الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٣

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل8%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 710

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 710 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 179315 / تحميل: 6444
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

فابتدائي يقول وهو من السكرة بالهمّ طافح ليس يصحو

لم تغرّبتَ قلت قال رسول الله والقول منه نصح ونجح

سافروا تغنموا فقال وقد قال تمام الحديث صوموا تصحوا(1)

ونسبها السيد الأمين في الأعيان ج 53/80 لأبي الفرج ابن القاضي أبي الحصين علي بن عبد الملك الرقي، نقلاً عن الثعالبي في تتمة اليتيمة ما نصه: أبو الفرج ابن أبي الحصين الحلبي من أظرف الناس وأحلاهم أدباً، وابوه الذي كاتبه ابو فراس وساجله ومدحه السري وأخذ جائزته ولم أسمع لأبي الفرج أصلح من قوله فيمن أبى أن يضيفه ( الأبيات )، ومن شعره:

آل النبي هم النبي وإنما

بالوحي فرّق بينهم فتفرقوا

أبت الإمامة ان تليق بغيرهم

ان الإمامة بالرسالة أليق

وله من قصيدة في أهل البيتعليهم‌السلام :

هي دار الغرور قصّر باللوام

فيها تطاول العشاق

وأراها لا تستقيم لذي الزهد

إذا المال مال بالاعناق

فلهذا أبناء أحمد أبناء

علي طرايد الآفاق

فقراء الحجاز بعد الغنى الأكبر

أسرى الشئام قتلى العراق

جانبتهم جوانب الأرض حتى

خلت ان السماء ذات انطباق

إن اقصّر بآل أحمد أو اغرق

كان التقصير كالاغراق

لست في وصفكم بهذا وهذا

لاحقاً غير أن تروا إلحاقي

ان أهل السما فيكم وأهل

الأرض ما دامتا لأهل افتراق

عرفت فضلكم ملائكة الله

فدانت وقومكم في شقاق

___________

1 - ويرويها العلامة الشيخ محمد رضا الشبيبي للشاعر عبد المحسن الصوري وانه عملها في اخيه عبد الصمد، كذا في مقال كتبه في مجلة العرفان م 32/20.

٣٤١

يستحقون حقكم زعموا ذلك

- سحقاً - لهم من استحقاق

وأرى بعضهم يبايع بعضاً

بانتظام من ظلمكم واتساق

واستثارو السيوف فيكم فقمنا

نستثير الأقلام في الأوراق

أي عين لولا القيامة والمرجوّ

فيها من قدرة الخلاق

فكأني بهم يودون لو أن

الخوالي من الليالي البواقي

ليتوبوا إذا يُذادون عن أكرم

حوض عليه اكرم ساق

وإذا ما التقوا تقاسمت النار

علياً بالعدل يوم التلاق

قيل هذا بما كفرتم فذوقوا

ما كسبتم يا بؤس ذاك المذاق

توفي يوم الأحد تاسع شوال سنة 419 عن ثمانين من العمر، وترجم له في أمل الآمل مفصلاً.

٣٤٢

فارس بن محمد بن عنان

المتوفى 437

بمحمد وبحب آل محمد

علقت وسائل فارس بن محمد

يا آل احمد يا مصابيح الدجى

ومنار منهاج السبيل الأقصد

لكم الحطيم وزمزم ولكم منى

وبكم إلى سبل الهداية نهتدي

يا زائراً ارض الغري مسدداً

سلّم سلمتَ على الإمام السيد

بلّغ أمير المؤمنين تحيتي

واذكر له حُبّي وصدق توددي

وزر الحسين بكربلاء وقل له

يا بن الوصي ويا سلالة أحمد

قتلوك وانتهكوا حريمك عنوة

ورموك بالأمر الفظيع الأنكد

لو أنني شاهدت نصرك اولاً

روّيتُ منهم ذابلي ومهندي

مني السلام عليك يا بن المصطفى

أبداً يروح مع الزمان ويغتدي

وعلى أبيك وجدّك المختار والثاوين

منكم في بقيع الغرقد

وبأرض بغداد على موسى وفي

طوس على ذاك الرضاء المفرد

وبسرّ من را والسلام على الهدى

وعلى التقى وعلى العلى والسؤدد

بالعسكريين اعتصامي من لظى

وبقائم من آل أحمد في غد

إن ابن عنان بكم كبت العدى

وعلا بحبكم رقاب الحسّدِ

فلان تأخر جسمه لضرورة

فالقلب منه مخيّم بالمشهد

إني سعدتُ بحبكم أبداً ومن

يحببكم يا آل أحمد يسعد(1)

__________________

1 - عن الطليعة من شعراء الشيعة مخطوط الشيخ محمد السماوي ج 2/50.

٣٤٣

الأمير حسام الدولة أبو الشوك فارس بن محمد بن عنان توفي سنة 437 ه‍. بقلعة السيروان ذكره في الكامل، وفي تاريخ آل سلجوق توفي في شهر رمضان من السنة المذكورة، وذكره ابن شهر اشوب في معالم العلماء في شعراء أهل البيت المجاهرين. قال الشيخ السماوي في ( الطليعة ) مالك الجبل من الدينور وقرميسين وغيرهما. كان أميراً فارساً أديباً شاعراً مادحاً للأئمةعليهم‌السلام ممدحاً لمن سواهم من الانام. وفي تاريخ ابن الأثير: في سنة 342 ه‍. أرسل الخليفة المطيع رسلاً إلى خراسان للاصلاح بين نوح بن أحمد الساماني صاحب خراسان وركن الدولة بن بويه فلما وصلوا حلوان خرج عليهم ابن أبي الشوك الكردي وقومه فنهبوهم وقافلتهم وأسروهم ثم أطلقوهم فارسل معز الدولة عسكراً إلى حلوان فأوقع بالأكراد. انتهى.

٣٤٤

الشيخ صالح الحريري

المتوفى 1305

قال من قصيدة حسينية:

ألا إن رزء أودع القلب غلة

مدى الدهر في إيقادها ليس تنقع

وأضحت به جمّ الخطوب كأنها

ليال بها وجه البسيطة أسفع

غداة بها آل النبي بكربلا

تجاذبها أيدي المنون وتسرع

بيوم غدا زند الأسنة وارياً

ضراماً به يصلى الكميّ السميدع

إذ البيض في ليل القتام كواكب

تغيب بهامات الرجال وتطلع

تقيم فروض الحرب في سبط أحمد

فتسجد فيه البيض والسمر تركع

إلى أن هوى فوق الصعيد مزملاً

تروح عليه العاديات وترجع

صالح بن محمد الجواد الحريري البغدادي الشهير بالشيخ صالح الحريري، كان أديباً ملماً ببعض العلوم الآلية، يتحرف بصناعة الأدب وكان شاعراً متوسط الطبقة ينزل بغداد والكاظميين فمن شعره قوله:

قد جلونا من الكؤوس عروسا

فتجلّت على الأكف شموسا

واستحالت بأن تراها عيون

بعيان لو لم تحلّ الكؤوسا

فاذا ذاق عاشق من طلاها

تركته لم يدرك المحسوسا

٣٤٥

وقوله:

