الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٤

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل9%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 611

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 611 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 139552 / تحميل: 6855
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

تحت الماء ، وكانت مكّة أوّل نقطة يابسة ظهرت من تحت الماء ، حسب الأحاديث الإسلامية.

وكون مكّة ليست أعلى مكان على الكرة الأرضية في الوقت الحاضر ، لا يتعارض أبدا مع هذا القول ، لأن مئات الملايين من السنين تفصلنا اليوم عن ذاك الزمان ، وقد حدثت خلال ذلك تغيرات جغرافية بدلت وجه الأرض كليا ، فبعض الجبال هبطت إلى أعماق البحار ، وبعض أعماق البحار ارتفع فصار جبلا ، وهذا ثابت في علم التضاريس الأرضية والجغرافية الطبيعية.

أمّا كلمة «أم» فتعني ـ كما سبق أن قلنا ـ الأصل والأساس والمبدأ لكل شيء.

من كل هذا يتبيّن أنه إذا أطلق مكّة اسم «أم القرى» فذلك يستند إلى أنّها كانت مبدأ ظهور اليابسة على الأرض ، «ومن حولها» أي جميع الناس الذين يسكنون الأرض برمتها.

وهذا ما تؤيده الآيات الأخرى التي تؤكّد عالمية الإسلام ، وكذلك الرسائل الكثيرة التي بعث بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى رؤساء العالم ، مثل كسرى وقيصر ، وقد جاء شرح ذلك في المجلد الثاني من هذا التّفسير.

٢ ـ العلاقة بين الإيمان بالقرآن والإيمان بالآخرة

تبيّن هذه الآية : إنّ الذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون أيضا بالقرآن ، أي أنّهم يعلمون أن هذه الدنيا ما هي إلّا مقدمة لعالم الآخرة ، وإنّها أشبه بالمزرعة أو المدرسة أو المتجر ، والوصول إلى ذلك الهدف الرفيع والاستعداد لذلك اليوم لا يكون إلّا عن طريق مجموعة من القوانين والمناهج والدساتير وإرسال الأنبياء.

بعبارة أخرى ، إنّ الله قد أرسل الإنسان إلى هذه الحياة ليطوي مسيرته التكاملية وليصل إلى مستقره الأصلي في العالم الآخر ، وهذا الغرض ينتقض إذا

٣٨١

لم يرسل إليه الأنبياء والكتب السماوية ، من هنا يمكن أن نستنتج من الإيمان بالله والمعاد ، الإيمان بنبوة الأنبياء والكتب السماوية (تأمل بدقّة).

٣ ـ أهمية الصّلاة

نلاحظ في هذه الآية أنّها تشير إلى الصّلاة من بين جميع الفرائض الدينية ، ونعلم أنّ الصّلاة هي مظهر الارتباط بالله ، ولذلك كانت أرفع من جميع العبادات منزلة ، ويرى بعضهم أنّه عند نزول هذه الآية كانت العبادة الوحيدة المفروضة حتى ذلك الوقت هي الصّلاة(١) .

* * *

__________________

(١) تفسير المنار ، ج ٧ ، ص ٦٢٢.

٣٨٢

الآية

( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (٩٣) )

سبب النّزول

ثمّة روايات متعددة في سبب نزول هذه الآية وردت في كتب الحديث والتّفسير ، من ذلك أنّ الآية نزلت بشأن شخص يسمى «عبد الله بن سعد» من كتاب الوحي ، ثمّ خان فطرده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فراح يزعم أنّه قادر على قول مثل آيات القرآن ، يقول جمع آخر من المفسّرين أنّ الآية ، أو قسما منها ، نزلت بحق «مسيلمة الكذاب» الذي ادعى النبوّة ، ولكن بالنظر لأنّ مسيلمة الكذاب ظهر في أواخر حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذه السورة مكّية ، فإنّ مؤيدي هذا التّفسير يقولون : إنّ هذه الآية نزلت في المدينة ، ثمّ أدخلت ضمن هذه السورة بأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٣٨٣

على كل حال هذه الآية ، مثل سائر آيات القرآن ، نزلت في ظروف خاصّة ، وهي ذات محتوى عام يشمل كل من ادعى النبوة وأمثالهم.

التّفسير

في الآيات السابقة مرّت الإشارة إلى مزاعم اليهود الذين أنكروا نزول أي كتاب سماوي على أحد ، وفي هذه الآية يدور الكلام على اشخاص آخرين يقفون على الطرف المعاكس تماما لأولئك ، فيزعمون كذبا أن الوحي ينزل عليهم.

وتتناول الآية ثلاث جماعات من هؤلاء بالبحث ، ففي البداية تقول :( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً ) .

والجماعة الثّانية هم الذين يدعون النّبوة ونزول الوحي عليهم ، فلا هم أنبياء ، ولا نزل عليهم وحي :( أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ ) .

والجماعة الثّالثة هم الذين أنكروا نبوة نبي الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو زعموا ساخرين أنّهم يستطيعون أنّ يأتوا بمثل آيات القرآن ، وهم في ذلك كاذبون ولا قدرة لهم على ذلك :( وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ ) .

نعم ، هؤلاء كلّهم ظالمون ، بل أظلم الظالمين ، لأنّهم يغلقون طريق الحق بوجه عبادالله ويضلونهم في متاهات الضلال حائرين ، ويحاربون قادة الحق ، فهم ضالون مضلون ، فمن أظلم ممن يدعي لنفسه القيادة الإلهية وليست لديه صلاحية مثل هذا المقام.

على الرغم من أنّ الآية تخصّ أدعياء النبوة والوحي ، إلّا أنّ روحها تشمل كل من يدعي كذبا لنفسه مكانة ليس أهلا لها.

ثمّ تبيّن العقاب الأليم الذي ينتظر أمثال هؤلاء فتقول :( وَلَوْ تَرى إِذِ

٣٨٤

الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ ) (١) أي لو أنك ـ أيّها النّبي ـ رأيت هؤلاء الظالمين وهم يمرون بشدائد الموت والنزع الأخير ، وملائكة قبض الأرواح ما دين أيديهم نحوهم ويقولون لهم : هيا أخرجوا أرواحكم ، لأدركت العذاب الذي ينزل بهم.

عندئذ تخبرهم ملائكة العذاب بأنّهم سينالون اليوم عذابا مذلا لأمرين : الأوّل : إنّهم كذبوا على الله ، والآخر ، إنّهم لم ينصاعوا لآياته :( الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ) .

* * *

ملاحظات :

ينبغي هنا ملاحظة النقاط التّالية :

١ ـ تعتبر الآية أدعياء النبوة والقادة المزيفين من أشد الظالمين ، بل لا ظلم أشدّ من ظلمهم ، لأنّهم يسرقون أفكار الناس ويهدمون عقائدهم ويغلقون بوجوههم أبواب السعادة ويحيلونهم إلى مستعمرين فكريا لهم.

٢ ـ جملة( باسِطُوا أَيْدِيهِمْ ) قد تعني أنّ ملائكة قبض الأرواح تبسط أيديها إليهم استعدادا لقبض أرواحهم ، وقد تعني بسط أيديهم للبدء بتعذيبهم.

٣ ـ( أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ ) تعني في الواقع ضربا من التحقير تبديه الملائكة نحو هؤلاء الظالمين ، وإلّا فإنّ إخراج الروح ليس من عمل هؤلاء ، بل هو من واجب الملائكة ، مثل ما يقال للمجرم عند إعدامه : مت! ولعل هذا التحقير يقابل تحقيرهم لآيات الله وأنبيائه وعباده.

__________________

(١) «الغمرات» جمع غمرة (على وزن ضربة) ، وأصل الغمر إزالة أثر الشيء ، ثمّ استعملت للماء الكثير الذي ليستروجه الشيء تماما ، كما تطلق على الشدائد والصعاب التي تغمر المرء.

٣٨٥

وفي الوقت نفسه تعتبر هذه الآية دليلا آخر على استقلال الروح وانفصالها عن الجسد ، كما يستفاد من الآية أنّ تعذيب هؤلاء يبدأ منذ لحظة قبض أرواحهم.

* * *

٣٨٦

الآية

( وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٩٤) )

سبب النّزول

جاء في تفسير مجمع البيان وتفسير الطبري وتفسير الآلوسي إنّ مشركا اسمه النضر بن الحارث قال : إنّ اللآت والعزى (وهما من أصنام العرب المشهورة) سوف يشفعان لي يوم القيامة ، فنزلت هذه الآية جوابا له ولأمثاله.

