الماء قدر ثلث أو ربع أجزأه ذلك وإن كان أقل من ذلك لم يجزه وهو قول أبى حنيفة وبه أخذ الحسن وقال أبو يوسف يجزيه إذا غسل وجهه أن لا يمس لحيته بشيء من الماء وقال ابن شجاع لما لم يلزمه غسلها صار الموضع الذي ينبت عليه الشعر من الوجه بمنزلة الرأس إذ لم يجب غسله فكان الواجب مسحها كمسح الرأس فيجزى منه الربع كما قالوا في مسح الرأس قال أبو بكر لا تخلوا الحية من أن تكون من الوجه فيلزمه غسلها كغسل بشرة الوجه مما ليس عليه شعر وأن لا تكون من الوجه فلا يلزمه غسلها ولا مسحها بالآية فلما اتفق الجميع على سقوط غسلها دل ذلك على أنها ليست من الوجه لأنها لو كانت منه لوجب غسلها ولما سقط غسلها لم يجز إيجاب مسحها لأن فيه إثبات زيادة في الآية كما لم يجز إيجاب المضمضة والاستنشاق لما فيه من الزيادة في نص الكتاب وأيضا لوجب مسحها كان فيه إثبات فرض المسح والغسل في عضو واحد وهو الوجه من غير ضرورة وذلك خلاف الأصول فإن قيل قد يجتمع فرض المسح والغسل في عضو واحد بأن يكون على يده جبائر فيمسح عليها ويغسل باقى العضو قيل له إنما يجب للضرورة والعذر وليس في نبات اللحية ضرورة في ترك الغسل والوجه بمنزلة سائر الأعضاء التي أوجب الله تعالى طهارتها فلا يجوز اجتماع الغسل والمسح فيه من غير ضرورة ويقتضى ما قال أبو يوسف من سقوط فرض غسلها ومسحها جميعا وإن كان المستحب إمرار الماء عليها قوله تعالى( وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ) قال أبو بكر اليد اسم يقع على هذا العضو إلى المنكب

٣٤٣

والدليل على ذلك أن عمارا تيمم إلى المنكب وقال تيممنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المناكب وكان ذلك لعموم قوله( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ) ولم ينكره عليه أحد من جهة اللغة بل هو كان من أهل اللغة فكان عنده أن الاسم للعضو إلى المنكب فثبت بذلك أن الاسم يتناولها إلى المنكب وإذا كان الإطلاق يقتضى ذلك ثم ذكر التحديد فجعل المرافق غاية كان ذكره لها لإسقاط ما وراءها من وجهين أحدهما أن عموم اللفظ ينتظم المرافق فيجب استعماله فيها إذ لم تقم الدلالة على سقوطها والثاني أن الغاية لما كانت قد تدخل تارة ولا تدخل أخرى والموضع الذي دخلت الغاية فيه قوله تعالى( وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ) ووجود الطهر شرط في الإباحة وقال( حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) ووجوده شرط فيه وإلى وحتى جميعا للغاية والموضع الذي لا تدخل فيه نحو قوله( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) والليل خارج منه فلما كان هذا هكذا وكان الحدث فيه يقينا لم يرتفع إلا بيقين مثله وهو وجود غسل المرفقين إذ كانت الغاية مشكوكا فيها وأيضا روى جابر بن عبد الله أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا بلغ المرفقين في الوضوء أدار الماء عليهما وفعله ذلك عندنا على الوجوب لوروده مورد البيان لأن قوله تعالى( إِلَى الْمَرافِقِ ) لما احتمل دخول المرافق فيه واحتمل خروجها صار مجملا مفتقرا إلى البيان وفعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا ورد على وجه البيان فهو على الوجوب والذي ذكرنا من دخول المرافق في الوضوء هو قول أصحابنا جميعا إلا زفر فإنه يقول إن المرافق غير داخلة في الوضوء وكذلك الكعبان على هذا الخلاف* وقوله تعالى( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ ) قال أبو بكر اختلف الفقهاء في المفروض من مسح الرأس فروى عن أصحابنا فيه روايتان إحداهما ربع الرأس والأخرى مقدار ثلاثة أصابع ويبدأ بمقدم الرأس وقال الحسن بن صالح يبدأ بمؤخر الرأس وقال الأوزاعى والليث يمسح مقدم الرأس وقال مالك الفرض مسح جميع الرأس وإن ترك القليل منه جاز وقال الشافعى الفرض مسح بعض رأسه ولم يحد شيئا وقوله تعالى( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ ) يقتضى مسح بعضه وذلك لأنه معلوم أن هذه الأدوات موضوعة لإفادة المعاني فمتى أمكننا استعمالها على فوائد مضمنة بها وجب استعمالها على ذلك وإن كان قد يجوز دخولها في بعض المواضع صلة للكلام وتكون ملغاة نحو من هي مستعملة على معان منها التبعيض ثم قد تدخل في الكلام وتكون

٣٤٤

ملغاة وجودها وعدمها سواء ومتى أمكننا استعمالها على وجه الفائدة وما هي موضوعة له لم يجز لنا إلغاؤها فقلنا من أجل ذلك إن الباء للتبعيض وإن جاز وجودها في الكلام على أنها ملغاة ويدل على أنها للتبعيض أنك إذا قلت مسحت يدي بالحائط كان معقولا مسحها ببعضه دون جميعه ولو قلت مسحت الحائط كان المعقول مسحه جميعه دون بعضه فقد وضح الفرق بين إدخال الباء وبين إسقاطها في العرف واللغة فوجب إذا كان ذلك كذلك أن نحمل قوله( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ ) على البعض حتى نكون قد وفينا الحرف حظه من الفائدة وأن لا نسقطه فتكون ملغاة يستوي دخولها وعدمها والباء وإن كانت تدخل للإلصاق كقوله كتبت بالقلم ومررت بزيد فإن دخولها للإلصاق لا ينافي كونها مع ذلك للتبعيض فنستعمل الأمرين فنكون مستعملا للإلصاق في البعض المفروض طهارته* ويدل على أنها للتبعيض ما روى عمر بن على بن مقدم عن إسماعيل بن حماد عن أبيه حماد عن إبراهيم في قوله تعالى( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ ) قال إذا مسح ببعض الرأس أجزأه قال ولو كانت امسحوا رؤسكم كان مسح الرأس كله فأخبر إبراهيم أن الباء للتبعيض وقد كان من أهل اللغة مقبول القول فيها ويدل على أنه قد أريد بها التبعيض في الآية اتفاق الجميع على جواز ترك القليل من الرأس في المسح والاقتصار على البعض وهذا هو استعمال اللفظ على التبعيض وقول مخالفنا بإيجاب مسح الأكثر لا يعصمه من أن يكون مستعملا للفظ على التبعيض إلا أنه زعم أن ذلك البعض ينبغي أن يكون المقدار الذي ادعاه وإذا ثبت أن المراد البعض باتفاق الجميع احتاج إلى دلالة في إثبات المقدار الذي حده* فإن قيل لو كانت الباء للتبعيض لما جاز أن تقول مسحت رأسى كله* كما لا تقول مسحت ببعض رأسى كله* قيل له قد بينا أن حقيقتها ومقتضاها إذا أطلقت التبعيض مع احتمال كونها ملغاة فإذا قال مسحت برأسى كله علمنا أنه أراد أن تكون الباء ملغاة وإذا لم يقل ذلك فهي محمولة على حقيقتها التبعيض وقد توجد صلة الكلام فتكون ملغاة في نحو قوله تعالى( ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ ) ـ( وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ) ولا يجب من أجل ذلك أن نجعلها ملغاة في كل موضع إلا بدلالة* وقد روى نحو قولنا في جواز مسح بعض الرأس عن جماعة من السلف منهم ابن عمر روى عنه نافع أنه مسح مقدم رأسه وعن عائشة مثل ذلك وقال الشعبي أى جانب رأسك مسحت أجزأك وكذلك قال

