الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٤

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل9%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 611

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 611 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 139900 / تحميل: 6883
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقد توفي والتدوين مباح للجميع، وامر عبد اللّه بن العاص ان يكتب عنه في حالتي الرضا والغضب، كما يدعون، انه دون صحيفته المسماة بالصادقة من اقواله وافعاله مباشرة(١) ومن البعيد ان تخفى هذه النصوص على الخليفة، واذا افترضنا بانه كان على علم بها، فلماذا منع من التدوين في حين انه لم يرد عن الخليفة الاول ما يشير الى انه نهى عن ذلك.

وجاء في بعض المصادر التي تعرضت لهذا الموضوع انه منعهم عن تدوين الاحاديث حرصاً على كتاب الله، وانه احرق كتبا ً كانت لبعض الصحابة لهذه الغاية.

فقد روى عنه عروة بن الزبير، انه اراد ان يكتب السنن، فاستفتى اصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فاشاروا عليه ان يكتبها فطفق عمر يستخير الله شهراً، ثم اصبح يوماً وقد عزم الله له، فقال: اني كنت اريد ان اكتب السنن، واني ذكرت قوماً قبلكم كتبوا كتباً فانكبوا عليها وتركوا كتاب الله، واني لا اشوب كتاب الله بشيء.

وجاء عنه انه لما حدث ابي بن كعب عن بيت المقدس واخباره انتهره عمر بن الخطاب، وهم بضربه، فاستشهد ابي بجماعة من الانصار ولما شهدوا بانهم سمعوا الحديث من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تركه، فقال له ابي بن كعب: اتتهمني على حديث رسول الله، فقال يا ابا المنذر: والله ما اتهمتك، ولكني كرهت ان يكون الحديث عن رسول الله ظاهراً الى غير

____________________

(١)لقد تحدثنا عن هذه الصحيفة المزعومة مفصلاً في كتابنا تاريخ الفقه الجعفري، واثبتنا بالارقام انها ليست من احاديث الرسول، بل هي من الكتب التي استولى عليها المسلمون في معركة اليرموك، وكان هو يحدث عن تلك الكتب وينسبها الى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد جمع فيها طائفة من الاحاديث وادعى بانه اخذها من الرسول.

٢١

ذلك من المرويات الكثيرة التي تؤكد أن الخليفة لم يعتمد على الرسول في منعه عن التدوين، وانه قد تفرد بهذا التصرف حرصاً على كتاب الله ، ولكن الرواية التي تنص على انه قد انتهر ابي بن كعب لما حدث عن بيت المقدس، وقوله فيها: اني كرهت ان يكون الحديث عن رسول الله ظاهراً، هذه الرواية تدل على انه كان حريصاً على ان لا ينتشر الحديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مع العلم بان حديث الرسول مكمل للتشريع، ومبين لمجملات القرآن ومخصص لعموماته ومطلقاته، وقد تكفل لكثير من النواحي الاخلاقية والاجتماعية والتربوية، ولو تقصينا الاسباب التي يمكن افتراضها لتلك الرغبة الملحة في بقاء السنة في طي الكتمان لم نجد سبباً يخوله هذا التصرف، ولا نستبعد انه كان يتخوف من اشتهار احاديث الرسول في فضل علي وابنائه (ع).

ويؤكد ذلك ما رواه عبد الرحمن بن الاسود عن ابيه، ان علقمة جاء بكتب من اليمن او مكة تحتوي على طائفة من الاحاديث في فضل اهل البيت (ع)، فاستأذنا على عبد الله بن مسعود فدخلنا عليه ودفعنا اليه الكتب، قال: فدعا الجارية ثم دعا بطشت فيه ماء، فقلنا له: يا ابا عبد الله انظر فيها فان فيها احاديث حساناً، فلم يلتفت، وجعل يمثها في الماء ويقول: نحن نقصّ عليك احسن القصص بما اوحينا اليك هذا القرآن، القلوب اوعية فاشغلوها بالقرآن، وعبد الله بن مسعود كان منحرفاً عن علي (ع) ويساير المنحرفين عنه، كما تؤكد ذلك النصوص التاريخية.

ولو افترضنا ان الخليفة كان حسن النية في هذا الامر، وانه لم يمنع الا بدافع الحرص على كتاب الله، فقد كان من نتائجه، ان اتسع المجال للكذابين والمنحرفين عن المخطط الاسلامي، والمرتزقة ان يضعوا من الاحاديث ما توحيه اليهم الاهواء والمطامع، بالاضافة الى ما ضاع منها

٢٢

بسبب الحروب والغزوات، التي فتكت بالصحابة بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ..

على ان الذين يحاولون ان يعتذروا عنه، ويقرون المرويات التي تنص على انه خاف ان يختلط الحديث بالقرآن، هؤلاء يسيئون اليه من حيث لا يقصدون، لانه لم يكن قصير النظر ولا محدود التفكير ولا جاهلاً باساليب البيان وبلاغة القول، ويعلم جيداً ان القرآن قد استولى على النفوس وتحكم بمشاعرهم واحاسيسهم، وكان له الاثر البالغ في سير الدعوة وانتشارها، هذا بالاضافة الى وجود الفوارق الكثيرة بين الاسلوبين التي لا تخفى على احد منهم.

ومع التغاضي عن جميع ذلك، فقد كان بالامكان لو كانت النوايا طيبة التفرغ الى جمع الحديث وتدوينه بعد تدوين القرآن الكريم والتثبت من احصائه في مجموعة واحدة بواسطة لجنة مختارة من الامناء المعروفين بالوثاقة والاستقامة، ولو فعلوا ذلك لقطعوا الطريق على كل افاك اثيم، وعلى المرتزقة الذين شوهوا معالم السنة وطمسوا من اضوائها النيرة والصقوا فيها من الموضوعات التي جرت على المسلمين اسوأ انواع البلاء وفرقتهم شيعاً واحزاباً.

ومهما كانت الاسباب التي فرضت على الخليفة ان يقف من السنة هذا الموقف، فالنصوص التاريخية تؤكد بانه لم يكن موفقاً فيه ولم ينجح كل النجاح في هذا التدبير، فقد ظهرت بعض المدونات الاسلامية في فترات متعاقبة من عصر الصحابة وبعده للشيعة وغيرهم، ومن ذلك الجامعة التي الفها علي (ع) وقد تناول فيها جميع ابواب الفقه، واليها كان يرجع الائمة (ع) في احكامهم واقضيتهم في كثير من المناسبات، كما دون عبد الله بن العباس في الفقه والتفسير وغير ذلك من العلوم، وجاء

٢٣

في بعض المرويات انه ترك حمل بعير من مدوناته، وكان يحمل قسماً منها الى مجالسة وحلقات التدريس، وكتب سعيد بن جبير احد تلاميذه كل ما املاه عليه. ومجمل القول ان حركة التدوين بدأت تتسع في الشطر الاخير من عصر الصحابة ولكنها لم تنتشر بين المسلمين الا في اوائل القرن الثاني حينما امر عمر بن عبد العزيز ابا بكر محمد بن حزم بجمع الحديث وتدوينه، وجاء في المذكرة التي وجهها اليه. انظر ما كان من حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله او سنة ماضية فاكتبه فاني خفت دروس العلم وضياعه، واكد عليه كما تنص بعض المرويات ان يدون ما روته عمرة بنت عبد الرحمن الانصارية والقاسم بن محمد بن ابي بكر(١) فهب الناس الى التدوين واحسوا بخطر الركود الذي مر عليه في القرن الاول واصبح من الضرورات الملحة بنظر الجميع، لا سيما وقد ندب اليه عمر بن عبد العزيز المعروف بالاعتدال والحرص على الآثار الاسلامية ولكن التدوين الذي كان يومذاك لم يكن مرتباً على ابواب الفقه وفصوله ولم يقتصر الكتاب على موضوع واحد، بل كان المؤلف يحشد في كتابه من جميع المواضيع والاصناف، بما في ذلك التفسير واللغة والادب ونحو ذلك من المواضيع اما التدوين المرتب على الابواب الفقهية فلم يكن قبل اواخر النصف الاول من القرن الثاني، ويدل على ذلك ما اورده الحافظ الذهبي في حوادث ص ١٤٣ قال: وفي هذا العصر شرع علماء الاسلام في تدوين الحديث والفقه والتفسير وغير ذلك من المواضيع، فصنف ابن جريح المتوفى ١٥٠ تصانيفه الكثيرة في مكة، وصنف ابن أبي عروبة المكنى بابي النظر العدوي، وفي خلال ذلك صنف ابو حنيفة في الفقه والرأي، كما صنف حماد بن سلمة وسفيان الثوري والاوزاعي، وعبد الله بن المبارك، وهشيم بن بشير، وغيرهم في فرات متعاقبة تتراوح بين سنة ١٥٠ و ١٧٥ عشرات الكتب

