الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٥

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل9%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 606

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 606 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 254708 / تحميل: 6680
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٥

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

وإجابته ، وهي باختصار كالتالي :

١ ـ أن يكون الدعاء عن تضرّع وخفية.

٢ ـ أن لا يتجاوز حدّ الاعتدال.

٣ ـ أن لا يكون مقرونا بالإفساد والمعصية.

٤ ـ أن يكون مقرونا بالخوف والأصل المعتدلين.

٥ ـ أن يكون مقرونا بالبرّ والإحسان ، وفعل الخيرات.

* * *

٨١

الآيتان

( وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٥٧) وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (٥٨) )

التّفسير

لا بد من المربي والقابليّة :

في الآيات الماضية مرّت إشارات عديدة إلى مسألة «المبدأ» أي التوحيد ومعرفة الله ، من خلال الوقوف على أسرار الكون ، وفي هذه الآيات ضمن بيان طائفة من النعم الإلهية وردت الإشارة إلى مسألة «المعاد» والبعث ، ليكمل هذان البحثان أحدهما الآخر.

وهذه هي سيرة القرآن الكريم ودأبه في كثير من الموارد ، حيث يقرن بين «المبدأ» و «المعاد» ، والملفت للنظر أنّه يستعين لمعرفة الله ، وكذا لتوجيه الأنظار إلى أمر المعاد معا بالاستدلال بالأسرار الكامنة في خلق موجودات هذا العالم.

٨٢

فيقول تعالى أولا :( وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ) .

ثمّ يقول : إنّ هذه الرياح التي تهب من المحيطات تحمل معها سحبا ثقيلة مشبّعة بالماء( حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً ) .

ثمّ يسوق تلك السحب إلى الأراضي الظامئة اليابسة ، ويكلفها بأن تروي تلك العطاشي( سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ ) .

وبذلك ينهمر ماء الحياة في كل مكان( فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ ) . وبمعونة هذا الماء نخرج للبشر أنواعا متنوعة من الثمار والفواكة( فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ ) .

نعم ، إنّ الشمس تسطع على المحيطات والبحار ، فيتبخر الماء ويتصاعد البخار إلى الأعلى ، وهناك في الطبقات العالية الباردة من الجو يتراكم البخار ويشكل كتلا ثقيلة من السحب ، ثمّ تحمل الرياح كتل السحاب العظيمة على ظهرها ، وتتوجه إلى الأراضي التي كلفت بسقيها ، فتجري بعض هذه الرياح قدام كتل السحاب ، وتكون مزيجة بشيء. من الرطوبة الخفيفة ، فتحدث نسيما مريحا تستشم منه رائحة المطر اللذيذة الباعثة للحياة والنشاط.

إنّها ـ في الحقيقة ـ المبشرات بنزول المطر ، ثمّ ترسل كتل الغيم العظيمة حبات المطر من بين ثناياها ، لكنّها ليست بالكبيرة جدّا فتتلف الزروع والأراضي ، ولا بالصغيرة جدّا فتضيع في الفضاء ولا تصل إلى الأرض ، ثمّ تحط هذه الحبات على الأرض برفق وهدوء ، وتنفذ في ترابها شيئا فشيئا ، فتنبت البذور والحبات. وتبدل الأرض المحترقة بالجفاف ، والتي كانت أشبه شيء بمقبرة مظلمة وساكنة وهامدة ، إلى مركز فعّال نابض بالحياة والحركة ، وتنشأ الجنائن الخضراء الغنية بالأزاهير والثمار.

ثمّ عقيب ذلك يضيف فورا( كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى ) ونلبسهم حلّة الوجود والحياة مرّة أخرى.

ولقد أتينا بهذا المثال لأجل أن نريكم أنموذجا من المعاد في هذه الدنيا ،

٨٣

الذي يتكرر أمام عيونكم كل يوم( لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) .

وفي الآية اللاحقة ـ وحتى لا يظن أحد أن نزول المطر على نمط واحد يدل على أنّ جميع الأراضي تصير حيّة على نمط واحدا أيضا ، وحتى يتّضح أنّ القابليات والاستعدادات متفاوته تسبّبت في أن تتفاوت حالات الاستفادة والانتفاع بالمواهب الإلهية يقول :( وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ) أي أنّ الأرض الصالحة هي التي تستفيد من المطر ، وتثمر خير إثمار بإذن ربّها.

أمّا الأراضي السبخة والخبيثة فلا تثمر إلّا بعض الأعشاب غير النافعة( وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً ) (١) .

هكذا يكون الأمر بالبعث ، وإن كان سببا لعودة الحياة إلى جميع افراد البشر ، إلّا أنّ جميع الناس لا يحشرون على نمط واحد وهيئة واحدة ، إنّهم مختلفون متفاوتون في ذلك مثل تفاوت الأرض الحلوة ، والأرض المالحة ، نعم يتفاوتون ، ويكون هذا التفاوت ناشئا من الأعمال والعقائد والنيات.

ثمّ في ختام الآية يقول تعالى : إنّ هذه الآيات نبيّنها لمن يشكرونها ، ويستفيدون من عبرها ومداليلها ، ويسلكون في ضوئها سبيل الهداية( كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ ) .

إن الآية الحاضرة ـ في الحقيقة ـ إشارة إلى مسألة مهمّة تتجلى في هذه الحياة وفي الحياة الأخرى في كل مكان ، وهي أنّ فاعلية الفاعل وحدها لا تكفي للإثمار والإنتاج الصحيح المطلوب ، بل لا بدّ من «قابلية القابل» فهي شرط للتأثير والإثمار. فإنّه ليس هناك شيء ألطف وأكثر بعثا للحياة والنشاط من حبات المطر ، ولكن هذا المطر نفسه الذي لا شك في لطافة طبعه ، يورق ويورد في مكان ، وينبت الشوك والحنظل في مكان آخر.

* * *

__________________

(١) النّكد : هو البخيل الممسك الذي يتعذر أخذ شيء منه بسهولة ، ولو أنّه أعطى لأعطى الشيء اليسير الحقير. ولقد شبهت الأراضي المالحة السبخة غير المساعدة للزرع بمثل هذا الشخص.

٨٤

الآيات

( لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٥٩) قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٦٠) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦١) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٦٢) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٦٣) فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ (٦٤) )

التّفسير

رسالة نوح أوّل الرّسل من أولي العزم :

تقدم أنّ هذه السورة ـ بعد ذكر سلسلة من القضايا الجوهرية والعامّة في صعيد معرفة الله والمعاد والهداية الإلهية للبشر ، ومسألة الشعور بالمسؤولية ـ

٨٥

تشير إلى قصص ثلة من الأنبياء الكرام والرسل العظام مثل «نوح» و «هود» و «صالح» و «شعيب» وبالتالي «موسى بن عمران»عليهم‌السلام أجمعين ، كي تقدم أمثلة حية لهذه الأبحاث وبصورة عملية في ثنايا تاريخهم الحافل بالحوادث والعبر.

فيبدأ سبحانه من قصة نوح النّبي ، ويستعرض قسما من حواراته مع قومه الوثنيين المعاندين.

وقد وردت قصة نوح في سور قرآنية متعددة ، مثل سورة هود ، الأنبياء ، والمؤمنون ، الشعراء ، كما أنّ هناك سورة قصيرة في القرآن الكريم باسم «سورة نوح» وهي السورة الحادية والسبعون من سور الكتاب العزيز.

وسوف يأتي شرح ودراسة جهود هذا النّبي العظيم ، وكيفية صنعه للسفينة ، والطوفان الرهيب ، وغرق قومه الأنانيين الفاسدين والوثنيين بإسهاب في السور المذكورة ، وهنا أكتفي ـ فقط ـ بإعطاء فهرست عن ذلك ضمن ست آيات هي :

يقول أوّلا :( لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ ) .

إنّ أوّل شيء ذكّرهم به هو إلفات نظرهم إلى حقيقة التوحيد ، ونفي أي نوع من أنواع الوثنية( فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ ) .

إنّ شعار التوحيد ليس شعار نوح وحده ، بل هو أوّل شعار عند جميع الأنبياء والمرسلين الإلهين ، ولهذا يشاهد في آيات متعددة من هذه السورة ـ وغيرها من السور القرآنية ـ أنّ أوّل ما يفتتح أكثر الأنبياء دعواتهم به هو هذا الشعار :( يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ ) (راجع الآيات ٦٥ ، و ٧٣ و ٨٥ من نفس هذه السورة).

