الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٥

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل9%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 606

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 606 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 254126 / تحميل: 6655
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٥

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن هارون بن خارجة، عن أبي عبد الله، عن آبائهعليهم‌السلام ، قال: « لمّا لما ظهرت الحبشة باليمن، وجّه يكسوم ملك الحبشة بقائدين من قوّاده، يقال لأحدهما أبرهة، والآخر أرباط، في عشرة من الفيلة كلّ فيل في عشرة آلاف لهدم بيت الله الحرام، فلمّا صاروا ببعض الطريق وقع بأسهم بينهم، واختلفوا فقتل أبرهة أرباط، واستولى على الجيش، فلمّا قارب مكّة طرد أصحابه عيراً لعبد المطلب بن هاشم، فصار عبد المطلب إلى أبرهة، وكان ترجمان أبرهة، والمستولي عليه ابن داية(١) لعبد المطلب، فقال الترجمان لإبرهة: هذا سيّد العرب وديّانها(٢) ، فأجلّه وأعظمه، ثم قال لكاتبه: سله ما حاجته؟ فسأله، فقال: إن أصحاب الملك طردوا لي نعماُ فأمر بردّها.

ثم أقبل على الترجمان فقال: قل له: عجباً لقوم سوّدوك ورأسّوك عليهم! حيث تسألني في عير لك وقد جئت لأهدم شرفك ومجدك، ولو سألتني الرجوع عنه لفعلت.

فقال: أيّها الملك إنّ هذه العير لي وأنا ربّها فسألتك إطلاقها، وأن لهذه البنيّة ربّاً يدفع عنها، قال: فإني لهدمها حتى انظر ماذا يفعل فلمّا انصرف عبد المطلب رحل أبرهة بجيشه، فإذا هاتف يهتف في السحر الأكبر يا أهل مكّة اتاكم أهل عكّة، بجحفل جرار يملأ الأندار ملء الجفار، فعليهم لعنة الجبار، فأنشأ عبد المطلب يقول: (أيّها

__________________

(١) الداية: هي المرضعة غير ولدها والمربية (أنظر لسان العرب ج ١٤ ص ٢٨١).

(٢) الديان: القهار وقيل هو الحاكم والقاضي وهو فعّال من دان الناس أي قهرهم على الطاعة (النهاية ج ٢ ص ١٤٨).

٣٤١

الداعي لقد أسمعتني الأبيات).

فلمّا أصبح عبد المطلب جمع بنيه، وأرسل الحارث ابنه الأكبر إلى أعلى أبي قبيس، فقال: انظر يا بني ماذا يأتيك من قبل البحر، فرجع فلم ير شيئاً، فأرسل واحداً بعد آخر من ولده فلم يأت أحد منهم من البحر بخبر، فدعا بعبد الله، وأنّه لغلام حين أيفع، وعليه ذؤابة تضرب إلى عجزه، فقال [ له ](٣) : اذهب فداك أبي وأُمّي، فاعل أبا قبيس فانظر ماذا ترى يجيئ من البحر، فنزل مسرعاً فقال: يا سيد النادي، رأيت سحاباً من قبل البحر مقبلاً يستفل تارة ويرفع أخرى، إن قلت غيماً قلته، وإن قلت جهاماً خلته، يرتفع تارة، وينحدر أُخرى.

فنادى عبد المطلب: يا معشر قريش ادخلوا منازلكم فقد اتاكم الله بالنصر من عنده، فأقبل الطير الأبابيل في منقار كلّ طائر حجر، وفي رجليه حجران [ فكان الطائر ](٤) الواحد يقتل ثلاثة من أصحاب أبرهة، كان يلقي الحجر في قمّة رأس الرجل فيخرج من دبره ».

[١١٠٣٨] ٨ - محمّد بن علي بن شهرآشوب في المناقب: قال: لمّا قصد إبرهة بن الصباح لهدم الكعبة، أتاه عبد المطلب ليستردّ منه إبله، فقال: تُعلِمني في مائة بعير، وتترك دينك ودين آبائك وقد جئت لهدمه، فقال عبد المطلب: أنا ربّ الإبل، وأن للبيت ربّاً سيمنعه عنك، فردّ إليه إبله، وانصرف إلى قريش فأخبرهم الخبر، وأخذ بحلقة الباب قائلاً:

__________________

(٣) أثبتناه من المصدر.

(٤) أثبتناه من المصدر.

٨ - المناقب ج ١ ص ٢٥.

٣٤٢

يا ربّ لا أرجو لهم سواكا

يا ربّ فامنع منهم حماكا

إن عدوّ البيت من عاداكا

أمنعهم ان يخربوا قراكا

وله أيضاً:

لا همّ أنّ المرء يمنع رحـ

ـله فامنع رحالك

لا يغلّبن صليبهم

ومحالهم غدوا محالك

فانجلى نوره على الكعبة، فقال لقومه: انصرفوا فوالله ما انجلى من جبيني هذا النور إلّا ظفرت وقد انجلى عنه، وسجد الفيل له، فقال للفيل: يا محمود فحرّك الفيل رأسه، فقال له: تدري لم جاؤوا بك؟ فقال الفيل برأسه لا، فقال: جاؤوا بك لتهدم بيت ربّك، أفتراك فاعل ذلك؟، فقال الفيل برأسه: لا.

[١١٠٣٩] ٩ - فقه الرضاعليه‌السلام : « أروي عن العالمعليه‌السلام ، أنه وقف حيال الكعبة، ثم قال: ما أعظم حقّك يا كعبة، والله أن حقّ المؤمن لأعظم من حقّك ».

[١١٠٤٠] ١٠ - الشيخ شرف الدين النجفي في تأويل الآيات الباهرة: عن تفسير محمّد بن العباس بن الماهيار، قال: حدثنا محمّد بن همام، عن محمّد بن إسماعيل العلوي، عن عيسى بن داود عن موسى، عن أبيه جعفرعليهما‌السلام : في قوله تعالى( وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّـهِ ) (١) قال: « هي ثلاث حرمات واجبة، فمن قطع حرمة فقد أشرك بالله، انتهاك حرمة الله في بيتة الحرام، والثانية تعطيل الكتاب والعمل بغيره،

__________________

٩ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٤٥.

١٠ - تأويل الآيات ص ٦١ ب.

(١) الحج ٢٢: ٣٠.

٣٤٣

والثالثة قطيعة ما أوجب الله من فرض مودّتنا وطاعتنا ».

[١١٠٤١] ١١ - جعفر بن أحمد في كتاب الغايات: عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: « قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : لم يعمل ابن آدم عملاً أعظم عند الله تعالى من رجل قتل نبياً، أو إماماً، أو هدم الكعبة التي جعلها الله تعالى قبلة لعباده » الخبر.

[١١٠٤٢] ١٢ - بعض نسخ الرضوي: « وإنّما أراد أصحاب الفيلة هدم الكعبة، فعاقبهم الله بإرادتهم قبل فعلهم ».

١٣ -( باب وجوب احترام مكّة وتعظيمها)

[١١٠٤٣] ١ - محمّد بن مسعود العياشي في تفسيره: عن عطا، عن أبي جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن عليعليهم‌السلام ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في حديث طويل في قصّة آدمعليه‌السلام ، إلى أن قال: « قال - أي آدم -: فأهبطنا [ برحمتك ](١) إلى أحبّ البقاع إليك، قال: فأوحى الله إلى جبرئيل: أن أهبطهما إلى البلدة المباركة مكّة، فهبط بهما جبرئيل فألقى آدم على الصفا، والقى حوّاء على المروة » الخبر.

[١١٠٤٤] ٢ - أحمد بن محمّد بن خالد البرقي في المحاسن: عن أبيه، عن حمزه بن عبد الله، عن جميل بن ميسر، عن أبيه النخعي قال: قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام : « يا ميسر أي البلدان أعظم حرمة؟ »

__________________

١١ - الغايات ص ٨٦.

١٢ - عنه في البحار ج ٩٩ ص ٣٤٦.

الباب ١٣

١ - تفسير العياشي ج ١ ص ٣٦ ح ٢١.

(١) أثبتناه من المصدر.

٢ - المحاسن ص ١٦٨ ح ١٣١.

٣٤٤

قال: فما كان منّا أحد يجيبه حتى كان الراد على نفسه، فقال: « مكّة، فقال: أي بقاعها أعظم حرمة »؟ قال: فما كان منّا أحد يجيبه حتى كان الراد على نفسه، قال: « ما بين الركن إلى الحجر » الخبر.

[١١٠٤٥] ٣ - السيد فضل الله الراوندي في النوادر: عن أبي المحاسن، عن أبي عبد الله بن عبد الصمد(١) ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن المثنى، عن عفّان بن مسلم، عن أبي عوانة، عن أبي بشر، عن ميمون بن مهران، عن ابن عبّاس، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « إنّ الله تبارك وتعالى اختار من الكلام أربعة - إلى أن قال - ومن البقاع أربعاً - إلى أن قال - وأمّا خيرته من البقاع: فمكّة، والمدينة، وبيت المقدس، وفار التنور بالكوفة » الخبر.

