أحكام القرآن الجزء ٥

أحكام القرآن15%

أحكام القرآن مؤلف:
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 390

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 390 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 63569 / تحميل: 5732
الحجم الحجم الحجم
أحكام القرآن

أحكام القرآن الجزء ٥

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

سورة الزمر

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى( خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها ) ثم راجعة إلى صلة الكلام كأنه قال خلقكم من نفس واحدة ثم أخبر أنه جعل منها زوجها لأنه لا يصح رجوعها إلى المخلوقين من الأولاد على معنى الترتيب لأن الوالدين قبل الولد وهو مثل قوله( ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ ) وقوله( ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً ) ونحو ذلك آخر سورة الزمر.

سورة المؤمن

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى( يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً ) روى سفيان عن منصور عن إبراهيم في قوله( يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً ) قال بنى بالآجر وكانوا يكرهون أن يبنوا بالآجر ويجعلونه في قبورهم وقوله تعالى( وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) روى الثوري عن الأعمش ومنصور عن سبيع الكندي عن النعمان بن بشير قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إن الدعاء هو العبادة ثم قرأ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) الآية وقوله تعالى( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها ) هذه الآية تدل على عذاب القبر لقوله تعالى( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ ) فدل على أن المراد( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا ) قبل القيامة آخر سورة المؤمن.

سورة حم السجدة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً ) فيه بيان أن ذلك أحسن قول ودل بذلك على لزوم فرض الدعاء إلى الله إذ لا جائز أن يكون النفل أحسن من الفرض فلو لم يكن الدعاء إلى الله فرضا وقد جعله من أحسن قول اقتضى ذلك أن يكون النفل أحسن من الفرض وذلك ممتنع وقوله تعالى( إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا ) الآية قيل إن الملائكة تتنزل عليهم عند الموت فيقولون لا تخف مما أنت قادم عليه فيذهب الله خوفه ولا تحزن على الدنيا ولا على أهلها فيذهب الله خوفه وأبشر بالجنة وروى ذلك عن زيد ابن أسلم وقال غيره إنما يقولون له ذلك في القيام عند الخروج من القبرفيرى تلك الأهوال

٢٦١

فيقول له الملائكة لا تخف ولا تحزن فإنما يراد بهذا غيرك ويقولون له نحن أولياؤك في الحياة الدنيا فلا يفارقونه تأنيسا له إلى أن يدخل الجنة وقال أبو العالية( إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا ) قال أخلصوا له الدين والعمل والدعوة قوله تعالى( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) قال بعض أهل العلم ذكر الله العدو فأخبر بالحيلة فيه حتى تزول عداوته ويصير كأنه ولى فقال تعالى( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) الآية قال وأنت ربما لقيت بعض من ينطوى لك على عداوة وضغن فتبدأه بالسلام أو تبسم في وجهه فيلين لك قلبه ويسلم لك صدره قال ثم ذكر الله الحاسد فعلم أن لا حيلة عندنا فيه ولا في استملاك سخيمته واستخراج ضغينته فقال تعالى( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ـ إلى قوله ـوَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ ) فأمر بالتعوذ منه حين علم أن لا حيلة عندنا في رضاه قوله تعالى( وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَ ) الآية قال أبو بكر اختلف في موضع السجود من هذه السورة فروى عن ابن عباس ومسروق وقتادة أنه عند قوله( وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ ) وروى عن أصحاب عبد الله والحسن وأبى عبد الرحمن أنه عند قوله( إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) قال أبو بكر الأولى أنها عند آخر الآيتين لأنه تمام الكلام ومن جهة أخرى أن السلف لما اختلفوا كان فعله بالآخر منهما أولى لا تفاق الجميع على جواز فعلها بأخراهما واختلافهم في جوازها بأولاهما قوله تعالى( وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا ) الآية يدل على أنه لو جعله أعجميا كان أعجميا فكان يكون قرآنا أعجميا وأنه إنما كان عربيا لأن الله أنزله بلغة العرب وهذا يدل على أن نقله إلى لغة العجم لا يخرجه ذلك من أن يكون قرآنا آخر سورة حم السجدة.

سورة حم عسق

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى( وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ) فيه الدلالة على بطلان الاستئجار على ما سبيله أن لا يفعل إلا على وجه القربة لإخباره تعالى بأن من يريد حرث الدنيا فلا حظ له في الآخرة فيخرج ذلك من أن يكون قربة فلا يقع موقع الجواز وقوله تعالى( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك والسدى معناه إلا أن تودوني لقرابتي منكم قالوا كل

٢٦٢

قريش كانت بينه وبين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قرابة وقال على بن الحسن وسعيد بن جبير إلا أن تودوا قرابتي وقال الحسن إلا المودة في القربى أى إلا التقرب إلى الله والتودد بالعمل الصالح وقوله تعالى( وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ ) يدل على جلالة موقع المشورة لذكره لها مع الإيمان وإقامة الصلاة ويدل على أنا مأمورون بها قوله تعالى( وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ) روى عن إبراهيم النخعي في معنى الآية قال كانوا يكرهون للمؤمنين أن يذلوا أنفسهم فيجترئ عليهم الفساق وقال السدى هم ينتصرون معناه ممن بغى عليهم من غير أن يعتدوا عليهم قال أبو بكر قد ندبنا الله في مواضع من كتابه إلى العفو عن حقوقنا قبل الناس فمنه قوله( وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى ) وقوله تعالى في شأن القصاص( فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ) وقوله( وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ ) وأحكام هذه الآي ثابتة غير منسوخة وقوله( وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ) يدل ظاهره على أن الانتصار في هذا الموضع أفضل ألا ترى أنه قرنه إلى ذكر الاستجابة لله تعالى وإقامة الصلاة وهو محمول على ما ذكره إبراهيم النخعي أنهم كانوا يكرهون للمؤمنين أن يذلوا أنفسهم فيجترئ الفساق عليهم فهذا فيمن تعدى وبغى وأصر على ذلك والموضع المأمور فيه بالعفو إذا كان الجاني نادما مقلعا وقد قال عقيب هذه الآية( وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ) ومقتضى ذلك إباحة الانتصار لا الأمر به وقد عقبه بقوله( وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) فهو محمول على الغفران عن غير المصر فأما المصر على البغي والظلم فالأفضل الانتصار منه بدلالة الآية التي قبلها وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا الحسن قال أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قوله تعالى( وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ) قال فبما يكون بين الناس من القصاص فأما لو ظلمك رجل لم يحل لك أن تظلمه آخر سورة حم عسق.

سورة الزخرف

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

في التسمية عند الركوب قوله تعالى( لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ ) حدثنا عبد الله

٢٦٣

ابن إسحاق قال حدثنا الحسن بن أبى الربيع قال أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن أبى إسحاق عن على بن ربيعة أنه شهد عليا كرم الله وجهه حين ركب فلما وضع رجله في الركاب قال بسم الله فلما استوى قال الحمد لله ثم قال سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ثم قال حمدا لله ثلاثا وكبر ثلاثا ثم قال لا إله إلا أنت ظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ثم ضحك فقيل له مم تضحك يا أمير المؤمنين قال رأيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فعل مثل الذي فعلت وقال مثل الذي قلت ثم ضحك فقيل له مم تضحك يا نبي الله قال العبد أو قال عجب للعبد إذا قال لا إله إلا أنت ظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت يعلم أنه لا يغفر الذنوب إلا هو وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا الحسن قال حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه أنه كان إذا ركب قال بسم الله ثم قال هذا منك وفضلك علينا الحمد لله ربنا ثم يقول سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقبلون وروى حاتم بن إسماعيل عن جعفر عن أبيه قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم على ذروة سنام كل بعير شيطان فإذا ركبتموها فقولوا كما أمركم الله سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وروى عن سفيان عن منصور عن مجاهد عن أبى معمر أن ابن مسعود قال إذا ركب الدابة فلم يذكر اسم الله عليه ردفه الشيطان فقال له تغن فإن لم يحسن قال له تمن.

فصل في إباحة لبس الحلي للنساء

قال أبو العالية ومجاهد رخص للنساء في الذهب ثم قرأ( أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ ) وروى نافع عن سعيد عن أبى هند عن أبى موسى قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لبس الحرير والذهب حرام على ذكور أمتى حلال لإناثها وروى شريك عن العباس بن زريح عن البهي عن عائشة قالت سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول وهو يمص الدم عن شجة بوجه أسامة ويمجه لو كان أسامة جارية لحليناه لو كان أسامة جارية لكسوناه لتنفقه وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم رأى امرأتين عليهما أسورة من ذهب فقال أتحبان أن يسوركما الله بأسورة من نار قالتا لا قال فأديا حق هذا وقالت عائشة لا بأس بلبس الحلي إذا أعطى زكاته وكاتب عمر إلى أبي موسى أن مر من قبلك من نساء المؤمنين أن يصدقن من الحلي وروى أبو حنيفة عن عمرو بن دينار أن عائشة حلت أخواتها الذهب وأن ابن

٢٦٤

عمر حلى بناته الذهب وقد روى خصيف عن مجاهد عن عائشة قالت لما نهانا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم عن لبس الذهب قلنا يا رسول الله أو نربط المسك بشيء من الذهب قال أفلا تربطونه بالفضة ثم تلطخونه بشيء من زعفران فيكون مثل الذهب وروى جرير عن مطرف عن أبى هريرة قال كنت قاعدا عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فأتته امرأة فقالت يا رسول الله سواران من ذهب فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم سوران من نار فقالت قرطان من ذهب قال قرطان من نار قالت طوق من ذهب قال طوق من نار قالت يا رسول الله إن المرأة إذا لم تتزين لزوجها صلفت عنده فقال ما يمنعكن أن تجعلن قرطين من فضة تصفرينه بعنبر أو زعفران فإذا هو كالذهب قال أبو بكر الأخبار الواردة في إباحته للنساء عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم والصحابة أظهر وأشهر من اخبار الحذر ودلالة الآية ايضا ظاهرة في إباحته للنساء وقد استفاض لبس الحلي للنساء منذ لدن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم والصحابة إلى يومنا هذا من غير نكير من احد عليهن ومثل ذلك لا يعترض عليه بأخبار الآحاد* قوله تعالى( وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ) يعنى أن الكفار قالوا لو شاء الله ما عبدنا الأصنام ولا الملائكة وإنا إنما عبدناهم لأن الله قد شاء منا ذلك فأكذبهم الله في قيلهم هذا وأخبر أنهم يخرصون ويكذبون بهذا القول في أن الله تعالى لم يشأ كفرهم ونظيره قوله( سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) اخبر فيه أنهم مكذبون لله ولرسوله بقولهم لو شاء الله ما أشركنا وأبان به أن الله قد شاء أن لا يشركوا وهذا كله يبطل مذهب الجبر الجهمية قوله تعالى( بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ ـ إلى قوله ـقالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ ) فيه الدلالة على إبطال التقليد لذمه إياهم على تقليد آبائهم وتركهم النظر فيما دعاهم إليه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وسلم قوله تعالى( إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) ينتظم معنيين أحدهما أن الشهادة بالحق غير نافعة إلا مع العلم وأن التقليد لا يغنى مع عدم العلم بصحة المقالة والثاني أن شرط سائر الشهادات في الحقوق وغيرها أن يكون الشاهد عالما بها ونحوه ما روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا رأيت مثل الشمس فاشهد وإلا فدع وقوله تعالى( وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ ) حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا الحسن قال أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى( وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ ) قال نزول عيسى بن مريمعليه‌السلام علم الساعة

٢٦٥

وناس يقولون القرآن علم للساعة آخر سورة الزخرف.