____________________

(١)انظر تاريخ الفقه الجعفري ص ١٧٦ والاضواء ص ٢٢٤

٢٤

في مختلف المواضيع واذا لاحظنا ما انتجته مدرسة الامامين الباقر والصادق (ع) في هذه الفترة من القرن الثاني تقريباً من المدونات التي بلغت ستة آلاف كما احصاها اكثر المؤلفين في هذا الموضوع من الشيعة واشرنا الى مصادرها في كتابنا ( المبادئ العامة في الفقه الجعفري) اذا لاحظنا ذلك ندرك اهمية هذا الدور من ناحية اتساع حركة التأليف وتدوين الآثار الاسلامية وغيرها من آثار الفرس واليونان في مختلف المواضيع، وقد احصى المؤلفون في احوال الرجال والتراجم عدداً كبيراً لجماعة من اصحاب الائمة كصفوان بن يحيى، وشعيب بن اعين الحداد، وهشام بن الحكم، واسماعيل بن موسى بن جعفر (ع) وعبد الله بن المغيرة البجلي الكوفي، وعبد الله بن سنان مولى بني هاشم، ومحمد بن عمير ويونس بن عبد الرحمن، واحمد بن محمد بن عيسى الاشعري، والفضل بن شاذان النيسابوري الى غير ذلك ممن تترواح مؤلفاتهم بين العشرين والثلاثين كتاباً.

وجاء عن محمد بن مسعود العياشي انه انفق على تدوين العلم ثلاثمائمة الف دينار، وان داره كانت تعج بالناس، وهم بين ناسخ وقارئ ومقارن ولو كتب البقاء لمؤلفات الشيعة في القرنين الثاني والثالث، لكانت دور الكتب اغنى ما تكون بالآثار الشيعية، ولكن الظروف التي احاطت بهم، والحروب الدامية التي كانت في الغالب تستهدف دمائهم وآثارهم كل ذلك قد ساهم في تبديد تلك الثورة الغنية بالكنوز والنفائس، وليس ادل على ذلك من اقدام الحكام والغزاة، وبخاصة الايوبيين منهم على حرق المكتبات الشيعية مباشرة. كمكتبة الطوسي، والوزير (نصر سابور بن اردشير) وزير بهاء الدولة، ومكتبة الازهر التي اسسها الفاطميون في مصر وحشدوا فيها مئات الالوف من المجلدات في مختلف المواضيع وبقيت اكثر من قرنين من الزمن منهلاً كريماً لرواد العلم من

٢٥

مختلف الاقطار الى ان جاء عهد الايوبيين الذي استهدف الشيعة وآثارهم اكثر من أي شيء آخر ذلك العهد الذي مثل فيه صلاح الدين وابناؤه الجريمة باقبح صورها واشكالها الى غير ذلك من دور الكتب التي كانت اكثر محتوياتها من كتب الشيعة وآثارهم.

ومهما كان الحال فلم يطرأ على التدوين تطور قبل نهاية القرن الثاني، وبنهايته شرع فريق من العلماء بتطويره فافردوا احاديث الرسول عن آراء الصحابة وأقضيتهم، ووزعوا الاحاديث على ابواب الفقه وفصوله حسب المناسبات ومضى العلماء على ذلك، فألف احمد بن حنبل جامعه، واسحاق بن راهويه وغيرهما عشرات الكتب وظلت حركة التدوين تتسع الى ان دخلت طوراً جديداً، هو طور الاختيار والتنقيح، وكان اول من اتجه الى هذه الناحية من السنة محمد بن اسماعيل البخاريرحمه‌الله .

قال الحافظ بن حجر في مقدمة فتح الباري على صحيح البخاري، ولما رأى البخاري هذه التصانيف ورواها وانتشق رياها واستجلى محياها وجدها بحسب الوضع جامعة بين ما يدخل تحت الصحيح وغيره والكثير منها يشمله التضعيف، حرك همته لجمع الحديث الصحيح، فألف كتابه المعروف بصحيح البخاري، كما الف كل من مسلم، وابو داود سليمان بن الاشعت السجستاني، والترمذي والنسائي، وابن ماجة، ومحمد بن يزيد كتبهم الستة المعروفة بين اعلام السنة بالصحاح خلال القرنين الثالث واوائل القرن الرابع، وكان لمحمد بن اسماعيل البخاري الفضل الاكبر في هذا الاتجاه من التأليف، لانه اول من حرك همته لتحري الاحاديث الصحيحة ودونها في صحيحه سنة ٢٥٠ تقريباً، وآخرهم النسائي احمد بن شعيب المتوفى سنة ٣٠٣ شهيداً في مكة كما في رواية الذهبي وغيره.

وجاء في سبب وفاته. انه خرج من مصر وافداً على دمشق فاجتمع

٢٦

عليه المحدثون والقراء وغيرهم، وفي بعض مجالسه سأله بعضهم، ايهما افضل علي ام معاوية؟ فقال على الفور: اما رضي معاوية ان يخرج رأساً برأس حتى يفضل، وجاء عنه انه قال: والله لا اعرف له فضيلة الا قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله له: (لا اشبع الله بطنك) فداسوه بارجلهم واخرجوه من الشام مضروراً، فتوجه نحو مكة المكرمة وتوفي بها متأثراً بما اصابه، وجاء في ترجمته انه قال: دخلت الشام، والمنحرف عن علي (ع) بها كثير فصنفت كتاب الخصائص رجوت بذلك ان يهديهم الله(١) .

وفي هذا الدور الذي ظهر فيه اصحاب الصحاح ودونوا صحاحهم، نجد بين المؤلفين من الشيعة من هو اكثر انتاجاً واحسن تنظيماً من غيرهم، كما تؤكد ذلك كتب الرجال والحديث التي تعرضت لمؤلفات الشيعة في الفترة الواقعة بين عصر البخاري والنسائي، وبخاصة المؤلفات الفقهية الموزعة على ابواب الفقه وفصوله، واشتهر من بينهم القميون بتصلبهم وتشددهم على كل متهم بالانحراف عن العقيدة، كمحمد بن عيسى بن عبد الله الاشعري شيخ القميين في القرن الثالث على حد تعبير علماء الرجال ومحمد بن احمد بن ابي قولويه، ومحمد بن اسماعيل بن بشير البرمكي، ومحمد بن خالد الاشعري القمي، ومحمد بن علي بن محبوب احد الشيوخ الاجلاء في قم، وصاحب المؤلفات الكثيرة في مختلف المواضيع وقد احصى له النجاشي والمامقاني في تنقيح المقال نحواً من ثلاثين مؤلفاً وفي كتابه الجامع تعرض لجميع ابواب الفقه من الطهارة الى الديات والحدود، ومن هذه الطبقة محمد بن الحسن بن فروخ الصفار المعروف بالوثاقة وحسن السيرة وسلامة العقيدة، والمعاصر للامامين الهادي والعسكري (ع)، كما عاصر البخاري وغيره من اصحاب الصحاح، الى غير ذلك من العشرات الذين اتجهوا الى تصفية الحديث وتصنيفه على

____________________

(١)انظر شذرات الذهب لابن العماد ج ٢ ص ٢٤٠

٢٧

ابواب الفقه وفصوله، وقد احصى النجاشي لبعضهم اكثر من تسعين كتاباً.