من هذه العبارات يستفاد جيدا أنّ الوثنية كانت أسوأ مانع في طريق سعادة البشرية جمعاء ، وأنّ حملة غصون التوحيد هؤلاء كانوا أوّل ما يفعلونه لغرس هذه الغصون في مزرعة الحياة البشرية وتربية أنواع الورود الزاهية والأشجار المثمرة فيها ، هو أنّهم يشمرون عن ساعد الجدّ ليطهروا الحياة البشرية بمنجل

٨٦

تعاليمهم البناءة من الأشواك ، أشواك الوثنية والشرك والعبودية لغير الله تعالى.

ويستفاد من الآية (٢٣) في سورة نوح خاصّة أنّ الناس في زمن النّبي نوحعليه‌السلام كانوا يعبدون أصناما متعددة تدعى «ودّ» و «سواع» و «يغوث» و «يعوق» و «نسر» ، التي سيأتي الحديث عنها عند تفسير تلك الآية بإذن الله.

وبعد أن أيقظ نوح ضمائرهم وفطرتهم الغافية ، حذّرهم من مغبة الوثنية وعاقبتها المؤلمة إذ قال :( إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) .

والمراد من( عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) يمكن أن يكون الطوفان المعروف بطوفان نوح ، الذي قلّما شوهد مثله في العقوبات في العظمة والسعة ، كما ويمكن أن يكون إشارة إلى العقوبة الإلهية في يوم القيامة ، لأنّ هذا التعبير قد ورد في معنيين من القرآن الكريم. فإنّنا نقرأ في سورة الشعراء الآية (١٨٩) :( فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) الآية وردت حول العقوبة التي نزلت بقوم شعيب في هذه الدنيا بسبب ذنوبهم ومعاصيهم ، ونقرأ في سورة المطففين الآية (٥) :( أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ) (١) .

إنّ عبارة «أخاف» (أي أخشى أن تصيبكم هذه العقوبة ، بعد ذكر مسألة الشرك في الآية المبحوثة ، يمكن أن تكون لأجل أن نوحا يريد أن يقول لهم : إذا لم تتيقنوا وقوع هذه العقوبة ، فعلى الأقل ينبغي أن تخافوا منها ، ولهذا لا يجيز العقل أن تسلكوا ـ مع هذا الاحتمال ـ هذا السبيل الوعر ، وتستقبلوا عذابا عظيما أليما كهذا.

ولكن قوم نوح بدل أن يستقبلوا دعوة هذا النّبي العظيم الإصلاحية ، المقرونة بقصد الخير والنفع لهم ، فينضوون تحت راية التوحيد ويكفون عن الظلم والفساد ، قال جماعة من الأعيان والأثرياء الذين كانوا يحسون بالخطر على

__________________

(١) كلمة عظيم في الآية أعلاه صفة «ليوم» لا للعذاب.

٨٧

مصالحهم بسبب يقظة الناس وانتباههم ، ويرون الدين مانعا من عبثهم ومجونهم وشهواتهم ، قالوا لنوح بكل صراحة وقحة : نحن نراك في ضلال واضح( قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) .

و «الملأ» تطلق عادة على الجماعة التي تختار عقيدة وفكرة واحدة ، ويملأ اجتماعها وجلالها الظاهري عيون الناظرين ، لأن مادة «الملأ» أصلا من «الملء» ، وقد استعملها القرآن على الأغلب في الجماعات الأنانية المستبدة ذات المظهر الأنيق والباطن الفاسد الملوث بالأوضاد والشرور ، والذين يملأون ساحات المجتمع المختلفة بوجودهم.

ولقد جابه نوحعليه‌السلام تعنتهم وخشونتهم بلحن هادئ ولهجة متينة تطفح بالمحبّة والرحمة ، فقال في معرض الردّ عليهم : أنا لست بضال ، بل ليست في أية علامة للضلال ، ولكنّي مرسل من الله( قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ ) .

وهذه إشارة إلى أنّ الأرباب التي تعبدوها وتفترضون لكل واحد منها مجالا للسيادة والحاكمية ، مثل إله البحر ، إله السماء ، إله السلام والحرب ، وما شاكل ذلك ، كله لا أساس لها من الصحة ، ورب العالمين ما هو إلّا الله الواحد الذي خلقها جميعا وأوجدها من العدم.

ثمّ إنّ هدفي إنّما هو إبلاغ ما حمّلت من رسالة( أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي ) . ولن آلو جهدا في تقديم النصح لكم ، وقصد نفعكم ، وإيصال الخير إليكم( وَأَنْصَحُ لَكُمْ ) .

«أنصح» من مادة «نصح» يعني الخلوص والغلو عن الغش وعن الشيء الدخيل ، لهذا يقال للعسل الخالص : ناصح العسل ، ثمّ أطلقت هذه اللفظة على الكلام الصادر عن سلامة نية ، وبقصد الخير ، ومن دون خداع ومكر.

ثمّ أضاف تعالى( وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ ) .

٨٨

إنّ هذه العبارة يمكن أن يكون لها جانب تهديد في مقابل معارضاتهم ومخالفتهم ، وكأنّه يريد أن يقول : أنا أعلم بعقوبات إلهية أليمة تنتظر العصاة لا تعلمون شيئا عنها ، أو تكون إشارة إلى لطف الله ورحمته ، وتعني أنّكم إذا أطعتم الله ، وكففتم عن تعنتكم ، فإنّي أعلم مثوبات عظيمة لكم لا تعلمونها ولم تقفوا لحدّ الآن على سعتها. أو تكون إشارة إلى أنّني إذا كنت قد كلفت بهدايتكم فإنّني أعلم أمورا عن الله العظيم وعن أوامره لا تعرفونها ، ولهذا يجب أن تطيعوني وتتبعوني. ولا مانع من أن تكون كل هذه المعاني مقصودة ومجتمعة في مفهوم الجملة الحاضرة.

وفي الآية اللاحقة نقرأ لنوح كلاما آخر قاله في مقابل استغراب قومه من أنّه كيف يمكن لبشر أن يكون حاملا لمسؤولية إبلاغ الرسالة الإلهية ، إذ قال :( أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ ، وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) .

يعني : أيّ شيء في هذه القضية يدعو إلى الاستغراب والتعجب ، لأنّ الإنسان الصالح هو الذي يمكنه أن يقوم بهذه الرسالة أحسن من أي كائن آخر. هذا مضافا إلى أنّ الإنسان هو القادر على قيادة البشر ، لا الملائكة ولا غيرهم.

ولكن بدل أن يقبلوا بدعوة مثل هذا القائد المخلص الواعي كذبه الجميع ، فأرسل الله عليهم طوفانا فغرق المكذبون ونجا في السفينة نوح ومن آمن( فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا ) .

وفي خاتمة الآية بين دليل هذه العقوبة الصعبة ، وأنّه عمى القلب الذي منعهم عن رؤية الحق ، وأتباعه( إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ ) (١) .

وهذا العمى القلبي كان نتيجة أعمالهم السيئة وعنادهم المستمر ، لأنّ

__________________

(١) «عمين» جمع عمي ، وهو يطلق عادة على من تعطلت بصيرته الباطنية ، ولكن الأعمى يطلق على من فقد بصره الظاهري ، وكذلك يطلق على من فقد بصيرته الباطنية أيضا (وعمي حينما يدخل عليها الإعراب تتبدل إلى عم).

٨٩

التجربة أثبتت أنّ الإنسان إذا بقي في الظلام مدة طويلة ، أو أغمض عينيه لسبب من الأسباب وامتنع عن النظر مدة من الزمن ، فإنّه سيفقد قدرته على الرؤية تدريجا وسيصاب بالعمى في النهاية.

وهكذا سائر أعضاء البدن إذا تركت الفعالية والعمل مدّة من الزمن يبست وتعطلت عن العمل نهائيا.

وبصيرة الإنسان هي الأخرى غير مستثناة عن هذا القانون ، فالتغاضي المستمر عن الحقائق ، وعدم استخدام العقل والتفكير في فهم الحقائق والواقعيات بصورة مستمرة ، يضعف بصيرة الإنسان تدريجا إلى أن تعمى عين القلب والعقل في النهاية تماما.

هذه لمحة عن قصة نوح ، وأمّا بقية هذه القصّة وكيفية وقوع الطوفان وتفاصيلها الأخرى ، فسوف نشير إليها في السور التي أشرنا إليها في مطلع هذا البحث.

