الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٤

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل9%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 611

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 611 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 139371 / تحميل: 6843
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

تكره ذلك. فقال الغلام : إنّ امّي هي التي أمرتني. فأذن له. وعبد الله بن عمير الكلبي فإنّه رحل إلى الحسينعليه‌السلام من بئر الجعد ، وأقسمت عليه امرأته أن يحملها معه ، فحملها وحمل جميع عياله ، وجاء إلى الحسينعليه‌السلام فانضمّ إليه وضمّ عياله إلى عيال الحسينعليه‌السلام ، فلمّا خرج إلى القتال خرجت أمّه تشجّعه ، ولمّا قتل خرجت زوجته تنظر إليه فوقفت عليه وقتلت. ومسلم بن عوسجة فإنّه جاء بعياله إلى الحسينعليه‌السلام فانضمّ إليه وضمّ عياله إلى عيال الحسينعليه‌السلام ، فلمّا قتل صاحت جارية له : وا سيّداه وا مسلم بن عوسجتاه! فعلم القوم قتله كما عرفت في ترجمته.

الفائدة الرابعة

قتل من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مع الحسينعليه‌السلام خمسة نفر في الطف ، أنس بن الحرث الكاهلي ، ذكره جميع المؤرخين ، وحبيب بن مظهر الأسدي ، ذكره ابن حجر(1) ، ومسلم بن عوسجة الأسدي ، ذكره ابن سعد في الطبقات(2) ، وفي الكوفة هاني بن عروة المرادي ، فقد ذكر الجميع أنّه نيف على الثمانين ، وعبد الله بن يقطر الحميري فإنّه لدة الحسينعليه‌السلام ذكره ابن حجر(3) .

الفائدة الخامسة

قتل من الموالي مع الحسينعليه‌السلام خمسة عشر نفرا في الطف ، نصر وسعد موليا عليعليه‌السلام ، ومنجح مولى الحسنعليه‌السلام ، وأسلم وقارب موليا الحسينعليه‌السلام ، والحرث

__________________

(1) تبصير المنتبه : 4 / 1296.

(2) لم أعثر عليه في مضانه.

(3) الإصابة : 4 / 59 ، وفيه : عبد الله بن يقظة والظاهر أنّه تصحيف.

٢٢١

مولى حمزة ، وجون مولى أبي ذر ، ورافع مولى مسلم الأزدي ، وسعد مولى عمر الصيداوي ، وسالم مولى بني المدينة ، وسالم مولى عامر العبدي ، وشوذب مولى شاكر ، وشبيب مولى الحرث الجابري ، وواضح مولى الحرث السلماني ؛ وفي البصرة سليمان مولى الحسينعليه‌السلام .

الفائدة السادسة

قتل بعد الحسينعليه‌السلام في الطف من أنصاره أربعة نفر وهم : سويد بن أبي المطاع فإنّه ارتثّ وأغمي عليه فأفاق على أصوات البشائر بقتل الحسينعليه‌السلام ، وصراخ الواعية من آل الحسين ، فأخرج سكّينا كان خبّأها في خفّه فقاتل بها حتّى قتل بعده. وسعد بن الحرث ، وأخوه أبو الحتوف فإنّهما كانا على الحسينعليه‌السلام فلمّا قتل وتصارخت العيال والأطفال مالا على قتلة الحسينعليه‌السلام فجعلا يضربان فيهم بسيفيهما حتّى قتلا بعده. ومحمّد بن أبي سعيد بن عقيل فإنّه لمّا صرع الحسين وتصارخت العيال والأطفال خرج مذعورا بباب الخيمة ممسكا بعمودها ، وجعل يتلفت وقرطاه يتذبذبان ، فقتله لقيط أو هاني بعده.

الفائدة السابعة

مات من أنصار الحسين بعده من الجراحات نفران : سوار بن منعم النهمي فإنّه أسر ومات لستّة أشهر من جراحاته ، والموقّع بن ثمامة الصيداوي ، فإنّه أسر ونفي إلى الزارة ، ومات على رأس سنة من جراحاته.

الفائدة الثامنة

قتل مع الحسينعليه‌السلام في الطف سبعة نفر وقتل آباؤهم معهم في الطف ، علي بن

٢٢٢

الحسين ، وعبد الله بن الحسين ، وعمر بن جنادة ، وعبد الله بن يزيد ، وعبيد الله بن يزيد ، ومجمع بن عائذ ، وعبد الرحمن بن مسعود.

وقتل معه في الطف نفران وقتل أبوهما في الكوفة ، وهما : عبد الله ، ومحمّد ابنا مسلم ، فإنّ أباهما مسلم بن عقيل قتل في الكوفة. وقتل معه في الطف رجل قتل أبوه مع أمير المؤمنين في صفين ، وهو عمّار بن حسّان الطائي ، فإنّ عمّارا قتل مع الحسينعليه‌السلام في الطف ، وحسّانا قتل مع أمير المؤمنينعليه‌السلام في صفين.

الفائدة التاسعة

قتل في الطف مع الحسينعليه‌السلام خمسة إخوة من بني هاشم وهم : العبّاس ، وعثمان ، وجعفر ، وأبو بكر ، وعبد الله أولاد عليعليه‌السلام ، فيكون الحسينعليه‌السلام سادسهم.

( وثلاثة إخوة ) : وهم : أبو بكر ، والقاسم ، وعبد الله ، أولاد الحسنعليه‌السلام . ( وثلاثة آخرون ) : وهم : مسلم وعبد الرحمن وجعفر أولاد عقيلعليه‌السلام . ( وثلاثة آخرون من غيرهم ) : وهم : قاسط وكردوس ومسقط أولاد زهير التغلبي. وأخوان منهم وهم : علي وعبد الله ولدا الحسينعليه‌السلام ، وآخران وهما : عبد الله ومحمّد ولدا مسلم. وآخران وهما : عون ومحمّد ولدا عبد الله بن جعفر. وآخران من غيرهم وهما : عبد الله وعبيد الله ولدا يزيد العبدي. وآخران وهما : عبد الله وعبد الرحمن ولدا عروة الغفاري. وآخران وهما : النعمان والحلاس ولدا عمرو الراسبي. وآخران وهما : سعد وأبو الحتوف ولدا الحرث الأنصاري. وآخران لأمّ وهما : مالك وسيف الجابريّان.

الفائدة العاشرة

قتل في الطف تسعة نفر وأمهاتهم في الخيم واقفات تنظرن إليهم وهم : عبد الله بن الحسين ، فإنّ أمّه الرباب واقفة عليه تنظر إليه ، وعون بن عبد الله بن جعفر فإنّ أمّه

٢٢٣

زينب العقيلة واقفة تنظر إليه ، والقاسم بن الحسنعليه‌السلام فإنّ أمّه رملة واقفة تنظر إليه ، وعبد الله بن الحسن فإنّ أمّه بنت الشليل البجليّة واقفة تنظر إليه ، وعبد الله بن مسلم فإنّ أمّه رقيّة بنت عليعليه‌السلام واقفة تنظر إليه ، ومحمّد بن أبي سعيد بن عقيل فإنّ أمّه واقفة تراه مذعورا ممسكا بعمود الخيمة وقد ضربه لقيط أو هاني فقتله وتنظر إليه ، وعمر بن جنادة فإنّ أمّه واقفة تأمره بالقتال وتراه يقتل وتنظر إليه ، وأمّ عبد الله الكلبي فإنّها واقفة على ما ذكره الطاوسي(1) تحثّه على الجلاد مع زوجته وتنظر إليه. وعلي بن الحسين فإنّ أمّه ليلى(2) واقفة تدعو له في الفسطاط على ما روي في بعض الأخبار ، وتراه يقطّع وتنظر إليه.

الفائدة الحادية عشرة

قتل مع الحسينعليه‌السلام في الطف من الصبيان الذين لم يراهقوا الحلم خمسة نفر وهم : عبد الله بن الحسين فإنّه رضيع عرض على أبيه فأخذه إليه فرماه حرملة في نحره وقتله. وعبد الله بن الحسنعليه‌السلام فإنّه خرج إلى عمّه الحسينعليه‌السلام يشتدّ وعمّته زينب تمانعه فلم يمتنع حتّى وصل إلى عمّه ، فرآه صريعا فوقف إلى جنبه ، ورأى بحر بن كلب يريد ضربه ؛ فصاح به : أتضرب عمّي يا ابن الخبيثة ، فقصده بالضربة وقتله. ومحمّد بن أبي سعيد فإنّه لمّا صرع الحسينعليه‌السلام وتصايحت النساء ذعر فخرج إلى باب الخيمة ممسكا بعمودها فأهوى إليه لقيط أو هاني بسيفه وقتله. والقاسم بن الحسنعليه‌السلام ، فإنّه خرج يريد القتال على صغر سنّه فانقطع شسع نعله

__________________

(1) راجع اللهوف : 161.

