الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٤

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل9%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 611

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 611 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 139908 / تحميل: 6884
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

الآيات

( وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٥) وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلاًّ فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ (٨٦) وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٨٧) )

التّفسير

في هذه الآيات إشارة إلى النعم التي أسبغها الله على إبراهيم ، وهي تتمثل في أبناء صالحين وذرية لائقة ، وهي من النعم الإلهية العظيمة.

يقول سبحانه :( وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ) ولم تذكر الآية ابن إبراهيم الآخر إسماعيل ، بل ورد اسمه خلال حديث آية تالية ، ولعل السبب يعود إلى أنّ ولادة إسحاق من (سارة) العقيم العجوز تعتبر نعمة عجيبة وغير متوقعة.

ثمّ يبيّن أنّ مكانة هذين لم تكن لمجرّد كونهما ولدي نبي ، بل لإشعاع نور الهداية في قلبيهما نتيجة التفكير السليم والعمل الصالح :( كُلًّا هَدَيْنا ) .

٣٦١

ثمّ لكيلا يتصور أحد أنه لم يكن هناك من يحمل لواء التوحيد قبل إبراهيم ، وأنّ التوحيد بدأ بإبراهيم ، يقول :( وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ ) .

إنّنا نعلم أن نوحا هو أوّل أولي العزم من الأنبياء الذين جاؤوا بدين وبشريعة.

فالإشارة إلى مكانة نوح ، وهو من أجداد إبراهيم ، والإشارة إلى فريق من الأنبياء من أبنائه وقبيلته ، إنّما هي توكيد لمكانة إبراهيم المتميزة من حيث «الوراثة والأصل» و «الذّرية».

وعلى أثر ذلك ترد أسماء عدد من الأنبياء من أسرة إبراهيم :( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ ) ، ثمّ يبيّن أن منزلة هؤلاء ناشئة من أعمالهم الصالحة وهم لذلك ينالون جزاءهم :( وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) .

هناك كلام كثير بين المفسّرين بشأن الضمير في( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ ) هل يعود إلى إبراهيم ، أم إلى نوح؟ غير أنّ أغلبهم يرجعه إلى إبراهيم ، والظاهر أنّه لا مجال للشك في عودة الضمير إلى إبراهيم ، لأنّ الكلام يدور على ما وهبه الله لإبراهيم ، لا لنوحعليهما‌السلام ، كما أنّ الرّوايات التي سوف نذكرها تؤيد هذا الرأي.

النقطة الوحيدة التي حدت ببعض المفسّرين إلى إرجاع الضمير إلى نوح هي ورود ذكر «يونس» و «لوط» في الآيات التّالية ، إذ المشهور في التّأريخ أنّ «يونس» لم يكن من أبناء إبراهيم ، كما أنّ «لوطا» كان ابن أخي إبراهيم أو ابن أخته.

غير أنّ المؤرخين ليسوا مجمعين على نسب «يونس» ، فبعضهم يراه من أسرة إبراهيم(١) وآخرون يرونه من أنبياء بني إسرائيل(٢) .

ثمّ إنّ الجاري عند المؤرخين أن يحفظوا النسب من جهة الأب ، ولكن ما

__________________

(١) تفسير الآلوسي ، ج ٧ ، ص ١٨٤.

(٢) دائرة المعارف فريد وجدي ، ج ١٠ ، ص ١٠٥٥ ـ في مادة «يونس».

٣٦٢

الذي يمنع من أن ينتسب «يونس» من جهة أمّه إلى إبراهيم ، كما هي الحال بالنسبة إلى عيسى الذين نقرأ اسمه في الآيات؟

أمّا «لوط» فهو ، وإن لم يكن من أبناء إبراهيم ، فقد كان من أسرته ، فالعرب تطلق لفظة «لأب» على «العم» ، وكذلك تعتبر ابن الأخ أو ابن الأخت من «ذرية» المرء. وعلى هذا ليس لنا أن نتغاضى من ظاهر هذه الآيات فنعيد الضمير إلى نوح ، وهو ليس موضوع القول هنا.

في الآية الثانية يرد ذكر زكريا ويحيى وعيسى والياس على أنّهم جميعا كانوا من الصالحين ، أي أنّ مكانتهم المرموقة ليست من باب المجاملة الإجبارية ، بل هي بسبب أعمالهم الصالحة في سبيل الله :( وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ ) .

الآية الثالثة تذكر أربعة آخرين من الأنبياء والقادة الإلهيين ، وهم إسماعيل واليسع ويونس ولوط الذين رفعهم ربّهم درجات على أهل زمانهم :( وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ ) .

لم يتفق المفسّرون بشأن اسم «اليسع» فقد قال بعض : إنّه اسم عبري أصله «يوشع» ثمّ أضيفت إليه الألف وللام وأبدلت الشين سينا ، وبعض يرى أنّه اسم عربي من الفعل المضارع «يسع» وعلى كل حال هو اسم أحد الأنبياء من نسل إبراهيم.

وفي الآية الأخيرة إشارة عامّة إلى آباء الأنبياء المذكورين وأبنائهم وإخوانهم ممن لم ترد أسماؤهم بالتفصيل وهم جميعا من الصالحين الذين هداهم الله :( وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) .

* * *

٣٦٣

ملاحظات

هنا لا بدّ من الإشارة إلى بعض النقاط :

١ ـ أبناء النّبي :

في هذه الآيات اعتبر عيسى من أبناء إبراهيم (وباحتمال من أبناء نوح) مع انّنا نعلم أنّ اتصاله بهما إنّما هو من جهة الأم ، وهذا دليل على أنّ سلسلة النسب تتقدم من جهة الأب والأم تقدما متساويا ، ولذلك فإنّ الأحفاد من الابن أو البنت هم ذرية المرء وأولاده.

وعلى هذا فإنّ أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، وهو جميعا من أحفاد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ابنته يعتبرون أبناء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

إنّ جاهلية ما قبل الإسلام لم تكن تعترف للمرأة بأية مكانة أو قيمة ، وكان النسب عندهم ما اتصل من جهة الأب فقط ، غير أنّ الإسلام أبطل هذه العادة الجاهلية ، ومن المؤسف أنّ بعض أصحاب الأقلام الذين في نفوسهم شيء تجاه أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، سعوا إلى إنكار هذا الموضوع ، وحاولوا العودة إلى الجاهلية بالامتناع عن نسبة أبناء فاطمة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورفضوا اطلاق عبارة «ابن رسول الله» عليهم إحياء للتقاليد الجاهلية.

هذا الموضوع نفسه كان قد عرض للمناقشة على عهود الأئمّة ، فكانوا يجيبونهم بهذه الآية باعتبارها الدليل الدامغ والردّ الحاسم على ما يفترون.

من ذلك ما جاء في «الكافي» وفي تفسير العياشي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : «والله لقد نسب الله عيسى بن مريم في القرآن إلى إبراهيمعليه‌السلام من قبل النساء ثمّ تلا :( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ ) إلى آخر الآيتين ، وذكر عيسى.

وفي تفسير العياشي عن أبي الأسود قال : أرسل الحجاج إلى يحيى بن معمر قال : بلغني أنّك تزعم أنّ الحسن والحسين من ذرية النّبي تجدونه في كتاب الله ، وقد قرأت كتاب الله من أوّله إلى آخره فلم أجده ، قال : أليس تقرأ سورة الأنعام :

٣٦٤

( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ ) حتى بلغ( يَحْيى وَعِيسى ) أليس عيسى من ذرية إبراهيم وليس له أب؟ قال : صدقت.

وفي (عيون أخبار الرضا) في باب جمل من أخبار موسى بن جعفرعليه‌السلام مع هارون الرشيد ومع موسى بن المهدي حديث طويل بينه وبين هارون وفيه ثمّ قال : كيف قلتم : إنّا ذريّة النّبي ، والنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يعقب ، وإنّما العقب للذكر ، لا للأنثى وأنتم ولد لابنته ، ولا يكون لها عقب ، فقلت : «أسألك بحق القرابة والقبر ومن فيه إلّا ما اعفيتني من هذه المسألة» فقال : لا ، أو تخبرني بحجّتكم فيه يا ولد علي ، وأنت يا موسى يعسوبهم وإمام زمانهم ، كذا أنهى إلي ، وليست أعفيك في كل ما أسألك عنه حتى تأتيني فيه بحجّة من كتاب الله ، وأنتم تدعون معشر ولد علي أنّه لا يسقط عنكم منه شيء لا ألف ولا واو ، إلّا تأويله عندكم ، واحتججتم بقولهعزوجل :( ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ) واستغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم ، فقلت : «تأذن لي في الجواب؟» قال : هات ، فقلت : «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم :( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى ) من أبو عيسى يا أمير المؤمنين؟ قال : ليس لعيسى أب ، فقلت : «إنّما الحق بذراري الأنبياء من طريق مريمعليها‌السلام ، وكذلك ألحقنا بذراري النّبي من قبل أمنا فاطمةعليها‌السلام »(١) .