كل يوم لك رزق

أي فرخ لا يزق

فلكم من قبل عاشت

أمم شتى وخلق

مرّت الدنيا عليهم

مثلما قد مرّ برق

فوّض الأمر إلى من

هو بالأمر أحق

ان تكن للصبر رقّاً

فبه للرقّ عتق

أي يوم قد تقضى

ليس فيه لك رزق

فأرض فيما أنت فيه

انت مملوك ورق

ولقد يكفيك مما

ملكت يمناك مذق

فدع الحرص فإن

الحرص عصيان وفسق

سوف تاتيتك المنايا

بغتة فالموت حق

أيها المغرور رفقاً

ليس بعد اليوم رفق

إنما الشوكة تُدميك

كما يؤذيك بق

لك في أنفك يوماً

من تراب الأرض نشق

هذه الدنيا لعمري

للورى فتق ورتق

إن صفا للعيش كأس

فصفاء الكأس رنق

إنما الدنيا كبابٍ

فيه للافات طرق

فدع الباطل فيها

كم به قد دق عنق

واجتنب صحبة من في

طبعه للغدر عرق

واغتنم فرصة يوم

رب يوم فيه رهق

كل آن في البرايا

لسهام الموت رشق

ان خير الناس فضلاً

مَن له في الخير سبق

كن بدنياك صموتاً

آفة الانسان نطق

حلية الانسان فيها

عفة منه وصدق

وقصارى الخلق يوماً

لهم لحد يشق

٣٤٦

ومن شعره قوله:

ولايتي لأمير النحل تكفيني

عند الممات وتغسيلي وتكفيني

وطينتي عجنت من قبل تكويني

بحبّ حيدر كيف النار تكويني

توفي سنة الف وثلثمائة وخمس ببغداد ونقل إلى النجف فدفن بها ورثاه بعض الشعراء رحمه الله وكان مولده سنة 1265 ه‍. ولم تزل اسرته معروفة ببغداد تتعاطى التجارة وتعرف ب‍ ( آل الحريري )، وقد ترجمه العلامة السماوي في ( الطليعة ).

٣٤٧

لطف الله العاملي

المتوفى 1035

أهلال شهر العشر مالك كاسفاً

حتى كأنك قد كسبت حدادا

أفهل علمت بقتل سبط محمد

فلبست من حزن عليه سوادا

وأنا الغريب ببلدة قد صيرت

أيام حزن المصطفى أعيادا

فليبلغ الأعداء عني حالة

ترضي العداة وتشمت الحسادا

أألمّ شمل الصبر بعد عصابة

راحوا فرحن المكرمات بدادا

سبقوا الانام فضائلاً وفواضلا

ومآثراً ومفاخراً وسدادا

من كل وتر إن يسل حسامه

راحت جموع عداته آحادا

وأخي ندى إن سال فيض بنانه

غمر الزمان مفاوزاً ونجادا

فهم الأكاثر في المعالي عدة

بين الورى وهم الأقل عدادا

لطف الله بن عبد الكريم بن ابراهيم بن علي بن عبد العالي العاملي الميسي الأصفهاني. قال السماوي في ( الطليعة ): كان فاضلاً جامعاً ومصنفاً أديباً بارعاً وكان معتمداً عند الشيخ بهاء الدين العامليرحمه‌الله في الفتوى، وكان حسن التصنيف وحسن الشعر، وله في الأئمة شعر عثرت له على عدة قصائد في الأئمةعليهم‌السلام في مجاميع وفي كنز الأديب فمن شعره قوله في حسينية:

أهلال شهر العشر مالك كاسفاً

حتى كأنك قد كسبت حدادا

٣٤٨

وهذه الأبيات قالها في سفر له إلى بعض الجهات.

توفى رحمه الله سنة الف وخمس وثلاثين كما ذكره في ( الروضات ) على ما استظهره من تاريخ فارسي ذكره صاحب مجالس المؤمنين، ودفن في أصفهان رحمه الله تعالى ورضي عنه. انتهى.

أقول: راجعت موسوعة ( اعيان الشيعة ) للمرحوم السيد محسن الأمين عسى أن أجد ترجمة للشاعر فرأيت أن المرحوم الأمين لما سار بموسوعته على حسب الحروف نسي ( حرف اللام ) برمّته ولم يترجم لكل مبدئ باللام وانما ذكر حرف الكاف وعبر إلى الميم.

وترجم له الخونساري في ( الروضات ) فقال: كان عالماً فاضلاً فقيهاً متبحراً عظيم الشان جليل القدر أديباً شاعراً معاصراً لشيخنا البهائي يعترف له بالفضل والعلم والفقه ويأمر بالرجوع اليه، كذا في أمل الآمل، وقال المحدث النيسابوري بعد الترجمة: ومسجده معروف بميدان الشاه باصبهان، وفاته بعد وفاة الشيخ البهائي المعاصر له بخمس سنين.

يقول صاحب روضات الجنات عند ترجمة والده عبد الكريم: ثم ان لهذا الشيخ ولدين عالمين فاضلين صالحين مذكورين في أمل الآمل وغيره، احدهما الحسن والآخر عبد الكريم وهو والد الشيخ لطف الله. قال وقد رأيت للشيخ عبد الكريم هذا إجازة أبيه الشيخ ابراهيم وكان هو ايضاً حسن الخط، رأيت بخطه كتاب تفسير جوامع الجامع للطبرسي في مجلد صغير. وهو ابو الشيخ لطف الله بن عبد الكريم العاملي المنتقل في اوائل عمره من ( ميس ) ضيعة في جنوب لبنان. إلى المشهد الرضوي المقدس والمشتغل هناك بالتحصيل عند مولانا عبد الله التستري وغيره إلى أن انتظم في سلك مدرّسي تلك الحضرة المقدسة والموظفين بوظائف التدريس، بل الناظرية لخدام تلك الروضة المنورة من قبل سلطان الوقت، ثم انتقل إلى دار السلطنة قزوين برهنة من الزمن ثم المتوطن بعد ذلك في دار السلطنة اصفهان بأمر ذلك السلطان وهو الذي ذكر

٣٤٩

في امل الامل بعد وصف علمه وصلاحه وتبحره وتحقيقه وجلالة قدره، ان شيخنا البهائي كان يعترف له بالفضل والعلم ويأمر بالرجوع اليه. وذكر صاحب رياض العلماء انه كان فاضلاً ورعاً تقياً عابداً زاهداً مقبولاً قوله وفتواه في عصره، وقد بنى له السلطان شاه عباس الصفوي المسجد والمدرسة المنتسبين اليه باصفهان في مقابلة عمارة علي قابو في ميدان نقش جهان، وكان هو وابنه الشيخ جعفر ووالده وجده الأدنى وجده الأعلى أعني الشيخ ميس من مشاهير فقهاء الإمامية إلى أن قال: وبالجملة هذا الشيخ يعني به الشيخ لطف الله ممن فاز بعلوّ الشأن في الدنيا وفي الآخرة وكان معظماً مبجلاً جداً عند السلطان المذكور، ممن يعتقد وجوب صلاة الجمعة عيناً في زمن الغيبة، وكان يقيمها في مسجده المذكور ويواظب عليها وكان رحمه الله في جوار ذلك المسجد، وله رسائل كثيرة في مسائل عديدة، ويظهر ان وفاته كانت باصبهان في اوائل سنة اثنين وثلاثين والف قبل وفاة ذلك السلطان بخمس سنوات تقريباً وقبل فتحه لبغداد بقليل.

