الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٥

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل9%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 606

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 606 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 254471 / تحميل: 6664
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٥

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

الطبيعيّ لأحد أنبيائه بعد أن دعا الله تعالى أن يحبسها عليه وهو في حال جهاد، فاستجاب له - وهو ما قرّره الابنان: ابن الجوزيّ، وابن تيميه فيما أنكرا رجوعها! -، وانشقاق القمر يومَ وُلِد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وضربت النّجومُ بعضُها بعضاً، وغيض ماء بُحيرة ساوه، ونبع الماء من بين أصابعهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وانفلق البحر لموسىعليه‌السلام ، فسلكه ومن معه، فلمّا جاوزه انطبق على فرعون وجنده فكانوا من المُغرقين.

ومن آيات عيسىعليه‌السلام : إحياء الموتى بإذن الله تعالى، والموت والحياة من شأن الله سبحانه.

وأوتي سليمانعليه‌السلام من الآيات الباهرات وخوارق العادات الكثير وكانت النار التي أوقدها نمرود برداً وسلاماً على إبراهيم الخليلعليه‌السلام «وهو مخالف لما جعله الله تعالى للنار من طبيعة الإحراق.

ومثلما حُبست الشمس ليوشع فتأخّر غروبها وطوّل الله تعالى له النهار، إلى آخر كلامه؛ فنقول: إنّ حبس الشمس عن جريها الطبيعيّ وتأخير الغروب وتطويل النّهار، كلّ ذلك خروج عن سنّة الله تعالى في خلقه، لكنّه واقع في مشيّته كما ذكرنا من قبل، ولا فرق بين حبسها وبين ردّها!

وإضافة إلى ما ذكرناه من معاجز الأنبياء، ومنها ما كان لنبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله نذكر بعضاً آخر من ذلك، مثل: تسبيح الحصى في يده الشريفة، واستجابة النخلة له لمّا طلب منه المشركون فتحوّلت من مكانها وانحنت أمامه وشهدت له بالنبوّة، وهذا خروج للجمادات عمّا هو مألوف منها من حال الجمود. وهذه أمثلة من حرمة الجمادات وشأنها؛ فكيف بسادات الورى؟

١٨١

حرمة الحجر الأسود

للحجر الأسود شأن خاصّ ليس لبقيّة موجودات الله تعالى مثله، حتّى ولا للشمس.

عن أبي الطّفيل: رأيتُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يطوف بالبيت ويستلم الركن بمِحْجنٍ معه، ويقبّل المحجن.(1)

وعن ابن عبّاس قال: رأيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يسجد على الحجر.(2)

ولقد قيل في الحجر الأسعد أنّه نزل من الجنّة. روي ذلك عن ابن عبّاس، قال: إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: «الحَجَرُ الأَسودُ من الجنّة».(3)

وقد استنّ المسلمون بفعلِ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكانوا يقبّلون الحجر الأسود ويتبرّكون به، إلاّ أنّه قد عرض لبعضهم شبهة للجهلِ بعلّة تقبيل الحجر والسجود عليه!

عن عابس بن ربيعة(4) ، قال: رأيت عمر بن الخطّاب قام عند الحجر وقال: والله إنّي أعلم أنّك حجرٌ لا تضرّ ولا تنفع، ولو لا أنّي رأيتُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبّلك ما قبّلتُك. فقال له عليّ: بلى؛ هو يضرّ وينفع، ولو علمت ذلك من كتاب الله لعلمت أنّه كما أقول، قال الله تعالى:« وَإِذْ أَخَذَ رَبّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرّيّتَهُمْ

____________________

(1) سُنن أبي داود 2: 176؛ سنن ابن ماجة 2: 983؛ صحيح مسلم 2: 893.

(2) السنن الكبرى للبيهقيّ 5: 75.

(3) سنن النَّسائيّ 5: 226؛ الدّر المنثور 1: 135.

(4) عابس بن ربيعة: كوفيّ، تابعيّ، ثقة (تاريخ الثقات للعجليّ 239 / 734).

١٨٢

وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى‏ أَنْفُسِهِمْ) (1) ، فلمّا اقرّوا أنّه الربّ عزّوجلّ، وأنّهم العبيد، كتب ميثاقهم في رَقّ وألقمه في هذا الحجر، وأنّه يبعث يوم القيامة وله عينان ولسان وشفتان، يشهد لمن وافى بالموافاة، فهو أمين الله في هذا الكتاب. فقال عمر: أعوذ بالله أن أعيش في قوم لستَ فيهم يا أبا الحسن!(2)

وأخرج عبد الرزّاق عن معمر عن عاصم عن عبد الله بن سَرْجِس قال: رأيتُ عمر بن الخطّاب يقبّل الركن وكان يقول: والله إنّي لأقبّلك وأعلم أنّك حجر، وأعلم أنّ الله ربّي، ولكن رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبّلك فقبّلتك.(3)

وعبد الرزّاق بسنده عن سُوَيد بن غفلة قال: رأيت عمر بن الخطّاب يقبّل الحجر ويقول: والله إنّي لأعلم أنّك حجر، ولكن رأيت أبا القاسمصلى‌الله‌عليه‌وآله بك حفيّاً.(4)

وعبد الرزّاق عن محمّد بن راشد قال: سمعتُ مكحولاً يحدّث أنّ عمر بن الخطّاب استقبل الركن فقال: قد علمت أنّك حجر، وأنّك لا تضرّ ولا تنفع، ولو لا

____________________

(1) الأعراف: 172.

(2) المستدرك على الصحيحين 1: 457، شرح نهج البلاغة للمعتزليّ 3: 122، السيرة الحلبية 1: 188، كنز العمّال 5: 93، وذكره أبو داود في سننه 2: 175 / 1873، واقتصر على شطره الأوّل من غير كلام أميرالمؤمنينعليه‌السلام .

(3) المصنّف لعبد الرزّاق 5: 53 / 9096. وأخرجه مسلم / الحديث (1270) برقم فرعيّ (250). وذكره ابن ماجة بتغيير وإضافة بعض الألفاظ، سنن ابن ماجة 2: 981 / 2943.

(4) المصنّف لعبد الرزّاق 5: 54 / 9097. وأخرجه مسلم / الحديث (1271) من طريق إبراهيم بن عبد الأعلى. وحفيّاً: مبالغاً في إكرامه.

١٨٣

أنّي رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقبّلك ما قبّلتك. قال: ثمّ قبّله.(1)

الحجر يمين الله

فلمّا كان الحجر الأسود من الجنّة، كما في رواية ابن عبّاس التي ذكرناها، فهو بذاته حجر مبارك وجاز التبرّك به لذلك. إلاّ أنّ ما أوضحه أميرالمؤمنين عليعليه‌السلام من أنّ الحجر هو أمينُ الله في أرضه يشهد لمن وافاه بالبيعة! زاد في كرامة الحجر وتعظيمه عند رسول الله وطليعة الصحابة.

عن ابن عبّاس قال: الحجر الأسود يمين الله في الأرض، فمن لم يدرك بيعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاستلم الحجر، فقد بايع الله ورسوله!(2)

فما أعظم شأنه؟! وكم تخفى علينا أمور وعلل نجهلها؛ فما علينا إلاّ التسليم بعد ثبوت شرعيّتها والإتيان بها من غير حرج.

عن فاطمة بنت حسين، عن أبيها قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لمّا أخذ الله ميثاق العباد جُعل في الحجر، فمِن الوفاء بالبيعة استلامُ الحجر»(3) .

حُرمة الكعبة، والتعوّذ بالبيت

عبد الرزّاق عن ابن جُرَيْج قال: حُدّثتُ أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يضع يده على

____________________

(1) المصنّف لعبد الرزّاق 5: 54 / 9098.

(2) الدّر المنثور 1: 134.

(3) الذّرية الطاهرة للدولابيّ 131 / 160.

١٨٤

الركن اليمانيّ.(1)

عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جدّه قال: طفت مع عبد الله بن عمر -، فلمّا فرغنا من السبع ركعنا في دبر الكعبة، فقلت: ألا تتعوّذ، قال أعوذ بالله من النار. ثمّ مشى فاستلم الركن، ثم قام بين الحجر والباب فألصق صدره ويديه وخدّه إليه، ثمّ قال: هكذا رأيت رسول الله يصنع.(2)

عبد الرزّاق، عن معمر، عن هشام بن عروة، عن أبيه أنّه كان يلصق بالبيت صدره ويده وبطنه.(3)

عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله يقول: «مَن طافَ بالبيت وصلّى ركعتين، كان كعتقِ رقبةٍ».(4)

سأل ابن هشام عطاء بن أبي رباحٍ عن الركن اليمانيّ، وهو يطوف بالبيت. فقال عطاء: حدّثني أبو هريرة أنّ النبيّ قال: «وُكِل به سبعون ملكاً، فمن قال: اللّهمّ إنّي أسألك العفوَ والعافية في الدنيا والآخرة، ربّنا آتنا في الدّنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقِنا عذاب النار؛ قالوا: آمِين».

فلمّا بلغ الرّكن الأَسود قال: يا أبا محمّدٍ، ما بلغك في هذا الرّكن الأسود؟

____________________

(1) المصنّف لعبد الرزّاق 5: 55 / 9102.

(2) المصنّف لعبد الرزّاق 5: 55 / 9106، سنن ابن ماجة 2: 987 / 2962، سُنن أبي داود 1: 181 / 1899.

(3) المصنّف لعبد الرزّاق 5: 56 / 9111.

(4) سنن ابن ماجة 2: 985 / 2956.

١٨٥

فقال عطاء: حدّثني أبو هريرة أنّه سمع رسول الله يقول: «مَن فاوضَه(1) فإنّما يفاوض يدَ الرحمان».

