الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٤

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل9%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 611

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 611 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 139799 / تحميل: 6873
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

محمد، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن جده، عن عبد الله بن حماد الأنصاري، عن جميل بن دراج، عن معتب مولى أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: سمعته يقول لداود بن سرحان: « يا داود أبلغ ( موالينا مني )(١) السلام، وأني أقول: رحم الله عبدا اجتمع مع آخر فتذاكر أمرنا، فإن ثالثهما ملك يستغفر لهما، وما(٢) اجتمعتم فاشتغلوا بالذكر فإن في اجتماعكم ومذاكرتكم إحياء أمرنا(٣) ، وخير الناس من بعدنا من ذاكر بأمرنا وعاد إلى ذكرنا ».

[١٢٢٢٧] ٢ - كتاب جعفر بن محمد بن شريح: عن أبي الصباح، عن خيثمة (١) الجعفي، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال: أردت أن أودعه فقال: « يا خيثمة (٢) أبلغ موالينا السلام، وأوصهم بتقوى الله، وأوصهم أن يعود غنيهم على فقيرهم وقويهم على ضعيفهم، وأن يشهد حيهم جنازة ميتهم، وأن يتلاقوا في بيوتهم، فإن لقاء بعضهم بعضا في بيوتهم حياة لأمرنا، رحم الله عبدا أحيى أمرنا » الخبر.

الشيخ المفيد في العيون والمحاسن (٣) : عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمان، عن بعض أصحابه، عن

__________________

(١) في المصدر: موالي عني.

(٢) وفيه: وإن.

(٣) وفيه: أمرنا.

٢ - كتاب جعفر بن محمد بن شريح ص ٧٩.

(١) كان في المخطوط والطبعة الحجرية. خثيمة. وهو تصحيف، صحته ما أثبتناه من المصدر ومعاجم الرجال وهو ابن عبد الرحمن الجعفي الكوفي من أصحاب الباقر عليه‌السلام . راجع معجم رجال الحديث ج ٧ ص ٨٧.

(٢) تقدم آنفا تحت رقم ١.

(٣) الفصول المختارة من العيون والمحاسن ج ٢ ص ٢٨٧.

٣٨١

خيثمة، عنه(٤) عليه‌السلام ، مثله، باختلاف يسير، وفيه: « وأن يتلاقوا في بيوتهم، وأن يتفاوضوا بعلم الدين فإن في ذلك » الخ.

٧٩ -( باب استحباب زيارة الأخ المؤمن في الصحة والمرض، والقرب والبعد، ولو من مسيرة سنة)

[١٢٢٢٨] ١ - الحسين بن سعيد في كتاب المؤمن: عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال: « ان العبد المسلم إذا خرج من بيته يريد أخاه لله لا لغيره، التماس وعد (١) الله عز وجل ورغبة فيما عنده، وكل الله به سبعين ألف ملك ينادونه من خلفه إلى أن يرجع إلى منزله: ألا طبت وطابت لك الجنة ».

[١٢٢٢٩] ٢ - الصدوق في كتاب الاخوان: عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال: « من زار أخاه بظهر المصر، نادى مناد من السماء: ألا إن فلان بن فلان من زوار الله ».

[١٢٢٣٠] ٣ - الجعفريات بإسناده عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، قال: « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث: سر أربعة أميال ( زر أخا ) (١) في الله تعالى » الخبر.

__________________

(٤) في المصدر: عن أبي عبد الله عليه‌السلام .

الباب ٧٩

١ - المؤمن ص ٥٨ ح ١٤٨.

(١) في المصدر: وجه.

٢ - مصادفة الاخوان ص ٥٦ ح ٥.

٣ - الجعفريات ص ١٨٦.

(١) ليس في المصدر.

٣٨٢

[١٢٢٣١] ٤ - مجموعة الشهيد: نقلا من كتاب الأنوار لأبي علي محمد بن همام، بإسناده إلى معروف بن أبي معروف صاحب أبي الطفيل عامر بن واثلة، الذي هو صاحب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصاحب علي عليه‌السلام بصفين، قال: حدثني الصادق الصديق حبيب الله وسفيره محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين، عن أبيه قال: قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من زار أخاه في الله، باهى الله به ملائكته، حتى إذا لقيه ناداه ملك من السماء: طبت وطاب ممشاك، حتى إذا حدثه قال الله للملكين: اكتبا له عمل سبعين نبيا، كلهم مجتهد في طاعتي، قد أهريق دمه في سبيلي، حتى إذا ضاحكه قال الله للملائكة: أشهدكم عبادي أني أضحكه يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، حتى إذا آكله قال عز وجل لخزان جنته وسكانها من كرام ملائكته: أشهدكم عبادي وخزنتي من خلقي وملائكتي، أني أكرمه بالنظر إلى نوري وجلالي وكبريائي يوم القيامة، وأشهدكم أني ممن أزكيه وأطهره وأثيبه وأرضيه وأشفعه ».

٨٠ -( باب استحباب زيارة قبور المؤمنين والدعاء لهم، وتلاوة القدر سبعا عند ذلك)

[١٢٢٣٢] ١ - السيد علي بن طاووس في مصباح الزائر: إذا أردت زيارة المؤمنين فينبغي أن يكون يوم الخميس، وإلا ففي أي وقت شئت، وصفتها أن تستقبل القبلة وتضع يدك على القبر وتقول: اللهم ارحم غربته، وصل وحدته، وآنس وحشته، وآمن روعته، واسكن إليه من رحمتك رحمة يستغني بها عن رحمة من سواك، وألحقه بمن كان يتولاه،

__________________

٤ - مجموعة الشهيد.

الباب ٨٠

١ - مصباح الزائر ص ١٩٢، وعنه في البحار ج ١٠٢ ص ٢٩٩ ح ٢٥، ٢٦.

٣٨٣

ثم اقرأ « إنا أنزلناه في ليلة القدر » سبع مرات ».

وروي في صفة زيارتهم رواية أخرى، عن محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : نزور الموتى، فقال: « نعم » قلت: فيعلمون بنا إذا أتيناهم، قال: « أي والله ليعلمون بكم ويفرحون بكم ويستأنسون إليكم » قال قلت: فأي شئ نقول إذا أتيناهم؟ قال: « قل: اللهم جاف (١) الأرض عن جنوبهم، وصاعد إليك أرواحهم، ولقهم منك رضوانا، واسكن إليهم من رحمتك ما تصل به وحدتهم وتؤنس وحشتهم، إنك على كلّ شئ قدير، وإذا كنت بين القبور، فاقرأ قل هو الله أحد إحدى عشرة، مرة واهد ذلك لهم، فقد روي أن الله يثيبه على عدد الأموات ».

وباقي أخبار الباب قد تقدم في كتاب الطهارة في أبواب الدفن.

٨١ -( باب استحباب إتيان المساجد، وأن من سبق إلى مسجد أو مشهد كان أحق به يومه أو ليلته، وإن خرج يتوضأ)

[١٢٢٣٣] ١ - دعائم الاسلام: عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، أنه قال: « سوق المسلمين كمسجدهم، الرجل أحق بمكانه حتى يقوم منه، أو تغيب الشمس ».

قال المنصف: يعني بذلك ما ليس بملك لغيره.

__________________

(١) التجافي: الترفع والتباعد. وجاف الأرض عن جنوبهم أي باعدها عن أجسامهم ولا تضيق عليهم في القبور ( راجع معجم البحرين ج ١ ص ٨٨ ولسان العرب ج ١٤ ص ١٤٨ ).

الباب ٨١

١ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ١٨ ح ٢١.

٣٨٤

٨٢ -( باب استحباب الزيارة عن المؤمنين، وعن المعصومينعليهم‌السلام )

[١٢٢٣٤] ١ - الشيخ محمد بن المشهدي في المزار: روي عن بعض العلماء الصادقين عليهم‌السلام ، أنه سأل عن الرجل يصلي ركعتين أو يصوم يوما، أو يحج أو يعتمر، أو يزور رسول الله أو أحد الأئمة ( صلوات الله عليهم )، ويجعل ثواب ذلك لوالد، أو لأخ له في الدين، أو يكون له على ذلك ثواب؟ فقال: « إن ثواب ذلك يصل إلى من جعل له، من غير أن ينقص من أجره شئ ».

٨٣ -( باب استحباب انشاد الشعر في رثاء الحسين وأهل البيتعليهم‌السلام ، وبكاء المنشد والسامع)

[١٢٢٣٥] ١ - جعفر بن محمد بن قولويه في كامل الزيارة: عن محمد بن جعفر، عن محمد بن الحسين، عن ابن أبي عمير، عن عبد الله بن حسان، عن ابن أبي شعبة، عن عبد اله بن غالب قال: دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام ، فأنشدته مرثية الحسين بن علي عليهما‌السلام ، فلما انتهيت إلى هذا الموضع:

لبلية تسقو حسينا

بمسقاة الثرى غير التراب

صاحت باكية من وراء الستر يا (١) أبتاه

__________________

الباب ٨٢

١ - مزار المشهدي ص ٨٦٥، وعنه في البحار ج ١٠٢ ص ٢٥٩ ح ٦.