(2) وهي ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي. وهناك اختلاف بين أرباب التاريخ والمقاتل حول حضورها في وقعة كربلاء ، والظاهر عدم ذلك.

٢٢٤

فوقف عليه ليشدّه ، فأهوى إليه بسيفه عمر بن سعد الأزدي وقتله. وعمر بن جنادة الأنصاري ، فإنّه خرج إلى القتال مستأذنا أبا عبد الله الحسينعليه‌السلام بأمر من أمّه فأهوى إليه بعضهم بسيفه وقتله.

الفائدة الثانية عشرة

أبّن(1) الحسين راثيا من أحبته وأنصاره عشرة نفر وهم : علي بن الحسينعليه‌السلام فإنّه لمّا قتل وقف عليه وقال : « قتل الله قوما قتلوك ، ما أجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول ، على الدنيا بعد العفا » ، والعبّاس بن عليعليه‌السلام فإنّه لمّا قتل وقف عليه وقال : « الآن انكسر ظهري وقلّت حيلتي ، وشمت بي عدوي ». والقاسم بن الحسنعليه‌السلام فإنّه لمّا قتل وقف عليه وقال : « بعدا لقوم قتلوك وخصمهم فيك رسول الله » ، ثمّ قال : « عزّ على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك » إلى آخر كلامه. وعبد الله بن الحسن ، فإنّه لمّا قتل ضمّه إليه ، وقال : « يا ابن أخي اصبر على ما نزل بك ، واحتسب في ذلك الخير ، فإنّ الله يلحقك بآبائك الصالحين » ، إلى آخر كلامه. وعبد الله بن الحسينعليه‌السلام فإنّه لمّا قتل رمى بدمه نحو السماء ، وقال : « اللهمّ لا يكن أهون عليك من دم فصيل » إلى آخر كلامه. ومسلم بن عوسجة ، فإنّه لمّا قتل وقف عليه وقال : « رحمك الله يا مسلم » وتلا :( فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) (2) . وحبيب بن مظهّر فإنّه لمّا قتل وقف عليه وقال : « عند الله أحتسب نفسي وحماة أصحابي ». والحرّ بن يزيد الرياحي ، فإنّه لمّا قتل وقف عليه وقال : « أنت كما سمّتك أمّك حرّ في الدنيا وسعيد في الآخرة ». وزهير بن القين ، فإنّه لمّا قتل وقف

__________________

(1) والتأبين : مدح الرجل بعد موته. راجع معجم مقاييس اللغة : 1 / 44.

(2) الأحزاب : 23.

٢٢٥

عليه وقال : « لا يبعدنّك الله يا زهير من رحمته ولعن الله قاتليك لعن الذين مسخوا قردة وخنازير ». وجون مولى أبي ذر ، فإنّه لمّا قتل وقف عليه وقال : « اللهمّ بيّض وجهه وطيّب ريحه ، وعرّف بينه وبين محمّد وآله ». وأبّن نفرين بغير الطف. وهما مسلم بن عقيل وهاني بن عروة ، فإنّهما لمّا قتلا بالكوفة وبلغه خبرهما بالثعلبيّة قال : « رحمة الله عليهما » وجعل يكرّر ذلك.

الفائدة الثالثة عشرة

مشى الحسينعليه‌السلام يوم الطف إلى سبعة نفر من أحبّته وأنصاره بعد ما قتلوا وهم : مسلم بن عوسجة ، فإنّه لمّا قتل مشى إليه ومعه حبيب بن مظهّر ، وقال له : « رحمك الله يا مسلم ». والحرّ بن يزيد ، فإنّه لمّا قتل مشى إليه ، وقال : « أنت كما سمّتك امّك ». وواضح الرومي أو أسلم التركي فإنّه لمّا قتل مشى إليه واعتنقه ووضع خدّه الشريف على خدّه. وجون بن حوى ، فإنّه لمّا قتل مشى إليه وقال : « اللهمّ بيّض وجهه » إلى آخر ما قال. والعبّاس بن عليعليه‌السلام فإنّه لمّا قتل مشى إليه وجلس عنده وقال له : « الآن انكسر ظهري » إلى آخر كلامه. وعلي بن الحسينعليه‌السلام ، فإنّه لمّا قتل مشى إليه ووقف عليه ، وقال فيما قال : « على الدنيا بعدك العفا » ، والقاسم بن الحسنعليه‌السلام ، فإنّه لمّا قتل مشى إليه ووقف عليه ، وقال : « بعدا لقوم قتلوك » إلى آخر ما قال.

الفائدة الرابعة عشرة

قطعت أعضاء ثلاثة نفر من أحبّة الحسينعليه‌السلام وأنصاره في حال قتلهم يوم الطفّ ، وهم : العبّاس بن عليعليه‌السلام ، فإنّه قطعت يمينه ثمّ شماله ثمّ رأسه ، وعلي بن الحسينعليه‌السلام ، فإنّه ضرب على رأسه ثمّ قطّع بالسيوف إربا إربا. وعبد الرحمن بن عمير فإنّه قطعت يده في منازلة سالم ويسار ثمّ قطعت ساقه ثمّ قطع رأسه ورمي به

٢٢٦

إلى جهة الحسينعليه‌السلام .

الفائدة الخامسة عشرة

رمي لنحو الحسينعليه‌السلام من رءوس أصحابه في الطف ثلاثة رءوس : رأس عبد الله ابن عمير الكلبي ، فإنّه رمي به إلى نحو الحسينعليه‌السلام فأخذته امّه ، ورأس عمر بن جنادة ، فإنّه رمي به أيضا إلى نحو الحسين ، فأخذته أمّه وضربت به رجلا على ما روي فقتلته ، ثمّ أخذت عمود الخيمة فأرادت القتال فمنعها الحسينعليه‌السلام . ورأس عابس بن أبي شبيب الشاكري ، فإنّه لمّا قتل قطع رأسه وتنازعته جماعة ففصل بينهم عمر بن سعد وقال : هذا لم يقتله إنسان واحد ، ثمّ رمى به لنحو الحسينعليه‌السلام .

الفائدة السادسة عشرة

قتلت مع الحسين في يوم الطف امرأة واحدة وهي أمّ وهب النمرية القاسطيّة زوجة عبد الله بن عمير الكلبي ، فإنّها وقفت عليه وهو قتيل فقالت : أسأل الله الذي رزقك الجنّة أن يصحبني معك. فقتلها رستم غلام شمر بعمود.

الفائدة السابعة عشرة

قاتلت مع الحسينعليه‌السلام يوم الطف امرأتان وهما أمّ عبد الله بن عمير ، فإنّها بعد قتل ولدها أخذت عمود خيمة وبرزت به إلى الأعداء ، فردّها الحسينعليه‌السلام وقال : « ارجعي رحمك الله فقد وضع الله عنك الجهاد ». وأمّ عمر بن جنادة فإنّها على ما روي أخذت بعد قتل ولدها رأسه وضربت به رجلا فقتلته ، ثمّ أخذت سيفا وجعلت تقول :

أنا عجوز في النسا ضعيفه

بالية خاوية نحيفه

٢٢٧

أضربكم بضربة عنيفه

دون بني فاطمة الشريفة

فأتاها الحسينعليه‌السلام وردّها إلى الخيمة ، على ما ذكره جماعة من أهل المقاتل.

الفائدة الثامنة عشرة

برزت بين الأعداء يوم الطف من مخيّم الحسينعليه‌السلام خمس نسوة ، وهنّ : جارية مسلم بن عوسجة ، صرع فخرجت صائحة وا سيّداه. وأمّ وهب زوجة عبد الله الكلبي ، خرجت معه لتقاتل ، وبعد قتله ، فقتلت. وأمّ عبد الله هذا خرجت معه تشجّعه وبعد قتله لتؤبّنه وتقاتل وأمّ عمر بن جنادة خرجت بعد قتله تقاتل. وزينب الكبرى خرجت بعد قتل علي بن الحسينعليه‌السلام تنادي صارخة : يا حبيباه يا ابن أخيّاه وجاءت حتّى انكبّت عليه ، فجاء إليها الحسينعليه‌السلام وردّها.

