الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٣

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل8%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 710

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 710 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 179455 / تحميل: 6450
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

( ٣٢ ) الجامع الكافي ( جامع آل محمّد ( صلى الله عليه وآله ) (١)

أبو عبد الله محمّد بن علي بن الحسن العلوي ( ت ٤٤٥ هـ )

الحديث :

الأوّل : قال القاسم بن محمّد بن علي ( ت ١٠٢٩ هـ ) في الاعتصام : وفي الجامع الكافي قال : قال الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) : فما أجمعت عليه الأمّة من الفرائض فإجماعهم الحجّة على اختلافهم ; لأنّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : « ما كان الله ليجمع أمّتي على ضلالة » ، وما اختلفوا فيه من حلال أو حرام أو حكم أو سنّة ، فدلالة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في ذلك قائمة ، لقوله : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ». فهذا موضع الحجّة منه عليهم. وهذا الخبر مشهور تلقّته الأمّة من غير تواطؤ(٢) .

الثاني : قال القاسم بن محمّد بن علي في الاعتصام : وفيه أيضاً : عن الحسن بن يحيى ( عليهم السلام ) ، قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ألا وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، ألا وهما الخليفتان بعدي »(٣) .

____________

١ ـ لم نعثر على الكتاب فنقلنا عن كتاب الاعتصام بحبل الله المتين.

٢ ـ الاعتصام بحبل الله المتين ١ : ١٣٣.

٣ ـ الاعتصام بحبل الله المتين ١ : ١٣٣.

١٨١

محمّد بن علي بن الحسن العلوي :

قال الذهبي ( ت ٧٤٨ هـ ) في سير أعلام النبلاء : الإمام المحدّث الثقة العالم الفقيه ، مسند الكوفة ، أبو عبد الله محمّد بن علي بن الحسن بن عبد الرحمن ، العلوي الكوفي ، انتقى عليه الحافظ أبو عبد الله الصوري ، وغيره ، حدّث عن علي بن عبد الرحمن البكائي ، إلى آخر ما يذكر من شيوخه ، ثمّ قال : حدّث عنه : أبو منصور أحمد بن عبد الله العلوي ، إلى آخر ما يذكر ممّن روى عنه ، ثمّ قال : قال ابن النرسي : مات بالكوفة في ربيع الأوّل ، سنة خمس وأربعين وأربع مائة ، قال : ومولده في رجب سنة سبع وستّين وثلاث مئة ، ما رأيت من كان يفهم فقه الحديث مثله(١) .

قال العلاّمة الطهراني في الطبقات : محمّد بن علي بن الحسن بن علي بن الحسين بن عبد الرحمن القصري العلوي بن القاسم بن محمّد البطحائي بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، كذا سرد نسبه ابن الجوزي في « المنتظم » في ترجمة أبي الغنائم النرسي ، وقال : إنّه توفّي ٤٤٥ ، أقول : هو الشريف أبو عبد الله العلوي الحسيني الشجري من طبقة تلاميذ الصدوق المتوفّى ٣٨١(٢) .

____________

١ ـ سير أعلام النبلاء ١٧ : ٦٣٦.

٢ ـ طبقات أعلام الشيعة : ١٧٠ ، المئة الخامسة.

وانظر في ترجمته أيضاً : تاريخ الإسلام للذهبي ١١٨ ، وفيات سنة ٤٤٥ ، الفلك الدوّار : ٥٩ ، شذرات الذهب ٣ : ٤٤٦ ، وفيات سنة ٤٤٥ ، معجم المؤلّفين ١١ : ٣٦٦ ، التحف شرح الزلف : ١٨٨ ، مؤلّفات الزيديّة ١ : ١٢١ ، أعلام المؤلّفين الزيديّة : ٩٤٥ ، مصادر التراث في المكتبات الخاصّة في اليمن : انظر الفهرست ، الذريعة ٤ : ٢٠٥ ، ١٦ : ٢٧٢ ، مسند الإمام زيد : ٢٤ ، في المقدّمة ، تاريخ بروكلمان ٣ : ٣٣٤ ، خاتمة

١٨٢

كتاب الجامع الكافي :

قال إبراهيم بن محمّد الوزير ( ت ٩١٤ هـ ) في الفلك الدوّار ـ عند عدّه لكتب الحديث عند الزيديّة ـ : ومن أكثرها جمعاً ، وأجلّها نفعاً كتاب « الجامع الكافي » المعروف بجامع آل محمّد ، الذي صنّفه السيد الإمام أبو عبد الله محمّد بن علي بن عبد الرحمن الحسني ، وهو ستّة مجلّدة ، ويشتمل من الأحاديث والآثار وأقوال الصحابة والتابعين ومذاهب العترة الطاهرين على ما لم يجتمع في غيره ، واعتمد فيه على مذهب القاسم بن إبراهيم عالم آل محمّد ، وأحمد بن عيسى فقيههم ، والحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد ، وهو في الشهرة بالكوفة في العترة كأبي حنيفة في فقهائها ، ومذهب محمّد بن منصور ، علاّمة العراق ، وإمام الشيعة بالاتّفاق ، وإنّما خصّ صاحب الجامع ذكر مذاهب هؤلاء ، قال : لأنّه رأى الزيديّة بالعراق يعوّلون على مذاهبهم ، وذكر أنّه جمعه من نيّف وثلاثين مصنّفاً من مصنّفات محمّد بن منصور ، وأنّه اختصر أسانيد الأحاديث ، مع ذكر الحجج فيما وافق وخالف ، وقد اعتنى به من متأخّري أصحابنا وعلمائنا أهل اليمن : القاضي العلاّمة جمال الدين العفيف بن حسن المذحجي الضراري ، وكان من عيون أصحاب المهدي علي بن محمّد ابن علي ( عليه السلام ) ، ومن أجلّ شيعته ، وسمعه بمكّة المشرّفة برباط الزيديّة ، المعروف برباط ابن الحاجب على الفقيه العلاّمة شرف الدين أبي القاسم محمّد بن حسين الشُقيف وأجازه له ، وهو يرويه عن الفقيه العلاّمة محمّد بن عبد الله الغزال ، وهو يرويه من طرق مسندة إلى مصنّفه ( عليه السلام ) ، واختصر القاضي العفيف منه مختصراً نفيساً ، نقل فيه غرائب مسائله ، وسمّاه ( تحفة الاخوان

____________

مستدرك الوسائل ٣ : ٣٧١ ، المقصد الحسن : ٤٥ ، الأذان بحي على خير العمل ، مقدّمة المحقّق ، فضل زيارة الحسين ( عليه السلام ) ، مقدّمة المحقّق.

١٨٣

في مذاهب أئمة كوفان )(١) .

ونسبه إليه أحمد بن حابس في المقصد الحسن ، ونقل كلام الفلك الدوّار المتقدّم(٢) .

قال الطباطبائي في مقدّمة كتاب فضل زيارة الحسين ( عليه السلام ) ، وهو للمؤلّف أيضاً : وللجامع الكافي مختصران : أحدهما للمؤلّف ، فقد اختصره وسمّاه المقنع ، والآخر للقاضي جمال الدين العفيف بن الحسن المذحجي الضراري ، وسمّى مختصره تحفة الاخوان في مذهب أئمّة كوفان(٣) .

قال السيد مجد الدين المؤيّدي ـ بعد أن ذكر خصوصيّات الكتاب ونسبته لمؤلّفه ـ : الجامع الكافي في جامع آل محمّد ، إلى أن قال : وإنّما خصصت بالبحث هذا الكتاب الجامع ; لما في زياداته ، فقد دسّ بعض المخالفين لآل محمد ( عليهم السلام ) كثيراً فيها ، ثمّ قال : لا سيّما في المشيئة ونحوها واضح ، وما كأنّها صدرت إلاّ من حذّاق الأشعريّة والمتسمّين بالسنّية ، إلى أن قال ، نعم ، أروي كتاب الجامع الكافي بالطرق السابقة إلى الإمام المتوكّل على الله ، يحيى شرف الدين ، عن السيد الإمام صارم الدين إبراهيم بن محمّد الوزير ، وهو يرويه بطرق ، ثمّ ذكرها(٤) .

قال عبد السلام الوجيه في أعلام المؤلّفين الزيديّة : كتاب الجامع الكافي في فقه آل محمّد ( صلى الله عليه وآله ) ستّة مجلّدات ، إلى أن قال : الكتاب مخطوط منه نسخة خطّيّة في ثلاث مجلّدات ، ثمّ ذكر عدّة نسخ في عدّة مكتبات(٥) .

____________

١ ـ الفلك الدوّار : ٥٩.

٢ ـ المقصد الحسن والمسلك الواضح السنن : ٤٥.

٣ ـ فضل زيارة الحسين : ٢٢ ، المقدّمة.

٤ ـ لوامع الأنوار ١ : ٤٢٤.

٥ ـ أعلام المؤلّفين الزيديّة : ٩٤٦.