سورة الجاثية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا الحسن قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة في قوله تعالى( قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ ) قال نسخها قوله تعالى( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) قوله تعالى( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ ) حدثنا عبد الله بن محمد قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة في قوله( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ ) قال لا يهوى شيئا إلا ركبه لا يخاف الله قال أبو بكر وقد روى في بعض الأخبار أن الهوى إله يعبد وتلا قوله تعالى( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ ) يعنى يطيعه كطاعة الإله وعن سعيد بن جبير قال كانوا يعبدون العزى وهو حجر أبيض حينا من الدهر فإذا وجدوا ما هو أحسن منه طرحوا الأول وعبدوا الآخر وقال الحسن اتخذ إلهه هواه يعنى لا يعرف إلهه بحجة عقله وإنما يعرفه بهواه قوله تعالى( وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ ) قيل هو على التقديم والتأخير أى نحيا ونموت من غير رجوع وقيل نموت ويحيا أولادنا كما يقال ما مات من خلف ابنا مثل فلان وقوله( وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ ) فإنه حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا الحسن قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة في قوله( وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ ) قال قال ذلك مشركو قريش قالوا ما يهلكنا إلا الدهر يقولون إلا العمر قال أبو بكر هذا قول زنادقة قريش الذين كانوا ينكرون الصانع الحكيم وإن الزمان ومضى الأوقات هو الذي يحدث هذه الحوادث والدهر اسم يقع على زمان العمر كما قال قتادة يقال فلان يصوم الدهر يعنون عمره كله ولذلك قال أصحابنا إن من حلف لا يكلم فلانا الدهر أنه على عمره كله وكان ذلك عندهم بمنزلة قوله والله لا أكلمك الأبد واما قوله لا أكلمك دهرأ فإن ذلك عند أبى يوسف ومحمد على ستة أشهر ولم يعرف أبو حنيفة معنى دهرا فلم يجب فيه بشيء وقد روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم حديث في بعض ألفاظه لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر فتأوله أهل العلم على أن أهل الجاهلية كانوا ينسبون الحوادث المجحفة والبلايا النازلة والمصائب المتلفة إلى الدهر فيقولون فعل الدهر بنا وصنع بنا ويسبون الدهر كما

٢٦٦

قد جرت عادة كثير من الناس بأن يقولوا أساء بنا الدهر ونحو ذلك فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لا تسبوا فاعل هذه الأمور فإن الله هو فاعلها ومحدثها وأصل هذا الحديث ما حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود وقال حدثنا محمد بن الصباح قال حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد عن أبى هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال يقول الله تعالى يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار قال ابن السرح عن ابن المسيب مكان سعيد فقوله وأنا الدهرمنصوب بأنه ظرف للفعل كقوله تعالى أنا ابدأ بيدي الأمر أقلب الليل والنهار وكقول القائل أنا اليوم بيدي الأمر أفعل كذا وكذا ولو كان مرفوعا كان الدهر اسما لله تعالى وليس كذلك لأن أحدا من المسلمين لا يسمى الله بهذا الاسم وحدثنا عبد الله ابن محمد قال حدثنا الحسن قال أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبى هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال إن الله يقول لا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإنى أنا الدهر أقلب ليله ونهاره فإذا شئت قبضتهما فهذان هما أصل الحديث في ذلك والمعنى ما ذكرنا وإنما غلط بعض الرواة فنقل المعنى عنده فقال لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر وأما قوله في الحديث الأول يؤذيني ابن آدم يسب الدهر فإن الله تعالى لا يلحقه الأذى ولا المنافع والمضار وإنما هو مجاز معناه يؤذى أوليائى لأنهم يعلمون أن الله هو الفاعل لهذه الأمور التي ينسبها الجهال إلى الدهر فيتأذون بذلك كما يتأذون بسماع سائر ضروب الجهل والكفر وهو كقوله( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ ) ومعناه يؤذون أولياء الله آخر سورة حم الجاثية.

سورة الأحقاف

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى( وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ) روى أن عثمان أمر برجم امرأة قد ولدت لستة أشهر فقال له على قال الله تعالى( وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ) وقال( وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ ) وروى أن عثمان سأل الناس عن ذلك فقال له ابن عباس مثل ذلك وأن عثمان رجع إلى قول على وابن عباس وروى عن ابن عباس أن كل ما زاد في الحمل نقص من الرضاع فإذا كان الحمل تسعة أشهر فالرضاع واحد وعشرون شهرا وعلى هذا القياس جميع ذلك وروى عن ابن عباس أن الرضاع حولان في جميع الناس ولم يفرقوا بين من زاد

٢٦٧

حمله أو نقص وهو مخالف للقول الأول وقال مجاهد في قوله( وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ ) ما نقص عن تسعة أشهر أو زاد عليها قوله تعالى( حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ ) روى عن ابن عباس وقتادة أشده ثلاث وثلاثون سنة وقال الشعبي هو بلوغ الحلم وقال الحسن أشده قيام الحجة عليه وقوله تعالى( أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها ) روى الزهري عن ابن عباس قال قال عمر فقلت يا رسول الله ادع الله أن يوسع على أمتك فقد وسع على فارس والروم وهم لا يعبدون الله فاستوى جالسا وقال أفي شك أنت يا ابن الخطاب أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا الجرجانى قال أخبرنا عبد الرزاق عن معمر في قوله( أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا ) قال إن عمر بن الخطاب قال لو شئت أن أذهب طيباتى في حياتي لأمرت بجدي سمين يطبخ باللبن وقال معمر قال قتادة قال عمر لو شئت أن أكون أطيبكم طعاما وألينكم ثيابا لفعلت ولكني أستبقى طيباتى وعن عبد الرحمن بن أبى ليلى قال قدم على عمر بن الخطاب ناس من أهل العراق فقرب إليهم طعامه فرآهم كأنهم يتعذرون في الأكل فقال يا أهل العراق لو شئت أن يدهمق لي كما يدهمق لكم لفعلت ولكن نستبقى من دنيانا لآخرتنا ما سمعتم الله يقول( أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا ) قال أبو بكر هذا محمول على أنه رأى ذلك أفضل لا على أنه لا يجوز غيره لأن الله قد أباح ذلك فلا يكون أكله فاعلا محظورا قال الله تعالى( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ ) آخر سورة الأحقاف.

سورة محمدصلى‌الله‌عليه‌وسلم

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قال الله تعالى( فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ ) قال أبو بكر قد اقتضى ظاهره وجوب القتل لا غير إلا بعد الإثخان وهو نظير قوله تعالى( ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ) حدثنا جعفر بن محمد بن الحكم قال حدثنا جعفر ابن محمد بن اليمان قال حدثنا أبو عبيد قال حدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن على بن أبى طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى( ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ) قال ذلك يوم بدر والمسلمون يومئذ قليل فلما كثروا واشتد سلطانهم

٢٦٨

أنزل الله تعالى بعد هذا في الأسارى( فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً ) فجعل الله النبي والمؤمنين في الأسارى بالخيار إن شاءوا قتلوهم وإن شاءوا استعبدوهم وإن شاءوا فادوهم شك أبو عبيد في وإن شاءوا استعبدوهم وحدثنا جعفر بن محمد قال حدثنا جعفر بن محمد بن اليمان قال حدثنا أبو عبيد قال حدثنا أبو مهدى وحجاج كلاهما عن سفيان قال سمعت السدى يقول في قوله( فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً ) قال هي منسوخة نسخها قوله( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) قال أبو بكر أما قوله( فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ ) وقوله( ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ) وقوله( فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ ) فإنه جائز أن يكون حكما ثابتا غير منسوخ وذلك لأن الله تعالى أمر نبيهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بالإثخان بالقتل وحظر عليه الأسر إلا بعد إذلال المشركين وقمعهم وكان ذلك في وقت قلة عدد المسلمين وكثرة عدد عدوهم من المشركين فمتى أثخن المشركون وأذلوا بالقتل والتشريد جاز الاستبقاء فالواجب أن يكون هذا حكما ثابتا إذا وجد مثل الحال التي كان عليها المسلمون في أول الإسلام أما قوله( فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً ) ظاهره يقتضى أخذ شيئين إما من وإما فداء وذلك ينفى جواز القتل وقد اختلف السلف في ذلك حدثنا جعفر بن محمد قال حدثنا جعفر بن محمد بن اليمان قال حدثنا أبو عبيد قال حدثنا حجاج عن مبارك بن فضالة عن الحسن أنه كره قتل الأسير وقال من عليه أو فاده وحدثنا جعفر قال حدثنا جعفر قال حدثنا أبو عبيد قال أخبرنا هشيم قال أخبرنا أشعث قال سألت عطاء عن قتل الأسير فقال من عليه أو فاده قال وسألت الحسن قال يصنع به ما صنع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بأسارى بدر يمن عليه أو يفادى به وروى عن ابن عمر أنه دفع إليه عظيم من عظماء إصطخر ليقتله فأبى أن يقتله وتلا قوله( فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً ) وروى أيضا عن مجاهد ومحمد بن سيرين كراهة قتل الأسير وقد روينا عن السدى أن قوله( فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً ) منسوخ بقوله( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) وروى مثله عن ابن جريج حدثنا جعفر قال حدثنا أبو عبيد قال حدثنا حجاج عن ابن جريج قال هي منسوخة وقال قتل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم عقبة بن أبى معيط يوم بدر صبرا قال أبو بكر اتفق فقهاء الأمصار على جواز قتل الأسير لا نعلم بينهم خلافا فيه وقد تواترت الأخبار عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في قتله الأسير منها قتله عقبة بن أبى معيط والنضر بن الحارث بعد الأسر يوم بدر وقتل يوم أحد أبا عزة الشاعر بعد ما أسر وقتل

٢٦٩

بنى قريظة بعد نزولهم على حكم سعد بن معاذ فحكم فيهم بالقتل وسبى الذرية ومن على الزبير ابن باطا من بينهم وفتح خيبر بعضها صلحا وبعضها عنوة وشرط على بن أبى الحقيق أن لا يكتم شيئا فلما ظهر على خيانته وكتمانه قتله وفتح مكة وأمر بقتل هلال بن خطل ومقيس ابن حبابة وعبد الله بن سعد بن أبى سرح وآخرين وقال اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة ومن على أهل مكة ولم يغنم أموالهم وروى عن صالح بن كيسان عن محمد ابن عبد الرحمن عن أبيه عبد الرحمن بن عوف أنه سمع أبا بكر الصديق يقول وددت أنى يوم أتيت بالفجاءة لم أكن أحرقته وكنت قتلته سريحا أو أطلقته نجيحا وعن أبى موسى أنه قتل دهقان السوس بعد ما أعطاه الأمان على قوم سماهم ونسى نفسه فلم يدخلها في الأمان فقتله فهذه آثار متواترة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وعن الصحابة في جواز قتل الأسير وفي استبقائه واتفق فقهاء الأمصار على ذلك وإنما اختلفوا في فدائه فقال أصحابنا جميعا لا يفادى الأسير بالمال ولا يباع السبي من أهل الحرب فيردوا حربا وقال أبو حنيفة لا يفادون بأسرى المسلمين أيضا ولا يردون حربا أبدا وقال أبو يوسف ومحمد لا بأس أن يفادى أسرى المسلمين بأسرى المشركين وهو قول الثوري والأوزاعى وقال الأوزاعى لا بأس ببيع السبي من أهل الحرب ولا يباع الرجال إلا أن يفادى بهم المسلمون وقال المزني عن الشافعى للإمام أن يمن على الرجال الذين ظهر عليهم أو يفادى بهم فأما المجيزون للفداء بأسرى المسلمين وبالمال فإنهم احتجوا بقوله( فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً ) وظاهره يقتضى جوازه بالمال وبالمسلمين وبأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فدى أسارى بدر بالمال ويحتجون للفداء بالمسلمين بما روى ابن المبارك عن معمر عن أيوب عن أبى قلابة عن أبى المهلب عن عمران بن حصين قال أسرت ثقيف رجلين من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وأسر أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم رجلا من بنى عامر بن صعصعة فمر به على النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو موثق فأقبل إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال علام أحبس قال بجريرة حلفائك فقال الأسير إنى مسلم فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لو قلتها وأنت تملك أمرك لأفلحت كل الفلاح ثم مضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فناداه أيضا فأقبل فقال إنى جائع فأطعمنى فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم هذه حاجتك ثم إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فداه بالرجلين اللذين كانت ثقيف أسرتهما وروى ابن علية عن أيوب عن أبى قلابة عن أبى المهلب عن عمران بن حصين أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فدى رجلين من المسلمين برجل من المشركين من بنى عقيل ولم يذكر