٣٥٠

الشيخ عبد الله آل نصرالله

المتوفى 1341

قال متوسلاً إلى الله بمحمد وآله بدفع البلاء والوباء ويتخلّص إلى رثاء سيد الشهداء:

صاح ان الصبر مفتاح الفرج

فلكم بالصبر تنحلّ الرتج

ما على الصابر طوعاً من حرج

فاشكر الله على ما وعدا

من عطاياه لدى الصبر الجميل

وتوسل ان عرتك الحادثات

ودهتك الفادحات المعضلات

باناس حبهم ينجي العصاة

من لظى النار ومن كل ردى

يوم لا يشفع خلٌ لخليل

وعند رثاء الإمام يقول:

فَنِساهُ أبرزوها حاسرات

من خباها حائرات عاثرات

فَسعت نحو حماها نادبات

من لها كان الحمى والعضدا

بل عمادٌ وسنادٌ ودليل

أبعدوها عنه بالعنف الشديد

ضربوها بسياط كي تحيد

وهي تأبى نادبات واشهيد

كنت بالأمس لدينا عمدا

فبقينا اليوم من غير كفيل

اركبوهن جمالاً هازلات

لم تزل نحو حماها ناظرات

بحنين وأنين باكيات

قائلات كيف نسري والعدا

قيّدوا السجاد بالقيد الثقيل

٣٥١

لهف نفسي لعليل أسرا

فوق قتب النيب يشكو الضررا

جسمه أنحله طول السرى

داعياً قوماً سقوا كأس الردى

فلذا من بعدهم أمسى ذليل

العلامة الورع الزاهد العابد الشيخ عبدالله ابن الشيخ ناصر بن احمد بن نصرالله آل أبي السعود، ترجم له الشيخ المعاصر الشيخ فرج آل عمران في ( الأزهار الارجية ) وقال: هو أول عالم اتصلت به وتلقيت منه التوجيه نحو العلم والدراسة وكان مطبوعاً على حب الخير والارشاد فقد أرشدني إلى الفقه والعلوم الإسلامية ويحثني على التقوى ويستشهد بقول القائل:

لا يجتلي الحسناء من خدرها

إلا امرء ميزانه راجح

فأسمو بعينيك إلى نسوة

صورهن العمل الصالح

وهو موضع ثقة عند جميع الطبقات وعلى يديه تجري العقود والايقاعات وسائر المعاملات وعنده تحسم الخصومات والمنازعات، وقد زوّده مراجع الطائفة بشهادات ووكالات محترمة أمثال آية الله الشيخ محمد حسين الكاظمي والشيخ محمد طه نجف، وكان يجلس في داره لقضاء حوائج الناس فيحضر عنده مختلف الطبقات وتحرر في مجلسه المسائل الدينية وكان يهيئ السحور طيلة شهر رمضان لمن يحضر ويقرأ معه دعاء السحر، ويتعاطى الخطابة في المآتم الحسينية وقراءته مشجية محزنة وله شعر كثير وقد رثى استاذه الشيخ احمد ابن الشيخ صالح آل طعّان البحراني المتوفى صبيحة عيد الفطر سنة 1315 ه‍. بقصيدة. وترجم له صاحب انوار البدرين باختصار عندما ترجم اباه وقال: إن له منظومة في اصول الدين ومنظومة في الحجة المهدي سلام الله عليه.

توفي رحمه الله يوم الثلاثاء 16 جمادى الاول سنة 1341 ه‍. وشيع جثمانه إلى مقبرة الحباكة الشرقية بتشييع باهر ..

٣٥٢

تقدير وتقريظ

السيد المجاهد الجواد آل شبر المحترم

السلام عيك بقدر شوقي اليك. وبعده فقد تسلمت بيد الشكر الجزء الثامن من موسوعتك الخالدة ( أدب الطف ) وقد قضيت معه ساعات متصلة درّت عليّ ملامح تاريخية صافية، وصفاء قرائح متقدة بلهب الموالاة الحقة لأئمة أهل البيت الأطهار - سلام الله عليهم - واني إذ اهنئك بهذا الجهد الجهيد الذي تحملته، ووصلتَ من أجله ليلتك بنهارها أرفع كفَ المُناجاةِ متضرّعاً اليه جلّ اسمه أن يزيدَ مننَه عليكَ لاتمام بقية الأجزاء الآتية ليتم المخطط، ويُحفظ شعراء الحسين في سجل الباقيات الصالحات. وكان عليّ - أيها السيد المفضال - أن اطيلَ في تقريض الكتاب؛ بيدَ أني لست بحاجة إلى التعريف به بعد ما نطق هو عن ذاته وأشار إلى مكنونات صفاته ولا عجب فان سطوره تنمّ عن ذوقٍ، وترتيبَه يفصح عن مجهود، وجمعه يَدلّ على خبرة وممارسة في الغناء بحب الحسينعليه‌السلام وأهل بيته الطاهرين وخدمتهم طوال سنين عدة وأعوام طوال. وإني لما عدلت عما سلف لجأت إلى بيان بعض الموارد التي استوقفتني على صفحات الكتاب أحببت أن اسطرها خدمة للحقيقة، وبياناً لما يترتب عليها من أمرٍ وهي بطبيعتها لا تؤثر على عمل كبير مثل هذا ولا تنال من أهميته شيئاً!!

1 - ذكرتم أسماء الشعراء الذين رثوا الشاعر الخالد الذكر السيد حيدر الحلي، واحب ان اضيف إلى أن حلبة رثاء السيد الشيف المذكور وقفت

٣٥٣

عليها كاملة ضمن مجاميعنا المخطوطة وهي ملحقة بمراثي جدنا العلامة السيد الميرزا صالح القزويني المتوفى في السنة التي توفى بها السيد الحلي وكلها تنتهي بتعزية عمنا العلامة أبي المعز السيد محمد القزويني المتوفى سنة ( 1335 ه‍. ( وأخيه العلامة الحسين المتوفى ( 1325 ه‍. ( وفيها من المقدمات النثرية ما لم يشر اليها أحد. كما لا يفوتني ان الشاعر الأديب السيد عبد المطلب الحليرحمه‌الله ذكر قسماً منها في مقدمة ديوان السيد حيدر المطبوع طباعة حجرية في مستهل هذا القرن.

2 - ذكرتم في ترجمة الميرزا صالح القزويني الحلي المتوفى ( 1304 ه‍. ( قصيدةً له مطلعها:

طريق المعالي في شدوق الأراقم

ونيل الأماني في بروق الصوارم

والصواب أنها للسيد صالح القزويني البغدادي المتوفى سنة ( 1306 ه‍. ( وقد اشتبه الخاقاني أيضاً كما في شعراء الحلة، كما اشتبه في قصائد اخر نبهتُ عليها في مقدمة مقتل أمير المؤمنينعليه‌السلام الذي طبع بتحقيقنا سنة ( 1394 هـ. ).

3 - ذكرتم في ترجمة ( آغا أحمد النواب ) انه توفي سنة ( 1311 ه‍. ) والصواب انه وفاته كانت في الثلاثينات على ما ظهر لنا، وقد حقق نسبه الصديق عبد الستار الحسني كما رأيته بخطه.

4 - أوردتم في ترجمة اسطا علي البنّاء المتوفى سنة ( 1336 ه‍. ( قول الآلوسي؛ السيد علي علاء الدينرحمه‌الله فيه كما في ( الدر المنتثر ): بأنه كان اعجوبة بغداد؛ ينظمُ الشعر مع كونه امّياً لا يقرأ ولا يكتب!!

ثم ذكرتم أنه جاء في هامش ( الدر المنتثر ) صحيفة (166) ما يلي. « جاء في هامش صفحة (57) من مخطوطة الأصل ما نصّه: انّ هذا الشاعر اوسطا

٣٥٤

علي المذكور كان لا يُجيد النظم؛ إنما كان هناك شخص اسمه الشيخ جاسم ابن المُلا محمد البصير الذي كان ينظم له » انتهى.