* * *

٩٠

الآيات

( وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٦٥) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٦٦) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦٧) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (٦٨) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٦٩) قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧٠) قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٧١) فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ (٧٢) )

٩١

التّفسير

لمحة عن قصّة قوم هود :

عقيب ذكر رسالة نوح والدروس الغنية بالعبر الكامنة فيها ، عمد القرآن الكريم إلى إعطاء لمحة سريعة عن قصّة نبي آخر من الأنبياء العظام ، وهو النّبي هودعليه‌السلام ، وذكر ما جرى بينه وبين قومه.

وهذه القصّة ذكرت في سور أخرى من القرآن الكريم مثل سورة «الشعراء» وسورة «هود» التي تناولت هذه القصّة بشيء من التفصيل ، وأمّا في الآيات الحاضرة فقد ذكر شيء مختصر عمّا دار بين هود والمعارضين له ونهايتهم.

يقول تعالى أوّلا : ولقد أرسلنا إلى قوم عاد أخاهم هودا( وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً ) .

وقوم «عاد» كانوا أمّة تعيش في أرض «اليمن» وكانت أمّة قوية من حيث المقدرة البدنية والثروة الوافرة التي كانت تصل إليهم عن طريق الزراعة والرعي ، ولكنّها كانت متخمة بالانحرافات الاعتقادية وبخاصّة الوثنية والمفاسد الأخلاقية المتفشية بينهم.

وقد كلّف «هود» الذي كان منهم ـ وكان يرتبط بهم بوشيجة القربى ـ من جانب الله بأن يدعوهم إلى الحق ومكافحة الفساد ، ولعل التعبير بـ «أخاهم» إشارة إلى هذه الوشيجة النسبية بين هود وقوم عاد.

ثمّ إنّه يحمل أيضا أن يكون التعبير بـ «الأخ» في شأن النّبي هود ، وكذا في شأن عدّة أشخاص آخرين من الأنبياء الإلهيين مثل نوحعليه‌السلام (سورة الشعراء الآية ١٠٦) وصالح (سورة الشعراء الآية ١٤٢) ولوط (سورة الشعراء الآية ١٦١) وشعيب (سورة الأعراف الآية ٨٥) إنّما هو لأجل أنّهم كانوا يتعاملون مع قومهم في منتهى الرحمة ، والمحبّة مثل أخ حميم ، ولا يألون جهدا في إرشادهم وهدايتهم ودعوتهم إلى الخير والصلاح.

٩٢

إنّ هذه الكلمة تستعمل في من يعطف على أحد أو جماعة غاية العطف ، ويتحرق لهم غاية التحرق ، مضافا إلى أنّها تحكي عن نوع من التساوي ونفي أي رغبة في التفوق والزعامة ، يعني أن رسل الله لا يحملون في نفوسهم أية دوافع شخصية في صعيد هدايتهم ، إنما يجاهدون فقط لانقاد شعوبهم وأقوامهم من ورطة الشقاء.

وعلى كل حال ، فإنّ من الواضح والبيّن أنّ التعبير بـ «أخاهم» ليس إشارة إلى الأخوة الدينية مطلقا ، لأنّ هؤلاء الأقوام لم تستجب ـ في الأغلب ـ لدعوة أنبيائها الإصلاحية.

ثمّ يذكر تعالى أنّ هود شرع في دعوته في مسألة التوحيد ومكافحة الشرك والوثنية :( قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ ) .

ولكن هذه الجماعة الأنانية المستكبرة ، وبخاصّة أغنياؤها المغرورون المعجبون بأنفسهم ، والذين يعبّر عنهم القرآن بلفظة «الملأ» باعتبار أنّ ظاهرهم يملأ العيون ، قالوا لهود نفس ما قاله قوم نوح لنوحعليه‌السلام ( قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ ) .

«السفاهة» وخفة العقل كانت تعني في نظرهم أن ينهض أحد ضد تقاليد بيئته مهما كانت تلكم التقاليد خاوية باطلة ، ويخاطر حتى بحياته في هذا السبيل.

لقد كانت السفاهة في نظرهم ومنطقهم هي أن لا يوافق المرء على تقاليد مجتمعه وسننه البالية ، بل يثور على تلك السنن والتقاليد ، ويستقبل برحابة صدر كل ما تخبئه له تلك الثورة والمجابهة.

ولكن هودا ـ وهو يتحلى بالوقار والمتانة التي يتحلى بها الأنبياء والهداة الصادقون الطاهرون ـ من دون أن ينتابه غضب ، أو تعتريه حالة يأس( قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ ) .

ثمّ إنّ هودا أضاف : إنّ مهمته هي إبلاغ رسالات الله إليهم ، وإرشادهم إلى ما

٩٣

فيه سعادتهم وخيرهم ، وانقادهم من ورطة الشرك والفساد ، كل ذلك مع كامل الإخلاص والنصح والأمانة والصدق( أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ ) .

ثمّ إنّ هودا أشار ـ في معرض الرّد على من تعجب من أن يبعث الله بشرا رسولا ـ إلى نفس مقولة نوح النّبي لقومه :( أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ ) أي هل تعجبون من أن يرسل الله رجلا من البشر نبيّا ، ليحذركم من مغبة أعمالكم ، وما ينتظركم من العقوبات في مستقبلكم؟

ثمّ إنّه استثارة لعواطفهم الغافية ، وإثارة لروح الشكر في نفوسهم ، ذكر قسما من النعم التي أنعم الله تعالى بها عليهم ، فقال :( وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ ) ، فقد ورثتم الأرض بكل ما فيها من خيرات عظيمة بعد أن هلك قوم نوح بالطوفان بسبب طغيانهم وبادوا.

ولم تكن هذه هي النعمة الوحيدة ، بل وهب لكم قوة جسدية عظيمة( وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً ) .

إنّ جملة( زادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً ) يمكن أن تكون ـ كما ذكرنا ـ إشارة إلى قوة قوم عاد الجسدية المتفوقة ، لأنّه يستفاد من آيات قرآنية عديدة ، وكذا من التواريخ ، أنّهم كانوا ذوي هياكل عظيمة قوية وكبيرة ، كما نقرأ ذلك من قولهم في سورة «فصلت» الآية ١٥( مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ) وفي الآية (٧) من سورة الحاقة نقرأ ـ عند ذكر ما نزل بهم من البلاء بذنوبهم ـ( فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ ) حيث شبه جسومهم بجذوع النخل الساقطة على الأرض.

ويمكن أن تكون إشارة ـ أيضا ـ إلى تعاظم ثروتهم وإمكانياتهم المالية ، ومدنيتهم الظاهرية المتقدمة ، كما يستفاد من آيات قرآنية وشواهد تاريخية أخرى ، ولكن الاحتمال الأوّل أنسب مع ظاهر الآية.

وفي خاتمة الآية يذكّر تلك الجماعة الأنانيّة بأن يتذكروا نعم الله لتستيقظ

٩٤

فيهم روح الشكر فيخضعوا لأوامره ، علّهم يفلحون( فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) .

ولكن في مقابل جميع المواعظ والإرشادات المنطقية ، والتذكير بنعم الله ومواهبه ، انبرت تلك الثلة من الناس الذين كانوا يرون مكاسبهم المادية في خطر ، وقبول دعوة النّبي تصدّهم عن التمادي في أهوائهم وشهواتهم ، انبرت إلى المعارضة ، وقالوا بصراحة ، : إنّك جئت تدعونا إلى عبادة الله وحده وترك ما كان أسلافنا يعبدون دهرا طويلا ، كلّا ، لا يمكن هذا بحال( قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا ) ؟

لقد كان مستوى تفكير هذه الثّلة منحطا جدّا ـ كما تلاحظ ـ إلى درجة أنّهم كانوا يستوحشون من عبادة الله وحده ، بينما يعتبرون تعدّد الآلهة والمعبودات مفخرة من مفاخرهم.

والجدير بالتأمل أنّ دليلهم في هذا المجال لم يكن إلّا التقليد الأعمى لما كان عليه الآباء والأسلاف ، وإلّا فكيف يمكن أن يبرروا خضوعهم لقطعات من الصخور والأخشاب؟!

وفي النهاية ، ولأجل أن يقطعوا أمل هود فيهم تماما ، ويقولوا كلمتهم الأخيرة قالوا : إذا كان حقا وواقعا ما تنذرنا به من العذاب ، فلتبادر به ، أي أنّنا لا نخشى تهديداتك أبدا( فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) .