٣٤٥

إبراهيم* ويدل على صحة قول القائلين بفرض البعض ما حدثنا أبو الحسن عبيد الله بن الحسين الكرخي قال حدثنا إبراهيم الحربي قال حدثنا محمد بن الصباح قال حدثنا هشيم قال حدثنا يونس عن ابن سيرين قال أخبرنى عمرو بن وهب قال سمعت المغيرة بن شعبة يقول خصلتان لا أسأل عنهما أحدا بعد ما شهدت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إنا كنا معه في سفر فنزل لحاجته ثم جاء فتوضأ ومسح على ناصيته وجانبي عمامته وروى سليمان التيمي عن بكر بن عبد الله المزني عن ابن المغيرة عن أبيه أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم مسح على الخفين ومسح على ناصيته ووضع يده على العمامة أو مسح على العمامة وحدثنا عبيد الله بن الحسين قال حدثنا محمد بن سليمان الحضرمي قال حدثنا كردوس بن أبى عبد الله قال حدثنا المعلى بن عبد الرحمن قال حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن عطاء عن ابن عباس قال توضأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فمسح رأسه مسحة واحدة بين ناصيته وقرنه(١) فثبت بما ذكرنا من ظاهر الكتاب والسنة أن المفروض مسح بعض الرأس فإن قيل يحتمل أن يكون النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم إنما اقتصر على مسح الناصية لضرورة أو كان وضوء من لم يحدث قيل له إنه لو كان هناك ضرورة لنقلت كما نقل غيره وأما كونه وضوء من لم يحدث فإنه تأويل ساقط لأن في حديث المغيرة ابن شعبة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قضى حاجته ثم توضأ ومسح على ناصيته ولو ساغ هذا التأويل في مسح الناصية لساغ في المسح على الخفين حتى يقال إنه مسح لضرورة أو كان وضوء من لم يحدث* واحتج من قال بمسح الجميع بما روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه مسح مقدم رأسه ومؤخره قال فلو كان المفروض بعضه لما مسح النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم جميعه ولوجب أن يكون من مسح جميع رأسه متعديا وقد روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه توضأ ثلاثا ثلاثا وقال من زاد فقد اعتدى وظلم * فيقال له لا يمتنع أن يكون المفروض البعض والمسنون الجميع كما أن المفروض في الأعضاء المغسولة مرة والمسنون ثلاثا فلا يكون الزائد على المفروض معتديا إذا أصاب السنة وكما أن المفروض من المسح على الخفين هو بعض ظاهرهما ولو مسح ظاهرهما وباطنهما لم يكن معتديا وكما أن فرض القراءة على قولنا آية وعلى قول مخالفينا فاتحة الكتاب والمسنون عند الجميع قراءة فاتحة الكتاب وشيء معها والمفروض من غسل الوجه ظاهره والمسنون غسل ذلك والمضمضة والاستنشاق والمفروض مسح

__________________

(١) قوله وقرنه أى جانب رأسه.

٣٤٦

الرأس والمسنون مسح الأذنين معه وكما يقول مخالفنا إن المفروض من مسح الرأس هو الأكثر وإن ترك القليل جائز ولو مسح الجميع لم يكن متعديا بل كان مصيبا كذلك نقول إن المفروض مسح البعض والمسنون مسح الجميع وإنما قال أصحابنا إن المفروض مقدار ثلاثة أصابع في إحدى الروايتين وهي رواية الأصل وفي رواية لحسن بن زياد الربع فإن وجه تقدير ثلاث أصابع أنه لما ثبت أن المفروض البعض بما قدمنا وكان ذلك البعض غير مذكور المقدار في الآية احتجنا فيه إلى بيان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وسلم فلما روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه مسح على ناصيته كان فعله ذلك واراد مورد البيان وفعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا ورد على وجه البيان فهو على الوجوب كفعله لأعداد ركعات الصلاة وأفعالها فقدروا الناصية بثلاث أصابع وقد روى عن ابن عباس أنه مسح بين ناصيته وقرنه* فإن* قيل فقد روى أنه مسح رأسه بيديه أقبل بهما وأدبر فينبغي أن يكون ذلك واجبا* قيل له معلوم أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يترك المفروض وجائز أن يفعل غير المفروض على أنه مسنون فلما روى عنه الاقتصار على مقدار الناصية في حال وروى عنه استيعاب الرأس في أخرى استعملنا الخبرين وجعلنا المفروض مقدار الناصية إذ لم يرو عنه أنه مسح أقل منها وما زاد عليها فهو مسنون وأيضا لو كان المفروض أقل من مقدار الناصية لاقتصر النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في حال بيانا للمقدار المفروض كما اقتصر على مسح الناصية في بعض الأحوال فلما لم يثبت عنه أقل من ذلك دل على أنه هو المفروض فإن قيل لو كان فعله ذلك على وجه البيان لوجب أن يكون المفروض موضع الناصية دون غيره من الرأس كما جعلتها بيانا للمقدار ولم تجز أقل منها فلما جاز عند الجميع من القائلين بجواز مسح بعض الرأس ترك مسح الناصية إلى غيرها من الرأس دل ذلك على أن فعله ذلك غير موجب للاقتصار على مقداره قيل له قد كان ظاهر فعله يقتضى ذلك لو لا قيام الدلالة على أن مسح غير الناصية من الرأس يقوم مقام الناصية فلم يوجب تعيين الفرض فيها وبقي حكم فعله في المقدار على ما اقتضاه ظاهر بيانه بفعله فإن قيل لما كان قوله تعالى( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ ) مقتضيا مسح بعضه فأى بعض مسحه منه وجب أن يجزيه بحكم الظاهر قيل له إذا كان ذلك البعض مجهولا صار مجملا ولم يخرجه ما ذكرت من حكم الإجمال ألا ترى أن قوله تعالى( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً ) وقوله( وَآتُوا الزَّكاةَ ) وقوله( يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ

٣٤٧

اللهِ ) كلها مجملة لجهالة مقاديرها في حال ورودها وأنه غير جائز لأحد اعتبار ما يقع عليه الاسم منها فكذلك قوله تعالى( بِرُؤُسِكُمْ ) وإن اقتضى البعض فإن ذلك البعض لما كان مجهولا عندنا وجب أن يكون مجملا موقوف الحكم على البيان فما ورد عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم من فعل فيه فهو بيان مراد الله به ودليل آخر وهو أن سائر أعضاء الوضوء لما كان المفروض منها مقدار وجب أن يكون كذلك حكم مسح الرأس لأنه من أعضاء الوضوء وهذا يحتج به على مالك والشافعى جميعا لأن مالكا يوجب مسح الأكثر ويجيز ترك القليل منه فيحصل المفروض مجهول المقدار والشافعى يقول كل ما وقع عليه اسم المسح جاز وذلك مجهول القدر وما قلنا من مقدار ثلاثة أصابع فهو معلوم وكذلك الربع في الرواية الأخرى فهو موافق لحكم أعضاء الوضوء من كون المفروض منها معلوم القدر وقول مخالفينا على خلاف المفروض من أعضاء الوضوء ويجوز أن نجعل ذلك ابتداء دليل في المسألة من غير اعتبار له بمقدار الناصية وذلك بأن نقول لما وجب أن يكون المفروض في مقدار المسح مقدرا اعتبارا بسائر أعضاء الوضوء ثم لم يقدره أحد بغير ما ذكرنا من مقدار ثلاثة أصابع أو مقدار ربع الرأس وجب أن يكون هذا هو المفروض من المقدار* فإن قيل ما أنكرت أن يكون مقدرا بثلاث شعرات* قيل له هذا محال لأن مقدار ثلاث شعرات لا يمكن المسح عليه دون غيره وغير جائز أن يكون المفروض ما لا يمكن الاقتصار عليه وأيضا فهو قياس على المسح على الخفين لما كان مقدرا بالأصابع وبه وردت السنة وهو مسح بالماء وجب أن يكون مسح الرأس مثله وأما وجه رواية من روى الربع فهو أنه لما ثبت أن المفروض البعض وأن مسح شعرة لا يجزى وجب اعتبار المقدار الذي يتناوله الاسم عند الإطلاق إذا أجرى على الشخص وهو الربع لأنك تقول رأيت فلانا والذي يليك منه الربع فيطلق عليه الاسم فلذلك اعتبروا الربع واعتبروا أيضا في حلق الرأس الربع لا خلاف بينهم فيه أنه يحل به المحرم إذا حلقه ولا يحل عند أصحابنا بأقل منه فلذلك يوجبون به ما إذا حلقه في الإحرام* واختلف الفقهاء في مسح الرأس بإصبع واحدة فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد لا يجوز مسحه بأقل من ثلاث أصابع وإن مسحه بإصبع أو إصبعين ومدها حتى يكون الممسوح مقدار ثلاثة أصابع لم يجز وقال الثوري وزفر والشافعى يجزيه إلا أن زفر يعتبر الربع والأصل في ذلك أنه لا يجزى في

٣٤٨

مفروض المسح نقل الماء من موضع إلى موضع وذلك لأن المقصد فيه إمساس الماء الموضع لا إجراؤه عليه فإذا وضع إصبعا فقد حصل ذلك الماء ممسوحا به فغير جائز مسح موضع غيره به وليس كذلك الأعضاء المغسولة لأنه لو مسحها بالماء ولم يجره عليها لم يجزه فلا يحصل معنى الغسل إلا بجريان الماء على العضو وانتقاله من موضع إلى موضع فلذلك لم يكن مستعملا بحصوله من موضع وانتقاله إلى غيره من ذلك العضو وأما المسح فلو اقتصر فيه على إمساس الماء الموضع من غير جرى لجاز فلما استغنى عن إجرائه على العضو في صحة أداء الفرض لم يجز نقله إلى غيره فإن قيل فلو صب على رأسه ماء وجرى عليه حتى استوفى منه مقدار ثلاثة أصابع أجزى عن المسح مع انتقاله من موضع إلى غيره فهلا أجزته أيضا إذا مسح بإصبع واحدة ونقله إلى غيره قيل له من قبل أن صب الماء غسل وليس بمسح والغسل يجوز نقل الماء فيه من موضع إلى غيره وأما إذا وضع إصبعه عليه فهذا مسح فلا يجوز أن يمسح بها موضعا غيره وأيضا فإن الماء الذي يجرى عليه بالصب والغسل يتسع للمقدار المفروض كله وما على إصبع واحدة من الماء لا يتسع للمقدار المفروض وإنما يكفى لمقدار الأصبع فإذا جره إلى غيره فإنما نقل إليه ماء مستعملا في غيره فلا يجوز له ذلك.

باب غسل الرجلين

قال الله تعالى( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) قال أبو بكر قرأ ابن عباس والحسن وعكرمة وحمزة وابن كثير( وَأَرْجُلَكُمْ ) بالخفض وتأولوها على المسح وقرأ على وعبد الله بن مسعود وابن عباس في رواية وإبراهيم والضحاك ونافع وابن عامر والكسائي وحفص عن عاصم بالنصب وكانوا يرون غسلها واجبا والمحفوظ عن الحسن البصري استيعاب الرجل كلها بالمسح ولست أحفظ عن غيره ممن أجاز المسح من السلف هو على الاستيعاب أو على البعض وقال قوم يجوز مسح البعض ولا خلاف بين فقهاء الأمصار في أن المراد الغسل وهاتان القراءتان قد نزل بهما القرآن جميعا ونقلتهما الأمة تلقيا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا يختلف أهل اللغة أن كل واحدة من القراءتين محتملة للمسح بعطفها على الرأس ويحتمل أن يراد بها الغسل بعطفها على المغسول من الأعضاء وذلك لأن قوله( وَأَرْجُلَكُمْ ) بالنصب يجوز أن يكون مراده فاغسلوا أرجلكم ويحتمل أن يكون

٣٤٩

معطوفا على الرأس فيراد بها المسح وإن كانت منصوبة فيكون معطوفا على المعنى لا على اللفظ لأن الممسوح به مفعول به كقول الشاعر.