قال له ابن هشام: يا أبا محمّد، فالطّواف؟ قال عطاء: حدّثني أبو هريرة أنّه سمع النبيّ يقول: «من طاف بالبيت سبعاً ولا يتكلّم إلاّ بسبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ اللهُ، واللهُ أكبر، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله؛ مُحِيَت عنه عشر سيّئات، وكُتبت له عشر حسنات ورُفع له بها عشرةَ درجات. ومن طاف فتكلّم وهو في تلك الحال، خاض في الرحمة برِجْلَيه، كخائض الماء برجلَيه».(2)

عبد الرزّاق عن معمر قال: رأيت أيّوب يلصق بالبيت صدره ويديه.(3)

عن مكحول قال: إذا طفت بين السّادس والسابع فالتزم بالبيت ما بين الركن الأسود والركن اليمانيّ، ثم تعوّذ بالله.(4)

تكريم البيت

اللّيث عن عطاء، وطاووس، ومجاهد؛ قالوا: لا يُدخَل البيت بحذاء ولا بسلاح، ولا خُفَّين، وكان عطاء ومجاهد يريان الحِجر من البيت.(5)

وعن عبد الله بن عبّاس قال: كانت الأنبياء تدخل الحرم مُشاةً حُفاة،

____________________

(1) فاوضه: أي قابله بوجهه.

(2) سنن ابن ماجة 2: 24 / 957.

(3) المصنّف لعبد الرزّاق 5: 55 / 9105.

(4) نفسه / 9109.

(5) نفسه: 61 / 9135.

١٨٦

ويطوفون بالبيت، ويقضون المناسك حفاةً مشاة.(1)

عن سهل بن سعد الساعديّ، عن رسول الله قال: «ما من مُلَبٍّ يُلَبِّي إلاّ لبّى ما عن يمينه وشماله، من حجرٍ أو شجرٍ أو مَدَر، حتّى تنقطع الأرض من ههنا وههنا».(2)

ضيوف الرحمان

و للمنزلة الخاصّة لبيت الله الحرام، فإنّ من قصده من قريب أو بعيد فهو في ضيافة الله تعالى؛ الكريم، ومن كرمه، وقد نزلوا أشرف البقاع وأقربها إليه عزّوجلّ، وأن يستجيب دعاءهم.

بسندٍ عن أبي هريرة، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: «الحُجّاج والعُمّار وفدُ اللهِ، إن دَعَوْه أجابهم، وإن استغفروه غَفَرلهم».(3)

و بسندٍ عن ابن عمر، عن النبيّ قال: «الغازي في سبيل الله والحاجُّ والمُعتمر وفدُ الله، دعاهم فأجابوه، وسألوهُ فأعطاهم».(4)

وبسند عن سعيد بن جُبير قال: سمعتُ ابنَ عبّاس يقول: قال رسول الله «ليأتينّ هذا الحجر يوم القيامة، وله عينان يُبصرُ بهما، ولسان ينطق به، يشهد على

____________________

(1) سنن ابن ماجة 2: 980 / 2939.

(2) نفسه: 974 / 2921.

(3) سنن ابن ماجة 2: 966 / 2892.

(4) نفسه / 2893.

١٨٧

من يَستلِمُه بحقّ».(1)

وعن نافع، عن ابن عمر قال: استقبل رسول الله الحجر، ثم وضع شفتيه عليه يبكي طويلاً، ثم التفت فإذا هو بعمر بن الخطّاب يبكي فقال: «يا عمر، ههنا تُسكبُ العَبَراتُ».(2)

عثمان بن أبي شيبة بسنده عن عبد الرحمان بن صفوان قال: لما فتح رسول الله مكّة، انطلقتُ فرأيتُ النبيَّ قد خرج من الكعبة هو وأصحابه، وقد استلموا البيت من الباب إلى الحطيم، وقد وضعوا خدودهم على البيت.(3)

حرمةُ المؤمن

جرى الكلام عن بيت الله وحُرمته، وأثره في النفوس وفضيلته، والمقام الخاصّ للحجر الأسود وعظمته، إلاّ أنّ النصوص من القرآن والسنّة تقرّر حقيقةً هي عظم حرمة المؤمن، فيذكر القرآن الكريم المنزلة الخاصّة للإنسان بين مخلوقاته:« لَقَدْ كَرّمْنَا بَنِي آدَمَ) (4) الآية.

هذا في عموم بني آدم، إلاّ أنّ الإنسان يستأهل هذا التكريم بقدر قربه من الله وتقواه:« إِنّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ » . (5)

____________________

(1) نفسه: 982 / 2944.

(2) نفسه.

(3) سُنن أبي داود 2: 181 / 1898.

(4) الإسراء: 70.

(5) الحجرات: 13.

١٨٨

ولأجل الإنسان خلقت الجنّة يسعد بها المؤمن في نعيمٍ مقيم خالد، فإذا كانت تلك هي حرمة الحجر الأسعد لأنّه من الجنّة، وتلك هي حرمة الكعبة ومنزلتها إذ هي بيت الله تعالى ومحلّ ضيافته؛ فما هو موقع الإنسان المؤمن المتّقي، وما هي حُرمته؟ بسندٍ عن مكحول: إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لمّا رأى البيت حين دخل مكّة رفع يديه وقال: «اللّهمّ زد هذا البيت تشريفاً وتعظيماً وتكريماً ومهابة، وزد من شرّفه وكرّمه ممّن حجَّه واعتمره تشريفاً وتعظيماً وتكريماً وبِرّاً».(1)

إنّ أشرف بقاع الأرض هي مكّة المكرّمة، فيها أوّلُ بيتٍ وضعه الله تعالى لعبادته« إِنّ أَوّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلّذِي بِبَكّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ) (2) .

والمؤمن أولى بهذا البيت، وكلّما حجّه واعتمره زاد شرفاً إلى شرفه، إذ كما للبيت والحجر وظيفة هي الشّهادة لمن وافاهما، فكذلك المؤمن فهو شاهد على غيره« لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النّاسِ وَيَكُونَ الرّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً » (3) ، والآية بيان منه سبحانه لفضل هذه الأمّة على سائر الأمم. ومعنى شهداء على الناس أي: لتشهدوا على النّاس بأعمالهم، أو لتكونوا حُجّةً على الناس فتُبيِّنوا لهم الحقّ والدّين ويكون الرسول عليكم شهيداً بما يكون من أعمالكم، وحجّةً عليكم. (4)

ولسعة أُفق مسؤوليّة المؤمن في هذه الحياة، كانت حُرمته أعظم، فعن ابن

____________________

(1) الدرّ المنثور 1: 132.

(2) آل عمران: 96.

(3) البقرة: 143.

(4) مجمع البيان - تفسير الآية 143 سورة البقرة.

١٨٩

عبّاس قال: لما نظر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الكعبة قال: «مرحباً بكِمن بيتٍ ما أعظمك وأعظمَ حرمتك، لَلْمُؤمنُ أعظمُ عند الله حرمةً منكِ».(1)

تفاوت منازل المؤمنين

تتفاوت منازل المؤمنين عند الله تعالى، وميزان هذا التفاوت هو التقوى:« إِنّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ » (2) وأتقى الأمّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهو سيّد البشر مطلقاً، وهو خاتم الأنبياء، قد بشّر به مَن كان قبله منهم، ورسالته خاتمة الرسالات؛ فهو أولى بالشرف الباذخ الذي لا تنال ذُراه الكعبة. وهو الذي حرّر البيت الحرام، فطهّر الكعبة من أدران الجاهليّة وحطّم الأصنام التي على سطحها، فكان النظر إلى وجهه الكريم وتعظيمه هو مثلما يكون للكعبة. وكان الذي باشر عمل ذلك هو عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، أصعده رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مَنْكِبَيه، فكان ذلك منزلةً له وكرامة.(3)

وللشافعيّ نظم في هذه المكرمة العلويّة:

قيلَ لي: قُل في عليّ مدحاً

ذكرُهث يخمدُ ناراً مُوصَدَهْ

____________________

(1) الدّر المنثور 1: 132.

(2) الحجرات: 13.

(3) مسند أحمد 1: 84، 151، خصائص أمير المؤمنين للنّسائيّ 31، المستدرك على الصحيحين 2: 367 و 3: 5، تاريخ بغداد 13: 2، 3، صفة الصفوة لابن الجوزيّ 1: 119، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام لابن المغازليّ: 202 - 203، المناقب للخوارزميّ: 123، ذخائر العقبى: 85، كفاية الطالب: 257، ينابيع المودّة: 139 الرياض النضرة 2: 200، المواهب اللّدنيّة للقسطلانيّ 1: 204.

١٩٠

قلتُ: لا أقدم في مدح امرئ

ضلّ ذواللُّبّ إلى أن عَبَدهْ

والنبيُّ المصطفى قال لنا

ليلة المعراج لمّا صَعده

وضع اللهُ بظهري يدَهُ

فأحسّ القلبُ أنْ قد بردَهْ

وعليّ واضعٌ أقدامَهُ

في محلٍّ وَضَعَ اللهُ يَدَهْ(1)

فبهذا اللّحاظ، وبلحاظ بقيّة مناقبهعليه‌السلام : من سابقته إلى الإسلام، وأنّه لم يسجد لصنمٍ قطّ ولم يوجّه وجهه في ركوع ولا سجود إلاّ إلى الكعبة التي وُلد فيها، ولم يولد قبله ولا بعده فيها أحد غيره، ولأعلميّته وشرائه النّفسَ في سبيل الله، وغير ذلك من المناقب الخاصّة به ممّا سيأتي الكلام عنها. لكلّ ذلك؛ ولأنّه نَفْسُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما في آية المباهلة(2) ، فكان له ما لرسول الله إلاّ النبوّة، ولذا.. فكما أنّ النظر إلى وجه النبيّ عبادة؛ كذلك النظر إلى وجه عليّعليه‌السلام عبادة.