وعند ما بلغ الحوار إلى هذه النقطة ، وأطلق أولئك المتعنتون كلمتهم الأخيرة الكاشفة عن رفضهم الكامل لدعوة هود ، وأيس هود ـ هو الآخر ـ من هدايتهم تماما ، قال : إذن ما دام الأمر هكذا فسيحلّ عليكم عذاب ربّكم( قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ ) .

و «الرّجس» في الأصل بمعنى الشيء غير الطاهر ، ويرى بعض المفسّرين أنّ لأصل هذه اللفظة معنى أوسع ، فهو يعني كل شيء يبعث على النفور والتقزز

٩٥

والقرف ، ولهذا يطلق على جميع أنواع الخبائث والنجاسات والعقوبات لفظ «الرجس» لأنّ جميع هذه الأمور توجب نفور الإنسان ، وابتعاده.

وعلى كل حال فإنّ هذه الكلمة في الآية المبحوثة يمكن أن تكون بمعنى العقوبات الإلهية ، ويكون ذكرها مع جملة «قد وقع» التي هي بصيغة الفعل الماضي إشارة إلى أنّكم قد أصبحتم مستوجبين للعقوبة حتما وقطعا ، وأن العذاب سيحل بكم لا محالة.

كما يمكن أن يكون بمعنى النجاسة وتلوث الروح ، يعني أنّكم قد غرقتم في دوّامة الانحراف والفساد إلى درجة أنّ روحكم قد دفنت تحت أوزار كثيفة من النجاسات ، وبذلك استوجبتم غضب الله ، وشملكم سخطه.

ثمّ لأجل أن لا يبقى منطق عبادة الأوثان من دون ردّ أضاف قائلا :( أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ ) فهذه براء ، وجئتم تجادلونني في عبادتها في حين لم ينزل بذلك أي دليل من جانب الله.

وفي الحقيقة ، أنّ هذه الأصنام لا تملك من الألوهية إلّا أسماء من دون مسمّيات ، وهي أسماء من نسج خيالكم وخيال أسلافكم ، وإلّا فهي كومة أحجار وأخشاب لا تختلف عن غيرها من أحجار البراري وأخشاب الغابات.

ثمّ قال : فإذا كان الأمر هكذا فلننتظر جميعا ، انتظروا أنتم أن تنفعكم أصنامكم ومعبوداتكم وتنصركم ، وأنتظر أنا أن يحلّ بكم غضب الله وعذابه الأليم جزاء تعنتكم ، وسيكشف المستقبل أي واحد من هذين الانتظارين هو الأقرب إلى الحقيقة والواقع( فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ ) .

وفي نهاية الآية بيّن القرآن مصير هؤلاء القوم المتعنتين في عبارة قصيرة موجزة :( فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ ) أجل ، لقد أنجى الله هودا ومن اتبعه من القوم بلطفه ورحمته ، وأمّا

٩٦

الذين كذبوا بآيات الله ، ورفضوا الانضواء تحت لواء دعوته ، والانصياع للحق ، فقد أبيدوا نهائيا.

و «دابر» في اللغة بمعنى آخر الشيء ومؤخرته ، وبناء على هذا المفهوم يكون معنى الآية : أنّنا أبدنا هؤلاء القوم إبادة كاملة واستأصلنا شأفتهم.

(وسوف نبحث بالتفصيل حول قوم عاد وبقية خصوصيات حياتهم وكيفية عقوبة الله لهم والعذاب الذي نزل وحلّ بهم عند تفسير سورة هود بإذن الله).

* * *

٩٧

الآيات

( وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٣) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٧٤) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٧٥) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٧٦) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧٧) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٧٨) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (٧٩) )

٩٨

التّفسير

قصة قوم صالح وما فيها من عبر

في هذه الآيات جاءت الإشارة إلى قيام «صالح» النّبي الإلهي العظيم في قومه «ثمود» الذين كانوا يسكنون في منطقة جبلية بين الحجاز والشام ، وبهذا يواصل القرآن أبحاثه السابقة الغنية بالعبر حول قوم نوح وهود.

وقد أشير إلى هذا القصة أيضا في سورة : «هود» و «الشعراء» و «القمر» و «الشمس» وجاءت بصورة أكثر تفصيلا في سورة «هود» أمّا هذه الآيات فقد أوردت ما دار بين صالحعليه‌السلام وقومه قوم ثمود ، وعن مصيرهم ، وعاقبة أمرهم بصورة مختصرة.

فيقول تعالى في البداية :( وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً ) .

وقد مر بيان العلة في إطلاق لفظة «الأخ» على الأنبياء عند تفسير الآية (٦٥) من نفس هذه السورة في قصة هود.

ولقد كانت أوّل خطوة خطاها نبيّهم صالح في سبيل هدايتهم ، هي الدعوة إلى التوحيد ، وعبادة الله الواحد( قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ ) .

ثمّ أضاف : إنّه لا يقول شيئا من دون حجة أو دليل ، بل قد جاء إليهم ببيّنة من ربّهم( قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً ) .

و «النّاقة» أنثى الإبل ، وقد أشير إلى ناقة صالح في سبعة مواضع من القرآن الكريم(١) .

وأمّا حقيقة هذه الناقة ، وكيف كانت معجزة صالح الساطعة ، وآيته المفحمة لقومه ، فذلك ما سنبحثه في سورة هود ، في ذيل الآيات المرتبطة بقوم ثمود بإذن الله.

__________________

(١) قال الطبرسي في المجمع : الناقة أصلها من التوطئة والتذليل بعير منوق أي مذلل موطأ ، ولعل إطلاقها على أثنى الإبل لكونها أكثر ذلولا للامتطاء والركوب.

٩٩

على أنّه ينبغي الالتفات إلى أنّ إضافة «الناقة» إلى «الله» في الآيات الحاضرة من قبيل الإضافة التشريفية ـ كما هو المصطلح ـ فهي إشارة إلى أنّ هذه الناقة المذكورة لم تكن ناقة عادية ، بل كانت لها ميزات خاصّة.

ثمّ إنّه يقول لهم : اتركوا الناقة تأكل في أرض الله ولا تمنعوها( فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) .

وإضافة الأرض إلى «الله» إشارة إلى أنّ هذه الناقة لا تزاحم أحدا ، فهي تعلف من علف الصحراء فقط ، ولهذا يجب أن لا يزاحموها.

ثمّ يقول في الآية اللاحقة( وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ ) أي من جانب لا تنسوا نعم الله الكثيرة ، ومن جانب آخر انتبهوا إلى أنّه قد سبقكم أقوام (مثل قوم عاد) طغوا فحاق بهم عذاب الله بذنوبهم وهلكوا.

ثمّ ركز على بعض النعم الإلهية كالأرض فقال :( تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً ،وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً ) ، فالأرض قد خلقت بنحو تكون سهولها المستوية والمزودة بالتربة الصالحة لإقامة القصور الفخمة ، كما تكون جبالها صالحة لأن تنحت فيها البيوت القوية المحصنة لفصل الشتاء والظروف الجوية القاسية.

ويبدو للنظر من هذا التعبير هو أنّهم كانوا يغيرون مكان سكناهم في الصيف والشتاء ، ففي فصل الربيع والصيف كانوا يعمدون إلى الزراعة والرعي في السهول الواسعة والخصبة ، ولهذا كانت عندهم قصور جميلة في السهول ، وعند حلول فصل البرد والانتهاء من الحصاد يسكنون في بيوت قوية منحوتة في قلب الصخور ، وفي أماكن آمنة تحفظهم من خطر السيول والعواصف والاخطار.

وفي ختام الآية يقول تعالى :( فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ

١٠٠

أبواب المستحقين للزكاة

١ -( باب أصناف المستحقين، وعدم اشتراط الإيمان في المؤلفة والرقاب، وسقوط المؤلفة الآن، وقبول دعوى الاستحقاق مع ظهور الكذاب، وأنه يعطى من يسأل ومن لا يسأل منهم)

[ ٧٧٤٩ ] ١ - محمّد بن مسعود العياشي في تفسيره: عن سماعة قال: سألتهعليه‌السلام ، عن الزكاة لمن يصلح أن يأخذها؟ فقال: « هي للذين قال الله في كتابه:( لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّـهِ ) »(١) الخبر.

[ ٧٧٥٠ ] ٢ - وعن أبي بصير قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام :( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ) (١) قال: « الفقير الذي يسأل، والمسكين أجهد منه، والبائس أجهد منهما ».

[ ٧٧٥١ ] ٣ - وعن زرارة، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال:

____________________________

أبواب المستحقين للزكاة ووقت التسليم والنية

الباب - ١

١ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٩٠ ح ٦٣.