٢٧٠

إسلام الأسير وذكره في الحديث الأول ولا خلاف أنه لا يفادى الآن على هذا الوجه لأن المسلم لا يرد أهل الحرب وقد كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم شرط في صلح الحديبية لقريش أن من جاء منهم مسلما رده عليهم ثم نسخ ذلك ونهى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الإقامة بين أظهر المشركين وقال أنا برىء من كل مسلم مع مشرك وقال من أقام بين أظهر المشركين فقد برئت منه الذمة وأما ما في الآية من ذكر المن أو الفداء وما روى في أسارى بدر فإن ذلك منسوخ بقوله( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ) وقد روينا ذلك عن السدى وابن جريج وقوله تعالى( قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ـ إلى قوله تعالى ـحَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ ) فتضمنت الآيتان وجوب القتال للكفار حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية والفداء بالمال أو بغيره ينافي ذلك ولم يختلف أهل التفسير ونقلة الآثار أن سورة براءة بعد سورة محمدصلى‌الله‌عليه‌وسلم فوجب أن يكون الحكم المذكور فيها ناسخا للفداء المذكور في غيرها قوله تعالى( حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ) قال الحسن حتى يعبد الله ولا يشرك به غيره وقال سعيد بن جبير خروج عيسى بن مريمعليه‌السلام فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويلقى الذئب الشاة فلا يعرض لها ولا تكون عداوة بين اثنين وقال الفراء آثامها وشركها حتى لا يكون إلا مسلم أو مسالم قال أبو بكر فكان معنى الآية على هذا التأويل إيجاب القتال إلى أن لا يبقى من يقاتل وقوله تعالى( فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ ) روى عن مجاهد لا تضعفوا عن القتال وتدعوا إلى الصلح وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا الحسن الجرجانى قال أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى( فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ ) قال لا تكونوا أول الطائفتين ضرعت إلى صاحبتها( وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ ) قال أنتم أولى بالله منهم قال أبو بكر فيه الدلالة على امتناع جواز طلب الصلح من المشركين وهو بيان لما أكد فرضه من قتال مشركي العرب حتى يسلموا وقتال أهل الكتاب ومشركي العجم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية والصلح على غير إعطاء الجزية خارج عن مقتضى الآيات الموجبة لما وصفنا فأكد النهى عن الصلح بالنص عليه في هذه الآية وفيه الدلالة على أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يدخل مكة صلحا وإنما فتحها عنوة لأن الله قد نهاه عن الصلح في هذه الآية وأخبر أن

٢٧١

المسلمين هم الأعلون الغالبون ومتى دخلها صلحا برضاهم فهم متساوون إذ كان حكم ما يقع بتراضى الفريقين فهما متساويان فيه ليس أحدهما بأولى بأن يكون غالبا على صاحبه من الآخر وقوله تعالى( وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) يحتج به في أن كل من دخل في قربة لا يجوز له الخروج منها قبل إتمامها لما فيه من إبطال عمله نحو الصلاة والصوم والحج وغيره آخر سورة محمدصلى‌الله‌عليه‌وسلم .

سورة الفتح

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله عز وجل( إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ) روى أنه أراد فتح مكة وقال قتادة قضينا لك قضاء مبينا والأظهر أنه فتح مكة بالغلبة والقهر لأن القضاء لا يتناوله الإطلاق وإذا كان المراد فتح مكة فإنه يدل على أنه فتحها عنوة إذ كان الصلح لا يطلق عليه اسم الفتح وإن كان قد يعبر مقيدا لأن من قال فتح بلد كذا عقل به الغلبة والقهر دون الصلح ويدل عليه قوله في نسق التلاوة( وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً ) وفيه الدلالة على أن المراد فتح مكة وأنه دخلها عنوة ويدل عليه قوله تعالى( إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ ) لم يختلفوا أن المراد فتح مكة ويدل عليه قوله تعالى( إِنَّا فَتَحْنا لَكَ ) وقوله تعالى( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ ) وذكره ذلك في سياق القصة يدل على ذلك لأن المعنى سكون النفس إلى الإيمان بالبصائر التي بها قاتلوا عن دين الله حتى فتحوا مكة وقوله تعالى( قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ) روى أن المراد فارس والروم وروى أنهم بنو حنيفة فهو دليل على صحة إمامة أبى بكر وعمر وعثمان رضى الله عنهم لأن أبا بكر الصديق دعاهم إلى قتال بنى حنيفة ودعاهم عمر إلى قتال فارس والروم وقد ألزمهم الله اتباع طاعة من يدعوهم إليه بقوله( تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً ) فأوعدهم الله على التخلف عمن دعاهم إلى قتال هؤلاء فدل على صحة إمامتهما إذ كان المتولى عن طاعتهما مستحقا للعقاب فإن قيل قد روى قتادة أنهم هو ازن وثقيف يوم حنين قيل له لا يجوز أن يكون الداعي لهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لأنه قال( فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا ) ويدل على أن المراد بالدعاة لهم غير النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ومعلوم أنه لم يدع

٢٧٢

هؤلاء القوم بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا أبو بكر وعمر رضى الله عنهما وقوله تعالى( لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ) فيه الدلالة على صحة إيمان الذين بايعوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بيعة الرضوان بالحديبية وصدق بصائرهم فهم قوم بأعيانهم قال ابن عباس كانوا ألفين وخمس مائة وقال جابر ألفا وخمس مائة فدل على أنهم كانوا مؤمنين على الحقيقة أولياء الله إذ غير جائز أن يخبر الله برضاه عن قوم بأعيانهم إلا وباطنهم كظاهرهم في صحة البصيرة وصدق الإيمان وقد أكد ذلك بقوله( فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ ) أخبر أنه علم من قلوبهم صحة البصيرة وصدق النية وأن ما أبطنوه مثل ما أظهروه وقوله تعالى( فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ ) يعنى الصبر بصدق نياتهم وهذا يدل على أن التوفيق يصحب صدق النية وهو مثل قوله( إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما ) وقوله تعالى( وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ ) الآية روى عن ابن عباس أنها نزلت في قصة الحديبية وذلك أن المشركين قد كانوا بعثوا أربعين رجلا ليصيبوا من المسلمين فأتى بهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أسرى فخلى سبيلهم وروى أنها نزلت في فتح مكة حين دخلها النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم عنوة فإن كانت نزلت في فتح مكة فدلالتها ظاهرة على أنها فتحت عنوة لقوله تعالى( مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ ) ومصالحتهم لا ظفر فيها للمسلمين فاقتضى ذلك أن يكون فتحها عنوة وقوله تعالى( وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ ) يحتج به من يجيز ذبح هدى الإحصار في غير الحرم لإخباره بكونه محبوسا عن بلوغ محله ولو كان قد بلغ الحرم وذبح فيه لما كان محبوسا عن بلوغ المحل وليس هذا كما ظنوا لأنه قد كان ممنوعا بديا عن بلوغ المحل ثم لما وقع الصلح زال المنع فبلغ محله وذبح في الحرم وذلك لأنه إذا حصل المنع في أدنى وقت فجائز أن يقال قد منع كما قال تعالى( قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ ) وإنما منع في وقت وأطلق في وقت آخر وفي الآية دلالة على أن المحل هو الحرم لأنه قال( وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ ) فلو كان محله غير الحرم لما كان معكوفا عن بلوغه فوجب أن يكون المحل في قوله( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) هو الحرم.

باب رمى حصون المشركين وفيهم أطفال المسلمين وأسراهم

قال أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر ومحمد والثوري لا بأس برمي حصون المشركين

«١٨ ـ أحكام مس»

٢٧٣

وإن كان فيها أسارى وأطفال من المسلمين ولا بأس بأن يحرقوا الحصون ويقصدوا به المشركين وكذلك إن تترس الكفار بأطفال المسلمين رمى المشركون وإن أصابوا أحدا من المسلمين في ذلك فلا دية ولا كفارة وقال الثوري فيه الكفارة ولا دية فيه وقال مالك لا تحرق سفينة الكفار إذا كان فيها أسارى من المسلمين لقوله تعالى( لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً ) إنما صرف النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم عنهم لما كان فيهم من المسلمين ولو تزيل الكفار عن المسلمين لعذب الكفار وقال الأوزاعى إذا تترس الكفار بأطفال المسلمين لم يرموا لقوله( وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ ) الآية قال ولا يحرق المركب فيه أسارى المسلمين ويرمى الحصن بالمنجنيق وإن كان فيه أسارى مسلمون فإن أصاب أحدا من المسلمين فهو خطأ وإن جاءوا يتترسون بهم رمى وقصد العدو وهو قول الليث بن سعد وقال الشافعى لا بأس بأن يرمى الحصن وفيه أسارى أو أطفال ومن أصيب فلا شيء فيه ولو تترسوا ففيه قولان أحدهما يرمون والآخر لا يرمون إلا أن يكونوا ملتحمين فيضرب المشرك ويتوقى المسلم جهده فإن أصاب في هذه الحال مسلما فإن علمه مسلما فالدية مع الرقبة وإن لم يعلمه مسلما فالرقبة وحدها قال أبو بكر نقل أهل السير أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم حاصر أهل الطائف ورماهم بالمنجنيق مع نهيهصلى‌الله‌عليه‌وسلم عن قتل النساء والولدان وقد علمصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قد يصيبهم وهو لا يجوز تعمد بالقتل فدل على أن كون المسلمين فيما بين أهل الحرب لا يمنع رميهم إذ كان القصد فيه المشركين دونهم وروى الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة قال سئل النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم عن أهل الديار من المشركين يبيتون فيصاب من ذراريهم ونساءهم فقال هم منهم وبعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أسامة ابن زيد فقال أغر على هؤلاء يا بنى صباحا وحرق وكان يأمر السرايا بأن ينتظروا بمن يغزونهم فإن أذنوا للصلاة أمسكوا عنهم وإن لم يسمعوا أذانا أغاروا وعلى ذلك مضى الخلفاء الراشدون ومعلوم أن من أغار على هؤلاء لا يخلوا من أن يصيب من ذراريهم ونسائهم المحظور قتلهم فكذلك إذا كان فيهم مسلمون وجب أن لا يمنع ذلك من شن الغارة عليهم ورميهم بالنشاب وغيره وإن خيف عليه إصابة المسلم فإن قيل إنما جاء ذلك لأن ذراري المشركين منهم كما قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في حديث الصعب بن جثامة قيل له لا يجوز أن يكون مرادهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذراريهم أنهم منهم في الكفر لأن الصغار لا يجوز أن يكونوا