والذي يتبادر من هذا القول انه للسيد علي الآلوسي نفسه، ولكنّ الصواب انه للاستاذ يوسف عز الدين - الدكتور - وقد سجّل اسمه مع تاريخ كتابته لهذه الأسطر في سنة ( 1953 م. ). ولم يُشر محققاً « الدر المنتثر » الاستاذان جمال الدين الآلوسي وعبدالله الجبوري إلى ذلك رغم اعتمادهما على هذه النسخة، ونقلهما كلام عز الدين عنها!!

واحبّ أن اشيرَ إلى أنّ النسختين اللتين اعتمد عليها محققاً الدر لا تخلوان من اشتباهات تختلفُ عن الأصل المكتوب بخط الآلوسي وفيهما زيادات لا تمتُّ إلى أصل الكتاب بشيء!

وقد أوردتُ على الكتاب « المُنتثر » مستدركاً لم يُنشر من قبل جمعته عن مجموعة الآلوسي المخطوطة، وذكرتُ ما سلفَ كله في النقد الموسّع للدر المنتثر الذي لم يزل في عداد المخطوطات!!

بقي شيءٌ متعلقٌ بشاعرية البنّاء؛ حيث أنه كان يستعين بالشاعر الأديب، الخطيب المفوّه، فارس حلبات البلاغة والبيان؛ الشيخ جاسم المُلا الحلي - نظماً بعض الأحيان في مراسلات الشخصيات، وليس ذلك على الدوام. فله نفسه الشعري المتميز، واسلوبه السافر، ويظهر ذلك جلياً في شعره المحفوظ في مجموعة مراثي السيد عباس الخطيب البغدادي المتوفى سنة ( 1333 هـ ) المخطوطة المحفوظة في مكتبتي، ففيها من الشعر الذي لا يمكن أن يُنسب إلا اليه، وقد أطراه السيد حسن الخطيب نجل السيد عباس السالف ذكره فيما أنشأه من مقدماتٍ لمراثي والده ومدائحه. وقد سجّلتُ ذلك في كتابي « الرجال » المخطوط في ترجمة البنّاء.

٣٥٥

5 - كان بودّي لو قمتم بدراسةٍ تحليليةٍ عن عصور أدب الطف، واستجلاء الصور المتباينة في التعبير، ومقارنتها بكل عصرٍ من العصور. ولا شك أنّ هذه الدراسة ستكشف عن امورٍ بعيدة الغور في جانبي السياسة والاجتماع مع لحاظ التطور « الأدائي » و « الفني » لشعراء الحسين (ع).

هذا ما أردتُ بيانه بهذه العجالة، تاركاً بقية الملاحظات لضيق الوقت.

وبالختام أتمنى للسيد « الجواد » مزيداً من « العطاء »، ويا دام في مضمار البحث مظفراً.

بغداد

غرّة ذي القعدة 1397 ه‍.

جودت القزويني

٣٥٦

وتفضل الاستاذ الاديب الشيخ عبد الامير الحسيناوي

بتاريخ الجزء السادس من هذه الموسوعة بقوله:

فاق الجواد - الكلّ في سفره

فحاز سبقا وخطى بالرهان

ذا - أدب الطف - شهيدٌ له

فقد سما فيه بسحر البيان

في طيّه ترجم مَن ناصروا

بشعرهم مذ فات نصر السنان

إن فات نصر السبط تأريخهم

فان هذا نصرهم باللسان

٣٥٧

المصادر المخطوطة

الطليعة من شعراء الشيعة

للشيخ محمد السماوي

سمير الحاظر ومتاع المسافر

للشيخ علي كاشف الغطاء

الدر المنظوم في الحسين المظلوم

للسيد حسن البغدادي

كتاب الرجال

للسيد جودت القزويني

سوانح الافكار

للسيد جودت شبر

الضرائح والمزارات

للسيد جودت شبر

مجموع

الشيخ هادي كاشف الغطاء

مجموع

للسيد احمد المؤمن

ديوان الشيخ محمد حسن سميسم

الشيخ عماد سميسم

ديوان السيد مهدي الاعرجي

السيد حبيب الاعرجي

مخطوط

للسيد محي الدين الغريفي

٣٥٨

المصادر المطبوعة

الذريعة إلى تصانيف الشيعة

للشيخ آغا بزرك الطهراني

نقباء البشر

للشيخ آغا بزرك الطهراني

الكنى والالقاب

للشيخ عباس القمي

سفينة البحار

للشيخ عباس القمي

لؤلؤة البحرين

للشيخ يوسف البحراني

اعيان الشيعة

للسيد محسن الامين

منن الرحمن في شرح قصيدة الفوز والامان

للشيخ جعفر النقدي

الاعلام

لخير الدين الزركلي

البابليات

للشيخ محمد علي اليعقوبي

رياض المدح والرثاء

للشيخ علي البلادي

الروضة الندية في المراثي الحسينية

للشيخ فرج آل عمران

شعراء الحلة

للشيخ علي الخاقاني

شعراء الغري

للشيخ علي الخاقاني

شعراء القطيف

للشيخ علي منصور

تحفة اهل الايمان في تراجم آل عمران

للشيخ فجر القطيفي

معارف الرجال

للشيخ محمد حرز الدين

شعراء من كربلاء

للسيد سلمان هادي الطعمة

ذكرى السيد ناصر الاحسائي

للسيد محمد حسن الشخص

٣٥٩

ذكرى الشيخ صالح باش اعيان

لحسون كاظم البصري

الاعلام العوامية

للشيخ سعيد ابي المكارم

الشوقيات

لأحمد شوقي

محمد اقبال

للاستاذ عدنان مردم بك

ديوان اقبال

للاستاذ عدنان مردم بك

الانوار القدسية

للشيخ محمد حسين الاصفهاني

سقط المتاع

للشيخ عبد الحسين صادق

عفر الظباء

للشيخ عبد الحسين صادق

عرف الولاء

للشيخ عبد الحسين صادق

ديوان السيد ابو بكر بن شهاب

ديوان الشيخ كاظم سبتي

ديوان الشيخ محمد حسن ابي المحاسن

الانواء

ديوان السيد مير علي ابو طبيخ

ديوان

ابن معتوق

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

مواطنيه ، بأن ينتبهوا لكي لا يخدعهم المسافرون الغرباء ، فقال أحدهم : كيف يمكن للغرباء البسطاء الذين لا يعرفون شيئا عن وضع المدينة وأهلها ، أن يخدعوا أهل الحرف فيها نحن بمقدورنا خداع أولئك الغرباء ، فأجابهم بأن قصده من الانخداع بالغرباء هو هذا المعنى ، أي أن تنالوا من هؤلاء ثروة تافهة بالخداع ، وتفقدوا بذلك ثروة الإيمان العظيمة!

٢ ـ إنّ المنافقين بعيدون عن رحمة الله ، ولذلك فهم لا يتلذذون بعبادة الله والتقرب إليه،ويدل على ذلك أنّهم حين يريدون أداء الصّلاة يقومون إليها وهم كسالى خائر والقوى،تقول الآية في هذا الأمر :( وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى ) .

٣ ـ ولما كان المنافقون لا يؤمنون بالله وبوعوده ، فهم حين يقومون بأداء عبادة معينة، إنّما يفعلون ذلك رياء ونفاقا وليس من أجل مرضاة الله ، تقول الآية :( يُراؤُنَ النَّاسَ ) .

٤ ـ ولو نطقت ألسن هؤلاء المنافقين بشيء من ذكر الله ، فإنّ هذا الذكر لا يتجاوز حدود الألسن ، لأنّه ليس من قلوبهم ، ولا هو نابع من وعيهم ويقظتهم ، وحتى لو حصل هذا الأمر فهو نادر وقليل ، تقول الآية :( وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً ) .

