الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٦

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل9%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 608

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 608 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 260531 / تحميل: 6460
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٦

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

الأحاديث ظنية ، وانعدام الأمارات المقتضية للعمل بها.

ومثل الحسن ، والموثقية ، وإجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه ، وغير ذلك ، وإن صار ضابطة عند البعض مطلقا ، أو في بعض رأيه ، إلاّ أنّ ذلك البعض لم يصطلح إطلاق الصحيح عليه ، وإن كان يطلق عليه في بعض الأوقات ، بل لعل الجميع يطلقون أيضا كذلك ، كما سنشير إليه في أبان بن عثمان حذرا من الاختلاط ، لشدة اعتمادهم في مضبوطيّة قواعدهم ولئلا يقع تلبيس وتدليس.

وبالجملة لا وجه للاعتراض عليهم بتغيير الاصطلاح وتخصيصه ، بعد ملاحظة ما ذكرنا(1) .

__________________

(1) قال الشيخ البهائي في مشرق الشمسين : 270 : تبيين : الذي بعث المتأخرين نور الله مراقدهم على العدول عن متعارف القدماء ووضع ذلك الاصطلاح الجديد ، هو أنّه لمّا طالت المدة بينهم وبين الصدر السالف ، وآل الحال إلى اندراس بعض كتب الأصول المعتمدة ، لتسلط حكام الجور والضلال ، والخوف من إظهارها وانتساخها ، وانضم الى ذلك اجتماع ما وصل إليهم من كتب الأصول في الأصول المشهورة في هذا الزمان ، فالتبست الأحاديث المأخوذة من الأصول المعتمدة بالمأخوذة من غير المعتمدة ، واشتبهت المتكررة في كتب الأصول بغير المتكررة ، وخفي عليهم قدس الله أرواحهم كثير من تلك الأمور التي كانت سبب وثوق القدماء بكثير من الأحاديث ، ولم يمكنهم الجري على أثرهم في تمييز ما يعتمد عليه مما لا يركن إليه ، فاحتاجوا إلى قانون تتميّز به الأحاديث المعتبرة عن غيرها ، والموثوق بها عمّا سواها.

فقرروا لنا شكر الله سعيهم ذلك الاصطلاح الجديد ، وقربوا إلينا البعيد ، ووصفوا الأحاديث الموردة في كتبهم الاستدلالية بما اقتضاه ذلك الاصطلاح من الصحّة والحسن والتوثيق.

وأوّل من سلك هذا الطريق من علمائنا المتأخرين شيخنا العلامة جمال الحق والدين الحسن بن المطهر الحلي قدس الله روحه.

ثم إنّهم أعلى الله مقامهم ربما يسلكون طريقة القدماء في بعض الأحيان فيصفون مراسيل بعض المشاهير كابن أبي عمير وصفوان بن يحيى بالصحة ، لما شاع من أنّهم لا

٦١

وأيضا عدهم الحديث حسنا وموثقا منشأه القدماء ، ولا خفاء فيه ، مع أنّ حديث الممدوح عند القدماء ليس كحديث الثقة ، والمهمل والضعيف البتة ، وكذا الموثق ، نعم لم يعهد منهم أنّه حسن أو موثق مثلا ، وما فعله المتأخرون لو لم يكن حسنا لا مشاحة فيه البتة ، مع أن حسنه غير خفي.

ومما ذكرنا ظهر فساد ما توهم بعض من أنّ قول مشايخ الرجال : صحيح الحديث ، تعديل ، ويأتي في الحسن بن علي بن نعمان(1) أيضا ، نعم هو مدح ، فتدبر(2) .

فائدة :

قولهم : لا بأس به ، أي : بمذهبه ، أو رواياته‌. والأول أظهر إن ذكر مطلقا ، وسيجي‌ء في إبراهيم بن محمّد بن فارس : لا بأس به في نفسه ولكن ببعض من روى عنه(3) .

وربما يوهم هذا كون المطلق قابلا للمعنيين ، وفيه تأمل.

__________________

يرسلون إلا عمّن يثقون بصدقه ، بل يصفون بعض الأحاديث التي في سندها من يعتقدون أنّه فطحي أو ناووسي بالصحة نظرا إلى اندراجه فيمن أجمعوا على تصحيح ما يصحّ عنهم.