٢٧٤

كفارا في الحقيقة ولا يستحقون القتل ولا العقوبة لفعل آبائهم في باب سقوط الدية والكفارة وأما احتجاج من يحتج بقوله( وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ ) الآية في منع رمى الكفار لأجل من فيهم من المسلمين فإن الآية لا دلالة فيها على موضع الخلاف وذلك لأن أكثر ما فيها أن الله كف المسلمين عنهم لأنه كان فيهم قوم مسلمون لم يأمن أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لو دخلوا مكة بالسيف أن يصيبوهم وذلك إنما تدل إباحة ترك رميهم والإقدام عليهم فلا دلالة على حظر الإقدام عليهم مع العلم بأن فيهم مسلمين لأنه جائز أن يبيح الكف عنهم لأجل المسلمين وجائز أيضا إباحة الإقدام على وجه التخيير فإذا لا دلالة فيها على حظر الإقدام فإن قيل في فحوى الآية ما يدل على الحظر وهو قوله( لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) فلو لا الحظر ما أصابتهم معرة من قتلهم بإصابتهم إياهم قيل له قد اختلف أهل التأويل في معنى المعرة هاهنا فروى عن ابن إسحاق أنه غرم الدية وقال غيره الكفارة وقال غيرهما الغم باتفاق قتل المسلم على يده لأن المؤمن يغم لذلك وإن لم يقصده وقال آخرون العيب وحكى عن بعضهم أنه قال المعرة الإثم وهذا باطل لأنه تعالى قد أخبر أن ذلك لو وقع كان بغير علم منا لقوله تعالى( لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) ولا مأثم عليه فيما لم يعلمه ولم يضع الله عليه دليلا قال الله تعالى( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ) فعلمنا أنه لم يرد المأثم ويحتمل أن يكون ذلك كان خاصا في أهل مكة لحرمة الحرم ألا ترى أن المستحق للقتل إذا لجأ إليها لم يقتل عندنا وكذلك الكافر الحربي إذا لجأ إلى الحرم لم يقتل وإنما يقتل من انتهك حرمة الحرم بالجناية فيه فمنع المسلمين من الإقدام عليهم خصوصية لحرمة الحرم ويحتمل أن يريد ولو لا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات قد علم أنهم سيكونون من أولاد هؤلاء الكفار إذ لم يقتلوا فمنعنا قتلهم لما في معلومه من حدوث أولادهم مسلمين وإذا كان في علم الله أنه إذا أبقاهم كان لهم أولاد مسلمون أبقاهم ولم يأمر بقتلهم وقوله( لَوْ تَزَيَّلُوا ) على هذا التأويل لو كان هؤلاء المؤمنون الذين في أصلابهم قد ولدوهم وزايلوهم لقد كان أمر بقتلهم وإذا ثبت ما ذكرنا من جواز الإقدام على الكفار مع العلم بكون المسلمين بين أظهرهم وجب جواز مثله إذا تترسوا بالمسلمين لأن القصد في الحالين رمى المشركين دونهم ومن أصيب منهم فلا دية فيه ولا كفارة كما ان من أصيب برمي حصون الكفار من

٢٧٥

المسلمين الذين في الحصن لم يكن فيه دية ولا كفارة ولا أنه قد أبيح لنا الرمي مع العلم بكون المسلمين في تلك الجهة فصار وافى الحكم بمنزلة من أبيح قتله فلا يجب شيء وليست المعرة المذكورة دية ولا كفارة إذ لا دلالة عليه من لفظه ولا من غيره والأظهر منه ما يصيبه من الغم والحرج باتفاق قتل المؤمن على يده على ما جرت به العادة ممن يتفق على يده ذلك وقول عن تأوله على العيب محتمل أيضا لأن الإنسان قد يعاب في العادة باتفاق قتل الخطأ على يده وإن لم يكن ذلك على وجه العقوبة قوله تعالى( إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ ) قيل إنه لما أراد النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يكتب صلح الحديبية أمر على بن أبى طالب رضى الله عنه فكتبه وأملى عليه بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ هذا ما اصطلح عليه محمد رسول الله وسهيل بن عمرو فأبت قريش أن يكتبوا بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ومحمد رسول الله وقالوا نكتب باسمك اللهم ومحمد ابن عبد الله ومنعوه دخول مكة فكانت أنفتهم من الإقرار بذلك من حمية الجاهلية وقوله تعالى( وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى ) روى عن ابن عباس قال لا إله إلا الله وعن قتادة مثله وقال مجاهد كلمة الإخلاص وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا الحسن قال أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في قوله وألزمهم كلمة التقوى قال بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله تعالى( لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ) قال أبو بكر المقصد إخبارهم بأنهم يدخلون المسجد الحرام آمنين متقربين بالإحرام فلما ذكر معه الخلق والتقصير دل على أنهما قربة في الإحرام وأن الإحلال بهما يقع لو لا ذلك ما كان للذكر هاهنا وجه وروى جابر وأبو هريرة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة وهذا أيضا يدل على أنهما قربة ونسك عند الإحلال من الإحرام آخر سورة الفتح.

سورة الحجرات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله عز وجل( لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ ) حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا الحسن قال أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ ) إن ناسا كانوا يقولون لولا أنزل في كذا قال معمر وكان الحسن يقول هم قوم ذبحوا قبل أن يصلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فأمرهم أن يعيدوا الذبح قال أبو بكر وروى عن مسروق أنه دخل على عائشة فأمرت الجارية أن تسقيه فقال إنى صائم وهو

٢٧٦

اليوم الذي يشك فيه فقالت قد نهى عن هذا وتلت( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ ) في صيام ولا غيره قال أبو بكر اعتبرت عموم الآية في النهى عن مخالفة النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في قول أو فعل وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى لا تعجلوا بالأمر والنهى دونه قال أبو بكر يحتج بهذه الآية في امتناع جواز مخالفة النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في تقديم الفروض على أوقاتها وتأخيرها عنها في تركها وقد يحتج بها من يوجب أفعال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لأن في ترك ما فعله تقدما بين يديه كما أن في ترك أمره تقدما بين يديه وليس ذلك كما ظنوا لأن التقدم بين يديه إنما هو فيما أراد منا فعله ففعله غيره فأما ما لم يثبت أنه مراد منه فليس في تركه تقديم بين يديه ويحتج به نفاة القياس أيضا ويدل ذلك على جهل المحتج به لأن ما قامت دلالته فليس في فعله تقدم بين يديه وقد قامت دلالة الكتاب والسنة والإجماع على وجوب القول بالقياس في فروع الشرع فليس فيه إذا تقدم بين يديه قوله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ ) فيه أمر بتعظيم النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وتوقيره وهو نظير قوله تعالى( لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ ) وروى أنها نزلت في قوم كانوا إذ سئل النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم عن شيء قالوا فيه قبل النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وأيضا لما كان في رفع الصوت على الإنسان في كلامه ضرب من ترك المهابة والجرأة نهى الله عنه إذ كنا مأمورين لتعظيمه وتوقيره وتهييبه وقوله تعالى( وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ ) زيادة على رفع الصوت وذلك أنه نهى عن أن تكون مخاطبتنا له كمخاطبة بعضنا لبعض بل على ضرب من التعظيم تخالف به مخاطبات الناس فيما بينهم وهو كقوله( لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً ) وقوله( إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ) وروى أنها نزلت في قوم من بنى تميم أتوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فنادوه من خارج الحجرة وقالوا اخرج إلينا يا محمد فذمهم الله تعالى بذلك وهذه الآيات وإن كانت نازلة في تعظيم النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وإيجاب الفرق بينه وبين الأمة فيه فإنه تأديب لنا فيمن يلزمنا تعظيمه من والد وعالم وناسك وقائم بأمر الدين وذي سن وصلاح ونحو ذلك إذ تعظيمه بهذا الضرب من التعظيم في ترك الجهر دفع الصوت عليه وترك عليه والتمييز بينه وبين غيره ممن ليس في مثل حاله وفي النهى عن ندائه من وراء الباب والمخاطبة له بلفظ الأمر لأن الله قد ذم هؤلاء القوم بندائهم إياه من وراء الحجرة وبمخاطبته بلفظ الأمر في قولهم اخرج إلينا حدثنا عبد الله بن محمد

٢٧٧

قال حدثنا الحسن الجرجانى قال أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أن ثابت بن قيس قال يا رسول الله لقد خشيت أن أكون قد هلكت لما نزلت هذه الآية( لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ ) نهانا الله أن نرفع أصواتنا فوق صوتك وأنا امرؤ جهير الصوت ونهى الله المرء أن يحب أن يحمد بما لم يفعل واجدنى أحب الحمد ونهانا الله عن الخيلاء واجدنى أحب الجمال فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يا ثابت أما ترضى أن تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة فعاش حميدا وقتل شهيدا يوم مسيلمة الكذاب

. باب حكم خبر الفاسق

قال الله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ ) الآية حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا الحسن بن أبى الربيع قال أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) قال بعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم الوليد بن عقبة إلى بنى المصطلق فأتاهم الوليد فخرجوا يتلقونه ففرق ورجع إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال ارتدوا فبعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم خالد بن الوليد فلما دنا منهم بعث عيونا ليلا فإذا هم يؤذنون ويصلون فأتاهم خالد فلم ير منهم إلا طاعة وخيرا فرجع إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبره قال وقال معمر فتلا قتادة لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم قال فأنتم أسخف رأيا وأطيش أحلاما فاتهم رجل رأيه وانتصح كتاب الله وروى عن الحسن قال والله لئن كانت نزلت في رجل يعنى قوله( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) إنها لمرسلة إلى يوم القيامة ما نسخها شيء قال أبو بكر مقتضى الآية إيجاب التثبت في خبر الفاسق والنهى عن الإقدام على قبوله والعمل به إلا بعد التبين والعلم بصحة مخبره وذلك لأن قراءة هذه الآية على وجهين فتثبتوا من التثبت وفتبينوا كلمتاهما يقتضى النهى عن قبول خبره إلا بعد العلم بصحته لأن قوله فتثبتوا فيه أمر بالتثبت لئلا يصيب بجهالة فاقتضى ذلك النهى عن الإقدام إلا بعد العلم لئلا يصيب قوما بجهالة وأما قوله( فَتَبَيَّنُوا ) فإن التبين هو العلم فاقتضى أن لا يقدم بخبره إلا بعد العلم فاقتضى ذلك النهى عن قبول شهادة الفاسق مطلقا إذ كان كل شهادة خبرا وكذلك سائر أخباره فلذلك قلنا شهادة الفاسق غير مقبولة في شيء من الحقوق وكذلك أخباره في الرواية عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وكل ما كان من أمر الدين يتعلق به من إثبات شرع أو حكم أو إثبات حق على إنسان واتفق أهل العلم على جواز قبول خبر