النظر إلى وجه عليّ عبادة

والأحاديث في هذا المعنى من الكثرة نذكر بعضها: بسندٍ عن عبد الله بن

____________________

(1) ينابيع المودّة للقندوزيّ: 140.

(2) تفسير مقاتل 1: 282، مسند أحمد 1: 185، صحيح مسلم 7: 120، الجامع الصحيح للترمذيّ 4: 293، كتاب الولاية لابن عقدة: 186، دلائل النبوّة لأبي نعيم: 124، المستدرك للحاكم 3: 150، أسباب النزول للواحديّ: 68، تفسير الطبريّ 3: 212، شواهد التنزيل 1: 128، مصابيح البغويّ 2: 277، تفسير الحِبَريّ 248، تفسير فرات: 29، تذكرة الخواصّ: 17؛ تفسير الثعلبيّ 3: 85، تفسير ابن كثير 1: 371، مناقب عليّ لابن مردويه: 226 - 228، أسد الغابة 4: 105، وله مصادر كثيرة نذكرها في موضعها.

١٩١

مسعود قال: قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «النظر إلى وجه عليّ عبادة».(1)

وكيع عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنّ النبيّ قال: «النظر إلى وجه عليّ عبادة».(2)

وعن أبي هريرة قال: رأيت مُعاذ بن جبل يُديم النظر إلى عليّ بن أبي طالب، فقلت: ما لكَ تديم النظر إلى عليّ كأنّك لم تره؟! فقال: سمعتُ رسول الله يقول: «النظر إلى وجه عليّ عبادة».(3)

وبطرقٍ عدّة عن عمران بن حصين: «النظر إلى عليّ عبادة».(4)

معمر، عن الزّهريّ، عن عروة، عن عائشة قالت: رأيت أبا بكر يكثر النظر إلى وجه عليّ، فقلت له: يا أبه، أراك تُكثر النظر إلى وجه عليّ! فقال: يا بُنيّة سمعتُ رسول الله يقول: «النظر إلى وجه عليّ عبادة».(5)

____________________

(1) المستدرك على الصحيحين 3: 152 / 4682، المناقب للخوارزميّ 361، حلية الأولياء 5: 58، ميزان الاعتدال للذهبيّ 4: 401، لسان الميزان لابن حجر 6: 178، الصواعق المحرقة: 73.

(2) حلية الأولياء 2: 182، مناقب الإمام عليّ لابن المغازليّ: 207، لسان الميزان 1: 242، منتخب كنز العمّال 5: 30.

(3) تاريخ بغداد 2: 51، مناقب الإمام عليّ لابن المغازليّ: 207، ميزان الاعتدال 3: 484.

(4) مناقب الإمام عليّ: 209، المناقب للخوارزمي: 363، كفاية الطّالب: 161، الرياض النضرة 2: 219، البداية والنهاية 7: 357، ينابيع المودّة: 90، تاريخ الخلفاء: 66.

(5) تاريخ بغداد 2: 51، مناقب الإمام عليّ: 211، كفاية الطّالب: 161.

١٩٢

مثَلُ عليّ في الأُمّة

و لكون عليّعليه‌السلام المَثَل الأعلى بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ أنزله النبيّ منزلة الكعبة، فعلى المسلمين أن يشدّوا الرّحال إليه ليستمدّوا منه معالم دينهم، فهم جميعاً محتاجون إليه وعليهم أن يقصدوه كما يقصدون الكعبة.

عن صالح بن ميثم(1) عن يَريم بن العلا(2) ، عن أبي ذرّ قال:

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «مثَلُ عليّ فيكم - أو قال: في هذه الأمّة - كَمثَلِ الكعبة المستورة - أو المشهورة -، النظرُ إليها عبادة، والحجّ إليها فريضة».(3)

عن شريك، عن سَلَمة، عن الصُّنابحي(4) ، عن عليّ قال: قال رسول الله لعليّ:

____________________

(1) صالح بن ميثم. قال له أبو جعفر - الباقرعليه‌السلام - (إنّي أحبّك وأُحبّ أباك حبّاً شديداً) (رجال ابن داود 186 / 760). وذكره البرقيّ في أصحاب الباقرعليه‌السلام (رجال البرقيّ: 15). وذكره هو وابنه عُقبةَ بن صالح في أصحاب الصادقعليه‌السلام (رجال البرقيّ: 16).

(2) لم أعثر له على ترجمة.

(3) مناقب الإمام عليّ 107، كفاية الطالب: 161، الرياض النضرة 2: 219، مجمع الزوائد 19: 119، كنز العمّال 6: 158.

(4) شَرِيك بن عبد الله النّخعيّ القاضي، كوفيّ ثقة. (تاريخ الثقات للعجلي 217 / 644).

وسَلَمة بن كُهَيل الحضرميّ: كوفيّ، ثقةٌ ثبتٌ في الحديث، تابعيّ. قال سفيان الثّوري لحمّاد بن سلمة: رأيتَ سلمة بن كهيل؟ قال: نعم، قال: لقد رأيت شيخاً كيِّساً، قال: وكان فيه تشيّع قليل، وهو من ثقات الكوفيّين (تاريخ الثقات 197 / 591). وذكره الطوسيّ في أصحاب أميرالمؤمنين، وقال تابعيّ. ثمّ ذكره في أصحاب الأئمّة: عليّ بن الحسين، والباقر، والصادقعليهم‌السلام (رجال الطوسيّ: 43، 91، 124، 211). وذكره البرقيّ في خواصّ أصحاب أميرالمؤمنين، وفي أصحاب: =

١٩٣

«أنت بمنزلة الكعبة: تؤتى ولا تأتي، فإن أتاك هؤلاء القوم فسَلَّمُوها إليك - يعني الخلافة - فاقبَلْ منهم، وإن لم يأتوك فلا تأتهم حتّى يأتوك».(1)

فالسعيُ إلى عليّعليه‌السلام كالسعي بين الصفا والمروة، والتزامُه مثل التزام ملتزم الكعبة، فهو وبنوه مثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومَن تخلّف عنها غرق.

أخرج الشريف الرضيّ بسندٍ عالٍ، عن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ ابن موسى بن جعفر قال: حدّثني أبي عليّ، قال حدّثني أبي محمّد، قال: حدّثني أبي عليّ، قال: حدّثني أبي موسى، قال: حدّثني أبي جعفر، قال: حدّثني أبي محمّد، قال: حدّثني أبي عليّ، قال: حدّثني الحسين بن عليّ، عن أبيه أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا عليّ، مَثَلُكُم في الناس مَثَلُ سفينة نوح: من رَكِبَها نجا، ومن تخلّف عنها غرق، فمن أحبّكم يا عليّ نجا، ومن

____________________

= السجّاد والباقرعليهم‌السلام (رجال البرقيّ: 4، 8، 9). قال ابن سعد: توفّي سلمة بن كهيل الحضرميّ سنة اثنتين وعشرين ومائة حين قُتل زيد بن عليّ بالكوفة. (الطبقات الكبرى 6: 314 / 2415).

والصّنابحي: شاميّ، تابعيّ، ثقة، من خيار التابعين. (تاريخ الثقات 230 / 705). وهو عبد الرحمان بن عسيلة المراديّ الصّنابحي، رحل إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فوجده قد مات فنزل الشام، روى عن النبيّ مرسلاً، وعن أبي بكر وعمر وعليّ وغيرهم (تهذيب الكمال 6: 229). ومثله في (طبقات ابن سعد) عبد الرحمان بن عسيلة الصّنابحي، من حِمْيَر، ويكنّى أبا عبد الله، وكان ثقة قليل الحديث، روى عن أبي بكر وعمر وبلال. وذكر بسنده عن الصّنابحي قال: ما فاتني رسول الله إلاّ بخمس ليالٍ، توفّي رسول الله وأنا بالجحفة، فقدمت على أصحابه متوافرين، فسألت بلالاً عن ليلة القدر فقال: ليلة ثلاث وعشرين (الطبقات الكبرى 7: 353 / 4038).

(1) أسد الغابة 4: 112. وبلفظٍ آخر في: كفاية الطالب: 161، ومناقب الإمام عليّعليه‌السلام : 107، كنز العمّال 6: 158، ومجمع الزوائد 9: 119.

١٩٤

أبغضكم ورفض محبّتكم هوى في النار». ومَثَلُكُم يا عليّ مثل بيت الله الحرام: من دخله كان آمناً، فمن أحبّكم ووالاكُم كان آمناً من عذاب النار، ومن أبغضكم ألقي في النار يا عليّ« وَللّهِ‏ِ عَلَى النّاسِ حِجّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً » (1) ، ومن كان له عذر فله عذره، ومن كان مريضاً فله عذره، والله لا يعذر غنيّاً ولا فقيراً ولا مريضاً ولا أعمى ولا بصيراً في تفريطه في موالاتكم ومحبّتكم.(2)

وأخرج سفيان الفسويّ، عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه قال: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمانٌ لأمّتي».(3)

وعن قتادة، عن عطاء، عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمانٌ لأمّتي من الاختلاف؛ فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس».(4)

وعن أبي إسحاق - السّبيعيّ -، عن حنش الكنانيّ(5) قال: سمعت أبا ذرّ يقول وهو آخذ بباب الكعبة: «مَن عرفني فأنا مَن عرفني، ومن أنكرني فأنا أبوذرّ، سمعتُ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: ألا إنّ مَثَل أهل بيتي فيكم مَثَلُ سفينة نوح في

____________________

(1) آل عمران: 97.