٥ ـ إنّ المنافقين يعيشون في حيرة دائمة ودون أي هدف أو خطّة لطريقة الحياة معينة، ولهذا فهم يعيشون حالة من التردد والتذبذب ، فلا هم مع المؤمنين حقّا ولا هم يقفون إلى جانب الكفار ظاهرا ، وفي هذا تقول الآية الكريمة :( مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ ) .

ويحسن هنا الالتفات إلى أنّ كلمة «مذبذب» اسم مفعول من الأصل «ذبذب» وهي تعني في الأصل صوتا خاصا يسمع لدى تحريك شيء معلق إثر تصادمه بأمواج الهواء،وقد أطلقت كلمة «مذبذب» على الإنسان الحائر الذي يفتقر إلى

٥٠١

الهدف أو إلى أي خطّة وطريقة للحياة.

هذا واحد من أدق التعابير التي أطلقها القرآن الكريم على المنافقين ، كما هي إشارة إلى إمكانية معرفة المنافقين عن طريق هذا التذبذب الظاهر في حركتهم ونطقهم ، كما يمكن أن يفهم من هذا التعبير أن المنافقين هم كشيء معلق يتحرك بدون أي هدف وليس لحركته أي اتجاه معين ، بل يحركه الهواء من أي صوب كان اتجاهه ويأخذه معه إلى الجهة التي يتحرك فيها.

وتبين الآية في الختام مصير هؤلاء المنافقين ، وتوضح أنّهم أناس قد سلب الله عنهم حمايته نتيجة لأعمالهم وتركهم يتيهون في الطريق المنحرف الذي سلكوه بأنفسهم ، فهم لن يهتدوا أبدا إلى طريق النجاة ، لأنّ الله كتب عليهم التيه والضلالة عقابا لهم على أعمالهم.

تقول الآية الكريمة في ذلك :( وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً ) ، (وقد شرحنا معنى الإضلال ، وبيّنا كيف أنّه لا يتنافى مع حرية الإرادة والانتخاب ، وذلك في الجزء الأوّل من هذا التّفسير في هامش الآية (٢٦) من سورة البقرة).

* * *

٥٠٢

الآيات

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً (١٤٤) إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (١٤٥) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (١٤٦) )

التّفسير

لقد أشارت الآيات السابقة إلى قسم من صفات المنافقين ، والآيات التالية ـ هذه ـ تحذر المؤمنين وتأمرهم أن لا يعتمدوا على المنافقين والكفار بدل الاعتماد على المؤمنين، وأن لا يطلبوا النصرة منهم( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) .

وتبيّن أنّ الاعتماد على الكفار يعتبر جريمة وخرقا صارخا للقانون الإلهي وشركا بالله،ونظرا لقانون العدل الإلهي فإن هذه الجريمة تستحق عقابا شديدا ، حيث تؤكد الآية :( أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً ) (١) .

__________________

(١) إنّ كلمة «سلطان» مشتقة من مادة أو مصدر «سلاطة» على وزن «مقالة» وهي تعني القوة والقدرة على التغلب

٥٠٣

وفي الآية الثانية من الآيات الأخيرة بيان لأحوال المنافقين ، الذين اتخذهم بعض الغافلين من المؤمنين أصدقاء لأنفسهم ، حيث توضح الآية أنّ المنافقين يستقرون في القيامة في أحط وأسفل دركة من دركات جهنم ، ولن يستطيع أحد أن ينصرهم أو ينقذهم من هذا المصير أبدا ، تقول الآية :( إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً ) .(١)

ويتبيّن من هذه الآية أن النفاق في نظر الإسلام أشد أنواع الكفر ، وإن المنافقين أبعد الخلق من الله ، ولهذا السبب فإن مستقرهم ومكانهم النهائي في أحط نقطة من نقاط جهنم ، وهم يستحقون هذا العقاب ، لأنّ ما يلحق البشرية من ويلات من جانب هؤلاء هو أشد خطرا من كل الأخطار ، فإنّ هؤلاء بسبب احتمائهم بظاهر الإيمان يحملون بصورة غادرة وبمطلق الحرية على المؤمنين العزل ويطعنونهم من الخلف بخناجرهم المسمومة ، وبديهي أن يكون حال اعداء ـ كهؤلاء ـ يظهرون بلباس الأصدقاء ، أشدّ خطرا من الأعداء المعروفين الذين يعلنون عداوتهم صراحة ، وفي الواقع فإنّ النّفاق هو أسلوب وسلوك كل فرد ابتر ومنحط ومشبوه وجبان وملوث بكل الخبائث ومن لا شخصية له.

وقد أوضحت الآية الثّالثة من الآيات الأخيرة ، أنّ المجال مفتوح حتى لأكثر الناس تلوثا للتوبة من أعمالهم وإصلاح شأنهم ، والسعي للتعويض بالخير عن ماضيهم المشين،والعودة إلى رحمة الله والتمسك بحبله والإخلاص لله بالإيمان به تقول الآية :( إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ ) .

__________________

على الآخرين ، وفي كلمة «سلطان» معنى لاسم المصدر حيث تطلق على كل أنواع التسلط ، ولهذا السبب تطلق كلمة «سلطان» أيضا على «السبب» الذي يسلط الإنسان على الآخرين من أمثاله ، كما تطلق على أصحاب القدرة والنفوذ ، ولكنها في الآية المذكورة أعلاه إنما تعني الحجة والدليل.

(١) إنّ كلمة «درك» تعني أحط نقطة في أعماق البحر ، ويسمى آخر حبل متصل بالحبال التي توصل الإنسان إلى قعر البحر ، بـ «الدرك» أيضا ، ويظهر أن هذه المعاني مأخوذة من معنى «درك الشيء» أي الوصول إليه ـ كما تسمّى السلالم التي توصل الإنسان إلى موضع سفلى كالسرداب والبئر بـ «الدرك» وهذه العبارة تقابل السلالم التي يتسلق بها الإنسان إلى أعلى حيث تسمّى بالدرجات.

٥٠٤

فالتائبون هؤلاء سيكونون أهلا للنجاة في النهاية ويستحقون صحبة المؤمنين،تقول الآية :( فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ).

وإنّ الله سيهب ثوابا وأجرا عظيما لكل المؤمنين( وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً ) .

وممّا يلفت النظر أنّ الآية تبيّن أن هؤلاء التائبين مع المؤمنين ، وذلك للتدليل على أن منزلة المؤمنين الثابتين أكبر وأعظم من منزلة هؤلاء ، فالمؤمنون الراسخون في إيمانهم هم الأصل، وهؤلاء هم الفروع ، وما يظهر عليهم من نور وصفاء إنّما هو بسبب وجودهم في ظل المؤمنين الراسخين.

وهناك أمر ثان يجب الانتباه إليه في هذه الآية ، وهو أنّها بيّنت مسير المنافقين بصورة واضحة وصريحة ، إذ عينت لهم أحط نقطة من الجحيم مكانا ومستقرا ، بينما شخصت للمؤمنين الأجر والثواب العظيم الذي لا حدّ له ولا حصر ، بل هو منوط بعظمة الله ولطفه جلت عظمته.