وجاء في الفهرست لابن النديم: ان الفضل بن شاذان النيسابوري ترك نحواً من ١٨٠ كتاباً من مؤلفاته في مختلف المواضيع، وبلغ الحال بالقميين وغيرهم انهم كانوا يخرجون من قم كل متهم بالغلو والانحراف عن التشيع السليم ويرفضون مروياتهم مهما كان نوعها. وبالتالي فقد اتجهوا الى التأليف في احوال الرواة، ووضعوا اصول علم الرجال والدراية حتى لا تختلط مرويات المنحرفين والمتهمين بمرويات الموثوقين من الشيعة المعتدلين في تشيعهم وعقائدهم، ومن هؤلاء علي بن الحسين بن علي بن فضال. فقد جاء في الفهرست للشيخ الطوسي. انه ممن يعتمد على قوله في الرجال، ويستند اليه في الجرح والتعديل، واكد هذه الحقيقة في منتهى المقال، واستنتج بعضهم انه من المؤلفين في الرجال.

ومنهم الفضل بن شاذان، فقد نص جماعة ان له كتباً في الرجال واحوال الرواة، ومنهم محمد بن احمد بن داود بن علي شيخ القميين في زمانه كما نص على ذلك النجاشي، والعلامة في الخلاصة.

وجاء في الفهرست، انه الف كتاباً في الممدوحين، والمذمومين في رجال الحديث.

ومنهم محمد بن الحسن ابو عبد الله المحاربي، قال النجاشي، والعلامة في الخلاصة. انه كان خبيراً باحوال الرواة والف في هذا الموضوع كتاباً عرض فيه احوالهم ومراحل حياتهم.

ومنهم نصر بن الصباح المكني بابى قاسم من اهالي بلخ فقد الف كتاباً في احوال الرواة والناقلين للحديث كما الف في العقائد وغيرها.

٢٨

ومنهم محمد بن خالد البرقي ومحمد بن مسعود السمرقندي المعروف بالعياشي وغيرهم ممن نص اصحاب الفهارس على انهم قد الفوا في احوال الرجال ووضعوا اصول علم الدراية في القرن الثالث واوائل القرن الرابع، وقد اكد ذلك الشيخ الطوسي في العدة، وجاء فيها ان الطائفة ميزت الرجال الناقلين لهذه الاخبار فوثقوا الثقات منهم، وضعفوا الضعفاء، وفرقوا بين من يعتمد على حديثه وروايته، ومن لا يعتمد عليه، ومدحوا الممدوحين، وذموا المذمومين، وقالوا فلان متهم في حديثه، التي وصفوا وفلان كذاب، وفلان مخلط ومخالف في المذهب والاعتقاد الى غير ذلك من الطعون التي وصفوا بها الرواة والمحدثين، واضاف الى ذلك انهم صنفوا في ذلك الكتب، واستثنوا الرجال من جملة ما رووه من التصانيف في فهارسهم، حتى ان واحداً منهم اذا انكر حديثاً نظر في اسناده وضعفه بروايته واصبحت هذه الطريقة عادة لهم لا تنخرم ولولا ان العمل بما يسلم من الطعون جائز، لا يكون فائدة لما شرعوا فيه من التضعيف والتوثيق(١) هؤلاء وغيرهم من المؤلفين في الحديث واحوال الرجال وشروط الرواية واقسامها الذين بذلوا كل ما لديهم من الامكانيات لتصفية الحديث من الموضوعات ومن المشتبهات هؤلاء وضعوا الاساس للمتأخرين، وكانوا الركيزة التي اعتمدها المحمدون الثلاثة، محمد بن يعقوب الكليني، ومحمد بن بابويه الصدوق، ومحمد بن الحسن الطوسي في اختيار مجاميعهم الاربعة(٢) تلك المؤلفات التي اعتمد مؤلفوها على كتب القميين وغيرهم من اصحاب الائمة وتلاميذهم كالاصول الاربعة التي كانت بمجموعها محلاً لثقة الرواة والمحدثين، من حيث معرفتهم بمؤلفيها ووثوقهم بصحة ما فيها من المرويات، هذا بالاضافة

____________________

(١)ص ٥٣ من العدة.

(٢)الكافي للكليني، ومن لا يحضره الفقيه للصدوق، والتهذيب والاستبصار للطوسي.

٢٩

الى القرائن الاُخرى التي اعتمد عليها المحمدون الثلاثة بالنسبة لبعض المرويات، وان لم تكن من حيث اسانيدها مستوفية لشروط العمل بالرواية، ومن جملتها مطابقة مضمون الرواية للنص القرآني، او للسنة الصحيحة، او لما اجمعت الطائفة عليه، او لموافقته لحكم العقل، او لغير ذلك من القرائن التي تؤكد مضمون الخبر وان رواه من لا يصح الاعتماد على مروياته(١) .

ومجمل القول ان المحدثين من الشيعة نشطوا في تصفية الحديث من الموضوعات ومن مرويات المنحرفين في عقائدهم والمندسين بين صفوف الشيعة ووضعوا النواة الاولى لعلمي الرجال والدراية والفوا فيهما، قبل ان يقوم البخاري ورفاقه من اصحاب الصحاح بمهمة تصفية الحديث وتصنيفه، واصبح علم الرجال والدراية من العلوم التي يتوقف عليها استنباط الاحكام من الادلة، لان الحديث هو المصدر الثاني للاحكام بعد كتاب الله، ولولاه لم يتم التشريع ولميبلغ تلك المرتبة العالية من الاحاطة والشمول التي تناولت جميع المواضيع ووضعت الحلول لجميع مشاكل الحياة على اختلاف تطورها ومراحلها.

____________________

(١)العدة للشيخ الطوسي ص ٥٣ .الفصل الثاني : في أصناف الحديث

٣٠

٣١

٣٢

الفصل الثاني: في أصناف الحديث

لقد قسم الباحثون في الحديث واحوال الرواة الخبر الى قسمين متواتر وآحاد، وتحدثوا عنهما من حيث معناهما، واقسامهما وشرائط الاعتماد عليهما باسهاب في مؤلفاتهم الموضوعة لهذه الغاية، واختلفت آراؤهم في كثير من النظريات والافكار المتعلقة بهذه المواضيع كما هو الحال في جميع المباحث التي يدخلها عنصر الاجتهاد، ومما لا شك فيه ان تحديد التواتر وشروطه، واخبار الآحاد واصنافها، وما يتعلق بذلك من المواضيع التي تتصل بعلمي الرجال والدراية مباشرة، هذه المواضيع وما يتعلق بها تتسع لاختلاف الانظار وتضارب الآراء ولذلك لا يصح ان ننسب رأياً الى الشيعة او السنة في هذه المواضيع وغيرها من المواضيع الاجتهادية الا اذا اتفق الاكثر عليه، او كان معبراً عن رأي الاغلبية منهم، اما نسبته الى احد الفريقين الشيعة او السنة لمجرد وجوده في كتاب، او لمجرد كونه يعبر عن رأي بعض الافراد، او الجماعات، فهو من الاغلاط التي وقع فيها اكثر المؤلفين.

وعلى جميع الاحوال فالتواتر هو عبارة عن اخبار جماعة كثيرة يستحيل عادة اتفاقهم على الكذب، ولو انضمت بعض القرائن الى المخبرين

٣٣

بحيث كان حصول العلم مستنداً الى المجموع لا يمنع ذلك من حجية التواتر.

ولو اخبر جماعة بشيء، ولكنهم لم يبلغوا الحد الموجب للعلم لا يصدق التواتر بالمعنى المصطلح عليه بينهم، كما وان العلم لو لم يستند الى الكثرة بان حصل العلم به من الخارج، او حصل العلم من اخبار ثلاثة او اربعة معروفين بالصدق والامانة، او كان خبر الكثيرين موافقاً لدليل مقطوع به ومعمول بمقتضاه كل ذلك ليس من التواتر المقابل للآحاد.

بل لا بد وان يكون العلم مستفاداً من اخبار جماعة يستحيل عليهم بحسب العادة ان يتفقوا على الكذب وكما ذكرنا لا يمنع من حصول التواتر وجود بعض القرائن المؤيدة لاخبارهم حتى ولو كان العلم الحاصل منه مستنداً الى الجميع.