وعلى هذا جرى العلامة قدس الله روحه في المختلف ، حيث قال في مسألة ظهور فسق إمام الجماعة : إنّ حديث عبد الله بن بكير صحيح. وفي الخلاصة حيث قال : إن طريق الصدوق إلى أبي مريم الأنصاري صحيح وإن كان في طريقه أبان بن عثمان مستندا في الكتابين إلى إجماع العصابة على تصحيح ما يصح عنهما.

وقد جرى شيخنا الشهيد الثاني طاب ثراه على هذا المنوال أيضا ، كما وصف في بحث الردّة من شرح الشرائع حديث الحسن بن محبوب عن غير واحد بالصحة ، وأمثال ذلك في كلامهم كثير ، فلا تغفل.

(1) قول النجاشي في رجاله في ترجمته : 40 / 81 : له كتاب نوادر صحيح الحديث.

(2) تعليقة الوحيد البهبهاني : 6.

(3) قال الكشي في رجاله : 530 / 1014 : وأمّا إبراهيم بن محمّد بن فارس ، فهو في نفسه لا بأس به ، ولكن بعض من يروي هو عنه.

٦٢

والأظهر الأوفق بالعبارة : أنّه لا بأس به بوجه من الوجوه ، ولعله لذا قيل بإفادته التوثيق(1) ، واستقر به المصنف في الوسيط(2) ، ويومئ إليه ما في تلك الترجمة ، وترجمة بشار بن يسار(3) ، ويؤيده قولهم : ثقة لا بأس به.

والمشهور إفادته المدح(4) ، وقيل : بعدم إفادته ذلك أيضا(5) ، وفي الخلاصة عدّه من القسم الأول(6) ، فهو عنده يفيد مدحا معتدا به.

__________________

(1) قال الشهيد الثاني في الرعاية : 205 ، في تعداده لألفاظ التعديل الغير الصريحة : لا بأس به ، بمعنى أنّه ليس بظاهر الضعف.

وقال في صفحة : 207 : وأمّا نفي البأس عنه ، فقريب من الخيّر ، لكن لا يدلّ على الثقة ، بل من المشهور : أنّ نفي البأس يوهم البأس.

ونقل المحقق في حاشية الرعاية عن ابن معين : إذا قلت ليس به بأس ، فهو ثقة.

وعن ابن أبي حاتم : إذا قيل صدوق ، أو محلّه الصدق ، أو لا بأس به ، فهو ممّن يكتب حديثه وينظر فيه.

وعدّ الداماد في الرواشح السماوية : 60 : لا بأس به. في ضمن ألفاظ التوثيق والمدح.

وقال الكاظمي في العدّة : 20 : قولهم : لا بأس به ، فإنّه في العرف ممّا يفيد المدح ، بل ربما عدّ في التوثيق وقال الأصفهاني في الفصول الغروية : 303 : ومنها قولهم : لا بأس به ، فعدّه بعضهم توثيقا ، لظهور النكرة المنفية بالعموم.

(2) في نسختنا من الوسيط ـ في ترجمة إبراهيم بن محمّد بن فارس : 8 : وعن أحمد بن طاوس ، عن الكشي ، عن محمّد بن مسعود : ثقة في نفسه ولكن بعض من يروي عنه ـ ثم قال ـ : وكأنّه بناء على أنّ نفي البأس يقتضي التوثيق ، وهو غريب. انتهى.

واحتمال التصحيف بين كلمة قريب وغريب غير بعيد. ولقول الوحيد في التعليقة : 27 ، في تلك الترجمة : لعلّ ما ذكره من أنّ لا بأس ، نفي لجميع أفراد البأس ، ويؤكده قوله : ولكن ببعض من يروي عنه ، وفي ذلك إشارة إلى الوثاقة ، وقد مرّ في الفائدة الثانية.

(3) في رجال الكشي : 411 / 773 ، قال : سألت علي بن الحسن ، عن بشار بن بشار ـ الذي يروي عنه أبان بن عثمان ـ؟ قال : هو خير من أبان وليس به بأس.

(4) كما في عبارة الشهيد الثاني في الرعاية : 207 ، وقد مرّت.