يلفت النظر أنّ بعض المتعصبين من أهل السنة تطرقوا إلى هذا الموضوع عند تفسيرهم لهذه الآية ، منهم الفخر الرازي في تفسيره حيث استدل بها أن الحسن والحسين من ذرية النّبي ، لأنّ الله ذكر عيسى من ذرية إبراهيم مع أنّه يرتبط به عن طريق الأم فقط(٢) .

وصاحب المنار الذي لا يقل تعصبا عن الفخر الرازي يقول : بعد أن ينقل

__________________

(١) تفسير (نور الثقلين) ، ج ١ ، ص ٧٤٣.

(٢) تفسير الفخر الرازي ، ج ١٣ ، ص ٦٦.

٣٦٥

كلام الرازي ، أنّ في هذا الباب حديثا كره البخاري في صحيحه عن أبي بكر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال مشيرا إلى الحسن بن عليعليه‌السلام : «إنّ ابني هذا سيد» بينما كانت لفظة (ابن) عند عرب الجاهلية لا تطلق على ابن البنت ثمّ يضيف ، لهذا السبب ، اعتبر الناس أولاد فاطمة أولاد رسول الله وعترته وأهل بيته.

لا شك أنّ أبناء البنت وأبناء الابن هم أبناء المرء ولا فرق بينهما ، ولا هي قضية اختص بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحده ، وما سبب الاعتراض على هذا إلّا التعصب وإلّا التمسك بالأفكار الجاهلية ، ولهذا نجد جميع التشريعات الإسلامية ، كالزواج والإرث ، لا تفرق بينهما ، إنّ الاستثناء الوحيد في هذا الباب هو في موضوع الخمس الذي ورد في كتب الفقه ، حيث جعل لمن تحصل فيه عنوان السيادة.

٢ ـ لماذا وردت أسماء الأنبياء في ثلاث مجموعات في ثلاث آيات؟

يحتمل بعض المفسّرين أنّ المجموعة الأولى : داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون هؤلاء الستة ، كانوا بالإضافة إلى نبوتهم يمسكون بيدهم القيادة وزمان الحكم ، ولعل ورود( كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) إشارة إلى الأعمال الصالحة التي قاموا بها أثناء حكمهم.

أمّا المجموعة الثّانية : زكريا ويحيى وعيسى والياس ، فهم بالإضافة إلى نبوتهم كانوا معروفين بالزهد واعتزال الدنيا ، فجاء تعبير :( كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ ) بعد ذكر أسمائهم.

والمجموعة الثّالثة : إسماعيل واليسع ويونس ولوط ، فهم يشتركون في كونهم قاموا برحلات طويلة وهاجروا في سبيل نشر دعوة الله ، وعبارة( كلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ ) (إذ اعتبرنا الإشارة إلى هؤلاء الأربعة ، لا لجميع من ورد ذكرهم في هذه الآيات الثلاث) تعتبر إشارة إلى هجرة هؤلاء في أرجاء الأرض وبين الأقوام المختلفة.

٣٦٦

٣ ـ أهمية الأبناء الصالحين في تعريف شخصية الإنسان :

وهذا موضوع آخر يستنتج من هذه الآيات ، فلإضفاء الأهمية على شخصية إبراهيمعليه‌السلام بطل تحطيم الأصنام ، يشير الله إلى شخصيات إنسانية عظيمة كانوا من ذريّته في العصور المختلفة ، ويصفهم بصفات جليلة ، بحيث نجد من بين مجموع خمسة وعشرين نبيّا ورد ذكرهم في القرآن ، ستة عشر منهم من ذرية إبراهيم ، وواحدا من أجداده ، وهذا في الواقع درس كبير للمسلمين كافة لكي يدركوا أنّ أبناءهم جزء من كيانهم وشخصيتهم ، وأنّ لقضاياهم التربوية والإنسان أهمية كبيرة جدا.

٤ ـ جواب على اعتراض :

لعل الذين يقرءون :( وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) يستنتجون أنّ آباء الأنبياء لم يكونوا جميعا من المؤمنين وأنّ منهم من لم يكن موحدا ، كما يقول بعض المفسّرين من أهل السنة عند تفسير هذه الآية ، ولكنّنا يجب أن نلاحظ أنّ تعبير( اجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ ) بالقرينة الموجودة في هذه الآيات تعني مقام النبوة وحمل الرسالة ، وبهذا يتهاوى الاعتراض ، أي أنّ معنى هذه الآية سيكون هكذا : إنّنا قد اخترنا بعضا منهم لمقام النبوة ، وهذا لا يعني أنّ الآخرين لم يكونوا موحدين وفي الآية (٩٠) من هذه السورة وردت لفظة «الهداية» بمعنى النبوة(١) .

* * *

__________________

(١) «من آبائهم» جار ومجرور متعلقان أمّا بجملة «فضلنا» الواردة في الآية السابقة أو بمحذوف تفسره الجملة التّالية فيكون الأصل «اجتبينا من آبائهم» ينبغي الالتفات إلى أن «من» في الآية تبعيضية حسب الظاهر.

٣٦٧

الآيات

( ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٨٨) أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ (٨٩) أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْعالَمِينَ (٩٠) )

التّفسير

ثلاثة امتيازات مهمّة :

بعد ذكر مجموعات الأنبياء في الآيات السابقة ، تتناول هذه الآيات الخطوط العامّة لحياتهم ، وتبدأ القول :( ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ) .

أي أنّ هؤلاء على الرغم من صلاحهم واسترشادهم بقوة العقل والفكر في سيرهم الحثيث على طريق الهداية ، شملتهم عناية الهداية الإلهية ، وأخذت بأيديهم وإلّا فاحتمال انحرافهم وانحراف كل انسان موجود دائما.

ولكيلا يحسب البعض أنّ هؤلاء قد أجبروا على السير في هذا الطريق ، أو

٣٦٨

يظن أنّ الله ينظر إلى هؤلاء نظرة خاصّة واستثنائية دونما سبب ، يقول القرآن عنهم :( وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ) .

فهم إذن مشمولون بهذا القانون الإلهي الذي يسري على غيرهم بغير محاباة.

الآية التّالية تشير إلى ثلاثة امتيازات مهمّة هي أساس جميع امتيازات الأنبياء ، وهي قوله :( أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ) .

ولا يعني هذا أنّهم جميعا كانوا من أصحاب الكتب السماوية ، ولكن الكلام يدور على المجموع ، فنسب الكتاب إلى المجموع أيضا ، وهذا كقولنا : الكتاب الفلاني ذكر العلماء وكتبهم ، أي كتب من له تأليف منهم.

أمّا المقصود من «الحكم» فثمّة احتمالات ثلاثة :

١ ـ الحكم بمعنى «العقل والإدراك» ، أي : إنّنا فضلا عن إنزال كتاب سماوي عليهم فقد وهبناهم القدرة على التعقل والفهم ، إذ أن وجود الكتاب بغير وجود القدرة على فهمه فهما كاملا عميقا لا جدوى فيه.

٢ ـ بمعنى «القضاء» أي أنّهم باستنباط القوانين الإلهية من تلك الكتب السماوية كانوا قادرين على أن يقضوا بين الناس بامتلاكهم لجميع شروط القاضي العادل.

٣ ـ بمعنى «الحكومة» والإمساك بزمان الإدارة ، بالإضافة إلى مقام النّبوة ، إنّ الدليل على المعاني المذكورة ـ بالإضافة إلى المعنى اللغوي الذي ينطبق عليها ـ هو أنّ كلمة «الحكم» قد وردت بهذه المعاني نفسها أيضا في آيات أخرى من القرآن(١) .