(١) التوبة ٩: ٦٠.

٢ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٩٠ ح ٦٥.

(١) التوبة ٩: ٦٠.

٣ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٩٠ ح ٦٨.

١٠١

« قلت: أرأيت قوله تعالى:( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ ) (١) إلى آخر الآية، كلّ هؤلاء يعطى أن كان لا يعرف، قال: « إنّ الإمام يعطي هؤلاء جميعاً، لأنهم يقرّون له بالطاعة، قال: قلت له: فإن كانوا لا يعرفون، فقال: يا زرارة، من كان يعطي من يعرف دون من لا يعرف، لم يوجد لها موضع، وإنما كان يعطي من لا يعرف ليرغب في الدين فيثبت عليه، وأمّا اليوم فلا تعطها أنت وأصحابك إلّا من يعرف ».

[ ٧٧٥٢ ] ٤ - وعن محمّد بن مسلم، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، عن الفقير والمسكين، قال: « الفقير الذي يسأل، والمسكين أجهد منه، الذي لا يسأل ».

[ ٧٧٥٣ ] ٥ - وعن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، في قوله:( وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا ) (١) قال: « هم السعاة ».

[ ٧٧٥٤ ] ٦ - وعن زرارة، قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام ، في قوله تعالى:( وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) (١) قال: « هم قوم وحدوا الله، وخلعوا عبادة من يعبد من دون الله تبارك وتعالى، وشهدوا أن لا إله إلّا الله وأن محمّداً رسول الله، وهم في ذلك شكاك من بعد ما جاء به محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأمر الله نبيهم أن يتألفهم بالمال والعطاء، لكي يحسن

____________________________

(١) التوبة ٩: ٦٠.

٤ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٩٠ ح ٦٤.

٥ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٩١ ح ٦٩.

(١) التوبة ٩: ٦٠.

٦ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٩١ ح ٧٠.

(١) التوبة ٩: ٦٠.

١٠٢

إسلامهم، ويثبتوا على دينهم، الذي قد دخلوا فيه وأقروا به » الخبر.

[ ٧٧٥٥ ] ٧ - وعن زرارة، وحمران، ومحمّد بن مسلم، عن أبي جعفر، وأبي عبداللهعليهما‌السلام :( وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) (١) قال: « قوم تألفهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقسّم فيهم الشئ » قال زرارة: قال أبو جعفرعليه‌السلام : « فلما كان في قابل جاؤوا بضعف الّذين أخذوا، وأسلم (الناس كثيراً)(٢) قال: فقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خطيباً، فقال: هذا خير أم الذي قلتم؟ قد جاؤوا من الإبل بكذا وكذا، ضعف ما أعطيتهم، وقد أسلم لله عالم وناس كثير، والذي نفسي بيده لوددت أن عندي ما أعطي كلّ انسان ديته، حتى يسلم لله ربّ العالمين ».

[ ٧٧٥٦ ] ٨ - تفسير الإمامعليه‌السلام : في قوله تعالى:( وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ) (١) : « أعط في الله المستحقين من المؤمنين، على حبه للمال أو شدة حاجته هو إليه، يأمل الحياة ويخشى الفقر، لأنه صحيح شحيح( ذَوِي الْقُرْبَىٰ - إلى أن قال -وَالْمَسَاكِينَ ) (٢) مساكين الناس،( وَابْنَ السَّبِيلِ ) (٣) : المجتاز المنقطع به لا نفقة معه،( وَالسَّائِلِينَ ) (٤) : الّذين يتكففون ويسألون الصدقات،( وَفِي الرِّقَابِ ) (٥) المكاتبين يغنيهم ليؤدوا فيعتقوا » الخبر.

[ ٧٧٥٧ ] ٩ - دعائم الإسلام: عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، أنه

____________________________

٧ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٩٢ ح ٧١.

(١) التوبة ٩: ٦٠.

(٢) في المصدر: ناس كثير.

٨ - تفسير الإمام العسكري (عيليه السلام) ص ٢٤٩.

(١ - ٥) البقرة ٢: ١٧٧.

٩ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٦٠.

١٠٣

سئل عن قول الله عزّوجلّ:( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ) (١) فقال: « الفقير الذي لا يسأل، والمسكين أجهد منه، والبائس الفقير أجهد منهما حالاً ».

[ ٧٧٥٨ ] ١٠ - وعنهعليه‌السلام ، أنّه قال في قول الله عزّوجلّ( وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا ) (١) قال: « هم السعاة عليها، يعطيهم الإمام من الصدقة بقدر ما يراه، ليس في ذلك توقيت عليه ».

[ ٧٧٥٩ ] ١١ - وعن أبي جعفر بن عليعليهما‌السلام ، أنّه قال في قول الله عزّوجلّ:( وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) (١) قال: « هم قوم يتألفون على الإسلام من رؤساء القبائل، كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يعطيهم ليتألفهم، ويكون ذلك في كلّ زمان، إذا احتاج إلى ذلك الإمام فعله ».

[ ٧٧٦٠ ] ١٢ - وعن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه، عن رسول الله صلوات الله عليهم، أنّه قال: « لا تحل الصدقة لغني، إلّا لخمسة: عامل عليها، أو غارم وهو الذي عليه الدين أو تحمل بالحمالة(١) ، أو رجل اشتراها بماله، أو رجل أهديت إليه ».

____________________________

(١) التوبة ٩: ٦٠.

١٠ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٦٠.

(١) التوبة ٩: ٦٠.

١١ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٦٠.

(١) التوبة ٩: ٦٠.

١٢ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٦١.

(١) الحمالة: الدية والغرامة (لسان العرب ج ١١ ص ١٨٠).

١٠٤

[ ٧٧٦١ ] ١٣ - وعنهعليه‌السلام ، أنّه قال: «( وَفِي سَبِيلِ اللَّـهِ ) (١) في الجهاد والحج، وغير ذلك من سبيل(٢) الخير،( وَابْنِ السَّبِيلِ ) (٣) الرجل يكون في السفر، فيقطع به نفقته، أو يسقط، أو يقع عليه اللصوص ».

[ ٧٧٦٢ ] ١٤ - ابن أبي جمهور في درر اللآلي: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم، فأردّها في فقرائكم ».

٢ -( باب أن من دفع الزكاة إلى غير المستحق، كغير المؤمن أو غير الفقير ونحوهما، ضمنها إلّا أن يكون اجتهد في الطلب فتحزيه، وأن من لم يعلم بوجوب الزكاة ثمّ علم، وجب عليه قضاؤها)

[ ٧٧٦٣ ] ١ - الجعفريات: اخبرنا محمّد، حدّثني موسى، حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه: أن علياًعليهم‌السلام ، كان يقول: « الزكاة مضمونة، حتى توضع مواضعها ».

[ ٧٧٦٤ ] ٢ - دعائم الإسلام: عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، أنه

____________________________

١٣ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٦١.

(١، ٣) التوبة ٩: ٦٠.

(٢) في المصدر: سبل.

١٤ - درر اللآلي: ج ١ ص ٢٠٦.

الباب - ٢

١ - الجعفريات ص ٥٤.

٢ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٥١.

١٠٥

قال: « الزكاة مضمونة، حتى يضعها من وجبت عليه موضعها ».

٣ -( باب وجوب وضع الزكاة في مواضعها، ودفعها إلى مستحقها)

[ ٧٧٦٥ ] ١ - دعائم الإسلام: عن الوليد بن صبيح قال: قال لي شهاب: إني أرى بالليل أهوالاً عظيمة، وأرى امرأة تفزعني، فاسأل لي أبا عبدالله جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، عن ذلك، فسألته فقال: « هذا رجل لا يؤدّي زكاة ماله » فأعلمته فقال: بلى والله، إني لأعطيها، فأخبرته بما قال قال: « إن كان ذلك، فليس يضعها في مواضعها » فقلت ذلك لشهاب، فقال: صدق.

٤ -( باب اشتراط الإيمان والولاية في مستحق الزكاة، إلّا المؤلفة والرقاب والأطفال، وإن لم يجد للزكاة مستحقاً أو مؤمناً بعث بها إليهم، فإن تعذر جاز إعطاء المستضعف والانتظار، ويكره إعطاء السائل بكفه منها)

[ ٧٧٦٦ ] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « وإياك أن تعطي زكاة مالك غير أهل الولاية ».

