الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٥

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل9%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 606

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 606 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 254804 / تحميل: 6688
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٥

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

تعالى( وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ ) .

وسواء كان الحديث الشريف يدلّ على ما فسّره المفسّرون وأشرنا إليه آنفا ، أو كما عبرنا عنه بشروط القائد أو المبلغ ، فهو يبيّن هذه الحقيقة ، وهي أنّ هذه الآية القصيرة الوجيزة تتضمّن منهجا جامعا واسعا كليّا في المجالات الأخلاقية والاجتماعية ، بحيث يمكننا أن نجد فيها جميع المناهج الإيجابية البناءة والفضائل الإنسانية. وكما يقول بعض المفسّرين : إنّ إعجاز القرآن بالنسبة إلى الإيجاز في المبنى ، والسعة في المعنى ، يتجلى في الآية محل البحث تماما.

وينبغي الالتفات إلى أنّ الآية وإن كانت تخاطب النّبي نفسه إلّا أنّها تشمل جميع الأمّة والمبلغين والقادة.

كما ينبغي الالتفات إلى أنّ الآيات محل البحث ليس فيها ما يخالف مقام العصمة أيضا ، لأنّ الأنبياء والمعصومين ينبغي أن يستعيذوا بالله من وساوس الشيطان ، كما أنّ أيّ أحد لا يستغني عن لطف الله ورعايته والاستعاذة به من وساوس الشياطين ، حتى المعصومين.

وجاء في بعض الرّوايات أنّه لما نزلت الآية( خُذِ الْعَفْوَ ) سأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جبرئيل عن ذلك فقال جبرئيل : لا أدري ، حتى أسأل العالم ثم أتاه فقال : «يا محمّد ، إنّ الله يأمرك أن تعفو عمن ظلمك ، وتعطي من حرمك ، وتصل من قطعك»(١) .

وجاء في حديث آخر أنّه لما نزلت آية( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ ) قال النّبي : كيف يا ربّ والغضب؟ فنزل قوله( وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٢) .

وينبغي الإشارة إلى أنّ الآية الثّانية هنا جاءت في سورة فصلت الآية (٣٦)

__________________

(١) مجمع البيان ، ذيل الآية محل البحث.

(٢) روى ذلك صاحب المنار قائلا : روي عن جدنا الإمام الصادقرضي‌الله‌عنه في ج ٩ ، ص ٥٣٨.

٣٤١

بتفاوت يسير بين الآيتين ، إذ ورد التعبير مكان قوله تعالى :( إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) .

وفي الآية التّالية بيان للانتصار على وساوس الشيطان بهذا النحو( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ ) . أي يتذكرون ما أنعم الله عليهم ، ويفكرون في سوء عاقبة الذنب وعذاب الآخرة فيتّضح لهم بذلك طريق الحق.

والطّائف : هو الذي يطوف ويدور حول الشيء ، فكأن وساوس الشيطان تدور حول فكر الإنسان وروحه كالطائف حول الشيء ليجد منفذا إليه ، فإذا تذكر الإنسان في مثل هذه الحالة ربّه ، واستعاذ من وساوس الشيطان وعاقبة أمره ، أبعدها عنه. وإلّا أذعن لها وانقاد وراء الشيطان.

وأساسا فإنّ كل إنسان في آية مرحلة من الإيمان ، أو أي عمر كان ، يبتلى بوساوس الشياطين. وربّما أحس أحيانا أن في داخله قوة مهيمنة تدفعه نحو الذنب وتدعوه إليه ، ولا شك أن مثل هذه الحالة من الوساوس في مرحلة الشباب أكثر منها في أية مرحلة أخرى ، ولا سيما إذا كانت البيئة أو المحيط كما هو في العصر الحاضر من التحلّل والحريّة ، لا الحرية بمعناها الحقيقي ، بل بما يذهب إليه الحمقى «من الانسلاخ من كل قيد والتزام أخلاقي أو اجتماعي أو ديني» فتزداد الوساوس الشيطانية عند الشباب.

وطريق النجاة الوحيد من هذا التلوّث والتحلل في مثل هذه الظروف ، هو تقوية رصيد التقوى أولا ، كما أشارت إليه الآية( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا ) ثمّ المراقبة والتوجه نحو النفس ، والالتجاء إلى الله وتذكر ألطافه ونعمه وعقابه الصارم للمذنب وهناك إشارات كثيرة في الرّوايات الإسلاميّة إلى أثر ذكر الله العميق في معالجة الوساوس الشيطانية. حتى أن الكثير من المؤمنين والعلماء وذوي المنزلة

٣٤٢

كانوا يحسون بالخطر عند مواجهة وساوس الشيطان ، وكانوا يحاربونها «بالمراقبة» المذكورة في كتب علم الأخلاق بالتفصيل.

والوساوس الشيطانية مثلها مثل الجراثيم الضارة التي تبحث عن البنية الضعيفة لتنفذ فيها. إلّا أنّ الأجسام القوية تطرد هذه الجرائم فلا تؤثر فيها.

وجملة( فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ ) إشارة إلى حقيقة أن الوساوس الشيطانية تلقي حجابا على البصيرة «الباطنية» للإنسان ، حتى أنّه لا يعرف العدوّ من الصديق ، ولا الخير من الشر. إلّا أن ذكر الله يكشف الحجب ويزيد الإنسان بصيرة وهدى ، ويمنحه القدرة على معرفة الحقائق والواقعيات ، المعرفة التي تخلّصه من مخالب الوساوس الشيطانية.

وملخص القول : أننا لا حظنا في الآية السابقة كيف ينجو المتقون من نزغ الشيطان ووسوسته بذكر الله ، إلّا أن الآثمين إخوة الشياطين يبتلون بمزيد الوساوس فلا ينسلخون عنها ، كما تعبّر الآية التالية عن ذلك قائلة :( وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ ) .

«الإخوان» كناية عن الشياطين ، والضمير «هم» يعود على المشركين والآثمين ، كما نقرأ هذا المصطلح في الآية (٢٧) من سورة الإسراء( إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ ) .

و «يمدونهم» فعل مأخوذ من الإمداد ومعناه الإعانة والإدامة ، أي أنّهم يسوقونهم في هذا الطريق دائما.

وجملة( ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ ) تعني أنّ الشياطين لا يألون جهدا في إضلال المشركين والآثمين.

ثمّ تذكر الآية التّالية حال جماعة من المشركين والمذنبين البعيدين عن المنطق ، فتقول : إنّهم يكذبونك ـ يا رسول الله ـ عند ما تتلوا عليهم آيات القرآن ، ولكن عند ما لا تأتيهم بآية ، أو يتأخر الوحي يتساءلون عن سبب ذلك :( وَإِذا لَمْ

٣٤٣

تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها ) (١) ولكن قل لهم انني لا اعمل ولا أقول إلّا بما يوحى الله اليّ( قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) .

ويتّضح من هذه الآية ـ ضمنا ـ أنّ جميع أقوال النّبي وأفعاليه مصدرها وحي السماء ، ومن قال بغير ذلك فهو بعيد عن القرآن.

* * *

__________________

(١) الاجتباء مأخوذ من الجباية ، وأصلها جمع الماء في الحوض ونحوه ، ولذلك يسمّي حوض الماء بـ «الجابية ، وجمع الخراج يسمّى جباية أيضا. ثمّ توسعوا في الاستعمال فأطلقوا على جمع الأشياء وانتخابها واختيار ما يراد منها اجتباء. فجملة «لولا اجتبيتها» تعني لو لا اخترتها.

٣٤٤

الآيات

( وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٢٠٤) وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (٢٠٥) إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (٢٠٦) )

التّفسير

( وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا ) : لقد بدأت هذه السورة (سورة الأعراف) ببيان عظمة القرآن ، وتنتهي بالآيات ـ محل البحث ـ التي تتكلم عن القرآن أيضا.