١٨٤

( ٣٣ ) الإفادة في الفقه أبو القاسم ابن ثال الهوسمي

( النصف الأوّل من القرن الخامس )

الحديث :

قال : وأمّا دلالة السنّة فالخبر المشهور عند أصحاب الحديث وغيرهم ، وقد تلّقته الأمّة بالقبول قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا من بعدي : كتاب الله وعترتي أهل بيتي » وفي بعض الأخبار « ألا وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض »(١) .

أبو القاسم بن ثال الهوسمي :

قال ابن أبي الرجال ( ت ١٠٩٢ هـ ) في مطلع البدور : الشيخ الإمام ، حافظ المذهب ، ولي آل رسول الله ، جامع الزيادات ، ومتمّم المصابيح ، أبو القاسم ابن ثال هو الحسن بن أبي الحسن الهوسمي ، علاّمة تشدّ إليه الرحال ، وتسند إليه الرجال ، نسيج وحده ، وفريد وقته ، وقيل : إنّه مولى السيدين أو أحدهما(٢) .

قال إبراهيم بن القاسم بن المؤيّد ( ت ١١٥٢ هـ ) في الطبقات : أبو القاسم ابن ثال ، بمثلّثة فوقيّة ، ثمّ ألف ثمّ لام ، اسمه الحسن ، وقيل : الحسين بن أبي الحسن الهوسمي ، المعروف بالأستاذ العلاّمة ، قال محمّد بن سليمان : يروي

____________

١ ـ الإفادة في الفقه : ٢٣٧ ، مخطوط مصوّر.

٢ ـ مطلع البدور ٢ : ٢١.

١٨٥

مذهب المؤيّد بالله ، ويحيى والقاسم عن السيد المؤيّد بالله ، عن السيد أبي العبّاس ، عن يحيى بن محمّد بن الهادي ، عن عمّه أحمد بن يحيى الهادي ، عن أبيه الهادي يحيى بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن القاسم ، عن أبيه القاسم بن إبراهيم ، عن آبائه ، وقال الكني : وكذا منصوصات الأئمّة رواها عن المؤيّد بالله بالسند الأوّل.

ثمّ قال : وللقاضي يوسف طريق أُخرى ، وهو أنّه يروي عن أبي القاسم ابن ثال عن المؤيّد بالله بطرقه.

ثمّ قال : ويقال له : أبو القاسم الإيوازي الجامع للإفادة والجامع للزيادات(١) .

قال عبد الله بن الحسن القاسمي في الجواهر المضيّة : أبو القاسم بن ثال بمثلّثة ، اسمه الحسن ، وقيل : الحسين بن أبي الحسن الهوسمي المعروف بالأستاذ ، يروي مذهب القاسم والهادي والمؤيّد عن المؤيّد بالله أحمد بن الحسين ، وكذلك منصوصاتهم(٢) .

قال عبد الله بن مفتاح ( ت ٨٧٧ هـ ) في شرح الأزهار : إذا أطلق الأستاذ فهو أبو القاسم ، جامع الزيادات من أصحاب المؤيّد بالله(٣) .

قال عبد السلام الوجيه في أعلام المؤلّفين الزيديّة : لم يذكر له تاريخ وفاة ، ولعلّ وفاته في النصف الأوّل من القرن الخامس الهجري(٤) .

____________

١ ـ طبقات الزيديّة ٣ : ١٩٨.

٢ ـ الجواهر المضيّة في تراجم بعض رجال الزيديّة : ١١٢.

٣ ـ المنتزع المختار من الغيث المدرار ، المعروف بشرح الأزهار ١ : ٢٦٧.

٤ ـ أعلام المؤلّفين الزيديّة : ٣١٢ ، وانظر في ترجمته أيضاً : لوامع الأنوار ٢ : ٢٩ ، مصادر التراث في المكتبات الخاصّة في اليمن ١ : ٥٤٦ ، مؤلّفات الزيديّة ١ : ١٣٨ ، ٢ : ٨٣.

١٨٦

ويقوّي هذا الرأي في تاريخ وفاته أنّه روى عن المؤيّد ، والمؤيّد وفاته سنة ٤١١هـ.

الإفادة في الفقه :

نسبها إليه إبراهيم بن القاسم بن المؤيّد في الطبقات(١) ، وعبد الله بن الحسن القاسمي في الجواهر المضيّة(٢) .

قال عبد السلام الوجيه في أعلام المؤلّفين الزيديّة ـ ضمن عدّه مؤلّفات المؤيّد بالله الهاروني ـ : كتاب الإفادة في الفقه ، ويسمّى أيضاً التفريعات ، تولّى جمعها تلميذه أبو القاسم بن ثال ، ويتضمّن آراءه الفقهيّة ، وعليه زيادات وشروح وتعاليق عدّة(٣) .

ثمّ قال في نفس الكتاب ـ عند عدّه مؤلّفات أبي القاسم بن ثال ـ : الإفادة في فقه المؤيّد بالله الهاروني ( انظر ما في مؤلّفاته )(٤) .

وقال في مصادر التراث في المكتبات الخاصّة في اليمن : الإفادة في فقه المؤيّد بالله ، المؤلّف : الحسين بن الحسن الهوسمي أبو القاسم بن ثال من أعلام القرن الخامس(٥) .

قال السيد أحمد الحسيني في مؤلّفات الزيديّة : الإفادة ، تأليف : الإمام المؤيّد أحمد بن الحسين الهاروني الديلمي ، في فقه نفسه ، وهو في مجلّد

____________

١ ـ طبقات الزيديّة ٣ : ١٩٨.

٢ ـ الجواهر المضيّة في تراجم بعض رجال الزيديّة : ١١٢.

٣ ـ أعلام المؤلّفين الزيديّة : ١٠١.

٤ ـ أعلام المؤلّفين الزيديّة : ٣١٣.

٥ ـ مصادر التراث في المكتبات الخاصّة في اليمن ٢ : ٥٨ ، ٢ : ١٠٨.

١٨٧

جمعه تلميذه القاضي أبو القاسم بن ثال ، يسمّى أيضاً التفريعات ، ويسمّى في بعض المصادر ( الفائدة )(١) .

____________

١ ـ مؤلّفات الزيديّة ١ : ١٣٨.

١٨٨

( ٣٤ ) الأمالي الخميسيّة

المرشد بالله يحيى بن الحسين بن إسماعيل الحسني

الشجري الجرجاني ( ت ٤٧٩ هـ )

مرتّب الأمالي حميد بن أحمد بن الوليد القرشي ( ت ٦٢٣ هـ )

الحديث :

الأوّل : وبه(١) أخبرنا السيد الإمام رضى الله عنه في يوم الخميس الثالث

____________

١ ـ جاء في أوّل الكتاب إسناده هكذا : أخبرنا الشيخ الأجلّ السيد الإمام محيي الدين وزين الموحّدين بقيّة السلف ، أحفظ الحفّاظ ، أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن الوليد القرشي الصنعاني قراءة عليه ، قال : أخبرنا الشريف الأمير الأجلّ الفاضل بدر الدين فخر المسلمين الداعي إلى الحق المبين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى ابن يحيى بن الناصر بن الهادي إلى الحق ( عليه السلام ) ، مناولة في رمضان من سنة سبع وتسعين وخمسماية بمدينة « صعدة » المحروسة بالمشاهد المقدّسة على ساكنيها السلام ، قال : وأنا أروية مناولة وإجازة عن السيد الشريف الأجل عماد الدين الحسن بن عبد الله رحمه الله تعالى ، قال أخبرنا القاضي الإمام العالم الاؤحد الزاهد قطب الدين شرف الإسلام ، عماد الشريعة ، أحمد بن أبي الحسن بن علي القاضي الكني أدام الله تأييده بقراءته علينا في ذي القعدة سنة اثنين وخمسين وخمسماية ، قال : أخبرنا القاضي الإمام المرشد أبو منصور عبد الرحيم بن المظفّر بن عبد الرحيم الحمدوني رحمه الله تعالى في رمضان سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة قراءة عليه ، قال : أخبرني والدي الشيخ أبو سعيد المظفر بن عبد الرحيم بن علي الحمدوني ، قال : حدّثنا السيد الإمام المرشد بالله أبو الحسين يحيى بن الموفّق بالله أبي عبد الله الحسين بن إسماعيل ابن زيد بن الحسن بن جعفر بن الحسن بن محمّد بن جعفر بن عبد الرحمن الشجري ابن القاسم بن الحسن بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) في ذي الحجّة سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة.

١٨٩

عشر من جمادي الأُخرى ، قال حدّثنا أبو طاهر محمّد بن أحمد بن محمّد بن عبد الرحيم بقراءتي عليه بإصفهان ، قال : حدّثنا محمّد بن عبد الله بن محمّد ابن جعفر بن حيّان ، قال : حدّثنا أبو يعلى ، قال : حدّثنا غسان ، عن أبي إسرائيل ، عن عطيّة ، عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « إنّي تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله سبب موصول من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ألا وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض »(١) .