* * *

٥٠٥

الآية

( ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكانَ اللهُ شاكِراً عَلِيماً (١٤٧) )

التّفسير

العقاب الإلهي ليس دافعه الانتقام :

لقد أظهرت وبيّنت الآيات السابقة صورا من عقاب الكافرين والمنافقين ، والآية الأخيرة ـ التي هي موضوع بحثنا الآن ـ تشير إلى حقيقة ثابتة وهي أنّ العقاب الإلهي الموجه للبشر العاصين ليس بدافع الانتقام ولا هو بدافع التظاهر بالقوّة ، كما أنّه ليس تعويضا عن الخسائر الناجمة عن تلك المعاصي ، فهذه الأمور إنّما تحصل ممن في طبيعته النقص والحاجة،والله سبحانه وتعالى منزّه من كل نقص ولا يحتاج أبدا إلى شيء.

إذن فالعقاب الذي يلحق الإنسان لما يرتكبه من معاص ، إنما هو انعكاس للنتائج السيئة التي ترتبت على تلك المعاصي ـ سواء كانت فعلية أو فكرية ـ ولذلك يقول الله تعالى عزّ من قائل في هذه الآية :( ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ) .

وبالنظر إلى أنّ حقيقة الشكر هي أن يستغل الإنسان النعم التي وهبها الله له

٥٠٦

في الجهات المخصصة لها في الطبيعة والخلق ، يتّضح لنا أنّ القصد من الآية إنّما هو : إنّ من يؤمن ويعمل الخير ويستغل الهبات الإلهية في المجالات التي خصصت لها من حيث الخلق ـ دون إساءة هذا الاستغلال ـ فلا شك أنّ هذا الإنسان المؤمن لا يصيبه أي عقاب من الله ، ولتأكيد هذا الأمر تضيف الآية مبيّنة أنّ الله عالم بأعمال ونوايا عباده ، وهو يشكر ويثيب كل من يفعل الخير من العباد لوجه الله. فتقول الآية :( وَكانَ اللهُ شاكِراً عَلِيماً ) .

وقد قدمت هذه الآية مسألة الشكر على الإيمان لأجل بيان هذه الحقيقة ، وهي أنّ الإنسان ما لم يدرك نعم الله وهباته العظيمة ويشكره على هذه النعم فلن يستطيع التوصل إلى معرفة الله والايمان به ، لأن أنعمه سبحانه وتعالى إنّما هي وسائل لمعرفته.

وقد ورد في كتب العقيدة الإسلامية في بحث «وجوب معرفة الله» عن جمع من الباحثين أنّهم استدلوا على معرفة الله بوجوب شكر النعم وجعلوا من الوجوب الفطري لشكر المنعم دليلا على لزوم معرفته (فدقق).

* * *

٥٠٧

الآيتان

( لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللهُ سَمِيعاً عَلِيماً (١٤٨) إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً (١٤٩) )

التّفسير

في هذه الآية إشارتان إلى التكاليف الأخلاقية الإسلامية :

الأولى : تبيّن أنّ الله لا يحبّ التجاهر بالكلام البذيء ، ولا يرضى بما يصدر من كلام عن عيوب الناس وفضائح أعمالهم ، فتقول الآية :( لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ ) .

إن عدم الرضى من نشر فضائح أعمال الناس ، نابع من حقيقة أنّ الله هو ستار العيوب ، فلا يجب أن يقوم عباده بكشف سيئات الآخرين من أمثالهم أو الإساءة إلى سمعتهم ، وممّا لا يخفى على أحد هو أنّ لكل إنسان نقاط ضعف خفية ، ولو انكشفت هذه العيوب لساد المجتمع جو من سوء الظن بين أفراده ، فيصعب عندئذ قيام التعاون بين هؤلاء الأفراد ، لذلك منع الإسلام وحرّم التحدث عن نقائص أو فضائح أعمال الآخرين دون وجود هدف سليم ، لتبقى الأواصر الاجتماعية قوية مستحكمة ، ورعاية للجوانب الإنسانية الأخرى في هذا المجال.

٥٠٨

وتجدر الإشارة إلى أنّ كلمة «سوء» تشمل كل أنواع القبح والفضيحة ، والمقصود من عبارة «الجهر من القول» هو كل حالة من الكشف والفضح اللفظي ، سواء كان بصورة شكوى ، أو على شكل حكاية أو لعن أو ذم أو غيبة.

وقد استدل بهذه الآية ـ أيضا على تحريم الغيبة ، إلّا أن مفهومها لا ينحصر بهذه الصفة الأخيرة ، بل يشمل كل أنواع الكلام البذيء والمذموم.

إلّا أنّ الآية الكريمة لم تحرم القول بالسوء تحريما مطلقا ، فقد استثنت حالة يمكن فيهاأن يصار إلى الكشف والفضح ، وهذه الحالة هي إذا وقع الإنسان مظلوما حين قالت الآية :( إِلَّا مَنْ ظُلِمَ ) وبهذا الدليل يستطيع المظلوم ـ في مقام الدفاع عن نفسه ـ أن يكشف فضائح الظالم ، سواء عن طريق الشكوى أو فضح مساوئ الظالم أو توجيه النقد له،أو استغابته ، ولا يسكت على الظلم حتى استعادة حقوقه من الظالم.

وحقيقة هذا الاستثناء هي أنّ الله أراد به أن يسلب من الظالمين فرصة إساءة استغلال حكم المنع والتحريم ، ولكي لا يكون هذا الحكم سببا في سكوت المظلوم عن المطالبة بحقه من الظالم.

واضح من الآية بأنّ عملية الكشف والفضح يجب أن تنحصر في إطار بيان مساوئ الظالم لدى الدفاع عن المظلومين أو لدى دفاع المظلوم عن نفسه.

ولكي تسد الآية الطريق على كل انتهازي كاذب يريد إساءة استغلال هذا الحكم بدعوى وقوع الظلم عليه أكّدت على أنّ الله يراقب أعمال البشر ويعلم ويسمع بكل ما يصدر عنهم من أفعال حيث تقول الآية :( وَكانَ اللهُ سَمِيعاً عَلِيماً ) .

وفي الآية التالية يشير القرآن الكريم إلى النقطة المواجهة لهذا الحكم ، حيث يبيح التحدث عن محاسن الأفراد أو كتمانها (على عكس المساوئ التي يجب أن تكتم إلّا في حالة استثنائية) كما تبيح ـ أو بالأحرى تحثّ ـ الفرد على إصدار العفو على من ارتكب السوء بحقّه ، لأنّ العفو عند المقدرة من صفات الله العزيز

٥٠٩

القدير الذي يعفو عن عباده مع امتلاكه القدرة على الانتقام بأي صورة شاء ، فتقول الآية في هذا المجال :( إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً ) .

العفو عن المعتدي وأثره على نزعة العدوان :

سؤال يطرأ هنا على الذهن وهو : ألا يعتبر العفو عن الظالم المعتدي تأييدا لظلمه وتشجيعا لنزعة العدوان لديه؟ ألا يؤدي العفو إلى ظهور حالة سلبية من اللامبالاة لدى المظلومين.

والجواب هو : أنّ العفو لا صلة له بمسألة تحقيق العدل ومكافحة الظالم ، والدليل على ذلك ما نقرؤه في الأحكام الإسلامية من نهي عن ارتكاب الظلم وأمر بعدم الخضوع له، كما في الآية( لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ) (١) وقول أمير المؤمنين عليعليه‌السلام «كونا للظالم خصما وللمظلوم عونا»(٢) وقوله تعالى :( فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ (٣) .

كما نقرأ من جانب آخر الأمر بالعفو والصفح كما في قوله تعالى :( وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى ) (٤) وقوله :( وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ ) .(٥)

من الممكن أن يتبادر إلى ذهن بعض البسطاء أن هناك تناقضا بين هذين الحكمين،ولدى الإمعان فيما ورد في المصادر الإسلامية في هذا المجال ، يتّضح أنّ العفو والصفح يجب أن يكون في موضع بحيث لا يساء استغلاله ، وإنّ الدعوة إلى مكافحة الظلم وقمع الظالم يكون له مجال آخر.