٢٧٨

الفاسق في أشياء فمنها أمور المعاملات يقبل فيها خبر الفاسق وذلك نحو الهدية إذا قال إن فلانا أهدى إليك هذا يجوز له قبوله وقبضه ونحو قوله وكلني فلان ببيع عبده هذا فيجوز شراؤه منه ونحو الإذن في الدخول إذا قال له قائل ادخل لا تعتبر فيه العدالة وكذلك جميع أخبار المعاملات ويقبل في جميع ذلك خبر الصبى والعبد والذمي وقبل النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم خبر بريرة فيما اهدت إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان يتصدق عليها فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم هي لها صدقة ولنا هدية فقبل قولها في أنه تصدق به عليها وأن ملك المتصدق قد زال إليها ويقبل قول الفاسق وشهادته من وجه آخر وهو من كان فسقه من جهة الدين باعتقاد مذهب وهم أهل الأهواء فساق وشهادتهم مقبولة وعلى ذلك جرى أمر السلف في قبول أخبار أهل الأهواء في رواية الأحاديث وشهادتهم ولم يكن فسقهم من جهة التدين مانعا من قبول شهادتهم وتقبل أيضا شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض وقد بيناه فيما سلف من هذا الكتاب فهذه الوجوه الثلاثة يقبل فيها خبر الفاسق وهو مستثنى من جملة قوله تعالى( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) لدلائل قد قامت عليه فثبت أن مراد الآية في الشهادات وإلزام الحقوق أو إثبات أحكام الدين والفسق التي ليست من جهة الدين والإعتقاد وفي هذه الآية دلالة على أن خبر الواحد لا يوجب العلم إذ لو كان يوجب العلم بحال لما احتيج فيه إلى التثبت ومن الناس من يحتج به في جواز قبول خبر الواحد العدل ويجعل تخصيصه الفاسق بالتثبت في خبره دليلا على أن التثبت في خبر العدل غير جائز وهذا غلط لأن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على أن ما عداه فحكمه بخلافه.

باب قتال أهل البغي

قال الله تعالى( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما ) حدثنا عبد الله ابن محمد قال حدثنا الحسن بن أبى الربيع قال أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن الحسن أن قوما من المسلمين كان بينهم تنازع حتى اضطربوا بالنعال والأيدى فأنزل الله فيهم( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما ) قال معمر قال قتادة وكان رجلان بينهما حق تدارء فيه فقال أحدهما لآخذنه عنوة لكثرة عشيرته وقال الآخر بيني وبينك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فتنازعا حتى كان بينهما ضرب بالنعال والأيدى وروى عن سعيد بن جبير والشعبي قالا كان قتالهم بالعصى والنعال وقال مجاهدهم الأوس والخزرج كان بينهم قتال

٢٧٩

بالعصا قال أبو بكر قد اقتضى ظاهر الآية الأمر بقتال الفئة الباغية حتى ترجع إلى أمر الله وهو عموم في سائر ضروب القتال فإن فاءت إلى الحق بالقتال بالعصى والنعال لم يتجاوز به إلى غيره وإن لم تفئ بذلك قوتلت بالسيف على ما تضمنه ظاهر الآية وغير جائز لأحد الاقتصار على القتال بالعصى دون السلاح مع الإقامة على البغي وترك الرجوع إلى الحق وذلك أحد ضروب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وقد قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان فأمر بإزالة المنكر باليد ولم يفرق بين السلاح وما دونه فظاهره يقتضى وجوب إزالته بأى شيء أمكن وذهب قوم من الحشو إلى أن قتال أهل البغي إنما يكون بالعصى والنعال وما دون السلاح وأنهم لا يقاتلون بالسيف واحتجوا بما روينا من سبب نزول الآية وقتال القوم الذين تقاتلوا بالعصى والنعال وهذا لا دلالة فيه على ما ذكروا لأن القوم تقاتلوا بما دون السلاح فأمر الله تعالى بقتال الباغي منهما ولم يخصص قتالنا إياه بما دون السلاح وكذلك نقول متى ظهر لنا قتال من فئة على وجه البغي قابلناه بالسلاح وبما دونه حتى ترجع إلى الحق وليس في نزول الآية على حال قتال الباغي لنا بغير سلاح ما يوجب أن يكون الأمر بقتالنا إياهم مقصورا على مادون السلاح مع اقتضاء عموم اللفظ للقتال بسلاح وغيره ألا ترى أنه لو قال من قاتلكم بالعصى فقاتلوه بالسلاح لم يتناقص القول به فكذلك أمره إيانا بقتالهم إذ كان عمومه يقتضى القتال بسلاح وغيره وجب أن يجرى على عمومه وأيضا قاتل على بن أبى طالب رضى الله عنه الفئة الباغية بالسيف ومعه من كبراء الصحابة وأهل بدر من قد علم مكانهم وكان محقا في قتاله لهم لم يحالف فيه أحد إلا الفئة الباغية التي قابلته واتباعها وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لعمار تقتلك الفئة الباغية وهذا خبر مقبول من طريق التواتر حتى أن معاوية لم يقدر على جحده لما قال له عبد الله بن عمر فقال إنما قتله من جاء به فطرحه بين أسنتنا رواه أهل الكوفة وأهل البصرة وأهل الحجاز وأهل الشام وهو علم من أعلام النبوة لأنه خبر عن غيب لا يعلم إلا من جهة علام الغيوب وقد روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في إيجاب قتال الخوارج وقتلهم اخبار كثيرة متواترة منها حديث أنس وأبى سعيد أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال سيكون في أمتى اختلاف وفرقة قوم يحسنون القول ويسيئون العمل يمرقون من الدين كما يمرق السهم

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

في أحدها وهو(١) تفسير الإمامية وبراهينهم(٢) الدالة على ذلك(٣) هي مذكورة في مباحثهم.

قال ولو كان هذا الحديث مجتمعا على أصله ولكنه غامض التأويل(٤) كان العذر في جهل إمامته(٥) واسعا(٦) لأكثر المسلمين وجل الناقلين ولكبراء المتكلمين(٧) .

واعلم أن الخصم يقول إنه ليس بغامض بل هو مقترن بقرائن عدة دالة على مراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منه(٨) ذكرت في مواضعها وإنما عاند من عاند ومن أعندهم صاحب الكلام لما تضمنت مطاوي هذه الأوراق من التنبيه عليه.

قال ما حاصله إنه إذا كان الغرض بالنص تخفيف المئونة على المكلفين وكون ذلك لا يحصل في الاختيار فليكن بينا(٩) .

قلنا للنص أسوة بغير ذلك من التكاليف التي لم تنقل إلينا ضرورية كالعلم بمكة ونحوها مع أن الإمامية يدعون العلم يقينا وأن من خالف ذلك حائد عن الطريق الحق.

__________________

(١) لا توجد في: ن.

(٢) ن: ببراهينهم.

(٣) ن بزيادة: و.

(٤) في المصدر بزيادة: وعويص المعنى لا يكاد يدركه الا الراسخ في العلم، البارع في حسن الاستخراج.

(٥) في المصدر بزيادة: وفضيلته على غيره.

(٦) في المصدر بزيادة: مبسوطا.

(٧) العثمانية: ١٤٩.

(٨) ن بزيادة: قد.

(٩) العثمانية: ١٤٩.

٣٢١

وأيضا فإنا لا نقول العلة في النص التخفيف بخلاف(١) الاختيار إذ فيه نوع كلفة بل نقول الاختيار محال بما قررناه ونقرره وتقرر بيننا وبين الخصم أنه لا بد من إمام فتعين النص حسب ما تقوم به الحجة وقد روي ذلك من طرقنا وطرق القوم.

وذكر لأرباب الإمامة بعد هذا تعلقهم بحديث الطائر قال المشار إليه قيل لهم أما واحدة فإن هذا الحديث ساقط عند أهل الحديث وبعد فإنه لم يأت(٢) إلا من قبل أنس(٣) وأنس وحده ليس بحجة وبعد فأنتم تكفرون أنسا فلا يكون قوله مبنيا عليه(٤) .

والذي يقال على هذا أن المشار إليه كذب في تضعيف الرواية بما نقلناه قبل من صواب طرقها ووضوح أسانيدها من طريق أرباب الحديث من غيرنا فالمشار إليه دائر بين الجهل المفرط والإقدام على القول بالهوى في الآثار النبوية أو معاند لأمير المؤمنين فهو إذن منافق بالحديث الصحيح أو(٥) الأحاديث الصحاح من طرق القوم.

وأما قوله إنه جاء من قبل أنس وحده فليس بحجة(٦) فإنه يرد عليه أن خبر الواحد حجة عند المسلمين إلا من شذ منهم وقوله واه متروك ويعارض هذا الشيخ بما يرويه معتمدا عليه من طريق لا يذكرها أصلا بل يروي مرسلا وهو يريد بذلك الحجة(٧) والحديث الواحد عن

__________________

(١) ق: خلاف.

(٢) ما بين المعقوفتين لا يوجد في المصدر وبدله: ولو كان صحيحا عندهم فلم يجيء.

(٣) المصدر بزيادة: فقط.

(٤) العثمانية: ١٥٠.

(٥) ن: و.

(٦) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ق.

(٧) ق: حجة.

٣٢٢

الثقة خير من المرسل خاصة في موضع مصادمة الخصم وأما قوله أنس عندكم كافر(١) فإنها دعوى سلمنا ذلك جدلا(٢) لكن قد أسلفنا القاعدة في أن إيراد هذا وأمثاله حسن في باب الإلزام قال وأخرى إنه إن كان هذا الحديث كما تقولون وقد صدقتم على أنس فقد زعم أنس(٣) بزعمكم أنه كذب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في موقف(٤) ثلاث مرات وقد أمسك النبي عن الطعام وهو يشتهيه وكل ذلك رواه أنس ويكذب(٥) له وقال إن الحديث أضعف حديث عند أصحاب الأثر(٦) .

أقول إنا قد بينا الكذب في ضعف الخبر فضلا عن كونه أضعف حديث.

وإذا اعتبرت قول ملقح الفتن عدو أمير المؤمنين وبغضه(٧) رأيت الخوارج بالنسبة إليه على سبيل المبالغة غلاة في حب أمير المؤمنين إذ كانوا إنما نقموا عليه التحكيم وهو شيء جنوه.

وهذا الناصب ملقح الفتن ذو فنون في القول ساقطة بليغة وإنما قلت ذلك وهذا أمر يعقله من له أدنى فطنة إذ كيف ضبط جميع الأحاديث النبوية وعرف أن هذا أضعفها ونحن عيانا نعرف أن فيها الضعيف الساقط جدا يأتي في الجبر والتشبيه وغير ذلك من سقطات يثبتها ضعفاء الحديث لا يشتبه حالها على ناقد فكيف وقد روى هذا الحديث المحدثون المعتبرون في الصحيح عندهم.

__________________

(١) العثمانية: ١٥٠.

(٢) لا توجد في: ق.

(٣) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.

(٤) المصدر بزيادة: واحد.

(٥) ق: مكذب.

(٦) العثمانية: ١٥١.

(٧) ق ون: مبغضه.

٣٢٣

وأما إن أنسا كذب ثلاث مرات فلا أدري ما وجهه أما إنه كتم فلا نزاع فيه ويكفي في براءته من الحوب عدم إنكار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإقامة العذر له بأنه يحب قومه.

قال وأما قولكم أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال أنت مني بمنزلة هارون(١) من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد بهذا أن يعلم الناس أن عليا وصيه وخليفته(٢) .

فإنا نقول(٣) في ذلك وبالله وحده نستعين.

قال كلاما حاصله إن عليا ما استخلفه النبيعليه‌السلام في حياته ومنعها(٤) بعد الموت(٥) .