الباب ٨٣

١ - كامل الزيارات ص ١٠٥ ح ٣.

(١) في المصدر: و.

٣٨٥

[١٢٢٣٦] ٢ - البحار: عن بعض مؤلفات المتأخرين قال: حكى دعبل الخزاعي قال: دخلت على سيدي ومولاي علي بن موسى الرضا عليهما‌السلام ، في مثل هذه الأيام فرأيته جالسا جلسة الحزين الكئيب وأصحابه من حوله، فلما رآني مقبلا قال: « مرحبا بك يا دعبل مرحبا بناصرنا بيده ولسانه » ثم إنه وسع لي في مجلسه وأجلسني إلى جانبه، ثم قال لي: « يا دعبل أحب أن تنشدني شعرا، فإن هذه الأيام أيام حزن كانت علينا أهل البيت، وأيام سرور كانت على أعدائنا خصوصا بني أمية، يا دعبل من بكى أو (١) أبكى على مصابنا ولو واحدا كان أجره على الله، يا دعبل من ذرفت عيناه على بكى لما مصابنا وبكى لما أصابنا من أعدائنا حشره الله معنا في زمرتنا، يا دعبل من بكى على مصاب جدي الحسين عليه‌السلام غفر الله له ذنوبه البتة » ثم إنه عليه‌السلام نهض وضرب سترا بيننا وبين حرمه، واجلس أهل بيته من وراء الستر ليبكوا على مصاب جدهم الحسين عليه‌السلام ، ثم التفت وقال: « يا دعبل ارث الحسين عليه‌السلام ، فأنت ناصرنا ومادحنا ما دمت حيا، فلا تقصر عن نصرنا ما استطعت » قال دعبل: فاستعبرت وسالت عبرتي، وأنشأت أقول الأبيات.

[١٢٢٣٧] ٣ - ابن شهرآشوب في المناقب: حكي أن المنصور تقدم إلى موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، بالجلوس للتهنئة في يوم النيروز، وقبض ما يحمل إليه، فقال عليه‌السلام : « إني قد فتشت الاخبار عن جدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلم أجد لهذا العيد خبرا، وأنه سنة للفرس ومحاها الاسلام، ومعاذ الله أن نحيي ما محاه

__________________

٢ - البحار ج ٤٥ ص ٢٥٧ ح ١٥.

(١) في المصدر: و.

٣ - المناقب لابن شهر أشوب ج ٤ ص ٣١٨.

٣٨٦

الاسلام » فقال المنصور: إنما نفعل هذا سياسة للجند، فسألتك بالله العظيم الا جلست، فجلس ودخلت عليه الملوك والأمراء والأجناد يهنئونه، ويحملون إليه الهدايا والتحف، وعلى رأسه خادم المنصور يحصي ما يحمل، فدخل في آخر الناس رجل شيخ كبير السن، فقال له: يا بن بنت رسول الله، إنني رجل صعلوك لا مال لي أتحفك، ( ولكن أتحفك )(١) بثلاث أبيات قالها جدي في جدك الحسيني بن عليعليهما‌السلام :

عجبت لمصقول علاك فرنده

يوم الهياج وقد علاك غبار

ولأسهم نفذتك دون حرائر

يدعون جدك والدموع غزار

الا تقضقضت(٢) السهام وعاقها

عن جسمك الاجلال والاكبار

قال عليه‌السلام : « قبلت هديتك اجلس بارك الله فيك » ورفع رأسه إلى الخادم وقال: « امض إلى أمير المؤمنين وعرفه بهذا المال وما يصنع به » فمضى الخادم وعاد وهو يقول: كلها هبة مني له يفعل به ما أراد، فقال موسى عليه‌السلام للشيخ: « إقبض جميع هذا المال، فهو هبة مني لك ».

٨٤ -( باب استحباب مدح الأئمةعليهم‌السلام بالشعرورثائهم به وانشائه فيهم، ولو في شهر رمضان، ويوم الجمعة، وفي الليل)

[١٢٢٣٨] ١ - الشيخ المفيد في أماليه: عن أبي الحسن علي بن بلال المهلبي،

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في المصدر.

(٢) في المخطوط: تغضغضت، وما أثبتناه من المصدر، تقضقض الشئ: تكسر وتحطم ( لسان العرب ج ٧ ص ٢٢٣ ).

الباب ٨٤

١ - أمالي المفيد ص ٣٠١ ح ٣.

٣٨٧

عن النعمان بن أحمد القاضي الواسطي، عن(١) إبراهيم بن عرفة النحوي، عن(٢) أحمد بن رشيد بن خيثم الهلالي، عن عمه سعيد بن خيثم، عن مسلم الغلابي قال: جاء اعرابي إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذكر أنه شكا الجدب وقلة المطر، وأنشد أبياتا، فاستسقى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فما رد يده إلى نحره حتى أحدق السحاب بالمدينة كالإكليل فمطمروا، ثم انجاب السحاب، فضحك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال: « لله در أبي طالب لو كان حيا لقرت عيناه، من ينشدها؟ » فأنشد ابن الخطاب بيتا، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « هذا من قول حسان » فقام علي بن أبي طالبعليه‌السلام وقال: « كأنك أردت يا رسول الله:

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأرامل »

وذكر أبياتا بعدها، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أجل.، فقام رجل من كنانة فقال:

لك الحمد والحمد ممن شكر، وأنشد أبياتا، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « بوأك الله يا كناني بكل بيت قلته بيتا في الجنة ».

[١٢٢٣٩] ٢ - السيد المرتضى في الغرر والدرر: أخبرنا علي بن محمد الكاتب قال: أخبرنا محمد بن يحيى الصولي قال: لما بايع المأمون لعلي بن موسى الرضا عليهم‌السلام بالعهد، وأمر الناس بلبس الخضرة، صار إليه دعبل بن علي وإبراهيم بن العباس الصولي، وكانا صديقين

__________________

(١) في المصدر: قال: وأخبرنا.

(٢) وفيه: قالا: حدثنا.

٢ - الغرر والدرر ج ٢ ص ١٣٠.

٣٨٨

لا يفترقان، فأنشد دعبل:

مدارس آيات خلت من تلاوة

ومنزل وحي مقفر العرصات

وأنشد إبراهيم بن العباس على مذهبه قصيدة أولها:

أزالت عزاء القلب بعد التجلد

مصارعة أولاد النبي محمد

قال: فوهب لهما عشرين ألف درهم من الدراهم التي عليها اسمه، وكان المأمون أمر بضربها في ذلك الوقت، فأما دعبل فصار بالشطر منها إلى قم، فاشترى أهلها منه كلّ درهم بعشرة دراهم، فباع حصته بمائة ألف درهم، وأما إبراهيم بن العباس فلم يزل عنده بعضها إلى أن مات.

[١٢٢٤٠] ٣ - أبو الفتح الكراجكي في كنز الفوائد: حدثني الشريف محمد بن عبيد الله الحسيني، عن أبيه، عن أبي الحسن أحمد بن محبوب قال: سمعت أبا جعفر الطبري يقول: حدثنا هناد بن السري قال: رأيت أمير المؤمنين عليه‌السلام ( في المنام، فقال لي: يا هناد، قلت: لبيك يا أمير المؤمنين ) (١) قال: « أنشدني قول الكميت:

ويوم الدوح دوح غدير خم

أبان لنا الولاية لو أطيعا
 

ولكن الرجال تبايعوها

فلم أر مثلها أمرا شنيعا »

قال: فأنشدته فقال: « خذ إليك يا هناد. فقلت: هات يا سيدي، فقال:

ولم أر مثل ذاك اليوم يوما

ولم أر مثله حقا أضيعا

__________________

٣ - كنز الفوائد ص ١٥٤.

(١) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

٣٨٩

[١٢٢٤١] ٤ - أبو علي ابن شيخ الطائفة في أماليه: عن أبيه: عن الفحام، عن المنصوري، عن عم أبيه، عن علي بن محمد العسكري عليه‌السلام ، عن آبائه، عن موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، قال: « كنت عند سيدنا الصادق عليه‌السلام ، إذ دخل عليه أشجع السلمي يمدحه، فوجده عليا فجلس وأمسك، فقال له سيدنا الصادق عليه‌السلام : عد عن العلة واذكر ما جئت له، فقال:

ألبسك الله منه عافية

في نومك المعترى وفي أرقك

يخرج من جسمك السقام كما

أخرج ذل السؤال من عنقك

فقال: « يا غلام أيش معك؟ قال: أربعمائة درهم، قال: أعطها للأشجع قال: فأخذها وشكر وولى، فقال: ردوه، فقال، يا سيدي سألت فأعطيت وأغنيت، فلم رددتني؟ قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن آبائه، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: خير العطاء ما أبقى نعمة باقية، وأن الذي أعطيتك لا يبقي لك نعمة باقية، وهذا خاتمي فإن أعطيت به عشرة آلاف درهم، وإلا فعد إلى وقت كذا وكذا أوفك إياها، قال يا سيدي قد أغنيتني » الخبر.