__________________

(١) البقرة ، ٢٧٩.

(٢) نهج البلاغة ، الوصية رقم ٤٨.

(٣) الحجرات ، ٩.

(٤) البقرة ، ٢٣٧.

(٥) النور ، ٢٢.

٥١٠

ويجدر توضيح أنّ العفو والصفح يكونان لدى تملك القدرة وعند الإنتصار على العدو وهزيمته النهائية ، أي في حال لا يحتمل فيها حصول أي خطر جديد من جانب العدو،ويكون العفو والصفح عنه سببا لإصلاحه واستقامته ودفعه إلى إعادة النظر في سلوكه،والتاريخ الإسلامي فيه أمثلة كثيرة في هذا المجال ، والحديث المشهور القائل «إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكرا للقدرة عليه»(١) خير دليل على هذا القول.

أمّا في حالة وجود خطر من جانب العدو ، واحتمال أن يؤدي العفو عنه إلى تجريه وتماديه أكثر في عدوانه ، أو إذا اعتبر العفو استسلاما للظلم وخضوعا أمامه ورضي به ، فإنّ الإسلام لا يجيز مطلقا مثل هذا العفو ، وكما أنّ أئمّة الإسلام لم ينتخبوا طريق العفو في مثل هذه المجالات.

* * *

__________________

(١) نهج البلاغة ، الكلمات القصار ، الكلمة العاشرة.

٥١١

الآيات

( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (١٥٠) أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (١٥١) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٥٢) )

التّفسير

لا تمييز بين الأنبياء :

تحدثت الآيات الأخيرة عن مواقف طائفة من الكافرين ، ومواقف أخرى لطائفة من المؤمنين ، كما ذكرت هذه الآيات نهاية كل من الطائفتين ، وهي بهذا تأتي مكملة للآيات السابقة التي تحدثت بشأن المنافقين.

وتشير الآية الأولى إلى طائفة فرقوا بين الأنبياء ، فاعتبروا بعضهم على حق والبعض الآخر على باطل ، فتؤكد أنّ هذا النفر من الناس كفار حقيقيون.

والواقع أنّ هذه الآية توضح موقف اليهود والنصارى ، فاليهود كانوا يرفضون الإيمان بالنّبي عيسى نبي النصارى ، واليهود والنصارى معا كانوا يرفضون

٥١٢

الإذعان لنبوة نبي الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حين أنّ كتابيهم السماويين قد أثبتا نبوة هؤلاء الأنبياء.

وهذا التمييز بين الحقائق الثابتة وقبول بعضها ورفض البعض الآخر ، سببه أنّ هؤلاء كانوا يتبعون أهواءهم ونزواتهم ويسيرون وراء عصبياتهم الجاهلية ، وينبع أحيانا من حسد هؤلاء ونظرتهم الضيقة.

وهذا دليل عدم إيمان هؤلاء بالأنبياء وبالله ، لأنّ الإيمان ليس هو قبول ما طابق هوى النفس أو رفض ما يخالف الأهواء والميول ، فهذه الحالة ما هي إلّا نوع من عبادة الهوى ولا صلة لها بالإيمان ، فالإيمان الحقيقي هو ذلك الذي يدفع الإنسان إلى قبول الحقيقة ـ سواء طابقت هواه وميوله أو خالفتهما ـ ولذلك فإنّ القرآن الكريم اعتبر الذين يزعمون أنّهم يؤمنون بالله وببعض الأنبياء كفارا حقيقيين ، وعلى هذا الأساس فإن ما يتظاهرون به من إيمان لا حقيقة ولا قيمة له مطلقا ، لأنّه لا ينبع من روح طلب الحقيقة.

والقرآن الكريم يهدد هؤلاء ـ وأمثالهم ـ بأنّهم يلقون الذل والهوان ، حيث تقول الآية:( وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً ) وقد يكون وصف العذاب في هذه الآية بـ «المهين» سببه أنّ هؤلاء بقبولهم بعض الأنبياء ورفضهم الإيمان بالبعض الآخر منهم ، إنّما يوجّهون الإهانة بحق عدد من الأنبياء ، لذلك يجب أن ينال هؤلاء عذابا مهينا يتناسب واهانتهم تلك.

التّناسب بين الذّنب والعقاب :

ويجدر هنا توضيح أنّ العذاب قد يكون أليما أحيانا ، مثل : الجلد والتعذيب الجسدي ، وقد يكون مهينا كرش الشخص بالقاذورات ، أو يكون العذاب عظيما كأن يكون العقاب أمام أعين الناس ، وقد يكون أثره عميقا في نفس الإنسان يستمر معه لمدّة طويلة ويسمى هذا بالعذاب الشديد ، وما إلى ذلك من أنواع العذاب.

٥١٣

وواضح أنّ وصف العذاب بواحد من الصفات يتناسب مع نوع الذنب ، ولذلك فقد ورد في كثير من الآيات القرآنية أنّ عقاب الظالمين هو العذاب الأليم ، لأنّه يتناسب وألم الظلم الذي يمارسه الظالم على المظلوم ، وهكذا بالنسبة للأنواع الأخرى من العذاب ، وقد قصدنا بهذا الشرح تقريب مسألة العذاب إلى الأذهان ، علما بأنّ العذاب الأخروي شيء لا يمكن مقارنته بما هو موجود من عذاب في حياتنا الدنيوية هذه.

وقد تطرقت الآية الأخيرة إلى موقف المؤمنين الذين آمنوا بالله وبجميع أنبيائه ورسله ولم يفرقوا بين أي من الأنبياء والرسل وأخلصوا للحق ، وكافحوا كل أنواع العصبيات الباطلة ، وبيّنت أنّ الله سيوفّي هؤلاء المؤمنين أجرهم وثوابهم في القريب العاجل ، فتقول الآية :( وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ ) .

وبديهي أنّ الإيمان بجميع الأنبياء والرسل لا يتنافى ومسألة تفضيل بعضهم على البعض الآخر ، لأنّ مسألة التفاضل هذه ترتبط ارتباطا وثيقا بأهمية وعظم المسؤولية التي تحمّلها كل منهم ، وطبيعي أنّ المسؤوليات المناطة بالأنبياءعليهم‌السلام تتفاوت من حيث الأهمية والخطورة بالنسبة لكل منهم ، وقد ثبت هذا الأمر بالدليل القطعي والمهم هنا أن لا يحصل تمايز أو تفريق في الإيمان بالأنبياء والإقرار بنبوّتهم.

وقد أكدت الآية في الختام أنّ الله سيغفر للمؤمنين الذين ارتكبوا اخطاء بالانجرار وراء العصبيات وممارسة التفرقة بين الأنبياء إن أخلص هؤلاء المؤمنون في إيمانهم وعادوا إلى الله،أي تابوا إليه من اخطائهم السابقة ، حيث تقول الآية :( وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً ) .

ويجب الانتباه هنا إلى أنّ الآيات الأخيرة ذكرت الذين يعمدون إلى التفرقة بين الأنبياء بأنّهم كفار حقيقيون ، بينما لم تذكر الذين يؤمنون بجميع الأنبياء بأنّهم

٥١٤

مؤمنون حقا وحقيقة ، بل وصفتهم بالمؤمنين فقط ، وقد يكون هذا التفاوت في الوصف هو لبيان أنّ المؤمنين حقّا هم أولئك الذين استقرّ الإيمان في قلوبهم وظهرت آثاره على أعمالهم،وكما يقول الخبر المأثور بأنّ «الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل».