[١١٠٤٦] ٤ - الإمام الهمام أبو محمّد العسكريعليه‌السلام في تفسيره: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « إنّ لله عزّوجلّ خياراً من كلّ ما خلق - إلى أن قال - فأمّا خياره من البقاع فمكّة، والمدينة، وبيت المقدس الخبر.

وقال(١) : قال الحسن بن عليعليهما‌السلام (٢) : لمّا بعث الله محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله بمكّة، وأظهر بها دعوته، ونشر بها

__________________

٣ - نوادر الراوندي، وعنه في البحار ج ٩٧ ص ٤٧ ح ٣٤.

(١) في البحار: عن أبي عبد الله عن عبد الله بن عبد الصمد، ولعل صوابه: علي بن عبد الصمد النيشابوري وهو من مشايخ الراوندي « راجع رياض العلماء ج ٤ ص ١٧٧ ».

٤ - تفسير الإمام العسكريعليه‌السلام ص ٢٧٨.

(١) نفس المصدر ص ٢٣٠.

(٢) وفيه: قال علي بن الحسين عليهما‌السلام .

٣٤٥

كلمته، وعاب أعيانهم(٣) في عبادتهم الأصنام، وأخذوه وأساؤوا معاشرته، وسعوا في خراب المساجد المبنيّة [ التي ](٤) كانت لقوم(٥) من خيار أصحاب محمّد [ وشيعته ](٦) وشيعة علي بن أبي طالب (صلوات الله عليهما)، كان بفناء الكعبة مساجد يحيون فيها ما أماته المبطلون، فسعى هؤلاء المشركون في خرابها، وأذى محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وسائر أصحابه وألجؤوه إلى الخروج من مكّة نحو المدينة، التفت خلفه إليها وقال: الله يعلم إنّني أُحبّك ولولا أنّ أهلك أخرجوني عنك، لمّا آثرت عليك بلداً ولا ابتغيت عليك بدلاً، وإنّي لمغتمّ على مفارقتك.

فأوحى الله إليه يا محمّد: العلي الأعلى يقرؤك السلام ويقول: سنردّك إلى هذا البلد ظافراً، غانماً، سالماً، قادراً، قاهراً، وذلك قوله تعالى:( إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ ) (٧) ، يعني إلى مكّة » الخبر.

[١١٠٤٧] ٥ - بعض نسخ الرضويعليه‌السلام : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مكّة حرم الله، حرّمها إبراهيمعليه‌السلام » الخبر.

[١١٠٤٨] ٦ - علي بن إبراهيم في تفسيره: عن أبيه، عن النضر، عن هشام، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: « إن إبراهيم

__________________

(٣) وفيه: أديانهم.

(٤) أثبتناه من المصدر.

(٥) في المخطوط: للقوم، وما أثبتناه من المصدر.

(٦) أثبتناه من المصدر.

(٧) القصص ٢٨: ٨٥.

٥ - بعض نسخ الفقه الرضوي ص ٧٥، وعنه في البحار ج ٩٩ ص ٣٦١.

٦ - تفسير علي بن إبراهيم ج ١ ص ٦٠.

٣٤٦

عليه‌السلام كان نازلاً في بادية الشام - إلى أن قال - ثم أمره تعالى أن يخرج إسماعيلعليه‌السلام وأُمّه عنها، فقال: يا ربّ إلى أيّ مكان؟ قال تعالى: إلى حرمي وأمني، وأوّل بقعة خلقتها من الأرض وهي مكّة » الخبر.

[١١٠٤٩] ٧ - محمّد بن إبراهيم النعماني في كتاب الغيبة: عن محمّد بن همام ومحمّد بن الحسن بن محمّد بن جمهور، عن الحسن بن محمّد بن جمهور، عن أحمد بن هلال، عن محمّد بن أبي عمير، عن سعيد بن غزوان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله عزّوجلّ اختار من كلّ شئ شيئاً، اختار من الأرض مكّة، واختار من مكّة المسجد، واختار من المسجد الموضع الذي فيه الكعبة » الخبر.

١٤ -( باب استحباب الشرب من ماء زمزم، وسقي الحاج منه، وإهدائه، واستهدائه)

[١١٠٥٠] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « أروي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: ماء زمزم شفاء لمّا شرب له.

وفي حديث آخر: ماء زمزم شفاء لمّا استعمل.

وأروي: ماء زمزم شفاء من كلّ داء وسقم، وأمان من كلّ خوف وحزن ».

__________________

٧ - الغيبة ص ٦٧ ح ٧.

الباب ١٤

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٤٦.

٣٤٧

[١١٠٥١] ٢ - ابن شهرآشوب في المناقب: عن الجارود بن أحمد، عن محمّد بن جعفر الجعفري، عن محمّد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر، قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام ، يقول: « ماء زمزم شفاء من كلّ داء - وأظنه قال - كائناً ما كان، لأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: ماء زمزم لمّا شرب له ».

١٥ -( باب استحباب الدعاء عند شرب ماء زمزم بالمأثور)

[١١٠٥٢] ١ - الصدوق في الهداية: وإن قدرت أن تشرب من ماء زمزم قبل أن تخرج الصفا فافعل، وتقول [ حين تشرب ](١) : اللهم اجعله لي علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً، وشفاء من كلّ داء وسقم.

١٦ -( باب تحريم أكل مال الكعبة وما يهدى إليها، أو يوصى لها به، ووجوب صرفه في مؤونة المحتاج من الحاج، وعدم جواز دفعه إلى الخدّام)

[١١٠٥٣] ١ - محمّد بن إبراهيم النعماني في كتاب الغيبة: عن علي بن الحسين، عن محمّد بن يحيى العطار، عن محمّد بن الحسان(١)

__________________

٢ - بل طب الأئمة ص ٥٢ وعنه في البحار ج ٩٩ ص ٢٤٥ ص ٢١ ويحتمل أن النقل عن البحار وهو سبب الإختلاف لتقارب رمز الكتابين قب، طب في البحار.

الباب ١٥

١ - الهداية ص ٥٨، وعنه في البحار ج ٩٩ ص ٢٤٥ ح ٢٢.

(١) أثبتناه من المصدر.

الباب ١٦

١ - الغيبة ص ٢٣٦ ح ٢٥.

(١) في المخطوط « حسن » والصواب أثبتناه من المصدر، راجع معجم الرجال ج ١٥ ص ١٩٠.

٣٤٨

الرازي، عن محمّد بن علي الصيرفي، عن محمّد بن سنان، عن محمّد بن علي الحلبي(٢) ، عن سدير(٣) الصيرفي، عن رجل من أهل الجزيرة، كان قد جعل على نفسه نذراً في جارية، وجاء بها إلى مكّة قال: فلقيت الحجبة فأخبرتهم بخبرها(٤) وجعلت لا أذكر لأحد منهم أمرها إلّا قال: جئني بها، وقد وفى الله نذرك، فدخلني من ذلك وحشة شديدة، فذكرت ذلك لرجل من أصحابنا من أهل مكّة، فقال لي: تأخذ عنّي؟ فقلت: نعم، فقال: أُنظر الرجل الذي يجلس عند(٥) الحجر الأسود وحوله الناس، وهو أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسينعليهم‌السلام ، فأته فأخبره بهذا الأمر فانظر ما ذا يقول لك فاعمل به.

قال: فأتيته وقلت له: رحمك الله، إنني(٦) رجل من أهل الجزيرة، ومعي جارية جعلتها عليّ نذراً لبيت الله في يمين كان(٧) عليّ، وقد أتيت بها وذكرت ذلك للحجبة، فأقبلت لا ألقى منهم أحداً إلّا قال: جئني بها، وقد وفى الله نذرك، فدخلني من ذلك وحشة شديدة، فقال: يا أبا عبد الله إنّ البيت لا يأكل ولا يشرب، فبع جاريتك

__________________

(٢) في المخطوط: الخثعمي، وفي بعض نسخ المصدر الحنفي وكلاهما تصحيف والصحيح ما أثبتناه من المصدر ومعاجم الرجال، أنظر معجم الرجال ج ١٦ ص ١٤٠.

(٣) في المخطوط « بندار الصيرفي » والظاهر أن الصحيح ما أثبتناه من المصدر لأنه الذي يروي عن الإمام الباقرعليه‌السلام ولعدم وجود بندار في كتب الرجال (راجع المعجم ج ٨ ص ٣٤).

(٤) في نسخة « بأمرها » (منه قدّه).

(٥) في نسخة « بحذاء » (منه قدّه).

(٦) في نسخة « إنّي » (منه قدّه).

(٧) في المصدر: كانت.

٣٤٩

واستقص(٨) ، وانظر أهل بلادك ممّن حجّ هذا البيت، فمن عجز منهم عن نفقته فاعطه حتى (يقوى على العود إلى بلاده)(٩) ، ففعلت ذلك، ثم أقبلت لا ألقى أحداً من الحجبة إلّا قال: ما فعلت بالجارية؟ فأخبرتهم بالذي قال أبو جعفرعليه‌السلام ، فيقولون [ هو ](١٠) كذاب جاهل لا يدري ما يقول.