وليس ثمّة ما يمنع من أنّ يشمل استعمال الكلمة في هذه الآية المعاني الثلاثة مجتمعة ، فالحكم أصلا ـ كما يقول «الراغب» في «مفرداته» هو المنع ،

__________________

(١) جاءت في الآية (١٢) من سورة لقمان بمعنى العلم والفهم ، وفي الآية (٢٢) من سورة ص بمعنى القضاء ، وفي الآية (٢٦) من سورة الكهف بمعنى الحكومة.

٣٦٩

ومن ذلك العقل الذي يمنع من وقوع الأخطاء والمخالفات ، وكذلك القضاء الصحيح يمنع من وقوع الظلم ، والحكومة العادلة تقف بوجه الحكومات غير العادلة ، فهي قد استعملت في المعاني الثلاثة.

قلنا من قبل إنّ جميع الأنبياء لم يكونوا يحظون بهذه الامتيازات كلها ، وإسناد حكم إلى الجمع لا يعني شموله جميع أفراد ذلك الجمع ، بل قد يكون لبعض أفراده ، ومن ذلك مسألة إيتاء الكتاب لهؤلاء الأنبياء.

ثمّ يقول : لئن رفضت هذه الجماعة (أي المشركون وأهل مكّة) تلك الحقائق ، فإن دعوتك لن تبقى بغير استجابة ، إذ إنّنا قد أمرنا جمعا آخر لا بقبولها فحسب ، بل وبالحفاظ عليها فهم لا يسلكون طريق الكفر أبدا ، بل يتبعون الحقّ :( فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ ) .

جاء في تفسير «المنار» وتفسير «روح المعاني» عن بعض المفسّرين أنّ المقصود بالقوم هم الفرس ، وقد أسرعوا في قبول الإسلام وجاهدوا في سبيل نشره ، وظهر فيهم العلماء في شتى العلوم والفنون الإسلامية وألفوا الكثير من الكتب(١) .

الآية الأخيرة تجعل من منهاج هؤلاء الأنبياء العظام قدوة رفيعة للهداية تعرض على رسول لاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتقول له :( أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ ) (٢) .

تؤكّد هذه الآية مرّة أخرى على أن أصول الدعوة التي قام بها الأنبياء

__________________

(١) يحتمل أيضا أن يكون المراد من «هؤلاء» هم الأنبياء أنفسهم ، أي إذا افترضنا المستحيل ، وقلنا أنّ هؤلاء الأنبياء العظام تخلوا عن أداء الرسالة الإلهية ، فإنّ الرسالة كانت تواصل سيرها على أيدي قوم آخرين ، هنالك تعبيرات مماثلة في القرآن ، كما جاء في الآية (٦٥) من سورة الزمر( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ) .

(٢) الهاء في «اقتده» ليست ضميرا ، بل هي هاء السكت التي تلحق الكلمة المتحركة عند الوقف ، مثل همزة الوصل التي يؤتى بها إذا كان حرف الابتداء في الكلمة ساكنا ، وهي تسقط عند الوصل ، مثل هاء السكت غير أنّ هذه الهاء بقيت في الكتابة القرآنية من باب الاحتياط وارتوى الوقف هنا لكي تظهر هاء السكت.

٣٧٠

واحدة ، بالرغم من وجود بعض الاختلافات الخاصّة والخصائص اللازمة التي تقتضيها الحاجة في كل زمان ومكان ، وكل دين تال يكون أكمل من الدين السابق. بحيث تستمر مسيرة الدروس العلمية والتربوية حتى تصل إلى المرحلة النهاية ، أي الإسلام.

ولكن ما المقصود من أمر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يهتدي أولئك الأنبياء؟

يقول بعض المفسّرين : إنّ المقصود قد يكون هو الصبر وقوة التحمل والثبات في مواجهة المشاكل ، ويقول بعض آخر إنّه «التوحيد وإبلاغ الرسالة» ولكن يبدو أنّ للهداية معنى واسعا يشمل التوحيد وسائر الأصول العقائدية ، كما يشمل الصبر والثبات وسائر الأصول الأخلاقية والتربوية.

يتّضح ممّا سبق أنّ هذه الآية لا تتعارض مع القول بأنّ الإسلام ناسخ الأديان والشرائع السابقة ، إذ أنّ النسخ إنّما يشمل جانبا من أحكام تلك الشرائع لا الأصول العامّة للدعوة.

ثمّ يؤمر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقول للنّاس إنّه مثل سائر الأنبياء لا يتقاضى أجرا لقاء عملية تبليغ الرسالة :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً ) .

ليس الاقتداء بالأنبياء وبسنتهم الخالدة هو وحده الذي يوجب عليّ عدم طلب الأجر ، بل أنّ هذه الدين الطاهر الذي جئتكم به وديعة إلهية أضعها بين أيديكم ، وطلب الأجر على ذلك لا معنى له.

ثمّ إنّ هذا القرآن وهذه الرسالة والهداية إن هي إلّا إيقاظ وتوعية للناس جميعا :( إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ ) .

إنّ النعم العامّة الشاملة مثل نور الشمس والهواء والأمطار هي أمور عامّة وعالمية ، لاتباع ولا تشترى ، ولا أجر يعطى لقاءها ، هذه الهداية أو الرسالة ليست خاصّة ومقصورة على بعض دون بعض حتى يمكن طلب الأجر عليها ، (ممّا قيل في تفسير هذه العبارة يتضح الترابط بينها وبين عبارات الآية الأخرى ، وبين ما

٣٧١

سبقها من آيات).

كما يتّضح من هذه الآية الأخيرة أنّ الدين الإسلامي ليس قوميا ولا إقليميا ، وإنّما هو دين عالمي عام.

* * *

٣٧٢

الآية

( وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (٩١) )

سبب النّزول

الغافلون عن الله :

روي عن ابن عباس أنّ جمعا من اليهود قالوا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا محمّد أحقا أنزل الله عليك كتابا؟ فقال : نعم ، فقالوا : قسما بالله إنّه لم ينزل عليك كتابا من السماء(١) .

هنالك أقوال أخرى في سبب نزول هذه الآية ، ولكنّنا سنعرف فيما بعد أنّ ما قلناه أقرب وأنسب.

__________________

(١) تفاسير مجمع البيان وأبي الفتوح الرازي والمنار في تفسير الآية.

٣٧٣

التّفسير

يختلف المفسّرون حول كون هذه الآية واردة بشأن اليهود أو المشركين ، ولمّا لم تكن لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مباحثات مع اليهود في مكّة ، بل بدأت في المدينة ، وهذا السورة مكّية ، لذلك يرى بعضهم أنّ هذه الآية قد نزلت في المدينة ، إلّا أنّها وضعت في هذه السّورة المكية بأمر من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولهذا في القرآن ما يشابهه.

لاتضاح الحقيقة يجب أن نتعرف أوّلا على تفسير الآية الإجمالي ، ثمّ نبحث عمن تتحدث عنه الآية ، وعمّا تستهدفه.

في البداية تقول الآية : إنّهم لم يعرفوا الله معرفة صحيحة وأنكروا نزول كتاب سماوي على أحد :( وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ ) .

فيأمر الله رسوله أن( قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ ) .

ذلك الكتاب الذي جعلتموه صحائف متناثرة ، تظهرون منه ما ينفعكم وتخفون ما تظنونه يضرّكم :( تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً ) .

إنّكم تتعلمون من هذا الكتاب السماوي أمورا كثيرة لم تكونوا أنتم ولاءاباؤكم تعلمون عنها شيئا :( وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ ) .

وفي ختام الآية يؤمر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يذكر الله وأن يترك أولئك في أباطيلهم وعنادهم ولعبهم :( قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ) .

إذا كانت هذه الآية قد نزلت في المدينة وكان اليهود هم المعنيين بها ، يكون المعنى أنّ جمعا من اليهود كانوا ينكرون نزول كتاب سماوي على الأنبياء.