التّفسير

الضّالون :

أشارت الآية السابقة إلى أحوال الظالمين وهم على شفا الموت ، هنا في هذه الآية تعتبر عن خطاب الله لهم عند الموت أو عند الورود إلى ساحة يوم القيامة.

فيبدأ بالقول بأنّهم يأتون يوم القيامة منفردين كنا خلقوا منفردين :( وَلَقَدْ

٣٨٧

جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ) .

والأموال التي وهبناها لكم وكنتم تستندون إليها في حياتكم ، قد خلفتموها وراءكم ، وجئتم صفر الأيدي :( وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ ) (١) .

ولا نرى معكم تلك الأصنام التي قلتم إنّها سوف تشفع لكم وظننتم أنّها شريكة في تعيين مصائركم( وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ ) .

ولكن الواقع أنّ جمعكم قد تبدد ، وتقطعت جميع الروابط بينكم :( لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ ) .

وكل ما ظننتموه وما كنتم تستندون إليه قد تلاشى وضاع :( وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ) .

كان المشركون العرب يستندون في حياتهم إلى أشياء ثلاثة : القبيلة أو العشيرة التي كانوا ينتمون إليها ، والأموال التي جمعوها لأنفسهم ، والأصنام التي اعتبروها شريكة لله في تقرير مصير الإنسان وشفيعة لهم عند الله ، والآية في كل جملة من جملها الثلاث تشير إلى واحدة من هذه الأمور ، وإلى أنّها عند الموت تودعه وتتركه وحيدا فريدا.

هنا ينبغي الالتفات إلى نقطتين :

١ ـ نظرا لمجيء هذه الآية في أعقاب الآية السابقة التي تحدثت عن قيام الملائكة بقبض الأرواح عند الموت ، وكذلك بالنظر إلى عبارة :( وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ ) ، نفهم أنّ هذا الكلام يقال لهم عند الموت أيضا ، ولكن من جانب الله ، غير أنّ بعض الرّوايات تقول : إنّ هذا الخطاب يوجه إليهم يوم القيامة ، على أي حال فإنّ الهدف لا يختلف في الحالين.

__________________

(١) «خولناكم» من «الخول» وهو إعطاء ما يحتاج إلى التعهد والتدبير والإدارة ، وهو النعم التي يسبغها الله تعالى على عباده.

٣٨٨

٢ ـ على الرغم من نزول هذه الآية بشأن مشركي العرب ، فهي ليست بالطبع مقصورة عليهم.

ففي ذلك اليوم تنفصم العرى وتنفصل عن البشر كل الانشدادات المادية والمعبودات الخيالية المصطنعة وجميع ما اصطنعوه لأنفسهم في الحياة الدنيا ليكون سندا لهم يستعينون به في يوم بؤسهم لا يبقى سوى الشخص وعمله ، ويزول كل ما عدا ذلك ، أو يضل عنهم بحسب تعبير القرآن وهو تعبير جميل يوحي بأنّ الشركاء سيكونون إلى درجة من الصغر والحقارة والضياع أنّهم لا يروا بالعين.

* * *

٣٨٩

الآيتان

( إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٩٥) فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٩٦) )

التّفسير

فالق الإصباح :

مرّة أخرى يوجه القرآن الخطاب إلى المشركين ، ويشرح لهم دلائل التوحيد في عبارات جذابة وفي نماذج حية من أسرار الكون ونظام الخلق وعجائبه.

في الآية الأولى يشير إلى ثلاثة أنواع من عجائب الأرض ، وفي الآية الثّانية يشير إلى ثلاثة من الظّواهر السماوية.

يقول القرآن الكريم أوّلا :( إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى ) .

«الفلق» شقّ الشيء وإبانة بعضه عن بعض(١) .

و «الحب» و «الحبة» تقال لانواع الحبوب الغذائية كالحنطة والشعير

__________________

(١) الراغب الأصفهاني (المفردات) ، ص ٣٨٥.

٣٩٠

ونحوهما من المطعومات التي تحصد ، كما يقال ذلك لبروز الرياحين أيضا(١) .

و «النوى» من النّواة ، قيل إنّه يخص نوى التمر ، ولعل هذا يرجع إلى كثرة التمر في بيئة العرب حتى كان العربي ينصرف ذهنه إلى نوى التمر إذا سمع هذه الكلمة.

ولننظر الآن إلى ما يمكن في هذا التعبير : ينبغي أن نعلم أنّ أهم لحظة في حياة الحبّة والنّوى هي لحظة الفلق ، وهي أشبه بلحظة ولادة الطفل وانتقاله من عالم إلى عالم آخر ، إذ في هذه اللحظة يحصل أهم تحول في حياته.

وممّا يلفت الانتباه أنّ الحبّة والنّواة غالبا ما تكونان صلبتين ، فنظرة إلى نوى التمر والخوخ وأمثالهما ، وإلى بعض الحبوب الصلبة ، تكشف لنا أنّ تلك النطفة الحياتية التي هي في الواقع صغيرة ، محصنة بقلعة مستحكمة تحيط بها من كل جانب ، وانّ يد الخالق قد أعطت لهذه القلعة العصية على الاختراق خاصية التسليم والليونة أمام اختراق نطفة النبات ، كما منحت النطفة قوة اندفاع تمكنها من فلق جدران قلعتها فتطلع النبتة بقامتها المديدة ، هذه حقّا حادثة عجيبة في عالم النبات لذلك يشير إليها القرآن على أنّها من دلائل التوحيد.

ثمّ يقول :( يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِ ) .

يتكرر هذا التعبير كثيرا في القرآن مشيرا إلى نظام الموت والحياة وتبديل هذا بذاك ، فمرّة ترى الحياة تنبعث من مواد جامدة لا روح فيها في أعماق المحيطات ومجاهل الغابات والصحارى ، فيخلق من تركيب مواد كل واحدة منها سم قاتل مواد حيوية ، وأحيانا ترى العكس ، فبإجراء تغيير بسيط على كائنات حية قوية مفعمة بالحياة تراها قد تحولت إلى كائن لا حياة فيه.

إنّ موضوع الحياة والموت بالنسبة للكائنات الحية من أعقد المسائل التي

__________________

(١) المصدر نفسه ، ص ١٠٥.

٣٩١

لم تستطيع العلوم البشرية الوصول إلى كنه حقيقتها ورفع الستار عن أسرارها لتخطو إلى أعماق مجهولاتها ، ولتعرف كيف يمكن لعناصر الطبيعة وموادها الجامدة أن تطفر طفرة عظيمة فتتحول إلى كائنات حية.

قد يأتي ذلك اليوم الذي يستطيع فيه الإنسان أن يصنع كائنا حيا باستخدام التركيبات الطبيعية المختلفة وتحت ظروف معقدة خاصّة ، وبطريقة تركيب أجزاء مصنعة ، كما يفعلون بالمكائن والأجهزة ، غير أن قدرة البشر «المحتملة» في المستقبل لا تستطيع أن تقلل من أهمية مسألة الحياة وتعقيداتها التي تبدأ من المبدع القادر.

لذلك نجد القرآن ـ وفي معرض إثبات وجود الله ـ كثيرا ما يكرر هذا الموضوع ، كما يستدل أنبياء عظام كإبراهيم وموسى ـ على وجود مبدأ قادر حكيم بمسألة الحياة والموت لإقناع جبابرة طغاة مثل نمرود وفرعون.

يقول إبراهيم لنمرود :( رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ) (١) ، ويقول موسى لفرعون :( وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى ) (٢) .

ينبغي ألّا ننسى أنّ ظهور الحي من الميت لا يختص في بداية ظهور الحياة على الأرض فقط ، بل يحدث هذا في كل وقت بانجذاب الماء والمواد الأخرى إلى خلايا الكائنات الحية ، فتكتسي كائنات غير حية بلباس الحياة ، وعليه فإنّ القانون الطبيعي السائد اليوم والقائل بأنّه لا يمكن في الظروف الحالية التي تسود الأرض لأي كائن غير حي أن يتحول إلى كائن حي ، وحيثما وجد كائن حي فثمّة بذرة حية وجد منها هو قانون لا يتعارض مع ما قلناه ، (فتأمل بدقّة)!

ويستفاد من روايات أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام في تفسير هذه الآية والآيات المشابهة لها ، أنّ ذلك يشمل الحياة والموت الماديين كما يشمل الحياة والموت

__________________

(١) البقرة ، ٢٥٨.

(٢) طه ، ٥٣.

٣٩٢

المعنويين أيضا(١) فثمّة مؤمنون ولدوا لآباء غير مؤمنين ، وآخرون مفسدون وأشرار ولدوا لآباء من المتقين الأخيار ، ناقضين قانون الوراثة بإرادتهم واختيارهم.