وقال الشيخ الطوسي في تحديد معنى التواتر: ان الخبر اذا لم يكن من باب ما يجب وقوع العلم عند حصوله، واشتراك العقلاء، وجاز وقوع الشبهة به، هو ان يراد به جماعة قد بلغت من الكثرة حداً لا يصح معه ان يتفق الكذب منها عن المخبر الواحد، ولا بد بالاضافة الى ذلك من العلم بانه لم يجمعها على الكذب جامع كالتوطؤ وما يقوم مقامه، ولا بد ايضاً من العلم بان المخبر الاول على يقين من امره لم يخبر وهو متردد او غافل عما اخبر به، هذا اذا لم يكن بين الجماعة وبين المخبر الاول واسطة، فان كان بينهما واسطة لا بد من مراعاة هذه الشروط في جميع الوسائط حتى ينتهي الحال الى نفس المخبر الاول(١) .

____________________

(١)انظر العدة للطوسي ص ٣١

٣٤

ولا بد في العلم الحاصل من التواتر من الشروط التالية.

الاول ان لا يكون السامع عالماً بمضمون الخبر، كما لو اخبر الجماعة شخصاً عما شاهده وعلم به مباشرة، وقد عللوا ذلك بان خبر الجماعة لو افاد العلم في هذه الحالة، فاما ان يكون عين العلم الحاصل له بالمشاهدة، او غيره، فان كان عينه، يكون من تحصيل الحاصل، وان كان غيره يلزم اجتماع المثلين، ولا يصح في مثل هذا ان نفترض كون الخبر مؤكداً ومقوياً للعلم الحاصل عن طريق الحس والمشاهدة لان العلم الحاصل للسامع عن هذا الطريق يكون ضرورياً، والضروري لا يقبل الترديد والتشكيك ولا الزيادة والنقصان.

الشرط الثاني ان لا يكون الخبر مسبوقاً بشبهة تخالف مضمونه في ذهن السامع، وان لا يكون السامع معتقداً خلاف مدلوله تقليداً او لسبب آخر، اذ لا يمكن حصول العلم من الخبر غالباً الا اذا كان ذهن السامع خالياً عن الشبهة والمعتقدات المخالفة له مهما بلغ رواته من الكثرة.

الشرط الثالث ان يستند المخبرون الى الحس، فلو كان اخبارهم مستنداً الى حكم عقلي او نص قرآني او غيرهما لا يكون من التواتر المقابل للأحاد.

الرابع، ان تكون جميع الوسائط عالمة بمضمون الخبر، بنحو يستند علم الطبقة الاولى الى الحس والمشاهدة، والثانية الى التواتر الحاصل باخبار الطبقة الاولى، والثالثة من اخبار الثانية، وهكذا بالنسبة الى بقية الطبقات.

اما العدد الذي يتحقق به التواتر، فالظاهر ان اكثر المؤلفين في علم الحديث لا يشترطون عدداً معيناً فيه، وكل ما في الامر لا بد فيه من

٣٥

الكثرة التي يحصل من اخبارها العلم بمضمون الخبر، والعلم قد يحصل احياناً من اخبار العشرة، واحياناً لا يحصل من اخبار العشرين والثلاثين والاكثر من ذلك.

اما تحديدها باكثر من اربعة كما نسب الى القاضي الباقلاني، وباكثر من عشرة كما جاء عن (الاصطخري)، وباثني عشر مخبراً عدد نقباء بني اسرائيل، وباكثر من عشرين كما جاء عن أبي الهذيل العلاف، وبسبعين كما جاء عن بعض المحدثين وبثلاثمائة عدد اصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في بدر كما نص على ذلك بعضهم، هذه التقديرات كلها لاهل السنة، ولا وجود لها في كتب الشيعة، والظاهر اتفاقهم على عدم تحديده بعدد معين(١) .

ومهما كان الحال فالخبر المتواتر، اما ان يكون متواتراً بلفظه ومعناه، كما لو اتفق المخبرون على نقل الحديث بلفظ واحد، واما ان يكون متواتراً من حيث المعنى، كما لو اختلفت الفاظ المخبرين مع وحدة المعنى، وحصل العلم بذلك المعنى من الفاظهم المختلفة بواسطة دلالة الخبر على المعنى بالتضمن او الالتزام، او بالمطابقة اذا كانت الالفاظ المختلفة مشتركة في معنى واحد، وهذا النوع من التواتر الذي اطلقوا عليه اسم التواتر المعنوي موجود ومطّرد بين المرويات في الفروع والاصول، اما التواتر اللفظي في جميع مراحله ووسائطه هذا النوع من التواتر ربما يكون قليلاً ونادراً بين المرويات عن الائمة والرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله كما يبدو ذلك بعد التتبع والاستقصاء، وقد بالغ بعضهم فانكر وجوده من الاساس.

قال الشيخ عبد الصمد في رسالته التي الفها في علم الدراية: المتواتر

____________________

(١)انظر مقباس الهداية للمامقاني، والعدة للطوسي وغيرهما من مؤلفات الشيعة في علم الحديث.

٣٦

هو ما رواه جماعة يحصل العلم بقولهم، للقطع بعدم امكان تواطؤهم على الكذب عادة، ويشترط ذلك في كل طبقاته صحيحاً كان أوْلا، واضاف الى ذلك: وهذا لا يكاد يعرفه المحدثون في الاحاديث لقلته، وهو كالقرآن وظهور النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والقبلة والصلات وعدد الركعات، والحج ونصب الزكوة ونحو ذلك(١) وتشبيه التواتر بهذه الامور الثابتة بالضرورة من دين الاسلام، هذا التشبيه يشعر بان التواتر في الحديث يكاد ان يكون في حكم المعدوم من حيث ندرته وعدم وجوده بين المرويات عن النبي والائمة (ع).

____________________

(١)انظر الوجيزة للشيخ عبد الصمد الحارثي ص ٧٦

٣٧

التواتر عند محدثي السنة

لا يجد المتتبع في المؤلفات الشيعية والسنية حول الحديث واصنافه وحالاته فروقاً جوهرية بين الفريقين في المراد في المتواتر وشروطه واقسامه، واذا استثنينا التقديرات المختلفة التي نقلناها عن السنة تلك التقديرات التي لا يتحقق التواتر باقل منها على حد زعمهم، اذا استثنينا هذه الناحية نجد انهم يلتقون التقاء كاملاً في جميع النواحي المتعلقة به

قال الدكتور صبحي الصالح في كتابه علوم الحديث: فالمتواتر هو الحديث الصحيح الذي يرويه جمع يحيل العقل والعادة تواطئهم على الكذب عن جمع مثلهم في اول السند وآخره ووسطه، واضاف الى ذلك. ان التواتر ينقسم الى لفظي ومعنوي فاللفظي هو ان يتفق المخبرون على الفاظ الحديث في جميع الوسائط، والمعنوي، يرجع الى اتفاقهم على المعنى مع الاختلاف في الالفاظ الحاكية للمعنى، ولم يستبعد الرأي الذي يرجح كثرة الاحاديث المتواترة لفظاً ومعنى، وعد منها حديث انشقاق القمر، وحديث من كذب عليّ معتمداً فليتبوأ مقعده من النار من حيث ان الذين رووا هذا الحديث عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بلغوا اثنين وسبعين صحابياً كما جاء عن بعض المحدثين وحديث الترغيب في بناء المساجد، والشفاعة، وانين الجذع، والمسح على الخفين، والاسراء، والمعراج، ونبع الماء بين اصابعه واطعام الجيش الكبير من الزاد القليل الذي لا يكفي عادة لاثنين

٣٨

او ثلاثة، الى غير ذلك من المرويات الكثيرة التي نص جماعة من محدثي السنة على تواترها لفظاً ومعنى، كما جاء ذلك عن السيوطي في تدريب الراوي، والحافظ بن حجر في شرح النخبة وغيرهما.

وفي مقابل هؤلاء المغالين في اعطاء هذه المرويات صفة التواتر، نص جماعة على ندرة التواتر اللفظي، وارجع الامثلة التي ذكرناها الى القسم الثاني من قسمي التواتر، وهو المعنوي، نظراً للاختلاف الواقع في الفاظها بين المحدثين.