(2) خصائص أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب للشريف الرضيّ: 48.

(3) المعرفة والتاريخ للفسويّ 1: 296.

(4) المستدرك على الصحيحين للحاكم 3: 162 / 4715.

(5) حنش بن المعتمر الكنانيّ، كوفيّ ثقة تابعيّ (تاريخ الثقات للعجليّ 136 / 347)، ووثّقه ابن داود وأخرج له في سُننه، والترمذيّ في جامعه.

١٩٥

قومه، من رَكِبَها نجا، ومن تخلّف عنها غَرِق».(1)

وعليّ بن زيد، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي ذرّ قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «مَثَلُ أهل بيتي مَثَلُ سفينة نوح، من ركب فيها نجا، ومن تخلّف عنها غرق، ومَن قاتلنا في آخر الزمان فإنّما قاتل مع الدّجال».(2)

وأخرج ابن أبي شيبة في مصنّفه قال: حدّثنا معاوية بن هشام(3) ، قال: حدّثنا عمّار، عن الأعمش، عن المنهال، عن عبد الله بن الحارث، عن عليّ قال: إنّما مثَلُنا في هذه الأمّة كسفينة نوح، وكتاب حِطّة في بني إسرائيل.(4)

هذا هو شأن عليّ ومنزلته، ومن كان كذلك لا يكبر عليه ردّ الشمس إليه كرامةً له من عند الله تعالى.

وأمّا من حيث الوقوع: فيكفي أنّ أميرالمؤمنين عليّاعليه‌السلام ، ذكر ذلك في محاججته القوم يوم الشّورى، فأخبتوا له في كلّ ما احتجّ به من فضائله.

أبو ساسان(5) ، وأبو حمزة، عن أبي إسحاق السبيعيّ، عن عامر بن واثلة قال:

____________________

(1) المستدرك على الصحيحين 3: 163 / 4720، والمعارف لابن قتيبة 252.

(2) المعرفة والتاريخ للفسويّ 1: 296، والكنى والأسماء للدولابيّ 1: 137 / الترجمة 241 ولكن من غير العبارة الأخيرة.

(3) معاوية بن هشام القصّار الأزديّ، أبو الحسن الكوفيّ. قال العجليّ: ثقة (تاريخ الثقات للعجليّ 433 / 1598).

(4) المصنّف لابن أبي شيبة 7: 503 / 52.

(5) حُضين بن المنذر، أبو ساسان السدوسيّ (بصريّ) تابعيّ، ثقة، وكان على راية عليّ يوم صفّين (تاريخ الثقات 123 / 304). =

١٩٦

____________________

= قال خليفة في صفة جيش أميرالمؤمنين يوم صفّين:... وعلى بكر البصرة حُضين بن المنذر (تاريخ خليفة 146).

وذكره الطوسيّ في أصحاب أميرالمؤمنين قال: أبو سنان الأنصاريّ (رجال الطوسيّ: 63).

وذكر البرقيّ أنّ له صحبة (رجال البرقيّ: 1). ثم ذكره في طبقة الأصفياء من أصحاب أميرالمؤمنينعليه‌السلام (رجال البرقيّ: 3). وذكره كذلك في شرطة الخميس من أصحابهعليه‌السلام (رجال البرقيّ: 4).

وذكره ابن داود في أصحاب أميرالمؤمنينعليه‌السلام (رجال ابن داود القسم الأوّل 398 / 42). إلاّ أنّ البرقيّ وابن داود سمّياه: الحصين - بصادٍ مهملة غير منقوطة -.

وذكره ابن سعد في الطبقة الثالثة من أهل البصرة (الطبقات الكبرى 7: 155). وأبو حمزة: هو ثابت بن أبي صفيّة واسم أبي صفيّة دينار الأزديّ الكوفيّ، مات سنة خمسين ومائة. ذكره الطوسي في: أصحاب عليّ بن الحسين، وفي أصحاب الباقر، وفي أصحاب الصادقعليهم‌السلام (رجال الطوسيّ 84، 110، 160).

قال النجاشيّ: كوفي ثقة، وأولاده: نوح، ومنصور، وحمزة - قُتلوا مع زيد بن عليّ قال: لَقِيَ عليَّ ابن الحسين وأبا جعفر وأبا عبد الله وأبا الحسنعليهم‌السلام ، وروى عنهم، وكان من خيار أصحابنا وثقاتهم ومعتمديهم في الرواية والحديث. ورُوي عن أبي عبد الله أنّه قال: أبو حمزة في زمانه مثلُ سلمان في زمانه. وروى عنه العامّة. له كتاب تفسير القرآن، وكتاب النوادر ورسالة الحقوق عن عليّ بن الحسين (رجال النجاشي 83 - 84).

وذكره ابن داود فقال: ثقة، له كتاب (رجال ابن داود 76 / 273).

وذكره البرقيّ في أصحاب عليّ بن الحسينعليه‌السلام (رجال البرقيّ 8).

وترجم له المزّيّ ترجمة وافية نذكر منها أسماء من روى عنهم، ومن رَوَوا عنه؛ لنعرف منزلته ووثاقته، قال: روى عن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، وأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن أبي طالب، وعكرمة مولى ابن عبّاس، والأصبغ بن نُباتة، وأنس بن مالك، وسعيد بن جُبير، وعامر الشعبيّ، وسالم بن أبي الجعد الغطفانيّ، وأبي إسحاق السّبيعيّ... وغيرهم. =

١٩٧

____________________

= روى عنه: سفيان الثّوريّ، وشريك بن عبد الله النخعيّ وعمرو بن أبي المقدام ثابت بن هرمز، و عبيدالله بن موسى وأبونعيم الفضل بن دكين، ووكيع بن الجرّاح، وأبوبكر بن عيّاش، وحفص بن غياث، والحسن بن محبوب... وغيرهم. روى له الترمذيّ، والنّسائيّ في (مسند عليّ) (تهذيب الكمال للمزّيّ 4: 357 / 819).

وأبو إسحاق: هو أبو إسحاق السبيعيّ، واسمه عمرو بن عبد الله بن عليّ... بن سبيع... بن هَمْدان، السّبيعيّ الهَمْدانيّ الفقيه (النّسب لابن سلام 337، الطبقات الكبرى 6: 311 / 2411).

قال العجليّ: أبو إسحاق السّبيعيّ (كوفيّ) تابعيّ، ثقة، روى عن ثمانية وثلاثين من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله (تاريخ الثقات 366 / 1272).

روى عن: زيد بن أرقم، والبراء بن عازب، عديّ بن حاتم، وعبد الله بن عمرو و أسامة بن زيد، وأنس بن مالك، وحُبْشيّ بن جُنادة وزيد بن يُثيع، وسعيد بن جبير، وسليمان بن صرد الخزاعيّ، وجرير بن عبد الله البجلي، وعامر بن شراحيل الشّعبي، وعبد الله بن الحارث بن نوفل، وعبد الله بن الزبير بن العوّام، وعبد الله بن عبّاس والحارث بن عبد الله الأعور، وعبد الرحمان بن أبي ليلى، وعبد خير الهمدانيّ وعكرمة مولى ابن عباس، وكميل بن زياد، ومجاهد بن جبر المكّيّ، وأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين... وخلقٍ كثير.

روى عنه: أبان بن تغلب، وأبو شيبة إبراهيم بن عثمان العبسيّ، وسفيان الثّوريّ وهو أثبت الناس فيه، وسفيان بن عيينة، وسليمان الأعمش، وشريك بن عبد الله وشعبة بن الحجّاج، وفضيل بن مرزوق، وفِطْر بن خليفة، وأبو حمزة الثّماليّ، وموسى بن عقبة، ومنصور بن المعتمر، ومِسعَر بن كِدام، وعبد الله بن المختار، وحمزة بن حبيب الزّيّات، ومالك بن مِغْول... وكثيرون.

مات سنة سبع وعشرين ومائة (الطبقات الكبرى 6: 311، الكنى والأسماء للدولابيّ 1: 100، التاريخ الكبير للبخاريّ: 6 / الترجمة 2594، الجرح والتعديل: 6 / الترجمة 1347، طبقات خليفة 275 / 1210، وقد ذكره في الطبقة الرابعة من أهل الكوفة ن من مُضَر اليمن).

قال أحمد بن حنبل: أبو إسحاق ثقة، وكذلك يحيى بن معين والنّسائي (الجرح والتعديل: 6 / الترجمة 1347). =

١٩٨

كنت مع عليّعليه‌السلام في البيت يوم الشورى، فسمعت عليّاً يقول لهم: لأحتجّنّ عليكم بما لا يستطيع عربيّكم ولا عجميّكم يُغيّر ذلك. ثمّ قال: أنشدكم بالله أيّها النّفر جميعاً! هل فيكم أحد ردّت عليه الشّمس حتّى صلّى العصر في وقتها، غيري؟

____________________

= قال أبو داود الطّيالسيّ: قال رجل لشعبة: سمع أبو إسحاق من مجاهد؟ قال: وما كان يصنع بمجاهد، كان هو أحسنَ حديثاً من مجاهد، ومن الحسن وابن سيرين (الجرح والتعديل: 6: الترجمة 1347).

وسبق أن ذكرنا قول العجليّ فيه وتوثيقه له.

وعامر بن واثلة بن عبد الله بن عمرو، أبو الطّفيل اللّيثيّ الكنانيّ، آخر الصحابة موتاً. ولد عام اُحدٍ، وأدرك ثماني سنين من حياة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله . روى عن: النبيّ، وعليّ، وأبي بكر، وعمر، ومعاذ، وابن مسعود، وحذيفة بن أسيد الغفاريّ، وحذيفة بن اليمان، وزيد بن أرقم، وأبي سعيد الخدريّ، وسلمان الفارسيّ، وابن عبّاس... وغيرهم.