[١٢٢٤٢] ٥ - الكشي في رجاله: عن نصر بن الصباح، عن إسحاق بن محمد البصري، عن علي بن إسماعيل، عن فضيل الرسان قال: دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام ، بعد ما قتل زيد بن علي عليه‌السلام ، فأدخلت بيتا جوف بيت، فقال: « يا فضيل قتل عمي زيد » فقلت: نعم جعلت فداك، قال: « رحمه الله، أما أنه كان مؤمنا، وكان عارفا، وكان عالما، وكان صدوقا، أما أنه لو ظفر

__________________

٤ - أمالي الطوسي ج ١ ص ٢٨٧.

٥ - رجال الكشي ج ٢ ص ٥٦٩ ح ٥٠٥.

٣٩٠

لوفى أما أنه لو ملك لعرف كيف يضعها(١) . قلت يا سيدي ألا أنشدك شعرا؟ قال: « أمهل » ثم أمر بستور فسدلت، وبأبواب ففتحت ثم قال: « انشد » فأنشدته.

لام عمرو. الأبيات.

قال: سمعت نحيبا من وراء الستر، وقال: « من قال هذا الشعر؟ » قلت: السيد ابن محمد الحميري فقال: « رحمه الله » فقلت: إني رأيته يشرب النبيذ، فقال « رحمه الله » قلت: إني رأيته يشرب النبيذ الرستاق، قال: « تعني الخمر » قلت: نعم، قال: « رحمه الله، وما ذلك على الله أن يغفر لمحب علي عليه‌السلام ».

[١٢٢٤٣] ٦ - وفيه: قال: قال نصر بن الصباح: عبد الله بن غالب، الشاعر الذي قال له أبو عبد الله عليه‌السلام : « إن ملكا يلقي عليه الشعر، وإني لأعرف ذلك الملك ».

[١٢٢٤٤] ٧ - مجموعة الشهيد (ره): نقلا من كتاب الأنوار لأبي علي محمد بن همام، قال: حدثني ابن أبي الثلج قال: حدثنا، كذا.

الهاشمي، عن زكريا بن يحيى الطائي، عن أبي حصين، عن جمعة بن كذا. قال: أتى العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا رسول الله اني أريد أن امتدحك، فقال: « قل يا عم لا فض الله فاك » فقال: من قبلها كنت في الظلال وفي الأبيات

__________________

(١) في نسخة: يصنعها.

٦ - رجال الكشي ج ٢ ص ٦٣٠ ح ٦٢٦.

٧ - مجموعة الشهيد.

٣٩١

[١٢٢٤٥] ٨ - البحار: وجدت في بعض تأليفات أصحابنا، انه روى بإسناده عن سهيل بن ذبيان (١) ، قال: دخلت على الإمام علي بن موسى الرضا عليهما‌السلام في بعض الأيام، قبل أن يدخل عليه أحد من الناس، فقال لي: « مرحبا بك يا بن ذبيان، الساعة أراد رسولنا أن يأتيك لتحضر عندنا. فقلت: لماذا يا بن رسول الله؟ فقال عليه‌السلام : لمنام رأيته البارحة وقد أزعجني وأرقني » فقلت: خيرا يكون إن شاء الله تعالى فقال: عليه‌السلام « يا بن ذبيان رأيت كأني قد نصب لي سلم فيه مائة مرقاة فصعدت إلى أعلاه » فقلت: يا مولاي أهنئك بطول العمر، وربما تعيش مائة سنة لكل سنة مرقاة (٢) فقال لي عليه‌السلام : ما شاء الله كان - ثم قال - يا بن ذيبان، فلما صعدت إلى أعلى السلم رأيت كأني دخلت في قبة خضراء يرى ظاهرها من باطنها، ورأيت جدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جالسا فيها، وإلى يمينه وشماله غلامان حسنان يشرق النور من وجوههما، ورأيت امرأة بهية الخلقة، ورأيت بين يديه شخصا بهي الخلقة جالسا عنده، ورأيت رجلا واقفا بين يديه، وهو يقرأ هذه القصيدة:

لام عمرو باللوى مربع، فلما رآني النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال لي، مرحبا بك يا ولدي يا علي بن موسى الرضا، سلم على أبيك علي عليه‌السلام ، فسلمت عليه.

ثم قال لي: سلم على أمك فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، فسلمت عليها، فقال لي: وسلم على أبويك الحسن والحسين عليهما‌السلام ،

__________________

٨ - البحار ج ٤٧ ص ٣٢٨.

(١) في البحار: سهل بن ذبيان.

(٢) في البحار: مرقاة سنة.

٣٩٢

فسلمت عليهما، ثم قال لي: وسلم على شاعرنا ومادحنا في دار الدنيا السيد إسماعيل الحميري، فسلمت عليه وجلست، فالتفت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى السيد إسماعيل، وقال له: عد إلى ما كنا فيه من انشاد القصيدة، فأنشد يقول:

لام عمرو باللوى مربع

طامسة أعلامه بلقع

فبكي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلما بلغ إلى قوله:

ووجهه كالشمس إذ تطلع:

بكى النبي وفاطمة ( صلوات الله عليهما ) ومن معه، ولما بلغ إلى قوله:

قالوا له لو شئت أعلمتنا

إلى من الغاية والمفزع

رفع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يديه وقال: إلهي أنت الشاهد علي وعليهم، اني أعلمتهم أن الغاية والمفزع علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وأشار بيده إليه، وهو جالس بين يديه ( صلوات الله عليه )، قال علي بن موسى الرضا عليهما‌السلام : فلما فرغ السيد إسماعيل الحميري من انشاد القصيدة، التفت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلي وقال: يا علي بن موسى، احفظ هذه القصيدة، ومر شيعتنا بحفظها، وأعلمهم أن من حفظها وأدمن قراءتها ضمنت له الجنة على الله تعالى، قال الرضا عليه‌السلام : ولم يزل يكررها علي حتى حفظتها منه » الخبر.

[١٢٢٤٦] ٩ - الصدوق في العيون: عن أحمد بن زياد الهمداني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أبي الصلت الهروي قال: سمعت دعبل بن

__________________

٩ - عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ج ٢ ص ٢٦٥ ح ٣٥.

٣٩٣

علي الخزاعي يقول: أنشدت(١) مولاي علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام ، قصيدتي التي أولها:

مدارس آيات خلت من تلاوة

ومنزل وحي مقفر العرصات

فلما انتهيت إلى قولي:

خروج امام لا محالة خارج

يقوم على اسم الله والبركات

يميز فينا كلّ حق وباطل

ويجزي على النعماء والنقمات

بكى الرضا عليه‌السلام بكاء « شديدا »، ثم رفع رأسه إلي فقال لي: « يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين » الخبر.

[١٢٢٤٧] ١٠ - القطب الراوندي في الخرائج: روي أن علي بن الحسين عليهما‌السلام ، حج في السنة التي حج فيها هشام بن عبد الملك وهو خليفة، فاستجهر (١) الناس منه عليه‌السلام وتشوقوا (٢) وقالوا لهشام: من هو؟ قال هشام: لا اعرفه لئلا، يرغب الناس فيه، فقال الفرزدق وكان حاضرا: أنا أعرفه:

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته

إلى آخر القصيدة، فبعثه هشام وحبسه ومحا اسمه من الديوان، فبعث إليه علي بن الحسين عليهما‌السلام بدنانير (٣) فردها، وقال: ما

__________________

(١) في المصدر: لما أنشدت.

١٠ - الخراج والجرائح ص ٧٠.

(١) استهجر: جهرت الشئ: إذا كان في عينك عظيما، وجهرت الرجل كذلك ويقال: رأيت جهر فلان: أي هيئة ( معجم مقابيس اللغة ( جهر ) ج ١ ص ٤٨٧ ).

(٢) ليس في المصدر.

(٣) وفيه: بصلة.