ولكن هل يمكن أن ينكر اليهود ـ اتباع التّوراة ـ نزول كتاب سماوي؟ نعم ، وسيزول عجبك إذا علمت المسألة التّالية : لو أمعنا النظر في العهد الجديد

٣٧٤

(الإنجيل) والعهد القديم (التّوراة والكتب الملحقة بها) نجد أنّ كل هذه الكتب تفتقر إلى المسحة السماوية ، أي أنّها ليست خطابا موجها من الله إلى البشر ، بل إنّها مقولات وردت على ألسنة تلامذة موسى والمسيحعليهما‌السلام وأتباعهما على شكل سرد لحوادث تاريخية وسير ، والظاهر أنّ اليهود والمسيحيين اليوم لا ينكرون ذلك ، إذ أنّ حكاية موت موسى وعيسى وحوادث كثيرة أخرى وقعت بعدهما وردت في هذه الكتب ، لا باعتبارها تنبؤات عن المستقبل ، بل سردا لحوادث ماضية ، فهل يمكن لكتب مثل هذه أن تكون قد نزلت على موسى وعيسى؟!

كل ما في الأمر أنّ المسيحيين واليهود يعتقدون أنّ هذه الكتب قد كتبت بأيدي أناس عندهم أخبار عن الوحي ، فاعتبروها كتبا مقدسة خالية من الخطأ ويمكن الاعتماد عليها.

بناء على هذا يتضح لنا لماذا كان هؤلاء ينتابهم العجب لدى سماعهم أسلوب القرآن بشكل خطاب من الله إلى النّبي وإلى عباد الله؟ وكما قرأنا في سبب نزول هذه الآية فإنّهم قد انتابهم العجب فسألوا الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن كان الله قد أنزل عليه ـ حقا ـ كتاب ، ثمّ أنكروا هذا الأمر كليا ونفوا أن يكون أي كتاب قد نزل على أحد ، حتى على موسى.

غير أنّ الله يردّ عليهم قائلا : إنّكم ـ أنفسكم ـ تعتقدون أن ألواحا ومواضيع قد نزلت على موسى ، أي إنّ الكتاب الذي بين أيديكم وان لم يكن كتابا سماويا إلّا أنّكم تؤمنون ـ على الأقل ـ بأنّ شيئا مثل هذا قد نزل من قبل الله ، وأنتم تظهرون قسما منه وتخفون كثيرا منه : وعلى ذلك فلا يبقى مجال للشك في إمكان إنكار اليهود نزول كتاب سماوي.

أمّا إذا كانت الآية كسائر آيات هذه السّورة تخصّ المشركين ، فيكون المعنى أنّهم أنكروا نزول أي كتاب سماوي لانكار ونفي دعوة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكن الله يبيّن

٣٧٥

لهم منطقيا أنّهم لا يستطيعون إنكار ذلك كليا بالنظر لنزول التّوراة على موسى ، وأنّ المشركين ـ وإن لم يدينوا بدين اليهود ـ كانوا يعتبرون الأنبياء السابقين وإبراهيم ، وموسى أيضا على أقوى احتمال ـ أنبياء في عصورهم وأقاليمهم ، لذلك فهم عند ظهور نبي الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لجأوا إلى أهل الكتاب يبحثون عندهم في كتبهم عن أمارات ودلائل تتنبأ بظهور هذا النّبي ، فلو لم يكونوا يؤمنون بأنّ تلك الكتب نازلة من السماء ، لما لجأوا إليها يطلبون ما طلبوا ، لذلك فهم بعد أن سألوا اليهود ، أظهروا ما كانت فيه مصلحتهم ، وأخفوا ما عداه (كعلامات ظهور النّبي الجديد المذكورة في تلك الكتب) ، وعلى هذا يمكن تطبيق هذه الآية على أقوال مشركي مكّة أيضا.

لكن التّفسير الأوّل أقرب إلى سياق الآية وسبب النّزول وما فيها من ضمائر.

ملاحظات :

هنا لا بدّ من الإشارة إلى بضع نقاط :

١ ـ «قراطيس» جمع «قرطاس» من أصل يوناني حسب قول بعضهم ، وهو «ما يكتب فيه» كما يقول «الراغب» في «مفرداته» وبناء على ذلك فإن الورق العادي وجلود الحيوانات والأشجار وأمثالها التي كانت تستخدم في الكتابة قديما ، تنضوي تحت هذه الكلمة.

٢ ـ قد يسأل سائل : لماذا تذم الآية اليهود كتابتهم الوحي الإلهي على القراطيس ، وهل في تلك ما يوجب الذم؟

وجوابا على ذلك نقول : إنّ الذم لم يكن لهذا السبب ، إنّما السبب هو أنّهم كتبوه على قراطيس متفرقة بحيث يمكنهم أن يظهروا منه ما تقتضيه منافعهم ، وأن يخفوا ما يؤدي إلى ضررهم.

٣ ـ إنّ عبارة( وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ ) في الواقع إشارة إلى أنّ من يعرف

٣٧٦

الله معرفة صحيحة لا يمكن أن ينكر إرساله الهداة والمرشدين ومعهم الكتب السماوية إلى البشر ، لأنّ حكمة الله توجب :

أوّلا : أن يعين الإنسان في مسيرته المليئة بالمنعطفات لبلوغ هدفه التكاملي الذي خلق من أجله وإلّا انتقض الهدف من الخلقة ، وهذا الهدف لا يمكن تحقيقه بغير الوحي والكتب السماوية والتعاليم السليمة من كل خطأ وسهو.

ثانيا : كيف يمكن لربوبية الله ذات الرحمة العامّة والخاصّة أن تترك الإنسان وحيدا في طريق سعادته المليء بمختلف الموانع والعقبات والمتاهات ، فلا يرسل إليه قائدا ومرشدا يحمل التعاليم الشاملة للأخذ بيده وتوجيهه ، وعليه فإن حكمته ورحمته توجبان إرسال الرسل وإنزال الكتب السماوية.

لا شك أن معرفة حقيقة الذات الالهية المقدسة وكنه صفاته غير ممكنة ، وهذه الآية لا تقصد هذا الحدّ من معرفة الله ، وإنّما تريد أن تقول : لو حصل الإنسان على المقدار الميسور من معرفة الله فلا يبقي شك بأن مثل هذا الربّ لا يمكن أن يترك عباده بدون هاد ودليل وكتاب سماوي.

* * *

٣٧٧

الآية

( وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (٩٢) )

التّفسير

تعقيبا على البحث الذي دار في الآيات السابقة حول كتاب اليهود السماوي ، تشير هذه الآية إلى القرآن باعتباره كتابا سماويا آخر ، والواقع أنّ ذكر التّوراة مقدمة لذكر القرآن لإزالة كل عجب وتخوف من نزول كتاب سماوي على فرد من البشر ، فتبدأ بالقول :( وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ ) وهو كتاب «مبارك» لأنّه مصدر كل خير وبركة وصلاح وتقدم ، ثمّ إنّه يؤكّد الكتب التي نزلت قبله :( مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ) ، والمقصود من أنّ القرآن يصدق الكتب التي بين يديه هو أنّ جميع الإشارات والإمارات التي وردت فيها تنطبق عليه.

وهكذا نجد علامتين على أحقّية القرآن وردتا في عبارتين : الأولى : وجود علامات في الكتب السابقة تخبر عنه ، والثّانية : محتوى القرآن نفسه الذي يضم كل خير وبركة وسعادة ، وبناء على ذلك فصدق القرآن يتجلى في محتواه من جهة ، وفي المستندات التّأريخية من جهة أخرى.

٣٧٨

ثمّ يبيّن القرآن هدف نزوله وهو توجيه الإنذار والتحذير لأم القرى (مكّة) والساكنين حولها وتنبيههم إلى مسئولياتهم وواجباتهم :( وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها ) (١) .

«الإنذار» اخبار فيه تخويف من ترك الواجبات والمسؤوليات وهذا من أهم أهداف القرآن ، خاصّة بالنسبة للطغاة المعاندين.

وفي الختام تقرر الآية أنّ الذين يعتقدون بيوم القيامة ، يوم الحساب والجزاء ، سيصدقون بهذا الكتاب ، ويؤدون فريضة الصّلاة ولا يفرطون فيها :( وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ ) .

* * *

بحوث

نلفت الانتباه هنا إلى النقاط التّالية :

١ ـ الإسلام دين عالمي

تبيّن آيات القرآن المختلفة بما لا يدع مجالا للشك أنّ الإسلام دين عالمي ، من ذلك :( لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ) (٢) و( إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ ) (٣) . و( قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ) (٤) وغيرها كثير في القرآن ، ولكلّها تؤكّد هذه الحقيقة ، وإنّه لمما يثير الانتباه أنّ معظم هذه الآيات قد نزلت في مكّة يوم لم يكن الإسلام قد تخطى حدود تلك المدينة.