وهذا بذاته دليل آخر على عظمة الخلاق الذي أعطى الإنسان هذه القدرة والإرادة.

النقطة الأخرى التي ينبغي الالتفات إليها هي أنّ «يخرج» الفعل المضارع و «مخرج» اسم الفاعل ، يدلان على الاستمرار ، أي أنّ نظام ظهور الحي من الميت وظهور الميت من الحي نظام دائم وعام في عالم الخلق.

وفي ختام الآية توكيد للموضوع :( ذلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ) أي هذا هو ربّكم وهذه هي قدرته وعلمه اللامتناهي ، فكيف بعد هذا تنحرفون عن الحق وتميلون إلى الباطل؟( ذلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ) وفي الآية الثّانية يشير القرآن إلى ثلاث نعم سماوية : فيقول أولا :( فالِقُ الْإِصْباحِ ) وذكرنا ، أنّ «الفلق» هو شقّ الشيء وإبانة بعضه عن بعض ، و «الإصباح» و «الصبح» بمعنى واحد.

إنّه تعبير رائع ، فظلام الليل قد شبه بالستارة السميكة التي يشقها نور الصباح شقا ، وهذه الحالة تنطبق على الصبح الصادق والصبح الكاذب كليهما ، لأنّ الصبح الكاذب هو الضوء الخفيف الذي يظهر في آخر الليل عند المشرق على هيئة عمود ، وكأنّه شق يبدأ من الشرق نحو الغرب في قبة السماء المظلمة ، والصبح الصادق هو الذي يلي ذلك على هيئة شريط أبيض لامع جميل يظهر عند امتداد الأفق الشرقي ، وكأنّه يشق عباب الليل الأسود من الأسفل ممتدا من الجنوب إلى الشمال ، متقدما في كل الأطراف حتى يغطي السماء كلها شيئا فشيئا.

كثيرا ما يشير القرآن إلى نعمتي النّور والظلام والليل والنهار ، ولكنّه هنا

__________________

(١) أصول الكافي ، ج ٢ ، باب (طينة المؤمن الكفار) ، تفسير البرهان ، ج ١ ، ص ٥٤٣.

٣٩٣

يتناول «طلوع الصبح» كنعمة من نعم الله الكبرى ، فنحن نعرف أنّ هذه الظاهرة تحدث لوجود جو الأرض ، ذلك الغلاف الضخم من الهواء الذي يحيط بالأرض ، فلو كانت الأرض ـ مثل القمر ـ عديمة الجو ، لما كان هناك «طلوعان» ولا «فلق» ولا «إصباح» ، ولا «غسق» ولا «شفق» بل كانت الشمس تبزغ فجأة ، بدون أية مقدمات ولسطع نورها في العيون التي اعتادت على ظلام الليل ولم تكد تفارقه ، وعند الغروب تختفي فجأة ، وتعم الظلمة الموحشة في لحظة واحدة كل الأرجاء ، غير أنّ الجو الموجود حول الأرض والمؤدي إلى حصول فترة فاصلة بين ظلام الليل وضياء النهار عند طلوع الشمس وغروبها يهيئ الإنسان تدريجيا لتقبل هذين الاختلافين المتضادين والانتقال من الظلمة إلى النّور ، ومن النّور إلى الظلمة ، شيئا فشيئا ، بحيث إنّه يستطيع أن يتحمل كل منهما ، فنحن نشعر بالانزعاج إذا كنّا في غرفة مضاءة وانطفأت الأنوار فجأة وعم الظلام ، ثمّ إذا استمر الظلام ساعة ، وعاد النّور مرّة أخرى فجأة ، عادت معها حالة الانزعاج بسبب سطوع الضوء المفاجئ الذي يؤلم العين ويجعلها غير قادرة على رؤية الأشياء ، وإذا ما تكرر هذا الأمر فإنّه لا شك سيؤذي العين ، غير أنّ( فالِقُ الْإِصْباحِ ) قد جنب الإنسان هذا الأذى بطريقة رائعة(١) .

ولكيلا يظن أحد أنّ فلق الصبح دليل على أنّ ظلال الليل أمر غير مطلوب وأنّه عقاب أو سلب نعمة ، يبادر القرآن إلى القول :( وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً ) .

من الأمور المسلم بها أنّ الإنسان يميل خلال انتشار النّور والضياء إلى العمل وبذل الجهد ، ويتجه الدم نحو سطح الجسم وتتهيأ العضلات للفعالية والنشاط ، ولذلك لا يكون النوم في الضوء مريحا ، بل يكون أعمق وأكثر راحة كلما كان الظلام أشد ، حيث يتجه الدم فيه نحو الداخل ، وتدخل الخلايا عموما

__________________

(١) يقول علماء الفلك : يبدأ طلوع الصبح عند ما تصل الشمس إلى ١٨ ـ درجة قبل الأفق الشرقي ، ويعم الظلام كل شيء ويختفي الشفق عند ما تصل إلى ١٨ ـ درجة تحت الأفق الغربي.

٣٩٤

في نوع من السكون والراحة ، لذلك نجد في الطبيعة أنّ النوم في الليل لا يقتصر على الحيوانات فقط ، بل إنّ النباتات تنام في الليل أيضا ، وعند بزوغ خيوط الصباح الأولى تشرع بفعاليتها ونشاطها ، بعكس الإنسان في هذا العصر الآلي ، فهو يبقى مستيقظا إلى ما بعد منتصف الليل ، ثمّ يظل نائما حتى بعد ساعات من طلوع الشمس ، فيفقد بذلك نشاطه وسلامته.

في الأحاديث الواردة عن أهل البيتعليهم‌السلام نجد التأكيد على ما ينسجم مع هذا التنظيم ، من ذلك ما جاء في نهج البلاغة عن الإمام عليعليه‌السلام أنّه قال يوصي أحد قواده «... ولا تسر أوّل الليل فإنّ الله جعله سكنا وقدره مقاما لا ضعنا ، فارح فيه بدنك وروح ظهرك»(١) .

وفي حديث عن الإمام الباقرعليه‌السلام أنّه قال : «تزوج بالليل فإنّه جعل الليل سكنا»(٢) .

وفي كتاب الكافي عن الإمام زين العابدين علي بن الحسينعليه‌السلام أنّه كان يأمر بعدم ذبح الذبائح في الليل وقبل طلوع الفجر ، وكان يقول : «إنّ الله جعل الليل سكنا لكل شيء»(٣) .

ثمّ يشير الله تعالى إلى الثالثة من نعمه ودلائل عظمته بجعل الشمس والقمر وسيلة للحساب :( وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ) .

«الحسبان» بمعنى الحساب ، ولعل القصد منه أنّ الدوران المنظم لهاتين الكرتين السماويتين وسيرهما الدائب (المقصود طبعا حركتها في أنظارنا وهي الناشئة عن حركة الأرض) عون لنا على وضع مناهجنا الحياتية المختلفة وفق مواعيد محسوبة ، كما ذكرنا في التّفسير.

__________________

(١) تفسير الصافي في تفسير الآية.

(٢) المصدر السابق.

(٣) المصدر السّابق.

٣٩٥

يرى بعض المفسّرين أنّ الآية تريد أن تقول إن هاتين الكرتين السماويتين تتحركان في السماء وفق حساب وبرنامج ونظام.

وعليه فهي في الحالة الأولى إشارة إلى إحدى نعم الله على الإنسان ، وفي الحالة الثّانية إشارة إلى واحد من أدلة التوحيد وإثبات وجود الخالق ، ولعلها إشارة إلى كلتيهما.

على كل حال ، إنّه لموضوع مهم جدّا أن تكون الأرض منذ ملايين السنين تدور حول الشمس والقمر يدور حول الأرض ، وبذلك تنتقل الشمس في أنظارنا من برج إلى برج بين الأبراج الفلكية الاثنتي عشرة ، والقمر يدور في حركته المنتظمة من الهلال حتى المحاق ، أنّ حساب هذا الدوران من الدقة والضبط بحيث إنّه لا يتقدم ولا يتأخر لحظة واحدة ، ولو لاحظنا أنّ الأرض تدور حول الشمس في مدار بيضوي معدل شعاعه ١٥٠ ـ مليون كيلومتر ضمن جاذبية الشمس العظيمة ، والقمر الذي يدور كل شهر حول الأرض في مدار شبه دائرة شعاعه نحو ٣٧٤ ألف كيلومتر ولا يخرج من جاذبية الأرض العظيمة ، فهو دائم الانجذاب نحوها ، عندئذ يمكن أن ندرك مدى التعادل الدقيق بين قوة الجذب بين هذه الأجرام السماوية من جهة ، والقوة الطاردة عن مراكزها (القوة المركزية) من جهة أخرى ، بحيث لا يمكن أنّ تتوقف لحظة واحدة أو تختلف قيد شعرة.