معاوية إننا بشر فاسجح

فلسنا بالجبال ولا الحديدا

فنصب الحديد وهو معطوف على الجبال بالمعنى ويحتمل قراءة الخفض أن تكون معطوفة على الرأس فيراد به المسح ويحتمل عطفه على الغسل ويكون مخفوضا بالمجاورة كقوله تعالى( يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ ) ثم قال( وَحُورٌ عِينٌ ) فخفضهن بالمجاورة وهن معطوفات في المعنى على الولدان لأنهن يطفن ولا يطاف بهن وكما قال الشاعر :

فهل أنت إن ماتت أتانك راكب

إلى آل بسطام بن قيس فخاطب

فخفض خاطبا بالمجاورة وهو معطوف على المرفوع من قوله راكب والقوافي مجرورة ألا ترى إلى قوله :

فنل مثلها في مثلهم أو فلمهم

على دارمى بين ليلى وغالب

فثبت بما وصفنا احتمال كل واحد من القراءتين للمسح والغسل فلا يخلو حينئذ القول من أحد معان ثلاثة إما أن يقال إن المراد هما جميعا مجموعان فيكون عليه أن يمسح ويغسل فيجمعهما أو أن يكون أحدهما على وجه التخيير يفعل المتوضئ أيهما شاء ويكون ما يفعله هو المفروض أو يكون المراد أحدهما بعينه لا على وجه التخيير وغير جائز أن يكونا هما جميعا على وجه الجمع لاتفاق الجميع على خلافه ولا جائز أيضا أن يكون المراد أحدهما على وجه التخيير إذ ليس في الآية ذكر التخيير ولا دلالة عليه ولو جاز إثبات التخيير مع عدم لفظ التخيير في الآية لجاز إثبات الجمع مع عدم لفظ الجمع فيظل التخيير بما وصفنا وإذا انتفى التخيير والجمع لم يبق إلا أن يكون المراد أحدهما لا على وجه التخيير فاحتجنا إلى طلب الدليل على المراد منهما فالدليل على أن المراد الغسل دون المسح اتفاق الجميع على أنه إذا غسل فقد أدى فرضه وأتى بالمراد وأنه غير ملوم على ترك المسح* فثبت أن المراد الغسل وأيضا فإن اللفظ لما وقف الموقف الذي ذكرنا من احتماله لكل واحد من المعنيين مع اتفاق الجميع على أن المراد أحدهما صار في حكم المجمل المفتقر إلى البيان فمهما ورد فيه من البيان عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وسلم من فعل أو قول علمنا أنه مراد الله تعالى وقد ورد البيان عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وسلم بالغسل قولا وفعلا فأما وروده من جهة

٣٥٠

الفعل فهو ما ثبت بالنقل المستفيض المتواتر أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم غسل رجليه في الوضوء ولم يختلف الأمة فيه فصار فعله ذلك وأراد مورد البيان وفعله إذا ورد على وجه البيان فهو على الوجوب فثبت أن ذلك هو مراد الله تعالى بالآية وأما من جهة القول فما روى جابر وأبو هريرة وعائشة وعبد الله بن عمر وغيرهم أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم رأى قوما تلوح أعقابهم لم بصبها الماء فقال ويل للأعقاب من النار اسبغوا الوضوء وتوضأ النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم مرة مرة فغسل رجليه وقال هذا وضوء من لا يقبل الله له صلاة إلا به فقوله ويل للأعقاب من النار وعيد لا يجوز أن يستحق إلا بترك الفرض فهذا يوجب استيعاب الرجل بالطهارة ويبطل قول من يجيز الاقتصار على البعض وقولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم اسبغوا الوضوء وقوله بعد غسل الرجلين هذا وضوء من لا يقبل الله له صلاة إلا به يوجب استيعابهما بالغسل لأن الوضوء اسم للغسل يقتضى إجراء الماء على الموضع والمسح لا يقتضى ذلك وفي الخبر الآخر أخبار أن الله تعالى لا يقبل الصلاة إلا بغسلهما وأيضا فلو كان المسح جائزا لما أخلاه النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم من بيانه إذ كان مراد الله في المسح كهو في الغسل فكان يجب أن يكون مسحه في وزن غسله فلما لم يرد عنه المسح حسب وروده في الغسل ثبت أن المسح غير مراد وأيضا فإن القراءتين كالآيتين في إحداهما الغسل وفي الأخرى المسح لاحتمالهما للمعنيين فلو وردت آيتان إحداهما توجب الغسل والأخرى المسح لما جاز ترك الغسل إلى المسح لأن في الغسل زيادة فعل وقد اقتضاه الأمر بالغسل فكان يكون حينئذ يجب استعمالهما على أعمهما حكما وأكثرهما فائدة وهو الغسل لأنه يأتى على المسح والمسح لا ينتظم الغسل وأيضا لما حدد الرجلين بقوله تعالى( وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) كما قال( وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ) دل على استيعاب الجميع كما دل ذكر الأيدى إلى المرافق على استيعابهما بالغسل* فإن قيل قد روى على وابن عباس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه توضأ* ومسح على قدميه ونعليه * قيل له لا يجوز قبول أخبار الآحاد فيه من وجهين أحدهما لما فيه من الاعتراض به على موجب الآية من الغسل على ما قد دللنا عليه والثاني أن أخبار الآحاد غير مقبولة في مثله لعموم الحاجة إليه وقد روى عن على أنه قرأ( وَأَرْجُلَكُمْ ) بالنصب وقال المراد الغسل فلو كان عنده عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم جواز المسح والاقتصار عليه دون الغسل لما قال إن مراد الله الغسل وأيضا فإن الحديث الذي روى عن على في ذلك قال

٣٥١

فيه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم هذا وضوء من لم يحدث وهو حديث شعبة عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة أن عليا صلى الظهر ثم قعد في الرحبة فلما حضرت العصر دعا بكوز من ماء فغسل يديه ووجهه وذراعيه ومسح برأسه ورجليه وقال هكذا رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فعل وقال هذا وضوء من لم يحدث ولا خلاف في جواز مسح الرجلين في وضوء من لم يحدث وأيضا لما احتملت الآية الغسل والمسح استعملناها على الوجوب في أن الحالين الغسل في حال ظهور الرجلين والمسح في حال لبس الخفين* فإن قيل لما سقط فرص الرجل في حال التيمم كما سقط الرأس دل على أنها ممسوحة غير مغسولة قيل له فهذا يوجب أن لا يكون الغسل مرادا ولا خلاف أنه إذا غسل فقد فعل المفروض ولم تختلف الأمة أيضا في نقل الغسل عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وأيضا فإن غسل البدن كله يسقط في الجنابة إلى التيمم عند عدم الماء وقام التيمم في هذين العضوين مقام غسل سائر الأعضاء كذلك جائز أن يقوم مقام غسل الرجلين وإن لم يجب التيمم فيها.