ومهما كان الحال، فلم اجد فيما ذكره الفريقان ما يشير الى بعد المسافة بينهما في هذه المسألة، وفيما يتعلق بكميات الاخبار المتواترة بين المرويات المدونة في كتب الحديث عند الطرفين، فكل منهما يدعي وجود كمية كبيرة من مروياته تحمل هذا الاسم، ولكن المحدثين من الشيعة يعترفون بندرة التواتر اللفظي بين مروياتهم عن الرسول والائمة (ع) بينما بالغ جماعة من محدثي السنة في كمية هذا النوع من التواتر بين مروياتهم.

٣٩

اخبار الآحاد واصنافها

لقد اصطلح المؤلفون في علم الحديث على تقسيم الخبر من حيث رواته الى متواتر وآحاد، وعدوا كل حديث لا تتوفر فيه شروط التواتر من نوع الآحاد، سواء كان الراوي له واحداً، او اكثر.

وخبر الواحد ينقسم من حيث رواته الى مستفيض ومشهور وغريب، وعزيز، كما ينقسم من حيث متنه الى اقسام كثيرة، كما سنبين ذلك في خلال هذا الفصل الذي وضعناه لبيان الحديث واقسامه واصنافه وحد المستفيض عندهم ان يرويه اكثر من ثلاثة في جميع مراحله، سواء رووه بلفظ واحد، او بالفاظ مختلفة مع وحدة المعنى، كما نص على ذلك اكثر المحدثين.

ونص بعضهم على انه لو اختلفت الفاظه يخرج عن كونه مستفيضاً، وفرق جماعة بين المشهور والمستفيض، بأن الخبر لا يوصف بالاستفاضة الا اذا رواه اكثر من ثلاثة في جميع مراحله حتى ينتهي الى الطبقة الاخيرة ويوصف بالشهرة ولو كان الراوي الاول له واحداً، على شرط ان يشتهر بين الطبقة الثانية، ويرويه جماعة عن الراوي الاول، وجماعة عن الطبقة الثانية وهكذا.

ومن امثلته الحديث المعروف المروي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (الاعمال بالنيات) فان هذا الحديث معدود من الاحاديث المشهورة، مع ان الذي

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

ملاحظات :

هنا لا بدّ من الالتفات إلى عدّة نقاط :

١ ـ لعل ذكر «التضرع» وهو الدعاء علانية ، و «الخفية» هي الدّعاء في السرّ ، إشارة إلى أنّ المصائب تختلف ، فالتي لم تصل مرحلة شديدة قد تستدعي الدعاء خفية ، وعند ما تكون شديدة تحمل المرء على أن يرفع يديه بالدعاء جهرا ، وقد يصاحب ذلك البكاء والصراخ ، أي أنّ الله يحل مشاكلكم خفيفها وشديدها.

٢ ـ يرى بعضهم أنّ الآية تشير إلى أربع حالات نفسية في الإنسان ، كل واحدة منها ردة فعل معينة لظهور المشاكل : حالة «الدعاء» وحالة «التضرع» وحالة «الإخلاص» وحالة «تقديم الشكر عند النجاة من الأخطار».

ولكنّ الذي يؤسف له أن هذه الحالات تمر ببعض الناس مرورا خاطفا وكأنّه حالات اضطرارية في مواجهة الأخطار والمشاكل ، وبما أنّها ليست مصحوبة بالوعي والإدراك ، فإنّها تخفت وتنطفئ بمجرّد انتهاء الأزمة.

وبناء على ذلك ، فإن هذه الحالات ، وان تكن خاطفة ، تستطيع أن تكون دليلا على معرفة الله لمن عسر عليه ادراك الدلائل الأخرى.

٣ ـ «الكرب» في الأصل بمعنى حفر الأرض وقلبها ، وكذلك تعني العقدة المحكمة الشد في حبل الدلو ، ثمّ أطلقت بعد ذلك على الغم والهم والحزن التي تقلب قلب الإنسان وتثقل عليه كالعقدة.

لذلك فإنّ ذكر «الكرب» بما له من المعنى الواسع الذي يشمل أنواع المشاكل والأزمات بعد ذكر «ظلمات البرّ والبحر» والتي تشمل جانبا من المشاكل فقط ، يعتبر من قبيل ذكر مفهوم عام بعد بيان مفهوم خاص (تأمل بدقة).

وهذا يجدر بنا أنّ نذكر حديثا تورده بعض التفاسير في هذه الآية : روي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «خير الدعاء الخفي وخير الرزق ما يكفي»(لا الثروات الضخمة التي هي حصيلة حرمان الآخرين ، وتكون عبئا على كاهل

٣٢١

الإنسان) ، وروي أيضا أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرّ بقوم رفعوا أصواتهم بالدعاء فقال : «إنّكم لا تدعون أصمّ ولا غائبا ، وإنّما تدعون سميعا قريبا»(١) .

يستفاد من هذا الحديث أنّ خير الدعاء ما كان خفيا مقترنا بتوجه وإخلاص.

* * *

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ونور الثقلين في تفسير الآية.

٣٢٢

الآية

( قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (٦٥) )

التّفسير

ألوان العذاب :

في الآيات السابقة التي تتضمن بيان التوحيد الفطري تتجلى محبّة الله لعباده ، وحنوه عليهم عند الشّدائد والصعاب ، واستجابته لدعواتهم.

وفي هذه الآية تركيز على التهديد بعذاب الله وعقابه ، من أجل إكمال طرق التربية والتهذيب ، أي أنّ الله وهو أرحم الراحمين وملجأ اللاجئين ، قهار منتقم مقابل الطغاة العصاة ، ففي هذه الآية يؤمر الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتهديد المجرمين بثلاثة أنواع من العقاب : عذاب من فوق ، وعذاب من تحت ، وعقاب يتمثل في اختلاف الكلمة والحرب وإراقة الدماء :( قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ) .

وفي الختام تقول الآية :( انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ) ، أي انظر كيف نوضح لهم المعالم والدلائل على أمل أن يفهموا الحقائق ويعودا إلى الله.

٣٢٣

بحوث

هنا أيضا لا بدّ من الإشارة إلى بعض النقاط :

١ ـ هنالك اختلاف بين المفسّرين بشأن المقصود من العذاب من فوق ومن تحت ، ويظهر أنّ لهاتين الكلمتين معاني واسعة ، فهما تشملان الجهتين الماديتين من السماء ومن الأرض كالصواعق والأمطار الغزيرة والعواصف المدمّرة التي يأتي من فوق ، والزلازل والانشقاقات الأرضية المدمرة وفيضانات الأنهر والبحار من تحت.

كذلك تشمل الآلام والمصائب التي ينزلها بعض الحكام والطبقات المتسلطة في المجتمع على رؤوس الشعوب ، وكذلك الآلام والعذاب الذي يسببه بعض الموظّفين الذين لا يعرفون واجبهم للناس ممّا قد لا يقل عما يسببه الحكام والطّبقات العليا من المجتمع.

وكذلك يحتمل أن تشمل أسلحة الحرب المخيفة في عصرنا التي تبيد حياة البشر بشكل وحشي من الأرض والجو ، وتحيل المدن خلال مدّة قصيرة إلى ركام وانقاض عن طريق القصف الجوي والهجوم الأرضي وزرع الألغام والغواصات المدمّرة داخل البحار.

٢ ـ «يلبسكم» من «اللبس» بفتح اللام بمعنى الاختلاط والامتزاج ، لا من «اللبس» بضم اللام بمعنى ارتداء الملابس ، وعلى ذلك يكون معنى الآية : إنّه قادر على أن يجعل منكم جماعات مختلفة تختلط بعض ببعض.

يستنتج من هذا التعبير أنّ مسألة اختلاف الكلمة والتفرق في المجتمع لا تقل خطورتها عن العذاب السماوي والصواعق والزلازل ، وهو في الحقيقة كذلك ، بل قد يكون الخراب الناشئ من اختلاف الكلمة والتفرق أحيانا أشد وطأة ودمارا من الزلازل والصواعق ، كثيرا ما نلاحظ أنّ دولا عامرة يصيبها الفناء بسبب النفاق والتفرقة ، وهذه الكلمة تحذير لجميع مسلمي العالم!