وهذا ما لا يمكن أن يكون إلّا في ظل علم وقدرة لا نهائيتين يضعان تخطيطه وينفذانه بدقّة ، لذلك تنتهي الآية بقولها :( ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) .

* * *

٣٩٦

الآية

( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٩٧) )

التّفسير

بعد شرح نظام دوران الشمس والقمر في الآية السابقة ، تشير هذه الآية إلى نعمة أخرى من نعم الله على البشر ، فجعل النجوم ليهتدي بها الإنسان في ليالي البر والبحر :( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ) .

وتختتم الآية بالقول بأنّ الله قد بين آياته لأهل الفكر والفهم والإدراك : و( قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) .

منذ آلاف السنين والإنسان يعرف النجوم في السماء ونظامها ، وعلى الرغم من تقدم البشر في هذا المضمار تقدما كبيرا ، فإنّه ما يزال يتابع وضع النجوم قليلا أو كثيرا ، بحيث كانت له هذه النجوم خير وسيلة لمعرفة الاتجاه في الأسفار البرية والبحرية ، وعلى الأخص في المحيطات الواسعة التي كانت تخلو من كل إمارة تشير إلى الاتجاه قبل اختراع الأسطرلاب.

إنّ النجوم هي التي هدت ملايين البشر وأنقذتهم من الغرق وأوصلتهم إلى بر السلامة.

٣٩٧

لو تطلعنا إلى السماء عدّة ليال متوالية لانكشف لنا أنّ مواضع النجوم في السماء متناسقة في كل مكان ، وكأنّها حبات لؤلؤ خيطت على قماش أسود ، وإنّ هذا القماش يسحب باستمرار من الشرق إلى الغرب ، وكلها تتحرك معه وتدور حول محور الأرض دون أن تتغير الفواصل بينها ، إنّ الاستثناء الوحيد في هذا النظام هو عدد من الكواكب التي تسمى بالكواكب السيارة لها حركات مستقلة وخاصّة ، وعددها ثمانية : خمسة منها ترى بالعين المجرّدة ، وهي (عطارد والزهرة ، وزحل ، والمريخ والمشتري) وثلاثة لا ترى إلّا بالتلسكوب وهي (أورانوس ونبتون وپلوتو) بالإضافة إلى كوكب الأرض التي تجعل المجموع تسعة.

ولعل إنسان ما قبل التّأريخ كان يعرف شيئا عن «الثوابت» و «السيارات» لأنّه لم يكن هناك ما يمكن أن يجلب انتباهه أكثر من السماء المرصعة بالنجوم في ليلة ظلماء ، فلا يستبعد أن يكون هو أيضا قد استخدم النجوم في الاستهداء ومعرفة الاتجاه.

يستفاد من بعض روايات أهل البيتعليهم‌السلام أنّ لهذه الآية تفسيرا آخر ، وهو أنّ المقصود بالنجوم القادة الإلهيين والهداة إلى طريق السعادة ، أي الأئمّة الذين يهتدي بهم الناس في ظلام الحياة فينجون من الضياع ، وسبق أن قلنا أنّ هذه التفاسير المعنوية لا تتنافى مع التفاسير الظاهرية ، ومن الممكن أن تقصد الآية كلا التفسيرين(١) .

* * *

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ١ ، ص ٧٥٠.

٣٩٨

الآيتان

( وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (٩٨) وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٩٩) )

التّفسير

هاتان الآيتان تتابعان دلائل التوحيد ومعرفة الله ، والوصول إلى هذا الهدف يأخذ القرآن بيد الإنسان ويسيح به في آفاق العالم البعيدة وقد يسير به في داخل ذاته ويبيّن له آثار الله في جسمه وروحه ، فيتيح له أن يرى الله في كل مكان.

فيبدأ بالقول :( وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ) .

أي أنّكم ، على اختلاف ملامحكم وأذواقكم وأفكاركم والتباين الكبير في مختلف جوانب حياتكم ، قد خلقتم من فرد واحد ، وهذا دليل على منتهى عظمة الخالق وقدرته التي أوجدت من المثال الأوّل كل هذه الوجوه المتباينة.

٣٩٩

وجدير بالملاحظة أنّ هذه الآية تعبر عن خلق الإنسان بالإنشاء ، والكلمة لغويا تعني الإيجاد والإبداع مع التربية ، أي أنّ الله قد خلقكم وتعهد بتربيتكم ، ومن الواضح أنّ الخالق الذي يخلق شيئا ثمّ يهمله لا يكون قد أبدى قدرة فائقة ، ولكنّه إذا استمر في العناية بمخلوقاته وحمايتها ، ولم يغفل عن تربيتها لحظة واحدة ، عندئذ يكون قد أظهر حقّا عظمته وسعة رحمته.

بهذه المناسبة ينبغي ألا نتوهّم من قراءة هذه الآية ، أنّ أمّنا الأولى حواء قد خلقت من آدم (كما جاء في الفصل الثّاني من سفر التكوين من التّوراة) ، ولكن آدم وحواء خلقا من تراب واحد ، وكلاهما من جنس واحد ونوع واحد ، لذلك قال : إنّهما خلقا من نفس واحدة ، وقد بحثنا هذا الموضوع في بداية تفسير سورة النساء.

ثمّ يقول : إنّ فريقا من البشر «مستقر» وفريقا آخر «مستودع»( فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ ) .

«المستقر» أصله من «القر» (بضم القاف) بمعنى البرد ، ويقتضي السكون والتوقف عن الحركة ، فمعنى «مستقر» هو الثابت المكين.

و «مستودع» من «ودع» بمعنى ترك ، كما تستعمل بمعنى غير المستقر والوديعة هي التي يجب أن تترك عند من أودعت عنده لتعود إلى صاحبها.

يتّضح من هذا الكلام أنّ الآية تعني أنّ الناس بعض «مستقر» أي ثابت ، وبعض «مستودع» أي غير ثابت ، أمّا المقصود من هذين التعبيرين ، فالكلام كثير بين المفسّرين ، وبعض التفاسير تبدو أقرب إلى الآية كما أنّها لا تتعارض فيما بينها.

من هذه التفاسير القول بأنّ «مستقر» صفة الذين كمل خلقهم ودخلوا «مستقر الرحم» أم مستقر وجه الأرض ، و «المستودع» صفة الذين لم يكتمل خلقهم بعد وإنّما هو ما يزالون نطفا في أصلاب آبائهم.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

وقال الصادقعليه‌السلام : « أبى الله أن يجري الأشياء إلا بأسباب فجعل لكل شيء سبباً ، وجعل لكل سبب شرحاً ، وجعل لكل شرح علماً ، وجعل لكل علم باباً ناطقاً ، عرفه من عرفه وجهله من جهله ، ذاك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونحن »(1) .

ومع هذا الاعتراف فليس النبي والإمام من أسباب الخلق والتدبير ، وإنما هم وسائط بين الخالق والخلق في إبلاغ الاحكام وإرشاد العباد ، وسائر الفيوض المعنوية من الهداية الظاهرية والباطنية.

فان قلت : قد تواترت الروايات بأنه لولا الحجّة لساخت الارض بأهلها ، وقد عقد الكليني في كتاب الحجة باباً لذلك وقال : « إن الارض لا تخلو من حجة » وأورد فيه روايات تبلغ ثلاث عشرة رواية(2) .

قلت : لا إشكال في صحة هذه الروايات ، ولكنها لا تهدف إلى كون النبي والإمام من الاسباب والمدبّرات التي نزل به الذكر الحكيم ، ونطق به الحديث الصحيح ، وإنما تهدف إلى أحد أمرين :

الأول : إن النبي والإمام غاية لخلق العالم ، ولولا تلك الغاية لما خلق الله العالم ، بل كان خلقه أمراً لغواً.

وبعبارة اُخرى إن العالم خلق لتكوّن الانسان الكامل فيه ، ومن أوضح مصاديقه هو النبي والإمام ، ومن المعلوم أن فقدان الغاية يوجب فقدان ذيها ، ولأجل ذلك يصحّ أن يقال : إن الانسان الكامل يكون من بسببه الوجود سببية غائية ، لا منه الوجود سببية فاعلية معطية له فهو سبب غائي لا علة فاعلية ، فاحفظ ذلك فانه ينفعك.

الثاني : إن الحجة يعرف الحلال والحرام ويدعو الناس إلى سبيل الله ،

__________________

1 ـ الكافي : 1 / 183 ، كتاب الحجة ، الحديث 7.

2 ـ الكافي : 1 / 178.