الثاني : وبه(٢) ، قال : أخبرنا إسحاق بن إبراهيم بن طلحة بن إبراهيم بن غسان بقرائتي عليه في جامع البصرة ، قال : حدّثنا أبو القاسم علي بن محمّد ابن عبير بن كثير الكوفي العامري ، قال : حدّثنا إسحاق بن محمّد بن مروان ، قال : حدّثنا أبي ، قال : حدّثنا عبّاس بن عبد الله ، قال : حدّثنا سليمان بن قرة ، عن سلمة بن كهيل ، قال : حدّثنا أبو الطفيل أنّه سمع زيد بن أرقم يقول : نزل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بين مكّة والمدينة عند سمرات خمس دوحات عظام ، فقام تحتهن ، فأناخ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عشيّته يصلّي ، ثمّ قام خطيباً ، فحمد الله عزّ وجلّ ، وأثنى عليه ، وقال ما شاء الله أن يقول ، ثمّ قال : « أيّها الناس ، إني تارك فيكم أمرين لن تضلّوا ما اتّبعتموهما ، القرآن وأهل بيتي عترتي » ، ثمّ قال : « تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ » قالوا : بلى يارسول الله ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « من كنت مولاه فإنّ عليّاً مولاه »(٣) .

الثالث : وبه(٤) ، قال : أخبرنا القاضي أبو القاسم علي بن المحسن بن علي

____________

١ ـ الأمالي ١ : ١٨٨ ، فضل علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، ح٧٠٢.

٢ ـ الإسناد المتقدّم.

٣ ـ الأمالي ١ : ١٩٠ ، فضل علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، ح٧١٢.

٤ ـ الإسناد المتقدّم.

١٩٠

التنوخي ، قال : حدّثنا أبو الحسين عبد الله بن محمّد بن الحسين بن عبيد الله ابن هارون الدقّاق المعروف بابن أخي ميمي ، قال : حدّثنا أبو بكر محمّد بن القاسم بن بشار الأنباري النحوي إملاء ، قال : حدّثني عم أبي العباس أحمد بن يسار بن الحسن ، قال : حدّثنا عبد الأعلى بن حمّاد الترسي ، قال : حدّثنا يحيى ابن حمّاد قال : حدّثنا عوانة ، عن سليمان بن مهران الكاهلي وهو الأعمش ، عن يزيد بن حيان ، عن زيد بن أرقم ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما » ، قلت : يارسول الله ، من أهل بيتك؟ قال : « آل علي ، وآل جعفر وآل العباس ، وآل عقيل »(١) .

الرابع : وبه(٢) ، قال : أخبرنا عالياً أحمد بن محمّد بن أحمد بن يعقوب ابن علي الكاتب المعروف بابن قفرجل بقراءتي عليه ، قال : أخبرنا جدّي أبو بكر محمّد بن عبد الله بن المفضّل بن قفرجل ، قال : حدّثنا محمّد بن هارون ، قال : حدّثنا عبد الأعلى بن حمّاد الترسي ، قال : حدّثنا يحيى بن حمّاد ، قال : أخبرنا أبو عوانة ، عن سليمان الأعمش ، عن يزيد بن حيّان ، عن زيد بن أرقم ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما » ، قال : قلنا ومن أهل بيتك؟ قال : « آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل العباس » كأنّما سمعته من ابن أخي ميمي شيخ شيخي في الرواية الأولى(٣) .

____________

١ ـ الأمالي ١ : ١٩٦ ، فضل أهل البيت ( عليهم السلام ) ، ح٧٢٩.

٢ ـ الإسناد المتقدّم.

٣ ـ الأمالي ١ : ١٩٦ فضل أهل البيت ( عليهم السلام ) ، ح٧٣٠.

١٩١

الخامس : وبه(١) ، قال : أخبرنا أبو محمّد عبد الله بن محمّد بن الحسين الذكواني الكراني بقراءتي عليه بإصفهان في منزلي ، قال : أخبرنا أبو بكر محمّد بن إبراهيم بن علي بن عاصم بن المقري ، قال : حدّثنا أبو عروبة الحسن بن محمّد بن مودود الحراني ، قال : حدّثنا علي بن المنذر ، قال : حدّثنا محمّد بن فضيل ، عن الأعمش ، عن عطيّة ، عن أبي سعيد الخدري ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن زيد بن أرقم ، قالا : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا من بعدي : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتّى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما »(٢) .

السادس : وبه(٣) ، قال : أخبرنا إبراهيم بن طلحة بن إبراهيم بن غسان بقراءتي عليه بالبصرة ، قال : حدّثنا أبو عبد الله أحمد بن محمّد بن سليمان التستري ، قال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد المروزي ، قال : حدّثنا محمّد ابن سهل بن عسكر ، قال : حدّثنا إسحاق بن إبراهيم الحنيني ، عن كثير بن عبد الله ، عن أبيه ، عن جدّه ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « تركت فيكم أمرين لن تضلّوا ما تمسّكتم بهما : كتاب الله ، وسنّة نبيّه »(٤) .

السابع : وبه(٥) ، قال : أخبرنا إبراهيم بن طلحة بن إبراهيم بن غسّان بقراءتي عليه ، قال : حدّثنا أبو القاسم علي بن محمّد بن سعيد العامري

____________

١ ـ الإسناد المتقدّم.

٢ ـ الأمالي ١ : ١٩٩ ، فضل أهل البيت ( عليهم السلام ) ، ح٧٣٨.

٣ ـ الإسناد المتقدّم.

٤ ـ الأمالي ١ : ٢٠٢ ، فضل أهل البيت ( عليهم السلام ) ، ح٧٥٣.

٥ ـ الإسناد المتقدّم.

١٩٢

الكوفي قراءة عليه ، قال : حدّثنا أبو العباس إسحاق بن محمّد بن مروان القطّان ، قال : حدّثنا أبي ، قال : حدّثنا عباس بن عبد الله الحريري ، عن جبر بن الحر ، عن عطيّة ، عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وأهل بيتي »(١) .

الثامن : وبه(٢) ، قال : أخبرنا أبو طاهر محمّد بن أحمد بن محمّد بن عبد الرحيم بقراءتي عليه ، قال : أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمّد بن جعفر ابن حيّان ، قال : حدّثنا عبيد الله بن محمّد بن صبيح الزيات ، قال : عباد بن يعقوب ، قال : حدّثنا علي بن هاشم ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطيّة ، عن أبي سعيد ، عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « يا أيّها الناس ، إني قد تركت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا ، الثقلين ، وأحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا علي الحوض »(٣) .

يحيى بن الحسين الشجري الجرجاني :

قال عبد الله بن حمزة ( ت ٦١٤ هـ ) في الشافي : ولمّا توفّي المقتدي يوم الجمعة الخامس عشر من المحرّم سنة سبع وثمانين وأربعمائة قام بالأمر أبو العباس أحمد بن عبد الله المقتدي التاسع عشر من المحرّم من السنة المذكورة.

ثمّ قال : وفي أيّامه كان قيام الإمام العالم الفاضل الفقيه المحدّث المتكلّم

____________

١ ـ الأمالي ١ : ٢٠٣ ، فضل أهل البيت ( عليهم السلام ) ، ح٧٥٤.

٢ ـ الإسناد المتقدّم.

٣ ـ الأمالي ١ : ٢٠٣ ، فضل أهل البيت ( عليهم السلام ) ، ح٧٥٥.

١٩٣

لنسّابة أبي الحسين يحيى بن الحسين بن إسماعيل ، وكانت دعوته في الجيل والري وجرجان ، ومضى على منهاج سلفه الصالحين(١) .

قال ابن أبي الرجال ( ت ١٠٩٢ هـ ) في مطلع البدور ضمن ترجمة الحسين بن علي بن إسحاق الفرزادي : وهو الذي صلّى على السيد الإمام مفخر الأمّة المحمّدية المرشد بالله يحيى بن الموفّق أبي عبد الله الحسين بن إسماعيل بن زيد بن الحسن بن جعفر الجرجاني بن الحسن بن محمّد بن جعفر بن عبد الرحمن بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) ، صاحب الأمالي الخميسيّات والاثنينيّات ، المنتقل إلى رضوان الله يوم السبت الخامس عشر من ربيع الآخر سنة تسع وسبعين وأربع ماية ، وكان آخر ما أملى يوم الخميس السابع والعشرين من المحرّم من السنة المذكورة.

ثمّ قال : ودفن في سكّة الفرانين ، بدار أخته التي جعلتها خانقاه بالري ، وكان مولده ( عليه السلام ) سنة اثنتي عشرة وأربع ماية(٢) .

قال إبراهيم بن القاسم بن المؤيّد ( ت ١١٥٢ هـ ) في الطبقات : يحيى بن الحسين الجرجاني بن إسماعيل بن حرب بن زيد العالم بن الحسن بن جعفر ابن محمّد بن جعفر بن عبد الرحمن الشجري بن القاسم بن الحسن بن زيد ابن الحسن بن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) ، الحسني الإمام المرشد بالله أبو الحسين المحدّث ، حدّث عن محمّد بن إبراهيم المعروف بابن علاّن ، وأبي بكر محمّد بن عبد الله بن أبي ريدة تلميذ الطبراني بإصفهان ، والحسن بن

____________

١ ـ الشافي ١ : ٣٣٥.