فذكرت مقالتهم لأبي جعفرعليه‌السلام فقال: « قد بلّغتني فبلّغ(١١) عنّي، فقلت: نعم، فقال: قل لهم: قال لكم أبو جعفرعليه‌السلام : كيف بكم لو قطعت أيديكم، وأرجلكم فعلقت في الكعبة؟، ثم يقال لكم: نادوا نحن سرّاق الكعبة، فلمّا ذهبت لأقوم، قال: إنني لست أنا أفعل ذلك وإنّما يفعله رجل منّي ».

قد ذكر الشيخ في الأصل بعض أجزاء هذا الخبر مع تغيير فيه، وإنّما ذكرناه للإشارة إليه، ولفوائد في سائر أجزائه.

ثم إنه ذكر علي بن الحسين بن بابويه، وليس في الغيبة ذكر الجدّ كما في أكثر المواضع، وكأنّه حمل الإطلاق عليه، والظاهر أن المراد به المسعودي كما صرح به في بعض المواضع، وسنشير إليه إن شاء الله تعالى في الخاتمة، عند شرح حال كتاب إثبات الوصيّة للمسعودي.

[١١٠٥٤] ٢ - أحمد بن محمّد بن عيسى في نوادره، عن الحلبي، عن أبي

__________________

(٨) في نسخة « استقض » (منه قدّه). استقصى فلان المسألة: بلغ النهاية.

(مجمع البحرين ج ١ ص ٣٤١) والمراد هنا المبالغة في تحصيل أقصى ثمنها.

(٩) في نسخة « يعود إلى بلاده » (منه قدّه).

(١٠) أثبتناه من المصدر.

(١١) في المصدر: تبلغ.

٢ - نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى ص ٥٨.

٣٥٠

عبد اللهعليه‌السلام ، قال: سألته عن امرأة جعلت مالها هدياً لبيت الله، إن أعارت متاعها فلانة وفلانة فأعار بعض أهلها بغير أمرها؟ قال: « ليس عليها هدي إنّما الهدي ما جعل لله هدياً للكعبة، فذلك الذي يوفى به إذا جعل لله، وما كان من أشباه هذا فليس بشئ، لا هدي ولا يذكر فيه الله ».

١٧ -( باب حكم حليّ الكعبة)

[١١٠٥٥] ١ - محمّد بن علي بن شهرآشوب في المناقب مرسلاً: همّ عمر أن يأخذ حليّ الكعبة، فقال عليعليه‌السلام : « إنّ القرآن أُنزل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأموال أربعة: أموال المسلمين فقسّموها بين الورثة في الفرائض، والفئ فقسّمه على مستحقّه، والخمس فوضعه حيث وضعه الله والصدقات فجعلها حيث جعلها الله، وكان حليّ الكعبة يومئذ، فتركه على حاله، ولم يتركه نسياً، ولم يخف عليه مكانه، فأقِرّه حيث أقرّه الله ورسوله ».

فقال عمر: لولاك لافتضحنا، وترك الحليّ بمكانه.

١٨ -( باب استحباب التعلق بأستار الكعبة، والدعاء عندها)

[١١٠٥٦] ١ - الصدوق في الأمالي: عن أحمد بن زياد الهمداني، عن عمر بن إسماعيل الدينوري، عن زيد بن إسماعيل الصائغ، عن معاوية بن هشام عن سفيان عن عبد الملك بن عمير، عن خالد بن ربعي قال: إن

__________________

الباب ١٧

١ - المناقب ج ٢ ص ٣٦٨.

الباب ١٨

١ - أمالي الصدوق ص ٣٧٧ ح ١٠.

٣٥١

أمير المؤمنينعليه‌السلام دخل مكّة في بعض حوائجه، فوجد أعرابياً متعلقاً بأستار الكعبة وهو يقول: يا صاحب البيت، البيت بيتك، والضيف ضيفك، ولكلّ ضيف من مضيفه قرى، فاجعل قراي منك الليلة المغفرة.

فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام لأصحابه: « أما تسمعون كلام الأعرابي؟ » قالوا: نعم، فقال: « الله أكرم من أن يرد ضيفه » فلمّا كان الليلة الثانية وجده متعلّقاً بذلك الركن وهو يقول: يا عزيزاً في عزك فلا أعز منك في عزّك، أعزّني بعزّ عزّك في عزّ لا يعلم أحد كيف هو، أتوجه إليك، وأتوسل إليك بحقّ محمّد وآل محمّدعليهم‌السلام عليك، أعطني ما لا يعطيني أحد غيرك، واصرف عنّي ما لا يصرفه أحد غيرك.

قال: فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام لأصحابه: « هذا والله الاسم الأكبر بالسريانية، أخبرني به حبيبي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، سأله الجنّة فأعطاه، وسأله صرف النار وقد صرفها عنه » فلمّا كان الليلة الثالثة وجده متعلّقاً بذلك الركن وهو يقول: يا من لا يحويه مكان، ولا يخلو منه مكان، بلا كيفيّة كان، ارزق الأعرابي أربعة آلاف درهم -، الخبر، وهو طويل - وفيه: أنهعليه‌السلام أعطاه ما سأله.

[١١٠٥٧] ٢ - البحار، عن أعلام الدين للديلمي: عن طاووس اليماني، قال: رأيت في جوف الليل رجلاً متعلّقاً بأستار الكعبة، وهو يقول:

ألا أيّها المأمول في كلّ حاجة

شكوت إليك الضرّ فاسمع شكايتي

__________________

٢ - البحار ج ٩٩ ص ١٨٩ ح ١٥.

٣٥٢

ألا يا رجائي أنت تكشف(١) كربتي

فهب لي ذنوبي كلّها واقض حاجتي

فزادي قليل لا أراه مبلّغي

أللزاد أبكي أم لطول مسافتي

أتيت بأعمال قباح رديّة

فما في الورى عبد جنى كجنايتي

أتحرقني في النار(٢) يا غاية المنى

فأين رجائي ثم أين مخافتي »

قال: فتأملته فإذا هو علي بن الحسينعليهما‌السلام ...

[١١٠٥٨] ٣ - ابن شهرآشوب في المناقب: عن الأصمعي قال: كنت أطوف حول الكعبة ليلة، فإذا شاب ظريف الشمائل وعليه ذؤابتان، وهو متعلق بأستار الكعبة، وهو يقول: نامت العيون، وعلت النجوم، وأنت [ الملك ](١) الحيّ القيوم، غلّقت الملوك أبوابها، وأقامت عليها حرّاسها، وبابك مفتوح للسائلين، جئتك لتنظر إليّ برحمتك يا أرحم الراحمين.

ثم أنشأ يقول:

يا من يجيب دعا المضطر في الظلم

يا كاشف الضرّ والبلوى مع السقم

قد نام وفدك حول البيت قاطبة

وأنت وحدك يا قيّوم لم تنم

أدعوك ربّ دعاء قد أمرت به

فارحم بكائي بحق البيت والحرم

إن كان عفوك لا يرجوه ذو سرف

فمن يجود على العاصين بالنعم »

قال: فاقتفيته فإذا هو زين العابدينعليه‌السلام .

[١١٠٥٩] ٤ - السيد علي بن طاووس في مهج الدعوات: عن جماعة

__________________

(١) في البحار: كاشف.

(٢) وفيه: بالنار.

٣ - المناقب لابن شهرآشوب ج ٤ ص ١٥٠.

(١) أثبتناه من المصدر.

٤ - مهج الدعوات ص ١٥٢.

٣٥٣

بأسانيدهم إلى الحسين بن علي بن أبي طالبعليهما‌السلام ، في حديث طويل، وأنّه رأى في المسجد الحرام شاباً يبكي ويتضرع، فأتى به إلى أبيهعليه‌السلام ، وذكر لهعليه‌السلام أنه كان لاهياً مشغوفاً بالعصيان، وأنه ضرب أباه وأوجعه - إلى أن قال - ثم حلف [ بالله ](١) يعني أباه - ليقدمن إلى بيت الله الحرم، فيستعدي الله عليّ [ قال: ](٢) فصام أسابيع، وصلّى ركعات ودعا، وخرج متوجّهاً على عبراته يقطع بالسير عرض الفلاة، ويطوي الأودية، ويعلو الجبال، حتى قدم مكّة يوم الحج الأكبر فنزل من راحلته، وأقبل إلى بيت الله الحرام فسعى، وطاف به، وتعلّق بأستاره، وابتهل (إلى الله)(٣) بدعائه، وأنشأ يقول:

يا من إليه أتى الحجاج بالجهد

فوق المهاري(٤) من أقصى غاية البعد

إني أتيتك يا من لا يخيّب من

يدعوه مبتهلاً بالواحد الصمد

هذا منازل لا يرتاع من عققي(٥)

فخذ بحقّي يا جبّار من ولدي

حتى (يشلّ بحول)(٦) منك جانبه

يا من تقدّس لم يولد ولم يلد

قال: فوالذي سمك السماء، وأنبع الماء ما استتم دعاءه حتى نزل بي ما ترى، ثم كشف عن يمينه فإذا بجانبه قد شلّ الخبر، وفيه ذكر الدعاء المعروف بدعاء المشلول.