٤٢١

وأنه لولاه لما عرف الحق من الباطل ، وقد جرت مشيئته الحكيمة على أن يهديهم إلى سبل الرشاد بعد خلقهم ولا يتركهم سدى. قال سبحانه :( وما كان ربّك مهلك القرى حتى يبعث في اُمّها رسولاً ) القصص : 59.

وإلى كلا الوجهين تصريحات في روايات الباب. أما الأول ، فعن أبي حمزة قال : « قلت لأبي عبدالله أتبقى الارض بغير إمام؟ قال : لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت ». وأما الثاني ، فعن أبي بصير ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال : « إن الله لم يدع الأرض بغير عالم ، ولولا ذلك لم يعرف الحقّ من الباطل »(1) .

ولشيخنا العلاّمة المجلسي كلام في التفويض ننقله بنصّه قال :

« وأما التفويض فيطلق على معان بعضها منفي عنهمعليهم‌السلام وبعضها مثبت لهم.

الأول : التفويض في الخلق والرزق والتربية والاماتة والاحياء ، فان قوماً قالوا : إن الله تعالى خلقهم وفوَّض اليهم أمر الخلق ، فهم يخلقون ويرزقون ويميتون ويحيون ، وهذا الكلام يحتمل وجهين :

أحدهما أن يقال : إنهم يفعلون جميع ذلك بقدرتهم وإرادتهم وهم الفاعلون حقيقة ، وهذا كفر صريح دلّت على استحالته الأدلة العقلية والنقلية ولا يستريب عاقل في كفر من قال به.

وثانيهما : أن الله تعالى يفعل ذلك مقارناً لارادتهم كشقّ القمر وإحياء الموتى وقلب العصا حيّة وغير ذلك من المعجزات ، فان جميع ذلك إنما تحصل بقدرته تعالى مقارناً لارادتهم لظهور صدقهم ، فلا يأبى العقل عن أن يكون الله تعالى خلقهم وأكملهم وألهمهم ما يصلح في نظام العالم ، ثم خلق

__________________

1 ـ الكافي : 1 / 178 ، الحديث 5 و 10 وغيرهما من الروايات.

٤٢٢

كل شيء مقارناً لارادتهم ومشيّتهم.

وهذا وان كان العقل لا يعارضه كفاحاً ، لكن الأخبار السالفة تمنع من القول به فيما عدا المعجزات ظاهراً بل صراحاً ، مع أن القول به قول بما لا يعلم ، إذ لم يرد ذلك في الأخبار المعتبرة فيما نعلم.

وما ورد من الأخبار الدالة على ذلك كخطبة البيان وأمثالها ، فلم يوجد إلا في كتب الغلاة وأشباههم ، مع أنه يحتمل أن يكون المراد كونهم علّة غائية لايجاد جميع المكونات ، وأنه تعالى جعلهم مطاعين في الأرضين والسماوات ، ويطيعهم بإذن الله تعالى كل شيء حتى الجمادات ، وأنهم إذا شاءُوا أمراً لا يرد الله مشيئتهم ولكنهم لا يشاءُون إلا أن يشاء الله.

وأما ما ورد من الأخبار في نزول الملائكة والروح لكل أمر اليهم ، وأنه لا ينزل ملك من السماء لأمر إلا بدأ بهم ، فليس ذلك لمدخليتهم في ذلك ولا الاستشارة بهم ، بل له الخلق والأمر تعالى شأنه ، وليس ذلك إلا لتشريفهم وإكرامهم وإظهار رفعة مقامهم »(1) .

وما ذكره هو الحقّ ، إلا أن ظواهر الآيات والروايات في المعاجز على خلاف ما اختاره ، لظهورها في كون المعجزات مستندة اليهم أنفسهم بإذن الله. قال سبحانه :( وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيراً بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني ) المائدة : 110. فان الخطابات دليل على أنهمعليهم‌السلام قائمون بها باذن الله. وللبحث مجال آخر.

الثاني : تفويض الحلال والحرام اليهم ، أي فوض اليهم أن يحللوا ما شاءُوا ويحرموا أيضاً ما شاءُوا ، وهذا أيضاً ضروري البطلان ، فان النبي ليس

__________________

1 ـ بحار الانوار : 25 / 347.

2 ـ

٤٢٣

شارعاً للاحكام ، بل مبين وناقل له ، وليس شأنه في المقام إلا شأن ناقل الفتيا بالنسبة إلى المقلدين ، قال سبحانه :( قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدّله قل ما يكون لي أن اُبدّله من تلقائ نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ) يونس : 15. وقال سبحانه :( واتّبع ما يوحى إليك من ربّك إن الله كان بما تعملون خبيراً ) الاحزاب : 2. وقال سبحانه :( اتّبع ما اُوحي اليك من ربّك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين ) الانعام : 106. وهذه الآيات والروايات المتضافرة ، تفيد بوضوح أن النبي لم يكن شارعاً بل كان ناقلاً ومبيناً لما اُوحي اليه ، فلم يكن له إلا تحليل ما أحلّ او تحريم ما حرم الله ، وقد نقل سيدنا الاستاذ الأكبر ـ دام ظله ـ أن الصدوق قد عدَّ إطلاق لفظ الشارع على النبي الأكرم من الغلوّ في حقهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

نعم عقد الكليني في كتاب الحجّة من اصول الكافي باباً أسماه « التفويض إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وإلى الائمةعليهم‌السلام فى أمر الدين » فربما يتبادر منه إلى الذهن أن النبي قد شرع بعض الاحكام. فروى بسند صحيح عن الامام الصادقعليه‌السلام يقول : « إن الله عز وجل أدب نبيه فأحسن أدبه ، فلما أكمل له الأدب ، قال : إنك لعلى خلق عظيم ثمَّ فوض اليه أمر الدين والاُمة ليسوس عباده فقال عز وجل :( ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) وإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان مسدّداً موفقاً مؤيداً بروح القدس لا يزل ولا يخطئ في شيء ممّا يسوس به الخلق ، فتأدب بآداب الله ، ثم إن الله عزَّ وجل فرض الصلاة ركعتين ركعتين ، عشر ركعات فأضاف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الركعتين ، ركعتين وإلى المغرب ركعة ، فصارت عديل الفريضة لا يجوز تركهن إلا في سفر ، وأفرد الركعة في المغرب فتركها قائمة في السفر والحضر ، فأجاز الله عز وجل له ذلك كلّه ، فصارت الفريضة سبع عشرة ركعة ، ثم سن رسول الله النوافل أربعاً وثلاثين ركعة مثلي الفريضة ، فأجاز الله عز وجل له ذلك ، والفريضة والنافلة

٤٢٤

إحدى وخمسون ركعة ، منها ركعتان بعد العتمة جالساً تعدّ بركعة مكان الوتر ، وفرض الله في السنة صوم شهر رمضان وسنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صوم شعبان ، وثلاثة أيام في كل شهر مثلي الفريضة ، فأجاز الله عز وجل له ذلك وحرم الله عز وجل الخمر بعينها ، وحرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المسكر من كلّ شراب فأجاز الله له ذلك كله الخ »(1) .

اقول : إن مضمون الروايات يوجه بوجهين :

الأول : إن الله سبحانه علم الرسول مصالح الاحكام ومفاسدها ، وأوقفه على ملاكاتها ومناطاتها ، ولما كانت الاحكام تابعة لمصالح ومفاسد كاملة في متعلقاتها ، وكان النبي بتعليم منه سبحانه واقفاً على المصالح والمفاسد على اختلاف درجاتها ومراتبها ، كان له أن ينصّ على أحكامه سبحانه من طريق الوقوف على عللها وملاكاتها ، ولا يكون الاهتداء إلى أحكامه سبحانه من طريق التعرّف على عللها بأقصر من الطرق الاخر التي يقف بها النبي على حلاله وحرامه ، وإلى هذا يشير الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام بقوله : « عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية ، لا عقل سماع ورواية فان رواة العلم كثير ورعاته قليل »(2) غير أن اهتداءهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الاحكام وتنصيصه بها من هذا الطريق ، قليل جدّاً لا تتجاوز عمّا ذكرناه إلا بقليل ، وبذلك يعلم حال الأئمة المعصومينعليهم‌السلام في هذا المورد.

الثاني : إن عمل الرسول لم يكن في هاتيك الموارد سوى مجرَّد طلب ، وقد أنفذ الله طلبه ، لا أنه قام بنفسه بتشريع وتقنين ، ويشير إلى ذلك بقوله : « فأجاز الله عز وجل له ذلك ».