الفائدة التاسعة عشرة

بقيت عيالات غير الطالبيين من أنصار الحسينعليه‌السلام بالكوفة ، وذلك لأنهنّ حين الوصول إلى الكوفة شفع فيهن ذوو قرباهنّ من القبائل عند ابن زياد ، فأخذهنّ من السبي ، وسبيت الطالبيّات إلى الشام.

الفائدة العشرون

قتل بعد قتل الحسينعليه‌السلام صبيّان في الكوفة على ما رواه جماعة منهم الصدوق في الأمالي(1) ، وذلك أنّه لمّا جيء إلى الكوفة بالسبايا من العيال والأطفال ، فرّ من الدهشة والذعر صبيّان ، وهما إبراهيم ومحمّد من ولد عقيل أو جعفر ، فلجئا إلى دار

__________________

(1) أمالي الصدوق : 76 / ح 2 ، والبحار : 45 / 100 / ح 1.

٢٢٨

فلان الطائي ، فسألهما عن شأنهما؟ فأخبراه وقالا له : إنّا من آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فررنا من الأسر ولجأنا إليك ، فسوّلت له نفسه الخبيثة أن لو قتلهما وجاء برأسيهما إلى ابن زياد لأعطاه جائزة ، فقتلهما وأخذ رأسيهما وجاء إلى عبيد الله بن زياد ، فدخل عليه وقدّم الرأسين إليه ، فقال له ابن زياد : بئسما فعلت ، عمدت إلى صبيّين استجارا بك فقتلتهما وخفرت جوارك ، ثمّ أمر بقتله فقتل(1) .

فهؤلاء مائة واثنا عشر نفرا من أنصار الحسينعليه‌السلام ، ترجمتهم في هذا الكتاب المسمّى ( إبصار العين ) ، وما حصلت على هذه التراجم إلاّ بكدّ اليمين وعرق الجبين وسهر الناظر وفكر الخاطر وما استسهلت هذه المخاطر إلاّ لأنني :

خدمت به سبط النبي مترجما

لأنصاره المستشهدين على الطف

فإن كان مقبولا وظني هكذا

فيا سعد حظّي بالكرامة واللطف

وإلاّ فإنّي واقف وسينهمي

على واقف تحت الحياصيب الوطف

وهذا آخر ما يجرى به اليراع ، وتنثني عليه العضد والذراع

ختمته حامدا لله ربّ العالمين مصلّيا على محمّد وآله الميامين في البلد الأمين

نجف كوفان

لثمان بقين من شعبان سنة ألف وثلاثمائة وإحدى وأربعين من الهجرة النبويّة على مهاجرها الصلاة والسلام والتحيّة.

__________________

(1) راجع أمالي الصدوق : 76 / ح 2 ، والبحار : 45 / 100 / ح 1.

٢٢٩
٢٣٠

الفهارس العامة

1 ـ فهرس الآيات القرآنية

2 ـ فهرس أسماء المعصومينعليهم‌السلام

3 ـ فهرس الأحاديث

4 ـ فهرس الأعلام والرواة

5 ـ فهرس الأماكن والبقاع

6 ـ فهرس الفرق والجماعات

7 ـ فهرس الأبيات الشعرية

8 ـ فهرس الملابس وأدوات الزينة

9 ـ فهرس الحيوانات

10 ـ فهرس أسماء الكتب الواردة في متن الكتاب

11 ـ فهرس مصادر التحقيق

12 ـ فهرس الموضوعات

٢٣١
٢٣٢

فهرس الآيات القرآنية

الآية

رقمها

الصفحة

سورة البقرة (2)

( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ )

207

157

سورة آل عمران (3)

( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ )

178

122

سورة يونس (10)

( فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ) /

71

35

( قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ )

57

190

سورة هود (11)

( إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ )

55

35

سورة طه (20)

( فَيُسْحِتَكُمْ الله بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى )

61

131

سورة القصص (28)

( فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ )

21

24

( وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى )

22

24

( وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ )

41

171

سورة ص (38)

( ارْكُضْ بِرِجْلِكَ )

42

65

٢٣٣

الآية

رقمها

الصفحة

سورة الأحزاب (33)

( فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ )

23

110، 114، 225

سورة الحشر (59)

( دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ )

7

46

سورة الإنسان (76)

( وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ )

29

103

٢٣٤

فهرس أسماء المعصومين عليهم السلام (1)

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

27 ، 33 ، 34 ، 36 ، 49 ، 52 ، 66 ، 68 ، 69 ، 72 ، 75 ، 93 ، 97 ، 99 ، 102 ، 105 ، 108 ، 111 ، 123 ، 127 ، 145 ، 157 ، 165 ، 166 ، 168 ، 179 ، 180 ، 206 ، 221 ، 225 ، 229.

الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام :

39 ، 40 ، 41 ، 44 ، 49 ، 50 ، 51 ، 54 ، 57 ، 66 ، 68 ، 70 ، 71 ، 75 ، 85 ، 89 ، 90 ، 97 ، 98 ، 101 ، 102 ، 113 ، 116 ، 119 ، 121 ، 123 ، 126 ، 127 ، 129 ، 134 ، 139 ، 144 ، 145 ، 147 ، 151 ، 158 ، 153 ، 155 ، 157 ، 167 ، 174 ، 175 ، 180 ، 187 ، 197 ، 198 ، 200 ، 223.

الزهراءعليها‌السلام :

57 ، 97 ، 102 ، 165.

الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام :

23 ، 24 ، 67 ، 68 ، 98 ، 119 ، 200.

الإمام زين العابدينعليه‌السلام :

177.

الإمام الباقرعليه‌السلام :

55 ، 177.

الإمام الصادقعليه‌السلام :

57.

__________________

(1) نظرا لورود اسم الإمام الحسينعليه‌السلام في غالبية صفحات الكتاب لذا لم نورده في ضمن هذا الفهرس.

٢٣٥

الإمام الرضاعليه‌السلام :

173 ، 197.

الإمام الجوادعليه‌السلام :

57.

عزيرعليه‌السلام :

36.

المسيحعليه‌السلام :

36.

يوسفعليه‌السلام :

27 ، 35.

يعقوبعليه‌السلام :

27.