روى عنه: جابر بن يزيد الجعفيّ، والزهريّ، وحبيب بن أبي ثابت، وفطر بن خليفة، وعليّ بن زيد ابن جدعان، وحمران بن أعين، وعمرو بن دينار، وقتادة، وإسماعيل بن مسلم المكّيّ.. وخلق كثير (الطبقات الكبرى 5: 457، طبقات خليفة 68 / 176، 216 / 841، 488 / 2519، الجرح والتعديل: 6 / الترجمة 1829، جمهرة أنساب العرب 183، جمهرة النسب 145).

وذكره ابن داود في خواصّ أميرالمؤمنينعليه‌السلام (رجال ابن داود) 194 / 194).

وكذلك البرقيّ (رجال البرقيّ: 4)، وذكر الطوسيّ في أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي أصحاب أميرالمؤمنين، وفي أصحاب الحسن (رجال الطوسيّ: 25، 47، 69).

قال العجليّ: عامر بن واثلة، أبو الطفيل (مكّيذ) ثقة، سكن الكوفة مع عليّ، وكان من كبار التابعين، وقد رأى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله (تاريخ الثقات 245 / 757).

١٩٩

قالوا: اللّهمّ لا.(1)

____________________

(1) كتاب الولاية لابن عقدة: 174، وهي واحدة من (29) فقرة احتجّ بها أميرالمؤمنينعليه‌السلام ، فشهدوا له بتصديقها. والسند الذي ذكرناه من القوّة والوثاقة ممّا يقطع بصحّة المناشدة وإخبات القوم وتصديقهم لأميرالمؤمنين فيما احتجّ به ومنه ردّ الشمس. وذكرها ابن المغازليّ الشافعيّ المتوفّى سنة (542 هـ) في كتابه (مناقب الإمام عليّ بن أبي طالب: 112 / 155)، والجوينيّ في كتابه (فرائد السمطين 1: 319 / 215)؛ والخوارزميّ الحنفيّ المتوفّى سنة (568 هـ) في كتابه (المناقب: 313 / 314) بسنده عن زافر بن سليمان بن الحارث [ زافر بن سليمان، ثقه (تاريخ يحيى بن معين 2: 273 / 4751، الجرح والتعديل للرازيّ 1: 2 / 625) ]، عن عامر ابن واثلة؛ وذكر من المناشدة (24) فقرة.

وذكرها الگنجي الشافعيّ (المقتول سنة 658 هـ) في كتابه (كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب: 386) بسنده عن أبان بن تغلب [ أبان بن تغلب بن رياح القاري الربعيّ، أبو سعد الكوفيّ. مات سنة إحدى وأربعين ومائة. روى عن أبي إسحاق السبيعيّ والحَكَم، روى عنه شعبة بن الحجّاج، وحمّاد بن زيد (كتاب الثّقات لابن حبّان 3: 215 / 290). وفي (تاريخ أسماء الثقات لابن شاهين 67 / 75): قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: أبان بن تغلب ثقة، كان شعبة يحدّث عنه. قيل له: أبان، وإدريس الأوديّ؟ فقال: أبان أكبر.

ووثّقه أبو حاتم الرازيّ، حيث قال عن أحمد أنّه سُئل فقال: ثقة، وكذا ابن معين (الجرح والتعديل للرازيّ 1: 1 / 296).

ذكره الطوسيّ في أصحاب عليّ بن الحسين، وفي أصحاب الباقر أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسينعليهم‌السلام (رجال الطوسيّ 82، 106).

وذكره البرقيّ في أصحاب الباقر، وأصحاب الصادقعليهما‌السلام (رجال البرقيّ 9، 16).

وترجم له النجاشيّ: أبان بن تغلب بن رباح، أبو سعيد البكريّ الجُريريّ، ثقة جليل القدر عظيم المنزلة في أصحابنا، لقي عليّ بن الحسين، وأبا جعفر - الباقر - وأبا عبد الله - الصادق -عليهم‌السلام ، روى عنهم، وكانت له عندهم منزلة وقَدَم. وذكره البلاذريّ قال: روى عن عطية العوفيّ [ عطيّة بن =

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

كلّ مؤمن ، ولا يكترثون بكل شيء ولا يرعون حرمة ولا عهدا ، فهم في الحقيقة أعداء الإيمان والحقّ ، وهم مصداق ما ذكره القرآن في شأن أقوام سابقين أيضا حيث يقول :( وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) (١) .

* * *

ملاحظتان

١ ـ من هم المستثنون في هذه الآية؟

جرى الكلام بين المفسّرين في الطائفة المستثناة من الحكم :( إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) فمن هؤلاء المستثنون في هذه الآية؟!

إلّا أنّه بملاحظة الآيات السابقة ، يظهر أن المراد من هذه الجملة هم أولئك الذين بقوا على عهدهم ووفائهم ، أي القبائل التي هي من بني ضمرة وبني كنانة وبني خزيمة وأضرابهم.

وفي الحقيقة فإنّ هذه الجملة بمنزلة التأكيد للآيات السابقة ، فإنّ على المسلمين أن يكونوا حذرين واعين ، وأن يعرفوا هؤلاء الأوفياء بالعهد ويميزوهم عن سواهم الناكثين للعهد.

وما قوله تعالى :( عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) فلعل هذا التعبير يشير إلى ما كان من معاهدة بين المسلمين والمشركين في السنة السادسة للهجرة ، عند صلح الحديبية على بعد خمسة عشر ميلا عن مكّة ، فقد التحق جماعة آخرون من مشركي العرب كالقبائل المشار إليها آنفا بهذه المعاهدة حيث عاهدوا المسلمين عن ترك الخصام ، إلّا أن مشركي قريش نقضوا عهدهم ، ثمّ أسلموا في السنة الثامنة عند فتح مكّة ، أمّا الجماعة التي التحقت حينئذ من المشركين بمن عاهد المسلمين ، فلم يسلموا ولم ينقضوا عهدهم.

__________________

(١) سورة البروج ، الآية ٨.

٥٤١

ولمّا كانت أرض مكّة تستوعب منطقة واسعة «حولي ٤٨ ميلا» فقد عدّت المنطقة كلها جزءا من المسجد الحرام ، كما نقرأ عن ذلك في الآية (١٩٦) من سورة البقرة ، إذ تذكر موضوع حج التمتع وأحكامه فتقول :( ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) .

والمعروف عند الفقهاء وفتاواهم أن أحكام حج التمتع إنما تجب على من تبعد داره «أو دار أهله» أكثر من ٤٨ ميلا عن مكّة.

فبناء على ذلك لا مانع أبدا من أن يطلق على الحديبية ، التي تبعد ١٥ ميلا عن مكّة ، تعبير : عند المسجد الحرام.

وأمّا قول بعضهم : إن الاستثناء الوارد في الآية إنما هو في شأن مشركي قريش ، الذين عدّ القرآن الكريم عهدهم الذي عقدوه في صلح الحديبية محترما ، فهذا القول يبدو بعيدا ، بل هو غير صحيحى ، لأنّه.

أوّلا : من المعلوم أنّ مشركي قريش نقضوا العهد ، فنقضهم مقطوع به ، ولا مراء فيه ، فإن لم يكونوا قد نقضوا العهد ، فمن الذين لم ينقضوا عهدهم إذا؟!

ثانيا : إن صلح الحديبية إنّما كان في السنة السادسة للهجرة ، بينما أسلم مشركو قريش في السنة الثامنة للهجرة بعد فتح مكّة ، فبناء على ذلك فالآيات هذه النازلة في السنة التاسعة للهجرة ، لا يمكن أن تكون ناظرة إليهم.

٢ ـ متى يجوز الغاء المعاهدة؟

كما قلنا ذيل الآيات المتقدمة ، فإنّ المراد من الآيات محل البحث لا يعني جواز الغاء العهد بمجرّد تصميم المشركين وعزمهم على نقض العهد عند بلوغهم القدرة ، بل إنّهم أبدوا هذا الأسلوب وطريقة تفكيرهم عمليّا مرارا ، فمتى استطاعوا أن يوجهوا ضربتهم إلى الإسلام دون الالتفات إلى المعاهدة وجهوها. وهذا المقدار من عملهم كاف لإلغاء عهدهم.

* * *

٥٤٢

الآيات

( فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (١١) وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (١٢) أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣) قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (١٤) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٥) )

التّفسير

لم تخشون مقاتلة العدوّ؟!

إنّ أحد أساليب الفصاحة والبلاغة أن يكرر المتحدّث المطلب المهم بتعابير مختلفة للتأكيد على أهمية ، وليكون له أثر في النفوس. ولما كانت مسألة تطهير

٥٤٣

المحيط الإسلامي من الوثنية وعبادة الأصنام وإزالة آثارها ، من المسائل ذات الأهميّة القصوى ، فإنّ القرآن يكرر هذه المطالب بعبارات جديدة ـ في الآيات محل البحث ـ ويورد القرآن كذلك لطائف تخرج المطلب ـ عن صورة التكرار ، ولو التكرار المجازي.

فتقول الآية الأولى من هذا الآيات محل البحث :( فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ ) .

وتضيف معقبة( وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) .

وكان التعبير في الآيات المتقدمة أنّهم إذا أدّوا وظيفتهم الإسلامية ، أي تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزّكاة( فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ) أمّا التعبير في هذه الآية( فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ ) أي لا فارق بينهم وبين أحد من المسلمين من حيث الاحترام والمحبّة ، كما لا فارق بين الإخوان.