ولكن فيما يخص الآية التي نحن بصددها ، يظهر لنا السؤال التالي : إنّ الآية

__________________

(١) يختلف المفسّرون في الجملة التي يمكن أن نعطف عليها جملة «ولتنذر» ولعلها معطوفة على جملة محذوفة بمعنى «لتبشر» أو مثلها.

(٢) الأنعام ، ١٩.

(٣) الأنعام ، ٩٠.

(٤) الأعراف ، ١٥٨.

٣٧٩

توجه الإنذار والهداية إلى ام القرى ومن حولها ، فكيف ينسجم هذا مع القول بأنّ الإسلام عالمي؟

في الحقيقة أنّ هذا الاعتراض جاء أيضا على لسان اليهود وغيرهم من أتباع الأديان الأخرى ظانين أنّهم قد أصابوا من عالمية الإسلام مقتلا ، باعتبار أنّ الآية تحدد مكانه بمنطقة خاصّة هي مكّة وأطرافها(١) .

الجواب :

يتّضح الجواب من هذا الاعتراض بالانتباه إلى نقطتين ، بحيث ندرك أنّ هذه الآية ، فضلا عن كونها لا تتعارض مع عالمية الإسلام ، هي واحد من أدلة عالميته أيضا : القرية بلغة القرآن اسم لكل موضع يجتمع فيه الناس ، سواء كان مدينة كبيرة أم قرية صغيرة ، ففي سورة يوسف ـ مثلا ـ جاء على لسان اخوة يوسف يخاطبون أباهم :( وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها ) (٢) ونحن نعلم أنّهم كانوا قد رجعوا لتوهم من عاصمة مصر حيث حجز عزيز مصر أخاهم (بنيامين) كذلك نقرأ :( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ) (٣) . بديهي أنّ المقصود هنا ليس القرى في الأرياف ، بل هو كل منطقة مسكونة في العالم.

ومن جهة أخرى هناك روايات عديدة تقول : إنّ اليابسة قد انتشرت من تحت الكعبة ، وهو ما أطلق عليه اسم «دحو الأرض».

كما أنّنا نعلم أنّه في البداية هطلت أمطار غزيرة فغطّى الماء الكرة الأرضية برمتها ، ثمّ غاض الماء شيئا فشيئا واستقر في المنخفضات ، وظهرت اليابسة من

__________________

(١) ورد اعتراض بعض المستشرقين بهذا الشأن ذكره صاحب المنار ، ج ٧ ، ص ٦٢١ ، وفي تفسير في ظلال القرآن ، ج ٣ ، ص ٣٠٥.

(٢) يوسف ، ٨٢.

(٣) الأعراف ، ٩٦.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

معاوية بالهزيمة الساحقة ، فاستجاب لهم الإمام على كره ، وقد حذّرهم مِنْ أنّها مكيدة وخديعة فلمْ يكن يجدي ذلك معهم وأصروا على فكرتهم.

ولمّا استبان لهم ضلال ما اقترفوه أقبلوا على الإمام وهم يقولون له : إنّا قد كفرنا وتبنا فاعلن توبتك ، وقرّ على نفسك بالكفر لنكون معك ، فأبى (عليه السّلام) فاعتزلوه ، واتّخذوا لهم شعاراً (لا حكم إلاّ لله) ، وانغمسوا في الباطل ، وماجوا في الضلال ؛ فحاربهم الإمام (عليه السّلام) وقضى على الكثيرين منهم ، إلاّ أنّ البقيّة الباقية منهم ظلّت تواصل نشر أفكارها بنشاط ، وقد لعبت دوراً مهمّاً في إفساد جيش الإمام الحسن (عليه السّلام) حتّى اضطر إلى الصلح مع معاوية ، كما كان أكثر الجيش الذي زجّه ابن زياد لحرب الإمام الحُسين مِن الخوارج ، وكانوا موتورين مِن الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، فرووا أحقادهم مِنْ أبنائه الطيّبين في كارثة كربلاء.

الحزب الاُموي :

وهؤلاء يمثّلون وجوه الكوفة وزعماءها ، كقيس بن الأشعث وعمرو بن الحجّاج الزبيدي ، ويزيد بن الحرث وشبث بن ربعي ، وعمرو بن حُريث وعمر بن سعد ، وكانوا يدينون بالولاء لبني اُميّة ، ويرون أنّهم أحقّ بالخلافة وأولى بزعامة الاُمّة مِنْ آل البيت (عليهم السّلام).

وقد لعبوا دوراً خطيراً في فشل ثورة مسلم ، كما زجّوا الناس لحرب الإمام الحُسين.

٤٤١

الشيعة :

وهي التي تدين بالولاء لأهل البيت (عليهم السّلام) ، وترى أنّه فرض ديني ، وقد أخلصت شيعة الكوفة في الولاء لهم ، أمّا مظاهر حبّهم فهي :

1 ـ الخطب الحماسية التي يُمجّدون فيها أهل البيت ويذكرون فضلهم ومآثرهم ، وما شاهدوه مِنْ صنوف العدل والحق في ظلّ حكومة الإمام أمير المؤمنين.

2 ـ الدموع السخية التي يهريقونها حينما يذكرون آلام آل البيت (عليه السّلام) وما عانوه في عهد معاوية مِن التوهين والتنكيل ، ولكنّهم لمْ يبذلوا أيّ تضحية تذكر لعقيدتهم ، فقد كان تشيّعهم عاطفيّاً لا عقائديّاً ، وقد تخلّوا عن مسلم وتركوه فريسة بيد الطاغية ابن مرجانة.

ويروي البلاذري أنّهم كانوا في كربلاء ، وهم ينظرون إلى ريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقد تناهبت جسمه الشريف السيوف والرماح فكانوا يبكون ، ويدعون الله قائلين : اللّهم انزل نصرك على ابن بنت نبيك. فانبرى إليهم أحدهم فأنكر عليهم ذلك الدعاء ، وقال لهم : هلاّ تهبّون إلى نصرته بدل هذا الدعاء ، وقد جرّدهم الإمام الحُسين (عليه السّلام) مِنْ إطار التشيّع وصاح بهم : «يا شيعة آل أبي سفيان ...».

والحقّ أنّ الشيعة بالمعنى الصحيح لمْ تكن إلاّ فئة نادرة في ذلك العصر ، وقد التحق بعضهم بالإمام الحُسين واستشهدوا معه ، كما زُجّ الكثيرون منهم في ظلمات السجون.

وعلى أيّ حالٍ ، فلمْ يكن المسلمون في الكوفة على رأي واحد وإنّما كانت هناك انقسامات خطيرة بين صفوفهم.

٤٤٢

النصارى :

مِن العناصر التي سكنت الكوفة النصارى ، فقد أقبلوا إليها مِن الحيرة بعد زوال مجدها وقد أقاموا لهم في الكوفة عدّة كنائس ، فقد كانت لهم كنيسة في ظهر قبلة المسجد الأعظم(1) ، وكان لهم أسقفان ؛ أحدهما نسطوري والآخر يعقوبي(2) ، وكانوا طائفتين :

1 ـ نصارى تغلب :

وقد استوطنوا الكوفة عند تخطيطها مع سعد ، وكانت لهذه الطائفة عزّة ومنعة(3) ، وقد رفض أبناؤها دفع الجزية ممّا اضطر عمر أنْ يعاملهم معاملة المسلمين فجعل جزيتهم مثل صدقة المسلمين(4) .

2 ـ نصارى نجران :

نزلوا الكوفة في خلافة عمر ، واستوطنوا في ناحية منها سمّيت محلّة (النجرانية)(5) .

وقد شاركت النصارى مشاركة إيجابية في كثير مِنْ أعمال الدولة ، فقد اتّخذ أبو موسى الأشعري أمير الكوفة كاتباً نصرانياً(6) ، كما ولّى الوليد بن عقبة والي عثمان رجلاً مسيحياً لإدارة شؤون مسجد قريب مِن الكوفة(7) .

__________________

(1) فتوح البلدان / 284.

(2) خطط الكوفة / 35.

(3) تاريخ الطبري.

(4) تاريخ الطبري.

(5) حياة الشعر في الكوفة / 144.

(6) عيون الأخبار 1 / 43.

(7) الأغاني 4 / 184.