قال لأن هارون مات قبل موسى وعلى هذا فإما أن يكون الحديث باطلا أو له تأويل غير ما تأولتم(٦) .

والذي يقال على هذا أن الجاحظ جزم وأبرم بأنهعليه‌السلام لم يستخلف(٧) عليا في حال حياته وإذا عرفت هذا فنقول:

تعين أن يكون ذلك بعد موته إذ الرواية صحيحة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وننازع(٨) مضطرين في أن هارون مات قبل موسى إذ لم يقرر برهان ذلك يقينا.

__________________

(١) في المصدر: كهارون.

(٢) العثمانية: ١٥٣.

(٣) في المصدر: سنقول.

(٤) ن: منعه.

(٥) العثمانية: ١٥٣.

(٦) المصدر السابق.

(٧) ن: استخلف.

(٨) ق: ينازع ون: تنازع.

٣٢٤

سلمنا ثبوت ذلك لكن يكون ذلك مشروطا أعني قول موسى اخلفني في أهلي(١) أي إن بقيت(٢) بعدي وما بقي لكن(٣) أمير المؤمنين بقي فيكون الخليفة بعده.

قال ولو أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد أن يجعله خليفة بعده(٤) لكان يقول أنت مني بمنزلة يوشع بن نون لأن يوشع كان خليفة موسى في بني إسرائيل(٥) .

قال وإن ادعوا أن المراد بذلك الوزارة قلنا ما المراد من الوزارة هل هي ما تشاكل الوزارة للملوك أو المعاونة بحيث إن غاب أحدهما كان الآخر مؤازره(٦) .

وساق الكلام إلى أن النبيعليه‌السلام لا يجوز أن يستثني ما لا يملكه وهو النبوة مما يملكه وهو الخلافة(٧) .

والجواب بما أن هارون كان شريك موسى في النبوة وخليفته فهذا ينقض كلاما بسيطا ذكره ومثله في هذا الإسهاب معجبا به كمثل رجل أطال(٨) فأعجبته الإطالة فقال لعربي عنده(٩) ما العي(١٠) عندكم قال ما كنت فيه منذ اليوم.

__________________

(١) الآية:( اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي ) الاعراف: ١٤٢.

(٢) ن: بقي.

(٣) ن: ( و) بدل ( لكن ).

(٤) في المصدر: يجعل عليا خليفة من بعده.

(٥) العثمانية: ١٥٥.

(٦) العثمانية: ١٥٦.

(٧) المصدر السابق: ١٥٧.

(٨) ن: تكلم فاطال.

(٩) لا يوجد في: ن.

(١٠) ن: بدلها ( ما تعدون العي ).

٣٢٥

فإن قال هذا عين الإشكال لا غيره فإن الجواب عنه بما أنه إذا كان المعنى من قولهعليه‌السلام أن جميع منازل هارون من موسى حاصلة لعلي مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جاز أن يستثني النبوة وإن لم يكن ملكا له لئلا يتوهم متوهم أن الله تعالى قد جعل لعلي الشركة في النبوة كما كانت لهارون مع موسىعليهما‌السلام .

وقوله إن الخلافة يملكها رسول الله دون النبوة باطل إذ الإمامة عند الإمامية موقوفة على تنصيص الله تعالى كما أن النبوة موقوفة على تنصيص الله تعالى(١) ولو لم يكن هذا فإن إشكال الجاحظ زائل إذ قد بينا ما يظهر منه أنه جائز أن يستثني ما لا يملكه وهو النبوة من الخلافة ولو كانت مما يملكه.

قال وقد زعم قوم من العثمانية أن هذا الحديث باطل لتعذر(٢) تأويله(٣) (٤) .

أقول قد بينا صواب وجه تأويله.

قال ووجه آخر إن هذا الحديث لم يرو إلا عن عامر بن سعد فواحدة أن عامر بن سعد رواه عن أبيه ولو سمعنا من سعد نفسه لم يكن حجة على غيره كالحجة(٥) على علي في شهادته لأبي بكر وعمر بأنهما سيدا كهول أهل الجنة(٦) .

والذي يقال على هذا أنه كذب صريح ينبهك عليه ويدلك ما ذكرناه

__________________

(١) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.

(٢) ن: لتعذرنا.

(٣) لا توجد في: ن.

(٤) العثمانية: ١٥٨.

(٥) ق: فالحجة.

(٦) العثمانية: ١٥٨.

٣٢٦

عن قرب في ذكر طرقه.

وأما قوله كالحجة على علي في مدحه أبا بكر فإنا قد بينا كذب الجاحظ جدا وجهله للقرآن وجهله بالحديث وتهمته وبغضته أمير المؤمنين صلوات الله عليه ومن كان بهذه الصفة لا يعتمد على قوله.

ثم من الفظيع أن يأتي مخاصما شرف أمير المؤمنين برواية يرويها غير مسند لها إلى أشياخ ولا محيل بها(١) على كتاب فهو في هذا كالبقة في مصادمة العقاب والنملة في مصادمة أسود غاب ثم كيف يقول أمير المؤمنينعليه‌السلام هذا مع قوله المعروف المشتهر جدا فيا لله وللشورى(٢) وقوله عبدت الله قبلهما وبعدهما(٣) .

ولو لم يقل فمزاياه دالة عليه مانعة له من قوله ما سبقت الإشارة إليه. ثم كيف يقول علي ذلك رادا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتفضيله(٤) على البشر حسب(٥) ما نطق به الأثر.

ثم من عرف حال المحدثين المعتبرين وقدحهم في الأخبار كالدارقطني وشبهه والأعمش مطلقا اتهم صحيحها المنزه عن التهمات فكيف(٦) مرجوحها الملتحف بالتهمات الظاهرات.

__________________

(١) ق: فيها.

(٢) فيا لله وللشورى متى اعترض الريب فيّ مع الاول منهم حتى صرت اقرن الى هذه النظائر.

الخطبة الشقشقية، الخطبة الثالثة من نهج البلاغة: ١ / ٢٥ ( مطبعة الاستقامة ) شرح محمد عبده.

(٣) قال ذلك لعثمان وقد جرى بينه وبينه كلام فقال: ابو بكر وعمر خير منك فقالعليه‌السلام : انا خير منك ومنهما عبدت الله قبلهما وعبدته بعدهما. انظر: المعارف لابن قتيبه: ٧٣ وذخائر العقبى: ٥٨ الرياض النضرة: ٢ / ١٥٥ وشرح ابن ابي الحديد: ٣ / ٢٥١.

(٤) ن: تفضيله.

(٥) ق: حيث.

(٦) ج: وكيف.

٣٢٧

ثم روى الرواية عن عامر أن النبيعليه‌السلام قال إلا أنه ليس معي نبي هكذا رووه عن عامر بن سعد(١) .

وأقول إنه لو روي على هذا الوجه ما قدح في الغرض إذ كان الله تعالى حكى عن موسى( اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي ) وقد قرر الجاحظ أن هذه الخلافة ما كانت والنبيعليه‌السلام حي فتعينت بعد وفاته تصديقا للرواية.

ثم إن قوله هكذا رووه من الذي رواه كذا بحوث سمريه(٢) في مقام البراهين اليقينية وهذا نقص(٣) محض وزلل بين ولغط(٤) ظاهر.

ثم بيان فساد الرواية كون الجنة ليس في سكانها كهول وما يبعد من خاطري أن الكهل في الجنة إبراهيم الخليل وحده فإذن يكون منصوره سيد إبراهيم الخليل والجميع يأبونه.

وإن كان المراد به سيدا من مات كهلا في الدنيا فإذن منصوره سيد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغيره من الأنبياء الذين ماتوا كهولا وهو يأباه وإن لم يأب ذلك فهو كافر.

وقال إن النبيعليه‌السلام قال هذا خالي أباهي به فليأت كل امرئ بخاله تفضيلا(٥) له(٦) على كل خال في الأرض وقد كان علي خال جعدة بن هبيرة ولم يستثن أحدا(٧) .

__________________

(١) العثمانية: ١٦٠.

(٢) ن: شعرية.

(٣) ن: نقض.

(٤) ن: غلط.

(٥) ن: مفضلا.

(٦) ن: عليه.

(٧) العثمانية: ١٦٠.

٣٢٨

أقول إنه إذا كان القول لا يسند إلى برهان أمكن أن يقول قائل إن أخس الخلق الجاحظ فعلى هذا هو أخس من كذا وكذا من فنون الحيوانات وكما أن هذا لا يقوم منه عرض فكذا هذا.

ومع الإضراب عن هذا فما البرهان على أن جعدة كان موجودا حتى يتوجه الإيراد.

أضربت(١) عن هذا فإن هذا مخصوص بكمال شرف أمير المؤمنينعليه‌السلام في الفنون من العلوم وغيرها من صنوف الخصائص المورقة الغصون.

أضربنا عن هذا فإن في الآثار النبوية من طريق الخصم ما يشهد بأن أمير المؤمنينعليه‌السلام وشيعته خير البرية(٢) وأنه سيد البشر(٣) وأنه سيد العرب(٤) وأنه وجماعة من أهله سادات أهل الجنة من طريق من لا يتهم.

وأيضا فإن الناس اختلفوا في أفضل الصحابة ولم يذكروا الخال المشار إليه فأراه على هذا لا رافضيا ولا سنيا ولا خارجيا ولا متعلقا بمذهب من مذاهب المسلمين فيكون منافقا.

ثم إن عدو السنة أراد أن يضع من عليعليه‌السلام فوضع من منصوره مبالغا بيانه.

إن أولاد الأشعث بن قيس حضروا عند معاوية بن أبي سفيان ففخر أولاد ابنة أبي قحافة على إخوتهم من النخعية وكثروا فقال أولاد النخعية والله لقد تزوج أبونا أمكم وهو مأسور على حكمه وتزوج أمنا وهو مطلق على حكمها.

__________________

(١) ق: اضربنا.

(٢) مرت الاشارة الى مصادره هامش ص: ٧٢.

(٣) مرت الاشارة الى مصادره هامش ص: ٧٢.

(٤) مرت الاشارة الى مصادره هامش ص: ١١٢.

٣٢٩

وإذا تقرر هذا فليكن خال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أشرف قدرا من منصوره وهو يأباه ولو لم يأبه فلا يرضى بذلك أحد من أهل السنة ويرون الجاحظ بذلك سابا لأبي بكر رضوان الله عليه وسب خلصاء الصحابة محذور فاعلم ذلك.

ويمكن الرد على هذا بأن أبا بكر لم يكن خالا في زمن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والإشكال إنما هو متوجه بهذا ثم إن الجاحظ مرمي بمذاهب المعتزلة فالمذاهب الأشعرية تتبرأ منه والمذاهب الحنبلية تتبرأ منه والمذاهب المالكية تتبرأ منه وكذا الشافعية والمذاهب الشيعية تتبرأ منه والمذاهب الكرامية تتبرأ منه(١) وإن كان على قواعد المثبتين الجواهر وما يبعد فقواعد القائلين بالصانع تتبرأ منه إذ مذهبهم آئل إلى ذلك وهو نفي الصانع ومن كان هذا أشرف حليته فغير بدع الانحراف منه على أمير المؤمنينعليه‌السلام وشيعته وأبو بكر وعمر يبرءان(٢) منه إذ لم ينقل عنهما إيغال(٣) في الطعن مع أن عمر مع الذي عنده من حزونة المزاج والخشونة كان المثني(٤) عليه على ما رواه القوم يعتمد على رأيه ويقول لو لا علي لهلك(٥) عمر ونحو هذا وقد أثبتناه فيما سلف(٦) ولا المعتزلة راضية عنه إذ لا أعرف أحدا منهم يقول الذي يقول بل فيهم من بلغنا أنه رد عليه وسخف رأيه وهذاه أحسن الله تعالى جزاء ذاك وهو أبو جعفر الإسكافي(٧) حسب ما

__________________

(١) ما بين القوسين لا يوجد في: ن.