٣٩٤

قلت ذلك إلا ديانة، فبعث بها إليه أيضا وقال: « قد شكر الله لك ذلك » فلما طال الحبس عليه وكان يوعده القتل، فشكا ذلك إلى علي بن الحسينعليهما‌السلام ، فدعا له فخلصه الله، فجاء إليه وقال: يا بن رسول الله، انه محا اسمي من الديوان، فقال: « كم كان عطاؤك؟ » قال: كذا، فأعطاه لأربعين سنة وقالعليه‌السلام : « لو علمت أنك تحتاج إلى أكثر من هذا لأعطيتك » فمات الفرزدق بعد أن مضى أربعون سنة.

ورواه الكشي (٤) في رجاله: عن محمد بن مسعود، عن محمد بن جعفر، عن محمد بن أحمد بن مجاهد، عن العلاء بن محمد بن زكريا، عن عبيد الله بن محمد بن عائشة، عن أبيه، قال: إن هشام بن عبد الملك حج في خلافة عبد الملك والوليد، فطاف بالبيت فأراد أن يستلم الحجر فلم يقدر عليه من الزحام، فنصب له منبر فجلس عليه وأطاف به أهل الشام، فبينا هو كذلك إذ اقبل علي بن الحسين عليهما‌السلام ، وعليه إزار ورداء من أحسن الناس وجها وأطيبهم رائحة، بين عينيه سجادة كأنها ركب (٥) عنز، فجعل يطوف بالبيت فإذا بلغ موضع الحجر تنحى الناس عنه حتى يستلمه، هيبة له واجلالا، فغاظ ذلك هشاما، فقال له رجل من أهل الشام: يا هشام من هذا الذي هابه الناس هذه الهيبة، وأفرجوا له عن الحجر؟ فقال هشام: لا اعرفه، لئلا يرغب فيه أهل الشام، فقال الفرزدق وكان حاضرا: لكني اعرفه، فقال الشامي: من هذا يا أبا فراس؟ فقال: هذا الذي الخ

__________________

(٤) رجال الكشي ج ١ ص ٣٤٣ ح ٢٠٧.

(٥) في المصدر: ركبة.

٣٩٥

قال: فغضب هشام وأمر بحبس الفرزدق، فحبس بعسفان بين مكة والمدينة، فبلغ ذلك علي بن الحسين عليهما‌السلام ، فبعث إليه باثني عشر ألف درهم وقال: « اعذرنا يا أبا فراس، فلو كان عندنا أكثر من هذا لوصلناك به » فردها وقال: يا بن رسول الله ما قلت الذي قلت، الا غضبا لله ولرسوله، وما كنت لأرزأ عليه شيئا، فردها عليه، وقال عليه‌السلام : « بحقي عليك لما قبلتها، فقد رأى الله مكانك وعلم نيتك » فقبلها الخبر.

[١٢٢٤٨] ١١ - كتاب عبد الملك بن حكيم: عن الكميت بن زيد قال: لما أنشدت أبا جعفر عليه‌السلام مدائحهم، قال لي: « يا كميت طلبت بمدحك إيانا لثواب دنيا أو لثواب آخرة؟ » قال قلت: لا والله ما طلبت إلا ثواب الآخرة. قال: « أما لو قلت ثواب الدنيا قاسمتك مالي، حتى النعل والبغل » إلى أن قال: قلت: جعلت فداك، فما تأمرني في الشعر فيكم؟ قال: « أقول (١) لك ما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لحسان بن ثابت: لن يزال (٢) معك روح القدس، ما دمت تمدحنا أهل البيت ».

[١٢٢٤٩] ١٢ - دعائم الاسلام: عن أبي جعفر عليه‌السلام ، أن الكميت دخل عليه فأنشده أشعارا قالها فيه، فقال له أبو جعفر: « رحمك الله يا كميت، لو كان عندنا مال حاضر لأعطيناك رضاك » فقال كميت: جعلت فداك والله ما امتدحتكم وأنا أريد على ذلك

__________________

١١ - كتاب عبد الملك بن حكيم ص ١٠٠.

(١) ليس في المصدر.

(٢) في المخطوط: يزل، وما أثبتناه من المصدر.

١٢ - دعام الاسلام ج ٢ ص ٣٢٣ ح ١٢٢٠.

٣٩٦

عاجل دنيا، ولكني أردت الله ورسوله، قالعليه‌السلام : « فإن لك بامتداحنا ما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لعبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت، قال لهما: لن تزالا تؤيدان بروح القدس، ما ذببتما(١) عنا بألسنتكما ».

[١٢٢٥٠] ١٣ - الشيخ المفيد في الإختصاص: عن الحسين بن أحمد بن سلمة اللؤلؤي، عن محمد بن المثنى، عن أبيه، عن عثمان بن يزيد، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال: دخلت عليه فشكوت إليه الحاجة، فقال: « يا جابر ما عندنا درهم » قال: فلم ألبث أن دخل عليه الكميت، فقال له: جعلت فداك، أرأيت أن تأذن لي في أن أنشدك قصيدة؟ فقال: « انشدها » فأنشد قصيدة فقال: « يا غلام اخرج من ذلك البيت بدرة فادفعها إلى الكميت » ( فأخرج الغلام بدرة فدفعها إليه ) (١) ، فقال له: جعلت فداك، أرأيت أن تأذن لي أن أنشدك أخرى؟ فقال: « انشد » فأنشده قصيدة أخرى، فقال: « يا غلام اخرج من ذلك البيت بدرة فادفعها إلى الكميت فأخرج الغلام بدرة فدفعها إليه، فقال له، جعلت فداك، أرأيت أن تأذن لي أن أنشدك ثالثة؟ فقال له: « انشد » فأنشده فقال: « يا غلام اخرج من ذلك البيت بدرة فادفعها إليه » فقال له الكميت: والله ما امتدحتكم ( لعرض الدنيا ) (٢) أطلبه منكم، وما أردت بذلك إلا صلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وما أوجبه الله لكم علي من الحق قال: فدعا له أبو جعفر عليه‌السلام ، ثم قال: « يا غلام ردها إلى

__________________

(١) في المخطوط: ذبيتما، وما أثبتناه من المصدر.

١٣ - الاختصاص ص ٢٧١.

(١) ليس في المصدر.

(٢) في المصدر: لغرض دنيا.

٣٩٧

مكانها » الخبر.

٨٥ -( باب أنه لا يجوز أن يخاطب أحد بإمرة المؤمنين إلا علي بن أبي طالبعليه‌السلام )

[١٢٢٥١] ١ - أبو علي ابن الشيخ الطوسي في أماليه: عن أبيه، عن الفحام، عن المنصوري، عن عم أبيه، عن أبي الحسن، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليهم‌السلام قال: « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لما أسري بي إلى السماء، كنت من ربي كقاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلي ربي ما أوحى، ثم قال: يا محمد اقرأ على (١) علي بن أبي طالب عليه‌السلام : أمير المؤمنين، فما سميت به أحدا قبله ولا أسمي به (٢) أحدا بعده ».

[١٢٢٥٢] ٢ - الصدوق في العلل: عن علي بن أحمد الدقاق ومحمد بن محمد بن عصام الكليني، عن الكليني، عن القاسم بن العلاء، عن إسماعيل الفزاري (١) ، عن محمد بن جمهور، عن ابن أبي نجران، عمن ذكره، عن أبي حمزة الثمالي قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي الباقر عليهما‌السلام : يا بن رسول الله، لم سمي علي أمير المؤمنين؟ وهو اسم ما سمي به أحمد قبله، ولا يحل لاحد بعده الخبر.

__________________

الباب ٨٥

١ - أمالي الطوسي ج ١ ص ٣٠١.

(١) ليس في المصدر.

(٢) وفيه: بهذا.

٢ - علل الشرائع ص ١٦٠ ح ١.

(١) في المخطوط: الفرازي، وما أثبتناه من المصدر وهو الصواب. راجع تنقيح المقال ج ٣ ص ٥٥.

٣٩٨

[١٢٢٥٣] ٣ - ابن شهرآشوب في المناقب: قال رجل للصادق عليه‌السلام : يا أمير المؤمنين، فقال: « مه إنه لا يرضى بهذه التسمية أحد، إلا ابتلاه الله (١) ببلاء أبي جهل ».

[١٢٢٥٤] ٤ - الشيخ المفيد في الإختصاص: عن علي بن الحسن، عن محمد ابن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن علي بن السندي، عن محمد بن عمرو، عن أبي الصباح مولى (١) آل سام، قال: كنا عند أبي عبد الله عليه‌السلام ، إذ دخل علينا رجل من أهل السواد، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته (٢) ، ثم اجتذبه وأجلسه إلى جنبه، فقلت: لأبي المغرا أو قال لي أبو المغرا: ان هذا الاسم ما كنت أرى أن أحدا يسلم به إلا ( على ) (٣) أمير المؤمنين علي ( صلوات الله عليه )، فقال لي أبو عبد الله: « يا أبا صباح انه لا يجد عبد حقيقة الايمان، حتى يعلم أن لآخرنا ما لأولنا ».