[١١٠٦٠] ٥ - السيد ابن زهرة في الغنية: ويتعلق بأستار الكعبة ويقول:

__________________

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) أثبتناه من المصدر.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) مهرة بن حيدان: أبو قبيلة وإبل مهرية منسوبة إليهم والجمع مهاري ومهار ومهاري. (لسان العرب مهر ج ٥ ص ١٨٦).

(٥) عق والده يعقه عقّاً وعقوقا شق عصا طاعته (لسان العرب عقق ج ١٠ ص ٢٥٦).

(٦) في المصدر: يشل بعون.

٥ - الغنية (ضمن كتاب الجوامع الفقهية) ص ٥١٦.

٣٥٤

اللهم بك استجرت فأجرني، وبك استغيث فأغثني، يا رسول الله، يا أمير المؤمنين، يا فاطمة بنت رسول الله(١) يا حسن، يا حسين - ويسمّي الأئمةعليهم‌السلام إلى آخرهم - بالله ربّي استغيث، وبكم إليه تشفّعت، أنتم عمدتي، وإيّاكم أقدّم بين يدي حوائجي، فكونوا شفعائي إلى الله في إجابة دعائي، وتبليغي في (ديني ودنياي)(٢) مهمّاتي، اللّهم ارحم بهم عبرتي، واغفر بشفاعتهم خطيئتي، واقبل مناسكي، واغفر لي ولوالدي، واحفظني في نفسي وأهلي، وفي جميع إخواني، واشركهم في صالح دعائي، إنّك على كلّ شئ قدير.

١٩ -( باب أحكام لقطة الحرم)

[١١٠٦١] ١ - الجعفريات: أخبرنا عبد الله، أخبرنا محمّد، حدثني موسى، قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن عليعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الحرم لا يختلى خلاؤه - إلى أن قال - ولا تحلّ لقطته إلّا لمنشد » الخبر.

[١١٠٦٢] ٢ - دعائم الإسلام: عن جعفر محمّدعليهما‌السلام ، أنه قال: « لا (تلقط اللقطة في)(١) الحرم، دعها(٢) مكانها حتى يأتي من

__________________

(١) في المصدر زيادة: يا أمير المؤمنين، يا فاطمة بنت رسول الله.

(٢) وفيه: الدين والدنيا.

الباب ١٩

١ - الجعفريات ص ٧١.

٢ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٣١١.

(١) كذا في المصدر، وفي المخطوط: يلتقطه لقطة.

(٢) في المخطوط: ويترك، وما أثبتناه من المصدر.

٣٥٥

(هي له)(٣) فيأخذها ».

[١١٠٦٣] ٣ - وعنهعليه‌السلام : أنه سئل عن رجل وجد ديناراً في الحرم فأخذه، ما يصنع به؟ قال: « بئس ما صنع إذا أخذه، لأن (لقطة الحرم)(١) لا ترفع، هي في حرم الله إلى أن يأتي صاحبها فيأخذها، قيل: فإنه قد ابتلي به، قال: فليعرفه، قيل: فإنه قد عرفه، قال: فليتصدق به على أهل بيت من المسلمين، فإن جاء (طالبه فهو)(٢) ضامن ».

[١١٠٦٤] ٤ - فقه الرضاعليه‌السلام : « اعلم أنّ اللقطة لقطتان: لقطة الحرم، ولقطة غير الحرم، فأمّا لقطة الحرم فإنّها تعرّف(١) سنة، فإن جاء صاحبها وإلّا تصدقت بها، وإن كنت وجدت في الحرم ديناراً مطلساً(٢) فهو لك لا تعرفه ».

٢٠ -( باب استحباب إكثار النظر إلى الكعبة)

[١١٠٦٥] ١ - محمّد بن مسعود العياشي في تفسيره: عن زرارة، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: كنت عنده قاعداً خلف المقام وهو محتبٍ

__________________

(٣) في المصدر: أضلها.

٣ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٤٩٥ ح ١٧٦٦.

(١) في المصدر: اللقطة بالحرم.

(٢) وفيه: طالبها فهو له.

٤ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٣٥.

(١) في المخطوط: يعرف، وما أثبتناه من المصدر.

(٢) المطلس: الممحو (لسان العرب ج ٦ ص ١٢٤).

الباب ٢٠

١ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٨٨ ح ٥٧.

٣٥٦

مستقبل القبلة، فقال: « النظر إليها عبادة » الخبر.

[١١٠٦٦] ٢ - بعض نسخ الرضويعليه‌السلام : « واقلل الخروج من المسجد فإن النظر إلى الكعبة عبادة، ولا يزال المرء في صلاة ما دام ينظرها ».

[١١٠٦٧] ٣ - القطب الراوندي في لبّ اللباب: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « ومن نظر إلى البيت إيماناً واحتساباً نظرة واحدة غفر له ما تقدم وما تأخر، ومن نظر إلى البيت كان أفضل من عبادة سنة ».

وروي: أنّ الله ينزل كلّ يوم على مكّة مائة وعشرين رحمة، ستون منها للطائفين، وأربعون للعاكفين، وعشرون للناظرين.

٢١ -( باب كراهة مطالبة الغريم في الحرم، والتسليم عليه)

[١١٠٦٨] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « إن كان لك على رجل حقّ فوجدته بمكّة، أو في الحرم فلا تطالبه، ولا تسلم عليه فتفزعه، إلّا أن تكون أعطيته حقّك في الحرم، فلا بأس أن تطالبه في الحرم ».

٢٢ -( باب جواز الاحتباء مستقبل الكعبة على كراهية في المسجد الحرام، وكذا الاحتذاء فيه)

[١١٠٦٩] ١ - العياشي في تفسيره: عن زرارة، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: كنت عنده قاعداً خلف المقام وهو محتب

__________________

٢ - بعض نسخ الرضوي: وعنه في البحار ج ٩٩ ص ٣٤٦.

٣ - لبّ اللباب: مخطوط.

الباب ٢١

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٣٣.

الباب ٢٢

١ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٨٨ ح ٥٧.

٣٥٧

مستقبل القبلة » الخبر.

[١١٠٧٠] ٢ - نوادر علي بن أسباط، عن رجل من أصحابنا يكنّى با إسحاق، عن بعض أصحابه، عن علي بن الحسينعليهما‌السلام ، أنه قال في حديث: « وإذا كان مقابل الكعبة، لم يجز له أن يحتبي وهو ناظر إليها ».

٢٣ -( باب أنه يكره أن يعلق لدور مكّة أبواب، وأن يمنع الحاج من نزول دورها، وأن يؤخذ لها أُجرة)

[١١٠٧١] ١ - علي بن إبراهيم في تفسير قوله تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ) (١) قال: نزلت في قريش حين صدوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن مكّة، وقوله:( سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ) ، قال: أهل مكّة ومن جاء إليه(٢) من البلدان، فهم فيه(٣) سواء، لا يمنع النزول ودخول الحرم.

[١١٠٧٢] ٢ - القطب الراوندي في فقه القرآن: كتب عليعليه‌السلام ، إلى قثم بن عبّاس، عامله على مكّة: « أقم للناس الحج، واجلس لهم العصرين، فافت المستفتي، وعلّم الجاهل، وذاكر العالم، ومر أهل مكّة أن لا يأخذوا من ساكن اجراً، فإنّ الله سبحانه يقول:( سَوَاءً

__________________

٢ - نوادر علي بن أسباط ص ١٢٤.

الباب ٢٣

١ - تفسير القمي ج ٢ ص ٨٣.

(١) الحج ٢٢: ٢٥.

(٢) في المصدر: إليهم.

(٣) ليس في المصدر.

٢ - فقه القرآن ج ١ ص ٣٢٧.

٣٥٨

الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ) (١) العاكف: المقيم به، والبادي: الذي يحج إليه من غير أهله ».

٢٤ -( باب استحباب دخول الكعبة)

[١١٠٧٣] ١ - محمّد بن مسعود العياشي في تفسيره: عن علي بن عبد العزيز، قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : جعلت فداك قول الله تعالى( آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ) (١) وقد يدخله المرجئ، والقدري، والحروري، والزنديق الذي لا يؤمن بالله، قال: « لا، ولا كرامة » قلت: فمن(٢) ، جعلت فداك؟ قال: « ومن دخله وهو عارف بحقّنا كما هو عارف له، خرج من ذنوبه، وكفي همّ الدنيا والآخرة ».

[١١٠٧٤] ٢ - دعائم الإسلام: عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام : أنه سئل عن دخول الكعبة(١) ؟ فقال: « نعم إن قدرت على ذلك(٢) ، وإن خشيت الزحام فلا تغرّر بنفسك ».

[١١٠٧٥] ٣ - القطب الراوندي في لبّ اللباب: وجد إبراهيمعليه‌السلام حجراً مكتوباً عليه أربعة أسطر: الأول: إنّي أنا الله لا إله

__________________

(١) الحج ٢٢: ٢٥.

الباب ٢٤

١ - تفسير العياشي ج ١ ص ١٩٠ ح ١٠٧.

(١) آل عمران ٣: ٩٧.

(٢) في المخطوط: فمه، وما أثبتناه من المصدر.

٢ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٣٣٢.

(١) في المصدر: البيت.

(٢) وفيه زيادة: فافعله.