ولو أن النبي كان يمتلك زمام التشريع وكان قد فوّض اليه أمر التقنين على

__________________

1 ـ الكافي : 1 / 266 ، الحديث 4 ، وقد ذكر بعض الاجلة موارد اخر من هذا القبيل.

2 ـ نهج البلاغة : الخطبة 234 ، طبعة عبده.

٤٢٥

نحو ما تفيده كلمة التفويض ، لما احتاج إلى إذنه وإجازته المجددة ، ولما كان للجملة المذكورة أي معنى ، فالحاصل أن ما صدر من النبي لم يكن بصورة التشريع القطعي ، بل كان دعاء وطلباً من الله سبحانه لما وقف على مصالح في ما دعاه وقد استجاب دعاءه كما يفيده قوله في الحديث « فأجاز الله عز وجل له ذلك ».

قال العلاّمة المجلسي : « التفويض في أمر الدين يحتمل وجهين :

أحدهما : أن يكون الله تعالى فوض إلى النبي والأئمة عموماً أن يحلوا ما شاءُوا ويحرّموا ما شاءُوا من غير وحي وإلهام ، أو يغيروا ما اُوحي اليهم بآرائهم ، وهذا باطل لا يقول به عاقل ، فان النبي كان ينتظر الوحي أياماً كثيرة لجواب سائل ، ولا يجيبه من عنده وقد قال تعالى( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) النجم : 4.

وثانيهما : أنه تعالى لما أكمل نبيه بحيث لم يكن يختار من الاُمور شيئاً إلا ما يوافق الحق والصواب ، ولا يخطر بباله ما يخالف مشيئته تعالى في كل باب ، فوض اليه تعيين بعض الامور كالزيادة في الصلاة وتعيين النوافل في الصلاة والصوم ، وطعمة الجدّ وغير ذلك ممّا مضى وسيأتي ، اظهاراً لشرفه وكرامته عنده ، ولم يكن أصل التعيين إلا بالوحي ، ولم يكن الاختيار إلا بالالهام ، ثم كان يؤكد ما اختاره بالوحي ، ولا فساد في ذلك عقلاً ، وقد دلت النصوص المستفيضة عليه ممّا تقدم في هذا الباب وفي أبواب فضائل نبينا من المجلد السادس.

ولعلّ الصدوقرحمه‌الله أيضاً إنما نفى المعنى الأول ، حيث قال في الفقيه : « وقد فوض الله عز وجل إلى نبيه أمر دينه ، ولم يفوض اليه تعدّي حدوده » وأيضاً هورحمه‌الله قد روى كثيرا من أخبار التفويض في كتبه ولم يتعرض لتأويلها.

٤٢٦

الثالث : تفويض بيان العلوم والاحكام ، وهذا مما لا شك ولا شبهة فيه ، قال سبحانه :( ونزَّلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ) النحل : 89. وقال سبحانه :( وأنزلنا اليك الذكر لتبيّن للناس ما نزل اليهم ) النحل : 44. وهذه الآية تفيد أن من شؤون النبي مضافاً إلى التلاوة هو تبيين ما نزل اليه من الآيات الحكيمة.

والآيات والاحاديث في ذلك كثيرة جدّاً. قال الباقرعليه‌السلام مخاطباً لجابر : « يا جابر لو كنا نحدثكم برأينا وهوانا ، كنا من الهالكين ، ولكنا نحدثكم بأحاديث نكنزها عن رسول الله كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم » وفي رواية « ولكنّا نفتيهم بآثار من رسول الله واصول علم عندنا نتوارثها كابراً عن كابر ».

وفي رواية محمد بن شريح عن الصادقعليه‌السلام : « والله ما نقول بأهوائنا ولا نقول برأينا ولكن نقول ما قال ربّنا ».

وفي رواية عنه : « مهما أجبتك فيه بشيء فهو عن رسول الله. لسنا نقول برأينا من شيء »(3) إلى غير ذلك من الاحاديث المفيدة أن أحاديثهم مأخوذة عن نبيّهم.

غير أنهمعليهم‌السلام يبيّنون الاحكام حسب اختلاف عقول الناس ، ويفتون حسب المصالح ، فتارة يبيّنون الاحكام الواقعية ، واُخرى الاحكام الواقعية الثانوية حسب مصالح المكلفين كما هو معلوم من افتائهم بالتقية.

قال العلاّمة المجلسيرحمه‌الله : « تفويض بيان العلوم والاحكام بما رأوا المصلحة فيها بسبب اختلاف عقولهم ، أو بسبب التقية فيفتون بعض الناس بالواقع من الاحكام ، وبعضهم بالتقية ، ويبينون تفسير الآيات وتأويلها ، وبيان المعارف بحسب ما يحتمل عقل كل سائل ، ولهم أن يبيّنوا ولهم أن يسكتوا كما

__________________

1 ـ راجع جامع احاديث الشيعة : 1 / 17 ، المقدمة.

٤٢٧

ورد في أخبار كثيرة : « عليكم المسألة وليس علينا الجواب » كل ذلك بحسب ما يُريهم الله من مصالح الوقت كما ورد في خبر ابن أشيم وغيره ».

روى محمد بن سنان في تأويل قوله تعالى( لتحكم بين الناس بما أريك الله ) فقال :( إنا أنزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أريك الله ) وهي جارية في الأوصياء(1) . ولعل تخصيصه بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمةعليهم‌السلام ، لعدم تيسّر هذه التوسعة لسائر الانبياء والاوصياءعليهم‌السلام ، بل كانوا مكلفين بعدم التقية في بعض الموارد وإن أصابهم الضرر.

والتفويض بهذا المعنى أيضاً ثابت حق بالأخبار المستفيضة.

الرابع : تفويض سياسة الناس وتأديبهم اليهم ، فهم اُولوا الأمر وساسة العباد ـ كما في الزيارة الجامعة ـ واُمراء الناس ، فيجب طاعتهم في كل ما يأمرون به وينهون عنه قال سبحانه :( وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ) النساء : 64. وقال سبحانه :( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) النساء : 59. وقال سبحانه( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) النساء : 80. إلى غير ذلك من الآيات والروايات.

قال العلاّمة المجلسي : « تفويض اُمور الخلق اليهم من سياستهم وتأديبهم وتكميلهم وتعليمهم ، وأمر الخلق باطاعتهم فيما أحبّوا وكرهوا ، وفيما علموا جهة المصلحة فيه وما لم يعلموا ، وهذا حق لقوله تعالى :( ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) وغير ذلك من الآيات والاخبار ، وعليه يحمل قولهمعليهم‌السلام « نحن المحلّلون حلاله والمحرّمون حرامه » أي بيانهما علينا ويجب على الناس الرجوع فيهما الينا ».

__________________

1 ـ بصائر الدرجات : 114 ، ورواه في الاختصاص عن عبدالله بن مسكان. لاحظ البحار : 25 / 334.

٤٢٨

نعم وجوب اطاعة الرسول واُولي الأمر في طول اطاعته سبحانه فالله تعالى مطاع بالذات والرسول واُولوا الأمر مطاعون بالعرض وقد أوضحنا ذلك في « مفاهيم القرآن »(1) .

وهناك تفويضان آخران يظهر من العلاّمة المجلسيرحمه‌الله .

1 ـ الاختيار في أن يحكموا بظاهر الشريعة ، او بعلمهم ، او بما يلهمهم الله من الوقايع ومخّ الحق في كل واقعة ، وهذا أظهر محامل خبر ابن سنان وعليه أيضاً دلّت الاخبار.

2 ـ التفويض في العطاء ، فان الله تعالى خلق لهم الارض وما فيها ، وجعل لهم الأنفال والخمس والصفايا وغيرها ، فلهم أن يعطوا ما شاءُوا ويمنعوا ما شاءُوا ، كما مرّ في خبر الثمالي ، وإذا أحطت خبراً بما ذكرنا من معاني التفويض سهل عليك فهم الاخبار الواردة فيه ، وعرفت ضعف قول من نفى التفويض مطلقاً ولمّا يحط بمعانيه.

هذه هي المعاني المعقولة المتصورة من التفويض ، وأما تفسير التفويض بما عليه المعتزلة كما عن العلاّمة المامقاني(2) فخارج عن موضوع البحث ، فان التفويض بذلك المعنى يقابل الجبر.

فقدان الضابطة الواحدة في الغلو

المراجع إلى كلمات القدماء يجد أنهم يرمون كثيراً من الرواة بالغلوّ حسب ما اعتقد به في حق الائمة ، وان لم يكن غلوّاً في الواقع ، ويعجبني أن أنقل كلام الوحيد البهبهاني في هذا المقام ، والتأمل فيه يعطي أن كثيرا من هذه النسب لم يكن موجباً لضعف الراوي عندنا ، وان كان موجباً للضعف عند الناقل.