[ ٧٧٦٧ ] ٢ - دعائم الإسلام: عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، أنّه قال: « ولا يعطي الزكاة إلّا لأهل الولاية من المؤمنين، قيل له: فإذا لم يكن بالموضع وليّ محتاج إليها، قال: يبعث بها إلى موضع آخر،

____________________________

الباب - ٣

١ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٤٥.

الباب - ٤

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٣.

٢ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٦٠.

١٠٦

فيقسم في أهل الولاية، ولا تعط قوماً إن دعوتهم إلى أمرك لم يجيبوك، ولو كان الذبح - وأهوى بيده إلى حلقه - قيل له: فإن لم يوجد مؤمن مستحق، قال: يعطى المستضعفون الّذين لا ينصبون ».

[ ٧٧٦٨ ] ٣ - وعن علي (صلوات الله عليه)، أنّه استعمل مخنف بن سليم على صدقات بكر بن وائل، وكتب له عهدا كان فيه: « فمن كان من أهل طاعتنا من أهل الجزيرة، وفيما بين الكوفة وأرض الشام، فادّعى أنّه أدى صدقته إلى عمال الشام، وهو في حوزتنا ممنوع، قد حمته خيلنا ورجالنا، فلا يجوز(١) له ذلك، (وان الحق ما زعم)(٢) ، فأنه ليس له أن ينزل بلادنا، ويؤدي صدقة ماله إلى عدونا ».

[ ٧٧٦٩ ] ٤ - زيد النرسي في أصله: عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال: سئل إذا لم نجد أهل الولاية، يجوز(١) أن نتصدق على غيرهم؟ فقالعليه‌السلام : « إذا لم تجدوا أهل الولاية في مصر تكونون فيه، فابعثوا بالزكاة المفروضة إلى أهل الولاية من غير مصركم ».

[ ٧٧٧٠ ] ٥ - تفسير العسكريعليه‌السلام : في قوله تعالى:( وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ ) (١) : « الواجبة عليه لإخوانه المؤمنين ».

[ ٧٧٧١ ] ٦ - الصدوق في المقنع: لا يجوز أن تعطي زكاة مالك غير أهل

____________________________

٣ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٥٩.

(١) في المصدر: تُجْزِ.

(٢) في المصدر: وإن كان الحق على ما زعم.

٤ - زيد النرسي ص ٥٤.

(١) في المصدر: يجوز لنا.

٥ - تفسير الإمام العسكري ص ٢٥٠.

(١) البقرة ٢: ١٧٧.

٦ - المقنع ص ٥٢.

١٠٧

الولاية.

[ ٧٧٧٢ ] ٧ - أبو جعفر محمّد بن علي الطوسي في ثاقب المناقب: عن أبي الصلت الهروي، قال: حضرت مجلس الإمام محمّد بن علي بن موسى الرضاعليهم‌السلام ، وعنده جماعة من الشيعة وغيرهم، فقام إليه رجل - إلى أن قال - ثمّ قام إليه آخر وقال: يا مولاي - جعلت فداك - (إن لم أجد أحداً من شيعتكم، فإلى من أدفعه؟)(١) فقالعليه‌السلام : « إن لم تجد أحداً فارم بها في الماء، فأنها تصل إليه » [ قال فجلس الرجل ](٢) فلمّا انصرف من كان في المجلس قلت له: جعلت فداك يا سيدي، رأيت عجباً، قال: « نعم، تسألني عن الرجلين - إلى أن قال - وأمّا الآخر فأنه قم يسألني عن الزكاة، إن لم يجد أحداً من شيعتنا، فإلى من يدفعه؟ قلت له: إن لم تجد أحداً من الشعية فارم بها في الماء، فأنها تصل إلى أهلها ».

٥ -( باب عدم جواز دفع الزكاة إلى المخالف في اعتقاد الحق من الأصول: كالمجسمة، والمجبرة، والواقفية، والنواصب، وغيرهم)

[ ٧٧٧٣ ] ١ - الكشي في رجاله: عن حمدويه، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن عمر، وعن محمّد بن عذافر، عن عمر بن يزيد، قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام ، عن الصدقة على الناصب وعلى

____________________________

٧ - ثاقب المناقب ص ٢٢٨

(١) مابين القوسين ليس في المصدر.

(٢) أثبتناه من المصدر.

الباب - ٥

١ - رجال الكشي ج ٢ ص ٤٩٤ ح ٤٠٩.

١٠٨

الزيدية؟ فقال: « لا تصدّق عليهم بشئ، ولا تسقهم من الماء إن استطعت، وقال في(١) الزيدية: هم النصاب ».

[ ٧٧٧٤ ] ٢ - وعن محمّد بن الحسن، عن أبي علي الفارسي، قال: حكى منصور، عن الصادق علي بن محمّد بن الرضاعليهم‌السلام : أنّ الزيدية والواقفية والنصاب، بمنزلة عنده سواء.

٦ -( باب أن حد الفقر الذي يجوز معه أخذ الزكاة، ان لا يملك مؤونة السنة له ولعياله فعلاً أو قوة، كذي الحرفة ولصنعة)

[ ٧٧٧٥ ] ١ - محمّد بن مسعود العياشي في تفسيره: عن سماعة، قال: سألتهعليه‌السلام ، عن الزكاة لمن يصلح أن يأخذها؟ فقال: « هي للذين قال الله في كتابه:( لِلْفُقَرَاءِ - إلى قوله -فَرِيضَةً مِّنَ اللَّـهِ ) (١) » الخبر.

[ ٧٧٧٦ ] ٢ - عوالي اللآلي: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « لا تحل الصدقة لغني، ولا لقوي مكتسب ».

[ ٧٧٧٧ ] ٣ - دعائم الإسلام: عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائهعليهم‌السلام ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « لا تحل الصدقة لغني، إلّا لخمسة »، الخبر. وقد تقدم(١) .

____________________________

(١) في المصدر: لي.

٢ - رجال الكشي ج ٢ ص ٤٩٥ ح ٤١٠.

الباب - ٦

١ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٩٠ ح ٦٣.

(١) التوبة ٩: ٦٠.

٢ - عوالي اللآلي ج ٣ ص ١٢٠ ح ٢٧.

٣ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٦١.

(١) تقدم في الباب ١ من هذه الأبواب الحديث ١٢.

١٠٩

٧ -( باب جواز أخذ الفقير الزكاة، وإن كان له خادم ودابة ودار ممـّا يحتاج إليه، لا ما يزيد عن احتياجه، بقدر كفاية سنة)

[ ٧٧٧٨ ] ١ - دعائم الإسلام: عن أبي جعفر محمّد بن علي(١) عليهما‌السلام ، أنّه قال: « لا بأس أن يعطى(٢) الزكاة، من له الدار والخادم والمائتا درهم ».

[ ٧٧٧٩ ] ٢ - كتاب عاصم بن حميد الحناط: عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : أن عمر شيخ من أصحابنا، سأل عيسى بن أعين وهو محتاج، قال: فقال له عيسى: أما أن عندي شيئاً من الزكاة، ولا اعطيك منها شيئاً، قال: فقال له: لم؟ قال: لأني رأيتك اشتريت تمراً واشتريت لحماً، قال: إنما ربحت درهما، فاشتريت (به أربعين)(١) تمراً، وبدانق لحماً، ورجعت بدانقين لحاجة، قال: فوضع أبو عبداللهعليه‌السلام يده على جبهته، قال: ثمّ رفع رأسه فقال: « إنّ الله عزّوجلّ نظر في أموال الأغنياء، ونظر في الفقراء، فجعل في أموال الأغنياء ما يكتفي به الفقراء، ولو لم يكفهم لزادهم، بلى فليعطه ما يأكل ويشرب ويكتسي ويتزوج ويصدّق ويحج ».

____________________________

الباب - ٧

١ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٦١.

(١) في المصدر: جعفر بن محمّد.

(٢) وفيه: من الزكاة.

٢ - كتاب عاصم بن حميد الحنّاط ص ٢٢.

(١) في نسخة: بدانقين، والظاهر هو الصواب كما يظهر من سياق الحديث ومن تقسيم الدرهم إلى دوانق.