٣ - لبّ اللباب: مخطوط.

٣٥٩

إلّا أنا فاعبدني، الثاني: لا إله إلّا الله محمّد رسولي، طوبى لمن آمن به واتبعه. الثالث: إنّي أنا الله لا إله إلّا أنا، من اعتصم بي نجا. الرابع: إنّي أنا الله لا إله إلّا أنا، الحرم لي والكعبة بيتي، من دخل بيتي أمن من عذابي.

٢٥ -( باب أنه يستحب لمن أراد دخول الكعبة أن يغتسل، ثم يدخلها بسكينة ووقار بغير حذاء، ولا يبزق ولا يمتخط، ويدعو بالمأثور، ويصلّي بين الإسطوانتين على الرخامة الحمراء، وفي كلّ زاويتين ركعتين، ويكبّر مستقبلاً لكلّ ركن)

[١١٠٧٦] ١ - دعائم الإسلام: عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، أنه قال: « يستحب لمن أراد دخول الكعبة أن يغتسل ».

[١١٠٧٧] ٢ - وعن علي بن الحسينعليهما‌السلام ، أنه قال: « صلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في البيت، بين العمودين على الرخامة الحمراء، واستقبل ظهر البيت، وصلّى ركعتين ».

[١١٠٧٨] ٣ - بعض نسخ الرضويعليه‌السلام : « أبي، عن الصادقعليهما‌السلام : لا تصلح المكتوبة في جوف الكعبة، فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لم يدخل الكعبة في عمرة ولا حجّة، ولكنه دخلها في الفتح، وصلّى ركعتين بين العمودين، ومعه أسامة والفضل ».

__________________

الباب ٢٥

١ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٣٣٢.

٢ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٣٣٣.

٣ - بعض نسخ الرضوي ص ٧٤، وعنه في البحار ج ٩٩ ص ٣٥٧ ح ٢٣.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

كلّ مؤمن ، ولا يكترثون بكل شيء ولا يرعون حرمة ولا عهدا ، فهم في الحقيقة أعداء الإيمان والحقّ ، وهم مصداق ما ذكره القرآن في شأن أقوام سابقين أيضا حيث يقول :( وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) (١) .

* * *

ملاحظتان

١ ـ من هم المستثنون في هذه الآية؟

جرى الكلام بين المفسّرين في الطائفة المستثناة من الحكم :( إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) فمن هؤلاء المستثنون في هذه الآية؟!

إلّا أنّه بملاحظة الآيات السابقة ، يظهر أن المراد من هذه الجملة هم أولئك الذين بقوا على عهدهم ووفائهم ، أي القبائل التي هي من بني ضمرة وبني كنانة وبني خزيمة وأضرابهم.

وفي الحقيقة فإنّ هذه الجملة بمنزلة التأكيد للآيات السابقة ، فإنّ على المسلمين أن يكونوا حذرين واعين ، وأن يعرفوا هؤلاء الأوفياء بالعهد ويميزوهم عن سواهم الناكثين للعهد.

وما قوله تعالى :( عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) فلعل هذا التعبير يشير إلى ما كان من معاهدة بين المسلمين والمشركين في السنة السادسة للهجرة ، عند صلح الحديبية على بعد خمسة عشر ميلا عن مكّة ، فقد التحق جماعة آخرون من مشركي العرب كالقبائل المشار إليها آنفا بهذه المعاهدة حيث عاهدوا المسلمين عن ترك الخصام ، إلّا أن مشركي قريش نقضوا عهدهم ، ثمّ أسلموا في السنة الثامنة عند فتح مكّة ، أمّا الجماعة التي التحقت حينئذ من المشركين بمن عاهد المسلمين ، فلم يسلموا ولم ينقضوا عهدهم.

__________________

(١) سورة البروج ، الآية ٨.

٥٤١

ولمّا كانت أرض مكّة تستوعب منطقة واسعة «حولي ٤٨ ميلا» فقد عدّت المنطقة كلها جزءا من المسجد الحرام ، كما نقرأ عن ذلك في الآية (١٩٦) من سورة البقرة ، إذ تذكر موضوع حج التمتع وأحكامه فتقول :( ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) .

والمعروف عند الفقهاء وفتاواهم أن أحكام حج التمتع إنما تجب على من تبعد داره «أو دار أهله» أكثر من ٤٨ ميلا عن مكّة.

فبناء على ذلك لا مانع أبدا من أن يطلق على الحديبية ، التي تبعد ١٥ ميلا عن مكّة ، تعبير : عند المسجد الحرام.

وأمّا قول بعضهم : إن الاستثناء الوارد في الآية إنما هو في شأن مشركي قريش ، الذين عدّ القرآن الكريم عهدهم الذي عقدوه في صلح الحديبية محترما ، فهذا القول يبدو بعيدا ، بل هو غير صحيحى ، لأنّه.

أوّلا : من المعلوم أنّ مشركي قريش نقضوا العهد ، فنقضهم مقطوع به ، ولا مراء فيه ، فإن لم يكونوا قد نقضوا العهد ، فمن الذين لم ينقضوا عهدهم إذا؟!

ثانيا : إن صلح الحديبية إنّما كان في السنة السادسة للهجرة ، بينما أسلم مشركو قريش في السنة الثامنة للهجرة بعد فتح مكّة ، فبناء على ذلك فالآيات هذه النازلة في السنة التاسعة للهجرة ، لا يمكن أن تكون ناظرة إليهم.

٢ ـ متى يجوز الغاء المعاهدة؟

كما قلنا ذيل الآيات المتقدمة ، فإنّ المراد من الآيات محل البحث لا يعني جواز الغاء العهد بمجرّد تصميم المشركين وعزمهم على نقض العهد عند بلوغهم القدرة ، بل إنّهم أبدوا هذا الأسلوب وطريقة تفكيرهم عمليّا مرارا ، فمتى استطاعوا أن يوجهوا ضربتهم إلى الإسلام دون الالتفات إلى المعاهدة وجهوها. وهذا المقدار من عملهم كاف لإلغاء عهدهم.

* * *

٥٤٢

الآيات

( فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (١١) وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (١٢) أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣) قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (١٤) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٥) )

التّفسير

لم تخشون مقاتلة العدوّ؟!

إنّ أحد أساليب الفصاحة والبلاغة أن يكرر المتحدّث المطلب المهم بتعابير مختلفة للتأكيد على أهمية ، وليكون له أثر في النفوس. ولما كانت مسألة تطهير

٥٤٣

المحيط الإسلامي من الوثنية وعبادة الأصنام وإزالة آثارها ، من المسائل ذات الأهميّة القصوى ، فإنّ القرآن يكرر هذه المطالب بعبارات جديدة ـ في الآيات محل البحث ـ ويورد القرآن كذلك لطائف تخرج المطلب ـ عن صورة التكرار ، ولو التكرار المجازي.

فتقول الآية الأولى من هذا الآيات محل البحث :( فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ ) .

وتضيف معقبة( وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) .

وكان التعبير في الآيات المتقدمة أنّهم إذا أدّوا وظيفتهم الإسلامية ، أي تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزّكاة( فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ) أمّا التعبير في هذه الآية( فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ ) أي لا فارق بينهم وبين أحد من المسلمين من حيث الاحترام والمحبّة ، كما لا فارق بين الإخوان.

وهذه التعابير تؤثر من الناحية النفسية في أفكار المشركين وعواطفهم لتقبل الإسلام ، إذ تقول في حقّهم تارة( فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ) وتارة( فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ ) إلخ

ولكن لو استمر المشركون في نقض العهود ، فتقول الآية التالية :( وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ ) .

صحيح أنّهم عاهدوكم على عدم المخاصمة والمقاتلة ، إلّا أن هذه المعاهدة ـ بنقضها مرارا ، وكونها قابلة للنقض في المستقبل ـ لا اعتبار لها أصلا ولا قيمة لها.

وتعقّب الآية مضيفة( لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ ) .

وفي الآية الأخرى خطاب للمسلمين لإثارة هممهم ، وإبعاد روح الضعف والخوف والتردد عنهم في هذا الأمر الخطير ، إذ تقول الآية :( أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ ) .

فعلام تقلقون وأنتم لم تبدأوهم بالقتال وإلغاء العهد من قبلكم( وَهُمْ بَدَؤُكُمْ

٥٤٤

أَوَّلَ مَرَّةٍ ) ؟

وإذا كان بعضكم يتردد في مقاتلتهم خشية ، منهم ، فإنّ هذه الخشية لا محل لها( أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) .

وفي الآية التالية وعد بالنصر الحاسم للمسلمين ، إذ تقول( قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ ) .

وليس ذلك فحسب ، بل ،( وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ ) .

وبهذا يشعر المؤمنون بالراحة والطمأنينة بعد أن كانوا يقاسون الألم والعذاب تحت وطأة هؤلاء المجرمين ، ويزيل الله تعالى عن قلوبهم آلام المحنة بهذا النصر( وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ) .

قال بعض المفسّرين : إنّ المراد من( قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ) هم جماعة المؤمنين من بني خزاعة ، وقد استغفلهم عبدة الأوثان من بني بكر فهجموا عليهم غدرا.