وبالرغم من أنّ المفسّرين ذكروا أسبابا لنزول الآية الأولى ـ من هذه الآيات محل البحث ـ منها مثلا ما روي عن ابن عباس وجماعة آخرين ، أنّ المسلمين في بادئ أمرهم كانوا يتكلمون في الصلاة ، وربّما ورد شخص (جديد) أثناء الصلاة فيسأل المصلين وهم مشغولون بصلاتهم : كم ركعة صليتم؟ فيجيبونه : كذا ركعة. فنزلت الآية ومنعتهم أو نهتهم عن ذلك.

٣٤٥

كما نقل الزّهري سببا آخر لنزول الآية ، وهو أنّه لما كان النّبي يقرأ القرآن ، كان شاب من الأنصار يقرأ معه القرآن بصورت مرتفع ، فالآية نزلت ونهت عن ذلك.

وأيّا كان شأن نزول هذه الآية ، فهي تقول :( وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) والفعل «انصتوا» مأخوذ من مادة «الإنصات» ومعناه : السكوت المشفوع بالإصغاء والاستماع.

وقد اختلف المفسّرون في أن الإنصات والسكوت هنا في الآية ، هل هو عند قراءة القرآن في جميع الموارد؟ أم هو منحصر وقت الصلاة وعند قراءة إمام الجماعة؟ أم هو عند ما يقرأ إمام الجمعة ـ في خطبة الصلاة ـ القرآن؟

كما أنّ هناك أحاديث شتى في هذا الصدد في كتب الفريقين في تفسير هذه الآية. والذي يستفاد من ظاهر الآية أن هذا الحكم عام غير مختص بحال ما ولا وقت معيّن. إلّا أنّ الرّوايات المتعددة الواردة عن الأئمّة الطاهرين ، بالإضافة إلى إجماع العلماء واتفاقهم على عدم وجوب الاستماع عند قراءة القرآن في أية حال ، يستدل من ذلك على أن هذا الحكم بصورة كليّة حكم استحبابي ، أي ينبغي إن قرئ القرآن ـ حيثما كان ، وكيف كان ـ أن يستمع الآخرون وينصتوا احتراما للقرآن ، لأنّ القرآن ليس كتاب قراءة فحسب ، بل هو كتاب فهم وإدراك ، ثمّ هو كتاب عمل أيضا.

وهذا الحكم المستحب ورد عليه التأكيد إلى درجة أنّ بعض الرّوايات عبّرت عنه بالوجوب.

إذ ورد عن الإمام الصادقعليه‌السلام قوله : «يجب الإنصات للقرآن في الصّلاة وفي

٣٤٦

غيرها وإذا قرئ عندك القرآن وجب عليك الإنصات والاستماع»(١) .

حتى أنّه يستفاد من بعض الرّوايات أنّ لو كان إمام الجماعة مشغولا بالقراءة في الصلاة ، وقرأ شخص آخر آية من القرآن فيستحب للإمام السكوت حتى ينهي قراءة الآية ، ثمّ يكمل الإمام قراءته. حيث ورد عن الإمام الصّادقعليه‌السلام أنّ أمير المؤمنين عليّاعليه‌السلام كان مشغولا بصلاة الصبح ، وكان ابن الكوّا ـ ذلك المنافق الفظّ القلب ـ خلف الإمام مشغولا بالصلاة ، فقرأ فجأة( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ ) وكان هدفه من قراءة الآية أن يعترض على الإمام عليّ مكنيّا عن قبول الحكم في صفين ـ كما احتملوا ذلك ـ لكن الإمام سكت احتراما للقرآن حتى ينتهي ابن الكوّا من قراءة الآية ، ثمّ رجع الإمام إلى قراءته فأعاد ابن الكوا عمله مرّة ثانية ، فسكت الإمام أيضا ، فكرر ابن الكوّا القراءة ثالثة فسكت عليعليه‌السلام أيضا ، ثمّ تلا قوله تعالى :( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ ) وهو يشير إلى أن عذاب الله وعقابه الأليم في انتظار المنافقين وغير المؤمنين ، وينبغي أن يتحمل الإنسان أذاهم ، ثمّ أن الإمام أكمل السورة وهوى إلى الركوع(٢) .

ويستفاد من مجمع ما تقدّم ، ولا سيما من البحث آنف الذكر ، أن الاستماع والسكوت عند قراءة آيات القرآن أمر حسن جدّا إلّا أنّه بشكل عام غير واجب ولعلّ جملة( لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) إضافة إلى الرّوايات والإجماع ، تشير إلى استحباب هذا الحكم أيضا.

والمورد الوحيد الذي يجب فيه السكوت أو يكون حكم السكوت فيه واجبا ، هو في صلاة الجماعة ، إذ على المأموم أن يسكت ويستمع لقراءة الإمام ، حتى أنّ جمعا من الفقهاء قالوا : إنّ هذه الآية تدل على سقوط الحمد والسورة من

__________________

(١) تفسير البرهان ، ج ٢ ، ص ٥٧.

(٢) تفسير البرهان.

٣٤٧

قبل المأموم «عند صلاة الجماعة».

ومن جملة الرّوايات الدالة على هذا الحكم ما روي من حديث عن الإمام الباقرعليه‌السلام «وإذا قرئ القرآن في الفريضة خلف الإمام فاستمعوا له وانصتوا لعلّكم ترحمون»(١) .

وأمّا استعمال «لعل» في هذه الجملة ، فهو ـ كما أشرنا سابقا ـ لغرض أن تشملكم رحمة الله ، فمجرّد السكوت غير كاف ، بل توجد أمور أخرى منها العمل بالآي أيضا.

ولا بأس أن نذكر الملاحظة التي بيّنها الفقيه المعروف الفاضل المقداد السيوري في كتابه «كنز العرفان» إذ فسّر الآية تفسيرا آخر فقال : إنّ المراد من الآية هو الإصغاء للآيات وإدراك مفاهيمها والإذعان لإعجازها.

ولعل هذا التّفسير كان بسبب أنّ الآية السابقة كانت تتكلم عن المشركين ، إذ كانوا يتذرعون بحجج واهية في شأن نزول القرآن ، فالقرآن يقول لهم : فاستمعوا وانصتوا لعلكم تعرفون الحق(٢) .

وليس هناك مانع من أن نعتبر مفهوم الآية واسعا بحيث يشمل جميع الكفار والمسلمين ، فغير المسلمين عليه أن يستمع وينصت للقرآن ويكفر فيه حتى يؤمن فينال رحمة ربّه ، والمسلم عليه أن يستمع ويدرك مفهوم الآي ويعمل به لينال رحمة ربّه ، لأنّ القرآن كتاب إيمان وعلم وعمل لجميع ، لا لطائفة خاصّة أو فريق معين.

وفي الآية التّالية إكمالا للأمر السابق يخاطب القرآن النّبي الكريم ـ وهذا الحكم كلي وعام أيضا وإن كان الخطاب موجها للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما هو الحال في سائر آيات القرآن الأخرى وأحكامها ـ إذ يقول سبحانه في كتابه :( وَاذْكُرْ رَبَّكَ

__________________

(١) تفسير البرهان ، ج ٢ ، ص ٥٧.

(٢) كنز العرفان ، ج ١ ، ص ١٩٥.

٣٤٨

فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً ) (١) .

ثمّ يضيف قائلا :( وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ ) .

[والآصال : جمع الأصيل ، ومعناه قبيل المغرب أو عند الغروب].

( وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ ) .

فذكر الله في كل حال وفي كل وقت ، صباحا ومساء ، مدعاة لإيقاظ القلوب وجلائها من الدرن ، وإبعاد الغفلة عن الإنسان. ومثله مثل مزنة الربيع ، إذا نزلت أمرعت القلوب بأزهار التوجه والإحساس بالمسؤولية والبصيرة ، وكل عمل إيجابي بنّاء! ثمّ تختتم هذه الآية سورة الأعراف بهذه العبارة ، وهي أنّكم لستم المكلّفون بذكر الله من يذكر الله ليس هو أنتم فحسب ، بل( إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ) .