٢ ـ مطلع البدور ٢ : ٤٧.

١٩٤

علي الجوهري ، ومحمّد بن علي الحورداني ، وأبو الحسن علي بن عمر المعروف بابن القزويني.

ثمّ قال : وروى عنه أبو سعيد المظفّر بن عبد الرحيم الحمدوني ، وكان سماعه عليه سنة ثلاث وسبعين وأربع ماية ، والشيخ أبو العبّاس أحمد بن الحسن بن القاسم بن الأذوبي ، والشيخ الإمام إسماعيل بن علي الفزّاري ، وعلي بن الحسين شاه شريحان مؤلّف المحيط.

ثمّ قال : قلت : وكان مولده سنة اثنتي عشرة وأربعمائة ، ثمّ قال : وكان آخر ما أملاه فبقي بعده إلى يوم السبت خامس عشر شهر ربيع الآخر سنة تسع وتسعين وأربعماية ، وتوفّي في هذا اليوم(١) .

قال عبد السلام الوجيه في أعلام المؤلّفين الزيديّة : وفاته يوم السبت ١٥ ربيع الآخر سنة ٤٧٩ هـ ، عن سبع وستّين سنة ، وفي طبقات الزيديّة ـ كتابة ـ سنة ٤٩٩ هـ ، والأوّل أصحّ(٢) .

محيي الدين حميد بن أحمد بن الوليد القرشي العبشمي ( مرتّب الأمالي )

قال ابن أبي الرجال ( ت ١٠٩٢ هـ ) في مطلع البدور : الشيخ الحافظ المحدّث ، موئل العلماء ، مثابة أهل الإسناد ، كعبة المسترشد للنجاة ،

____________

١ ـ طبقات الزيديّة ٢ : ٤١٨.

٢ ـ أعلام المؤلّفين الزيديّة : ١١٠١ ، وانظر في ترجمته أيضاً : أنوار اليقين ٢ : ٣٥٢ ، قواعد عقائد آل محمّد : ٤٠٠ ، التحف شرح الزلف : ١٥٠ ، الفلك الدوّار : ٦٥ ، في الهامش تحقيق يحيى سالم عزّان ، لوامع الأنوار ١ : ٤١٦ ، لسان الميزان ٦ : ٢٤٧ ، مجلّة تراثنا ٣٢ : ٩٢ ، الذريعة ٢ : ٣١٧ ، الأعلام ٨ : ١٤١ ، معجم المؤلّفين ١٣ : ١٩١ ، أعلام المؤلّفين الزيديّة : ١١٠٠ ، مؤلّفات الزيديّة ١ : ١٥٣ ، أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) لعبّاس محمّد زيد : ١٠٨ ، الأمالي الخميسيّة : ٣ ، المقدّمة.

١٩٥

محيي الدين حميد بن أحمد بن جعفر بن الحسن بن يحيى.

إلى أن قال : كان من كبار العلماء ، له مشايخ وتلامذة ، وهو والد علي الجامع لشمس الأخبار ، وتخرّج ولده ( رحمه الله ) عليه ، وسمع عنه الحديث ، قال : قرء عليه أمالي المرشد كرّات ، ختم الثالث من السماعات في عام اثنين وثلاثين وستّمائة ، وحميد من تلاميذة القاضي جعفر وصنوه محمّد بن أحمد بن الوليد ، سيأتي ذكره ، وهذا مبني على أنّهما أخوان كما قاله ابن المظفّر ، واشتهر عند العلماء وفي الشجرات ، وقرر السيد العلاّمة الهادي بن إبراهيم وغيره من المتقدّمين ، وبعض شيوخنا المتأخّرين : أنّ حميداً ومحمّداً علمان لرجل واحد ، توفّي حميد المذكور سنة إحدى وعشرين وستّمائة ، وهذا محتاج للتأمّل ، فقد سبق أنّ ولده قرء عليه في اثنين وثلاثين وستّمائة ، يتحقّق ، ولعلّ الغلط في تاريخ سماع ولده ; لأنّ الأمير الناصر لدين الله ابن الإمام المنصور بالله رثاه بقصيدة سنذكرها ، وموت الأمير الناصر في ثلاث وعشرين وستّمائة. ثمّ ذكر القصيدة(١) .

وقال في موضع آخر ـ تحت عنوان محمّد بن أحمد : شيخ الشيعة الحافظ لعلوم آل محمّد ، المحدّث الكبير ، الأصولي شحّاك الملحدين ، أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن علي بن أحمد بن جعفر بن الحسن بن يحيى بن إبراهيم ، إلى أن قال : هو العلاّمة الربّاني ، المجمع على جلالته وفضله ، لم يختلف في ذلك اثنان ، ويعرف بالعبشمي بالعين المهملة ، بعدها باء موحّدة ، بعدها شين معجمة ، بعدها ميم ، ثمّ ياء النسب ، منسوب إلى عبد شمس على الطريقة المعروفة لأهل التصريف ، ولم يكن لهذا العالم نظير ولا مُشاكل في

____________

١ ـ مطلع البدور ٢ : ١٥١.

١٩٦

فضله وعنايته إلاّ مشايخه كابن عبد السلام الأنباري ومن ضاهاه قرب العلوم ، واشتغل بتحصيل كتب الأئمّة ، كما فعل القاضي جعفر.

ثمّ قال : قد صنّف في أخباره وأحواله ولده الشيخ المحدّث علي بن محمّد ـ مصنّف شمس الأخبار ـ ويقال : علي بن حميد ، وذلك لأنّ لمحمّد هذا اسمان كما صحّح ، والله أعلم ، وهو شيخ الإمام المنصور بالله ، وتلميذ الإمام أحمد بن سليمان ، ويعرف أيضاً بالشيخ محيي الدين وفي أعقابه محمّد ابن أحمد بن علي بن محمّد هذا وقد يلتبس ذلك.

ثمّ قال : وذلك في شهر رمضان سنة عشر وستّمائة ، قال : ومبلغ عمره إذ ذاك اثنتان وسبعون سنة ، ثمّ عاش بعد ذلك ، وتوفّي وقت صلاة العشاء الأخيرة من ليلة الثلاثاء لاثنتين أو ثلاث وعشرين من شهر رمضان سنة ثلاث وعشرين وستّمائة(١) .

قال مجد الدين المؤيّد في اللوامع : وأروي بهذا السند النبوي إلى الأمير الناصر للحق الحسين بن محمّد ( عليه السلام ) كتاب شمس الأخبار عن مؤلّفه العلاّمة جمال الدين علي بن حميد ، وحميد هو الشيخ المتقدّم محيي الدين محمّد بن أحمد بن الوليد القرشي رضي الله عنهما(٢) .

الأمالي الخميسيّة :

قال مرتّب الأمالي محمّد بن أحمد بن علي بن الوليد القرشي : وكان ممّا روي عنه ( عليه السلام ) من الأخبار أمالي السيد الإمام المرشد بالله يحيى بن الموفّق بالله

____________

١ ـ مطلع البدور ٤ : ٩٢.

٢ ـ لوامع الأنوار ٢ : ٥٠ ، وانظر في ترجمته أيضاً : مؤلّفات الزيديّة ٢ : ٤٤١ ، الجواهر المضيّة : ٤٣ ، لوامع الأنوار ١ : ٢٩٨ ، ٢ : ٤٤ ، سيرة الإمام شرف الدين ، أعلام المؤلّفين الزيديّة : ٤٠٦.

١٩٧

أبي عبد الله الحسين بن إسماعيل الحسني المعروف بابن الشجري ( رضوان الله عليه ) ، وكان من أعظمها قدراً ، وأجلّها خطراً أماليه ( عليه السلام ) المعروفة بالخميسيّات ، إذ كانت نوبة إملائه لها يوم الخميس في كل أسبوع إلى أن أتى على آخرها ، وهي من محاسن الأخبار ، وأجمعها للفوائد ، وأصحّها أسانيد عند علماء هذا الشأن ، وزيّنها بالغرر والدرر من الأحاديث المرويّة عن أولاد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وكانت مجالس غير منتظمة الفوائد على عادة أمالي الرواة والمحدّثين من المتقدّمين والمتأخّرين ، ( رحمة الله تعالى عليهم أجمعين ) فرأى ذلك سيّدنا القاضي الإمام شمس الدين جمال المسلمين جعفر بن أحمد ابن عبد السلام بن أبي يحيى(١) ( رضوان الله عليه ) فرتّب مجالسها ، ونظّم متجانسها ، وبوّبها أبواباً سبعة وعشرين باباً كاملة الأسانيد ، وأتي في ذلك بما يقتضيه علمه الفائق ونظره الرائق ، وكنت ممّن رغّب فيما عندالله عزّ وجل وما رغّب فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من ذلك ، فرتّبت من هذا الكتاب المذكور أربعين حديثاً من محاسنه في أربعين فنّاً كاملة الأسانيد ، بعد صحّة سماعي لجميع هذا الكتاب المرتّب منه.