في البحار (٤) : هذا الخبر نادر، لا يصلح لمعارضة الأخبار الكثيرة الدالة على المنع من إطلاق أمير المؤمنين على غير علي عليه‌السلام ،

__________________

٣ - المناقب لابن شهرآشوب ج ٣ ص ٥٥.

(١) في المصدر: أبتلي.

٤ - الاختصاص ص ٢٦٧.

(١) في المخطوط. ابن مولى. وما أثبتناه من الصواب. راجع معجم رجال الحديث ج ٢١ ص ١٩٢.

(٢) في المصدر زيادة: قال له أبو عبد الله عليه‌السلام : السلام عليك ورحمة الله بركاته.

(٣) أثبتناه من المصدر.

(٤) البحار ج ٣٧ ص ٣٣٢ ح ٧١.

٣٩٩

ويمكن حمله على أنه إنما رد(٥) السائل لتوهمه أن معنى هذا الاسم غير حاصل فيهمعليهم‌السلام ، ولا شك أن المعنى حاصل فيهم، وإنما الممنوع إطلاق الاسم لمصلحة، على أنه يحتمل أن يكون المنع أيضا على سبيل المصلحة، لئلا يجترئ غيرهمعليهم‌السلام في ذلك.

وقال ابن شهرآشوب في المناقب: ولم يجوز أصحابنا أن يطلق هذا اللفظ لغيره من الأئمة عليهم‌السلام (٦) .

[١٢٢٥٥] ٥ - أحمد بن محمد السياري في التنزيل والتحريف: عن محمد بن إسماعيل، عن بعض أصحابنا قال: دخل رجل على أبي عبد الله عليه‌السلام ، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقام أبو عبد الله عليه‌السلام قائما، وقال: « مه إن هذا الاسم لا يصلح لاحد إلا لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، ولم يسم به أحد فرضي به إلا كان مأبونا (١) ، وإن لم يكن فيه أبلي به، وهو قول الله عز وجل: ( ان يدعون من دونه إلا إناثا وان يدعون إلا شيطانا مريدا ) (٢) ».

[١٢٢٥٦] ٦ - الحسن بن سليمان الحلي في كتاب المحتضر: عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال: « لما أسري بي إلى السماء، ثم من سماء إلى سماء، ثم إلى سدرة المنتهى، وقفت (١) بين ربي عز وجل، فقال

__________________

(٥) في المخطوط. أراد.، وما أثبتناه من البحار.

(٦) المناقب ج ٣ ص ٥٥.

٥ - التنزيل والتحريف ص ١٩.

(١) في المصدر: مأثوما.

(٢) النساء ٤: ١١٧.

٦ - المحتضر ص ١٤٧.

(١) في المصدر: أوقفت.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

الاستناد إلى الأكثرية ، فلا ننس أنّ هذا ـ كما قلنا ـ نوع من الاضطرار والوصول إلى طريق مسدود ، إذ لا يمكن العثور في مجتمع مادي على وسيلة صحيحة وسليمة لاتخاذ القرارات ولسن القوانين.

لذلك نجد الكثير من العلماء مضطرين إلى القبول بفكرة الأكثرية ، على الرغم من اعترافهم بأنّ هذه القاعدة كثيرا ما يصاحبها الخطأ ، وذلك لأنّ عيوب الوسائل الأخرى أكثر.

بيد أنّ مجتمعا مؤمنا برسالة الأنبياء لا يجد نفسه مضطرا لاتباع نظر الأكثرية في سن القوانين ، لأنّ مناهج الأنبياء الصادقة وقوانينهم الإلهية خالية من كل عيب ونقص ، ولا يمكن مقارنتها بما تستصوبه الأكثرية المعرضة للخطأ.

لو ألقينا نظرة على وضع العالم اليوم وعلى الحكومات القائمة على أساس رأي الأكثرية ، وعلى القوانين السقيمة التي تمليها الأهواء ثمّ تقرها الأكثرية ، لرأينا أنّ الأكثرية العددية لم تداو جرحا ، بل إنّ معظم الحروب وأكثر المفاسد أقرّتها الأكثرية.

الاستعمار ، والاستغلال ، والحروب ، وإراقة الدماء ، وحرية تعاطي المسكرات ، والقمار ، والإجهاض ، والبغاء ، وغير ذلك ممّا يندي له الجبين خجلا ، قد أقرّتها الأكثرية في المجالس النيابية في كثير من البلدان التي تصف نفسها بأنّها متقدمة باعتبارها تعكس رغبة أكثرية عامّة الناس ، وهذا دليل على حقيقة ما نقول.

ومن الناحية العلمية نتساءل هل أنّ أكثرية المجتمعات صادقة؟ هل الأكثرية أمينة؟ أتراها تمنع نفسها من الاعتداء على حقوق الآخرين ، إذا استطاعت؟ هل تنظر الأكثرية إلى منافعها ومنافع الآخرين بنظرة واحدة؟

الإجابات ناطقة بلسان الحال لا المقال ، لذلك لا بدّ من الاعتراف بأنّ استناد العالم المعاصر إلى الأكثرية نوع من الإكراه تفرضه الأوضاع القائمة ، وانّه شر

٤٤١

مفروض على المجتمعات.

نعم ، لو أنّ العقول المفكرة ، مصلحي المجتمعات البشرية المخلصين ، والعلماء الهادين ـ وهم أقلية دائما ـ شنوا حملة شاملة لتنوير أفكار عامّة الناس بحيث تنال المجتمعات قسطا من الوعي والرشد الفكري والاجتماعي ، لاقتربت وجهات نظر أكثرية كهذه إلى الحقيقة اقترابا كبيرا ، غير أنّ أكثرية غير راشدة وغير واعية ، بل فاسدة ومنحرفة وضالة ، لا تستطيع أن تقيل عثرة نفسها أو غيرها! لذلك فالأكثرية وحدها لا تكفي ، وإنّها الأكثرية المهتدية هي القادرة على حل مشاكل المجتمع إلى الحد الذي يستطيعه بشر.

وإذا كان القرآن في كثير من المواضع يذم الأكثرية ، فالمقصود هو الأكثرية غير الرشيدة دون شك.

* * *

٤٤٢

الآيات

( فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ (١١٨) وَما لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (١١٩) وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ (١٢٠) )

التّفسير

لا بدّ من إزالة آثار الشرك :

هذه الآيات في الحقيقة واحدة من نتائج البحوث التي سبقت في التوحيد والشرك ، لذلك تبدأ الآية الأولى بفاء التفريع التي يؤتى بعدها بالنتيجة.

الآيات السابقة تناولت بأساليب متنوعة حقيقة التوحيد وإثبات بطلان الشرك وعبادة الأصنام.

ومن نتائج ذلك أنّ على المسلمين أن يمتنعوا عن أكل لحوم القرابين التي تذبح باسم الأصنام ، بل عليهم أن يأكلوا من لحم ما ذكر اسم الله عليه ، حيث كان

٤٤٣

من عادة العرب أن يذبحوا القرابين لأصنامهم ، ويأكلوا من لحومها للتبرك بها ، وكان هذا جزءا من عبادتهم الأصنام ، لذلك يبدأ القرآن بالقول :( فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ ) .

أي أنّ الإيمان ليس مجرّد قول وادعاء وعقيدة ونظرية ، بل لا بدّ أن يظهر على صعيد العمل أيضا ، فالذي يؤمن بالله يأكل من هذه اللحوم فقط.

بديهي أنّ الفعل «كلوا» لا يعني الوجوب ، بل يعني إباحة أكلها وحرمة أكل ما عداها.

ومن هذا يتبيّن أنّ حرمة الذبائح التي لم يذكر اسم الله عليها ، ليست من وجهة النظر الصحيحة حتى يقال : ما الفائدة الصّحيحة من ذكر اسم الله على الذبيحة بل لها خلفية أخلاقية ومعنوية وتستهدف تثبيت قواعد التوحيد وعبودية الله الواحد الأحد.

الآية التّالية تورد هذا الموضوع نفسه بعبارة مغايرة مع مزيد من الاستدلال ، فتقول : لم لا تأكلون من اللحوم التي ذكر اسم الله عليها ، في الوقت الذي بيّن الله لكم ما حرم عليكم؟( وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ ) .

مرّة أخرى نشير إلى أنّ التوبيخ والتوكيد ليسا من أجل ترك أكل اللحم الحلال ، بل الهدف هو أنّ هذه هي التي ينبغي أن تأكلوا منها ، لا من غيرها ، وبعبارة أخرى : التوكيد يكون هنا على النقطة المقابلة لمفهوم العبارة ، من هنا استدل على ذلك بالقول :( قَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ ) .

أمّا موضع هذا التفصيل فقد يتصوّر البعض أنّه في سورة المائدة ، أو في آيات من هذه السورة (الأنعام ، ١٤٥).