والتعبير ب( عِنْدَ رَبِّكَ ) لا يعني القرب المكاني ، لأنّ الله ليس له مكان خاص ، بل هو إشارة إلى القرب المقامي ، أي أنّ الملائكة وغيرهم من المقربين على رغم مقامهم ومنزلتهم عند الله ، فهم لا يقصرون في التسبيح والذكر لله والسجود له.

والسجدة عند تلاوة هذه الآية مستحبة ، إلّا أنّ بعض أهل السنة كأصحاب أبي حنيفة وأتباعه يقولون بوجوبها.

ربّنا نور قلوبنا بنور ذكرك ، ذلك النور الذي يفتح لنا طريقنا نحو الحقيقة ، ونستمد منه المدد في نصرة راية الحق ومكافحة الظالمين وأن تدرك مسئولينا ونؤدي رسالتنا ـ آمين.

* * *

__________________

(١) التضرّع مأخوذ من الضرع وهو الثدي ، والفعل تضرع يطلق على من يتحلب اللبن بأصابعه ، ثمّ توسع في هذا الاستعمال فأطلق على إظهار الخضوع والتواضع.

٣٤٩
٣٥٠

سورة الأنفال

وهي مدينة

وعدد آياتها خمس وسبعون آية

٣٥١
٣٥٢

«سورة الأنفال»

نظرة خاطفة إلى محتويات هذه السورة

في الآيات الخمس والسبعين التي تتكون منها سورة الأنفال أثيرت مباحث مهمّة جدّا.

ففي مستهلها إشارة إلى قسم مهم من المسائل المالية من جملتها الأنفال والغنائم التي يعدّ كلّ منهما دعامة لبيت المال. كما تضمّنت هذه السورة مباحث أخرى منها : صفات المؤمنين الصادقين وما يمتازون به ، قصّة معركة بدر ، وهي أوّل مواجهة مسلحة بين المسلمين وأعدائهم ، وما تضمّنت من أحداث عجيبة تلهم العبر.

بعض أحكام الجهاد ووظائف المسلمين إزاء هجوم العدوّ المتواصل.

ما جرى للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ليلته التاريخية «ليلة المبيت».

حال المشركين قبل الإسلام وخرافاتهم.

ضعف المسلمين وعجزهم بادئ الأمر ثمّ تقويتهم ببركة الإسلام.

حكم الخمس وكيفية تقسيمه.

وجوب الاستعداد «العسكري والسياسي والاجتماعي» للجهاد في كل زمان ومكان.

رجحان قوى المسلمين والمعنوية على عدوهم بالرغم من قلّة عددهم

٣٥٣

ظاهرا.

حكم أسرى الحرب وكيفية معاملتهم.

المهاجرون والذين لم يهاجروا.

مواجهة المنافقين وطريقة التعرّف عليهم. وأخيرا نجد في هذه السورة سلسلة مسائل أخرى أخلاقية واجتماعية بنّاءة.

فلا غرابة أن نقرأ بعض الرّوايات الواردة في شأن هذه السورة وفضيلتها ، كالرّواية الواردة عن الإمام الصادق إذ تقول مثلا : «من قرأ سورة الأنفال وبراءة في كل شهر لم يدخله نفاق أبدا ، وكان من شيعة أمير المؤمنين حقّا ، ويأكل يوم القيامة من موائد الجنّة معهم حتى يفرغ الناس من الحساب»(١) .

وكما أشرنا من قبل فإنّ فضائل سور القرآن والثواب العظيم الذي وعد به من يتلو هذه السور ، كل ذلك لا يتأتى بمجرّد قراءة الألفاظ ، بل القراءة مقدمة للتفكّر ، والتفكّر وسيلة للفهم ، والفهم مقدّمة للعمل. وبما أنّ سورة الأنفال شرحت كيفية البراءة من صفات المنافقين ، وكذلك ذكرت صفات المؤمنين الصادقين حقّا ، فمن قرأها وتمثلها في حياته لم يدخله نفاق أبدا.

وكذلك من قرأ صفات المجاهدين في هاتين السورتين ، وجوانب من التّضحيات الواردة عن أمير المجاهدين عليعليه‌السلام وتمثلها ، كان من شيعة أمير المؤمنينعليه‌السلام حقا.

* * *

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ، ذيل الآية.

٣٥٤

الآية

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ )

( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١) )

سبب النّزول

ورد عن ابن عباس أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عيّن في يوم معركة بدر جوائز للمقاتلين المسلمين ترغيبا ، كأنّ يقولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثلا : من جاءني بفلان من الأعداء أسيرا فله عندي كذا «جائزة».

وكان هذا الترغيب ـ إضافة إلى ايقاده روح الإيمان والجهاد في وجودهم ـ مدعاة أن يثب المقاتلون الفتية في تسابق «افتخاري» نحو الهدف.

إلّا أنّ الكهول والشيوخ ظلّوا ثابتين تحت ظلال الرايات ، فلمّا انتهت معركة بدر أسرع المقاتلون الفتيان لأخذ الجوائز من النّبي ، إلّا أنّ الشيوخ وكبار السنّ قالوا : إنّ لنا نصيبا أيضا ، لأنّنا كنّا سندا وظهيرا لكم ، ولو اشتدّ بكم الأمر لرجعتم إلينا حتما. واحتدم النقاش حينئذ بين رجلين من الأنصار في شأن غنائم المعركة.

فنزلت الآية ـ محل البحث ـ وقالت بصراحة : إنّ الغنائم هي للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فله

٣٥٥

أن يتصرّف فيها ما يشاء. فقسّمها النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين المسلمين بالتساوي ، وأمر أن يصطلح الإخوة المسلمون فيما بينهم.

التّفسير

إنّ الآية ـ محل البحث ـ كما قرأنا في سبب النّزول ، نزلت بعد معركة بدر وتتكلم على غنائم الحرب وتبيّن حكما إسلاميا واسعا بشكل عام ، فتخاطب النّبي بالقول :( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ! ) .

فبناء على ذلك( فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) .

أي أنّ الإيمان ليس بالكلام فحسب ، بل هو الطاعة لله والرّسول دون قيد أو شرط وفي جميع مسائل الحياة لا في غنائم الحرب وحدها.

ما هي الأنفال؟

الأنفال في الأصل مأخوذة من مادة «نفل» على زنة «نفع» ومعناها الزيادة ، وإنما سمّيت الصلوات المستحبة نافلة

لأنّها زيادة على الصلوات الواجبة ، وكذلك يطلق على الحفيد نافلة لأنّه زيادة في الأبناء.

ويطلق لفظ «نوفل» على من يهب المزيد من العطاء.

وإنّما سمّيت غنائم الحرب أنفالا أيضا لأنّها كمية من الأموال الإضافية التي تبقى دون صاحب ، وتقع في أيدي المقاتلين دون أن يكون لها مالك خاص. أو لأنّ المقاتلين إنّما يحاربون للانتصار على العدو لا للغنائم ، فالغنيمة أو الغنائم موضوع إضافي يقع في أيديهم.

* * *

٣٥٦

ملاحظات

١ ـ بالرّغم من أنّ الآية محل البحث نازلة في شأن غنائم الحرب ، إلّا أنّ لمفهومها حكما كلّيا وعامّا ، وهي تشمل جميع الأموال الإضافية التي ليس لها مالك خاص. لهذا ورد في الرّوايات عن أهل البيتعليهم‌السلام أنّ الأنفال لها مفهوم واسع ، إذ نقرأ في بعض الرّوايات المعتبرة عن الإمامين «الباقر والصادقعليهما‌السلام » ما يلي : «إنّها ما أخذ من دار الحرب من غير قتال ، كالذي انجلى عنها أهلها وهو المسمّى فيئا ، وميراث من لا وارث له ، وقطائع الملوك إذا لم تكن مغصوبة والآجام وبطون الأدوية والموات ، فإنّها لله ولرسوله ، وبعده لمن قام مقامه يصرفه حيث يشاء من مصالحه ومصالح عياله»(١)

وبالرّغم من أنّ الحديث ـ أنف الذكر ـ لم يتحدّث عن جميع غنائم الحرب ، إلّا أنّنا نقرأ حديثا آخر عن الإمام الصادقعليه‌السلام يقول فيه : «إنّ غنائم بدر كانت للنّبي خاصّة فقسمها بينهم تفضلا منه»(٢) .