٣٢٤

هنالك أيضا احتمال آخر في تفسير هذه الآية ، وهو ـ أنّ الله قد أشار ـ إلى جانب العذاب السماوي والأرضي ـ إلى لونين آخرين من العذاب : أحدهما : اختلاف العقيدة والفكر (وهو في الواقع مثل العذاب النازل من فوق) ، والآخر : هو الاختلاف في العمل والسلوك الاجتماعي الذي يؤدي إلى الحروب وإراقة الدماء (وهو أشبه بالعذاب الآتي من تحت).

وعليه ، فالآية تشير إلى أربعة ألوان من العذاب الطبيعي ، ولونين من العذاب الاجتماعي.

٣ ـ لا بدّ من الانتباه إلى أن قوله تعالى :( أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً ) (١) ، لا يعني أنّ الله يبتلي الناس ـ بدون مبرر ـ بالنفاق والاختلاف ، بل إنّ ذلك نتيجة سوء أعمالهم وغرورهم وأنانياتهم ، والانغماس في منافعهم الشخصية ، ممّا يثير روح النفاق والتفرقة بينهم ، وما نسبة ذلك إلى الله إلّا لأنّه جعل تلك الآثار من نتائج تلك الأعمال.

٤ ـ على الرّغم من أنّ الخطاب في هذه الآية موجه إلى المشركين وعبدة الأصنام ، فإنّنا نستنتج أنّ المجتمع المشرك والمنحرف عن طريق التوحيد وعبادة الله ، يصاب بظلم الطبقات العليا ، وظلم الطبقات الدنيا المتهاونة في واجباتها ، كما تقع البشرية بين براثن الاختلاف العقائدية والمخاصمات الدموية في المجتمع ، كما هو حال المجتمعات المعاصرة التي تعبد أوثان الصناعة والثروة ، فهي رهين مصائب لا فكاك لها من مخالبها.

بعض الشعوب المسلمة تتحدث عن التوحيد وعبادة الله بأقوالها ، ولكنّها بأفعالها مشركة تعبد الأصنام. إن مصائر شعوب كهذا لا يختلف عن مصائر المشركين. وقد يكون حديث الإمام الباقرعليه‌السلام : «كل هذا في أهل القبلة» إشارة إلى هذا الاختلاف بين المسلمين ، فعند ما ينحرف المسلمون عن طريق التوحيد ،

__________________

(١) «شيعا» جمع «شيعة» بمعنى الجماعة.

٣٢٥

تأخذ الأنانية وحبّ الذات مكان الأخوة الإسلامية ، وتتغلب المصالح الشخصية على المصلحة العامّة ، ولا يفكر الفرد إلّا بنفسه وينسى الناس أوامر الله ونواهيه ، فيحيق بهم ما أحاق بأولئك.

* * *

٣٢٦

الآيتان

( وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (٦٦) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٦٧) )

التّفسير

تكمل هاتان الآيتان البحث الذي جرى في الآيات السابقة عن الدعوة إلى الله والمعاد وحقائق الإسلام والخشية من عقاب الله.

الآية الأولى : تخبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ قومه ـ أي قريش وأهل مكّة ـ لم يصدقوا ما يقول مع أنّه صدق وحق وتؤكّده الأدلة العقلية المختلفة والفطرية :( وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُ ) (١) ثمّ يصدر الأمر إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ) أي إنّما أنا رسول ولست أضمن قبولكم.

في الآيات الكثيرة المشابهة لهذه الآية (كالآيات ١٠٧ ـ الأنعام ، ١٠٨ ـ يونس ، ٤١ ـ الزمر ، ٦ ـ الشورى) يتبيّن أنّ المقصود من «وكيل» في هذه المواضع هو المسؤول عن الهداية العملية للأفراد والضامن لهم ـ لذلك فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لهم في هذه الآية : إنّ الأمر يعود إليكم ، فأنتم الذين يجب أن تتخذوا القرار

__________________

(١) الضمير في «به» يرجعه بعضهم إلى القرآن ، ويرجعه آخرون إلى العذاب الذي ورد في الآيات السابقة ، ولكنّ الظاهر إنّه يرجع إلى كل هذه وإلى تعاليم الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي كذبوا بها ، وتؤكّد ذلك الآية التّالية.

٣٢٧

النهائي في قبول الحقيقة أو ردّها ، فما أنا إلّا رسول أبلغ رسالة الله.

وفي الآية التّالية القصيرة ذات المعنى العميق تحذير لهم ، ودعوة إلى إختيار الطريق الصحيح ، و( لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ) (١) أي أنّ كل خبر أخبركم به الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذه الدنيا أو في الآخرة موضع ومقر ، وسوف يتحقق في موعده المقرر ، وعندئذ ستعرفون ذلك.

* * *

__________________

(١) قد يكون «المستقر» المصدر الميمي بمعنى «الاستقرار» أو اسما لمكان وزمان بمعنى مكان الاستقرار ، بالمعنى الأوّل يكون إخبارا عن تحقيق وعد الله ، وبالمعنى الثاني الإخبار عن مكان تحققه وزمانه.

٣٢٨

الآيتان

( وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٦٨) وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٦٩) )

سبب النّزول

جاء في تفسير مجمع البيان عن الإمام الباقرعليه‌السلام أنّه عند ما نزلت الآية الأولى ونهي المسلمون عن مجالسة الكفار والذين كانوا يسخرون من آيات الله ، قال فريق من المسلمين إذا كان علينا أن نلتزم بهذا النهي في كل مكان فإنّه يمتنع علينا الذهاب إلى المسجد الحرام والطواف به (وذلك لأنّ أولئك كانوا منتشرين في أطراف المسجد ولا يفتأون يتناولون الآيات القرآنية بالكلام الباطل ، فحيثما نتوقف في أرجاء المسجد ثمّة احتمال أن يصل كلامهم الى مسامعنا). عندئذ نزلت الآية الثانية تأمر المسلمين في مثل هذه الحالات أن ينصحوهم ويهدوهم ويرشدوهم قدر إمكانهم.

إنّ ورود سبب نزول لهذه الآية لا يتعارض ـ كما قلنا من قبل ـ مع نزول

٣٢٩

السورة كلها مرّة واحدة ، إذ من المحتمل أن تكون هناك حوادث مختلفة في حياة المسلمين ، فتنزل سورة واحدة تختص كل مجموعة من آياتها ببعض تلك الحوادث.

التّفسير

اجتناب مجالس أهل الباطل :

بما أنّ المواضيع التي تتطرق إليها هذه السورة تتناول حال المشركين وعبدة الأصنام ، فهاتان الآيتان تبحثان موضوع آخر من المواضيع التي تتعلق بهم ، ففي البداية تقول للرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ) (١) .

على الرغم من أنّ الكلام هنا موجه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إلّا أنّه لا يقتصر عليه وحده ، بل هو موجه إلى المسلمين كافة ، إنّ فلسفة هذا الحكم واضحة ، إذ لو اشترك المسلمون في مجالسهم ، لاستمر المشركون في خوضهم في آيات الله بالباطل نكاية بالمسلمين واستهزاء بكلام الله ولكنّ المسلمين إذا مروا دون أن يبالوا بهم ، فسيكفّون عن ذلك ويغيرون الحديث إلى أمور أخرى ، لأنّهم كانوا يتقصدون إيذاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمين.

ثمّ تخاطب الآية رسول الله مؤكّدة أهمية الموضوع :( وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ (٢) بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) أي إذا أنساك الشيطان هذا الأمر وجلست مع هؤلاء القوم سهوا ، فعليك ـ حالما تنتبه ـ أن تنهض فورا وتترك مجالسة الظالمين.

__________________

(١) «الخوض» كما يقول الراغب الأصفهاني في «مفرداته» هو الدخول في الماء والمرور فيه ، ثمّ استعير للورود في أمور أخرى ، وأكثر ما ترد في القرآن بشأن الدخول في موضوع باطل ما أساس له.

(٢) غني عن القول بأن (لا تقعد) لا تعني النهي عن مجرّد الجلوس مع هؤلاء ، بل تعني النهي عن معاشرتهم في جميع حالات الجلوس والوقوف أو المسير.