٤٤٣

وقد شغل المسيحيون في الكوفة أعمالَ الصيرفة وكوّنوا أسواقاً لها(1) ، وكانت الحركة المصرفية بأيديهم ، كما كانوا يقومون بعقد القروض لتسهيل التجارة ، وكانت تجارة التبادل والصيرفة بأيديهم(2) ، وقد مهروا في الصيرفة ونظّموها على شكل يشبه البنوك في هذا العصر.

وكانت هذه البنوك الأهلية تستقرض منها الحكومة المحلّية الأموال إذا حدثت ثورة في القطر ، فكانت الأموال توزّع على أعضاء الثورة لإخمادها. وقد استقرض منها ابن زياد الأموال فوزّعها على وجوه الكوفة وأشرافها للقضاء على ثورة مسلم.

وعلى أيّ حالٍ ، فإنّ المجتمع الكوفي كان مزيجاً بين المسلمين والمسيحيين ، وكانت العلاقة بينهما وثيقة للغاية.

اليهود :

واستوطن اليهود الكوفة سنة (20 هـ)(3) ، وقد قدِمَ قسمٌ كبير منهم مِن الحجاز بعد أنْ أجلاهم منها عمر بن الخطاب(4) ، وقد كانت لهم محلّة تُعرف باسمهم في الكوفة ، كما بنوا فيها معابد لهم. ويذكر الرحّالة (بنيامين)

__________________

(1) تاريخ الكوفة / 146 ، يبدأ سوق البنوك والصيرفة مِنْ مسجد سهيل إلى المسجد الأعظم ، كما نصّت على ذلك بعض المصادر.

(2) خطط الكوفة / 146.

(3) نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق ـ يوسف رزق الله غنيمة / 103.

(4) الحياة الاجتماعية والاقتصادية في الكوفة / 105.

٤٤٤

إنّ بالكوفة سبعة آلاف يهودي ، وفيها قبر يسكنه اليهود وحوله كنيس لهم(1) ، وقد زاولوا بعض الحرف التي كان العرب يأنفون منها كالصياغة وغيرها ، وكانت اليهود تحقد على الرسول (صلّى الله عليه وآله) كأعظم ما يكون الحقد ؛ لأنّه أباد الكثيرين منهم وألحق بهم العار والهزيمة. وقد قاموا بدور فعّال ـ فيما يقول بعض المحققين ـ في مجزرة كربلاء تشفّياً مِن النّبي (صلّى الله عليه وآله) بأبنائه وذريته. وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض الأديان السائدة في الكوفة ، وقد اشترك معظمها في حركات الجهاد وعمليات الحروب في ذلك العصر.

تنظيم الجيش :

واُنشأت الكوفة لتكون معسكراً للجيوش الإسلاميّة ، وقد نُظِّمَ الجيش فيها على أساس قبلي ، كما كانوا مرتّبين وفق قبائلهم ، وكانوا يقسّمون في معسكراتهم باعتبار القبائل والبطون التي ينتمون إليها ، وقد رتّبت كما يلي :

نظام الأسباع :

ووزّع الجيش توزيعاً سباعياً يقوم قبل كلّ شيء على أساس قبلي ، بالرغم مِنْ أنّهم كانوا يُقاتلون في سبيل الله ، إلاّ أنّ الروح القبلية كانت سائدة ولمْ تضعف ، وفيما يلي أنظمتها :

السبع الأول : كنانة وحلفاؤها مِن الأحابيش وغيرهم ، وجديلة وكانوا أعواناً طيّعين للولاة القرشيين منذ إمارة سعد ، وتولّوا بإخلاص

__________________

(1) رحلة بنيامين ترجمة عزار حدّاد / 146.

٤٤٥

عمّال بني اُميّة وولاتهم.

السبع الثاني : قضاعة وغسّان وبجيلة وخثعم وكندة وحضرموت والأزد.

السبع الثالث : مذحج وحِمْيَر وهمدان وحلفاؤهم ، وقد اتّسموا بالعداء لبني اُميّة ، والمساندة الكاملة للإمام علي وأبنائه (عليهم السّلام).

السبع الرابع : تميم وسائر الرباب وحلفاؤهم.

السبع الخامس : أسد وغطفان ، ومحارب وضبيعة ، وتغلب والنمر.

السبع السادس : إياد وعكّ وعبد القيس ، وأهل هجر والحمراء.

السبع السابع : طي(1) .

وتحتوي هذه الأسباع على قطعات قبلية مِن الجيش ، وقد استعمل هذا النظام لأجل التعبئة العامّة للحروب التي جرت في ذلك العصر ، وتوزيع الغنائم عليها بعد العودة مِن الحرب ، وظلّت الكوفة على هذا التقسيم ، حتّى إذا كانت سنة (50 هـ) عمد زياد بن أبيه حاكم العراق فغيّر ذلك المنهج وجعله رباعياً ، فكان على النحو التالي :

1 ـ أهل المدينة : وجعل عليهم عمرو بن حريث.

2 ـ تميم وهمدان : وعليهم خالد بن عرفطة.

3 ـ ربيعة بكر وكندة : وعليهم قيس بن الوليد بن عبد شمس.

4 ـ مذحج وأسد(2) : وعليهم أبو بردة بن أبي موسى.

وإنّما عمد إلى هذا التغيير ؛ لإخضاع الكوفة لنظام حكمه ، كما إنّ الذين انتخبهم لرئاسة الأنظمة قد عُرفوا بالولاء والإخلاص للدولة ، وقد استعان بهم ابن زياد لقمع ثورة مسلم ، كما تولّى بعضهم قيادة الفرق التي

__________________

(1) حياة الشعر في الكوفة / 29 ـ 30.

(2) خطط الكوفة / 15 ـ 16.

٤٤٦

زجّها الطاغية لحرب الإمام الحُسين ، فقد كان عمرو بن حريث وخالد بن عرفطة من قادة ذلك الجيش. أمّا رؤوساء الأنظمة فقد كانت الدولة لا تنتخب إلاّ مِنْ ذوي المكانة الاجتماعية المعروفين بالنّجدة والبسالة والتجربة في الحرب(1) .

ورؤوساء الأرباع يكونون خاضعين للسلطة الحكومية ، كما إنّ اتصال السلطة بالشعب يكون عن طريقهم ، ونظراً لأهميتهم البالغة في المصر ، فقد كتب إليهم الإمام الحُسين يدعوهم إلى نصرته والذبّ عنه(2) .

العرافة :

وكانت الدولة تعتمد على العرفاء(3) ، فكانوا يقومون بأمور القبائل ويوزّعون عليهم العطاء ، كما كانوا يقومون بتنظيم السجّلات العامّة التي فيها أسماء الرجال والنساء والأطفال ، وتسجيل مَنْ يولد ليفرض له العطاء مِن الدولة وحذف العطاء لمَنْ يموت(4) ، كما كانوا مسؤولين عن شؤون الأمن والنظام ، وكانوا في أيّام الحرب يندبون الناس للقتال ، ويحثّونهم على

__________________

(1) تاريخ الطبري 7 / 207.

(2) أنساب الأشراف 5 / 245.

(3) العرفاء : جمع عريف ، وهو مَنْ يعرف أصحابه ، ومنه الحديث (فارجعوا حتّى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم). والعريف : هو القائم باُمور القبيلة والجماعة مِن الناس يلي اُمورهم ، ويتعرّف الأمير منه أحوالهم. جاء ذلك في تاج العروس 1 / 194.

(4) الحياة الاجتماعية والاقتصادية في الكوفة / 53.

٤٤٧

الحرب ، ويخبرون السلطة بأسماء الذين يتخلّفون عن القتال(1) ، وإذا قصّر العرفاء أو أهملوا واجباتهم فإنّ الحكومة تعاقبهم أقسى العقوبات وأشدّها(2) .

ومِنْ أهم الأسباب في تفرّق الناس عن مسلم هو قيام العرفاء في تخذيل الناس عن الثورة ، وإشاعة الإرهاب والأراجيف بين الناس(3) ، كما كانوا السبب الفعّال في زجّ الناس وإخراجهم لحرب الإمام الحُسين (عليه السّلام)(4) .

إلى هنا ينتهي بنا الحديث عن مظاهر الحياة الاجتماعية في الكوفة ، وكان الإلمام بها مِنْ ضرورات البحث ؛ وذلك لما لها مِن الأثر في إخفاق الثورة.