(5) أرسل هذا القول في الفصول الغروية : 303 ، وهو مختار السيد الصدر في نهاية الدراية : 149.

(6) الخلاصة : 7 / 25.

٦٣

فائدة :

قولهم : عين ، ووجه ، قيل : يفيد التعديل‌(1) . ويظهر من المصنف في الحسن بن علي بن زياد(2) .

وسنذكر عن جدي فيه معناهما ، واستدلاله على كونه توثيقا(3) .

وربما يظهر ذلك من المحقق الداماد أيضا في الحسين بن أبي العلاء(4) .

وعندي أنهما يفيدان مدحا معتدا به.

وأقوى منهما قولهم : وجه من وجوه أصحابنا(5) .

__________________

(1) قال في الرواشح : 60 : ألفاظ التوثيق : ثقة. عين ، وجه.

وقال في الفصول الغروية : 303 : ومنها قولهم عين ، أو وجه.

فقد عدّه بعض الأفاضل تعديلا ، وهو غير بعيد. وقال البهائي في الوجيزة : 5 : وألفاظ التعديل : ثقة ، حجة ، عين ، وما أدى مؤدّاها.

(2) قال في منهج المقال : 103 : وربما استفيد توثيقه من استجازة أحمد بن محمّد بن عيسى ، ولا ريب أنّ كونه عينا من عيون هذه الطائفة ، ووجها من وجوهها ، أولى من ذلك.

(3) روضة المتقين : 14 / 45 ، قال : وكان هذا الشيخ عينا من عيون هذه الطائفة ، وهذا توثيق. إلى أن قال : بل الظاهر أنّ قوله : وجه ، توثيق.

وقال الميرزا القمي في القوانين : 485 : فمن أسباب الوثاقة. قولهم : عين ، ووجه ، فقيل أنّهما يفيدان التوثيق.

(4) وقال المحقق الداماد في تعليقته على رجال الكشي : 1 / 243 : والحسين بن أبي العلاء الخفاف الأزدي ، وأخواه علي وعبد الحميد : وجوه ، ثقات ، أذكياء.

(5) التعليقة : 7 ، وقال في الفصول الغروية : 303 : ومنها قولهم : عين ، أو وجه ، أو وجه من وجوه أصحابنا ، إلى أن قال : والأظهر أنّه يفيد مدحا يصح الاعتماد معه على روايته لا سيّما الأخير.

وقال الميرزا القمي في القوانين : 485 : قولهم عين ووجه ، فقيل إنّهما يفيدان التوثيق ، وأقوى منهما وجه من وجوه أصحابنا.

٦٤

فائدة :

عند خالي(1) ، بل وجدي(2) ـ على ما هو ببالي ـ كون الرجل ذا أصل ، من أسباب الحسن‌. وعندي فيه تأمل ، لأنّ كثيرا من أصحاب الأصول كانوا ينتحلون المذاهب الفاسدة(3) ، وإن كانت كتبهم معتمدة ، على ما صرح به في أول الفهرست(4) .

وأيضا الحسن بن صالح بن حي ، متروك العمل بما يختص بروايته على ما صرّح به في التهذيب(5) ، مع أنّه ذا أصل.

__________________

(1) قال المجلسي في مرآة العقول : 1 / 108 : الحديث التاسع مجهول على المشهور بسعدان بن مسلم ، وربما يعد حسنا لأنّ الشيخ قال : له أصل.

وقال أيضا في 10 / 124 ، عند ذكر الحسن بن أيوب : وقال النجاشي : له كتاب أصل ، وكون كتابه أصلا عندي مدح عظيم.

(2) قال المجلسي الأول في روضة المتقين : 1 / 86 : فإنّك إذا تتبعت كتب الرجال ، وجدت أكثر أصحاب الأصول الأربعمائة غير مذكور في شأنهم تعديل ولا جرح ، إمّا لأنّه يكفي في مدحهم وتوثيقهم أنّهم أصحاب الأصول. إلى آخره.