٢٣٦

فهرس الأحاديث

حرف الألف

الحديث

المعصوم

الصفحة

أبغني امرأة قد ولدتها الفحولة

أمير المؤمنينعليه‌السلام

56

ابن بنت نبيكم

الإمام الحسينعليه‌السلام

33

أخبروني خبر الناس

الإمام الحسينعليه‌السلام

145 ، 146

أ تعرفون هذا؟

الإمام الحسينعليه‌السلام

103

أ تريد أن تصلي بأصحابك

الإمام الحسينعليه‌السلام

204

أثني على الله أحسن الثناء

الإمام الحسينعليه‌السلام

31

احبسيه يا أخيّة

الإمام الحسينعليه‌السلام

73

الحق يا بني بفرطنا عثمان بن مظعون

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

69

الحقي بسلفنا الخير عثمان بن مظعون

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

69

الحمد لله وما شاء الله ولا قوّة إلاّ بالله

الإمام الحسينعليه‌السلام

27

احملوا أخاكم

الإمام الحسينعليه‌السلام

52

٢٣٧

ادعوهم إلى الله وطاعته

الإمام الحسينعليه‌السلام

134

اردد علينا مالنا وخذ أرضك

الإمام الحسينعليه‌السلام

78

ارجعي رحمك الله فقد وضع الله عنك

الإمام الحسينعليه‌السلام

227

اسقوا القوم ورشفوا الخيل

الإمام الحسينعليه‌السلام

204

اشتد غضب الله على اليهود

الإمام الحسينعليه‌السلام

36

٢٣٨

الحديث

المعصوم

الصفحة

أ فهذه نصيحة لنا منك يا ابن الحر

الإمام الحسينعليه‌السلام

152

ألا ان الله عزّ وجلّ وليّ وأنا ولي المؤمنين

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

157

آمين آمين

الإمام الحسينعليه‌السلام

131

أما بعد فإن الله اصطفى محمدا على

الإمام الحسينعليه‌السلام

95

أما بعد فإنّ سعيدا وهانيا قدما عليّ

الإمام الحسينعليه‌السلام

25 ، 216

أما بعد فقد أرسلت إليكم أخي وابن

الإمام الحسينعليه‌السلام

79

أما بعد فانسبوني من أنا وانظروا

الإمام الحسينعليه‌السلام

33 ، 104

أما بعد فإنّ الدنيا قد تغيّرت

الإمام الحسينعليه‌السلام

121

أما بعد فإنك غررت غلاما

الإمام الحسينعليه‌السلام

78

أما بعد فإني لا أعلم أهل بيت

الإمام الحسينعليه‌السلام

60

أما بعد فقد خشيت أن يكون حملك

الإمام الحسينعليه‌السلام

115

أما بعد فإنّه قد نزل بنا من الأمر

الإمام الحسينعليه‌السلام

30، 147، 162

٢٣٩

أما بعد فقد أتانا خبر فظيع أنّه قتل

الإمام الحسينعليه‌السلام

87 ، 94

أما والله لا تلبثون بعدها إلاّ كريث

الإمام الحسينعليه‌السلام

35

أما والله إنّي لأرجو أن يكون خيرا

الإمام الحسينعليه‌السلام

115

أنت أخو أخيك أتريد

الإمام الحسينعليه‌السلام

34

أنت كما سمّتك أمّك حر

الإمام الحسينعليه‌السلام

210 ، 225

أنت حامل لوائي

الإمام الحسينعليه‌السلام

62

إن عزمت فاستسق لنا ماء

الإمام الحسينعليه‌السلام

62

إن القوم يطلبوني ولو أصابوني

الإمام الحسينعليه‌السلام

109

إنّ ابني هذا يقتل بأرض من أرض العراق

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

99

٢٤٠

مخلوقات ضعيفة كالأصنام ، لا هم حققوا لأنفسهم الراحة في هذا العالم ، ولا هم ضمنوا ذلك في الحياة الآخرة ، فتقول الآية :( وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ) ، أين هم ، لماذا لا يأتون اليوم لإنقاذهم؟ لماذا لا يظهر أي حول ولا يبدون أية قوّة؟

ألم تكونوا تتوقعون منهم أن يعينوكم على حل مشكلاتكم؟ فلما ذا ـ إذن ـ لا نرى لهم أثرا؟

فيستولي على هؤلاء الرعب والخوف ويبهتون ولا يحيرون جوابا ، سوى أن يقسموا بالله إنّهم لم يكونوا مشركين ، ظنا منهم أنّهم هناك أيضا قادرون على إخفاء الحقائق :( ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ ) .

حول معنى «فتنة» ثمّة كلام بين المفسّرين ، منهم من قال : إنّها بمعنى الاعتذار ، وقال آخرون : إنّها بمعنى الجواب : وقالوا أيضا : إنّها الشرك(١) .

هنالك احتمال آخر في تفسير هذه الآية ، وهو القول بأنّ «الفتنة» من «الافتتان» أي الوله بالشيء ، فيكون المعنى أن افتتانهم بالشرك وعبادة الأصنام ، بشكل يغشى عقولهم وأفكارهم ، قد أدى إلى أن يدركوا يوم القيامة ـ يوم يزاح الستر ـ خطأهم الكبير ، ويستقبحوا أعمالهم وينكروها تماما.

يقول الراغب في «المفردات» : أن أصل «الفتن» إدخال الذهب النّار لتظهر جودته من رداءته ، فقد يكون هذا المعنى ممّا تفسر به الآية المذكورة ، أي أنّهم عند ما تحيط بهم شدّة يوم القيامة يستيقظون ويقفون على خطأهم ، فينكرون أعمالهم طلبا للنجاة.

الآية الثّالثة ، ومن أجل أن يعتبر الناس بمصير هؤلاء الأفراد تقول :( انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ ) .

__________________

(١) إذا أخذناها على إنّها بمعنى الاعتذار والجواب ، فلا حاجة فيهما للتقدير ، أمّا إذا أخذت بمعنى الشرك ، فينبغي أن نقدر كلمة «نتيجة» أي أنّ نتيجة شركهم كانت أن يقسموا إنّهم لم يكونوا مشركين.

٢٤١

وتنهار المساند التي اختاروا الاستناد عليها وجعلوها شريكة لله ، وخابوا في مسعاهم( وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ ) .

* * *

لا بدّ هنا من ملاحظة النقاط التّالية :

١ ـ لا شك أنّ المقصود بعبارة «انظر» هو النظر بعين العقل ، لا بالعين الباصرة إذا لا يمكن أن ترى مشاهد يوم القيامة رأي العين في هذه الدنيا.

٢ ـ وقوله سبحانه( كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ ) إمّا أن يعني أنّهم خدعوا أنفسهم في الدنيا وخرجوا عن طريق الحقّ ، وإمّا أن يراد منه يوم القيامة حيث يقسمون على أنّهم لم يكونوا مشركين ، والحقيقة أنّهم بهذا يكذبون على أنفسهم ، فقد كانوا مشركين فعلا.

٣ ـ يبقى سؤال آخر ، وهو أنّ الآية المذكورة تفيد أنّ المشركين ينكرون شركهم يوم القيامة مع أنّ ظروف يوم القيامة لا يمكن أن تسمح لأحد أن يجانب الصدق وهو يرى تلك الحقائق الحسية ، كما لو كان أحد يريد أن يغطي على الشمس في رابعة النهار ، ليقول كذبا : إنّ الدنيا ظلام ، ثمّ إن هناك آيات أخرى تفيد بأنّهم يوم القيامة يعترفون صراحة بشركهم ولا يخفون أمرا :( وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً ) (١) .

يمكن أن نذكر لهذا السؤال جوابين :

أوّلا : ليوم القيامة مراحل ، ففي المراحل الأولى يظن المشركون أنّهم بالكذب يستطيعون التملص من عذاب الله الأليم ، لذلك يرجعون إلى عادتهم القديمة في التوسل بالكذب ، ولكن في المراحل التّالية يدركون أن لا مهرب لهم أبدا ،

__________________

(١) النساء ، ٤٢.

٢٤٢

فيعترفون بأعمالهم.

يبدو أنّ الأستار يوم القيامة ترفع ـ بالتدريج ـ عن عين الإنسان ، وفي البداية ـ عند ما لا يكون المشركون قد درسوا ملفات أعمالهم جيدا بعد ـ يركنون إلى الكذب ، ولكن في المراحل التّالية حيث ترتفع فيها الأستار أكثر ويرون كل شيء حاضرا ، لا يجدون مندوحة عن الاعتراف تماما ، مثل المجرمين الذين ينكرون كل شيء في بداية التحقيق ، حتى معرفتهم بأصدقائهم ولكنّهم عند ما يرون الأدلة المادية والمستندات الحيّة التي تفضح جريمتهم ، يدركون أنّ الأمر من الوضوح بحيث لا يحتمل الإنكار ، فيعترفون ويدلون بإفادة كاملة ، وقد ورد هذا الجواب في حديث عن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام (١) .

وثانيا : إنّ الآية المذكورة تتحدث عمّن لا يرى نفسه مشركا مثل المسيحيين الذين قالوا بالآلهة الثلاثة واعتقدوا أنّهم موحدون ، أو مثل الذين يدّعون التوحيد ، لكن أعمالهم ملوثة بالشرك ، لأنّهم كانوا يعرضون عن تعاليم الأنبياء ، ويعتمدون على غير الله وينكرون ولاية أولياء الله هؤلاء يقسمون يوم القيامة على أنّهم كانوا موحدين ، ولكنّهم سرعان ما يدركون أنّهم في الباطن كانوا مشركين ، هذا الجواب أيضا قد ورد في عدد من الرّوايات نقلا عن الإمام عليعليه‌السلام والإمام الصادقعليه‌السلام (٢) .

وكلا الجوابين مقبولان.

* * *

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ١ ، ص ٧٠٨.

(٢) تفسير «نور الثقلين» ، ج ١ ، ص ٧٠٨.

٢٤٣

الآيتان

( وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٥) وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٢٦) )

التّفسير

حجب لا تقبل الاختراق :

في هذه الآية إشارة إلى الوضع النفسي لبعض المشركين ، فهم لا يبدون أية مرونة تجاه سماع الحقائق ، بل أكثر من ذلك ـ يناصبونها العداء ، ويقذفونها بالتهم ، فيبعدون أنفسهم وغيرهم عنها ، عن هؤلاء تقول الآية :( وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً ) (١) .