ونستنتج ممّا ذكر آنفا أنّ مفهوم الأنفال أساسا لا يقتصر على غنائم الحرب فحسب ، بل يشمل جميع الأموال التي ليس لها مالك خاص ، وهذه الأموال جميعها لله وللرسول ولمن يلي أمره ويخلفه ، وبتعبير آخر : إنّ هذه الأموال للحكومة الإسلاميّة ، وتصرف في منافع المسلمين العامّة.

غاية ما في الأمر أنّ قانون الإسلام في غنائم الحرب والأموال المنقولة التي تقع في أيدي المقاتلين المسلمين عند القتال ـ كما سنفصل ذلك في هذه السورة ـ مبنيّ على أن يعطى أربعة أخماسها ـ ترغيبا ـ للمقاتلين المسلمين وتعويضا عن أتعابهم ، ويصرف خمسها في المصارف التي أشارت إليها الآية

__________________

(١) كنز العرفان ، ج ١ ، ص ٢٥٤.

(٢) المصدر السابق.

٣٥٧

(٤١) من هذه السورة.

وعلى هذا الأساس فإنّ الغنائم داخلة في مفهوم الأنفال العام ، وهي في الأصل ملك الحكومة الإسلامية ، وإعطاء أربعة أخماسها للمقاتلين عطية وتفضل منها.

٢ ـ قد يتصور أنّ الآية محل البحث «بناء على شمولها غنائم الحرب أيضا» تتنافى والآية ٤١ من هذه السورة التي تقول :( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ) وسائر المصارف. لأنّ مفهومها أنّ أربعة الأخماس الباقية هي للمقاتلين المسلمين.

إلّا أنّه مع ملاحظة ما ذكرناه آنفا يتّضح أنّ غنائم الحرب في الأصل كلها لله وللرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإعطاء أربعة أخماسها للمقاتلين نوع من التفضل والهديّة ، وبتعبير آخر : إنّ الحكومة الإسلامية تهب أربعة الأخماس من حقها إلى المجاهدين ، فلا يبقى عندئذ أي تناف بين الآيتين.

ويتّضح أيضا أن آية الخمس لا تنسخ أية الأنفال ، ـ كما تصوّر ذلك بعض المفسّرين ـ بل كلّ منهما باق على قوّته!

٣ ـ كما قرأنا في شأن النّزول آنفا ، أنّ مشاجرة وقعت بين بعض الأنصار في شأن غنائم الحرب ، وقطعا لهذه المشاجرة فقد نفت الآية أن تكون الغنائم لغير الله والرّسول ثمّ أمرت المسلمين بإصلاح ذات البين.

وأساسا فإنّ إصلاح ذات البين وإيجاد التفاهم وقلع الكدر والبغضاء من صدور المسلمين ، وتبديل كل ذلك بالمحبّة ، يعدّ من أهم الأغراض الإسلامية.

وكلمة «ذات» تعني الخلقة والبنية وأساس الشيء ، والبين يعني حالة الارتباط والعلاقة بين شخصين أو شيئين. فبناء على هذا فإنّ إصلاح ذات البين يعني إصلاح أساس الارتباطات ، وتقوية العلاقات وتحكيمها ، وإزالة عوامل التفرقة والنفاق.

٣٥٨

وقد أولت التعاليم الإسلامية عناية فائقة لهذا الموضوع حتى عدته من أفضل العبادات.

يقول أمير المؤمنين عليعليه‌السلام في آخر وصاياه ـ عند ما عممه ابن ملجم بالسيف ـ لولديه «إنّي سمعت جدّكما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إصلاح ذات البين أفضل من عامّة الصلاة والصيام»(١) .

وجاء عن الإمام الصادقصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كتاب الكافي أنّه قال : «صدقة يحبّها الله إصلاح بين النّاس إذا تفاسدوا ، وتقارب بينهم إذا تباعدوا»(٢) .

كما ورد عنهعليه‌السلام في الكتاب آنف الذكر ذاته أنّه قال للمفصل : «إذا رأيت بين اثنين من شيعتنا منازعة فافتدها من مالي»(٣) .

ولهذا نقرأ في بعض الرّوايات عن أبي حنيفة سابق الحاجّ قال : مرّ بنا المفضّل وأنا وختني نتشاجر في ميراث ، فوقف علينا ساعة ثمّ قال لنا : تعالوا إلى المنزل فأتيناه فأصلح بيننا بأربعمائة درهم فدفعها إلينا من عنده حتّى إذا استوثق كلّ واحد منّا من صاحبه ، قال أمّا إنّها ليست من مالي ولكن أبو عبد اللهعليه‌السلام أمرني إذا تنازع رجلان من أصحابنا في شيء أن أصلح بينهما وأفتديها من ماله ، فهذا من مال أبي عبد اللهعليه‌السلام (٤) .

والسبب في كل هذا التأكيد في المسائل الاجتماعية يتجلى بقليل من التأمل ، لأنّ عظمة الأمّة وقدرتها وعزّتها لا يمكن تحقيقه إلّا في ظل التفاهم والتعاون. فإذا لم يتمّ إصلاح ذات البين ، ولم تطو الخلافات الصغيرة والمشاجرات ، تنفذ جذور العداوة والبغضاء في القلوب تدريجا ، وتتحول الأمّة

__________________

(١) نهج البلاغة.

(٢) الحديثان ١ و ٢ من أصول الكافي باب إصلاح بين الناس.

(٣) المصدر السابق.

(٤) المصدر السابق.

٣٥٩

القوية المتحدة إلى جماعات متفرقة متناحرة ، وتضعف أمام الأعداء والحوادث ، كما يحدق الخطر بالمسائل العبادية في مثل هذه الأمّة من صلاة وصيام ، وحتى بحيثية القرآن و (موجوديته).

ولذلك فقد أوجبت الشريعة الإسلامية إصلاح ذات البين في بعض مراحله ، وجازت الإنفاق من بيت المال لتحقق هذا الأمر ، وندبت إلى ذلك في مراحله الأخرى التي لا تتعلق بمصير المسلمين مباشرة ، وعدت ذلك مستحبا مؤكّدا

* * *

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

شئ قدير ، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم(1)

ه ـ ويستحب ان يقول ما رواه سفيان الثوري عن مولانا الصادقجعفر بن محمدعليهما‌السلام ، قال : سمعته وهو بعرفة يقول :

اللهم اجعل خطواتي هذه التي خطوتها في طاعتك كفارة لماخطوتها في معصيتك ، اللهم انك امرتنا ان نعفو عمن ظلمنا وقد ظلمناأنفسنا فاعف عنا.

اللهم انك قلت : استعينوا على كل صنعة بصالحي أهلها ، اللهم فاناصنعك فاصنع في خيرا.

اللهم اجعلنا نبات نعمتك ولا تجعلنا حصاد نقمتك ، اللهم هذهليلة عيد ولك فيها أضياف وانا ضيفك فاجعل قراي الجنة واطعمنيعنبا ورطبا.

قال سفيان : فوالله لقد هممت ان انزل واشتري له تمرا وموزا ،وأقول له : هذا عوض العنب والرطب ، فإذا انا بسلتين معاطيتين قدوضعتا بين يديه ، إحداها رطب والأخرى عنب ـ تمام الخبر.

__________________

(1) الصحيفة السجادية : الدعاء 46 ، عنها الكفعمي في مصباحه : 433 ، البلد الأمين : 490.