(3) الظاهر من أنّهم يعدونه حسنا إذا ذكر مجردا من دون مدح أو قدح ، ولذا قال المجلسي الثاني في آخر وجيزته : 409 ، بعد ذكر طرق الصدوق : واعلم ان ما نقلنا من العلامة هو بيان حال السند دون صاحب الكتاب ، وإنّما حكمنا بحسن صاحب الكتاب إذا كان على المشهور مجهولا ، لحكم الصدوقرحمه‌الله بأنّه إنّما أخذ أخبار الفقيه من الأصول المعتبرة ، التي عليها المعول وإليها المرجع ، وهذا إن لم يكن موجبا لصحة الحديث ـ كما ذهب إليه المحدثون ـ فهو لا محالة مدح لصاحب الكتاب.

ويؤيده قول المجلسي الأول الآنف الذكر.

(4) الفهرست : 2.

(5) التهذيب 1 : 408 / 1282.

٦٥

وكذلك علي بن أبي حمزة البطائني ، مع أنّه ذكر فيه ما ذكر(1) .

وأضعف من ذلك كون الرجل ذا كتاب.

وفي المعراج : كون الرجل ذا كتاب لا يخرجه عن الجهالة إلاّ عند بعض من لا يعتد به(2) .

هذا ، والظاهر أنّ كون الرجل ذا أصل يفيد حسنا ، لا الحسن الاصطلاحي. وكذا كونه كثير التصنيف ، أو جيد التصنيف ، وأمثال ذلك ، بل كونه ذا كتاب أيضا يشير الى حسن ما.

ولعل مرادهم ذلك مما ذكروا ـ وسيجي‌ء عن البلغة في الحسن بن أيوب ـ : أنّ كون الرجل ذا أصل يستفاد منه الحسن(3) ، فلاحظ.

أقول : لا يكاد يفهم حسن من قولهم : له كتاب ، أو أصل ، أصلا ، وإفادة الحسن لا بالمعنى المصطلح لا تجدي في المقام نفعا ، لكن تأمله سلمه الله تعالى في ذلك ـ لانتحال كثير من أصحاب الأصول المذاهب الفاسدة ـ لعله ليس بمكانه ، لأنّ ذلك لا ينافي الحسن بالمعنى الأعم ، كما سيعترف به دام فضله عند ذكر وجه الحكم بصحة حديث ابن الوليد ، وأحمد ابن محمّد بن يحيى ، وسائر مشايخ الإجازة.

والأولى أن يقال : لأنّ كثيرا منهم فيهم مطاعن وذموم. إلاّ أن يكون مراد خاله العلامة الحسن بالمعنى الأخص ، فتأمل.

__________________

(1) ذكر الشيخ في ترجمته في الفهرست : 96 / 418 : واقفي المذهب ، له أصل. مع كثرة ما ورد فيه من ذموم.

(2) معراج أهل الكمال : 129 / 61 ، في ترجمة : أحمد بن عبيد ، ومراده من البعض هو : المولى مراد التفرشيرحمه‌الله في التعليقة السجادية ، كما صرح بذلك في الهامش.

(3) راجع البلغة : 344 هامش رقم : 3.

٦٦

فائدة :

الكتاب مستعمل عندهم رضي الله عنهم في معناه المعروف‌ ، وهو أعمّ مطلقا من الأصل والنوادر.

فإنّه يطلق على الأصل كثيرا ، منه ما يأتي في ترجمة : أحمد بن محمّد ابن عمار(1) ، وأحمد بن ميثم(2) ، وإسحاق بن جرير(3) ، والحسين بن أبي العلاء(4) ، وبشّار بن يسار(5) ، وبشر بن مسلمة(6) ، والحسن بن رباط(7) ، وغيرهم.

وربما يطلق في مقابل الأصل ، كما في ترجمة : هشام بن الحكم(8) ، ومعاوية بن حكيم(9) ، وغيرهما.

__________________

(1) قال الشيخ الطوسي في فهرسته : 29 / 88 : كثير الحديث والأصول ، وصنف كتبا.

(2) قال الشيخ في رجاله : 440 / 21 : روى عنه حميد بن زياد كتاب الملاحم ، وكتاب الدلالة ، وغير ذلك من الأصول.

(3) قال الشيخ في فهرسته : 15 / 53 : له أصل.

وقال النجاشي في رجاله : 71 / 170 : له كتاب.

(4) قال الشيخ في الفهرست : 54 / 204 : له كتاب يعدّ في الأصول.

(5) قال الشيخ في الفهرست : 40 / 130 : له أصل. عن ابن أبي عمير عنه.