في الواقع كانت عقولهم وأفكارهم منغمسة في التعصب الجاهلي الأعمى ، وفي المصالح المادية والأهواء ، بحيث أصبحت وكأنّها واقعة تحت الأستار

__________________

(١) «أكنة» جمع «كنان» وهو كل ستار أو حاجز ، و «الوقر» بمعنى ثقل السمع.

٢٤٤

والحواجز ، فلا هم يسمعون حقيقة من الحقائق ، ولا هم يدركون الأمور إدراكا صحيحا.

سبق أن قلنا مرارا أنّ نسبة هذه الأمور إلى الله ، إنّما هو إشارة إلى قانون «العلة والمعلول» وخاصية «العمل» ، أي أنّ أثر الاستمرار في الانحراف والإصرار على المعاندة والتشاؤم يظهر في اتصاف نفس الإنسان بهذه المؤثرات ، وفي تحولها إلى مثل المرآة المعوجة التي تعكس صور الأشياء معوجة منحرفة ، لقد أثبتت التجربة أنّ المنحرفين والمذنبين يحسون أوّل الأمر بعدم الرضا عن حالهم ، ولكنّهم يعتادون ذلك بالتدريج ، وقد يصل بهم الأمر إلى اعتبار أعمالهم القبيحة لازمة وضرورية ، وبتعبير آخر : هذا واحد من أنواع العقاب الذي يناله المصّرون على العصيان ومعاداة الحقّ.

وهؤلاء وصلوا حدّا تصفه الآية فتقول :( وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها ) ، بل الأكثر من ذلك أنّهم عند ما يأتون إليك ، لا يفتحون نوافذ قلوبهم أمام ما تقول ، ولا يأتون ـ على الأقل ـ بهيئة الباحث عن الحقّ الذي يسعى للعثور على الحقيقة والتفكير فيها ، بل يأتون بروح وفكر سلبيين ، ولا هدف لهم سوى الجدل والاعتراض :( حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ ) أنّهم عند سماعهم كلامك الذي يستقي من ينابيع الوحي ويجري على لسانك الناطق بالحقّ ، يبادرون إلى اتهامك بأنّ ما تقوله إنّما هو خرافات اصطنعها أناس غابرون :( يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ) .

الآية التّالية تذكر أنّ هؤلاء لا يكتفون بهذا ، فهم مع ضلالهم يسعون جاهدين للحيلولة دون سلوك الباحثين عن الحقيقة هذا الطريق بما يشيعونه ويروجونه من مختلف الأكاذيب ، ويمنعونهم أن يقتربوا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ ) ، ويبتعدون عنه بأنفسهم :( وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ) (١) ، دون أن يدركوا أنّ من يصارع الحقّ

__________________

(١) «ينأون» من «نأى» بمعنى ايتعد.

٢٤٥

يكن صريعه ، وأخيرا ، وبحسب قانون الخلق الثابت ، يظهر وجه الحقّ من وراء السحب ، وينتصر بماله من قوّة ، ويتلاشى الباطل كما يتلاشى الزبد الطافي على سطح الماء ، وعليه فإنّ مساعيهم سوف تتحطم على صخرة الإخفاق والخيبة وما يهلكون غير أنفسهم ، ولكنّهم لا يدركون الحقيقة :( وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ ) .

الصاق تهمة عظيمة بأبي طالب مؤمن قريش :

يتّضح ممّا قيل في تفسير هذه الآية أنّها تتابع الكلام على المشركين المعاندين وأعداء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الألداء ، والضمير «هم» يعود بموجب قواعد الأدب واللغة ـ إلى الذين تتناولهم الآية بالبحث ، أي الكفار المتعصبين الذين لم يدخروا وسعا في إيذاء النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووضع العثرات في طريق الدعوة إلى الإسلام.

ولكن ـ لشديد الأسف ـ نرى بعض المفسّرين من أهل السنة يخالفون جميع قواعد اللغة العربية ، فيقطعون الآية الثّانية من الآية الاولى ويقولون : إنّها نزلت في أبي طالب والد أمير المؤمنين عليعليه‌السلام .

أنّهم يفسرون الآية هكذا : هناك فريق يدافعون عن رسول الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكنّهم في الوقت نفسه يبتعدون عنه :( وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ) وهم يستشهدون في توكيد رأيهم ببعض الآيات الأخرى من القرآن ، ممّا سنتناوله في موضعه ، مثل الآية (١١٤) من سورة التوبة والآية (٥٦) من سورة القصص.

لكن جميع علماء الشيعة وجمع من علماء أهل السنة ، ومثل ابن أبي الحديد شارح نهج البلاغة والقسطلاني في «إرشاد الساري» وزيني دحلان في حاشية السيرة الحلبية ، ويعتبرون أبا طالب من مؤمني الإسلام ، وهناك في المصادر الإسلامية الأصيلة دلائل كثيرة على هذا.

ومن يطالع هذه الأدلة يندفع للتساؤل بدهشة : ما السبب الذي حدا ببعضهم

٢٤٦

إلى كره أبي طالب وتوجيه مثل هذا الاتهام الكبير إليه؟!

كيف يكون هدفا لمثل هذا الاتهام من كان يدافع بكل كيانه ووجوده عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولطالما وقف هو وابنه في مواقع الخطر يدر آن عن حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كل خطر؟!

هنا يرى المحققون المدققون أنّ التيار المناوئ لأبي طالب تيار سياسي ينطلق من عداء «شجرة بني أمية الخبيثة» لمكانة عليعليه‌السلام .

ذلك لأنّ أبا طالب ليس الوحيد الذي تعرض لمثل هذه الهجمات بسبب قرابته من أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، بل إنّنا نلاحظ على امتداد تاريخ الإسلام أنّ كل من كان له بأي شكل من الأشكال نوع من القرابة من أمير المؤمنين عليعليه‌السلام لم ينج من هذه الحملات اللئيمة ، وفي الحقيقة كان ذنب أبي طالب الوحيد أنّه والد الشخصية الإسلامية الكبرى عليعليه‌السلام .

ونذكر هنا بإيجاز مختلف الأدلة التي تثبت إيمان أبي طالب ، تاركين التفاصيل للكتب المختصة في الموضوع.

١ ـ كان أبو طالب يعلم ، قبل بعثة الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّ ابن أخيه سوف يصل إلى مقام النبوة ، فقد كتب المؤرخون أنّه في رحلته مع قافلة قريش إلى الشام اصطحب معه ابن أخيه محمّدا البالغ يومئذ الثّانية عشرة من العمر ، وفي غضون الرحلة رأى منه مختلف الكرامات ، ثمّ عند ما مرّت القافلة بالراهب (بحيرا) الذي أمضى سنوات طوالا في صومعته على طريق القوافل التجارية ، استلف محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نظر الراهب الذي راح يدقق في وجهه وملامحه ، ثمّ التفت إلى الجمع سائلا : من منكم صاحب هذا الصبي؟ فأشار الجمع إلى أبي طالب الذي قال له : هذا ابن أخي ، فقال بحيرا : إنّ لهذا الصبي شأنا ، إنّه النّبي الذي أخبرت به وبرسالته الكتب السماوية ، وقد قرأت فيها تفاصيل ذلك كله(١) .

__________________

(١) ملخص ما ورد في سيرة ابن هشام ، ج ١ ، ص ١٩١ ، وسيرة الحلبي ، ج ١ ، ص ١٣١ ، وكتب أخرى.

٢٤٧

ولقد كان أبو طالب قبل ذلك قد أدرك من الوقائع والقرائن التي رآها من ابن أخيه أنّه سيكون نبي هذه الأمّة.

وبموجب ما يذكره الشهرستاني صاحب «الملل والنحل» وغيره من علماء السنة أنّ سماء مكّة قد جست بركتها عن أهلها سنة من السنين ، فواجه الناس سنة ـ جفاف شديد ، فأمر أبو طالب أنّ يأتوه بابن أخيه محمّد ، فأتوه به وهو رضيع في قماطه ، فوقف تجاه الكعبة ، وفي حالة من التضرع والخشوع أخذ يرمي بالطفل ثلاث مرات إلى أعلى ثمّ يتلقفه وهو يقول : يا ربّ بحق هذا الغلام اسقنا غيثا مغيثا دائما هطلا ، فلم يمض إلّا بعض الوقت حتى ظهرت غمامة من جانب الأفق وغطت سماء مكّة كلّها وهطل مطر غزير كادت معه مكّة أن تغرق.