فصل وقد اختلف في الكعبين ما هما فقال جمهور أصحابنا وسائر أهل العلم الناتئان بين مفصل القدم والساق وحكى هشام عن محمد أنه مفصل القدم الذي يقع عليه عقد الشراك على ظهر القدم والصحيح هو الأول لأن الله تعالى قال( وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) فدل ذلك أن في كل رجل كعبين ولو كان في كل رجل كعب واحد لقال إلى الكعاب كما قال تعالى( إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما ) لما كان لكل واحد قلب واحد أضافهما إليهما بلفظ الجميع فلما أضافهما إلى الأرجل بلفظ التثنية دل على أن في كل رجل كعبين ويدل عليه أيضا ما حدثنا من لا أتهم قال حدثنا عبد الله بن محمد بن شيرويه قال حدثنا إسحاق ابن راهويه قال حدثنا الفضل بن موسى عن يزيد بن زياد بن أبى الجعد عن جامع بن شداد عن طارق بن عبد الله المحاربي قال رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في سوق ذي المجاز وعليه جبة حمراء وهو يقول يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ورجل يتبعه ويرميه بالحجارة وقد أدمى عرقوبيه وكعبيه وهو يقول يا أيها الناس لا تطيعوه فإنه كذا فقلت من هذا فقالوا ابن عبد المطلب قلت فمن هذا الذي يتبعه ويرميه بالحجارة قالوا هذا عبد العزى أبو لهب وهذا يدل على أن الكعب هو العظم الناتئ في جانب القدم لأن الرمية إذا كانت من وراء الماشي لا يضرب ظهر القدم قال وحدثنا عبد الله بن محمد بن شيرويه قال أخبرنا

٣٥٢

وكيع قال حدثنا زكريا ابن أبى زائدة عن القاسم الجدلي قال سمعت النعمان بن بشير يقول قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم أو وجوهكم قال فلقد رأيت الرجل منا يلزق كعبه بكعب صاحبه ومنكبه بمنكب صاحبه وهذا يدل على أن الكعب ما وصفنا والله أعلم.

ذكر الخلاف في المسح على الخفين

قال أصحابنا جميعا والثوري والحسن بن صالح والأوزاعى والشافعى يمسح المقيم على الخفين يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليها وروى عن مالك والليث أنه لا وقت للمسح على الخفين إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان يمسح ما بدا له قال مالك والمقيم والمسافر في ذلك سواء وأصحابه يقولون هذا هو الصحيح من مذهبه وروى عنه ابن القاسم أن المسافر يمسح ولا يمسح المقيم وروى ابن القاسم أيضا عن مالك أنه المسح على الخفين* قال أبو بكر قد ثبت المسح على الخفين عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم من طريق التواتر والاستفاضة من حيث يوجب العلم ولذلك قال أبو يوسف إنما يجوز نسخ القرآن بالسنة إذا وردت كورود المسح على الخفين في الاستفاضة وما دفع أحد من الصحابة من حيث نعلم المسح على الخفين ولم يشك أحد منهم في أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قد مسح وإنما اختلف في وقت مسحه أكان قبل نزول المائدة أو بعدها فروى المسح موقتا للمقيم يوما وليلة وللمسافر ثلاثة أيام ولياليها عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وعمر وعلى وصفوان بن عسال وخزيمة بن ثابت وعوف بن مالك وابن عباس وعائشة ورواه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم غير موقت سعد بن أبى وقاص وجرير بن عبد الله البجلي وحذيفة ابن اليمان والمغيرة بن شعبة وأبو أيوب الأنصارى وسهل بن سعد وأنس بن مالك وثوبان وعمرو بن أمية عن أبيه وسليمان بن بريدة عن أبيه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وروى الأعمش عن إبراهيم عن همام عن جرير بن عبد الله قال قال رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم توضأ ومسح على خفيه قال الأعمش قال إبراهيم كانوا معجبين بحديث جرير لأنه أسلم بعد نزول المائدة ولما كان ورود هذه الأخبار على الوجه الذي ذكرنا من الاستفاضة مع كثرة عدد ناقليها وامتناع التواطؤ والسهو والغفلة عليهم فيها وجب استعمالها مع حكم الآية وقد بينا أن في الآية احتمالا للمسح فاستعملناه في حال لبس الخفين واستعملنا الغسل في حال ظهور

«٢٣ ـ أحكام لث»

٣٥٣

الرجلين فلا فرق بين أن يكون مسح النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل نزول المائدة أو بعدها من قبل أنه إن كان مسح قبل نزول الآية فالآية مرتبة عليه غير ناسخة له لاحتمالها ما يوجب موافقته من المسح في حال لبس الخفين ولأنه لو لم يكن فيها احتمال لموافقة الخبر لجاز أن تكون مخصوصة به فيكون الأمر بالغسل خاصا في حال ظهور الرجلين دون حال لبس الخفين وإن كانت الآية متقدمة للمسح فإنما جاز المسح لموافقة ما احتملته الآية ولا يكون ذلك نسخا ولكنه بيان للمراد بها وإن كان جائزا نسخ الآية بمثله لتواتره وشيوعه ومن حيث ثبت المسح على الخفين ثبت التوقيت فيه للمقيم والمسافر على ما بينا لأن بمثل الأخبار الواردة في المسح مطلقا ثبت التوقيت أيضا فإن بطل التوقيت بطل المسح وإن ثبت المسح ثبت التوقيت* فإن احتج المخالف في ذلك بما روى عن عمر بن الخطاب أنه قال لعقبة بن عامر حين قدم عليه وقد مسح على خفيه جمعة أصبت السنة وبما روى حماد بن زيد عن كثير بن شنظير عن الحسن أنه سئل عن المسح على الخفين في السفر فقال كنا نسافر مع أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فلا يوقتون * قيل له قد روى سعيد بن المسيب عن عمر أنه قال لابنه عبد الله حين أنكر على سعد المسح على الخفين يا بنى عمك أفقه منك للمسافر ثلاثة أيام ولياليها وللمقيم يوم وليلة وسويد بن غفلة عن عمر أنه قال ثلاثة أيام ولياليها للمسافر ويوم وليلة للمقيم وقد ثبت عن عمر التوقيت على الحد الذي بيناه فاحتمل أن يكون قولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لعقبة حين مسح على خفيه جمعة أصبت السنة يعنى أنك أصبت السنة في المسح وقوله إنه مسح جمعة إنما عنى به أنه مسح جمعة على الوجه الذي يجوز عليه المسح كما يقول القائل مسحت شهرا على الخفين وهو يعنى على الوجه الذي يجوز فيه المسح لأنه معلوم أنه لم يرد به أنه مسح جمعة دائما لا يفتر وإنما أراد به المسح في الوقت الذي يحتاج فيه إلى المسح كذلك إنما أراد الوقت الذي يجوز فيه المسح وكما تقول صليت الجمعة شهرا بمكة والمعنى في الأوقات التي يجوز فيها فعل الجمعة وأما قول الحسن أن أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم الذين سافر معهم كانوا لا يوقتون فإنه إنما عنى به والله أعلم أنهم ربما خلعوا الخفاف فيما بين يومين أو ثلاثة وأنهم لم يكونوا يداومون على مسح الثلاث حسبما قد جرت به العادة من الناس إنهم ليسوا يكادون يتركون خفافهم لا ينزعون ثلاثا فلا دلالة فيه على أنهم كانوا يمسحون أكثر من ثلاث فإن قيل في حديث خزيمة بن ثابت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال المسح على