وقال بعض المفسّرين : إنّ المراد من هذا التعبير هم جماعة من أهل اليمن استجابوا لدعوة الإسلام ، ولما وصلوا مكّة عذّبوا وأوذوا من قبل عبدة الأصنام.

إلّا أنّه لا يبعد أن تشمل هذه العبارة جميع أولئك الذين تعرّضوا لأذى المشركين وعبدة الأصنام وتعذيبهم فكانت قلوبهم تغلي دما منهم.

أمّا الآية التالية فتضيف : إنّ في انتصار المؤمنين وهزيمة الكافرين سرورا للمؤمنين ، وإنّ الله يسدّدهم( وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ) .

ويحتمل أن تكون هذه الجملة تأكيدا للجملة السابقة( وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ) كما يحتمل أن تكون مستقلة عنها. وأن تكون الجملة السابقة إشارة إلى أنّ القلوب التي مرضت وتألمت سنين طوالا من أجل الإسلام والنّبي الكريم ، شفيت بانتصار الإسلام.

وأمّا الجملة الثّانية( وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ) فهي إشارة أن أولئك الذين فقدوا أعزّتهم وأحبّتهم بما لا قوه من تعذيب وحشي من قبل المشركين

٥٤٥

فأغاظوهم ، سيقّر الله عيونهم بهلاك المشركين( وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ) .

وتختتم الآية بالقول :( وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) .

كما تشير العبارة الأخيرة ضمنا إلى امكانية أن يلج بعضهم باب التوبة ، فينبغي على المسلمين أن يعرفوا أن الله يقبل توبتهم ، فلا يعاملوهم بشدة وقسوة فلا يجوز ذلك. كما أن الجمل بنفسها تحمل البشرى بأنّ مثل هؤلاء سيميلون نحو الإسلام ويشملهم توفيق الله ، لما لديهم من التهيؤ الروحي والقابليّة.

وقد ذهب بعض المفسّرين أنّ الآيات الأخيرة ـ بصورة عامّة من قبيل الإخبار القراني بالمغيبات ، وهي من دلائل صدق دعوة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّ ما أخبر عنه القرآن قد تحقق فعلا.

* * *

ملاحظات

١ ـ هناك كلام بين المفسّرين في الجماعة الذين عنتهم الآية( قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ ) من هم؟!

قال بعضهم : إنّ الآية تشير إلى اليهود ، وإلى بعض الأقوام الذين نازلوا المسلمين وقاتلوهم بعد حين كالفرس والرّوم.

وقال بعضهم : هي إشارة إلى كفّار قريش.

وقال بعضهم : بل هي إشارة إلى المرتدين بعد إسلامهم.

إلّا أنّ ظاهر الآيات يدلّ ـ بوضوح ـ على أن موضوعها هو جماعة المشركين وعبدة الأصنام الذين عاهدوا المسلمين على عدم القتال والمخاصمة ، إلّا أنّهم نقضوا عهدهم.

وكان هؤلاء المشركون في أطراف مكّة أو سائر نقاط الحجاز.

كما أنّه لا يمكن القبول بأنّ الآية ناظرة إلى قريش ، لأنّ قريشا

٥٤٦

ورئيسها ـ أبا سفيان ـ أعلنوا إسلامهم ـ ظاهرا ـ في السنة الثامنة بعد فتح مكّة ، والسورة محل البحث نزلت في السنة التاسعة للهجرة.

كما أنّ الاحتمال بأنّ المراد من الآية هو الفرس أو الروم بعيد جدّا عن مفهوم الآية ، لأنّ الآية ـ أو الآيات محل البحث ـ تتكلم عن مواجهة فعلية ، لا على مواجهات مستقبلية أضف إلى ذلك فإنّ الفرس أو الروم لم يهمّوا بإخراج الرّسول من وطنه.

كما أنّ الاحتمال بأنّ المراد هم المرتدون بعد الإسلام ، بعيد غاية البعد ، لإن التأريخ لم يتحدث عن مرتدين أقوياء واجهوا الرّسول ذلك الحين ليقاتلهم بمن معه من المسلمين.

ثمّ إنّ كلمة «أيمان» جمع «يمين» وكلمة «عهد» يشيران إلى المعاهدة بين المشركين والرّسول على عدم المخاصمة ، لا إلى قبول الإسلام. فلاحظوا بدقة.

وإذا وجدنا في بعض الرّوايات الإسلامية أنّ هذه الآية طبّقت على «النّاكثين» في «معركة الجمل» وأمثالها ، فلا يعني ذلك أن الآيات نزلت في شأنهم فحسب ، بل الهدف من ذلك أنّ روح الآية وحكمها يصدقان في شأن الناكثين ومن هم على شاكلتهم ممن سيأتون في المستقبل.

والسؤال الوحيد الذي يفرض نفسه ويطلب الإجابة ، هو : إذا كان المراد جماعة المشركين الذين نقضوا عهودهم ، وقد جرى الكلام عليهم في الآيات المتقدمة ، فعلام تعبّر الآية هنا عنهم بالقول :( وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ ) مع أنّهم قد نكثوها فعلا.

والجواب : إنّ المراد من هذه الجملة ـ المذكورة آنفا ـ أنّهم لو واصلوا نقضهم أو نكثهم للأيمان ، ولم يثوبوا إلى رشدهم ، فينبغي مقاتلتهم. ونظير ذلك ما جاء في قوله تعالى :( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ) ومفهومها أنّنا نطلب من الله أن يوفقنا لأنّ نسير على الصراط المستقيم وأن تستمرّ هدايته إيانا.

٥٤٧

والشاهد على هذا الكلام أنّ جملة( وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ ) جاءت في مقابل( فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ ) أي لا يخلو الأمر من أحد وجهين ، فإمّا أن يتوبوا ويعرضوا عن الشرك ويتجهوا نحو الله ، وإمّا أن يستمرا على طريقهم ونكث أيمانهم. ففي الصورة الأولى هم إخوانكم في الدين ، وفي الصورة الثّانية ينبغي مقاتلتهم.

٢ ـ ممّا يسترعي الانتباه أنّ الآيات محل البحث لا تقول : قاتلوا الكفار ، بل تقول :( فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ) وهي إشارة إلى أن (القاعدة الجماهيرية) وعامّة الناس تبع لزعمائهم ورؤسائهم ، فينبغي أن يكون الهدف القضاء على رؤسائهم وأئمتهم ، لأنّهم أساس الضلال والتضليل والظلم والفساد ، فاستأصلوا شجرة الكفر من جذورها وأحرقوها. فمواجهة الكفار لا تجدي نفعا ما دام أئمتهم في الوجود ، أضف إلى ذلك فإنّ هذا التعبير يعدّ ضربا من ضروب النظرة البعيدة المدى وعلو الهمة وتشجيع المسلمين ، إذ عدّ أئمّة الكفر في مقابل المسلمين ، فليواجهوهم فذلك أجدر من مواجهة من دونهم من الكفّار.

والعجيب أنّ بعض المفسّرين يرى أنّ هذا التعبير يعني أبا سفيان وأمثاله من زعماء قريش ، مع أنّ جماعة منهم قتلوا في معركة بدر ، وأسلم الباقي منهم كأبي سفيان بعد فتح مكّة ـ بحسب الظاهر ـ وكانوا عند نزول الآية في صفوف المسلمين ، فمقاتلتهم لا مفهوم لها.

واليوم ما يزال هذا الدستور القرآني المهم باقيا على قوته «ساري المفعول» فالكي نزيل الاستعمار والفساد والظلم ، لا بدّ من مواجهة رؤوساء والأكابر وأئمّة المنحرفين ، وإلّا فلا جدوى من مواجهة من دونهم من الأفراد ، فلاحظوا بدقة.

٣ ـ إنّ التّعبير بـ( فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ ) الوارد في الآيات المتقدمة ، من ألطف التعابير التي يمكن أن يعبّر بها في شأن المساواة بين أفراد المجتمع ، وبيان أوثق العلائق العاطفية ، لأنّ أجلى العلائق العاطفية وأقربها في الناس التي تمثل

٥٤٨

المساواة الكاملة هي العلاقة ما بين الأخوين.

إلّا أنّ من المؤسف أن الانقسامات الطبقية والنداءات القومية سحقت هذه الأخوة الإسلامية التي كان الأعداء يغبطوننا عليها ، ووقف الإخوان في مواجهة إخوانهم متراصين بشكل لا يصدق ، وقد يقاتل كلّ منهما الآخر قتالا لا يقاتل العدوّ عدوه بمثل هذا القتال ، وهذا واحد من أسرار تأخرنا في عصرنا هذا.

٤ ـ يستفاد ـ إجمالا ـ من جملة «أتخشونهم» أنّه كان بين المسلمين جماعة يخافون من الاستجابة للأمر بالجهاد ، إمّا لقوّة العدوّ وقدرته ، أو لأنّهم كانوا يعدو نقض العهد ذنبا.

فالقرآن يخاطبهم بصراحة أن لا تخافوا من هؤلاء الضعاف ، بل ينبغي أن تخافوا من عصيان أمر الله. ثمّ إن خشيتكم من نكث الإيمان ونقض العهد ليست في محلها ، فهم الذين نكثوا أيمانهم وهم بدأوكم أوّل مرّة!