ويدلّ على هذا الأمر آيات وردت في بداية سورة الأنفال التي ذكرت المؤمنين بأوصاف عديدة : أوّلها الإيمان بالله ، ويلي ذلك إقامة الصّلاة وإيتاء الزكاة والتوكل على الله والاعتماد عليه ، ثمّ يأتي التأكيد بعد سرد هذه الصفات في قول الله تعالى في الآية المذكورة:( أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ) .

* * *

٥١٥

الآيتان

( يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً (١٥٣) وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً(١٥٤) )

سبب النّزول

جاء في تفاسير «التبيان» و «مجمع البيان» و «روح المعاني» حول سبب نزول هاتين الآيتين ، أنّ عددا من اليهود جاءوا إلى النّبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقالوا له : لو كنت حقّا نبيّا مرسلا من قبل الله فأرنا كتابك السماوي كلّه دفعة واحدة ، كما جاء موسى بالتوراة كلّها دفعة واحدة ، فنزلت الآيتان جوابا لهؤلاء اليهود.

التّفسير

هدف اليهود من اختلاق الأعذار :

تشير الآية الأولى إلى طلب أهل الكتاب «اليهود» من النّبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن ينزل عليهم كتابا من السماء كاملا وفي دفعة واحدة ، فتقول :( يَسْئَلُكَ أَهْلُ

٥١٦

الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ ) .

ولا شك أنّ هؤلاء لم يكونوا صادقين في نواياهم مع النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنّ الهدف من نزول الكتاب السماوي هو الإرشاد والهداية والتربية ، وقد يتحقق هذا الهدف أحيانا عن طريق نزول كتاب كامل من السماء دفعة واحدة ، وأحيانا أخرى يتحقق الهدف عن طريق نزول الكتاب السماوي على دفعات وبصورة تدريجية.

وبناء على هذا فقد كان الأجدر باليهود أن يطالبوا النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالدليل ويسألوه عن تعاليم سامية قيمة ، لا أن يحددوا له طريقة لنزول الكتب السماوية ويطالبوه بأن ينزل عليهم كتابا الطريقة التي عينوها.

ولهذا السبب فضح الله نواياهم السيئة بعد طلبهم هذا ، وأوضح للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّ هذا العمل هو ديدن اليهود ، وأنّهم معروفون بصلفهم وعنادهم واختلافهم الأعذار مع نبيّهم الكبير موسى بن عمرانعليه‌السلام ، فقد طلب هؤلاء من نبيّهم ما هو أكبر وأعجب إذ سألوه أن يريهم الله جهارا وعلنا! تقول الآية :( فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً ).

وما مصدر هذا الطلب العجيب الغريب البعيد عن المنطق غير الصلف والعناد ، فهم بطلبهم هذا قد تبنّوا عقيدة المشركين الوثنيين في تجسيد الله وتحديده ، وقد أدى عنادهم هذا إلى نزول عذاب الله عليهم ، صاعقة من السماء أحاطت بهم لما ارتكبوه من ظلم كبير، تقول الآية :( فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ) .

ثمّ تشير الآية إلى عمل قبيح آخر ارتكبه اليهود ، وذلك حين لجئوا إلى عبادة العجل بعد أن شاهدوا بأعينهم المعجزات الكثيرة والدلائل الواضحة ، فتقول :( ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ ) .

ومع كل هذا الصلف والعناد والشرك ، يريهم الله لطفه ورحمته ويغفر لهم لعلهم يرتدعوا عن غيّهم ، ويهب لنبيّهم موسىعليه‌السلام ملكا بارزا وسلطانا مبينا ، ويفضح السامري صاحب العجل ويخمد فتنته وفي هذا تقول الآية :( فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً ) .

٥١٧

لكن اليهود بسبب ما انطوت عليه سريرتهم من شرّ ـ لم يستيقظوا من غفلتهم ، ولم يخرجوا من ضلالتهم ، ولم يتخلوا عن صلفهم وغرورهم ، فرفع الله جبل الطور لينزله على رؤوسهم ، حتى أخذ منهم العهد والميثاق وأمرهم أن يدخلوا خاضعين خاشعين ـ من باب بيت المقدس ـ دليلا على توبتهم وندمهم ، وأكّد عليهم أن يكفوا عن أي عمل في أيّام السبت ، وأن لا يسلكوا سبيل العدوان ، وأن لا يأكلوا السمك الذي حرم صيده عليهم في ذلك اليوم ، وفوق كل ذلك أخذ الله منهم ميثاقا غليظا مؤكّدا ، ولكنّهم لم يثبتوا ـ مطلقا ـ وفاءهم لأي من هذه المواثيق والعهود(١) يقول القرآن الكريم في هذا المجال :( وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً ) .

فهل يصح أن تكون هذه المجموعة مع ما تمتلكه من سوابق سيئة وتاريخ أسود صادقة مع النّبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما طلبته منه وإن كان هؤلاء صادقين ، لما ذا إذن لم يلتزموا بما نزل عليهم صريحا في كتابهم السماوي وحول العلامات الخاصّة بخاتم النّبيين؟ ولما ذا أصروا على تجاهل كل ما أتى به النّبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من براهين وأدلة واضحة بيّنة؟وهنا تجدر الإشارة إلى أمرين ، وهما :

أوّلا : لو اعترض معترض فقال : إن تلك الأعمال كانت خاصّة باليهود السابقين،فما صلتها باليهود في زمن النّبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

فنقول : إنّ اليهود في زمن النّبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يبدوا اعتراضا واستنكارا ـ أبدا ـ لأعمال أسلافهم السابقين ، بل كانوا يظهرون الرضى عن تلك الأعمال.

__________________

(١) للاطلاع أكثر على قضية جبل الطّور ، وهل أنّ رفعه فوق رؤوس اليهود كان نتيجة زلزلة ، أم هناك عامل آخر وكذلك فيما يتعلق بعجل السامري ، ومساوئ اليهود ، راجع الجزء الأوّل من هذا التّفسير في البحث الخاص بهذه المواضيع.

٥١٨

أمّا الأمر الثّاني : فيخصّ مسألة نزول التوراة دفعة واحدة ، حيث قلنا في سبب نزول الآيتين الأخيرتين : «إنّ اليهود كانوا يزعمون نزول هذا الكتاب السماوي دفعة واحدة ، في حين أنّ هذا الأمر لا يعتبر من الأمور المؤكّدة ، ولعل الشيء الذي أدى إلى حصول هذا الوهم هو الوصايا العشرة» التي نزلت في ألواح دفعة واحدة على النّبي موسىعليه‌السلام ، بينما لا يوجد لدينا دليل على نزول بقية أحكام التوراة دفعة واحدة.

٥١٩

الآيات

( فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٥٥) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً (١٥٦) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً (١٥٧) بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٥٨) )

التّفسير

نماذج أخرى من ممارسات اليهود العدوانية :

تشير هذه الآيات إلى نماذج أخرى من انتهاكات بني إسرائيل وممارساتهم العدوانية التي واجهوا بها أنبياء الله.

فالآية الأولى تشير إلى قيام اليهود بنقض العهود ، وإلى ارتداد بعضهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم للأنبياء ، بحيث استوجبوا غضب الله والحرمان من رحمته وحرمانهم من قسم من نعم الله الطاهرة.

فقد أنكر هؤلاء آيات الله وكفروا بها بعد نقضهم للعهد واتّبعوا بذلك سبيل

٥٢٠

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710