٣٣٠

سؤالان :

هنا يبرز سؤالان :

الأوّل : هل يمكن للشّيطان أن يتسلط على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويسبب له النسيان؟وبعبارة أخرى ، كيف يمكن للنّبي مع عصمته وكونه مصونا عن الخطأ حتى في الموضوعات أن يخطئ وأن ينسى؟

في الإجابة على هذا السؤال يمكن القول بأنّ الخطاب في الآية وإن يكن موجها إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو يتحدث في الواقع مع اتباعه الذين يمكن أن ينسوا فيساهموا في اجتماعات المشركين الآثمة ، فهؤلاء عليهم حال انتباههم إلى ذلك أن يتركوا المكان ، أنّ مثل هذا الأسلوب كثير الحدوث في حياتنا اليومية وموجود في مختلف آداب العالم ، فأنت قد توجه الخطاب إلى أحدهم ولكنّ هدفك هو أن يسمع الآخرون ذلك كما يقول المثل : إياك أعني واسمعي يا جارة.

هناك مفسّرون آخرون مثل الطبرسي في مجمع البيان وأبي الفتوح في تفسيره المعروف يوردون جوابا آخر عن هذا السؤال خلاصته : إنّ السهو والنسيان في قضايا الأحكام ومقام حمل الرسالة من جانب الله غير جائزين بالنسبة للأنبياء ، أمّا في الحالات التي لا تؤدي إلى ضلال الناس فجائزان ، إلّا أنّ هذا الجواب لا يتفق مع ما هو مشهور عند متكلمينا من أن الأنبياء والأئمّة معصومون عن الخطأ ومصونون عن النسيان ، لا في قضايا الأحكام وحدها ، بل حتى في القضايا العادية أيضا.

السؤال الثّاني : يعتبر بعض علماء أهل السنة هذه الآية دليلا على عدم جواز التقية الدينية للقادة الدينيين ، وذلك لأنّ الآية تصرّح بالنهي عن اللجوء إلى التقية أمام الأعداء وتأمر بترك مجلسهم.

والجواب على هذا الاعتراض واضح ، فالشيعة لا يقولون بوجوب التقية دائما ، بل إنّ التقية في بعض الأحيان حرام ، إنّما ينحصر وجوبها في الظروف التي

٣٣١

تكون فيها للتقية وكتمان الحق منافع أكبر من منافع إظهاره ، أو تكون سببا في دفع خطر أو ضرر كبير.

الآية التّالية فيها استثناء واحد ، فإذا اشترك بعض المتقين في جلسات هؤلاء المشركين لكي ينهوهم عن المنكر على أمل أن يؤدي ذلك إلى انصراف أولئك عن الإثم ، فلا مانع من ذلك ، وأنّ آثام أولئك لا تسجل على هؤلاء ، لأنّ قصدهم هو الخدمة والقيام بالواجب :( وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) .

وهنالك تفسير آخر لهذه الآية ، والذي قلناه أكثر انسجاما مع ظاهر الآية ومع سبب النّزول.

وينبغي أن نعلم ـ في الوقت نفسه ـ إنّ الذين لهم أن يستفيدوا من هذا الاستثناء هم الذين تنطبق عليهم شروط الآية ، فيكونون متميزين بالتقوى ، وبعدم التأثر بهم ، وبالقدرة على التأثير فيهم.

سبق في تفسير الآية (١٤٠) من سورة النساء أن تطرقنا إلى هذا الموضوع وذكرنا مسائل أخرى أيضا.

* * *

٣٣٢

الآية

( وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٧٠) )

التّفسير

الذين اتّخذوا الدّين لعبا :

هذه الآية تواصل ما بحثته الآية السابقة ، وتأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يدع أولئك الذين يستهينون بأمر دينهم ، ويتخذون ممّا يلهون ويلعبون به مذهبا لهم ويغترون بالدنيا وبمتاعها المادي :( وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا ) .

بديهي أنّ الأمر بترك هؤلاء لا يتعارض مع قضية الجهاد ، فللجهاد شروط ، ولإهمال الكفار شروط أخرى ، وكل واحد من هذين الحالين يجب أن يتحقق في ظروفه الخاصّة ، قد يستلزم الأمر ـ أحيانا ـ دفع المناوئين عن طريق عدم

٣٣٣

الاعتناء بهم ، وفي أحيان أخرى قد يقتضي الأمر الجهاد والتوسل بالسلاح ، أمّا القول بأنّ آيات الجهاد قد نسخت هذه الآية فغير صحيح.

وتشير هذه الآية إلى أنّ سلوكهم الحياتي من حيث المحتوى أجوف وواه ، فهم يطلقون اسم الدين على بعض الأعمال التي هي أشبه بلعب الأطفال ومجمون الكبار ، فهؤلاء غير جديرين بالمناقشة والمباحثة ، وعليه يؤمر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن يعرض عنهم ولا يعتني بدينهم الفارغ.

يتضح ممّا قلنا أنّ «دينهم» يعني «دين الشرك وعبادة الأصنام» الذي كانوا يدينون به ، أمّا القول بأنّ المقصود هو «الدين الحق» وإنّ إضافة الدين إليهم يستند إلى كون الدين فطريا ، فيبدو بعيد الاحتمال.

والاحتمال الآخر في تفسير الآية هو أن القرآن يشير إلى جمع من الكفار الذين كانوا يتعاملون مع دينهم كألعوبة وملهاة ، ولم ينظروا أبدا إلى الدين كأمر جاد يستوجب إمعان الفكر والتأمل ، أي أنّهم كانوا لا يؤمنون حقيقة حتى في معتقدات شركهم ، ولم يقيموا وزنا حتى لدينهم الذي لا أساس له.

على كل حال فالآية لا تخص الكفار وحدهم ، بل هي تشمل جميع الذين يتخذون من الأحكام الإلهية ومن المقدسات وسائل للتلهي وملء الفراغ وبلوغ الأهداف المادية الشخصية ، أولئك الذين يجعلون الدين آلة الدنيا ، والأحكام الإلهية العوبة أغراضهم الخاصّة.

ثمّ يؤمر الرّسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن ينبّههم إلى أعمالهم هذه وإلى أنّ هناك يوما لا بدّ لهم أن يستسلموا فيه لنتائج أعمالهم ولن يجدوا من ذلك مفرا :( وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ ) (١) .

__________________

(١) «البسل» هو حفظ الشيء ومنعه بالقوة والقهر ، والإبسال حمل المرء على التسليم ، كما تطلق الكلمة على الحرمان من الثواب ، أو أخذ الرهائن ، والجيش الباسل بمعنى القاهر الذي يحمل العدو على التسليم ، والمعنى في الآية هو تسليم المرء وخضوعه لأعماله السيئة.

٣٣٤

يوم لا شفيع ينفع ولا ولي سوى الله :( لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ ) .

إنّهم يؤمئذ في حال صعبة مؤلمة يرزحون في قيود أعمالهم بحيث إنّهم يرتضون أن يدفعوا أية غرامة (إن كان عندهم ما يدفعونه) ولكنّها لن تقبل منهم :( وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها ) (١) .

ذلك لأنّهم يكونون بين مخالب أعمالهم ، ولا فدية تنجيهم ، ولا توبة تنفعهم بعد أن فات الأوان :( أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا ) .

ثمّ يشار إلى جانب ممّا سيصيبهم من العذاب الأليم بسبب إعراضهم عن الحق والحقيقة :( لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ ) .

إنّهم يتعذّبون بالماء الحريق من الداخل ، ويكتوون بنار الجحيم.

يجدر الانتباه هنا إلى أن جملة( أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا ) هي بمثابة السبب الذي يمنع من قبول الغرامة ومن قبول أي شفيع وولي ، أي أن عقابهم ليس لعلة خارجية بحيث يمكن دفعها بشكل من الأشكال ، بل ينبع من داخل الذات وسلوكها وأعمالها ، إنّهم أسرى أعمالهم القبيحة ، لذلك لا مفر لهم ، لأنّ فرار المرء من أعماله وآثارها إنّما هو فرار من ذاته ، وهو غير ممكن.