ثمّ قال : ثمّ أضفت إلى كل خبر منها ما يليق به ، أو يقرب منه من سائر أخبار هذا الكتاب المذكور ، وقد احتوت على سائرها إلاّ ما سقط سهواً ، غير أنّي حذفت أسانيدها من حيث إنّ سماعها قد صحّ لي في نسخ الأصول(٢) .

نسبها إليه عبد الله بن حمزة ( ت ٦١٤ هـ ) في الشافي ، قال : إسناد أمالي المرشد بالله أبي الحسين يحيى بن الحسين ( عليه السلام ) التي أملاها يوم الخميس ، لأنّ

____________

١ ـ تقدّمت ترجمته عند الحديث عن كتاب أمالي أبي طالب الهاروني.

٢ ـ الأمالي الخميسيّة : ٦ ، كلام مرتّب الأمالي.

١٩٨

له ( عليه السلام ) إملائين ، أحدهما : هذا الكتاب ، والثاني : كتاب الأنوار ، أملاه ( عليه السلام ) يوم الاثنين ، ونحن نذكر سنده بعد هذا إن شاء الله تعالى ، ونحن نروي هذا الكتاب بطريقين أحدهما من جهة الأمير الأجل بدر الدين محمّد بن أحمد بن يحيى بن يحيى بن الناصر بن الهادي إلى الحق ( عليهم السلام ) والثاني من جهة القاضي شمس الدين جعفر بن أحمد بن أبي يحيى ( رضوان الله عليه ) فنقول : أخبرنا الشريف الأمير الأجل السيد الفاضل بدر الدين(١) ، إلى آخر الإسنادين.

ونسبها إليه أيضاً ابن أبي الرجال في مطلع البدور(٢) ، وإبراهيم بن المؤيّد في الطبقات(٣) ، وغيرهم(٤) .

قال مجد الدين المؤيّدي في لوامع الأنوار : أمالي الإمام المرشد بالله يحيى ابن الإمام الموفّق بالله الحسين بن إسماعيل ( عليه السلام ) الخميسيّة لأنّ له أماليين.

ثمّ قال : فأروي كتاب الأمالي المذكور بالسند السابق في إسناد المجموع إلى الإمام الحجّة المنصور بالله عبد الله بن حمزة ( عليه السلام ) قال في الشافي : ونحن نروي هذا الكتاب بطريقين(٥) ، ثمّ ذكر الإسنادين.

وقال أيضاً : واعلم أنّه قد حكم بصحّة الأمالي الخميسيّة العلاّمة عمدة المتكلّمين محيي الدين محمّد بن أحمد القرشي ( رضي الله عنه ).

ثمّ قال : وقد استشهد بتصحيحه الإمام المنصور بالله ربّ العالمين أحمد ابن هاشم ( رضي الله عنه ) ، وقال المولى فخرالإسلام عبد الله بن الإمام في مختصره ـ بعد

____________

١ ـ الشافي ١ : ٥٩.

٢ ـ انظر : مطلع البدور ٢ : ٤٧.

٣ ـ انظر : طبقات الزيديّة ٢ : ٤١٨.

٤ ـ انظر ما قدّمنا ذكره من المصادر في هامش ترجمة المصنّف.

٥ ـ لوامع الأنوار ١ : ٤١٦.

١٩٩

حكاية تصحيح الشيخ ـ : ولعمري أنّ مثل هذا الإمام الربّاني يكفي تصحيحه لرواية تلك الأخبار ، وليت كل سند يكون له مصحّح مثل هذا الإمام.

قلت ـ والله الموفّق للصواب ـ : وينبغي ألا يحمل هذا على عمومه ، وإنّما المقصود الأعمّ الأغلب ، ويخصّ من ذلك الحكم ما عارض المعلوم ، ولم يكن تأويله ، أو علم الجرح بالطريق المعلومة ، أو الصحيحة الراجحة لناقله ، فإنّ المعلوم أنّ ليس قصد الإمام المرشد بالله ( عليه السلام ) إلاّ الرواية لما بلغه الصحيح وغيره من دون التزام للتصحيح ، بل العهدة على المطّلع ، كيف وقد صرّح بجرح بعض الرواة ، ثمّ روى عنهم ، وضعّف بعض الأخبار ، وردّ بعضها ، وروى الردّ على البعض ما أخرج ، وهذا الحمل هو الذي لا ريب فيه عند من له نظر يهديه ، وعلم يقتفيه ، فيكون هذا التصحيح من ذلك الشيخ العالم كافياً فيما سوى ما ذكرنا من الروايات والرواة ، والله الموفّق(١) .

قال عبد السلام الوجيه في أعلام المؤلّفين الزيديّة : الأمالي الخميسيّة ، وهي في مكارم الأخلاق جزآن ، والفضائل وغيرها طبعا في مجلّد بغير تحقيق ، وعرفت بأمالي الشجري ، وهي وسابقتها(٢) من الكتب المعتمدة عند الزيديّة ، ونسختها الخطيّة كثيرة(٣) .

____________

١ ـ لوامع الأنوار ١ : ٤٢٠.

٢ ـ يقصد الأمالي الاثنينيّة.

٣ ـ أعلام المؤلّفين الزيديّة : ١١٠١.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

لأولئك ويمنيهم الأمنيات الطوال العراض ، ولكنه لا يفعل شيئا بالنسبة لهؤلاء غير الإغواء والخداع :( يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً ) (١) .

وبيّنت آخر آية من الآيات الخمس الأخيرة مصير اتباع الشيطان ، بأنّهم ستكون نتيجتهم السكنى في جهنم التي لا يجدون منها مفرا أبدا ، فتقول الآية :( أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً ) (٢) .

* * *

__________________

(١) الغرور يعني في الأصل الأثر الواضح للشيء ، ولكنه يطلق في الغالب على الآثار التي لها ظاهر خادع وباطن كريه ، ويطلق على كل شيء يخدع الإنسان مثل المال والجاه والسلطان التي تبعد الإنسان عن الحق وعن جادة الصواب على أنّه مادة للغرور.

(٢) المحيص مشتق من المصدر «حيص» ويعني العدول والانصراف عن الشيء ، وعلى هذا الأساس فإن المحيص هو وسيلة الانصراف والفرار.

٤٦١

الآية

( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً (١٢٢) )

التّفسير

لقد بيّنت الآيات السابقة أنّ الذين يتخذون الشيطان وليا لهم ، إنّما ينالهم ضرر واضح ومبين ، وأنّ الشيطان يعدهم زيفا وخداعا ويلهيهم بالأمنيات الواهية الخيالية الطويلة العريضة ، وإن وعد الشيطان مكر وخداع لا غير.

أمّا في هذه الآية الأخيرة ـ التي هي موضوع بحثنا الآن ـ فقد بيّنت مقابل أولئك في النهاية أعمال المؤمنين والثواب الذي سينالونه يوم القيامة ، من جنّات وبساتين وأنهار تجري فيها ، حيث تقول الآية :( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ) .

وإنّ هذه النعمة العظيمة دائمة أبدا ، وليست كنعم الدنيا الزائلة ، فالمؤمنون في الجنّة يتمتعون بما أوتوه من خير دائما أبدا ، تؤكّد هذه بعبارة( خالِدِينَ فِيها أَبَداً ) .

وإنّ هذا الوعد وعد صادق وليس كوعود الشيطان الزّائفة ، حيث تقول الآية :

٤٦٢

( وَعْدَ اللهِ حَقًّا ) .

وبديهي أنّ أي فرد لا يستطيع ـ أبدا ـ أن يكون أصدق قولا من الله العزيز القدير في وعوده وفي كلامه ، كما تقول الآية :( وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً ) وطبيعي أنّ عدم الوفاء بالوعد ناتج إمّا عن العجز وإمّا الجهل والحاجة ، والله سبحانه وتعالى منزه عن هذه الصفات.

* * *

٤٦٣

الآيتان

( لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٢٣) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (١٢٤) )

سبب النّزول

جاء في تفسير مجمع البيان ـ وتفاسير أخرى ـ أنّ المسلمين وأهل الكتاب كانوا يتفاخرون بعضهم على بعض ، فكان أهل الكتاب يتباهون بكون نبيّهم قد بعث قبل نبيّ الإسلام وإن كتابهم أسبق من كتاب المسلمين ، بينما كان المسلمون يفتخرون على أهل الكتاب بأنّ نبيّهم هو خاتم الأنبياء وأن كتابه هو آخر الكتب السماوية وأكملها.

وفي رواية أخرى ، نقل أنّ اليهود كانوا يدعون أنّهم هم الشعب المختار ، وأنّ نار جهنم لا تمسّهم إلّا لأيّام معدودات ، كما ورد في سورة البقرة ـ الآية (٨٠)( وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً ) وأن المسلمين كانوا يقولون ، ردّا على كلام اليهود هذا:بأنّهم خير الأمم لأنّ الله قال في شأنهم :( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ

٤٦٤

أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) (١) ولذلك نزلت الآية الأخيرة هذه ودحضت كل تلك الدعاوى وحددت قيمة كل شخص بما يقوم به من أعمال.