أورده الشيخ في مصباحه : 258 ، رواه السيد في جمال الأسبوع : 423 ، وقال : ما رويناه بعدةطرق ، ورواه أبو الحسين محمد بن هارون التلعكبري.

٤٦١

و ـ زيارة أبي عبد اللهعليه‌السلام في يوم عرفة

ومن لم يمكنه حضور الموقف للحج وقدر على اتيان قبر الحسينعليه‌السلام يوم عرفة فليحضر ، فان في ذلك فضلا كبيرا ، وقد ذكرنا فيما سلفمن هذا الكتاب ، فينبغي ان تغتسل من الفرات ان أمكنك والا فمن حيثتقدر عليه وتمشي على سكينة ووقار ، فإذا بلغت باب الحائر فكبر اللهتعالى وقل :

الله أكبر كبيرا ، والحمد لله كثيرا ، وسبحان الله بكرة وأصيلا ،والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، لقدجاءت رسل ربنا بالحق.

ثم تسلم على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى أمير المؤمنين وعلى الأئمةعليهم‌السلام من بعده ، ثم تقول :

السلام عليك يا أبا عبد الله ، عبدك وابن عبدك ، وابن أمتك ،الموالي لوليك ، المعادي لعدوك ، استجار بمشهدك ، وتقرب إليكبقصدك ، والحمد لله الذي هداني لولايتك ، وخصني بزيارتك ، وسهللي قصدك.

ثم تأتي باب القبة فتقف مما يلي الرأس وتقول :

السلام عليك يا وارث ادم صفوة الله ، السلام عليك يا وارث نوحنبي الله ، السلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله ، السلام عليك يا

٤٦٢

وارث موسى كليم الله ، السلام عليك يا وارث عيسى روح الله.

السلام عليك يا وارث محمد حبيب الله ، السلام عليك يا وارثأمير المؤمنين حجة الله ، السلام عليك يا بن محمد المصطفى ، السلامعليك يا بن علي المرتضى ، السلام عليك يا بن فاطمة الزهراء ، السلامعليك يا بن خديجة الكبرى.

السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره والوتر الموتور ، اشهد انك قدأقمت الصلاة ، واتيت الزكاة ، وأمرت بالمعروف ، ونهيت عن المنكر ،وأطعت الله حتى اتاك اليقين.

لعن الله أمة قتلتك ، ولعن الله أمة ظلمتك ، ولعن الله أمة سمعتبذلك فرضيت به ، يا مولاي يا أبا عبد الله ، اشهد الله وملائكته وأنبياءهورسله اني بكم مؤمن ، وبإيابكم موقن ، بشرائع ديني وخواتيم عملي ،فصلوات الله عليكم وعلى أرواحكم وعلى أجسادكم ، وعلى شاهدكموغائبكم ، وظاهركم وباطنكم.

ثم انكب على القبر وقبله وقل :

بابي أنت وأمي يا أبا عبد الله ، لقد عظمت الرزية وجلت المصيبةبك علينا وعلى جميع أهل السماوات والأرض ، فلعن الله أمة أسرجتوألجمت وتهيأت لقتالك ، يا مولاي يا أبا عبد الله قصدت حرمكواتيت مشهدك ، اسأل الله بالثار الذي لك عنده ، والمحل الذي لك لديهان تصلي على محمد وال محمد وان يجعلني معكم في الدنيا والآخرة.

٤٦٣

ثم تصلى عند الرأس ، تقرأ فيها ما أحببت ، فإذا فرغت فقل :

اللهم إني صليت وركعت وسجدت لك ، وحدك لا شريك لك ،لان الصلاة والركوع والسجود لا تكون الا لك ، لأنك أنت الله لا إله إلا أنت، اللهم صل على محمد وال محمد وأبلغهم عني أفضل السلاموالتحية ، واردد علي منهم.

ثم صر إلى عند رجلي الحسين وزر علي بن الحسينعليهما‌السلام ورأسهعند رجلي أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وقل :

السلام عليك يا بن رسول الله ، السلام عليك يا بن نبي الله ، السلامعليك يا بن أمير المؤمنين ، السلام عليك يا بن الحسين الشهيد ، السلامعليك أيها الشهيد ابن الشهيد ، السلام عليك أيها المظلوم وابنالمظلوم ، لعن الله أمة قتلتك ، ولعن الله أمة ظلمتك ، ولعن الله أمةسمعت بذلك فرضيت به.

ثم انكب على القبر وقبله وقل :

السلام عليك يا ولي الله وابن وليه ، لقد عظمت المصيبة وجلتالرزية بك علينا وعلى جميع المسلمين ، فلعن الله أمة قتلتك ، وابرأإلى الله واليك منهم.

ثم اخرج من الباب الذي عند رجل علي بن الحسينعليهما‌السلام فتوجههناك إلى الشهداء وزرهم وقل :

السلام عليكم يا أولياء الله وأحباءه ، السلام عليكم يا أصفياء الله

٤٦٤

وأوداءه ، السلام عليكم يا أنصار دين الله وأنصار نبيه وأنصارأمير المؤمنين والحسن والحسينعليهم‌السلام ، بابي أنتم وأمي طبتموطابت الأرض التي فيها دفنتم وفزتم فوزا عظيما ، فيا ليتني كنت معكمفأفوز معكم.

ثم عد إلى عند رأس الحسينعليه‌السلام وأكثر من الدعاء لنفسكولأهلك وإخوانك المؤمنين ، فإذا أردت الخروج فانكب على القبر وقل :

السلام عليك يا مولاي ، السلام عليك يا حجة الله ، السلام عليكيا صفوة الله ، السلام عليك يا خالصة الله ، السلام عليك يا امين الله ،سلام مودع لا قال ولا سئم ، فان امضي فلا عن ملالة ، وان أقم فلا عنسوء ظن بما وعد الله الصابرين.

لا جعله الله يا مولاي اخر العهد لزيارتك ، ورزقني العود إلىمشهدك ، والمقام في حرمك ، وان يجعلني معكم في الدنيا والآخرة.

ثم اخرج ولا تول ظهرك ، وأكثر من قول :

انا لله وانا إليه راجعون.

ثم امض إلى مشهد العباس بن عليعليهما‌السلام ، فإذا اتيته فقف عليهوقل :

السلام عليك أيها العبد الصالح ، المطيع لله ولرسولهولأمير المؤمنين والحسن والحسين ، وعليك السلام ورحمة اللهوبركاته ومغفرته على روحك وبدنك.

٤٦٥

اشهد الله انك مضيت على ما مضى البدريون والمجاهدون فيسبيل الله ، المناصحون في جهاد الأعداء ، المبالغون في نصرة أوليائه.

فجزاك الله أفضل الجزاء ، وأوفر جزاء أحد ممن وفى ببيعته ،واستجاب له دعوته ، وحشرك مع النبيين والشهداء والصديقينوالصالحين وحسن أولئك رفيقا.

ثم صل ركعتين عند الرأس وادع الله بعدهما بما أحببت ، فإذاأردت الخروج فودعه وقل :

استودعك الله واسترعيك ، واقرأ عليك السلام ، امنا باللهوبرسوله وبما جاء به من عند الله ، اللهم اكتبنا مع الشاهدين ، اللهملا تجعله اخر العهد من زيارة قبر وليك وابن أخي نبيك ، وارزقني زيارتهابدا ما أبقيتني ، واحشرني معه ومع ابائه في الجنان.

وادع لنفسك ولوالديك ولاخوانك المؤمنين.

ثم ارجع إلى مشهد الحسينعليه‌السلام للوداع ، فإذا أردت وداعه تقفكوقوفك عليه أول مرة وقل :

السلام عليك يا ولي الله ، السلام عليك يا أبا عبد الله ، أنت لي جنةمن العذاب ، وهذا أوان انصرافي ، غير راغب عنك ، ولا مستبدل بكسواك ، ولا مؤثر عليك غيرك ، ولا زاهد في قربك.