الطاغية ابن مرجانة :

ولا بد لنا أنْ نتعرّف على قائد الانقلاب الطاغية ابن مرجانة فنقف على نشأته وصفاته ، ومخطّطاته الرهيبة التي أدّت إلى القضاء على الثورة ، وإلى القرّاء ذلك.

ولادته :

ولد الطاغية سنة (39 هـ) ، وقد ولد لخلق الكوارث وإشاعة الخطوب في الأرض ، وعلى هذا فيكون عمره يوم قتله لريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) (21 سنة) ، ولمْ تعيّن المصادر التي بأيدينا المكان الذي ولد فيه.

__________________

(1) تاريخ الطبري 7 / 226.

(2) الأغاني 2 / 179.

(3) البداية والنهاية 8 / 154.

(4) البداية والنهاية 8 / 284.

٤٤٨

أبواه :

أمّا أبوه فهو زياد بن سُميّة ، وهو مِنْ عناصر الشرّ والفساد في الأرض ، فقد سمل عيون الناس وصلبهم على جذوع النخل ، وقتل على الظنّة والتّهمة وأخذ البريء بذنب السقيم ، وأغرق العراق بالحزن والثكل والحداد.

وأمّا اُمّه مرجانة فكانت مجوسية(1) ، وقد عُرِفَتْ بالبغي ، وقد عرض بها عبيد الله التميمي أمام ابنها عبيد الله فقال : إنّ عمر بن الخطاب كان يقول : اللّهم إنّي أعوذ بك مِن الزانيات وأبناء الزانيات ، فالتاع ابن زياد وردّ عليه : إنّ عمر كان يقول : لمْ يقمْ جنين في بطن حمقاء تسعة أشهر إلاّ خرج مائقاً(2) . وفارق زياد مرجانة فتزوّج بها شيرويه(3) .

نشأته :

نشأ الطاغية في بيت الجريمة ، وقد قطع دور طفولته في بيت زوج اُمّه شيرويه ولمْ يكن مسلماً ، ولمّا ترعرع أخذه أبوه زياد وقد ربّاه على سفك الدماء والبطش بالناس وربّاه على الغدر والمكر ، وقد ورث جميع صفات أبيه الشريرة مِن الظلم والتلذّذ بالإساءة إلى الناس ، وقد كان لا يقلّ قسوة عن أبيه ، وقد قال الطاغية في بعض خطبه : أنا ابن زياد أشبهته مِنْ بين مَنْ وطأ الحصا ، ولمْ ينتزعني شبه

__________________

(1) البداية والنهاية 8 / 284.

(2) البيان والتبيين 2 / 242.

(3) البيان والتبيين 1 / 72.

٤٤٩

خال ولا ابن عمّ(1) . لقد كان كأبيه في شدّته وصرامته في الباطل وتنكّره للحقّ.

صفاته :

أمّا صفاته النفسية فكان مِنْ أبرزها القسوة والتلذّذ بسفك الدماء ، وقد أخذ امرأة مِنْ الخوارج فقطع يديها ورجليها وأمر بعرضها في السوق(2) .

ووصفه الحسن البصري بأنّه غلام سفيه سفك الدماء سفكاً شديداً(3) .

ويقول فيه مسلم بن عقيل : ويقتل النفس التي حرّم الله قتلها على الغضب والعداوة وسوء الظنّ ، وهو يلهو ويلعب كأنّه لمْ يصنع شيئاً.

وكان متكبّراً لا يسمع مِنْ أحد نصيحة ، وقد دخل عليه الصحابي عائذ بن عمرو فقال له : أيّ بُني ، إنّي سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : «إنّ شرّ الرعاء الحطمة(4) ، فإيّاك أنْ تكون منهم».

فلذعه قوله وصاح به : اجلسْ ، إنّما أنت مِنْ نخالة أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله). فأنكر عليه عائذ وقال : وهل كان فيهم نخالة؟! إنّما كانت النخالة بعدهم وفي غيرهم(5) .

__________________

(1) تاريخ الطبري.

(2) قصص العرب 1 / 214.

(3) سير أعلام النبلاء 3 / 357.

(4) الحطمة : القاسي الذي يظلم الناس.

(5) البداية والنهاية 8 / 285.

٤٥٠

وعُرف في أثناء ولايته على البصرة بالغشّ للرعية والخديعة لها ، وقد نصحه معقل بن يسار أنْ يترك ذلك ، وقال له : إنّي سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : «ما مِنْ عبد يسترعيه الله ويموت وهو غاش لرعيته إلاّ حرّم الله عليه الجنّة»(1) .

هذه بعض نزعاته وصفاته النفسية ، أمّا صفاته الجسمية فقد كان منها ما يلي :

اللكنة :

ونشأ الطاغية في بيت اُمّه مرجانة ولمْ تكن عربية فأخذ لكنتها ، ولمْ يكن يفهم اللغة العربية ، فقد قال لجماعة : افتحوا سيوفكم ، وهو يريد سلّوا سيوفكم ، وإلى هذا يشير يزيد بن المفرغ في هجائه له :

ويوم فتحتَ سيفك مِنْ بعيدٍ

أضعتَ وكلّ أمركَ للضياعِ

وجرت بينه وبين سويد مشادّة ، فقال له عبيد الله : اجلس على أست الأرض ، فسخر منه سويد وقال : ما كنت أحسب أنّ للأرض أستاً(2) .

وكان لا ينطق بالحاء ، وقد قال لهانئ : أهروري سائر اليوم! يريد أحروري. وكان يقلب العين همزة ، كما كان يقلب القاف كافاً ، فقد قال يوماً : مَنْ كاتلنا كاتلناه ، يريد مَنْ قاتلنا قاتلناه(3) .

__________________

(1) صحيح مسلم 1 / 67.

(2) البيان والتبيين 1 / 73.

(3) البداية والنهاية 8 / 284.

٤٥١

نهمة في الطعام :

ويقول المؤرّخون : إنّه كان نهماً في الطعام ، فكان كلّ يوم يأكل خمس أكلات آخرها جنبة بغل ، ويوضع بين يديه بعد ما يفرغ عناق(1) أو جدي فيأتي عليه وحده(2) .

وكذلك كان مسرفاً في النساء ، فقد بنى ليلة قدومه إلى الكوفة باُمّ نافع بنت عمارة بن عقبة بن أبي معيط(3) . هذه بعض صفاته الجسمية.

ولايته على البصرة :

وأسند إليه معاوية إمارة البصرة وولاّه أمور المسلمين ، وكان في ميعة الشباب وغروره وطيشه ، وقد ساس البصرة كما ساسها أبوه ؛ فكان يقتل على الظنّة والتّهمة ، ويأخذ البريء بالسقيم ، والمقبل بالمدبر.

وقد وثق به معاوية وارتضى سيرته ، وكتب إليه بولاية الكوفة إلاّ أنّه هلك قبل إنْ يبعث إليه بهذا العهد.

__________________

(1) العناق : الاُنثى من أولاد المعز.

(2) نهاية الإرب 3 / 343.

(3) مرآة الزمان / 285.

٤٥٢

أحقاد يزيد على ابن مرجانة :

وكان يزيد ناقماً على ابن مرجانة كأشدّ ما يكون الانتقام ؛ لاُمور كان مِنْ أهمّها :

إنّ أباه زياداً كان مِن المنكرين على معاوية ولايته ليزيد ؛ لاستهتاره وإقباله على اللّهو والمجون ، وقد أراد يزيد أنْ يعزل عبيد الله مِن البصرة ويجرّده مِن جميع الامتيازات ، إلاّ أنّه لمّا أعلن الإمام الحُسين (عليه السّلام) الثورة وبعث سفيره مسلماً لأخذ البيعة مِنْ أهل الكوفة ، أشار عليه سرجون بأنْ يقرّه على ولاية البصرة ويضمّ إليه الكوفة ، ويندبه للقضاء على الثورة فاستجاب له يزيد.

وقد خلص العراق بأسره لحكم ابن زياد فقبض عليه بيد مِنْ حديد ، واندفع كالمسعور للقضاء على الثورة ؛ ليحرز بذلك ثقة يزيد به وينال إخلاص البيت الاُموي له.

مخطّطات الانقلاب :

وبالرغم مِنْ حداثة سن ابن زياد فإنّه كان مِنْ أمهر السياسيين في الانقلابات ، وأكثرهم تغلّباً على الأحداث ، وقد استطاع بغدره ومكره أنْ يسيطر على حامية الكوفة ، ويقضي على جذور الثورة ويخمد نارها.