١١٠

٨ -( باب حكم من كان له مال يتجر به، ولا يربح فيه مقدار مؤونة سنة له ولعياله، أو وجه معيشته كذلك)

[ ٧٧٨٠ ] ١ - محمّد بن مسعود العياشي في تفسيره: عن سماعة، قال: سألته عن الزكاة، لمن يصلح أن يأخذها؟ فقال - إلى أن قال - « وقد تحل الزكاة لصاحب ثلاثمائة درهم، وتحرم على صاحب خمسين درهماً، فقلت له: وكيف يكون هذا؟ قال: إذا كان صاحب الثلاثمائة درهم له عيال كثير، فلو قسمها بينهم لم يكفهم، فليعفف(١) عنها نفسه وليأخذها لعياله، وأمّا صاحب الخمسين فأنها تحرم عليه إذا كان وحده وهو محترف يعمل بها، وهو يصيب فيها ما يكفيه إن شاء الله ».

[ ٧٧٨١ ] ٢ - كتاب حسين بن عثمان بن شريك: عن إسحاق بن عمار، قال: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام ، يقول: « إنّ الزكاة تحل لمن له ثمانمائة درهم، وتحرم على من له خمسون درهماً، قال: قلت: وكيف ذلك؟ قال: يكون لصاحب الثمانمائة عيال، ولا يكسب ما يكفيه، ويكون صاحب الخمسين درهماً ليس له عيال، وهو يصيب ما يكفيه ».

____________________________

الباب - ٨

١ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٩٠ ح ٦٣.

(١) في المصدر: فلم يعفف.

٢ - كتاب حسين بن عفان بن شريك ص ١٠٨.

١١١

٩ -( باب أنّه لا يجوز دفع الإنسان زكاته إلى من تجب عليه نفقته، وهم: أبواه، وأجداده، وأولاده، وزوجاته، ومماليكه، دون بقية الأقارب)

[ ٧٧٨٢ ] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « وإياك أن تعطي زكاة مالك غير أهل الولاية، ولا تعطي من أهل الولاية: الأبوين، والولد، والزوجة(١) ، والمملوك، وكل من هو في نفقتك فلا تعطه ».

[ ٧٧٨٣ ] ٢ - الصدوق في المقنع: لا يجوز أن تعطي زكاة مالك غير أهل الولاية، ولا تعط من أهل الولاية: الأبوين، والولد، ولا الزوج، والزوجة، والمملوك، ولا الجد والجدة، وكل من يجير(١) الرجل على نفقته.

١٠ -( باب جواز شراء الأب المملوك ونحوه من واجبي النفقة، من الزكاة وعتقه)

[ ٧٧٨٤ ] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « وإن اشترى رجل اباه من زكاة ماله فاعتقه، فهو جائز ».

[ ٧٧٨٥ ] ٢ - الصدوق في المقنع: مثله.

____________________________

الباب - ٩

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٣.

(١) في المصدر زيادة: والصبي.

٢ - المقنع ص ٥٢.

(١) في المصدر: يجبر.

الباب - ١٠

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٣.

٢ - المقنع ص ٥٢.

١١٢

١١ -( باب أنّه من كان عليه زكاة فأوصى بها، وجب إخراجها من الأصل، مقدماً على الميراث، وكان كالدين وحجة الإسلام)

[ ٧٧٨٦ ] ١ - دعائم الإسلام: عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، أنّه قال في الرجل (وجبت عليه زكاة ماله)(١) ، فلم يخرجه(٢) حتى حضره الموت، فأوصى أن تخرج عنه: « أنها تخرج من جميع ماله، إلّا أن يوصي بإخراجها من ثلثه ».

١٢ -( باب كراهة اعطاء المستحق من الزكاة أقل من خمسة دراهم وعدم التحريم)

[ ٧٧٨٧ ] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « ولا يجوز في الزكاة أن يعطي أقل من نصف دينار ».

١٣ -( باب جواز إعطاء المستحق من الزكاة ما يغنيه، وأنه لا حد له في الكثرة، إلّا من يخاف منه الإسراف، فيعطى قدر كفايته لسنة)

[ ٧٧٨٨ ] ١ - دعائم الإسلام: عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، أنه

____________________________

الباب - ١١

١ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٥١.

(١) في المصدر: تجب عليه زكاة في ماله.

(٢) وفيه: يخرجها.

الباب - ١٢

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٢.

الباب - ١٣

١ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٦٠.

١١٣

قال: « ويعطى المؤمن من الزكاة، ما يأكل منه ويشرب، ويكتسي، ويتزوج، ويحج، ويتصدق، (ويوفي دينه)(١) ».

وتقدم(٢) مثله، عن كتاب عاصم بن حميد.

١٤ -( باب جواز تفضيل بعض المستحقين على بعض، واستحباب كون التفضيل لفضيلة، كترك السؤال، والديانة، والفقه، والعقل)

[ ٧٧٨٩ ] ١ - السيد علي بن طاووس في مهج الدعوات: فيما وجده من طريق الدعاء اليماني، قال: هذا لفظ ما وجدنا: حدّثنا الشريف أبو الحسين زيد بن جعفر العلوي المحمّدي، قال: حدّثنا أبو الحسن محمّد بن عبدالله بن البساط - قراءة عليه - قال: حدّثنا المغيرة بن عمرو بن الوليد العرزمي المكي بمكة - قراءة عليه - قال: حدّثنا أبو سعيد (محمّد بن المفضل)(١) الحسيني - قراءة عليه - قال: حدّثنا أبو إسحاق (بن)(٢) إبراهيم بن محدم الشافعي، ومحمّد بن يحيى بن أبي عمر العبدي، قالا: حدّثنا فضيل بن عياض، عن عطاء بن السائب، عن طاووس، عن ابن عباس - في حديث طويل - ذكر فيه دخول الرجل اليماني، على أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وشكايته عن عدوه، وتعليمهعليه‌السلام الدعاء المعروف - إلى أن قال - ثمّ قال: يا أمير المؤمنين، إني أريد أن أتصدق بعشرة آلاف، فمن المستحق(٣) لذلك؟

____________________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) الباب: ٧ من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث ٢.

الباب - ١٤

١ - مهج الدعوات ص ١١٩.

(١) في المصدر: مفضل بن محمّد.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) في المصدر: المستحقون.

١١٤

يا أمير المؤمنين، فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « فرّق ذلك في أهل الورع من حملة القرآن، فما تزكو الصنيعة إلّا عند أمثالهم، فيتقوون بها على عبادة ربهم وتلاوة كتابه » فانتهى الرجل إلى ما أشار به أمير المؤمنينعليه‌السلام .

١٥ -( باب عدم وجوب استعياب المستحقين بالإعطاء، والتسوية بينهم، واستحباب ذلك)

[ ٧٧٩٠ ] ١ - أحمد بن علي بن أبي طالب في الاحتجاج: عن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي، قال: كنت عند أبي عبداللهعليه‌السلام بمكة إذ دخل عليه أُناس من المعتزلة، فيهم عمرو بن عبيد - إلى أن قال - قال الصادقعليه‌السلام لعمرو: « ما تقول في الصدقة »؟ قال: فقرأ عليه هذه الآية( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا ) (١) إلى آخرها قال: « نعم، فكيف تقسم بينهم؟ » قال: أقسمها على ثمانية أجزاء، فأعطي كلّ جزء من الثمانية جزءاً، قالعليه‌السلام : « إن كان صنف منهم عشرة آلاف، وصنف رجلاً واحداً و(٢) رجلين و(٣) ثلاثة، جعلت لهذا الواحد مثل ما جعلت للعشرة آلاف؟! » قال: نعم، قال: « وكذا تصنع بين صدقات أهل الحضر وأهل البوادي، فتجعلهم فيها سواء؟! » قال: نعم، قال: « فخالفت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في كلّ ما أتى به (في سيرته)(٤) ، كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يقسم صدقة أهل

____________________________

الباب - ١٥

١ - الاحتجاج ص ٣٦٤

(١) التوبة ٩: ٦٠.

(٢، ٣) في المصدر: أو.

(٤) ليس في المصدر.

١١٥

البوادي في أهل البوادي، وصدقة الحضر في أهل الحضر، لا يقسمه(٥) بينهم بالسوية، إنما (يقسم على)(٦) قدر ما يحضره منهم، وعلى ما يرى، فإن كان في نفسك شئ ممـّا قلت(٧) فإن فقهاء أهل المدينة ومشيختهم كلهم، لا يختلفون في أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كذا كان يصنع ».

[ ٧٧٩١ ] ٢ - الجعفريات: أخبرنا محمّد، حدّثني موسى، حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيهعليهم‌السلام : « أن علي بن أبي طالبعليه‌السلام يعطي الرجل زكاة ماله في هذه السهام بالحصص. للفقراء أهل العفة نصيب ولنسوانهم، ونصيب للسؤال، ونصيب في الرقاب، ونصيب في الغارمين. ونصيب في بني السبيل، وهو الضعيف المنقطع به ».