(٢) ن: مبرءان.

(٣) ق ون: افعال.

(٤) ج وق: المبني.

(٥) ج ون: هلك.

(٦) تقدم ص (٨٥).

(٧) هو أبو جعفر محمد بن عبد الله بن محمد الاسكافي، المتوفى سنة ٢٤٠ ه‍، شيخ من شيوخ المعتزلة كان صاحب نظر ورأي فيهم. وقد نقض المشار اليه كتاب العثمانيّة وردّ عليه ولكن هذا

٣٣٠

رأيت في كلام ابن عباد وله مقامات ساميات في تفضيل أمير المؤمنين صلوات الله عليه وأحسن جزاء ابن عباد فيما قصد إليه.

وعند الخصوم أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال كونوا مع السواد الأعظم وهذا ملقح الفتن عدل عن فنون الطرق(١) وسلك في سبيل وعر جدا فحاق به غضب الله وغضب رسوله وغيرهما.

أقول إن المشار إليه ذكر حديث المؤاخاة وادعى أن المؤاخاة كانت بين(٢) علي وسهل بن حنيف(٣) وادعى أن هذا لا دافع له وأورد على نفسه أن تكون المؤاخاة بين علي وسهل وبين النبي وعلي وذلك لا يتنافى(٤) وأورد على ذلك أنه لم يجد(٥) بذلك إسنادا يثق به أصحاب الحديث وأنه كان ينبغي أن يؤاخي بينه وبين أفضل الأنصار حيث رضيه لنفسه(٦) .

والذي يقال على الجاهل بالكتاب والسنة عدو أمير المؤمنينعليه‌السلام إنا قد روينا فيما سلف الحديث من طريق ربع المنتسبين إلى

__________________

الرّد قد ضاع في جملة الكتب الّتي ضاعت وفقدت ولعلّ الأيدي الاثيمة هي الّتي اتلفته عمدا.

ولكن ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه على نهج البلاغة أورد قسما منه ضمن كتابه. وقد جمع هذه النصوص المتفرّقة الاستاذ حسن السندوبي في كتابه ( رسائل الجاحظ ) وجاء بها حسب ترتيب ذكرها في شرح نهج البلاغة. ثمّ انّه لما طبع كتاب العثمانيّة في القاهرة سنة ١٣٧٤ بتحقيق عبد السلام هارون قام المحقّق بطبع تلك النصوص على شكل كتّيب والحقه مع العثمانيّة وطبعه معه في آخره.

(١) ن: الطريق.

(٢) ق: من.

(٣) العثمانيّة: ١٦٠.

(٤) العثمانيّة: ١٦٠.

(٥) ن: نجد.

(٦) العثمانية: ١٦١.

٣٣١

السنة أحمد بن حنبل ومن الصحيح لرزين العبدري ومن طريق ابن المغازلي ومن طريق الحافظ ابن مردويه(١) وليس أحد من هؤلاء رافضيا خاصة مع تصحيح رزين للطريق فإذن الحديث في الصحيح برزين وبمن روى عنه فظهر زلل الجاحظ عدو الدين.

أما أنه كان على قود ما ادعيناه أن يؤاخي بينه وبين أفضل الصحابة حيث رضيه لنفسه فهذيان(٢) إذ وجه المصالح يعرفها الحاضر ويجهلها الغائب وما يدرينا ما الوجه الذي يراه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك وما يدرينا أن غير سهل خير منه والبواطن إلى الله إلا أن ينص رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن فلانا أفضل من فلان كما نص في عليعليه‌السلام .

ثم من وافق الجاحظ أن أمير المؤمنين كان أخا لسهل بن حنيف وأما مؤاخاة النبي لعليعليه‌السلام فإنها بالقرائن دالة على تخصيصه له بالمنزلة وبقوله تركتك لنفسي.

[ و ](٣) أقول إن الجاحظ رد التعلق في نفي إمامة أبي بكر رضوان الله عليه بكونه كان في جيش أسامة في حال مرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان يحث على إنفاذ الجيش ويكرره إلى أن قبضه الله تعالى(٤) وأورد على ذلك أن أحدا ما أنكر عليه الرجوع ولو كان خطأ أنكر(٥) .

وللجارودية أن يجيبوا عن ذلك بأن الوقت كان أشغل من الإنكار لمرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المخوف وقد يعرف قوم بقدومه وقد(٦)

__________________

(١) تقدم ص: ١٥٢.

(٢) ق: فهو بان ( كذا ).

(٣) لا توجد في: ق.

(٤) العثمانية: ١٦٤.

(٥) العثمانية: ١٦٦ نقله بالمعنى.

(٦) لا توجد في: ن.

٣٣٢

لا يعرف وقد يتوهم(١) قوم أنه ورد لضرورة فلا ينكرون أو أن أسامة أنفذه فلا ينكرون أو أنه ليس بالمهم كونه في الجيش ولا هو المقصود فلا ينكرون أو أن بعضا عرف الخطأ وعياذا بالله وكان له غرض في قدومه فما أنكره.

أضربنا عن هذا فإن غرض الجارودية يحصل بمجرد كون النبي حث على تبعيده عن المدينة عند مرضه المخوف وهو دون(٢) تدبير الرئاسة.

قال وما يقرب من قولنا كون النبيعليه‌السلام قال انفذوا ولا يليق بهذا الخطاب إلا أبو بكر(٣) .

وهذه دعوى لا يرضاها أصحاب(٤) النظر يرد عليها موارد كثيرة يفهمها العيي(٥) فضلا عن الناقد والمقصر فضلا عن المبرز.

قال ووجه آخر وهو أنك لو جهدت أن تجد بحديث(٦) من زعم أن أبا بكر كان في جيش أسامة أصلا لم تجد(٧) . والذي يقال على هذا أن من لا يتهم في شرفه(٨) وسداده(٩) حكاه عن البلاذري(١٠) وهو بموضع الضبط

__________________

(١) ق: موهم، ن: توهّم.

(٢) ن: وقت.

(٣) العثمانية: ١٦٩ نقله بالمعنى.

(٤) ق: اهل.

(٥) ن: الغبى.

(٦) في المصدر: لحديث.

(٧) العثمانية: ١٦٩.

(٨) يعني الشريف المرتضى ( كما ياتى التصريح بذلك عند نقله حديث ان ولوها الاجيلح سلك بهم الطريق ) فقد ذكر في كتابه الشافي: ٢٤٦ ذلك عن تاريخ البلاذري.

(٩) ن بزياده: و.

(١٠) هو احمد بن يحيى بن جابر بن داود البلاذري البغدادي خاتمة مؤرخي الفتح.

ولد في اواخر القرن الثاني ونشأ في بغداد وكان من ندماء المتوكل وادرك المستعين والمعتز وعهد اليه الاخير بتثقيف ابنه عبد الله الشاعر المشهور.

وكان البلاذري بالاضافة الى كونه مؤرخا وشاعرا وكاتبا ومترجما.

٣٣٣

عندهم ورواه أبو بكر الجوهري في كتاب السقيفة ولا أراه بموضع تهمة أصلا عن أبي زيد قال حدثنا حماد بن سلمة(١) عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله جهز جيشا واستعمل عليهم أسامة بن زيد وفيهم أبو بكر وعمر(٢) .

وروى محمد بن جرير(٣) وهو إمامي من طريق الواقدي أن أبا بكر وعمر كانا في جيش أسامة(٤) .

__________________

وسوس في اخر ايامه فاخذ الى البيمارستان لانه شرب تمر البلاذر على غير معرفة ومنه اسمه ومات سنة ٢٧٩ في اول خلافة المعتضد.

وكتابه الذي ينقل عنه الشريف المرتضى هو ( تاريخ انساب الاشراف ) وهو كتاب كبير كثير الفائدة على ما ينقل، كتب منه عشرين مجلدا ولم يتم ( كما في كشف الظنون ) طبع من هذا الكتاب جزء واحد بباريس وهو الخامس فقط ويبدا بخلافة عثمان وامر الشورى الى ايام عبد الملك بن مروان. انظر: تاريخ ابن الاثير: ٢ / ٣١٧ معجم الادباء: ٥ / ٨٩. تاريخ اداب اللغة العربية: ٢ / ١٩١.

(١) ق: مسلمة.

(٢) المذكور في السقيفة: ٧٤.

وحدثنا احمد بن اسحاق بن صالح عن احمد بن سيار عن سعيد بن كثير الانصاري، عن رجاله عن عبد الله بن عبد الرحمن، ونقله ايضا ابن ابي الحديد في شرحه على النهج: ١ / ١٥٩ وابن الاثير في تاريخه: ٢ / ٣١٧.

(٣) هو محمد بن جرير بن رستم الطبري الآملي أبو جعفر.

وهو امامي صاحب كتاب غريب القرآن والمسترشد في الامامة، الذي يروي عنه الشريف الحسن بن حمزة الطبري المرعشي المتوفى سنة ٣٥٨. ووصفه بالكبير في قبال أبي جعفر محمد بن جرير الطبري الصغير الذي هو عامي صاحب التاريخ المتوفى سنة ٣١٠. وللطبري الامامي مؤلفات منها « دلائل الامامة » و « غريب القرآن » و « المسترشد في الامامة » و « نوادر المعجزات في مناقب الائمة الهداة ». انظر: فهرست ابن النديم: ٣٧ عند ذكر الكتب المؤلفة في غريب القرآن وفهرست الشيخ الطوسي: ١٥٨ ترجمة ٦٩٧ ورجال النجاشي: ٣٧٦ ترجمة ١٠٢٤ والذريعة: ٨ / ٢٤١.

(٤) المغازي: ٢ / ١١١٧.

٣٣٤

وإن (١) قيل إن ابن جرير موضع تهمة قلت قد أحال على شيخ معروف لا يتهم فلينظر كلامه.

وتعلق بكون منصوره صلى بالناس(٢) والجارودية تمانع عن(٣) ثبوت ذلك.

أقول إني قد رأيت الوفاء بما وعدت به من ذكر الأحاديث المتعلقة بفضل أبي بكر رضوان الله عليه وأقول عندها ما يجيء على مذهب الجارودية وأنا بريء من الزيغ.

ذكر الجاحظ أنهم يروون عن النبيعليه‌السلام ليس أحد أمن علينا بصحبته وذات يده من أبي بكر(٤) !

وأنه قال لو كنت متخذا من هذه الأمة خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن ود(٥) وإخاء!(٦)

قال وأعجب من هذا ما(٧) يروون أن النبيعليه‌السلام قال في شكاته(٨) وقبل(٩) وفاته إن خليلي منكم أبو بكر!(١٠) .

والذي يقال عند هذا إنا قد بينا(١١) أن رواية الخصوم لا تقبل في معارضة

__________________

(١) ن: فان.

(٢) العثمانية: ١٧٠.

(٣) لا توجد في: ق.

(٤) العثمانية: ١٣٥.

(٥) ن والمصدر: ودا.

(٦) العثمانية: ١٣٥.

(٧) لا يوجد في المصدر.

(٨) ق: مكانه.

(٩) المصدر: قبيل.