٣٥٤

الخفين للمسافر ثلاثة أيام ولياليها وللمقيم يوم وليلة ولو استزدناه لزادنا وفي حديث أبى ابن عمارة أنه قال يا رسول الله أمسح على الخفين قال نعم قال يوما قال ويومين قال وثلاثة قال نعم وما شئت وفي حديث آخر قال حتى بلغ سبعا * قيل له أما حديث خزيمة وما قيل فيه ولو استزدناه لزادنا فإنما هو ظن من الراوي والظن لا يغنى من الحق شيئا وأما حديث أبى بن عمارة فقد قيل إنه ليس بالقوى وقد اختلف في سنده ولو ثبت كان قوله وما شئت على أنه يمسح بالثلاث ما شاء وغير جائز الاعتراض على أخبار التوقيت بمثل هذه الأخبار الشاذة المحتملة للمعاني مع استفاضة الرواية عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بالتوقيت فإن قيل لما جاز المسح وجب أن يكون غير موقت كمسح الرأس* قيل له لاحظ للنظر مع الأثر فإن كانت أخبار التوقيت ثابتة فالنظر معها ساقط وإن كانت غير ثابتة فالكلام حينئذ ينبغي أن يكون في إثباتها وقد ثبت التوقيت بالأخبار المستفيضة من حيث لا يمكن دفعها وأيضا فإن الفرق بينهما ظاهر من طريق النظر وهو أن مسح الرأس هو المفروض في نفسه وليس ببدل عن غيره والمسح على الخفين يدل عن الغسل مع إمكانه من غير ضرورة فلم يجز إثباته بدل إلا في المقدار الذي ورد به التوقيت فإن قيل قد جاز المسح على الجبائر بغير توقيت وهو بدل عن الغسل قيل له أما على مذهب أبى حنيفة فهذا السؤال ساقط لأنه لا يوجب المسح على الجبائر وهو عنده مستحب تركه لا يضر وعلى قول أبى يوسف ومحمد أيضا لا يلزم لأنه إنما يفعله عند الضرورة كالتيمم والمسح على الخفين جائز بغير ضرورة فلذلك اختلفا فإن قيل ما أنكرت أن يكون جواز المسح مقصورا على السفر لأن الأخبار وردت فيه وأن لا يجوز في الحضر لما روى أن عائشة سئلت عن ذلك فقالت سلوا عليا فإنه كان معه في أسفاره وهذا يدل على أنه لم يمسح في الحضر لأن مثله لا يخفى على عائشة* قيل له يحتمل أن تكون سئلت عن توقيت المسح للمسافر فأحالت به على على رضى الله عنه وأيضا فإن عائشة أحد من روى توقيت المسح للمسافر والمقيم جميعا وأيضا فإن الأخبار التي فيها توقيت مسح المسافر فيها توقيته للمقيم فإن ثبت للمسافر ثبت للمقيم* فإن قيل تواترت الأخبار بغسله في الحضر وقوله ويل للعراقيب من النار * قيل له إنما ذلك في حال ظهور الرجلين* فإن قيل جائز أن يختص حال السفر بالتخفيف* دون حال الحضر كالقصر والتيمم والإفطار* قيل له لم نبح المسح للمقيم ولا للمسافر

٣٥٥

قياسا وإنما أبحناه بالآثار وهي متساوية فيما يقتضيه من المسح في السفر والحضر فلا معنى للمقايسة واختلف الفقهاء أيضا في المسح من وجه آخر فقال أصحابنا إذا غسل رجليه ولبس خفيه ثم أكمل الطهارة قبل الحدث أجزأه أن يمسح إذا أحدث وهو قول الثوري وروى عن مالك مثله وذكر الطحاوي عن مالك والشافعى أنه لا يجزيه إلا أن يلبس خفيه بعد إكمال الطهارة ودليل أصحابنا عموم قولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يمسح المقيم يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليها ولم يفرق بين لبسه قبل إكمال الطهارة وبعدها وروى الشعبي عن المغيرة بن شعبة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم توضأ فأهويت إلى خفيه لأنزعهما فقال مه فإنى أدخلت قدميك الخفين وهما طاهرتان فامسح عليهما ومن غسل رجليه فقد طهرتا قبل إكمال طهارة سائر الأعضاء كما يقال غسل رجليه وكما يقال صلى ركعة وإن لم يتم صلاته وأيضا فإن من لا يجيز ذلك فإنما يأمره بنزع الخفين ثم لبسهما كذلك بقاؤهما في رجليه لحين المسح لأن استدامة اللبس بمنزلة ابتدائه* واختلف في المسح على الجور بين فلم يجزه أبو حنيفة والشافعى إلا أن يكونا مجلدين وحكى الطحاوي عن مالك أنه لا يمسح وإن كانا مجلدين وحكى بعض أصحاب مالك عنه أنه لا يمسح إلا أن يكونا مجلدين كالخفين وقال الثوري وأبو يوسف ومحمد والحسن بن صالح يمسح إذا كانا ثخينين وإن لم يكونا مجلدين والأصل فيه أنه قد ثبت أن مراد الآية الغسل على ما قدمنا فلو لم ترد الآثار المتواترة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في المسح على الخفين لما أجزنا المسح فلما وردت الآثار الصحاح واحتجنا إلى استعمالها مع الآية استعملناها معها على موافقة الآية في احتمالها للمسح وتركنا الباقي على مقتضى الآية ومرادها ولما لم ترد الآثار في جواز المسح على الجور بين في وزن ورودها في المسح على الخفين بقينا حكم الغسل على مراد الآية ولم ننقله عنه* فإن قيل روى المغيرة ابن شعبة وأبو موسى أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم مسح على جوربيه ونعليه قيل له يحتمل أنهما كانا مجلدين فلا دلالة فيه على موضع الخلاف إذ ليس بعموم لفظ وإنما هو حكاية فعل لا نعلم حاله وأيضا يحتمل أن يكون وضوء من لم يحدث كما مسح على رجليه وقال هذا وضوء من لم يحدث ومن جهة النظر اتفاق الجميع على امتناع جواز المسح على اللفافة إذ ليس في العادة المشي فيها كذلك الجوربان وأما إذا كانا مجلدين فهما بمنزلة الخفين ويمشى فيهما وبمنزلة