وقد كانت أهمّ مخطّطاته ما يلي :

1 ـ التجسّس على مسلم والوقوف على جميع شؤون الثورة.

2 ـ نشر أوبئة الخوف : وقد أثار جوّاً مِن الفزع والإرهاب لمْ تشهد له الكوفة نظيراً ، وانشغل الناس بنفوسهم عن التدخّل في أيّ شأن مِن الشؤون السياسية.

3 ـ بذل المال للوجوه والأشراف : وقد صاروا عملاء عنده يوجههم

٤٥٣

حيثما شاء ؛ وقد أفسدوا عشائرهم وألحقوا الهزيمة بجيش مسلم.

4 ـ الاحتيال على هانئ بإلقاء القبض عليه : وهو أمنع شخصية في المصر ، وقد قضى بذلك على أهمّ العناصر الفعّالة في الثورة.

هذه بعض المخطّطات الرهيبة التي استطاع أنْ يسيطر بها الطاغية على الموقف ، ويقضي على الثورة ويزجّ حامية الكوفة إلى حرب ريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

مسلم بن عقيل :

أمّا مسلم بن عقيل فكان مِنْ أعلام التقوى في الإسلام ، وكان متحرّجاً في دينه كأشدّ ما يكون التحرّج ، فلمْ يسلك أيّ منعطف في طريقه ، ولا يقرّ أيّ وسيلة مِنْ وسائل المكر والخداع ، وإنّ توقّف عليها النصر السياسي ، شأنه في ذلك شأن عمّه أمير المؤمنين (عليه السّلام).

بالإضافة إلى ذلك : إنّه لمْ يُبعثْ إلى الكوفة كوالٍ مطلق حتّى يتصرّف حسبما يراه ؛ وإنّما كانت مهمّته محدودة وهي أخذ البيعة للإمام ، والاستطلاع على حقيقة الكوفيين. فإنْ رآهم مجتمعين بعث إلى الإمام الحُسين بالقدوم إليهم ، ولمْ يؤمر بغير ذلك ، وقد أطلنا الحديث في هذه الجهة في البحوث السابقة.

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن إخفاق ثورة مسلم التي كانت فاتحة لفاجعة كربلاء ومصدراً لآلامها العميقة ، كما ينتهي بنا الحديث عن الحلقة الثانية مِن هذا الكتاب.

٤٥٤

محتويات الكتاب

المُقدّمة7

مع القاسطين والناكثين 21

الناكثون :24

دوافع التمرّد :24

خديعة معاوية للزبير :26

مؤتمر مكة :26

قرارات المؤتمر :27

تجهيز الجيش بالأموال المنهوبة :27

الخطاب السّياسي لعائشة :28

عائشة مع أُمّ سلمة :29

الزحف إلى البصرة :31

عسكر :31

الحوأب :32

في ربوع البصرة :33

النزاعُ على الصلاة :38

رُسل الإمام (عليه السّلام) إلى الكوفة :38

التقاءُ الجيشين :40

رُسل السّلام :40

الدعوة إلى القرآن :41

الحربُ العامة :42

مصرعُ الزبير :43

مصرعُ طلحة :46

٤٥٥

قيادةُ عائشة للجيش :46

عقرُ الجمل :47

العفو العام :48

متاركُ الحرب :50

القاسطون :51

إيفادُ جرير :53

معاوية مع ابن العاص :53

ردُّ جرير :56

قميصُ عثمان :56

زحفُ معاوية لصفّين :57

زحفُ الإمام (عليه السّلام) للحرب :57

احتلالُ الفرات :58

رسلُ السلام :59

الحربُ :60

منعُ الحسنين (عليهما السّلام) من الحرب :61

مصرعُ عمّار :62

مكيدةُ ابن العاص :65

التحكيمُ :70

وثيقةُ التحكيم :71

رجوعُ الإمام (عليه السّلام) للكوفة :72

مع المارقين :73

اجتماعُ الحكمين :75

تمرّدُ المارقين :81

قتالُ المارقين :83

٤٥٦

مخلّفات الحرب :85

1 ـ انتصار معاوية :85

2 ـ تفلّل جيش الإمام (عليه السّلام) :86

3 ـ احتلال مصر :87

الغارات :89

الغارة على العراق :89

1 ـ عين التّمر :89

2 ـ هيت :90

3 ـ واقصة :92

الغارة على الحجاز واليمن :93

عبثُ الخوارج :95

دعاءُ الإمام (عليه السّلام) على نفسه :96

اُفول دولة الحق 99

مؤتمرُ مكة :103

رأيٌ رخيص :103

اشتراكُ الاُمويِّين في المؤامرة :104

اغتيالُ الإمام (عليه السّلام) :106

الى رفيق الاعلى :109

متاركُ حكومة الإمام (عليه السّلام) :109

خلافةُ الحسن (عليه السّلام) :111

1 ـ الاعتداء على الإمام (عليه السّلام) 113

2 ـ الحكم عليه بالكفر 113

3 ـ الخيانة العظمى 113

4 ـ نهب أمتعة الإمام (عليه السّلام) 114

الصلحُ :114

٤٥٧

موقفُ الإمام الحسين (عليه السّلام) :115

عدي بن حاتم مع الحسين (عليه السّلام) :116

تحوّلُ الخلافة :116

حكومةُ معاوية119

سياسته الاقتصادية :122

الحرمان الاقتصادي :123

1 ـ يثرب :123

2 ـ العراق :125

3 ـ مصر :125

الرفاه على الشام :126

استخدام المال في تدعيم ملكه :126

المنحُ الهائلة لأسرته :127

منح خراج مصر لعمرو :127

هباتُ الأموال للمؤيّدين :128

شراءُ الأديان :128

عجز الخزينة المركزيّة :129

مصادرةُ أموال المواطنين :130

ضريبةُ النيروز :131

نهب الولاة والعمال :131

جبايةُ الخراج :132

اصطفاء الذهب والفضة :132

شلّ الحركة الاقتصادية :133

حجّة معاوية :134

سياسةُ التفريق :134

اضطهادُ الموالي :135

العصبيّة القبلية :137

٤٥٨

سياسة البطش والجبروت :138

احتقارُ الفقراء :140

سياسةُ الخداع :141

إشاعةُ الانتهازيّة :143

الخلاعةُ والمجون :144

إشاعةُ المجون في الحرمين :147

الاستخفافُ بالقيم الدينيّة :148

استلحاقُ زياد :149

إنكارُ الإمام الحُسين (عليه السّلام) :150

الحقدُ على النّبي (صلّى الله عليه وآله) :150

تغييرُ الواقع الإسلامي :153

مع أهل البيت (عليهم السّلام) :154

1 ـ تسخير الوعّاظ :155

2 ـ استخدامُ معاهد التعليم :155

3 ـ افتعال الأخبار 155

حديثُ مفتعل على الحُسين (عليه السّلام) :158

سب الإمام أمير المؤمنين :160

ستر فضائل أهل البيت :162

التحرج من ذكر الإمام :164

مع الشيعة :166

القتل الجماعي 167

إبادة القوى الواعية :167

1 ـ حجر بن عدي :167

مذكرة الإمام الحسين 168

2 ـ رشيد الهجري :169

3 ـ عمرو بن الحمق الخزاعي :170

٤٥٩

مذكّرة الإمام الحُسين :171

4 ـ أوفى بن حصن :171

5 ـ الحضرمي مع جماعته :172

إنكار الإمام الحُسين :172

6 ـ جويرية العبدي :173

7 ـ صيفي بن فسيل :173

8 ـ عبد الرحمن :174

المروّعون مِن أعلام الشيعة :176

1 ـ عبد الله بن هاشم المرقال 176

2 ـ عَدِي بن حاتم الطائي 176

3 ـ صعصعة بن صوحان 176

4 ـ عبد الله بن خليفة الطائي 176

ترويع النّساء :176

هدم دور الشيعة :177

حرمان الشيعة مِن العطاء :177

عدم قبول شهادة الشيعة :178

إبعاد الشيعة إلى الخراسان :178

البيعة ليزيد :178

ولادة يزيد :179

نشأته :180

صفاته :180

ولَعه بالصيد :181

شغفه بالقرود :182

إدمانه على الخمر :183

ندماؤه :184

نصيحة معاوية ليزيد :185

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611