__________________

1 ـ لاحظ الجزء الأول : 530 ـ 532.

2 ـ مقباس الهداية : 148.

٤٢٩

قالقدس‌سره : « فاعلم أن الظاهر أن كثيراً من القدماء لا سيما القميين منهم ، والغضائري ، كانوا يعتقدون للائمةعليهم‌السلام منزلة خاصة من الرفعة والجلالة ، ومرتبة معينة من العصمة والكمال ، بحسب اجتهادهم ورأيهم وما كانوا يجوزون التعدي عنها ، يعدّون التعدّي ارتفاعاً وغلوّاً حسب معتقدهم ، حتى إنهم جعلوا مثل نفي السهو عنهم غلوّاً ، بل ربما جعلوا مطلق التفويض اليهم ، او التفويض الذي اختلف فيه ، او المبالغة في معجزاتهم ونقل العجائب من خوارق العادات عنهم ، او الاغراق في شأنهم واجلالهم وتنزيههم عن كثير من النقائص ، واظهار كثير قدرة لهم ، وذكر علمهم بمكنونات السماء والارض ، ( جعلوا كل ذلك ) ارتفاعاً مورثاً للتهمة به ، لا سيَّما بجهة أن الغلاة كانوا مختفين في الشيعة مخلوطين بهم مدلِّسين.

وبالجملة ، الظاهر أن القدماء كانوا مختلفين في المسائل الاصولية أيضاً ، فربّما كان شيء عند بعضهم فاسداً ، او كفراً ، او غلّواً ، او تفويضاً ، او جبراً ، او تشبيهاً ، او غير ذلك ، وكان عند آخر ممّا يجب اعتقاده او لا هذا ولا ذاك.

وربما كان منشأ جرحهم بالامور المذكورة وجدان الرواية الظاهرة فيها منهم ـ كما أشرنا آنفاً ـ او ادّعاء أرباب المذاهب كونهم منهم ، او روايتهم عنه ، وربما كان المنشأ روايتهم المناكير عنه ، إلى غير ذلك ، فعلى هذا ربّما يحصل التأمل في جرحهم بأمثال الاُمور المذكورة.

ومما ينبه بذلك على ما ذكرنا ملاحظة ما سيذكر في تراجم كثيرة مثل ترجمة إبراهيم بن هاشم وأحمد بن محمد بن نوح ، وأحمد بن محمد بن أبي نصر ، ومحمد بن جعفر بن عوف ، وهشام بن الحكم ، والحسين بن شاذويه ، والحسين بن يزيد ، وسهل بن زياد ، وداود بن كثير ، ومحمد بن اورمة ، ونصر بن الصباح ، وإبراهيم بن عمر ، وداود بن القاسم ، ومحمد بن عيسى بن عبيد ، ومحمد بن سنان ، ومحمد بن علي الصيرفي ، ومفضل بن عمر ،

٤٣٠

وصالح بن عقبة ، ومعلى بن خنيس ، وجعفر بن محمد بن مالك ، واسحاق بن محمد البصري ، واسحاق بن الحسن ، وجعفر بن عيسى ، ويونس بن عبد الرحمن ، وعبد الكريم بن عمر ، وغير ذلك.

ثم اعلم أن ابن عيسى والغضائري ربما ينسبان الراوي إلى الكذب ووضع الحديث أيضاً ، بعد ما نسباه إلى الغلوّ ، وكأنه لروايته ما يدل عليه ، ولا يخفى ما فيه وربما كان غيرهما أيضاً كذلك فتأمل »(1) .

فيجب على العالم الباحث ، التحقيق في كثير من النسب المرميّ بها الاجلة ، لما عرفت من انه لم يكن في تلك الازمنة ضابطة واحدة ليتميز الغالي عن غيره.

قال العلاّمة المامقاني : « لا بدَّ من التأمل في جرحهم بأمثال هذه الاُمور ومن لحظ مواضع قدحهم في كثير من المشاهير كيونس بن عبد الرحمن ، ومحمد بن سنان ، والمفضل بن عمر وأمثالهم ، عرف الوجه في ذلك ، وكفاك شاهداً اخراج أحمد بن محمد بن عيسى ، أحمد بن محمد بن خالد البرقي من قم ، بل عن المجلسي الأول أنه أخرج جماعة من قم ، بل عن المحقق الشيخ محمد ابن صاحب المعالم ، أن أهل قم كانوا يخرجون الراوي بمجرد توهّم الريب فيه.

فاذا كانت هذه حالتهم وذا ديدنهم فكيف يعوَّل على جرحهم وقدحهم بمجرده ، بل لا بد من التروي والبحث عن سببه والحمل على الصحة مهما أمكن ، كيف لا ، ولو كان الاعتقاد بما ليس بضروري البطلان عن اجتهاد ، موجباً للقدح في الرجل ، للزم القدح في كثير من علمائنا المتقدمين ، لأن كلا منهم نسب اليه القول بما ظاهره مستنكر فاسد »(2) .

__________________

1 ـ الفوائد الرجالية : 38 ـ 39 المطبوعة بآخر رجال الخاقاني.

2 ـ مقباس الهداية : 49 للمامقاني.

٤٣١

وممّا يؤيد ذلك ما ذكره الوحيد البهبهان في ترجمة أحمد بن محمد بن نوح السيرافي قال : « إنه حكى في الخلاصة أن الشيخ كان يذهب إلى مذهب الوعيدية ( وهم الذين يكفّرون صاحب الكبيرة ويقولون بتخليده في النار ) ، وهو وشيخه المفيد إلى انه تعالى لا يقدر على عين مقدور العبد كما هو مذهب الجبائي ، والسيد المرتضى إلى مذهب البهشمية من ان إرادته عرض لا في محل ، والشيخ الجليل إبراهيم بن نوبخت إلى جواز اللّذة العقلية عليه سبحانه ، وأن ماهيته معلومة كوجوده وأن ماهيته الموجود ، والمخالفين يخرجون من النار ولا يدخلون الجنة ، والصدوق وشيخه ابن الوليد والطبرسي إلى جواز السهو على النبي ، ومحمد بن عبدالله الاسدي إلى الجبر والتشبيه ، وغير ذلك ممّا يطول تعداده ، والحكم بعدم عدالة هؤلاء لا يلتزمه أحد يؤمن بالله ، والذي ظهر لي من كلمات أصحابنا المتقدمين ، وسيرة أساطين المحدثين ، أن المخالفة في غير الاُصول الخمسة لا يوجب الفسق ، إلا أن يستلزم انكار ضروري الدين كالتجسيم بالحقيقة لا بالتسمية ، وكذا القول بالرؤية بالانطباع او الانعكاس ، وأما القول بها لا معهما فلا ، لانه لا يبعد حملها على ارادة اليقين التام ، والانكشاف العلمي ، وأما تجويز السهو عليه وادراك اللذة العقلية عليه تعالى مع تفسيرها بارادة الكمال من حيث انه كمال فلا يوجب فسقاً.

ثم قال : ونسب ابن طاووس ونصير الدين المحقق الطوسي وابن فهد والشهيد الثاني وشيخنا البهائي وجدّي العلاّمة وغيرهم من الاجلة إلى التصوف ، وغير خفي أن ضرر التصوف إنما هو فساد الاعتقاد من القول بالحلول او الوحدة في الوجود او الاتحاد او فساد الاعمال المخالفة للشرع التي يرتكبها كثير من المتصوفة في مقام الرياضة او العبادة ، وغير خفي على المطلعين على أحوال هؤلاء الاجلة من كتبهم وغيرهم انهم منزهون من كلتا المفسدتين قطعاً ، ونسب جدي العالم الرباني والمقدس الصمداني مولانا محمد صالح المازندراني وغيره من الاجلة إلى القول باشتراك اللفظ ، وفيه أيضاً ما أشرنا اليه ونسب المحمدون الثلاثة والطبرسي إلى القول بتجويز السهو على

٤٣٢

النبي ، ونسب ابن الوليد والصدوق أيضاً منكر السهو إلى الغلوّ ، وبالجملة اكثر الاجلة ليسوا بخالصين عن امثال ما اشرنا اليه ، ومن هذا يظهر التأمل في ثبوت الغلوّ وفساد المذهب بمجرد رمي علماء الرجال من دون ظهور الحال »(1) .