ولما كانت هذه السورة قد نزلت في مكّة ، وسورة المائدة نزلت بالمدينة ، والآيات التّالية من هذه السورة لم تكن قد نزلت بعد فإنّ أيّا من هذين

٤٤٤

الاحتمالين غير صحيح ، فالموضوع إمّا أن يكون الآية (١١٥) من سورة النحل التي تذكر بعض اللحوم المحرم أكلها ، وخاصّة التي لم يذكر عليها اسم الله ، أو أن يكون المراد التعاليم التي كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بينها بشأن اللحوم ، لأنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن يتحدث إلّا بوحي.

ثمّ يستثني من ذلك حالة واحدة :( إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ) سواء كان هذا الاضطرار ناشئا من وجود الإنسان في البيداء وتحت ضغط الجوع الشديد ، أو الوقوع تحت سيطرة المشركين الذين قد يجبرونه على أكل لحومهم.

ثمّ تشير الآية إلى أنّ كثيرا من الناس يحاولون أن يضلوا الآخرين عن جهل أو عن إتباع الهوى :( وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) .

وعلى الرغم من أنّ إتباع الهوى مصحوب دائما بالجهل ، ولكنّه يكرر ذلك للتوكيد فيقول :( ... بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) .

يستفاد من هذا التعبير أيضا أنّ العلم الصحيح لا يقترن باتّباع الهوى والانسياق مع الخيال ، وحيثما اقترن فهو الجهل لا العلم.

يلزم القول أنّ الجملة المذكورة ربّما تكون إشارة إلى ما كان سائدا بين المشركين العرب الذين كانوا يسوغون لأنفسهم أكل لحوم الحيوانات الميتة بالقول : أيجوز أن تعتبر لحوم الحيوانات التي نقتلها بأنفسنا حلالا ، ولحوم الحيوانات التي يقتلها الله حراما؟

بديهي أنّ هذا لم يكن سوى سفسطة فارغة ، لأنّ الحيوان الميت ليس حيوانا ذبحه الله ليمكن مقارنته بالحيوانات المذبوحة ، إذ إنّ الحيوان الميت بؤرة الأمراض ، ولحمه فاسد ، ولهذا حرم الله أكله ، وأخيرا يقول :( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ ) الذين يحاولون بهذه الأدلة الواهية تنكّب طريق الحق ، بل يسعون إلى إضلال الآخرين.

الآية الثّالثة تذكر قانونا عاما ، لاحتمال أن يرتكب بعضهم هذا الإثم في

٤٤٥

الخفاء ، وتقول :( وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ ) .

يقال إنّهم في الجاهلية كانوا يعتقدون أن الزنا إذا ارتكب في الخفاء فلا بأس به ، أما إذ ارتكب علنا فهو الإثم! واليوم ـ أيضا ـ نجد أناسا يسيرون وفق هذا المنطق الجاهلي فيخشون ارتكاب الإثم علانية ، ولكنّهم يرتكبون في الخفاء ما يشاءون من الآثام دون رادع من ضمير.

إنّ هذه الآية لا تدين هذا المنطق فحسب ، بل تحمل مفاهيم واسعة ، فهي بالإضافة إلى ما قلناه آنفا تتضمن الكثير من التفاسير التي وردت للإثم الظاهر والباطن ، من ذلك مثلا ـ قولهم : انّ الإثم الظاهر هو ما يرتكب بوساطة أعضاء الجسم ، والإثم الباطن هو ما يرتكب في القلب وفي النيّة والعزم.

ثمّ من باب تهديد المذنبين بما ينتظرهم من مصير مشؤوم وتذكيرهم بذلك ، تقولالآية :( إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ ) .

عبارة( يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ ) تعبير رائع يشير إلى أن الإنسان في هذه الدنيا أشبه بأصحاب رؤوس الأموال الذين يدخلون سوقا كبيرة ، أنّ رؤوس أموالهم الذكاء والعقل والعمر والشباب والطاقات المختلفة التي هي مواهب الله ، فالمسكين ذاك الذي «يكتسب» الإثم بدل أن يكتسب السعادة والشخصية الإنسانية والتقوى والقرب إلى الله.

و «سيجزون» أي ينالون الجزاء في المستقبل القريب قد يشير إلى يوم القيامة ، وأنّه وإن بدا في نظر بعضهم بعيدا ، فهو في الحقيقة قريب جدا ، وإن هذا العالم سرعان ما تنطوي أيّامه ويحين المعاد.

وقد يكون إشارة إلى أنّ أغلب أفراد البشر ينالون في هذه الدنيا بعض ما يستحقونه من نتائج أعمالهم السيئة بشكل ردود فعل فردية واجتماعية.

* * *

٤٤٦

الآية

( وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (١٢١) )

التّفسير

دار الكلام في الآيات السابقة حول الجانب الإيجابي من مسألة اللحوم ، أي أكل اللحوم الحلال ، وفي هذه الآية تأكيد للجانب السلبي من المسألة :( وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ ) ثمّ في جملة واحدة يدين هذا العمل :( وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ) وإثم وخروج عن طريق العبودية وإطاعة الله.

ولكيلا يقع بعض البسطاء من المسلمين تحت تأثير وسوسة الشيطان ، تخاطبهم الآية : إنّ الشياطين يوسوسون في الخفاء لأتباعهم لكي يدخلوا معكم في جدل ونقاش :( وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ ) ولكن كونوا على حذر ، ولا تطيعوهم :( وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ) .

لعل هذا الجدل والوسوسة إشارة إلى ما كان سائدا بين المشركين بشأن أكل الميتة (وذهب البعض إلى أنّ العرب المشركين أخذوه من المجوس) وقولهم : إنّنا نأكل الميتة لأنّ الله أماتها ، وهي لذلك أفضل ممّا نقتله بأيدينا ، معتقدين أن عدم

٤٤٧

أكل الميتة نوع من الجفاء لعمل الله! غافلين أنّ الحيوان الميت موتا طبيعا ، إضافة إلى مرضه غالبا ، يضم بين لحمه دما قذرا فاسدا يفسد معه اللحم ، بسبب عدم انقطاع أوداجه ، ولذلك أمر الله أن تؤكل ـ فقط ـ لحوم الحيوانات المذبوحة بطريقة خاصّة ، والمراق دمها خارج بدنها.

ويستفاد من هذه الآية ـ ضمنيا ـ حرمة الذبيحة غير الإسلامية ، لأنّها إضافة إلى الجهات الأخرى ـ لم يتقيد ذابحها بذكر اسم الله عليها.

* * *

٤٤٨

الآيتان

( أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٢) وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها وَما يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ (١٢٣) )

سبب النّزول

قيل في نزول الآية الأولى إنّ أبا جهل الذي كان من ألد أعداء الإسلام والرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آذى يوما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إيذاء شديدا ، وكان «حمزة» عم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ذاك الرجل الشجاع ـ لم يسلم بعد ، بل كان ما يزال يقلب الأمر في ذهنه ، وقد خرج في ذلك اليوم كعادته للصيد في الصحراء ، وعند عودته سمع بما جرى بين أبي جهل وابن أخيه ، غضب غضبا شديدا وذهب إلى أبي جهل وصفعه صفعة أسالت الدم من أنفه ، وعلى الرغم من مكانة أبي جهل ونفوذه في عشيرته ، فإنّ لم يرد عليه لما يعرفه عن شجاعة حمزة.

وعاد حمزة إلى الرّسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأعلن إسلامه ، ومنذ ذلك اليوم أصبح

٤٤٩

جنديا من جنود الإسلام ، ودافع عنه حتى استشهد بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

هذه الآية نزلت بشأن هذه الحادثة وبيّنت إسلام حمزة ، وإصرار أبي جهل على الكفر والفساد.

وتفيد بعض الرّوايات الأخرى أنّ الآية نزلت بشأن إسلام عمار بن ياسر وإصرار أبي جهل على الكفر.

ومهما يكن ، فإنّ هذه الآية ـ مثل الآيات الأخرى ـ لا تختص بواقعة نزولها ، بل هي ذات مفهوم واسع يصدق على كل مؤمن صادق وكل معاند لجوج.

التّفسير

الإيمان والرّؤية الواضحة :

ترتبط هذه الآية بالآيات السابقة من حيث كون الآيات السابقة أشارت إلى طائفتين من الناس : المؤمنين المخلصين ، والكافرين المعاندين الذين لا يكتفون بضلالهم ، بل يسعون حثيثا إلى تضليل الآخرين ، هنا أيضا يتجسد وضع هاتين الطائفتين من خلال ضرب مثل واضح.

يشير المثال إلى طائفة من الناس كانوا من الضّالين ، ثمّ غيروا مسيرتهم باعتناق الإسلام فهؤلاء أشبه بالميت الذي يحييه الله بإرادته :( أَوَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ ) .