وهذه التعابير تؤثر من الناحية النفسية في أفكار المشركين وعواطفهم لتقبل الإسلام ، إذ تقول في حقّهم تارة( فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ) وتارة( فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ ) إلخ

ولكن لو استمر المشركون في نقض العهود ، فتقول الآية التالية :( وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ ) .

صحيح أنّهم عاهدوكم على عدم المخاصمة والمقاتلة ، إلّا أن هذه المعاهدة ـ بنقضها مرارا ، وكونها قابلة للنقض في المستقبل ـ لا اعتبار لها أصلا ولا قيمة لها.

وتعقّب الآية مضيفة( لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ ) .

وفي الآية الأخرى خطاب للمسلمين لإثارة هممهم ، وإبعاد روح الضعف والخوف والتردد عنهم في هذا الأمر الخطير ، إذ تقول الآية :( أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ ) .

فعلام تقلقون وأنتم لم تبدأوهم بالقتال وإلغاء العهد من قبلكم( وَهُمْ بَدَؤُكُمْ

٥٤٤

أَوَّلَ مَرَّةٍ ) ؟

وإذا كان بعضكم يتردد في مقاتلتهم خشية ، منهم ، فإنّ هذه الخشية لا محل لها( أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) .

وفي الآية التالية وعد بالنصر الحاسم للمسلمين ، إذ تقول( قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ ) .

وليس ذلك فحسب ، بل ،( وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ ) .

وبهذا يشعر المؤمنون بالراحة والطمأنينة بعد أن كانوا يقاسون الألم والعذاب تحت وطأة هؤلاء المجرمين ، ويزيل الله تعالى عن قلوبهم آلام المحنة بهذا النصر( وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ) .

قال بعض المفسّرين : إنّ المراد من( قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ) هم جماعة المؤمنين من بني خزاعة ، وقد استغفلهم عبدة الأوثان من بني بكر فهجموا عليهم غدرا.

وقال بعض المفسّرين : إنّ المراد من هذا التعبير هم جماعة من أهل اليمن استجابوا لدعوة الإسلام ، ولما وصلوا مكّة عذّبوا وأوذوا من قبل عبدة الأصنام.

إلّا أنّه لا يبعد أن تشمل هذه العبارة جميع أولئك الذين تعرّضوا لأذى المشركين وعبدة الأصنام وتعذيبهم فكانت قلوبهم تغلي دما منهم.

أمّا الآية التالية فتضيف : إنّ في انتصار المؤمنين وهزيمة الكافرين سرورا للمؤمنين ، وإنّ الله يسدّدهم( وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ) .

ويحتمل أن تكون هذه الجملة تأكيدا للجملة السابقة( وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ) كما يحتمل أن تكون مستقلة عنها. وأن تكون الجملة السابقة إشارة إلى أنّ القلوب التي مرضت وتألمت سنين طوالا من أجل الإسلام والنّبي الكريم ، شفيت بانتصار الإسلام.

وأمّا الجملة الثّانية( وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ) فهي إشارة أن أولئك الذين فقدوا أعزّتهم وأحبّتهم بما لا قوه من تعذيب وحشي من قبل المشركين

٥٤٥

فأغاظوهم ، سيقّر الله عيونهم بهلاك المشركين( وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ) .

وتختتم الآية بالقول :( وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) .

كما تشير العبارة الأخيرة ضمنا إلى امكانية أن يلج بعضهم باب التوبة ، فينبغي على المسلمين أن يعرفوا أن الله يقبل توبتهم ، فلا يعاملوهم بشدة وقسوة فلا يجوز ذلك. كما أن الجمل بنفسها تحمل البشرى بأنّ مثل هؤلاء سيميلون نحو الإسلام ويشملهم توفيق الله ، لما لديهم من التهيؤ الروحي والقابليّة.

وقد ذهب بعض المفسّرين أنّ الآيات الأخيرة ـ بصورة عامّة من قبيل الإخبار القراني بالمغيبات ، وهي من دلائل صدق دعوة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّ ما أخبر عنه القرآن قد تحقق فعلا.

* * *

ملاحظات

١ ـ هناك كلام بين المفسّرين في الجماعة الذين عنتهم الآية( قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ ) من هم؟!

قال بعضهم : إنّ الآية تشير إلى اليهود ، وإلى بعض الأقوام الذين نازلوا المسلمين وقاتلوهم بعد حين كالفرس والرّوم.

وقال بعضهم : هي إشارة إلى كفّار قريش.

وقال بعضهم : بل هي إشارة إلى المرتدين بعد إسلامهم.

إلّا أنّ ظاهر الآيات يدلّ ـ بوضوح ـ على أن موضوعها هو جماعة المشركين وعبدة الأصنام الذين عاهدوا المسلمين على عدم القتال والمخاصمة ، إلّا أنّهم نقضوا عهدهم.

وكان هؤلاء المشركون في أطراف مكّة أو سائر نقاط الحجاز.

كما أنّه لا يمكن القبول بأنّ الآية ناظرة إلى قريش ، لأنّ قريشا

٥٤٦

ورئيسها ـ أبا سفيان ـ أعلنوا إسلامهم ـ ظاهرا ـ في السنة الثامنة بعد فتح مكّة ، والسورة محل البحث نزلت في السنة التاسعة للهجرة.

كما أنّ الاحتمال بأنّ المراد من الآية هو الفرس أو الروم بعيد جدّا عن مفهوم الآية ، لأنّ الآية ـ أو الآيات محل البحث ـ تتكلم عن مواجهة فعلية ، لا على مواجهات مستقبلية أضف إلى ذلك فإنّ الفرس أو الروم لم يهمّوا بإخراج الرّسول من وطنه.

كما أنّ الاحتمال بأنّ المراد هم المرتدون بعد الإسلام ، بعيد غاية البعد ، لإن التأريخ لم يتحدث عن مرتدين أقوياء واجهوا الرّسول ذلك الحين ليقاتلهم بمن معه من المسلمين.

ثمّ إنّ كلمة «أيمان» جمع «يمين» وكلمة «عهد» يشيران إلى المعاهدة بين المشركين والرّسول على عدم المخاصمة ، لا إلى قبول الإسلام. فلاحظوا بدقة.

وإذا وجدنا في بعض الرّوايات الإسلامية أنّ هذه الآية طبّقت على «النّاكثين» في «معركة الجمل» وأمثالها ، فلا يعني ذلك أن الآيات نزلت في شأنهم فحسب ، بل الهدف من ذلك أنّ روح الآية وحكمها يصدقان في شأن الناكثين ومن هم على شاكلتهم ممن سيأتون في المستقبل.

والسؤال الوحيد الذي يفرض نفسه ويطلب الإجابة ، هو : إذا كان المراد جماعة المشركين الذين نقضوا عهودهم ، وقد جرى الكلام عليهم في الآيات المتقدمة ، فعلام تعبّر الآية هنا عنهم بالقول :( وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ ) مع أنّهم قد نكثوها فعلا.

والجواب : إنّ المراد من هذه الجملة ـ المذكورة آنفا ـ أنّهم لو واصلوا نقضهم أو نكثهم للأيمان ، ولم يثوبوا إلى رشدهم ، فينبغي مقاتلتهم. ونظير ذلك ما جاء في قوله تعالى :( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ) ومفهومها أنّنا نطلب من الله أن يوفقنا لأنّ نسير على الصراط المستقيم وأن تستمرّ هدايته إيانا.

٥٤٧

والشاهد على هذا الكلام أنّ جملة( وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ ) جاءت في مقابل( فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ ) أي لا يخلو الأمر من أحد وجهين ، فإمّا أن يتوبوا ويعرضوا عن الشرك ويتجهوا نحو الله ، وإمّا أن يستمرا على طريقهم ونكث أيمانهم. ففي الصورة الأولى هم إخوانكم في الدين ، وفي الصورة الثّانية ينبغي مقاتلتهم.

٢ ـ ممّا يسترعي الانتباه أنّ الآيات محل البحث لا تقول : قاتلوا الكفار ، بل تقول :( فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ) وهي إشارة إلى أن (القاعدة الجماهيرية) وعامّة الناس تبع لزعمائهم ورؤسائهم ، فينبغي أن يكون الهدف القضاء على رؤسائهم وأئمتهم ، لأنّهم أساس الضلال والتضليل والظلم والفساد ، فاستأصلوا شجرة الكفر من جذورها وأحرقوها. فمواجهة الكفار لا تجدي نفعا ما دام أئمتهم في الوجود ، أضف إلى ذلك فإنّ هذا التعبير يعدّ ضربا من ضروب النظرة البعيدة المدى وعلو الهمة وتشجيع المسلمين ، إذ عدّ أئمّة الكفر في مقابل المسلمين ، فليواجهوهم فذلك أجدر من مواجهة من دونهم من الكفّار.

والعجيب أنّ بعض المفسّرين يرى أنّ هذا التعبير يعني أبا سفيان وأمثاله من زعماء قريش ، مع أنّ جماعة منهم قتلوا في معركة بدر ، وأسلم الباقي منهم كأبي سفيان بعد فتح مكّة ـ بحسب الظاهر ـ وكانوا عند نزول الآية في صفوف المسلمين ، فمقاتلتهم لا مفهوم لها.

واليوم ما يزال هذا الدستور القرآني المهم باقيا على قوته «ساري المفعول» فالكي نزيل الاستعمار والفساد والظلم ، لا بدّ من مواجهة رؤوساء والأكابر وأئمّة المنحرفين ، وإلّا فلا جدوى من مواجهة من دونهم من الأفراد ، فلاحظوا بدقة.

٣ ـ إنّ التّعبير بـ( فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ ) الوارد في الآيات المتقدمة ، من ألطف التعابير التي يمكن أن يعبّر بها في شأن المساواة بين أفراد المجتمع ، وبيان أوثق العلائق العاطفية ، لأنّ أجلى العلائق العاطفية وأقربها في الناس التي تمثل

٥٤٨

المساواة الكاملة هي العلاقة ما بين الأخوين.