غير أنّنا لا بدّ أن نعلم أنّ هذه الحالة من الشدّة والصعوبة وانعدام طريق العودة ورفض الشفاعة إنّما تكون بحق الذين أصروا على كفرهم واستمروا عليه ، كما يتبيّن من عبارة :( بِما كانُوا يَكْفُرُونَ ) (الفعل المضارع يفيد الاستمرارية).

* * *

__________________

(١) «العدل» بمعنى «المعادل» وهو ما يدفع جزاء وغرامة لقاء التحرر ، وهو أشبه في الواقع بما يفتدى به.

٣٣٥

الآيتان

( قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٧١) وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٧٢) )

التّفسير

كان المشركون يصرّون على دعوة المسلمين إلى العودة إلى الكفر وعبادة الأصنام ، فنزلت هذه الآية تأمر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالردّ عليهم ردّا يدحض رأيهم ويفند دعوتهم في جواب بصيغة الاستفهام الاستنكاري : أتريدون منّا أن نشرك مع الله ما لا يملك لنا نفعا فنعبده لذلك ، ولا يملك لنا ضررا فنخافه؟! :( قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا ) .

هذه الآية تشير إلى أنّ أفعال الإنسان تنشأ عادة عن دافعين ، فهي إمّا أن تهدف إلى استجلاب منفعة (مادية كانت أم معنوية) ، وأمّا إلى دفع ضرر (ماديا كان أم معنويا). فكيف يقدم الإنسان على أمر ليس فيه أي من هذين العاملين؟

٣٣٦

ثمّ يأتي باستدلال آخر على المشركين ، فيقول : إذا عدنا إلى عبادة الأصنام ، بعد الهداية الإلهية نكون قد رجعنا القهقهري ، وهذا يناقض قانون التكامل الذي هو قانون حياتي عام :( وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللهُ ) (١) .

ثمّ يضرب مثلا لتوضيح الأمر ، فيقول : إنّ الرجوع عن التوحيد إلى الشرك أشبه بالذي أغوته الشياطين (أو غيلان البوادي التي كان عرب الجاهلية يعتقدون أنّه تمكن في منعطفات الطرق وتغوي السابلة وتضلهم عن الطريق) فتاه عن مقصده وظل حيرانا في الباديّة :( كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ ) بينما له رفاق يرشدونه إلى الصراط السوي المستقيم وينادونه : هلم إلينا ، ولكنّه من الحيرة والتيه بحيث لا يسمع النداء ، أو إنّه غير قادر على اتخاذ القرار :( لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا ) (٢) .

وفي الختام يؤمر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقول : إنّ الهداية من الله وليس لنا إلّا أن نسلم لأمر الله ربّ العالمين :( قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ ) .

وهذا دليل آخر على رفض دين المشركين ، إذ التسليم لا يكون إلّا لخالق الكون ومالكه وربّ عالم الوجود ، لا الأصنام التي لا دور لها في إيجاد هذا العالم وإدارته.

سؤال :

يبرز هنا هذا السؤال : لم يكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل البعثة من أتباع دين المشركين فكيف تقول الآية :( نُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا ) ونحن نعلم أنّه لم يسجد قط

__________________

(١) «أعقاب» جمع «عقب» وهو مؤخر الرجل ، ورجع على عقبه بمعنى انثنى راجعا ، وهو هنا كناية عن الانحراف عن الهدف ، وهو ما يطلق عليه اليوم اسم «الرجعية».

(٢) «استهوته» من «الهوى» وهو ميل النفس إلى الشهوة ، واستهوته بمعنى حملته على إتباع الهوى ، و «الحيرة» هي التردد في الأمر ، وفي الأصل : الجيئة والذهاب ، فالآية تشير إلى الذين يذهبون من الإيمان إلى الشرك مستلهمين تحركاتهم من الشيطان.

٣٣٧

لصنم ، إذ لم يرد هذا في جميع التواريخ التي كتبت عنه ، بل أن مقام العصمة لا يمكن أن يسمح بحدوثه؟

الجواب :

في الحقيقة تعتبر هذه الآية ممّا جاء على لسان جميع المسلمين ، لا على لسان النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحده ، ولذلك جاءت الضمائر فيها بصيغة الجمع.

الآية التّالية ، تواصل شرح الدعوة الإلهية قائلة : إنّنا فضلا عن التوحيد ، فقد أمرنا بإقامة الصّلاة وبتقوى الله :( وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ ) .

وفي الختام يشار إلى المعاد وإلى أنّ الناس إلى الله يرجعون :( وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) .

هذه الآيات القصار تكشف عن البرنامج الذي يدعو اليه الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمتألف من أربعة مبادئ ، تبدأ بالتوحيد وتنتهي بالمعاد ، وبينهما مرحلتان متوسطتان هما : تقوية الارتباط بالله ، والاتقاء من كل ذنب.

* * *

٣٣٨

الآية

( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (٧٣) )

التّفسير

هذه الآية دليل على ما جاء في الآية السابقة ، وعلى ضرورة التسليم لله وإتّباع رسوله ، لذلك تقول :( هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ ) .

إنّ مبدأ عالم الوجود هو وحده الجدير بالعبادة ، وهو وحده الذي يجب الخضوع والتسليم له ، لأنّه خلق الأشياء لمقاصد حقّه.

المقصود من «الحق» في الآية هو الأهداف والنتائج والمنافع والحكم ، أي أنّ كل مخلوق قد خلق لهدف وغاية ومصلحة ، وهذه الآية تشبه الموضوع الذي تتناوله الآية (٧٧) من سورة ص التي جاء فيها :( وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ) .

ثمّ يقول : إنّه فضلا عن كونه مبدع عالم الوجود ، فان يوم القيامة أيضا يقوم بأمره ، وإذا ما أصدر أمره بقيام ذلك اليوم فإنّه يتحقق فورا :( وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ

٣٣٩

فَيَكُونُ ) (١) .

يحتمل بعضهم أنّ هذه العبارة تشير إلى مبدأ الخلق وإيجاد عالم الوجود ، حيث خلق كل شيء بأمر الله ، ولكن بالنظر لأنّ الفعل «يقول» مضارع ، وهناك قبل هذه الآية إشارة إلى أصل الخلق ، وكذلك بالرجوع إلى الآيات التّالية ، يمكن القول بأنّ هذه العبارة تخص البعث ويوم القيامة.

سبق في تفسير الآية (١١٧) من سورة البقرة في المجلد الأوّل أن قلنا إنّ( كُنْ فَيَكُونُ ) لا تعني إصدار أمر لفظي لشيء أن يكون فيكون ، بل تعني إنّه إذا شاء خلق شيء ، فإنّ إرادته تتحقق دون حاجة الى وجود أي عامل آخر ، فإذا شاء أن يتحقق الشيء فهو يتحقق فورا. وإذا شاء أن يتحقق تدريجيا فإنّ خطّة تحققه التدريجي تبدأ.

ثمّ يضيف : أنّ ما يقوله الله هو الحق ، أي أنّه مثلما كان مبدأ الخلق ذا أهداف ونتائج ومصالح ، كذلك سيكون يوم القيامة :( قَوْلُهُ الْحَقُ ) .

وفي ذلك اليوم الذي ينفخ فيه في صور ويبعث الناس يوم القيامة ، يكون الحكم والملك لله :( وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ) .

حكومة الله على عالم الوجود ومالكيته له قائمتان منذ بداية الخلق حتى نهايته وفي يوم القيامة ، ولا يختص ذلك بيوم القيامة وحده ، لكن هناك عوامل وأسبابا تؤثر في مسار هذه الدنيا وتقدمها نحو أهدافها ، لذلك قد يغفل الإنسان أحيانا عن وجود الله وراء هذه الأسباب والعوامل ، أمّا في ذلك اليوم الذي تتعطل فيه جميع الأسباب والعوامل ، فإنّ حكومة الله ومالكيته تكونان أجلى وأوضح من أي وقت سابق ، كما جاء في آية أخرى :( لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ

__________________

(١) يختلف المفسرون في متعلق الظرف «يوم» ، فبعض يعلقه بجملة «خلق» وبعض يعلقه بجملة «اذكروا» المحذوفة ، ولكن لا يستبعد أن يكون متعلقا بجملة «يكون» ، فيصبح المعنى : يكون يوم القيامة يوم يقول له كن.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611