اسأل الله تعالى أن لا يجعله اخر العهد مني ومن رجوعي ، أسألالله الذي أراني مكانك ، وهداني للتسليم عليك ، ولزيارتي إياك ، ان

٤٦٦

يوردني حوضكم ويرزقني مرافقتكم في الجنان مع ابائك الصالحين

ثم سلم على النبي والأئمةعليهم‌السلام واحدا واحدا وانصرف ان شئتوتدعو بما أحببت.

وداع الشهداء رضوان الله عليهم :

ثم حول وجهك إلى قبور الشهداء فودعهم وقل :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، اللهم لا تجعله اخر العهد منزيارتي إياهم ، واشركني معهم في صالح ما أعطيتهم على نصرهم ابننبيك وحجتك على خلقك ، اللهم اجعلنا وإياهم في جنتك معالشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

استودعكم الله واقرأ عليكم السلام ، اللهم ارزقني العود إليهمواحشرني معهم يا ارحم الراحمين.

ثم اخرج ولا تول وجهك عن القبر حتى تغيب عن معاينتك ، وقفعلى الباب متوجها إلى القبلة وادع بما أحببت وانصرف إن شاء اللهتعالى(1) .

ز ـ دعاء يوم الأضحى لعلي بن الحسينعليهما‌السلام :

اللهم هذا يوم مبارك ، والمسلمون فيه مجتمعون في أقطار

__________________

(1) رواه السيد في مصباح الزائر : 114 ، والشهيد في مزاره ، عنهما البحار 101 : 363.

٤٦٧

ارضك ، يشهد السائل منهم ، والطالب والراغب ، وأنت الناظر فيحوائجهم ، فاسالك بجودك وكرمك ، وهوان(1) ما سألتك عليك ان تصليعلى محمد وال محمد.

وأسألك اللهم ربنا بان لك الملك ولك الحمد لا إله إلا أنتالحليم الكريم ، الحنان المنان ، ذو الجلال والاكرام ، بديع السماواتوالأرض ، مهما قسمت بين عبادك من خير أو عافية ، أو بركة أو هدى ، أوعمل بطاعتك ، أو خير تمن به عليهم وتهديهم به إليك ، أو ترفع لهمدرجة ، أو تعطيهم به خيرا من خير الدنيا والآخرة ، ان توفر حظيونصيبي منه.

وأسألك يا الله بان لك الملك والحمد لا إله إلا أنت ان تصلي علىمحمد ، عبدك ورسولك ، وحبيبك وصفيك ، وخيرتك من خلقك ،وعلى ال محمد الأبرار الكرام الطيبين الطاهرين الأخيار ، صلاة لا يقوىعلى احصائها الا أنت ، وان تشركنا في صالح من دعاك في هذا اليوم منعبادك المؤمنين يا رب العالمين ، وان تغفر لنا ولهم انك على كل شئقدير.

اللهم إليك تعمدت بحاجتي ، وبك أنزلت اليوم فقري وفاقتيومسكنتي ، وانا بمغفرتك ورحمتك أوثق مني بعملي ، ولمغفرتكورحمتك أوسع من ذنوبي ، فصل على محمد واله وتول قضاء كل

__________________

(1) هوان : سهولة.

٤٦٨

حاجة هي لي بقدرتك عليها ، وتيسير ذلك عليك ، وفقري إليك وغناكعني ، فاني لم أصب خيرا قط الا منك ، ولم يصرف عني سوءا قط غيرك ،ولا أرجو لأمر اخرتي ودنياي سواك.

اللهم من تهيا وتعبا واعد واستعد لوفادة إلى مخلوق رجاء رفدهوطلب نيله وجائزته ، فإليك كانت يا مولاي اليوم تهيئتي واعداديواستعدادي رجاء عفوك ورفدك ، وطلب نيلك وجائزتك.

اللهم فصل على محمد وال محمد ، ولا تخيب اليوم ذلك منرجائي ، يا من لا يحفيه(1) سائل ، ولا ينقصه نائل ، فاني لم آتك ثقة منيبعمل صالح قدمته ، ولا شفاعة مخلوق رجوته ، الا شفاعة محمد وأهل بيتهصلواتك عليه وعليهم سلامك ، اتيتك مقرا بالجرم والإساءة علىنفسي ، اتيتك أرجو عظيم عفوك الذي عفوت به عن الخاطئين ، ثملم يمنعك طول عكوفهم(2) على عظيم الجرم ان عدت عليهم بالرحمةوالمغفرة.

فيا من رحمته واسعة وعفوه عظيم ، يا عظيم يا عظيم ، يا كريم ياكريم ، صل على محمد وال محمد ، وعد علي برحمتك ، وتعطف عليبفضلك ، وتوسع علي بمغفرتك.

اللهم ان هذا المقام لخلفائك وأصفيائك ومواضع امنائك في

__________________

(1) لا يحفيه : لا يمنعه.

(2) عكوفهم : ملازمتهم واستمرارهم.

٤٦٩

الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها قد ابتزوها(1) وأنت المقدر لذلكلا يغالب امرك ، ولا يجاوز المحتوم من تدبيرك ، كيف شئت وانى شئت ،ولما أنت اعلم به غير متهم على خلقك ولا لإرادتك ، حتى عاد صفوتكوخلفاؤك مغلوبين مقهورين مبتزين ، يرون حكمك مبدلا ، وكتابكمنبوذا(2) ، وفرائضك محرفة عن جهات اشراعك وسنن نبيك متروكة ،اللهم العن أعداءهم من الأولين والآخرين ، ومن رضي بفعالهموأشياعهم واتباعهم.

اللهم وصل على محمد وال محمد أفضل صلواتك وبركاتكوتحياتك على أصفيائك إبراهيم وال إبراهيم ، انك حميد مجيد ، وعجلالفرج والروح(3) والنصرة والتمكين والتأييد لهم.

اللهم واجعلني من أهل التوحيد والايمان بك ، والتصديقبرسولك والأئمة الذين حتمت(4) طاعتهم ممن يجري ذلك به وعلىيديه امين رب العالمين.

اللهم انه لا يرد غضبك الا حلمك ، ولا يرد سخطك الا عفوك ،ولا يجير من عقابك الا رحمتك ، ولا ينجي منك الا التضرع إليك ، وبينيديك ، فصل على محمد وال محمد ، وهب لنا يا الهي من لدنك فرجا

__________________

(1) ابتزوها : سلبوها.

(2) منبوذا : متروكا.

(3) الروح : الرحمة والراحة.

(4) حتمت : أوجبت.

٤٧٠

بالقدرة التي تحيي بها أموات العباد ، وتنشر(1) بها ميت البلاد ، ولا تهلكنييا الهي غما حتى تستجيب لي ، وتعرفني الإجابة في دعائي ، وأذقنيطعم العافية إلى منتهى اجلي ، ولا تشمت بي عدوي ، ولا تمكنه منعنقي ، ولا تسلطه علي.

الهي ان رفعتني فمن ذا الذي يضعني ، وان وضعتني فمن ذا الذييرفعني ، وان أكرمتني فمن ذا الذي يهينني ، وان أهنتني فمن ذا الذييكرمني ، وان عذبتني فمن ذا الذي يرحمني ، وان أهلكتني فمن ذا الذييعرض لك في عبدك ، أو يسألك عن امره.

وقد علمت أنه ليس في حكمك ظلم ، ولا في نقمتك عجلة ، إنمايعجل من يخاف الفوت ، وإنما يحتاج إلى الظلم الضعيف ، وقد تعاليتعن ذلك يا الهي علوا كبيرا.

اللهم صل على محمد واله ، ولا تجعلني للبلاء غرضا(2) ،ولا لنقمتك نصبا(3) ، ومهلني ونفسني(4) ، وأقلني عثرتي ، ولا تبتلينيببلاء على اثر بلاء ، فقد ترى ضعفي ، وقلة حيلتي وتضرعي إليك.