[ ٧٧٩٢ ] ٣ - دعائم الإسلام: عن عليعليه‌السلام أنّه بعث إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، من اليمن بذهبة في أديم مقروظ - يعني مدبوغ بالقرظ - لم تخلص(١) من ترابها، فقسمها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بين خمسة نفر: الأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن بن بدر، وزيد الخيل، وعلقمة بن علاثة، وعامر بن الطفيل، فوجد(٢)

____________________________

(٥) في المصدر: يقسم، والظاهر أنّه أصوب.

(٦) وفيه: يقسمه.

(٧) وفيه زيادة: لك.

٢ - الجعفريات ص ٥٤.

٣ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٦٠.

(١) في المصدر: تُحَصَّل.

(٢) وَجَد: غضب (لسان العرب ج ٣ ص ٤٤٦).

١١٦

في ذلك ناس من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) ، فقال: « ألا تأمنوني!؟ وأنا أمين في(٤) السماء، يأتيني خبر السماء صباحاً ومساء ».

[ ٧٧٩٣ ] ٤ - محمّد بن مسعود العياشي في تفسيره: عن محمّد القصري، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال: سألته عن الصدقة؟ فقال: « نعم(١) ، ثمنها(٢) فيمن قال الله » الخبر.

١٦ -( باب تحريم الزكاة الواجبة على بني هاشم، إذا كان الدافع من غيرهم)

[ ٧٧٩٤ ] ١ - الصدوق في الأمالي والعيون: عن ابن شاذويه المؤدب، وجعفر بن محمّد بن مسرور معاً، عن محمّد بن عبدالله الحميري، عن أبيه، عن الريان بن الصلت، عن الرضاعليه‌السلام ، فيما ذكرهعليه‌السلام من فضائل العترة، لعلماء العراق وخراسان، بحضرة المأمون، قالعليه‌السلام : « فلما جاءت قصة الصدقة نزه نفسه ونزه رسوله ونزه أهل بيته، فقال:( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّـهِ

____________________________

(٣) في المصدر زيادة « وقالوا: نحن كنا أحقّ بهذا، فبلغه ذلكصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

(٤) وفيه: من في.

٤ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٩٤ ح ٨٠.

(١) نعم: ليس في المصدر.

(٢) وفيه: أقسمها.

الباب - ١٦

١ - أمالى الصدوق ص ٤٢٨، وعيون أخبار الرضاعليه‌السلام ج ١ ص ٢٣٨.

١١٧

وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّـهِ ) (١) فهل تجد في شئ من ذلك أنه سمى(٢) لنفسه أو لرسوله أو لذي القربى، لأنه تعالى لما نزه نفسه، عن الصدقة، نزه رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونزه أهل بيته، لا بل حرّم عليهم، لأن الصدقة محرمة على محمد وآله وهي أوساخ أيدي الناس، لا تحل لهم لأنهم طهّروا من كلّ دنس ووسخ، فلما طهرهم الله عزّوجلّ [ و ](٣) اصطفاهم، رضي لهم ما رضي لنفسه، وكره لهم ما كره لنفسه عزّوجلّ ».

[ ٧٧٩٥ ] ٢ - دعائم الاسلام: عن الحسن بن عليعليهما‌السلام ، أنه قال: « أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيدي فمشيت معه، فممرنا بتمر مصبوب وأنا يومئذ غلام صغير(١) ، فجمزت(٢) فتناولت تمرة فجعلتها في فيّ، (فأخرج التمرة)(٣) بلعابها ورمى بها في التمر، وكان من تمر الصدقة، وقال: إنا أهل البيت(٤) لا تحل لنا الصدقة ».

[ ٧٧٩٦ ] ٣ - وعن جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تحل الصدقة لي ولا لأهل بيتي، إن الصدقة أوساخ أموال(١) الناس، فقيل لأبي عبد اللهعليه‌السلام :

____________________________

(١) التوبة ٩: ٦٠.

(٢) في الأمالي: جعل عزّوجلّ سهماً.

(٣) أثبتناه من المصدرين.

٢ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٢٥٨.

(١) ليس في المصدر.

(٢) جمز: عدا وأسرع. (مجمع البحرين ج ٤ ص ١٠).

(٣) في المصدر: فجاء رسول الله حتى أدخل إصبعه في فيَّ فأخرجها.

(٤) في نسخة: بيت، منه (قدّه).

٣ - المصدر السابق ج ١ ص ٢٥٩.

(١) أموال: ليس في المصدر.

١١٨

الزكاة التي يخرجها الناس من ذلك ؟ قال: نعم ».

[ ٧٧٩٧ ] ٤ - وعنهعليه‌السلام ، قال: « لا تحل لنا زكاة مفروضة، وما أبالي أكلت من زكاة أو شربت من خمر، إن الله حرم علينا من(١) صدقات الناس، أن نأكلها و(٢) نعمل عليها ».

[ ٧٧٩٨ ] ٥ - وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام (١) ، أنه نظر إلى الحسن بن عليعليهما‌السلام ، وهو طفل صغير قد أخذ تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فاستخرجها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، من فمه وأنّ عليها لعابه، فرمى بها في تمر الصدقة حيث كانت، وقال: « إنا أهل بيت لا تحل لنا الصدقة ».

[ ٧٧٩٩ ] ٦ - محمد بن مسعود العياشي في تفسيره: عن العيص بن القاسم، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: « إن أناساً من بني هاشم، أتوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فسألوه أن يستعملهم على صدقة المواشي والنعم، فقالوا: يكون لنا هذا السهم الذي جعله الله للعاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم، فنحن أول به، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا بني عبد المطلب، إن الصدقة لا تحل لي ولا لكم، ولكن وعدت الشفاعة - ثم قال: أنا أشهد أنه قد وعدها - فما ظنكم يا بني عبد المطلب، إذ أحذت بحلقة باب الجنة، أتروني مؤثراً عليكم غيركم!؟ ».

____________________________

٤ - المصدر السابق ج ١ ص ٢٥٩.

(١) من: ليس في المصدر.

(٢) وفيه: أو.

٥ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٤٦.

(١) لم يتبيّن من المصدر بأنّ هذه الرواية عن أمير المؤمنينعليه‌السلام .

٦ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٩٣ ح ٧٥.

١١٩

[ ٧٨٠٠ ] ٧ - الشيخ أبو علي الطوسي في أماليه: عن أبيه، عن المفيد، عن علي بن أحمد القلانسي، عن عبد الله بن محمد، عن عبد الرحمن بن صالح، عن موسى بن عثمان(١) ، عن أبي إسحاق السبيعي، عن زيد بن أرقم، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بغدير خم: « أن الصدقة لا تحل لي ولا لأهل بيتي » الخبر.

[ ٧٨٠١ ] ٨ - نهج البلاغة: ومن كلام لهعليه‌السلام : « وأعجب من ذلك طارق طرقنا بملفوفة في وعائها، ومعجونة شنئتها(١) ، كأنها(٢) عجنت بريق حية أو قيئها، فقلت: أَصِلة ؟ أم زكاة ؟ أم صدقة ؟ فذلك كله محرم علينا أهل البيت » الخبر.

[ ٧٨٠٢ ] ٩ - تفسير الإمامعليه‌السلام : في قوله تعالى:( وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ ) (١) قالعليه‌السلام : « إعط لقرابة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الفقراء هدية أو براً، لا صدقة فإن الله تعالى قد أجلّهم عن الصدقة - إلى أن قال - (واليتامى، آت)(٢) اليتامى من بني هاشم الفقراء براً لا صدقة ».

[ ٧٨٠٣ ] ١٠ - سليم بن قيس الهلالي في كتابه: عن أمير المؤمنين

____________________________

٧ - أمالي الطوسي ج ١ ص ٢٣١، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ٧٥ ح ٩.

(١) كان في الطبعة الحجرية « عمران »، والصحيح أثبتناه من المصدر ومعاجم الرجال (راجع لسان الميزان ج ٦ ص ١٢٥).

٨ - نهج البلاغة ج ٢ ص ٢٤٤ ح ٢١٩.

(١) شَنِئ الشئ: ابغضه (لسان العرب ج ١ ص ١٠١).

(٢) في المصدر: كأنّما.

٩ - تفسير الامام العسكريعليه‌السلام ص ٢٤٩.

(١) البقرة ٢: ١٧٧.

(٢) في المصدر: أرادوا.

١٠ - كتاب سليم بن قيس الهلالي ص ١٦٣.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606