٣٥٦

الجرموقين ألا ترى أنهم قد اتفقوا على أنه إذا كان كله مجلدا جاز المسح ولا فرق بين أن يكون جميعه مجلدا أو بعضه بعد أن يكون بمنزلة الخفين في المشي والتصرف واختلف في المسح على العمامة فقال أصحابنا ومالك والحسن بن صالح والشافعى لا يجوز المسح على العمامة ولا على الخمار وقال الثوري والأوزاعى يمسح على العمامة والدليل على صحة القول الأول قوله تعالى( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ ) وحقيقته تقتضي إمساسه الماء ومباشرته وماسح العمامة غير ماسح برأسه فلا تجزيه صلاته إذا صلى به وأيضا فإن الآثار متواترة في مسح الرأس فلو كان المسح على العمامة جائزا لورد النقل به متواترا في وزن وروده في المسح على الخفين فلما لم يثبت عنه مسح العمامة من جهة التواتر لم يجز المسح عليها من وجهين أحدهما أن الآية تقتضي مسح الرأس فغير جائز العدول عنه إلا بخبر يوجب العلم والثاني عموم الحاجة إليه فلا يقبل في مثله إلا المتواتر من الأخبار وأيضا حديث ابن عمر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه توضأ مرة مرة وقال هذا وضوء من لا يقبل الله له صلاة إلا به ومعلوم أنه مسح برأسه لأن مسح العمامة لا يسمى وضوء ثم نفى جواز الصلاة إلا به وحديث عائشة الذي قدمنا أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم توضأ مرة مرة ومسح برأسه ثم قال هذا الوضوء الذي افترض الله علينا فأخبر أن مسح الرأس بالماء هو المفروض علينا فلا تجزى الصلاة إلا به* وإن احتجوا بما روى بلال والمغيرة بن شعبة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم مسح على الخفين والعمامة وما روى راشد بن سعد عن ثوبان قال بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم سرية فأصابهم البرد فلما قدموا على النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين * قيل لهم هذه أخبار مضطربة الأسانيد وفيها رجال مجهولون ولو استقامت أسانيدها لما جاز الاعتراض بمثلها على الآية وقد بينا في حديث المغيرة بن شعبة أنه مسح على ناصيته وعمامته وفي بعضها على جانب عمامته وفي بعضها وضع يده على عمامته فأخبر أنه فعل المفروض في مسح الناصية ومسح على العمامة وذلك جائز عندنا ويحتمل ما رواه بلال ما بين في حديث المغيرة وأما حديث ثوبان فمحمول على معنى حديث المغيرة أيضا بأن مسحوا على بعض الرأس وعلى العمامة والله أعلم.

باب الوضوء مرة مرة

قال الله تعالى( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) الآية الذي يقتضيه ظاهر اللفظ غسلها مرة

٣٥٧

واحدة إذ ليس فيها ذكر العدد فلا يوجب تكرار الفعل فمن غسل مرة فقد أدى الفرض وبه وردت الآثار عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم منها حديث ابن عمر أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم توضأ مرة مرة وقال هذا الوضوء الذي افترض الله علينا وروى ابن عباس وجابر أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم توضأ مرة مرة وقال أبو رافع توضأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاثا ثلاثا ومرة مرة * قال أبو بكر فما نص الله تعالى عليه في هذه الآية هو فرض الوضوء على ما بيناه وفيه أشياء مسنونة سنها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو ما حدثنا عبد الله بن الحسن قال حدثنا أبو مسلم قال حدثنا أبو الوليد قال حدثنا زائدة قال حدثنا خالد بن علقمة عن عبد الخير قال دخل على الرحبة بعد ما صلى الفجر فجلس في الرحبة ثم قال لغلامه ائتني بطهور فأتاه الغلام بإناء وطست قال عبد الخير ونحن جلوس ننظر إليه فأخذ بيده اليمنى الإناء فأكفاه على يده اليسرى ثم غسل كفيه ثم أخذ بيده اليمنى الإناء فأفرغ على يده اليسرى فغسل كفيه ثلاث مرات ثم أدخل يده اليمنى الإناء فلما ملأ كفه تمضمض واستنشق ونثر بيده اليسرى فغسل ثلاث مرات ثم غسل وجهه ثلاث مرات ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات ثم غسل يده اليسرى إلى المرفق ثلاث مرات ثم أدخل يديه الإناء حتى غمرهما بالماء ثم رفعهما بما حملتا ثم مسح رأسه بيده كلتيهما ثم صب بيديه اليمنى على قدمه اليمنى ثم غسلها بيده اليسرى ثلاث مرات ثم صب بيده اليمنى على قدمه اليسرى ثم غسلها بيده اليسرى ثلاث مرات ثم أخذ غرفة بكفه فشرب منه ثم قال من سره أن ينظر إلى طهور رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فهذا طهوره وهذا الذي رواه على في صفة وضوء النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم هو مذهب أصحابنا وذكر فيه أنه بدأ فأكفأ الإناء على يديه فغسلهما ثلاثا وهو عند أصحابنا وسائر الفقهاء مستحب غير واجب وإن أدخلهما الإناء قبل أن يغسلهما لم يفسد الماء إذا لم تكن فيهما نجاسة ويروى عن الحسن البصري أنه قال من غمس يده في إناء قبل الغسل أهراق الماء وتابعه على ذلك من لا يعتد به ويحكى عن بعض أصحاب الحديث أنه فصل بين نوم الليل ونوم النهار لأنه ينكشف في نوم الليل فلا يأمن أن تقع يده على موضع الاستنجاء ولا ينكشف في نوم النهار* قال أبو بكر والذي في حديث على من صفة وضوء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يسقط هذا الاعتبار ويقتضى أن يكون ذلك سنة الوضوء لأن عليا كرم الله وجهه صلى الفجر ثم توضأ ليعلمهم وضوء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فغسل يديه قبل إدخالهما في