(١٠) العثمانية: ١٣٥.

(١١) ق: قدمنا.

٣٣٥

الخصم وهو الجاحظ فقد تضمن كتابه هذا أن أمثال هذه الأحاديث لا عبرة بها وعول على الغار ونحو ذلك ولا أستبعد أني حكيته بفصه(١) .

ثم إن قوله أمن يمكن أن يقال أنه أراد بمن علينا بذلك والجارودية يقول لسانها لا ينبغي أن يمن(٢) بالصدقة على غير رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكيف هو وهو صاحب الحقوق الجمة قال الله تعالى( لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى ) (٣) .

وأما حديث الخلة والإخوة فيحتاج إلى أن يعرف من الراوي له من الخصوم فإن كان ضعيفا عندهم بطل التعلق به رأسا عندنا وعندهم وإن كان عندهم موثقا وبنوا(٤) على روايته فإن الجارودية لا تتقبل(٥) رواية خصم لتهمته وتهمة من وثقه وكذا يقولون أعني الجارودية عند قوله اقتدوا بالذين من بعدي!(٦) مع أن راويه عبد الملك بن عمير(٧) يقال أنه قتل

__________________

(١) ق: بقصته.

(٢) ج: تمن.

(٣) البقرة: ٢٦٤.

والآية كاملة: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ ) .

(٤) ن: بنوه.

(٥) ق: تقبل.

(٦) قال الجاحظ: ويروون ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: اقتدوا بالذين من بعدي ابي بكر وعمر. انظر العثمانية: ١٣٥.

(٧) عبد الملك بن عمير بن سويد بن حارثة القرشي، ابو عمرو الكوفي المعروف بالقبطي.

رأى عليا وابا موسى، وروى عن جماعة منهم الاشعث بن قيس، وجابر بن سمرة وجندب بن عبد الله البجلي وغيرهم. وقال عنه العسقلاني في تهذيب التهذيب: ٦ / ٤١١: وقال علي بن الحسين الهسنجاني عن احمد: عبد الملك مضطرب الحديث جدا، مع قلة روايته، ما ارى له خمسمائة حديث، وقد غلط في كثير منها. وقال اسحاق ابن منصور: ضعفه احمد جدا. الى

٣٣٦

رسول الحسين بن عليعليهما‌السلام ولا نعلم(١) إلى من أشار بالاقتداء وأين المصحح لهذه الرواية.

وكذا يقال شيء من هذا على قوله سيدا كهول أهل الجنة! مسندا الرواية عن علي.

أقول إن الجارودية يقول لسانها لو كان عند الجاحظ حياء ما أورد علينا مثل هذا إذ هو حديث من لا يدري ما يقول كيف يكذب أمير المؤمنين نفسه ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكيف يرد على معانيه وسؤدده ما شهدت به من الفضيلة على غيره والفخر له على من(٢) سواه إذ كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شهد له بالفضيلة(٣) العالية والمذاهب السرية والأخلاق العلية مشرفا له بها على غيره ظاهرا بها على من عداه وقد سلف بيان ذلك.

مع أن الجاحظ كفانا المئونة بضعف أمثال هذا وقد سلفت زيادة إيضاح في معنى قوله سيدا كهول أهل الجنة.

وكذا يقول لسان الجارودية على مثله من شهادة علي للجماعة بالجنة وكذا يقولون على ما يروون من خبر الأحجار وقعود الثلاثة عليها وأنهم

__________________

ان قال: ذكره ابن حبان في الثقات وقال: ولد لثلاث بقين من خلافة عثمان ومات سنة ست وثلاثين ومائة وله يومئذ مائة وثلاث سنين وكان مدلسا.

انظر ايضا: ميزان الاعتدال: ٢ / ٦٦٠ وسير اعلام النبلاء: ٥ / ٤٣٨ والجرح والتعديل: ٥ / ٣٦٠. وذكر الشبلنجي في نور الابصار: ٥٢ في ترجمة عبد الله بن يقطر قال:

وهو قاتل عبد الله بن يقطر رسول الحسين بن علي الى مسلم بن عقيل حيث رمى به ابن زياد من فوق القصر - وبه رمق - فاجهز عليه، فلما عوتب على ذلك قال: انما اردت ان اريحه.

(١) ن: يعلم.

(٢) ن: ما.

(٣) ج: بالفضلية.

٣٣٧

الخلفاء من بعدي.

وراوي الحديث يعقوب بن أبي شيبة قال حدثني يحيى بن عبد الحميد قال حدثنا حشرج(١) بن نباته عن سعيد بن جمهان(٢) عن سفينة مولى رسول الله عن النبيعليه‌السلام قال ابن الوليد المحدث ببغداد إن يحيى بن عبد الحميد(٣) تكلم فيه أحمد بن حنبل واختلف الناس في جرحه وثقته وأما حشرج(٤) بن نباته فإن محمد بن حبان صاحب كتاب المجروحين وهو لنا عدو قال ما صورته:

حشرج بن نباته يروي عن سعيد بن جمهان(٥) روى عنه حماد بن سلمة ومروان بن معاوية كان قليل الحديث منكر الرواية(٦) لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد روى عن سعيد بن جمهان عن سفينة أن النبيعليه‌السلام وضع حجرا ثم قال ليضع أبو بكر حجرا(٧) إلى جنب حجري ثم(٨) ليضع

__________________

(١) ق وج: حشرح.

(٢) ق: جمهار.

(٣) يحيى بن عبد الحميد بن عبد الله بن ميمون بن عبد الرحمن الحماني. الحافظ ابو زكريا الكوفي، روى عن جماعة منهم شريك.

قال الذهبي في ميزان الاعتدال: ٤ / ٣٩٢: واما احمد فقال: كان يكذب جهارا. وقال النسائي: ضعيف. وقال البخاري: كان احمد وعلي يتكلمان فيه.

وقال محمد بن عبد الله بن نمير: ابن الحماني كذاب. وقال مرة: ثقة. توفي سنة ثمان وعشرين ومائتين.

انظر أيضا: تهذيب التهذيب: ١١ / ٢٤٣ وسير أعلام النبلاء: ١٠ / ٥٢٦ والجرح والتعديل: ٩ / ١٦٨.

(٤) ج وق: حشرح.

(٥) ن بزيادة: و.

(٦) المصدر بزيادة: فيما يرويه.

(٧) في المصدر: حجره.

(٨) في المصدر بزيادة: قال.

٣٣٨

عمر حجرا(١) إلى جنب حجر أبي بكر ثم(٢) ليضع عثمان حجره إلى جنب حجر عمر ثم قال هؤلاء الخلفاء من بعدي!

أخبرناه أبو يعلى قال حدثنا يحيى الحماني(٣) قال حدثنا حشرج بن نباته عن سعيد بن جمهان عن سفينة(٤) .

وكذا روى غير هذا مما لا يعتمد عليه هو فكيف الخصم وروى(٥) حديث الميزان الذي وضع فيه أبو بكر وعمر وعثمان في منام يرويه أبو بكرة(٦) لمعاوية وقد ورد وافدا عليه

طريق الرواية:

رواه أبو بكر الجوهري عن أبي يوسف قال حدثنا سودة(٧) بن خليفة وموسى بن إسماعيل والأسود بن عامر بن شاذان ومعنى حديثهم واحد قالوا حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد(٨) وهو مقدوح فيه عندهم وكذا علي

__________________

(١) في المصدر: حجره.

(٢) في المصدر بزيادة: قال.

(٣) ن: يحيى بن حمّان.

(٤) المجروحين: ١ / ٢٧٧.

(٥) قال الجاحظ: ويروى ان النبي صلى الله عليه [ وآله ] وضع في كفة الميزان والامة في الكفة الاخرى فرجح بهم ثم اخرج النبي صلى الله عليه [ وآله ] ووضع ابو بكر مكانه فرجح بالامة ثم اخرج ابو بكر ووضع عمر مكانه فرجح بالامة ثم اخرج فرفع الميزان. انتهى ولم يرد فيه ذكر عثمان. انظر العثمانية: ١٣٧.

(٦) ق ون: ابو بكر.

(٧) ن: سؤدد.

(٨) علي بن زيد بن جدعان ابو الحسن القرشي التيمي البصري الاعمى.

حدث عن انس بن مالك وسعيد بن المسيب وغيرهما كما حدث عنه شعبة وسفيان وحماد بن سلمة وسفيان بن عيينة. وعلي بن زيد المذكور ولد اعمى. قال ابو زرعة وابو حاتم: ليس بقوي، وقال البخاري وغيره: لا يحتج به. وقال ابن خزيمة: لا احتج به لسوء حفظه وقال حماد بن زيد: انبأنا علي بن زيد وكان يقلب الاحاديث. وقال احمد بن حنبل: ضعيف.

٣٣٩

بن زيد(١) وعبد الرحمن(٢) عمه(٣) زياد ساب أمير المؤمنينعليه‌السلام وأبو بكرة(٤) أخو زياد ابن أبيه ساب أمير المؤمنينعليه‌السلام (٥) والوفادة إلى الشام والجلساء شاميون.

إذا عرفت هذا فإن الجارودية تخرف شيخا(٦) يورد مثل هذا على خصومه قال وقالوا قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٧) إن الله بعثني إليكم جميعا فقلتم(٨) كذبت(٩) وقال لي صاحبي صدقت فهل أنتم

__________________

وروى عباس عن يحيى: ليس بشيء. مات علي بن زيد سنة ١٣١ ه‍. انظر: سير اعلام النبلاء: ٥ / ٢٠٦ والتاريخ الكبير: ٦ / ٢٧٥ والجرح والتعديل: ٦ / ١٨٦ وميزان الاعتدال:٣ / ١٢٧ وتهذيب التهذيب: ٧ / ٣٢٢.

(١) ق: علي بن زياد.

(٢) عبد الرحمن بن ابي بكرة الثقفي، يكنى ابا بحر وقيل ابا حاتم سمع علياعليه‌السلام واباه وعبد الله بن عمرو كما حدث عنه ابن سيرين وابو بشر وخالد الحذاء واخرون ولد زمن عمر وقيل انه سنة اربع عشرة. وقيل انه كان يقول: انا انعم الناس، انا ابو اربعين، وعم اربعين، وخال اربعين، وعمي زياد الأمير وكنت اول مولود بالبصرة. قيل انه توفي سنة ٩٦ وقيل غير ذلك.

انظر: سير اعلام النبلاء: ٤ / ٣١٩ و ٤١١ وتهذيب التهذيب: ٦ / ١٤٨، تهذيب الكمال: ٧٧٩.

(٣) ن: ابن عمه.

(٤) ابو بكرة الثقفي الطائفي واسمه نفيع بن الحارث وقيل نفيع بن مسروح، تدلى في حصار الطائف ببكرة فكني يومئذ بابي بكرة. اسلم على يد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله واعلمه انه عبد فاعتقه.

سكن البصرة ووفد على معاوية. وامه سمية فهو اخو زياد بن ابيه لامه وجلده عمر هو ونافع وشبل ابن معبد لشهادتهم على المغيرة بالزنا. انظر: الكامل لابن الاثير: ٣ / ٤٤٣ والجرح والتعديل: ٨ / ٤٨٩، أسد الغابة: ٥ / ٣٨ و ١٥١ وسير اعلام النبلاء: ٣ / ٥.

(٥) ن بزيادة: قال.

(٦) ن: شيئا.

(٧) في المصدر: وقالوا: ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ايها الناس.

(٨) ن: فقلت.

(٩) ن: كذبتم.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390