التّفسير

امتيازات حقيقية وأخرى زائفة :

لقد بيّنت هذه الآية واحدا من أهم أعمدة أو أركان الإسلام ، هو أنّ القيمة الوجودية لأي إنسان وما يناله من ثواب أو عقاب ، لا تمت بصلة إلى دعاوى وأمنيات هذا الإنسان مطلقا ، بل أن تلك القيمة ترتبط بشكل وثيق بعمل الإنسان وإيمانه وأنّ هذا مبدأ ثابت ، وسنّة غير قابلة للتغيير ، وقانون تتساوى الأمم جميعها أمامه ، ولذلك تقول الآية في بدايتها :( لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ ) وتستطرد فتقول :( مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً ) .

وكذلك الذين يعلمون الخير ، ويتمتعون بالإيمان ، سواء أكانوا من الرجال أو النساء ـ فإنّهم يدخلون الجنّة ولا يصيبهم أقل ظلم أبدا ، حيث تقول الآية :( وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً ) (٢) .

وبهذه الصورة يعمد القرآن إلى نبذ كل العصبيات بكل بساطة ، معتبرا الاعتبارات والارتباطات المصطنعة الخيالية والاجتماعية والعرقية وأمثالها خاوية من كل قيمة إذا قيست برسالة دينية ، ويعتبر الإيمان بمبادئ الرسالة والعمل بأحكامها هو الأساس.

وفي تفسير الآية الأولى من الآيتين الأخيرتين حديث نقلته مصادر الشيعة

__________________

(١) آل عمران ، ١١٠.

(٢) لقد أوضحنا المراد من عبارة «نقير» في تفسير الاية ٥٣ من نفس هذه السورة.

٤٦٥

والسنّة ، مفاده أنّ المسلمين حين نزلت هذه الآية استولى عليهم الرعب وأخذوا يبكون خوف ، لمعرفتهم بأنّ الإنسان معرض للخطأ ويحتمل كثيرا صدور ذنوب منه ، فلو فرض عدم وجود عفو أو غفران وأن يؤاخذ كل إنسان بجريرته ، فإنّ الأمر سيكون في غاية الصعوبة ، لذلك لجؤوا إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فذكروا له أن هذه الآية قد أفقدتهم كل أمل ، فأقسم النّبي لهم بالله أنّه ما جاءت به الآية هو الصحيح ، ولكنه بشّرهم بأنّها ستكون خير محفز لهم للتقرب إلى الله والقيام بالأعمال الصالحة ، وإنّ ما سيصيبهم من محن ومصائب وآلام حتى لو كانت من وخز شوكة سيكون كفارة لذنوبهم(١) .

سؤال :

من الممكن أن يستدل البعض من الجملة القرآنية التالية :( وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً ) على أنّ قضية الشفاعة ونظائرها قد ألغيت بهذه الآية بصورة تامّة،فيعتبرونها دليلا لإلغاء الشفاعة بصورة مطلقة.

الجواب :

لقد أشرنا سابقا إلى أن الشفاعة لا تعني أنّ الشفعاء من أمثال الأنبياء والأئمة والصالحين لهم جهاز أو تنظيم مستقل يقابل قدرة الله ، بل الصحيح هو أنّ الشفعاء لا يشفعون لأحد إلّا بإذن الله ، وعلى هذا الأساس فإنّ مثل هذه الشفاعة ستعود في النهاية إلى الله وتعتبر فرعا من ولاية ونصرة وعون الله.

* * *

__________________

(١) نور الثقلين ، الجزء الأوّل ، ص ٥٥٣.

٤٦٦

الآيتان

( وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً (١٢٥) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً(١٢٦) )

التّفسير

لقد تحدثت الآيات السابقة عن أثر الإيمان والعمل ، كما بيّنت أن اتّباع أي مذهب أو شريعة غير شرع الله لا يغني عن الإنسان شيئا ، والآية الحاضرة تداركت كل وهم قد يطرأ على الذهن من سياق الآيات السابقة ، فأوضحت أفضلية شريعة الإسلام وتفوقها على سائر الشرائع الموجودة ، حيث قالت( وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً ) .

ومع أنّ هذه الآية قد جاءت بصيغة الاستفهام ، إلّا أنّها تهدف إلى كسب الاعتراف من السامع بالحقيقة التي أوضحتها.

لقد بيّنت الآية ـ موضوع البحث ـ أمورا ثلاثة تكون مقياسا للتفاضل بين الشرائع وبيانا لخيرها :

١ ـ الاستسلام والخضوع المطلق لله العزيز القدير ، حيث تقول الآية :( أَسْلَمَ

٤٦٧

وَجْهَهُ لِلَّهِ ) (١) .

٢ ـ فعل الخير ، كما تقول الآية :( وَهُوَ مُحْسِنٌ ) والمقصود بفعل الخير ـ هنا ـ كل خير يفعله الإنسان بقلبه أو لسانه أو عمله ، وفي حديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكره صاحب تفسير الثقلين في تفسيره للآية ـ هذه ـ وهو جواب لمن سأل النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحديد معنى الإحسان،فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك».

فالإحسان في هذه الآية هو كل عمل ينجزه الإنسان ويقصد به التعبد لله والتقرب إليه ، وأن يكون الإنسان لدى إنجازه لهذا العمل قد جعل الله نصب عينيه ، وكأنّه يراه ، فإن كان هو يعجز عن رؤية الله فإن الله يراه ويشهد على أعماله.

٣ ـ إتّباع شريعة إبراهيم النقية الخالصة ، كما في الآية :( وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً ) (٢) .

ودليل الاعتماد على شريعة إبراهيم ما ذكرته الآية نفسها في آخرها : إذ تقول:( وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً ) .

ما هو معنى الخليل؟

إنّ كلمة «خليل» قد تكون مشتقة من المصدر «خلّة» على وزن «حجّة» الذي يعني الصداقة ، وقد يكون اشتقاقها من المصدر «خلة» على وزن «ضربة» بمعنى الحاجة.

__________________

(١) الوجه في اللغة هو مقدمة الرأس ، أو ذلك الجزء من البدن الذي يشمل الجبهة والعينين والأنف والفم والجبين، ولما كان الوجه بمثابة مرآة لروح الإنسان وقلبه ، وفيه الحواس التي تربط باطن الإنسان بالعالم الخارجي،لذلك جاء في الآية التعبير عنه بذات الإنسان ونفسه.

(٢) إنّ عبارة «ملّة» الواردة في الآية أعلاه تعني «الشريعة أو الدين» والفرق بين الملّة والدين أن الأولى لا تنسب إلى الله ، أي لا يقال «ملّة الله» ويمكن أن تضاف إلى النّبي بينما كلمة الدين أو الشريعة يمكن أي يضافا إلى لفظ الجلالة فيقال : «دين الله» أو «شريعة الله» كما يمكن إضافتهما إلى النّبي أيضا ، وعبارة «حنيف» تعني الشخص الذي يترك الأديان الباطلة ويتبع دين الحق.

٤٦٨

وقد اختلف المفسّرون في أي المعنيين أقرب إلى مفهوم الآية موضوع البحث.

فرأى البعض منهم أنّ المعنى الثّاني أقرب لحقيقة هذه الآية ، لأنّ إبراهيمعليه‌السلام كان يؤمن بأنّه محتاج إلى الله في كل شؤونه بدون استثناء ، ولكن مفسّرين آخرين يرون أنّه ما دامت الآية تتحدث عن منزلة وهبها الله لنبيه إبراهيم فالمقصود بكلمة «الخليل» الواردة هو «الصديق» لأننا لو قلنا أنّ الله قد انتخب إبراهيم صديقا له ، يكون أقرب كثيرا إلى الذهن من قولنا أن الله انتخب إبراهيم ليكون محتاجا إليه. لأنّ الحاجة إلى الله لا تقتصر على إبراهيم وحده ، بل يشاركه ويساويه فيها جميع المخلوقات ، فالكل محتاجون إلى الله دون استثناء،وكان تقول الآية (١٥) من سورة فاطر :( يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ ) وهذا على عكس الصداقة والخلّة مع الله التي لا يتساوى فيها كل المخلوقات.

وفي رواية عن الإمام الصّادقعليه‌السلام أنّه قال : «أنّه (الله) إنّما اتّخذ إبراهيم خليلا لطاعته ومسارعته إلى رضاه لا لحاجة منه سبحانه إلى خلته» وتدل هذه الرواية(١) أيضا بأن عبارة «خليل» الواردة في الآية المذكورة إنّما تعني الصديق ولا تعني غيره.

وعلى هذا الأساس لنرى ما الذي امتاز به إبراهيم لينال هذه المنزلة العظيمة من الله،لقد ذكرت الروايات الواردة في هذا المجال عللا مختلفة تكون بمجملها دليلا لهذا الانتخاب ، ومن هذه الروايات قول الإمام الصّادقعليه‌السلام «إنّما اتّخذ الله إبراهيم خليلا لأنّه لم يرد أحدا ولم يسأل أحدا غير الله»(٢) .