أعوذ بك يا الهي اليوم من غضبك ، فصل على محمد والهوأعذني ، واستجير بك اليوم من سخطك فصل على محمد واله

__________________

(1) تنشر : تحيي.

(2) غرضا : هدفا.

(3) نصبا : علما منصوبا ، غرضا.

(4) نفست : رفهت وفرجت.

٤٧١

واجرني ، واسالك امنا من عذابك فصل على محمد واله وامنيوأستهديك فصل على محمد واله واهدني.

وأسترحمك فصل على محمد واله وارحمني ، واستنصرك فصلعلى محمد واله وانصرني ، وأستكفيك فصل على محمد واله واكفني ،واسترزقك فصل على محمد واله وارزقني ، واستعينك فصل علىمحمد واله واعني ، واستغفرك لما سلف من ذنوبي فصل على محمدواله واغفر لي ، وأستعصمك فصل على محمد واله واعصمني ، فانيلن أعود لشئ كرهته مني ان شئت ذلك يا رب يا رب.

يا حنان يا منان ، يا ذا الجلال والاكرام ، فصل على محمد والهواستجب لي جميع ما سألتك وطلبت إليك ورغبت فيه إليك ، واردهوقدره ، واقضه وامضه ، وخر لي(1) فيما تقضي منه ، وبارك لي في ذلك ،وتفضل علي به ، واسعدني بما تعطيني منه ، وزدني من فضلك وسعة ماعندك ، فإنك واسع كريم ، وصل ذلك بخير الآخرة ونعيمها يا ارحمالراحمين.

ثم تدعو بما بدا لك وصل على محمد واله الف مرة ، وهكذا كانيفعلعليه‌السلام (2) .

__________________

(1) خر لي : اجعل لي الخير.

(2) الصحيفة السجادية : الدعاء 48 ، عنها الشيخ في مصباحه : 260 ، والسيد في جمالالأسبوع : 427 ، والكفعمي في مصباحه : 434 ، وفي البلد الأمين : 492 ، والبحار 89 : 218 ،ينابيع المودة : 507 مختصرا.

٤٧٢

6 ـ زيارة أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام في يوم عاشوراء

أخبرنا الشيخ الفقيه العالم عماد الدين محمد بن أبي القاسم الطبريقراءة عليه وانا اسمع في شهور سنة ثلاث وخمسين وخمسمائةبمشهد مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، عن الشيخ المفيد أبي علىالحسن بن محمد ، عن والده الشيخ أبي جعفررضي‌الله‌عنه ، عن الشيخالمفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان ، عن ابن قولويهوأبي جعفر بن بابويه ، عن محمد بن يعقوب الكليني ، عن علي بن إبراهيم ،عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الله بن سنان ، قال :

دخلت على سيدي أبي عبد الله جعفر بن محمدعليهما‌السلام في يومعاشوراء ، فألفيته كاسف اللون(1) ، ظاهر الحزن ، ودموعه تنحدر من عينيهكاللؤلؤ المتساقط ، فقلت : يا ابن رسول الله مم بكاؤك لا أبكى الله عينيك ،فقال لي : أو في غفلة أنت ، أما علمت أن الحسين بن عليعليه‌السلام قتل(2) فيمثل هذا اليوم.

فقلت : يا سيدي فما قولك في صومه ، فقال لي : صمه من غيرتبييت ، وأفطر من غير تشميت(3) ، ولا تجعله صوم يوم كملا ، وليكن

__________________

(1) عن الجوهري : رجل كاسف البال سئ الحال ، وكاسف الوجه عابس.

(2) أصيب ( خ ل ).

(3) من غير تبييت اي من غير أن تبيت نية الصوم من الليل ، وأفطر لا على وجه الشماتة والفرح بل لمخالفة من يصومه تبركا.

٤٧٣

افطارك بعد صلاة العصر بساعة على شربة من ماء ، فإنه في مثل ذلكالوقت من ذلك اليوم تجلت الهيجاء عن آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وانكشفتالملحمة عنهم ، ومنهم في الأرض ثلاثون صريعا في مواليهم ، يعز علىرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مصرعهم ، ولو كان في الدنيا يومئذ حيا لكانصلى‌الله‌عليه‌وآله هوالمعزى بهم.

قال : وبكى أبو عبد اللهعليه‌السلام حتى اخضلت(1) لحيته بدموعه ، ثم قال :

ان الله جل ذكره لما خلق النور خلقه يوم الجمعة في تقديره فيأول يوم من شهر رمضان ، وخلق الظلمة في يوم الأربعاء يوم عاشوراء فيمثل ذلك ـ يعني يوم العاشر من شهر المحرم ـ في تقديره ، وجعل لكلمنهما شرعة ومنهاجا ، يا عبد الله بن سنان ان أفضل ما تأتي به في هذااليوم ان تعمد إلى ثياب طاهرة فتلبسها وتتسلب ، قلت : وما التسلب؟

قال : تحلل ازارك وتكشف عن ذراعيك كهيئة أصحاب المصائب ،ثم تخرج إلى ارض مقفرة(2) ، أو مكان لا يراك به أحد ، أو تعمد إلى منزلخال ، أو في خلوة منذ حين يرتفع النهار ، فتصلي أربع ركعات تحسنركوعهن وسجودهن ، وتسلم بين كل ركعتين ، تقرأ في الركعة الأولىسورة الحمد ، و( قل يا أيها الكافرون ) ، وفي الثانية الحمد ، و( قل هو اللهأحد ) ، ثم تصلي ركعتين أخريين ، تقرأ في الأولى الحمد وسورة

__________________

(1) اخضلت من باب الافعال والافعلال اي ابتلت.

(2) مقفرة : خالية.

٤٧٤

الأحزاب ، وفي الثانية الحمد و( إذا جاءك المنافقون ) أو ما تيسر منالقرآن.

ثم تسلم وتحول وجهك نحو قبر الحسينعليه‌السلام ومضجعه ، فتمثللنفسك مصرعه ومن كان معه ، وتلعن قاتليه وتبرأ من أفعالهم ، يرفع اللهعزوجل لك بذلك في الجنة من الدرجات ويحط عنك من السيئات.

ثم تسعى من الموضع الذي أنت فيه إن كان صحراء أو فضاء أو ايشئ كان خطوات ، تقول :

انا لله وانا إليه راجعون ، رضا بقضائه وتسليما لامره.

وليكن عليك في ذلك الكآبة والحزن ، وأكثر من ذكر الله سبحانهوالاسترجاع في ذلك اليوم ، فإذا فرغت من سعيك وفعلك هذا ، فقف فيموضعك الذي صليت فيه ، ثم قل :

اللهم عذب الفجرة ، الذين شاقوا رسولك ، وحاربوا أولياءك ،وعبدوا غيرك ، واستحلوا محارمك ، والعن القادة والاتباع ومن كانمنهم محبا ومن أوضع معهم ، أو رضي بفعلهم لعنا كثيرا.

اللهم وعجل فرج ال محمد واجعل صلواتك عليه وعليهم ،واستنقذهم من أيدي المنافقين المضلين والكفرة الجاحدين ، وافتحلهم فتحا يسيرا ، وأتح(1) لهم روحا وفرجا قريبا ، واجعل لهم من لدنكسلطانا نصيراً.

__________________

(1) أتاح الله لفلان : قدره وانزله به.

٤٧٥

ثم ارفع يديك واقنت بهذا الدعاء ، وقل وأنت تومئ إلى أعداء آلمحمدعليهم‌السلام :

اللهم ان كثيرا من الأمة ناصبت المستحفظين من الأئمة ، وكفرتبالكلمة ، وعكفت على القادة الظلمة ، وهجرت الكتاب والسنة ،وعدلت عن الحبلين الذين أمرت بطاعتهما والتمسك بهما ، فأماتتالحق وحادت عن القصد ، ومالأت(1) الأحزاب ، وحرفت الكتاب ،وكفرت بالحق لما جاءها ، وتمسكت بالباطل لما اعترضها ، فضيعتحقك ، وأضلت خلقك ، وقتلت أولاد نبيك وخيرة عبادك وحملةعلمك ، وورثة حكمتك ووحيك.