ثمّ يقول الشهرستاني : هذه الواقعة ، التي تدل على علم أبي طالب بنبوة ابن أخيه ورسالته منذ طفولته تؤكّد إيمانه به ، وهذا أبيات أنشدها أبو طالب بعد ذلك بتلك المناسبة :

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأرامل

يلوذ به الهلاك من آل هاشم

فهم عنده في نعمة وفواضل

وميزان عدل لا يخيس شعيرة

ووزان صدق وزنه غير عائل

إنّ حكاية إقبال قريش على أبي طالبرحمه‌الله عند الجفاف ، واستشفاع أبي طالب إلى الله بالطفل قد ذكرها غير الشهرستاني عدد آخر من كبار المؤرخين ، وقد أورد العلّامة الاميني قدس سرّه صاحب كتاب «الغدير» هذه الحكاية وذكر أنّه نقلها من «شرح البخاري» و «المواهب اللدنية» و «الخصائص الكبرى» و «شرح بهجة المحافل» و «السيرة الحلبية» و «السيرة النبوية» و «طلبة الطالب»(١) .

٢ ـ إضافة إلى كتب التّأريخ المعروفة ، فإنّ بين أيدينا شعرا لأبي طالب جمع في «ديوان أبي طالب» ، ومنه الأبيات التّالية :

__________________

(١) «الغدير» ، ج ٧ ، ص ٣٤٦.

٢٤٨

والله لن يصلوا إليك بجمعهم

حتى أوسد في التراب دفينا

فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة

وابشر بذاك وقر منك عيونا

ودعوتني وعلمت أنك ناصحي

ولقد دعوت وكنت ثمّ أمينا

ولقد علمت بأنّ دين محمّد

من خير أديان البرية دينا

كما قال أيضا :

ألم تعلموا أنا وجدنا محمّدا

رسولا كموسى خط في أوّل الكتب

وإنّ عليه في العباد محبّة

ولا حيف في من خصّه الله بالحبّ(١)

يذكر ابن أبي الحديد طائفة كبيرة من أشعار أبي طالب (التي يقول عنها ابن شهر آشوب في «متشابهات القرآن» أنّها تبلغ ثلاثة آلاف بيت) ثمّ يقول : إن هذه الأشعار لا تدع مجالا للشك أنّ أبا طالب كان يؤمن برسالة ابن أخيه.

٣ ـ ثمّة أحاديث منقولة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تؤكّد شهادته بإيمان عمه الوفي أبي طالب ، من ذلك ما ينقله لنا صاحب كتاب «أبو طالب مؤمن قريش» فيقول : عند ما توفي أبو طالب رثاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو على قبره ، قائلا : «وا أبتاه! وا أبا طالباه وا حزناه عليك! كيف أسلو عليك يا من ربيتني صغيرا ، واجبتني كبيرا ، وكنت عندك بمنزلة العين من الحدقة والروح من الجسد»(٢) .

وكثيرا ماكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «ما نالت منّي قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب»(٣) .

٤ ـ من المتفق عليه أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أمر بقطع كل رابطة صحبة له بالمشركين ، وكان ذلك قبل وفاة أبي طالب بسنوات ، وعليه فإنّ ما أظهره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الحبّ والتعلق بأبي طالب يدل على أنّه كان يرى في أبي طالب

__________________

(١) هاتان القطعتان وردتا في «خزانة الأدب» و «وتاريخ ابن كثير» و «شرح ابن أبي الحديد» و «فتح الباري» و «بلوغ الارب» و «تاريخ أبي الفداء» و «السيرة النبوية» وغيرها نقلا عن «الغدير» ، ج ٨.

(٢) «شيخ الأباطح» نقلا عن «أبو طالب مؤمن قريش».

(٣) الطبري ، نقلا عن «أبو طالب مؤمن قريش».

٢٤٩

تابعا لمدرسة التوحيد ، وإلّا فكيف ينهى الآخرين عن مصاحبة المشركين ، ويبقى هو على حبّه العميق لأبي طالب؟

٥ ـ في الأحاديث التي وصلتنا عن أهل البيتعليهم‌السلام أدلة وافرة على إيمان أبي طالب وإخلاصه ، ولا يسع المجال هنا لذكرها ، وهي أحاديث تستند إلى الاستدلال المنطقي والعقلي ، كالحديث المنقول عن الإمام زين العابدينعليه‌السلام الذي قال ـ بعد أن سئل عن إيمان أبي طالب وأجاب الإيجاب ـ : «إنّ هنا قوما يزعمون أنّه كافر وا عجبا كل العجب! أيطعنون على أبي طالب أو على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد نهاه الله أن تقرّ مؤمنة مع كافر في غير آية من القرآن (أي في أكثر من آية) ولا يشك أحد أن فاطمة بنت أسد رضي الله تعالى عنها من المؤمنات السابقات ، فإنّها لم تزل تحت أبي طالب حتى مات أبو طالبرضي‌الله‌عنه »(١) .

٦ ـ وإذا تركنا كل هذا جانبا ، فاننا قد نشك في كل شيء إلّا في حقيقة كون أبي طالب كان على رأس حماة الإسلام ورسول الإسلام ، وكانت حمايته تتعدى الحدود المألوفة بين أبناء العشيرة والعصبيات القبلية ولا يمكن تفسيرها بها.

ومن الأمثلة الحيّة على ذلك حكاية (شعب أبي طالب) يجمع المؤرخون على أنّه عند ما حاصرت قريش النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمين محاصرة اقتصادية واجتماعية وسياسية شديدة وقطعت علائقها بهم ، ظل أبو طالب الحامي والمدافع الوحيد عنهم مدّة ثلاث سنوات ترك فيها كل أعماله ، وسار ببني هاشم إلى واد بين جبال مكّة يعرف بشعب أبي طالب فعاشوا فيه ، وقد بلغت تضحياته حدا أنّه ، فضلا عن بنائه الأبراج الخاصّة للوقوف بوجه أي هجوم قد تشنه قريش عليهم ، كان في كل ليلة يوقظ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من نومه ويأخذه إلى مضجع آخر يعده له ويجعل ابنه الحبيب إليه علياعليه‌السلام في مكانه ، فإذا ما قال له ابنه عليعليه‌السلام : يا أبة ، إنّ هذا سيوردني موارد الهلكة ، أجابه أبو طالبعليه‌السلام : ولدي عليك بالصبر ، كل حي إلى ممات ، لقد

__________________

(١) كتاب «الحجة» و «الدرجات الرفيعة» نقلا عن «الغدير» ج ٨ ، ص ٣٨٠.

٢٥٠

جعلت فداء ابن عبد الله الحبيب ، فيرد عليعليه‌السلام : يا أبه ، ما قلت لك ذلك خوفا من الموت في سبيل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل كنت أريدك أن تعلم مدى طاعتي لك واستعدادي للوقوف إلى جانب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) .

إنّنا نرى أن من يترك التعصب ، ويقرأ ـ بغير تحيز ـ ما كتبه التّأريخ بحروف من ذهب عن أبي طالب ، سيرفع صوته مع صوت ابن أبي الحديد منشدا :

ولو لا أبو طالب وابنه

لما مثل الدين شخصا وقاما

فذاك بمكّة آوى وحامى

وهذا بيثرب جس الحماما(٢)

* * *

__________________

(١) الغدير ، ج ٧ ، ص ٣٥٧ ـ ٣٥٨ بتصرف.

(٢) الغدير ، ص ٨٦.

٢٥١

الآيتان

( وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٧) بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (٢٨) )

التّفسير

يقظة عابرة عقيمة :

في هاتين الآيتين إشارة إلى بعض مواقف عناد المشركين ، وفيهما يتجسد مشهد من مشاهد نتائج أعمالهم لكي يدركوا المصير المشؤوم الذي ينتظرهم فيستيقظون ، أو تكون حالهم ـ على الأقل ـ عبرة لغيرهم ، فتقول الآية :( وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ ) (١) لتبيّن لك مصيرهم السيئ المؤلم.

إنّهم في تلك الحال على درجة من الهلع بحيث أنّهم يصرخون : ليتنا نرجع إلى الدنيا لنعوض عن أعمالنا القبيحة ، ونعمل للنجاة من هذا المصير المشؤوم. ونصدق آيات ربّنا ، ونقف إلى جاب المؤمنين :( فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ

__________________

(١) «لو» شرطية ، وقد حذف الجواب لوضوحه.

٢٥٢

بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (١) .