٥ ـ يبدو أنّ جملة( هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ ) إشارة إلى مسألة عزمهم على إخراج الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مكّة (عند هجرته إلى المدينة) بادئ الأمر ، إلّا أن نياتهم تغيرت وتبدلت إلى الإقدام على قتله ، إلّا أنّ النّبي غادر مكّة في تلك الليلة بأمر الله.

وعلى كل حال ، فإنّ ذكر هذا الموضوع ليس على سبيل أنّهم نقضوا عهدهم ، بل هو بيان ذكرى مؤلمة من جنايات عبدة الأصنام ، حيث اشتركت قريش والقبائل الأخرى في هذا الأمر. أمّا نقض العهد من قبل عبدة الأصنام المشركين فكان واضحا من طرق أخرى.

٦ ـ ممّا يثير الدهشة والتعجب أنّ بعض أتباع مذهب الجبر يستدل على مذهبه بالآية( قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ ) مع أنّنا لو تجردنا عن التعصب لما وجدنا في الآية أدنى دليل على مرادهم ، وهذا يشبه تماما لو أردنا أن ننجز

٥٤٩

عملا ـ مثلا ـ فنمضي إلى بعض أصدقائنا ونقول له : نأمل أن يصلح الله هذا الأمر على يدك ، فإنّ مفهوم كلامنا هذا لا يعني بأنّك مجبور على أداء هذا الأمر ، بل المراد أنّ الله منحك قدرة ونية طاهرة ، وبالإفادة منهما استطعت أن تؤدي عملك باختيارك وبحرية تامّة.

* * *

٥٥٠

الآية

( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٦) )

التّفسير

في هذه الآية ترغيب للمسلمين في الجهاد عن طريق آخر ، حيث تحمّل الآية المسلمين مسئولية ذات عبء كبير ، وهي أنّه لا ينبغي أن تتصوروا أن كلّ شيء سيكون تامّا بادعائكم الإيمان فحسب ، بل يتجلى صدق النيّة وصدق القول والإيمان الواقعي في قتالكم الأعداء قتالا خالصا من أي نوع من أنواع النفاق.

فتقول الآية أوّلا :( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ) (١) .

و «الوليجة» مشتقة من «الولوج» ومعناه الدخول ، وتطلق الوليجة على من

__________________

(١) «أم» حرف عطف ويعطف بها جملة استفهامية على جملة استفهامية أخرى ، ولهذا فهي تعطي معنى الاستفهام ، غاية ما في الأمر أنّها تأتي بعد جملة استفهامية دائما ، وفي الآية محل البحث عطفت على الجملة «ألا تقاتلون» التي بدئت بها الآية (١٣).

٥٥١

يعتمد عليه في الأسرار ومعناها يشبه معنى البطانة تقريبا.

وفي الحقيقة فإنّ الجملة المتقدمة تنّبه المسلمين إلى أنّ الأعمال لا تكمل بإظهار الإيمان فحسب ، ولا تتجلى شخصية الأشخاص بذلك ، بل يعرف الناس باختبارهم عن طريقين :

الأوّل : الجهاد في سبيل الله لغرض محو آثار الشرك والوثنية.

الثاني : ترك أية علاقة أو أي تعاون مع المنافقين والأعداء.

فالأوّل لدفع العدو الخارجي ، والثّاني يحصّن المجتمع من خطر العدو الداخلي.

وجملة( لَمَّا يَعْلَمِ اللهُ ) التي قد يلاحظ نظيرها في بعض آيات القرآن الأخر ، تعني أن أمركم لم يتحقق بعد ، وبتعبير آخر : إنّ نفي العلم هنا معناه نفي المعلوم ، ويستعمل مثل هذا التعبير في مواطن التأكيد. وإلّا فإنّ الله ـ طبقا للأدلة العقلية وصحيح آيات القرآن الكثيرة ـ كان عالما بكل شيء ، وسيبقى عالما بكل شيء.

وهذه الآية تشبه الآية الأولى من سورة العنكبوت ، إذ تقول :( الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ) .

وكما ذكرنا آنفا في تفسيرنا لسورة آل عمران أنّ اختبار الله لعباده ليس لكشف أمر مجهول عنده ، بل هو لتربيتهم ولأجل إنّما الاستعدادات وتجلّي الأسرار الداخلية في الناس.

وتختتم الآية بما يدلّ على الإخطار والتأكيد( وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ ) .

فلا ينبغي أن يتصور أحدّ أنّ الله لا يعرف العلائق السرّية بين بعض الأفراد وبين المنافقين ، بل يعرف كل شيء جيدا وهو خبير بالأعمال كلها.

ويستفاد من سياق الآية أن بين المسلمين يؤمئذ من كان حديث العهد بالإسلام ولم يكن على استعداد للجهاد ، فيشمله هذا الكلام أمّا المجاهدون الصادقون فقد بيّنوا مواقفهم في سوح الجهاد مرارا.

* * *

٥٥٢

الآيتان

( ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ (١٧) إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (١٨) )

التّفسير

من يعمر مساجد الله؟

من جملة المسائل التي يمكن أن تخالط أذهان البعض بعد إلغاء عهد المشركين وحكم الجهاد ، هو : لم نبعد هذه الجماعة العظيمة من المشركين عن المسجد الحرام لأداء مناسك الحج ، مع أنّ مساهمتهم في هذه المراسم عمارة للمسجد من جميع الوجوه «المادية والمعنوية» إذ يستفاد من إعاناتهم المهمّة لبناء المسجد الحرام ، كما يكون لوجودهم أثر معنوي في زيادة الحاجّ والطائفين حول الكعبة المشرفة وبيت الله.

فالآيتان ـ محل البحث ـ تردّان على مثل هذه الأفكار الواهية التي لا أساس

٥٥٣

لها ، وتصرّح الآية الأولى منهما بالقول :( ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ ) .

وشهادتهم على كفرهم جلية من خلال أحاديثهم وو أعمالهم ، بل هي واضحة في طريقة عبادتهم ومراسم حجّهم.

ثمّ تشير الآية إلى فلسفة هذا الحكم فتقول :( أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ ) .

ولذلك فهي لا تجديهم نفعا :( وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ ) .

فمع هذه الحال لا خير في مساعيهم لعمارة المسجد الحرام وبنائه وما إلى ذلك ، كما لا فائدة من كثرتهم واحتشادهم حول الكعبة.

فالله طاهر منزّه ، وينبغي أن يكون بيته طاهرا منزّها كذلك ، فلا يصح أن تمسه الأيدي الملوثة بالشرك.

أمّا الآية التّالية فتذكر شروط عمارة المسجد الحرام ـ إكمالا للحديث آنف الذكر ـ فتبيّن خمسة شروط مهمّة في هذا الصدد ، فتقول ،( إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) .

وهذا النص إشارة إلى الشرطين الأوّل والثّاني ، اللذين يمثلان الأساس العقائدي ، فما لم يتوفر هذان الشرطان لا يصدر من الإنسان أي عمل خالص نزيه ، بل لو كان عمله في الظاهر سليما فهو في الباطن ملّوث بأنواع الأغراض غير المشروعة.

ثمّ تشير الآية إلى الشرطين الثّالث والرّابع فتقول :( وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ ) .

أي أن الإيمان بالله واليوم الآخر لا يكفي أن يكون مجرّد ادعاء فحسب ، بل تؤيده الأعمال الكريمة ، فعلاقة الإنسان بالله ينبغي أن تكون قوية محكمة ، وأن يؤدي صلاته بإخلاص ، كما ينبغي أن تكون علاقته بعباد الله وخلقه قوية ، فيؤدي الزكاة إليهم.

٥٥٤

وتشير الآية إلى الشرط الخامس والأخير فتقول :( وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ ) .

فقلبه مليء بعشق الله ، ولا يحسّ إلّا بالمسؤولية في امتثال أمره ولا يرى لأحد من عبيده أثرا في مصيره ومصير مجتمعه وتقدمه ، هم أقل من أن يكون لهم أثر في عمارة محل للعبادة.

ثمّ تضيف الآية معقبة بالقول :( فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ) فيبلغون أهدافهم ويسعون لعمارة المسجد.

* * *

ملاحظات

١ ـ ما المراد من العمارة

هل تعني عمارة المسجد بناءه وتأسيسه وترميمه ، أو تعني الاجتماع فيه والمساهمة في الحضور عنده؟!

اختار بعض المفسّرين أحد هذين المعنيين في تفسير «عمارة المسجد» في الآية ـ محل البحث ـ غير أنّ الآية ذات مفهوم واسع يشمل هذه الأمور وما شاكلّها جميعا. فليس للمشركين أن يحضروا في المساجد ، وليس لهم أن يبنوا مسجدا ـ وما إلى ذلك ـ بل على المسلمين أن يقوموا بكل ذلك.

ويستفاد من الآية ـ ضمنا ـ أنّه لا ينبغي للمسلمين أن يقبلوا من المشركين ـ بل جميع الفرق غير الإسلامية ـ هدايا أو إعانات للمساجد وبنائها ، لأنّ الآية الأولى وإن كانت تتكلم على المشركين ، لكنّ الآية الثّانية بدأت بكلمة «إنما» لتدل على أن عمارة مساجد الله خاصّة بالمسلمين.