كثيرا ما يستعمل القرآن «الموت» و «الحياة» بالمدلول المعنوي لهما لتمثيل الكفر والإيمان ، وهذا يدل على أنّ الإيمان ليس مجرّد معتقدات جافة وأوراد وطقوس ، بل هو بمثابة الروح التي تحل في النفوس الميتة غير المؤمنة ، فتؤثر عليها في جميع شؤونها ، وتمنح العيون الرؤية ، والآذان قدرة السمع ، واللسان قوة البيان ، والأطراف العزم على أداء النشاطات البناءة الإيمان يغير الأفراد ، ويشمل هذا التغيير كل جوانب الحياة ، وتبدو آثاره في كل الحركات والسكنات.

٤٥٠

وتفيد جملة( فَأَحْيَيْناهُ ) أنّ الإيمان ـ وإن استلزم سعي الإنسان لنيله ـ لا يتم إلّا بهداية من الله! ثمّ تقول الآية عن أمثال هؤلاء :( وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ ) .

على الرغم من وجود الاختلاف في تفسير هذا «النّور» فالظاهر أنّ المقصود ليس القرآن وتعاليم الشرع فحسب ، بل أكثر من ذلك ، حيث يمنح الإيمان بالله الإنسان رؤية وإدراكا جديدين يمنحه رؤية واضحة ويوسع من آفاق نظرته لتتجاوز إطار حياته المادية وجدران عالم المادة الضيق إلى عالم أرحب وأوسع.

ولما كان الإيمان يدعو الإنسان إلى أن يبني نفسه ، فانه يزيح عن عينيه أغشية الأنانية والتعصب والمعاندة والأهواء ، ويريه حقائق ما كان قادرا على إدراكها من قبل.

إنّه في ضوء هذه النّور يستطيع أن يميز مسيرة حياته بين الناس ، وأنّ يصون نفسه ويحافظ عليها ويحصنها ضد ما يقع فيه الآخرون من أخطار الطمع والجشع والأفكار المادية المحدودة ، والوقوف بوجه أهوائه وكبح جماحها.

إنّ ما نقرأه في الأحاديث الإسلامية من أنّ «المؤمن ينظر بنور الله» إشارة إلى هذه الحقيقة ، إنّ مجرّد الوصف غير قادر على تبيان خصائص هذه الرؤية الإيمانية التي يمنحها الله للإنسان ، بل ينبغي أن يذوق الإنسان طعمها لكي يدرك بنفسه مغزى هذا القول ويحس به.

ثمّ تقارن الآية بين هذا الإنسان الحي ، الفعال ، النير ، والمؤثر ، بالإنسان العديم الإيمان والمعاند ، فتقول :( كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها ) .

نلاحظ أنّ الآية لا تقول : «كمن في الظّلمات» بل تقول :( كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ ) يقول بعضهم : إنّ الهدف من هذا التعبير هو إثبات أنّ هؤلاء الأفراد غارقون في الظّلمات والتعاسة إلى الحد الذي جعلهم مثلا يعرفه المدركون.

٤٥١

وقد يكون ذلك إشارة إلى معنى أدق هو : أنّه لم يبق من وجود هؤلاء الأفراد سوى شبح ، أو قالب ، أو مثال أو تمثال ، لهم هياكل خالية من الروح وأدمغة معطلة عن العمل.

لا بدّ من القول ـ أيضا ـ إنّ «النّور» الذي يهدي المؤمنين جاء بصيغة المفرد ، بينما «الظّلمات» التي يعيش فيها الكافرون جاءت بصيغة الجمع ، وذلك لأنّ الإيمان ليس سوى حقيقة واحدة ، وهو يرمز إلى الوحدة والتوحيد ، بينما الكفر وعدم الإيمان مدعاة للتشتت والتفرقة.

وفي الختام تشير الآية إلى سبب مصير هؤلاء المشؤوم فتقول :( كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ) .

سبق أن قلنا : إنّ من خصائص تكرار العمل القبيح أنّ قبحه يتضاءل في عين الفاعل حتى يبدو له أخيرا وكأنّه عمل جميل ، ويتحول إلى مثل القيد يشد أطرافه ، ويمنعه من الخروج من هذا الفخ ، إنّ مطالعة بسيطة لحال المجرمين تكشف لنا هذه الحقيقة بجلاء.

ولمّا كان بطل هذه المشاهد في جانبها السلبي هو «أبو جهل» الذي كان من كبار مشركي قريش ومكّة ، فالآية الثّانية تشير إلى حال هؤلاء الزعماء الضالين وقادة الكفر والفساد ، فتقول :( وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها ) .

كررنا القول من قبل : أنّ سبب نسبة أمثال هذه الأفعال إلى الله ، لكونه تعالى هو علّة العلل ومسبب الأسباب ومصدر كل القدرات ، والإنسان يستخدم ما وهبه الله من إمكانات طالحا كان هذا الفعل أم صالحا.

جملة «ليمكروا» تشير إلى عاقبة أعمالهم ، ولا تعني الهدف من خلقهم(١) أي أنّه عاقبة عصيانهم وكثرة ذنوبهم أدت بهم إلى أن يصبحوا سدا على طريق الحق ،

__________________

(١) «اللام» هنا هي لام «العاقبة» وليست اللام الغائية ، وقد وردت في القرآن كثيرا.

٤٥٢

وعاملا على جر الناس نحو الانحراف والابتعاد عن طريق الحق ، فالمكر في الأصل هو اللف والدوران ، ثمّ أطلق على كل عمل منحرف مقرون بالإخفاء.

وفي الختام تقول الآية :( وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ ) .

وأي مكر وخديعة أعظم من أن يقوم هؤلاء باستخدام كل رؤوس أموال وجودهم ، بما في ذلك فكرهم وذكاؤهم وابتكاراتهم وأعمارهم ووقتهم وأموالهم ، في صفقة لا تعود عليهم بأي ربح ، بل تثقل ظهورهم بأحمال الذنوب والآثام الثقيلة ، ظانين أنّهم قد أحرزوا الربح والإنتصار!

كما يستفاد من هذه الآية أنّ النكبات والتعاسة التي تصيب المجتمع إنّما تنشأ من كباره وقادته ، إذ إنّهم هم الذين يتوسلون بالمكر والحيلة لتغيير معالم الطريق إلى الله ، ويخفون وجه الحق عن الناس.

* * *

٤٥٣

الآية

( وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللهِ وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ (١٢٤) )

سبب النّزول

يقول العلّامة الطّبرسي في «مجمع البيان» : نزلت هذه الآية بشأن «الوليد بن المغيرة» (الذي كان من زعماء عبدة الأصنام دماغهم المفكر) كان هذا يقول لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا كانت النّبوة حقّا ، فأنا أولى منك بها لكبر سني ولكثرة مالي.

وقيل : إنّها نزلت بشأن «أبي جهل» لأنّه كان يقول : مقام النّبوة يجب أن يكون موضع تنافس ، فنحن وبنو عبد مناف (قبيلة رسول الله) كنّا نتنافس على كل شيء ، ونجري كفرسي رهان كتفا لكتف ، حتى قالوا : إنّ نبيا قام فيهم ، وأنّه ينزل عليه الوحي فنحن لا نؤمن به إلّا إذا نزل علينا الوحي كما ينزل عليه.

التّفسير

الله أعلم حيث يجعل رسالته :

تشير هذه الآية بإيجاز إلى طريقة تفكير هؤلاء الأكابر( أَكابِرَ مُجْرِمِيها ) وإلى

٤٥٤

مزاعمهم المضحكة الباطلة ، فتقول :( وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ ) كأنّ الوصول إلى مقام النبوة وهداية الناس يعتمد على سن الشخص وماله ، أو هو ميدان للمنافسة الصبيانية بين القبائل! وكأنّ على الله أن يراعي هذه الأمور المضحكة الباطلة التي لا تدل إلّا على منتهى الانحطاط الفكري وعدم إدراك معنى النبوة وقيادة الخليقة!

إنّ القرآن يرد على هؤلاء بوضوح قائلا :( اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ ) .

بديهي أنّ الرسالة لا علاقة لها بالسن ولا بالمال ولا بمراكز القبائل ، لأنّ شرطها الأوّل هو الاستعداد الروحي ، وطهارة الضمير ، والسجايا الإنسانية الأصيلة ، والفكر السامي ، والرأي السديد ثمّ التقوى إلى درجة العصمة إنّ هذه الصفات ، وخصوصا الاستعداد لمقام العصمة لا يعلم بها غير الله ، فما أبعد الفرق بين هذه الشروط وما كان يدور بخلد أولئك.