ونحن بعد ما قرأنا ذلك انتقلنا إلى ما ذكره العلاّمة الزمخشري في حق نفسه حيث يقول :

تعجبت من هذا الزمان وأهله

فما أحد من اُلسن الناس يسلم(2)

والذي تبيَّن لنا من مراجعة هذه الكلم هو أن اكثر علماء الرجال ، او من كان ينقل عنه علماء الرجال لم يكن عندهم ضابطة خاصة لتضعيف الراوي من حيث العقيدة ، بل كلّما لم تنطبق عقيدة الراوي مع عقيدته رماه بالغلوّ والضعف في العقيدة ، وربما يكون نفس الرامي مخطئاً في اعتقاده بحيث لو وقفنا على عقيدته لحكمنا بخطئه ، أو وقف في كتاب الراوي على أخبار نقلها هو من غير اعتقاد بمضمونها فزعم الرامي أن المؤلف معتقد به ، إلى غير ذلك مما يورث سوء الظن ، مثل ما إذا ادّعى بعض أهل المذاهب الفاسدة أن الراوي منهم وليس هو منهم.

وجملة القول في ذلك ما ذكره المحقّق المامقاني حيث قال : « إن الرمي بما يتضمن عيباً ، فضلا عن فساد العقيدة مما لا ينبغي الأخذ به بمجرده إذ لعل الرامي قد اشتبه في اجتهاده ، أو عول على من يراه أهلاً في ذلك وكان مخطئاً في اعتقاده ، او وجد في كتابه أخباراً تدل على ذلك وهو بريء منه ولا يقول به ، أو ادعى بعض أهل تلك المذاهب الفاسدة أنه منهم وهو كاذب ، أو روى أخباراً ربما توهم من كان قاصراً أو ناقصاً في الادراك والعلم أن ذلك ارتفاع وغلوّ ، وليس كذلك ، او كان جملة من الاخبار يرويها ويحدث بها ويعترف

__________________

1 ـ تعليقة المحقق البهبهاني.

2 ـ الكشاف : 3 / 376 ، طبعة مصر.

٤٣٣

بمضامينها ويصدق بها من غير تحاش بها واتّقاء من غيره من أهل زمانه ، بل يتجاهر بما لا تتحمّلها أغلب العقول فلذا رمى »(1) .

فتلخص أن تضعيف الراوي من جانب العقيدة لا يتمّ إلا بثبوت أمرين :

الأول : أن يثبت أن النظرية مما توجب الفسق.

الثاني : أن يثبت أن الراوي كان معتقداً بها.

وأنى لنا باثبات الأمرين.

أما الأول ، فلوجود الخلاف في كثير من المسائل العقيدية حتى مثل سهو النبي في جانب التفريط او نسبة التفويض في بعض معانيها في جانب الافراط ، فان بعض هذه المسائل وان صارت من عقائد الشيعة الضرورية بحيث يعرفها العالي والداني ، غير أنها لم تكن بهذه المثابة في العصور الغابرة.

وأما الثاني ، فان إثباته في غاية الاشكال ، خصوصاً بالنظر إلى بعض الاعمال التي كان يقوم بها بعض الرواة في حق بعض ، من الاخراج والتشديد بمجرد النقل عن الضعفاء وان كان ثقة في نفسه ، او لبعض الوجوه المحتملة التي ذكرها العلاّمة المامقاني ، وما لم يثبت الامران لا يعتني بهذه التضعيفات الراجعة إلى جانب العقيدة.

تضعيف الراوي من حيث العمل

قد عرفت في صدر البحث أن تضعيف الراوي يرجع إلى أحد الأمرين : إما تضعيف في العقيدة او تضعيف في جانب العمل ، وقد وقفت على التضعيف من الجانب الأول وحان الوقت أن نبحث في الضعف من الجانب الثاني.

فنقول : إن تضعيف الراوي من جانب العمل على قسمين : تارة يرجع

__________________

1 ـ مقباس الهداية : 150.

٤٣٤

إلى عمله غير المرتبط بنقله وحديثه ، كما إذا ارتكب بعض الكبائر وأصرَّ بالصغائر ولم يكن مرتبطاً بالحديث ، واُخرى يكون مربوطاً بالحديث ويعرف ذلك بملاحظة الكلمات الواردة في حقه. منها قولهم : مضطرب الحديث ومختلط الحديث ، وليس بنقيّ الحديث ، يعرف حديثه وينكر ، غمز عليه في حديثه ، او في بعض حديثه ، وليس حديثه بذاك النقي ، وهل هذه الألفاظ قادحة في العدالة او لا ، قال المحقّق البهبهاني : إن هذه الالفاظ وأمثالها ليست بظاهرة في القدح في العدالة لورود هذه الالفاظ في حق أحمد بن محمد بن خالد وأحمد بن عمر(1) .

تمَّ الكلام حول فرق الشيعة التي ربما يوجب الانتماء إلى بعضها تضعيف الراوي وعدم الاعتماد على نقله. بقيت هناك فوائد رجالية لا تجتمع تحت عنوان واحد ، نبحث عنها في الخاتمة ـ إن شاء الله ـ.

__________________

1 ـ الفوائد الرجالية : 43 ، الفائدة الثانية.

٤٣٥
٤٣٦

خاتمة في فوائد رجالية

٤٣٧
٤٣٨

ان هناك فوائد رجالية متفرقة لا تدخل تحت ضابطة واحدة وقد ذكرها الرجاليون في كتبهم ونحن نكتفي بما هو الاهمّ من تلك الفوائد ، التي لا غنى للمستنبط عن الاطلاع عليها.

ولأجل تسهيل الأمر نأتي بكل واحدة منها تحت فائدة خاصة ، عسى أن ينتفع بها القارئ الكريم ، بفضله ومنه سبحانه.

الفائدة الأولى

روى أصحابنا في كتب الاخبار عن رجال يذكرون تارة كناهم أو ألقابهم ، واخرى ما اشتهروا به ، وثالثة اسماءهم غير المعروفة عند الاكثر. فيعسر تحصيل اسمائهم ومعرفة حالهم. لأن الغالب في كتب الفهرست والرجال سرد الرواة بأسمائهم المشهورة ، وعدم الاعتناء بما وقع في اسناد الروايات ، كما هو الحال في رجال النجاشي مثلا. ولا يخفى أن كل من له كنية او لقب ، لا يصحّ التعبير عنه بكنيته او لقبه إلا إذا كان مشتهراً بواحد منهما بحيث كان عنوانه في الكنى صحيحاً كأبي جميلة وأبي المغرا وغيرهم. وقد جمع العلاّمة في خاتمة الخلاصة(1) وابن داود في خاتمة القسم الأول من الرجال(2) أكثر

__________________

1 ـ الخلاصة : الفائدة الأولى صفحة 269 ـ 271.

2 ـ الرجال لابن داود : الفصل 5 ، الصفحة 212 ـ 214.

٤٣٩

المشهورين بالكنى ، فذكر اسماءهم ليعلم المراد بهم إذا وردوا في الاخبار(1) ونحن نأتي بالاهم منهم مع ذكر أشخاص اُخر لم يذكروا في الكتابين مرتبين على حروف التهجي ، مبتدئين بالكنى فالالقاب.

1 ـ أبو أحمد الازدي هو محمد بن أبي عمير.

2 ـ أبو أيوب الانصاري ، اسمه خالد بن زيد.

3 ـ ابو أيوب الخراز ( بالراء المهملة قبل الالف والمعجمة بعدها ) هو إبراهيم بن عيسى. وقيل عثمان(2) .

4 ـ أبو بكر الحضرمي ، اسمه عبدالله بن محمد. قال العلاّمة : « أخذت ذلك من كتاب من لا يحضره الفقيه ».

5 ـ أبو البلاد ، اسمه يحيى بن سليم.

6 ـ أبو جعفر ، روى الشيخ وغيره في كثير من الاخبار عن « سعد بن عبدالله ، عن أبي جعفر ». والمراد بأبي جعفر هنا هو أحمد بن محمد بن عيسى(3) .

7 ـ ابو جعفر الاحول ، هو محمد بن النعمان يلقب بـ « مؤمن الطاق ».

8 ـ أبو جعفر الزيّات ، اسمه محمد بن الحسين بن أبي الخطاب الهمداني.

__________________

1 ـ والجدير بالذكر ان هذا الباب غير باب الكنى الذي يعنون فيه الرجل بالكنية ويذكر حاله كما ذكر في قاموس الرجال : 11 / 171 ـ 172 ، واضاف ان المتأخرين خلطوا بين الامرين ولم يفرقوا بين البابين.

2 ـ هذا هو المذكور في رجال النجاشي. لكن ابن داود ذكره بعنوان إبراهيم بن زياد نقلا عن الشيخ والرجال : 31 ، الرقم 19 من القسم الأول ).

3 ـ الخلاصة : 271 ، الفائدة الثانية. الرجال لابن داود : 307 ـ منتقى الجمان : 1 / 37 ، ذيل الفائدة السادسة.

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611