ومن هنا يتّضح أيضا أنّ متولي المساجد ومسئوليها ينبغي أن يكونوا من أنزه الناس ، ولا ينتخب لهذه المهمّة من لا حريجة له في الدين طمعا في ماله وثروته ، أو مقامه الاجتماعي كما هو الحال في كثير من البلاد ، إذ تولّى مساجدها

٥٥٥

من ليس لها أهلا.

بل يجب ابعاد جميع الأيدي الملوثة عن هذه الأماكن المقدسة.

ومنذ أن تدخل في أمور المساجد والمراكز الإسلامية أو أشرف عليها حكام الجور ، أو الأثرياء المذنبون ، فقدت تلك المساجد والمراكز الإسلامية «حيثيتها» ومكانتها ومسخت مناهجها البنّاءة ، ولذا فنحن نرى كثيرا من هذه المساجد على شاكلة مسجد ضرار.

٢ ـ العمل الخالص ينبع من الإيمان فحسب

قد يتساءل بعضنا قائلا : ما يمنع أن نستعين بأموال غير المسلمين لبناء المساجد وعمارتها؟!

لكن من يسأل مثل هذا السؤال لم يلتفت إلى أنّ الإسلام يعد العمل الصالح ثمرة شجرة الإيمان في كل مكان ، فالعمل ثمرة نيّة الإنسان وعقيدته دائما وهو انعكاس لها ويتخذ شكلهما ولونهما دائما ، فالنيات غير الخالصة لا تنتج عملا خالصا.

٣ ـ الحماة الشجعان

تدل عبارة( وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ ) على أنّ عمارة المسجد المحافظة عليها لا تكون إلّا في ظل الشهامة والشجاعة ، فلا تكون هذه المراكز المقدسة مراكز لبناء شخصية الإنسان وذات منهج تربوي عال إلّا إذا كان بانوها وحماتها رجالا شجعانا لا يخشون أحدا سوى الله ، ولا يتأثرون بأي مقام ، ولا يطبقون منهجا غير المنهج الإلهي.

٤ ـ هل المراد من الآية هو المسجد الحرام فحسب؟!

يعتقد بعض المفسّرين أنّ الآية محل البحث تختص بالمسجد الحرام ، مع أنّ

٥٥٦

ألفاظ الآية عامّة ، ولا دليل على هذا التخصيص ، وإن كان المسجد الحرام الذي هو أعظم المساجد الإسلامية في مقدمتها ، ويوم نزول الآية كان المسجد الحرام هو محل إشارة الآية ، إلّا أنّ ذلك لا يدلّ على تخصيص مفهوم الآية.

٥ ـ أهمية بناء المساجد

وردت أحاديث كثيرة في أهمية بناء المساجد عن طرق أهل البيت وأهل السنة ، تدلّ على ما لهذا العمل من الشأن الكبير.

فقد ورد عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «من بنى مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنّة»(١) .

كما ورد عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله : «من أسرج في مسجد سراجا لم تزل الملائكة وحملة العرش يستغفرون له ما دام في ذلك المسجد ضوؤه»(٢) .

إلّا أنّ ما هو أكثر أهمية هذا اليوم هو عمارة المسجد المعنوية ، وبتعبير آخر ينبغي أن نهتم بعمارة شخصية الذين يرتادون المسجد وأهله وحفظته اهتمامنا بعمارة المسجد ذاته.

فالمسجد ينبغي أن يكون مركزا لكل تحرك إسلامي فاعل يؤدي إلى إيقاظ الناس ، وتطهير البيئة والمحيط ، وحثّ المسلمين للدفاع عن ميراث الإسلام.

وينبغي الالتفات إلى أن المسجد جدير بأن يكون مركزا للشباب المؤمن ، لا محلا للعجزة والكسالى والمقعدين ، فالمسجد مجال للنشاط الاجتماعي الفعال ، لا مجال العاطلين والبطّالين والمرضى.

* * *

__________________

(١) ورد هذا الحديث في كتاب وسائل الشيعة ، الباب ٨ من أبواب أحكام المساجد كما ورد عن ابن عباس في تفسير المنار ، ج ١ ، ص ٢١٣.

(٢) كتاب المحاسن ، ص ٥٧ حسب نقل كنز العرفان ، ج ١ ، ص ١٠٨.

٥٥٧

الآيات

( أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٩) الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (٢٠) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ (٢١) خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٢) )

سبب النّزول

هناك روايات مختلفة في سبب نزول الآيات ـ محل البحث ـ منقولة في كتب أهل السنة والشيعة ، ونورد هنا ما يبدو أكثر صحة.

يروي «أبو القاسم الحسكاني» عالم أهل السنة المعروف ، عن بريدة ، أن «شيبة» و «العباس» كان يفتخر كلّ منهما على صاحبه ، وبينما هما يتفاخران إذ مرّ عليهما علي بن أبي طالبعليه‌السلام فقال : فيم تتفاخران؟

فقال العباس : حبيت بما لم يحب به أحد وهو سقاية الحاج.

٥٥٨

فقال شيبة : إني أعمر المسجد الحرام ، وأنا سادن الكعبة.

فقال عليعليه‌السلام : على أنّي مستحي منكما ، فلي مع صغر سني ما ليس عندكما. فقالا : وما ذاك؟!

فقال : جاهدت بسيفي حتى آمنتما بالله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فخرج العباس مغضبا إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شاكيا عليّا فقال : ألا ترى ما يقول؟

فقال النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أدعو لي عليّا فلمّا جاءه علي قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لم كلّمت عمّك العباس بمثل هذا الكلام؟ فقالعليه‌السلام : إذا كنت أغضبته ، فلما بيّنت من الحق ، فمن شاء فليرض بالقول الحق ومن شاء فليغضب.

فنزل جبرئيلعليه‌السلام وقال : يا محمّد ، إنّ ربّك يقرؤك السلام ويقول : اتل هذه الآيات :( أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ ) (١) .

وقد وردت هذه الرواية بالمضمون ذاته مع اختلاف يسير في التعابير في كتب كثيرة لأهل السنة ، كتفسير الطبري والثعلبي ، وأسباب النّزول للواحدي وتفسير الخازن البغدادي ، ومعالم التنزيل للعلّامة البغوي ، والمناقب لابن المغازلي ، وجامع الأصول لابن الأثير ، وتفسير الفخر الرازي ، وكتب أخرى.(٢)

وعلى كل حال ، فالحديث آنف الذكر من الأحاديث المعروفة والمشهورة ، التي يقرّبها حتى المتعصبون ، وسنتكلم عنه مرّة أخرى بعد تفسير الآيات.

التّفسير

مقياس الفخر والفضل :

مع أنّ للآيات ـ محل البحث ـ شأنا في نزولها ، إلّا أنّها في الوقت ذاته

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ، ذيل الآيات محل البحث.

(٢) لمزيد الإيضاح يراجع كتاب إحقاق الحق ، ج ٣ ، ص ١٢٢ ـ ١٢٧.

٥٥٩

تستكمل البحث الذي تناولته الآيات المتقدمة ، ونظير ذلك كثير في القرآن.

فالآية الأولى من هذه الآيات تقول :( أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) .

«السقاية» لها معنى مصدري وهو إيصال الماء للآخرين ، وكما تعني المكيال ، كما جاء في الآية ٧٠ من سورة يوسف( فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ) وتعني الإناء الكبير أو الحوض الذي يصب فيه الماء.

وكان في المسجد الحرام بين بئر زمزم والكعبة محل يوضع فيه الماء يدعى بـ «سقاية العباس» وكان معروفا آنئذ ، ويبدو أنّ هناك إناء كبيرا فيه ماء يستقى منه الحاج يومئذ.

ويحدثنا التأريخ أنّ منصب «سقاية الحاج» قبل الإسلام كان من أهل المناصب ، وكان يضاهي منصب سدانة الكعبة ، وكانت حاجة الحاج الماسة في أيّام الحج إلى الماء في تلك الأرض القاحلة اليابسة المرمضة(١) التي يقل فيها الماء ، وجوّها حار أغلب أيّام السنة ، وكانت هذه الحاجة الماسة تولي موضوع «سقاية الحاج» أهميّة خاصّة ، ومن كان مشرفا على السقاية كان يتمتع بمنزلة اجتماعية نادرة ، لأنّه كان يقدم للحاج خدمة حياتية.

وكذلك «عمارة المسجد الحرام» أو سدانته ورعايته ، كان لها أهميته الخاصّة ، لأنّ المسجد الحرام حتى في زمن الجاهلية كان يعدّ مركزا دينيا ، فكان المتصدي لعمارة المسجد أو سدانته محترما.

ومع كل ذلك فإنّ القرآن يصّرح بأنّ الإيمان بالله وباليوم الآخر والجهاد في سبيل الله أفضل من جميع تلك الأعمال وأشرف.

__________________

(١) «المرمضة» مشتقة من «الإرماض» أي شديدة الحر ، والأرض الرمضاء كذلك : شدية الحر.

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606