إلّا أنّ من المؤسف أن الانقسامات الطبقية والنداءات القومية سحقت هذه الأخوة الإسلامية التي كان الأعداء يغبطوننا عليها ، ووقف الإخوان في مواجهة إخوانهم متراصين بشكل لا يصدق ، وقد يقاتل كلّ منهما الآخر قتالا لا يقاتل العدوّ عدوه بمثل هذا القتال ، وهذا واحد من أسرار تأخرنا في عصرنا هذا.

٤ ـ يستفاد ـ إجمالا ـ من جملة «أتخشونهم» أنّه كان بين المسلمين جماعة يخافون من الاستجابة للأمر بالجهاد ، إمّا لقوّة العدوّ وقدرته ، أو لأنّهم كانوا يعدو نقض العهد ذنبا.

فالقرآن يخاطبهم بصراحة أن لا تخافوا من هؤلاء الضعاف ، بل ينبغي أن تخافوا من عصيان أمر الله. ثمّ إن خشيتكم من نكث الإيمان ونقض العهد ليست في محلها ، فهم الذين نكثوا أيمانهم وهم بدأوكم أوّل مرّة!

٥ ـ يبدو أنّ جملة( هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ ) إشارة إلى مسألة عزمهم على إخراج الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مكّة (عند هجرته إلى المدينة) بادئ الأمر ، إلّا أن نياتهم تغيرت وتبدلت إلى الإقدام على قتله ، إلّا أنّ النّبي غادر مكّة في تلك الليلة بأمر الله.

وعلى كل حال ، فإنّ ذكر هذا الموضوع ليس على سبيل أنّهم نقضوا عهدهم ، بل هو بيان ذكرى مؤلمة من جنايات عبدة الأصنام ، حيث اشتركت قريش والقبائل الأخرى في هذا الأمر. أمّا نقض العهد من قبل عبدة الأصنام المشركين فكان واضحا من طرق أخرى.

٦ ـ ممّا يثير الدهشة والتعجب أنّ بعض أتباع مذهب الجبر يستدل على مذهبه بالآية( قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ ) مع أنّنا لو تجردنا عن التعصب لما وجدنا في الآية أدنى دليل على مرادهم ، وهذا يشبه تماما لو أردنا أن ننجز

٥٤٩

عملا ـ مثلا ـ فنمضي إلى بعض أصدقائنا ونقول له : نأمل أن يصلح الله هذا الأمر على يدك ، فإنّ مفهوم كلامنا هذا لا يعني بأنّك مجبور على أداء هذا الأمر ، بل المراد أنّ الله منحك قدرة ونية طاهرة ، وبالإفادة منهما استطعت أن تؤدي عملك باختيارك وبحرية تامّة.

* * *

٥٥٠

الآية

( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٦) )

التّفسير

في هذه الآية ترغيب للمسلمين في الجهاد عن طريق آخر ، حيث تحمّل الآية المسلمين مسئولية ذات عبء كبير ، وهي أنّه لا ينبغي أن تتصوروا أن كلّ شيء سيكون تامّا بادعائكم الإيمان فحسب ، بل يتجلى صدق النيّة وصدق القول والإيمان الواقعي في قتالكم الأعداء قتالا خالصا من أي نوع من أنواع النفاق.

فتقول الآية أوّلا :( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ) (١) .

و «الوليجة» مشتقة من «الولوج» ومعناه الدخول ، وتطلق الوليجة على من

__________________

(١) «أم» حرف عطف ويعطف بها جملة استفهامية على جملة استفهامية أخرى ، ولهذا فهي تعطي معنى الاستفهام ، غاية ما في الأمر أنّها تأتي بعد جملة استفهامية دائما ، وفي الآية محل البحث عطفت على الجملة «ألا تقاتلون» التي بدئت بها الآية (١٣).

٥٥١

يعتمد عليه في الأسرار ومعناها يشبه معنى البطانة تقريبا.

وفي الحقيقة فإنّ الجملة المتقدمة تنّبه المسلمين إلى أنّ الأعمال لا تكمل بإظهار الإيمان فحسب ، ولا تتجلى شخصية الأشخاص بذلك ، بل يعرف الناس باختبارهم عن طريقين :

الأوّل : الجهاد في سبيل الله لغرض محو آثار الشرك والوثنية.

الثاني : ترك أية علاقة أو أي تعاون مع المنافقين والأعداء.

فالأوّل لدفع العدو الخارجي ، والثّاني يحصّن المجتمع من خطر العدو الداخلي.

وجملة( لَمَّا يَعْلَمِ اللهُ ) التي قد يلاحظ نظيرها في بعض آيات القرآن الأخر ، تعني أن أمركم لم يتحقق بعد ، وبتعبير آخر : إنّ نفي العلم هنا معناه نفي المعلوم ، ويستعمل مثل هذا التعبير في مواطن التأكيد. وإلّا فإنّ الله ـ طبقا للأدلة العقلية وصحيح آيات القرآن الكثيرة ـ كان عالما بكل شيء ، وسيبقى عالما بكل شيء.

وهذه الآية تشبه الآية الأولى من سورة العنكبوت ، إذ تقول :( الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ) .

وكما ذكرنا آنفا في تفسيرنا لسورة آل عمران أنّ اختبار الله لعباده ليس لكشف أمر مجهول عنده ، بل هو لتربيتهم ولأجل إنّما الاستعدادات وتجلّي الأسرار الداخلية في الناس.

وتختتم الآية بما يدلّ على الإخطار والتأكيد( وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ ) .

فلا ينبغي أن يتصور أحدّ أنّ الله لا يعرف العلائق السرّية بين بعض الأفراد وبين المنافقين ، بل يعرف كل شيء جيدا وهو خبير بالأعمال كلها.

ويستفاد من سياق الآية أن بين المسلمين يؤمئذ من كان حديث العهد بالإسلام ولم يكن على استعداد للجهاد ، فيشمله هذا الكلام أمّا المجاهدون الصادقون فقد بيّنوا مواقفهم في سوح الجهاد مرارا.

* * *

٥٥٢

الآيتان

( ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ (١٧) إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (١٨) )

التّفسير

من يعمر مساجد الله؟

من جملة المسائل التي يمكن أن تخالط أذهان البعض بعد إلغاء عهد المشركين وحكم الجهاد ، هو : لم نبعد هذه الجماعة العظيمة من المشركين عن المسجد الحرام لأداء مناسك الحج ، مع أنّ مساهمتهم في هذه المراسم عمارة للمسجد من جميع الوجوه «المادية والمعنوية» إذ يستفاد من إعاناتهم المهمّة لبناء المسجد الحرام ، كما يكون لوجودهم أثر معنوي في زيادة الحاجّ والطائفين حول الكعبة المشرفة وبيت الله.

فالآيتان ـ محل البحث ـ تردّان على مثل هذه الأفكار الواهية التي لا أساس

٥٥٣

لها ، وتصرّح الآية الأولى منهما بالقول :( ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ ) .

وشهادتهم على كفرهم جلية من خلال أحاديثهم وو أعمالهم ، بل هي واضحة في طريقة عبادتهم ومراسم حجّهم.

ثمّ تشير الآية إلى فلسفة هذا الحكم فتقول :( أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ ) .

ولذلك فهي لا تجديهم نفعا :( وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ ) .

فمع هذه الحال لا خير في مساعيهم لعمارة المسجد الحرام وبنائه وما إلى ذلك ، كما لا فائدة من كثرتهم واحتشادهم حول الكعبة.

فالله طاهر منزّه ، وينبغي أن يكون بيته طاهرا منزّها كذلك ، فلا يصح أن تمسه الأيدي الملوثة بالشرك.

أمّا الآية التّالية فتذكر شروط عمارة المسجد الحرام ـ إكمالا للحديث آنف الذكر ـ فتبيّن خمسة شروط مهمّة في هذا الصدد ، فتقول ،( إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) .

وهذا النص إشارة إلى الشرطين الأوّل والثّاني ، اللذين يمثلان الأساس العقائدي ، فما لم يتوفر هذان الشرطان لا يصدر من الإنسان أي عمل خالص نزيه ، بل لو كان عمله في الظاهر سليما فهو في الباطن ملّوث بأنواع الأغراض غير المشروعة.

ثمّ تشير الآية إلى الشرطين الثّالث والرّابع فتقول :( وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ ) .

أي أن الإيمان بالله واليوم الآخر لا يكفي أن يكون مجرّد ادعاء فحسب ، بل تؤيده الأعمال الكريمة ، فعلاقة الإنسان بالله ينبغي أن تكون قوية محكمة ، وأن يؤدي صلاته بإخلاص ، كما ينبغي أن تكون علاقته بعباد الله وخلقه قوية ، فيؤدي الزكاة إليهم.

٥٥٤

وتشير الآية إلى الشرط الخامس والأخير فتقول :( وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ ) .

فقلبه مليء بعشق الله ، ولا يحسّ إلّا بالمسؤولية في امتثال أمره ولا يرى لأحد من عبيده أثرا في مصيره ومصير مجتمعه وتقدمه ، هم أقل من أن يكون لهم أثر في عمارة محل للعبادة.

ثمّ تضيف الآية معقبة بالقول :( فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ) فيبلغون أهدافهم ويسعون لعمارة المسجد.

* * *

ملاحظات

١ ـ ما المراد من العمارة

هل تعني عمارة المسجد بناءه وتأسيسه وترميمه ، أو تعني الاجتماع فيه والمساهمة في الحضور عنده؟!