اللهم فزلزل اقدام أعدائك وأعداء رسولك وأهل بيت رسولك ،فاخرب ديارهم ، وافلل سلاحهم ، وخالف بين كلمتهم ، وفت فيأعضادهم(2) ، وأوهن كيدهم ، واضربهم بسيفك القاطع ، وارمهم بحجركالدامغ(3) ، وطمهم بالبلاء طما(4) ، وقمهم بالعذاب قما(5) ، وعذبهم عذابانكرا ، وخذهم بالسنين والمثلات التي أهلكت بها أعداءك ، انكذو نقمة من المجرمين.

__________________

(1) مالات : عاونت وساعدت.

(2) الفت : الدق والكسر بالأصابع ، فت في ساعده : أضعفه ، العضد : الناصر والمعين.

(3) دمغه : شجه حتى بلغت الشجة الدماغ.

(4) طمهم بالبلاء : اقلعهم واستأصلهم.

(5) قمهم بالعذاب كناية عن الاستيصال.

٤٧٦

اللهم ان سنتك ضائعة ، وأحكامك معطلة ، وعترة نبيك فيالأرض هائمة(1) ، اللهم فأعز الحق وأهله ، واقمع الباطل وأهله ، ومنعلينا بالنجاة ، واهدنا إلى الايمان ، وعجل فرجنا ، وانظمه بفرجأوليائك ، واجعلهم لنا ردءا ، واجعلنا لهم وفدا.

اللهم وأهلك من جعل يوم قتل ابن نبيك وخيرتك من خلقكعيدا ، واستهل(2) بهم فرحا ومرحا(3) ، وخذ اخرهم بما اخذت أولهم ،واضعف اللهم العذاب والتنكيل على ظالمي أهل بيت نبيك ، وأهلكأشياعهم وقادتهم ، وابر(4) حماتهم وجماعتهم.

اللهم ضاعف صلواتك ورحمتك وبركاتك على عترة نبيك ،العترة الضائعة ، الخائفة المستذلة(5) ، بقية من الشجرة الطيبة ، الزاكيةالمباركة ، واعل اللهم كلمتهم ، وافلج(6) حجتهم ، واكشف البلاءواللأواء(7) ، وحنادس(8) الأباطيل والغماء عنهم ، وثبت قلوب شيعتهموحزبك على طاعتهم وولايتهم ، ونصرتهم وموالاتهم ، وأعنهم

__________________

(1) هائمة : متحيرة.

(2) تهلل وجهه : استنار وظهر عليه امارات السرور.

(3) المرح : الأشر والبطر والاختيال.

(4) الابارة : الاهلاك.

(5) استذله : ذلله واستذله إذا رآه ذليلا.

(6) أفلج برهانه : قومه واظهره.

(7) اللاواء : الشدة.

(8) الحندس : الظلمة والليل المظلم.

٤٧٧

وامنحهم الصبر على الأذى فيك.

واجعل لهم أياما مشهودة ، وأوقاتا مسعودة ، يوشك(1) فيهافرجهم ، وتوجب فيها تمكينهم ونصرهم ، كما ضمنت لأوليائك فيكتابك المنزل ، فإنك قلت وقولك الحق :( وعد الله الذين امنوا منكموعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين منقبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهمامنا ) (2) .

اللهم فاكشف عنهم ، يا من لا يكشف الضر الا هو ، يا أحد يا حي ياقيوم ، وانا يا الهي عبدك الخائف منك ، والراجع إليك ، السائل لك ،المقبل عليك ، اللاجئ إلى فنائك ، العالم بك فإنه لا ملجأ منك الا إليك.

اللهم فتقبل دعائي ، واسمع يا الهي علانيتي ونجواي ، واجعلنيممن رضيت عمله ، وقبلت نسكه ، ونجيته برحمتك ، انك أنت العزيزالحكيم الكريم.

اللهم وصل أولا واخرا على محمد وال محمد ، وبارك علىمحمد وال محمد ، وارحم محمدا وال محمد بأكمل وأفضل ما صليتو باركت وترحمت على أنبيائك ورسلك وملائكتك وحملة عرشكبلا اله الا أنت.

__________________

(1) يوشك : يقرب ويسرع.

(2) النور : 55.

٤٧٨

اللهم لا تفرق بيني وبين محمد وال محمد صلواتك عليهوعليهم ، واجعلني يا الهي من شيعة محمد وعلي وفاطمة والحسنوالحسين وذريتهم الطاهرة والمنتجبة ، وهيئ لي التمسك بحبلهم ،والرضا بسبيلهم ، والاخذ بطريقهم انك جواد كريم.

ثم عفر وجهك على الأرض ، وقل :

يا من يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد ، أنت حكمت فلك الحمدمحمودا مشكورا ، ففرج يا مولاي فرجهم وفرجنا بهم ، فإنك ضمنتاعزازهم بعد الذلة ، وتكثيرهم بعد القلة ، واظهارهم بعد الخمول ، ياأصدق الصادقين ويا ارحم الراحمين.

فاسالك يا الهي وسيدي متضرعا إليك بجودك وكرمك بسطاملي ، والتجاوز عني ، وقبول قليل عملي وكثيره ، والزيادة في أيامي ،وتبليغي ذلك المشهد ، وان تجعلني ممن يدعى فيجيب إلى طاعتهم ،وموالاتهم ونصرهم ، وتريني ذلك قريبا سريعا في عافية ، انك على كلشئ قدير.

ثم ارفع يدك إلى السماء وقل :

أعوذ بك ان أكون من الذين لا يرجون أيامك ، وأعذني برحمتكمن ذلك.

فان هذا أفضل يا ابن سنان من كذا وكذا حجة ، وكذا وكذا عمرةتتطوعها ، وتنفق فيها مالك ، وتتعب فيها بدنك ، وتفارق فيها أهلك وولدك.

٤٧٩

واعلم أن الله تعالى يعطي من صلى هذه الصلاة في هذا اليومودعا بهذا الدعاء مخلصا ، وعمل هذا العمل موقنا مصدقا عشر خصال ،منها : ان يقيه الله ميتة السوء ، ويؤمنه من المكاره والفقر ، ولا يظهر عليهعدوا إلى أن يموت ، ويقيه من الجنون والبرص في نفسه وولده إلى أربعةاعقاب له ، ولا يجعل للشيطان ولا لأوليائه عليه ولا على نسله إلى أربعةاعقاب سبيلا.

قال ابن سنان : فانصرفت وأنا أقول :

الحمد لله الذي من علي بمعرفتكم وحبكم ، واسأله المعونة علىالمفترض علي من طاعتكم بمنه ورحمته(1) .

7 ـ زيارة أخرى لهعليه‌السلام في يوم عاشوراء من قريب أو بعيد ، تقول :

السلام عليك يا أبا عبد الله ، السلام عليك يا بن رسول الله ، السلام

__________________

(1) عنه البحار 101 : 313.

رواه الشيخ في مصباحه : 726 ، باسناده عن عبد الله بن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام ، عنه البحار101 : 303.

ذكره السيد في مصباح الزائر : 138 ، عنه البحار 101 : 309.

أخرجه السيد في الاقبال 3 : 67 مع اختلافات ، باسناده عن عبد الله بن جعفر الحميري ، عنالحسن بن علي الكوفي ، عن الحسن بن محمد الحضرمي ، عن عبد الله بن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام ، عنه البحار 101 : 310.

رواه السيد هذه الرواية كما في مصباح المتهجد بعينها في مصباح الزائر ، وأوردها فيالاقبال بوجه آخر بينهما اختلاف كثير.

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606