وتفيد روايات أخرى أن إبراهيم قد حاز هذه الدرجة لكثرة سجوده لله ، وإطعامه للجياع وإقامة صلاة الليل ، أو لسعيه في طريق مرضاة الله وطاعته.

__________________

(١) مجمع البيان في هامش الآية الشريفة.

(٢) عيون أخبار الرضا ، وتفسير الصافي في هامش الآية المذكورة وفي تفسير البرهان الجزء الأوّل ، ص ٤١٧.

٤٦٩

بعد ذلك تتحدث الآية التالية بملكية الله والمطلقة وإحاطته بجميع الأشياء ، حيث تقول :( وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً ) وهذه إشارة إلى أنّ الله حين انتخب إبراهيم خليلا له ، ليس من أجل الحاجة إلى إبراهيم فالله منزّه عن الاحتياج لأحد ، بل أن هذا الإختيار قد تمّ لما لإبراهيم من صفات وخصال وسجايا طيبة بارزة لم توجد في غيره.

* * *

٤٧٠

الآية

( وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللاَّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِهِ عَلِيماً (١٢٧) )

التّفسير

عود على حقوق المرأة :

تجيب الآية الأخيرة هذه على أسئلة وردت حول النساء من قبل المسلمينوبالأخص حول اليتامى منهنّ) فتخاطب النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتبيّن له أنّ الله هو الذي يفتي في الأسئلة التي وجهت إليك يا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حول الأحكام الخاصّة بحقوق النساء ، فتقول :( وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ ).

وتضيف الآية إنّ ما ورد في القرآن الكريم حول الفتيات اليتامى اللواتي كنتم تتصرفون في أموالهنّ ، ولم تكونوا لتتزوجوا بهنّ ، ولم تدفعوا أموالهنّ إليهنّ لكي يتزوجن من آخرين، فإنّه يجيب على قسم آخر من اسئلتكم ويبيّن لكم قبح ما كنتم تعلمون من ظلم بحق هؤلاء النسوة ،( وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى

٤٧١

النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ ). (١) .

ثمّ توصي الآية الكريمة بالأولاد الذكور الصغار الذين كانوا يحرمون من الإرث وفق التقاليد الجاهلية ، فتؤكد ضرورة رعاية حقوقهم ، حيث تقول :( وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ ) .

كما تعود الآية فتكرر التأكيد على حقوق اليتامى ، فتذكر أن الله يوصيكم في أن تراعوا العدالة في تعاملكم مع اليتامى :( وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ ) .

وفي الختام تجلب الآية الانتباه إلى أن أي عمل خير يصدر منكم وبالأخص إذا كان في حق اليتامى والمستضعفين ـ فإنّه لا يخفى على الله ـ وإنّكم ستنالون أجر ذلك في النهاية ، حيث تقول الآية :( وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِهِ عَلِيماً ) .

هذا ويجب الالتفات إلى أنّ عبارة( يَسْتَفْتُونَكَ ) مشتقة من المصدر «فتوى» أو «فتيا» ومعناها الإجابة على كل سؤال معضل ، ولما كانت هذه الكلمة تعود في الأصل إلى كلمة «فتى» أي الشاب اليافع ، فمن الممكن أن الفتوى كانت تستخدم للتعبير عن الإجابة على الأسئلة المستحدثة ، وبعد ذلك أصبحت تطلق بصورة شاملة على كل أنواع الأجوبة الخاصّة بالمسائل المنتخبة.

* * *

__________________

(١) بناء على التّفسير الذي أوردناه بشأن الآية أعلاه يتبيّن لنا أنّ عبارة «ما يتلى» مبتدأ وخبرها جملة «يفتيكم فيهنّ» التي حذفت للقرينة الموجودة في القسم السابق من الآية. كما أنّ عبارة «ترغبون» هنا تعني عدم الميل والرغبة ، حيث تشير القرائن إلى تقدير «عن» بعد عبارة «ترغبون» في هذه الآية والفرق بين «رغب عنه» و «رغب فيه» واضح.

٤٧٢

الآية

( وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١٢٨) )

سبب النّزول

لقد ورد في الكثير من كتب التّفسير والحديث ، في سبب نزول هذه الآية ، أنّه كان في زمن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شخص يدعى «رافع بن خديج» وكانت له زوجتان ، إحداهما كبيرة السن عجوز ، والأخرى شابة ، فطلق «رافع» زوجته العجوز (اثر خلافات بينهما) لكنه ـ قبل أي تنتهي عدّتها ـ عرض عليها الصلح مشترطا عليها أن لا تضجر إذا قدم عليها زوجته الشابة ، أو أن تصبر حتى تنتهي عدتها فيتم الفصل والفراق بينهما ، فقلبت زوجته العجوز الشرط أو الاقتراح الأوّل ، فاصطلحا ، فنزلت هذه الآية الكريمة مبيّنة حكم هذا العمل.

٤٧٣

التّفسير

الصّلح خير :

لقد قلنا سابقا ـ في هامش الآيتين (٣٤ و ٣٥) من نفس سورة النساء ـ إنّ كلمة «نشوز» مشتقة من المصدر «نشز» بمعنى «الأرض المرتفعة» وحين تستخدم هذه العابرة في شأن الرجل والمرأة تعني ذلك «التكبر» و «الطغيان».

وقد بيّنت الآيات السابقة حكم نشوز المرأة ، وفي هذه الآية إشارة لنشوز الرجل فالآية تتحدث عن المرأة إذا أحست من زوجها التكبر والإعراض عنها ، وتبيّن أن لا مانع من أن تتنازل عن بعض حقوقها ، وتتصالح مع زوجها ، من أجل حماية العلاقة الزوجية من التصدع ، فتقول :( وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً ) .

ولمّا كانت المرأة تتنازل عن بعض حقوقها طوعا وعن طيب خاطر ومن غير إكراه فلا ذنب في هذا العمل ، حيث عبّرت الآية عن ذلك بعبارة «فلا جناح» أي لا ذنب،للدلالة على الحقيقة المذكورة.

وعند النظر إلى سبب نزول الآية ، نستخلص منها مسألتين فقهيتين :

الأولى : إنّ حكما مثل تقسيم أيّام الأسبوع بين الزوجات ، له طابع الحق أكثر من طابع الحكم ، ولذلك فبإمكان المرأة التخلي عن هذا الحق بشكل تام إذا شاءت أو بصورة جزئية.

والمسألة الثّانية : إنّ التراضي والتصالح لا يشترط أن يكون بالمال ، بل يصح أن يكون بالتنازل عن حق من الحقوق.

بعد ذلك تؤكد الآية على أنّ الصلح خير وأحسن ، حيث تقول :( وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ) وهذه الجملة الصغيرة مع أنّها جاءت في مجال الخلافات العائلية ، لكنها تبيّن قانونا كليا عاما شاملا ، وتؤكد أنّ الصلح هو المبدأ الأوّل في كل المجالات ، وأنّ الخلاف والنزاع والصراع والفراق ليس له وجود في الطبع والفطرة الإنسانية السليمة ، ولذلك فلا تسوغ هذه الفطرة التوسل بالنزاع وما يجري مجراه إلّا في

٤٧٤

الحالات الاستثنائية الطارئة.

وهذا الأمر على عكس ما يصوّره الماديون من أنّ الصراع من أجل البقاء هو الأصل في حياة الموجودات الحيّة ، ويزعمون أن التكامل يحصل من خلال هذا الصراع.

وقد كان هذا النوع من التفكير سببا في بروز الكثير من النزاعات الدّموية والحروب في القرون الأخيرة ، لكن الإنسان لا يقاس بالحيوانات الأخرى المفترسة بسبب ما يملكه من عقل وإحساس ، وإنّ تكامله يتمّ في ظل التعاون وليس في ظل النزاع ، ومن حيث المبدأ فإن الصراع من أجل البقاء حتى في الحيوانات لا يعتبر مبدأ مقبولا للتكامل(١) .

وتشير الآية بعد ذلك مباشرة إلى أنّ الإنسان بسبب غريزة حبّ الذات التي يمتلكها تحيط به أمواج البخل ، بحيث أنّ كل إنسان يسعى إلى نيل حقوقه دون التنازل عن أقل شيء منها ، وهذا هو سبب ومنبع النزاع والصراع ، تقول الآية :( وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَ ) .

ولذلك فلو أحسّ كلّ من الزوجين بأنّ البخل هو منبع الكثير من الخلاف وأدركوا حقيقة البخل وأنّه من الصفات القبيحة ، وسعوا لإصلاح ذات بينهم وأبدوا العفو والصفح،فسوف لا يؤدي هذا إلى زوال الخلاف والنزاع العائلي فحسب ، بل سيؤدي أيضا إلى إنهاء الكثير من الصراعات الاجتماعية.

ولكي لا يسيء الرجال استغلال هذا الحكم الوارد في الآية ، وجه الخطاب إليهم في نهايتها ودعوا إلى فعل الخير والتزام التقوى ، ونبهوا إلى أنّ الله يراقب أعمالهم دائما فليحذروا الانحراف عن جادة الحق والصواب ، تقول الآية في هذا المجال :( وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً ) .