٣٥٨

الإناء وقد روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال إذا استيقظ أحدكم من منامه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما الإناء ثلاثا فإنه لا يدرى أين باتت يده قال محمد بن الحسن كانوا يستنجون بالأحجار فكان الواحد منهم لا يأمن وقوع يده في حال النوم على موضع الاستنجاء وهناك بلة من عرق أو غيره فتصيبها فأمر بالاحتياط مع تلك النجاسة التي عسى أن تكون قد أصابت يده من موضع الاستنجاء* وقد اتفق الفقهاء على الندب ومن ذكرنا قوله آنفا فهو شاذ وظاهر الآية ينفى إيجابه وهو قوله تعالى( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ) فاقتضى الظاهر وجوب غسلهما بعد إدخالهما الإناء ومن أوجب غسلهما قبل ذلك فهو زائد في الآية ما ليس فيها وذلك لا يجوز إلا بنص مثله أو باتفاق والآية على عمومها فيمن قام من النوم وغيره* وعلى أنه قد روى أن الآية نزلت فيمن قام من النوم وقد أطلقت جواز الغسل على سائر الوجوه وقد روى عطاء ابن يسار عن ابن عباس أنه قال لهم أتحبون أن أريكم كيف كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يتوضأ فدعا بإناء فيه ماء فاغترف بيده اليمنى فتمضمض واستنشق ثم أخذ أخرى فغسل بها يده اليمنى ثم أخذ أخرى فغسل بها يده اليسرى وذكر الحديث فأخبر في هذا الحديث أنه أدخل يده الإناء قبل أن يغسلها وهذا يدل على أن غسل اليد قبل إدخالها الإناء استحباب ليس بإيجاب وإن ما في حديث على وحديث أبى هريرة في غسل اليد قبل إدخالها الإناء ندب وحديث أبى هريرة في ذلك ظاهر الدلالة على أنه لم يرد به الإيجاب وأنه أراد الاحتياط مما عسى أن يكون قد أصابت يده موضع الاستنجاء وهو قوله فإنه لا يدرى أين باتت يده فأخبر أن كون النجاسة على يده ليس بيقين ومعلوم أن يده قد كانت طاهرة قبل النوم فهي على أصل طهارتها كمن كان على يقين من الطهارة فأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم عند الشك أن يبنى على يقين من الطهارة ويلغى الشك فدل ذلك على أن أمره إذا استيقظ من نومه يغسل يديه قبل إدخالهما الإناء استحباب ليس بإيجاب وقد ذكر إبراهيم النخعي أن أصحاب عبد الله كانوا إذا ذكر لهم حديث أبى هريرة في أمر المستيقظ من نومه يغسل يديه قبل إدخالهما الإناء قالوا إن أبا هريرة كان مهذارا فما يصنع بالمهراس(١) وقال الأشجعى لأبى هريرة فما تصنع بالمهراس فقال أعوذ بالله من شرك

__________________

(١) قوله بالمهراس هو صخرة منقورة تسع كثيرا من الماء كما في النهاية.

٣٥٩

والذي أنكره أصحاب عبد الله من قول أبى هريرة اعتقاده الإيجاب فيه لأنه كان معلوما أن المهراس الذي كان بالمدينة قد كان يتوضأ منه في عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وبعده فلم ينكره أحد ولم يكن الوضوء منه إلا بإدخال اليد فيه فاستنكر أصحاب عبد الله اعتقاد الوجوب فيه مع ظهور الاغتراف منه باليد من غير نكير من أحد منهم عليه ولم يدفعوا عندنا روايته وإنما أنكروا اعتقاد الوجوب* واختلف الفقهاء في مسح الأذنين مع الرأس فقال أصحابنا هما من الرأس تمسحان معه وهو قول مالك والثوري والأوزاعى ورواه أشهب عن مالك وكذلك رواه ابن القاسم عنه وزاد وأنهما تمسحهما بماء جديد وقال الحسن بن صالح يغسل باطن أذنيه مع وجهه ويمسح ظاهرهما مع رأسه وقال الشافعى يمسحهما بماء جديد وهما سنة على حيالهما لا من الوجه ولا من الرأس* والدليل على أنهما من الرأس وتمسحان معه ما حدثنا عبيد الله بن الحسين قال حدثنا أبو مسلم قال حدثنا أبو عمر عن حماد بن زيد عن سنان بن ربيعة عن شهر بن حوشب عن أبى أمامة أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم توضأ فغسل كفيه ثلاثا وطهر وجهه ثلاثا وذراعيه ثلاثا ومسح برأسه وأذنيه وقال الأذنان من الرأس * وأخبرنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا أحمد بن النضر بن بحر قال حدثنا عامر بن سنان قال حدثنا زياد بن علاقة عن عبد الحكم عن أنس بن مالك قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم الأذنان من الرأس ما أقبل منهما وما أدبر وروى ابن عباس وأبو هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم مثله أيضا* أما الحديث الأول فإنه يدل على صحة قولنا من وجهين أحدهما قوله أنه مسح رأسه وأذنيه وهذا يقتضى أن يكون مسح الجميع بماء واحد ولا يجوز إثبات تجديد ماء لهما بغير رواية والثاني قوله الأذنان من الرأس لأنه لا يخلو من أن يكون مراده تعريفنا موضع الأذنين من الرأس أو أنهما تابعتان له ممسوحتان معه وغير جائز أن يكون مراده تعريفنا موضع الأذنين لأن ذلك بين معلوم بالمشاهدة وكلام النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يخلو من الفائدة فثبت أن المراد الوجه الثاني* فإن قيل يجوز أن* يكون مراده أنهما ممسوحتان كالرأس* قيل له لا يجوز ذلك لأن اجتماعهما في الحكم لا يوجب إطلاق الحكم بأنهما منه ألا ترى أنه غير جائز أن يقال الرجلان من الوجه من حيث كانتا مغسولتين كالوجه فثبت أن قوله الأذنان من الرأس إنما مراده أنهما كبعض الرأس وتابعتان له ووجه آخر وهو أن من بابها التبعيض إلا أن تقوم الدلالة

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388