الآية التّالية تؤكّد أن ذلك ليس أكثر من تمن كاذب ، وإنّما تمنوه لأنّهم رأوا في ذلك العالم كل ما كانوا يخفونه ـ من عقائد ونيات وأعمال سيئة ـ مكشوفا أمامهم ، فاستيقظوا يقظة مؤقتة عابرة :( بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ ) .

غير أن هذه اليقظة ليست قائمة ثابتة ، بل إنّها قد حصلت لظروف طارئة ، ولذلك فحتى لو افترضنا المستحيل وعادوا إلى هذه الدنيا مرّة أخرى لفعلوا ما كانوا يفعلونه من قبل وما نهوا عنه :( وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ ) لذلك فهم ليسوا صادقين في تمنياتهم ومزاعمهم( وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ ) .

ملاحظات :

١ ـ يتبيّن من ظاهر( بَدا لَهُمْ ) أنّهم لم يكونوا يخفون كثيرا من الحقائق عن الناس فحسب ، بل كانوا يخفونها حتى عن أنفسهم ، فتبدوا لهم جلية يوم القيامة ، وليس في هذا ما يدعو إلى العجب ، فالإنسان كثيرا ما يخفي عنه نفسه الحقائق ويغطي على ضميره وفطرته لكي ينال شيئا من الراحة الكاذبة.

إنّ قضية مخادعة النفس وإخفاء الحقائق عنها من القضايا التي تعالجها البحوث الخاصّة بنشاط الضمير ، فقد نجد الكثيرين من الذين يتبعون أهواءهم يتنبهون إلى أضرار ذلك عليهم ، ولكنّهم لكي يواصلوا أعمالهم تلك بغير أن تنغصها عليهم ضمائرهم ـ يحاولون إخفاء هذا الوعي فيهم بشكل من الأشكال.

غير أنّ بعض المفسّرين ـ دون الالتفات إلى هذه النكتة ـ فهموا من (لهم) ما

__________________

(١) ينبغي الانتباه إلى نقطة مهمّة في الآية : في القراءة المشهورة التي بين أيدينا «نردّ» مرفوعة و «ولا نكذب» و «نكون» منصوبتان ، مع أنّ الظاهر يدل على أنّهما معطوفتان على «نردّ» وخير تعليل لذلك هو القول بأنّ «نردّ» جزء من التمني ، و «ولا نكذب» جواب التمني ، و «الواو» هنا بمنزلة «الفاء» ومعلوم أن جواب التمني إذا وقع بعد الفاء كان منصوبا ، إن مفسرين كالفخر الرازي والمرحوم الطبرسي وأبي الفتوح الرازي أوردوا تعليلات أخرى ، ولكن الذي قلناه أوضح الوجوه ، وعليه فهذه الآية تكون شبيهة بالآية (٥٨) من سورة الزمر :( لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) .

٢٥٣

ينطبق على الأعمال التي أخفاها المشركون عن الناس (تأمل بدقّة).

٢ ـ قد يقال أنّ التمني ليس من الأمور يصح فيها أن تكون صادقة أو كاذبة ، فهي مثل «الإنشاء» الذي لا يحتمل الصدق والكذب ، إلّا أنّ هذا القول بعيد عن الصواب ، وذلك لأنّ «الإنشاء» كثيرا ما يصاحبه «الإخبار» ممّا يحتمل الصدق والكذب ، فقد يقول قائل أتمنى أن يعطيني الله مالا وفيرا فأعينك ، هذا من باب التمني بالطبع ، ولكن مفهومه هو أنّه إذا أعطاني الله مالا وفيرا فاني سوف أساعدك ، وهذا مفهوم خبري يحتمل أن يكون صادقا أو كاذبا ، فإذا كنت تعرف بخل المتمني وضيق نظرته فأنت تعرف أنّه كاذب حتى إن أعطاه الله ما يشاء من المال (هذا الموضوع مشهور كثيرا في الجمل الإنشائية).

٣ ـ إنّ سبب ذكر الآية أنّهم لو عادوا إلى الدنيا لعادوا إلى تكرار أعمالهم السابقة هو أن كثيرا من الناس عند ما يشاهدون نتائج أعمالهم بأعينهم ، أي حينما يصلون إلى مرحلة الشهود ، يستنكرون ما فعلوا ويندمون آنيا ويتمنون لو يتاح لهم أن يجبروا ما كسروا ، إلّا أنّ هذه تمنيات عارضة تنشأ من مشاهدة نتائج الأعمال عيانا ، وتعرض لكل إنسان يشهد بأم عينه ما ينتظره من عذاب وعقاب ، ولكن ما أن تغيب تلك المشاهد عن نظره حتى يزول تأثيرها عنه ، ويعود إلى سابق عهده.

شأنهم في ذلك شأن عبدة الأصنام الذين دهمهم طوفان عظيم في البحر ورأوا أنفسهم على عتبة الهلاك ، فنسوا كل شيء سوى الله ، ولكن ما أن هدأت العاصفة ووصلوا إلى ساحل الأمان حتى عاد كل شيء إلى ما كان عليه(١) .

٤ ـ ينبغي الالتفات إلى أنّ هذه الحالات تخص جمعا من عبدة الأصنام الذين مرّت الإشارة إليهم في الآيات السابقة لا كلهم ، لذلك كان لا بدّ لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يواصل نصح الآخرين لإيقاظهم وهدايتهم.

* * *

__________________

(١) يونس ، ٢٢.

٢٥٤

الآيات

( وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (٢٩) وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ قالَ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٠) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (٣١) وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٣٢) )

التّفسير

في تفسير الآية الأولى احتمالان :

الأوّل : أنّها استئناف لأقوال المشركين المعاندين المتصلبين الذين يتمنون ـ عند ما يشاهدون أهوال يوم القيامة ـ أن يعودوا إلى دار الدنيا ليتلافوا ما فاتهم ، ولكن القرآن يقول إنّهم إذا رجعوا لا يتجهون إلى جبران ما فاتهم ، بل يستمرون على ما كانوا عليه ، وأكثر من ذلك فإنّهم يعودون إلى إنكار يوم القيامة( وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ) (١) .

الاحتمال الثّاني : أنّ الآية تشرع بكلام جديد يخصّ نفرا من المشركين ممّن

__________________

(١) بحسب هذا الاحتمال «وقالوا» معطوفة على «عادوا» وهذا ما يقول به صاحب تفسير «المنار».

٢٥٥

كفروا بالمعاد كليا ، فقد كان بين مشركي العرب فريق لا يؤمنون بالمعاد ، وفريق آخر يؤمنون بنوع من المعاد.

الآية التّالية تشير إلى مصيرهم يوم القيامة ، يوم يقفون بين يدي الله :( وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ قالَ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِ ) ، فيكون جوابهم أنّهم يقسمون بأنّه الحقّ :( قالُوا بَلى وَرَبِّنا ) .

عندئذ :( قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ) لا شك أنّ «الوقوف بين يدي الله» لا يعني إنّ لله مكانا ، بل يعني الوقوف في ميدان الحساب للجزاء ، كما يقول بعض المفسّرين ، أو أنّه من باب المجاز ، مثل قول الإنسان عند أداء الصّلاة أنّه يقف بين يدي الله وفي حضرته.

الآية التي بعدها فيها ، إشارة إلى خسران الذين ينكرون المعاد ، فتقول :( قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ ) ، إنّ المقصود بلقاء الله هو ـ كما قلنا من قبل ـ اللقاء المعنوي والإيمان الشهودي (الشهود الباطني) ، أو هو لقاء مشاهد يوم القيامة والحساب والجزاء.

ثمّ تبيّن الآية أنّ هذا الإنكار لن يدوم ، بل سيستمر حتى قيام يوم القيامة ، حين يرون أنفسهم فجأة أمام مشاهده الرهيبة ، ويشهدون بأعينهم نتائج أعمالهم ، عندئذ ترتفع أصواتهم بالندم على ما قصروا في حق هذا اليوم :( حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها ) .

و «الساعة» هي يوم القيامة ، و «بغتة» تعني فجأة وعلى حين غرة ، إذ تقوم القيامة دون أن يعلم بموعدها أحد سوى الله تعالى ، وسبب إطلاق «الساعة» على يوم القيامة إمّا لأنّ حساب الناس يجري سريعا فيها ، أو للإشارة إلى فجائية حدوث ذلك ، حيث ينتقل الناس بسرعة خاطفة من عالم البرزخ إلى عالم القيامة.