* * *

__________________

(١) من أجل معرفة تفاصيل أكثر حول هذا الموضوع راجع الجزء الثّاني من هذا التّفسير في فصل «الصراع من أجل البقاء».

٤٧٥

الآيتان

( وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (١٢٩) وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَكانَ اللهُ واسِعاً حَكِيماً (١٣٠) )

التّفسير

العدالة شرط في تعدد الزّوجات :

نستنتج من الجملة التي وردت في نهاية الآية السابقة ـ التي تمّ البحث عنها والتي دعت الرجال إلى فعل الخير والتزام التقوى ـ إنّها تعتبر نوعا من التهديد للأزواج من الرجال،بأن يراقبوا حالهم ولا ينحرفوا قيد شعرة عن جادة الحق والعدالة لدى التعامل مع زوجاتهم.

وقد يرد اعتراض وهو : إنّ تحقيق العدالة في مجال الحبّ والعلاقات القلبية أمر بعيد المنال ، فكيف يمكن إذن والحالة هذه اتباع العدل مع الزوجات؟

وردا على الاعتراض المذكور توضح الآية (١٢٩) من سورة النساء ، بأنّ تحقيق العدالة في مجال الحبّ بين الزوجات أمر غير ممكن ، مهما بذل الإنسان من سعي في هذا المجال فتقول الآية :( وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ

٤٧٦

حَرَصْتُمْ ) ويتبيّن من عبارة( وَلَوْ حَرَصْتُمْ ) هذه وجود أشخاص بين المسلمين كانوا يسعون كثيرا لتحقيق تلك العدالة المطلوبة ، ولعل سعيهم ذلك كان من أجل الحكم المطلق الذي طالب المسلمين باتّباع العدل من زوجاتهم والذي ورد في الآية الثّالثة من سورة النساء،التي تقول :( ... فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً ) .

بديهي أنّ أي حكم سماوي لا يمكن أن ينزل على خلاف فطرة البشر ، كما لا يمكن أن يكون تكليفا بما لا يطاق ، ولمّا كانت العلاقات القلبية تنتج عن عوامل يكون بعضها خارجا عن إرادة الإنسان ، لم يحكم الله بتحقيق العدالة في مجال الحبّ القلبي بين الزوجات،أمّا فيما يخص الأعمال وأسلوب التعامل ورعاية الحقوق بين الأزواج ممّا يمكن للإنسان تحقيقه ، فقد تمّ التأكيد على تحقيق العدالة فيه.

ولكي لا يسيء الرجال استغلال هذا الحكم ، طالبت الآية الرجال بأن لا يظهروا الميل الكامل لإحدى الزوجات إذا تعسر عليهم تحقيق المساواة في حبّهم لهنّ جميعا ، كي لا يضيع حق الأخريات ولا يحرن في أمرهنّ ما ذا يفعلن! حيث تقول الآية :( فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ ).

وتحذر الآية في آخرها أولئك الذين يجحفون في حقّ زوجاتهم ، وتطالبهم بأن يتبعوا طريق الإصلاح والتقوى ، ويعرضوا عمّا فات في الماضي ، كي يشملهم الله برحمته وعفوه،فتقول الآية :( وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً ).

لقد وردت روايات اشتملت على مواضيع تخص مسألة تحقيق العدالة بين الزّوجات،وتبيّن عظمة هذا الحكم والقانون الإسلامي.

من هذه الروايات ما روي عن علي بن أبي طالب أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه كان له امرأتان ، فكان إذا كان يوم واحدة لا يتوضأ في بيت الاخرى»(١) .

__________________

(١) تفسير التبيان ، الجزء الثّالث ، ص ٣٥٠.

٤٧٧

وروي عن جعفر بن محمّد عن أبيه عنءابائهعليهم‌السلام «أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقسم بين نسائه في مرضه ، فيطاف به بينهن».(١)

وكان معاذ بن جبل له امرأتان ماتتا في الطاعون أقرع بينهما أيّهما تدفن قبل الاخرى؟(٢) أي أيّهما يقدم أوّلا في الدفن لكي يتجنب ما من شأنه أن يخدش العدل المفروض اتباعه بين الزوجات.

جواب على سؤال ضروري :

كنّا قد نوّهنا ـ في هامش الآية (٣) من نفس هذه السورة ـ بأنّ بعضا ممن ليس لهم علم استنتجوا ـ من ضم تلك الآية إلى هذه الآية ـ أن تعدد الزوجات مشروط بتحقيق العدالة بينهنّ ، وأنّه لمّا كان تحقيق العدالة أمرا غير ممكن ، فلذلك قالوا بأنّ الإسلام قد منع تعدد الزوجات.

ويفهم من الروايات الإسلامية أنّ أوّل من طرح هذا الرأي هو «ابن أبي العوجاء» وكان من أصحاب المذهب المادي ، ومن المعاصرين للإمام الصّادقعليه‌السلام ، وجاء طرحه لرأيه هذا في نقاش له مع المفكر الإسلامي المجاهد «هشام بن الحكم» فلما أعيى «هشاما» الجواب توجه من بلدته الكوفة إلى المدينة المنورة «لمعرفة الجواب» فقدم على الإمام الصّادقعليه‌السلام فتعجب الإمام من مقدمه قبل حلول موسم الحج أم العمرة ، ولكن هشاما أخبر الإمام بسؤال ابن أبي العوجاء ، فكان جواب الإمام الصّادقعليه‌السلام على السؤال هو أنّ المقصود بالعدالة الواردة في الآية الثّالثة من سورة النساء ، هي العدالة في النفقة (وضرورة رعاية الحقوق الزوجية وأسلوب التعامل مع الزوجة) أمّا العدالة الواردة في الآية (١٢٩) من نفس السورة (والتي اعتبر تحقيقها أمرا مستحيلا) فالمقصود بها العدالة في

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) المصدر السابق.

٤٧٨

الميول القلبية ، (وعلى هذا الأساس فإن تعدد الزوجات ليس ممنوعا ولا مستحيلا إذا روعيت فيه الشروط الإسلامية) ، فلما رجع هشام بالجواب إلى ابن أبي العوجاء حلف هذا الأخير أن هذا الجواب ليس من عندك.

ومعلوم أنّ تفسيرنا لكلمتي العدالة ـ الواردتين في الآية الثّالثة والآية (١٢٩) من سورة النساء ـ بمعنين يختلف أحدهما عن الآخر ، إنّما هو للقرينة الواضحة الواردة مع كل من الآيتين المذكورتين ، لأنّ الآية الأخيرة تأمر الإنسان أن لا يميل ميلا شديدا لإحدى زوجاته ويترك الأخريات في الحيرة من شأنهنّ ، ولهذا فهي تدل على جواز تعدد الزوجات مع اشتراط أن لا يحصل إجحاف بحق إحداهنّ لحساب الأخرى ، مع الإذعان باستحالة تحقق المساواة في الحب القلبي لكلا الزوجتين ، أمّا في الآية الثّالثة من سورة النساء فقد ورد التصريح في أوّلها بجواز تعدد الزوجات.

أمّا الآية الثانية من الآيتين الأخيرتين ، فهي تشير إلى هذه الحقيقة ، وهي أنّه لو استحال مواصلة الحياة الزوجية للطرفين ـ الزوج والزوجة ـ واستحال الإصلاح بينهما،فإنّهما ـ والحالة هذه ـ غير مرغمين على الاستمرار في مثل هذه الحياة المرّة الكريهة،بل يستطيعان أن ينفصلا عن بعضهما وعليهما اتخاذ موقف شجاع وحاسم في هذا المجال دون خوف أو رهبة من المستقبل ، لأنّهما لو انفصلا في مثل تلك الحالة فإن الله العليم الحكيم سيغنيهما من فضله ورحمته ، فلا يعدمان الأمل في حياة مستقبلية أفضل ، فتقول الآية الكريمة في هذا المجال :( وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكانَ اللهُ واسِعاً حَكِيماً ) .

* * *

٤٧٩

الآيات

( وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللهُ غَنِيًّا حَمِيداً (١٣١) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً (١٣٢) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكانَ اللهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً (١٣٣) مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَكانَ اللهُ سَمِيعاً بَصِيراً (١٣٤) )

التّفسير

لقد أوضحت الآية السابقة أن إذا اقتضت الضرورة لزوجين أن ينفصلا عن بعضهما دون أن يجدا حلا بديلا عن الانفصال فلا مانع من ذلك ، وليس عليهما أن يخافا من حياة المستقبل ، لأن الله سيشملهما بكرمه وفضله ، ويزيل احتياجاتهما برحمته وبركته.

أمّا في الآية ـ موضوع البحث ـ فإنّ الله يؤكّد قدرته على إزالة ورفع تلك الاحتياجات،لأنّه مالك ما في السموات وما في الأرض( وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ) وإنّ من يملك ملكا لا نهاية له كهذا الملك ، ويملك قدرة لا نفاذ

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710