اختار بعض المفسّرين أحد هذين المعنيين في تفسير «عمارة المسجد» في الآية ـ محل البحث ـ غير أنّ الآية ذات مفهوم واسع يشمل هذه الأمور وما شاكلّها جميعا. فليس للمشركين أن يحضروا في المساجد ، وليس لهم أن يبنوا مسجدا ـ وما إلى ذلك ـ بل على المسلمين أن يقوموا بكل ذلك.

ويستفاد من الآية ـ ضمنا ـ أنّه لا ينبغي للمسلمين أن يقبلوا من المشركين ـ بل جميع الفرق غير الإسلامية ـ هدايا أو إعانات للمساجد وبنائها ، لأنّ الآية الأولى وإن كانت تتكلم على المشركين ، لكنّ الآية الثّانية بدأت بكلمة «إنما» لتدل على أن عمارة مساجد الله خاصّة بالمسلمين.

ومن هنا يتّضح أيضا أنّ متولي المساجد ومسئوليها ينبغي أن يكونوا من أنزه الناس ، ولا ينتخب لهذه المهمّة من لا حريجة له في الدين طمعا في ماله وثروته ، أو مقامه الاجتماعي كما هو الحال في كثير من البلاد ، إذ تولّى مساجدها

٥٥٥

من ليس لها أهلا.

بل يجب ابعاد جميع الأيدي الملوثة عن هذه الأماكن المقدسة.

ومنذ أن تدخل في أمور المساجد والمراكز الإسلامية أو أشرف عليها حكام الجور ، أو الأثرياء المذنبون ، فقدت تلك المساجد والمراكز الإسلامية «حيثيتها» ومكانتها ومسخت مناهجها البنّاءة ، ولذا فنحن نرى كثيرا من هذه المساجد على شاكلة مسجد ضرار.

٢ ـ العمل الخالص ينبع من الإيمان فحسب

قد يتساءل بعضنا قائلا : ما يمنع أن نستعين بأموال غير المسلمين لبناء المساجد وعمارتها؟!

لكن من يسأل مثل هذا السؤال لم يلتفت إلى أنّ الإسلام يعد العمل الصالح ثمرة شجرة الإيمان في كل مكان ، فالعمل ثمرة نيّة الإنسان وعقيدته دائما وهو انعكاس لها ويتخذ شكلهما ولونهما دائما ، فالنيات غير الخالصة لا تنتج عملا خالصا.

٣ ـ الحماة الشجعان

تدل عبارة( وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ ) على أنّ عمارة المسجد المحافظة عليها لا تكون إلّا في ظل الشهامة والشجاعة ، فلا تكون هذه المراكز المقدسة مراكز لبناء شخصية الإنسان وذات منهج تربوي عال إلّا إذا كان بانوها وحماتها رجالا شجعانا لا يخشون أحدا سوى الله ، ولا يتأثرون بأي مقام ، ولا يطبقون منهجا غير المنهج الإلهي.

٤ ـ هل المراد من الآية هو المسجد الحرام فحسب؟!

يعتقد بعض المفسّرين أنّ الآية محل البحث تختص بالمسجد الحرام ، مع أنّ

٥٥٦

ألفاظ الآية عامّة ، ولا دليل على هذا التخصيص ، وإن كان المسجد الحرام الذي هو أعظم المساجد الإسلامية في مقدمتها ، ويوم نزول الآية كان المسجد الحرام هو محل إشارة الآية ، إلّا أنّ ذلك لا يدلّ على تخصيص مفهوم الآية.

٥ ـ أهمية بناء المساجد

وردت أحاديث كثيرة في أهمية بناء المساجد عن طرق أهل البيت وأهل السنة ، تدلّ على ما لهذا العمل من الشأن الكبير.

فقد ورد عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «من بنى مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنّة»(١) .

كما ورد عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله : «من أسرج في مسجد سراجا لم تزل الملائكة وحملة العرش يستغفرون له ما دام في ذلك المسجد ضوؤه»(٢) .

إلّا أنّ ما هو أكثر أهمية هذا اليوم هو عمارة المسجد المعنوية ، وبتعبير آخر ينبغي أن نهتم بعمارة شخصية الذين يرتادون المسجد وأهله وحفظته اهتمامنا بعمارة المسجد ذاته.

فالمسجد ينبغي أن يكون مركزا لكل تحرك إسلامي فاعل يؤدي إلى إيقاظ الناس ، وتطهير البيئة والمحيط ، وحثّ المسلمين للدفاع عن ميراث الإسلام.

وينبغي الالتفات إلى أن المسجد جدير بأن يكون مركزا للشباب المؤمن ، لا محلا للعجزة والكسالى والمقعدين ، فالمسجد مجال للنشاط الاجتماعي الفعال ، لا مجال العاطلين والبطّالين والمرضى.

* * *

__________________

(١) ورد هذا الحديث في كتاب وسائل الشيعة ، الباب ٨ من أبواب أحكام المساجد كما ورد عن ابن عباس في تفسير المنار ، ج ١ ، ص ٢١٣.

(٢) كتاب المحاسن ، ص ٥٧ حسب نقل كنز العرفان ، ج ١ ، ص ١٠٨.

٥٥٧

الآيات

( أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٩) الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (٢٠) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ (٢١) خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٢) )

سبب النّزول

هناك روايات مختلفة في سبب نزول الآيات ـ محل البحث ـ منقولة في كتب أهل السنة والشيعة ، ونورد هنا ما يبدو أكثر صحة.

يروي «أبو القاسم الحسكاني» عالم أهل السنة المعروف ، عن بريدة ، أن «شيبة» و «العباس» كان يفتخر كلّ منهما على صاحبه ، وبينما هما يتفاخران إذ مرّ عليهما علي بن أبي طالبعليه‌السلام فقال : فيم تتفاخران؟

فقال العباس : حبيت بما لم يحب به أحد وهو سقاية الحاج.

٥٥٨

فقال شيبة : إني أعمر المسجد الحرام ، وأنا سادن الكعبة.

فقال عليعليه‌السلام : على أنّي مستحي منكما ، فلي مع صغر سني ما ليس عندكما. فقالا : وما ذاك؟!

فقال : جاهدت بسيفي حتى آمنتما بالله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فخرج العباس مغضبا إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شاكيا عليّا فقال : ألا ترى ما يقول؟

فقال النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أدعو لي عليّا فلمّا جاءه علي قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لم كلّمت عمّك العباس بمثل هذا الكلام؟ فقالعليه‌السلام : إذا كنت أغضبته ، فلما بيّنت من الحق ، فمن شاء فليرض بالقول الحق ومن شاء فليغضب.

فنزل جبرئيلعليه‌السلام وقال : يا محمّد ، إنّ ربّك يقرؤك السلام ويقول : اتل هذه الآيات :( أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ ) (١) .

وقد وردت هذه الرواية بالمضمون ذاته مع اختلاف يسير في التعابير في كتب كثيرة لأهل السنة ، كتفسير الطبري والثعلبي ، وأسباب النّزول للواحدي وتفسير الخازن البغدادي ، ومعالم التنزيل للعلّامة البغوي ، والمناقب لابن المغازلي ، وجامع الأصول لابن الأثير ، وتفسير الفخر الرازي ، وكتب أخرى.(٢)

وعلى كل حال ، فالحديث آنف الذكر من الأحاديث المعروفة والمشهورة ، التي يقرّبها حتى المتعصبون ، وسنتكلم عنه مرّة أخرى بعد تفسير الآيات.

التّفسير

مقياس الفخر والفضل :

مع أنّ للآيات ـ محل البحث ـ شأنا في نزولها ، إلّا أنّها في الوقت ذاته

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ، ذيل الآيات محل البحث.

(٢) لمزيد الإيضاح يراجع كتاب إحقاق الحق ، ج ٣ ، ص ١٢٢ ـ ١٢٧.

٥٥٩

تستكمل البحث الذي تناولته الآيات المتقدمة ، ونظير ذلك كثير في القرآن.

فالآية الأولى من هذه الآيات تقول :( أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) .

«السقاية» لها معنى مصدري وهو إيصال الماء للآخرين ، وكما تعني المكيال ، كما جاء في الآية ٧٠ من سورة يوسف( فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ) وتعني الإناء الكبير أو الحوض الذي يصب فيه الماء.

وكان في المسجد الحرام بين بئر زمزم والكعبة محل يوضع فيه الماء يدعى بـ «سقاية العباس» وكان معروفا آنئذ ، ويبدو أنّ هناك إناء كبيرا فيه ماء يستقى منه الحاج يومئذ.

ويحدثنا التأريخ أنّ منصب «سقاية الحاج» قبل الإسلام كان من أهل المناصب ، وكان يضاهي منصب سدانة الكعبة ، وكانت حاجة الحاج الماسة في أيّام الحج إلى الماء في تلك الأرض القاحلة اليابسة المرمضة(١) التي يقل فيها الماء ، وجوّها حار أغلب أيّام السنة ، وكانت هذه الحاجة الماسة تولي موضوع «سقاية الحاج» أهميّة خاصّة ، ومن كان مشرفا على السقاية كان يتمتع بمنزلة اجتماعية نادرة ، لأنّه كان يقدم للحاج خدمة حياتية.

وكذلك «عمارة المسجد الحرام» أو سدانته ورعايته ، كان لها أهميته الخاصّة ، لأنّ المسجد الحرام حتى في زمن الجاهلية كان يعدّ مركزا دينيا ، فكان المتصدي لعمارة المسجد أو سدانته محترما.

ومع كل ذلك فإنّ القرآن يصّرح بأنّ الإيمان بالله وباليوم الآخر والجهاد في سبيل الله أفضل من جميع تلك الأعمال وأشرف.

__________________

(١) «المرمضة» مشتقة من «الإرماض» أي شديدة الحر ، والأرض الرمضاء كذلك : شدية الحر.

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606