و «التحسر» هو التأسف على شيء ، غير أنّ العرب عند تأثرهم الشديد يخاطبون «الحسرة» فيقولون : «يا حسرتنا» ، فكأنّهم يجسدونها أمامهم ويخاطبونها.

٢٥٦

ثمّ يقول القرآن الكريم( وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ ) .

«الأوزار» جمع «وزر» وهو الحمل الثقيل ، وتعني الأوزار هنا الذنوب ، ويمكن أن تتخذ هذه الآية دليلا على تجسد الأعمال ، لأنّها تقول إنّهم يحملون ذنوبهم على ظهورهم ، ويمكن أيضا أن يكون الاستعمال مجازيا كناية عن ثقل حمل المسؤولية ، إذ أنّ المسؤوليات تشبه دائما بالحمل الثقيل.

وفي آخر الآية يقول الله تعالى :( أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ ) .

في هذه الآية جرى الكلام على خسران الذين ينكرون المعاد ، والدليل على هذا الخسران واضح ، فالإيمان بالمعاد ، فضلا عن كونه يعد الإنسان لحياة سعيدة خالدة ، ويحثه على تحصيل الكمالات العلمية والعملية ، فان له تأثيرا عميقا على وقاية الإنسان من التلوث بالذنوب والآثام ، وهذا ما سوف نتناوله ـ إن شاء الله ـ عند بحث الإيمان بالمعاد وأثره البناء في الفرد والمجتمع.

* * *

ثمّ لبيان نسبة الحياة الدنيا إلى الحياة الآخرة ، يقول الله تعالى :( وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ) فهؤلاء الذين اكتفوا بهذه الحياة ، ولا يطلبون غيرها ، هم أشبه بالأطفال الذين يودون أن لو يقضوا العمر كلّه في اللعب واللهو غافلين عن كل شيء.

إن تشبيه الحياة الدنيا باللهو واللعب يستند إلى كون اللهو واللعب من الممارسات الفارغة السطحية التي لا ترتبط بأصل الحياة الحقيقية ، سواء فاز اللاعب أم خسر ، إذ كل شيء يعود إلى حالته الطبيعية بعد اللعب.

وكثيرا ما نلاحظ أنّ الأطفال يتحلقون ويشرعون باللعب ، فهذا يكون «أميرا» وذاك يكون «وزيرا» وآخر «لصا» ورابع يكون «قافلة» ، ثمّ لا تمضي ساعة حتى ينتهي اللعب ولا يكون هناك «أمير» ولا «وزير» ولا «لص» ولا

٢٥٧

«قافلة»! أو كما يحدث في المسرحيات أو التمثيليات ، فنشاهد مناظر للحرب أو الحبّ أو العداء تتجسد على المسرح ، ثمّ بعد ساعة يتبدد كل شيء.

والدنيا أشبه بالتمثيلية التي يقوم فيها الناس بتمثيل أدوار الممثلين ، وقد تجتذب هذه التمثيلية الصبيانية حتى عقلاءنا ومفكرينا ، ولكن سرعان ما تسدل الستارة وينتهي التمثيل.

«لعب» على وزن «لزج» من «اللعاب» على وزن «غبار» وهو الماء الذي يتجمع في الفم ويسيل منه ، فإطلاق لفظة «اللعب» على اللهو والتسلية جاء للتشابه بينه وبين اللعاب الذي يسيل دون هدف.

ثمّ تقارن الآية حياة العالم الآخر بهذه الدنيا ، فتقول :( وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) .

فتلك حياة خالدة لا تفنى في عالم أوسع وعلى أرفع ، عالم يتعامل مع الحقيقة لا المجاز ومع الواقع ، لا الخيال ، عالم لا يشوب نعمه الألم والعذاب ، عالم كلّه نعمة خالصة لا ألم فيه ولا عذاب.

ولكن إدراك هذه الحقائق وتمييزها عن مغريات الدنيا الخداعة غير ممكن لغير المفكرين الذين يعقلون ، لذلك اتجهت الآية إليهم بالخطاب في النهاية.

في حديث رواه هشام بن الحكم عن الامام موسى بن جعفرعليه‌السلام قال : «يا هشام إنّ الله وعظ أهل العقل ورغبهم في الآخرة فقال :( وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) (١) .

غني عن القول أنّ هدف هذه الآيات هو محاربة الانشداد بمظاهر عالم المادة ونسيان الغاية النهائية ، أمّا الذين جعلوا الدنيا وسيلة للسعادة فهم يبحثون ـ في الحقيقة ـ عن الآخرة ، لا الدنيا.

* * *

__________________

(١) تفسير «نور الثقلين» ، ج ١ ، ص ٧١١.

٢٥٨

الآيتان

( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ (٣٣) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (٣٤) )

التّفسير

المصلحون يواجهون الصعاب دائما :

لا شك أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نقاشاته المنطقية ومحاوراته الفكرية مع المشركين المعاندين المتصلبين ، كان يواجه منهم المعاندة واللجاجة والتصلب والتعنت ، بل كانوا يرشقونه بتهمهم ، ولذلك كله كان النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشعر بالغم والحزن ، والله تعالى في مواضع كثيرة من القرآن يواسي النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويصبّره على ذلك ، لكي يواصل مسيرته بقلب أقوى وجأش أربط ، كما جاء في هذه الآية :( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ) ، فاعلم أنّهم لا ينكرونك أنت ، بل هم ينكرون آيات الله ، ولا يكذبونك بل يكذبون الله :( فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ ) .

ومثل هذا القول شائع بيننا ، فقد يرى «رئيس» أنّ «مبعوثه» إلى بعض الناس عاد غاضبا ، فيقول له : «هوّن عليك ، فان ما قالوه لك إنّما كان موجها إليّ ، وإذا

٢٥٩

حصلت مشكلة فأنّا المقصود بها ، لا أنت» وبهذا يسعى إلى مواساة صاحبه والتهوين عليه.

ثمّة مفسّرون يرون للآية تفسيرا آخر ، لكن ظاهر الآية هو هذا الذي قلناه ، ولكن لا بأس من معرفة هذا الاحتمال القائل بأن معنى الآية هو : إنّ الذين يعارضونك هم في الحقيقة مؤمنون بصدقك ولا يشكون في صحة دعوتك ، ولكن الخوف من تعرض مصالحهم للخطر هو الذي يمنعهم من الرضوخ للحق ، أو أنّ الذي يحول بينهم وبين التسليم هو التعصب والعناد.

يتبيّن من كتب السيرة أنّ الجاهليين ـ بما فيهم أشدّ المعارضين للدّعوة ـ كانوا يعتقدون في أعماقهم بصدق الدعوة ، ومن ذلك ما روي أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقي أبا جهل فصافحه أبو جهل ، فقيل له في ذلك ، فقال : والله إني لأعلم أنّه صادق ، ولكنا متى كنّا تبعا لعبد مناف! (أي أنّ قبول دعوته سيضطرنا إلى اتباع قبيلته).

وورد في كتب السيرة أنّ أبا جهل جاء في ليلة متخفيا يستمع قراءة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما جاء في الوقت نفسه أبو سفيان والأخنس بن شريق ، ولا يشعر أحد منهم بالآخر فاستمعوا إلى الصباح ، فلمّا فضحهم الصبح تفرقوا ، فجمعتهم الطريق ، فقال كل منهم للآخر ما جاء به ، ثمّ تعاهدوا أن لا يعودوا ، لما يخافون من علم شبان قريش بهم لئلا يفتتنوا بمجيئهم ، فلمّا كانت الليلة الثّانية جاء كل منهم ظانا أنّ صاحبيه لا يجيئان لما سبق من العهود ، فلمّا أصبحوا جمعتهم الطريق مرّة ثانية فتلاوموا ، ثمّ تعاهدوا أن لا يعودوا ، فلمّا كانت الليلة الثالثة جاؤوا أيضا ، فلما أصبحوا تعاهدوا أن لا يعودا لمثلها ، ثمّ تفرقوا فلمّا أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه ثمّ خرج حتى أتى أبا سفيان في بيته ، فقال : اخبرني ـ يا أبا حنظلة ـ عن رأيك فيما سمعت من محمّد؟

قال : يا أبا ثعلبة ، والله لقد سمعت أشياء أعرفها ، وأعرف ما يراد بها ، وسمعت أشياء ، ما عرفت معناها ولا ما يراد بها.

قال الأخنس : وأنا والذي حلفت به.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611