كما إنّ من يخلف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا بدّ أن تكون له جميع تلك الصفات عدا الوحي والتشريع ، أي أنّه حامي الشرع والشريعة ، والحارس على قوانين الإسلام ، والقائد المادي والمعنوي للناس ، لذلك لا بدّ له أن يكون معصوما عن الخطأ والإثم ، لكي يكون قادرا على أن يوصل الرسالة إلى أهدافها ، وأن يكون قائدا مطاعا وقدوة يعتمد عليها.

وبناء على ذلك ، يكون إختياره من الله أيضا ، فهو وحده الذي يعلم أن يضع هذا المقام ، فلا يمكن أن يترك ذلك للناس ولا للانتخابات والشورى.

وفي النهاية تشير الآية إلى المصير الذي ينتظر أمثال هؤلاء المجرمين والزّعماء الذين يدعون الباطل ، فتقول :( سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللهِ وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ ) (١) .

__________________

(١) «الإجرام» من «جرم» وأصله القطع ، والمجرم هو الذي يقطع العهود وارتباطه بالله بعدم إطاعته ، ولذلك أطلقت كلمة

٤٥٥

كان هؤلاء الأنانيون بمواقفهم العدائية يريدون أن يحافظوا على مراكبهم ، ولكنّ الله سينزلهم إلى أدنى درجات الصغار والحقارة بحيث إنّهم سيتعذبون بذلك عذابا روحيا شديدا ، مضافا إلى أنّهم سيلاقون العذاب الشديد في الآخرة لأنّ سعيهم على طريق الباطل كان شديدا أيضا.

* * *

__________________

«الجرم» على الإثم والذنب ، في هذا إشارة لطيفة إلى أنّ هناك في ذات الإنسان اتفاق مع الحق والطهارة والعدالة ، والإجرام هو قطع هذه الاتفاق الفطري الإلهي.

٤٥٦

الآيات

( فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (١٢٥) وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (١٢٦) لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٧) )

التّفسير

الإمدادات الإلهية :

تعقيبا على الآيات السابقة التي دارت حول المؤمنين الصادقين والكافرين المعاندين تشرح هذه الآية النعم الإلهية الكبيرة التي تنتظر الفريق الأوّل ، والشقاء الذي سيصيب الفريق الثاني ، فتقرر أنّ الله ينعم بالهداية على من يشاء ، وذلك بأن يفتح صدره لتقبل الإسلام ، أمّا الذي لا يريد الله أن يوفقه لذلك ـ لسوء أعماله ـ يضيق صدره بحيث يجعله وكأنّه يريد أن يصعد إلى السماء.( فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ ) .

٤٥٧

ولتوكيد هذه الأمر تضيف الآية :( كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ) . فيسلبهم التوفيق ويركسهم في التعاسة والشقاء.

ملاحظات

هنا يبغي أن نلاحظ النقاط التّالية :

١ ـ ما المقصود من «الهداية» و «الضلالة»؟

سبق لنا أن قلنا مرات عديدة أن المقصود من لفظي «الهداية» و «الضلالة» الإلهيين هو توفير الظروف والمقدمات المؤدية إلى الهداية بالنسبة للذين لهم الاستعداد لذلك ، وسلبها عن الذين لا استعداد لهم لذلك ، بالنظر إلى أعمالهم.

إنّ السالكين طريق الحق والباحثين عن الإيمان المتعطشين إليه ، يضع الله في طريقهم مصابيح مضيئة لكيلا يضيعوا في ظلمات الطريق ، وليصلوا إلى منبع إكسير الحياة ، أمّا الذين أثبتوا تماهلهم تجاه هذه الحقائق فهم محرومون من هذه الإمدادات الإلهية ، وسوف يتعثرون في طريقهم بالكثير من المشاكل ، ولا يوفّقون لهداية.

وبناء على ذلك ، فلا الفريق الأوّل مجبور على السير في هذا الطريق ، ولا الفريق الثاني في أعمالهم ، وفي الواقع أنّ الهداية والضلال يكملان ما أرادوه هم بأنفسهم واختاروه.

٢ ـ المقصود من «الصّدر» هنا هو الروح والفكر ، وهذه الكناية ترد كثيرا ، والمقصود من «الشرح» هو بسط الروح وارتفاع الفكر واتسّاع أفق العقل البشري ، لأنّ تقبّل الحق يستدعي التنازل عن الكثير من المصالح الشخصية ، ممّا لا يقدر عليه إلّا ذوو الأرواح العالية والأفكار السامية.

٣ ـ «الحرج» بمعنى الضيق الشديد ، وهذه هي حال المعاندين وفاقدي الإيمان ، ففكرهم قاصر وروحهم ضيقة صغيرة ، ولا يتنازلون في حياتهم عن شيء.

٤٥٨

٤ ـ معجزة قرآنية علمية :

إنّ تشبيه أمثال هؤلاء بالذي يريد أن يصعد إلى السماء ، جاء لأنّ الصعود إلى السماء صعب جدّا ، فكذلك هو قبول الحق عند هؤلاء.

إنّنا في كلامنا اليومي نتمثل بهذا التشبيه ، فإذا أردنا أن نقول أنّ الوصول إلى الأمر الفلاني صعب نقول : أن تصل إلى السماء أقرب إليك من ذلك.

بالطّبع لم يكن الطيران في السماء للبشر آنذاك أكثر من تصور ، ولكن على الرغم من تحقق ذلك اليوم ، فهو ما يزال صعبا ، وكثيرا ما يصادف رواد الفضاء المشاكل في طيرانهم.

ويخطر في الذهن معنى ألطف من ذلك يكمل البحث السابق ، وهو أنّه ثبت اليوم علميا أنّ الهواء المجاور للأرض مضغوط بشكل يصلح لتنفس الإنسان ، ولكنّنا كلما ارتفعنا قلت كثافة الهواء ونسبة وجود الأوكسجين فيه ، بحيث إنّنا إذا ارتفعنا بضع كيلومترات أصبح من الصعب أن نتنفس بسهولة (بغير قناع الأوكسجين) ، وإذا ما واصلنا صعودنا ازداد ضيق تنفسنا وأصبنا بالإغماء ، إن ذكر هذا التشبيه في ذلك الزمن قبل أن تثبت هذه الحقيقة العملية يعتبر واحدة من معجزات القرآن العلمية.

٥ ـ ما هو شرح الصدر؟

في هذه الآية يعتبر «شرح الصدر» من نعم الله الكبرى و «ضيق الصدر» من عقاب الله ، كما جاء ذكر هذه النعمة في قوله تعالى :( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ) (١) ويتضح هذا أكثر عند دراسة الأشخاص ، فأنت ترى بعضهم على درجة من سعة الصدر بحيث إنّهم قادرون على استيعاب كل حقيقة مهما كبرت ، وعلى العكس منهم نرى صدر بعضهم من الضيق بحيث لا تكاد تنفذ إليها أية حقيقة ، فأفق

__________________

(١) الإنشراح ، ١.

٤٥٩

رؤيتهم الفكرية محدود جدّا ومقتصر على الحياة اليومية ، فلو تهيأ لهم الأكل والنوم فكل شيء على ما يرام ، وإذا اختل ذلك فقد انهارت حياتهم وانتهى كل شيء.

عند ما نزلت الآية المذكورة أعلاه ، سئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن معنى شرح الصدر ، فقال : «نور يقذفه الله في قلب من يشاء فينشرح له صدره وينفسح».

فسألوه : ألذلك علامة يعرف بها؟

قال : «نعم ، الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل نزول الموت»(١) بالإيمان والعمل الصالح السعي في سبيل الله.

الآية التّالية تؤكّد البحث السابق فتقول : إنّ المدد الإلهي الذي يشمل السالكين سبيل الله ويسلب عن الذين يتنكبون عن سبيل الله ، إنّما هو سنة إلهية مستقيمة ثابتة لا تتبدل( وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً ) .

كما يحتمل أن يكون «هذا» إشارة إلى الإسلام أو القرآن ، إذ إنّ الصراط المستقيم هو الطريق المستقيم المستوي.

وفي ختام الآية توكيد آخر :( قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ ) أي لمن يملكون قلوبا واعية وآذانا سامعة.

الآية الثّالثة تشير إلى نعمتين من أكبر النعم التي يهبها الله للذين يطلبون الحق ، إحداهما :( لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) ، والثّانية :( وَهُوَ وَلِيُّهُمْ ) ، أي ناصرهم وحافظهم ، وكل ذلك لما قاموا به من الأعمال الصالحات :( بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ) .

فأي فخر أجل وأرفع من أن يتولى الله أمور الإنسان ويتكفل بها فيكون حافظه ووليه ، وأية نعمة أعظم من أن تكون له دار السلام ، دار الأمن والأمان ، حيث لا حرب ولا سفك دماء ، ولا نزاع ولا خصام ، ولا عنف ولا تنافس قاتل

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ٤ ، ص ٣٦٣.

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611