وقال النجاشي في رجاله : 113 / 290 : له كتاب ، رواه عنه محمّد بن أبي عمير.

(6) في الفهرست : 40 / 129 : له أصل ، عنه ابن أبي عمير.

وفي رجال النجاشي : 111 / 285 : له كتاب ، رواه ابن أبي عمير.

(7) في الفهرست : 49 / 174 : له أصل. رواه ابن محبوب ، وفي رجال النجاشي : 46 / 94 : له كتاب ، رواية الحسن بن محبوب.

(8) قال الشيخ في الفهرست : 174 / 781 : له أصل. وله من المصنفات كتب كثيرة.

(9) قال النجاشي في رجاله : 412 / 1098 : روى معاوية بن حكيم أربعة وعشرين أصلا ، لم يرو غيرها. وله كتب.

٦٧

وربما يطلق على النوادر ، وهو أيضا كثير ، منه قولهم : له كتاب النوادر ، وفي أحمد بن الحسين بن عمر ما يدل عليه(1) .

وكذا يطلق النوادر في مقابل الكتاب ، كما في ترجمة ابن أبي عمير(2) .

وأمّا المصنّف ، فالظاهر أنّه أيضا أعمّ منهما ، فإنه يطلق عليهما ، كما يظهر من ترجمة أحمد بن ميثم(3) .

ويطلق بإزاء الأصل ، كما في هشام بن الحكم(4) ، وديباجة الفهرست(5) .

وأمّا النسبة بين الأصل والنوادر ، فالأصل أنّ النوادر غير الأصل ، وربما يعدّ من الأصول كما يظهر من ترجمة حريز بن عبد الله(6) ، وغيره.

بقي الكلام في معرفة الأصل والنوادر ، نقل ابن شهرآشوب عن المفيد : أنّ الإمامية صنّفت من عهد أمير المؤمنينعليه‌السلام الى زمان العسكريعليه‌السلام أربعمائة كتاب تسمى الأصول ، انتهى(7) .

__________________

(1) قال النجاشي في ترجمته : 83 / 200 : له كتب لا يعرف منها إلاّ النوادر.

(2) قال النجاشي في ترجمته : 326 / 887 : وقد صنف كتبا كثيرة. حدثنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير بجميع كتبه. فأمّا نوادره فهي كثيرة ، لأن الرواة لها كثيرة.

(3) قال الشيخ في الفهرست : 25 / 77 : له مصنفات ، منها كتاب الدلائل ، كتاب المتعة.

(4) قال الشيخ في الفهرست : 174 / 781 : وكان له أصل. ، ثم قال : وله من المصنفات كتب كثيرة.

(5) قال الشيخ في ديباجة الفهرست : 2 : عمدت إلى كتاب يشتمل على ذكر المصنفات والأصول ، ولم أفرد أحدهما عن الآخر لئلا يطول الكتابان ، لأنّ في المصنفين من له أصل فيحتاج إلى أن يعاد ذكره في كل واحد من الكتابين فيطول.

(6) قال الشيخ في الفهرست : 62 / 249 : له كتب. وعدّ منها : كتاب النوادر ، ثم قال : تعدّ كلّها في الأصول.

(7) معالم العلماء : 3.

٦٨

أقول : لا يخفى أنّ مصنفاتهم أزيد من الأصول(1) ، فلا بد من وجه لتسمية بعضها أصولا دون بعض.

فقيل : إنّ الأصل ما كان مجرد كلام المعصومعليه‌السلام ، والكتاب ما فيه كلام مصنفه أيضا(2) ، وأيّد ذلك بقول الشيخرحمه‌الله في زكريا بن يحيى الواسطي : له كتاب الفضائل ، وله أصل(3) .

وفي التأييد نظر ، إلاّ أنّ ما ذكره لا يخلو عن قرب وظهور.

واعترض : بأنّ الكتاب أعمّ ، وفيه أنّ الغرض بيان الفرق بين الكتاب الذي ليس بأصل ومذكور في مقابله ، والكتاب الذي هو أصل ، وبيان سبب قصر تسميتهم الأصل في الأربعمائة.

ويظهر من كلام الشيخ في أحمد بن محمّد بن نوح أنّ للأصول ترتيبا خاصا(4) .

وقيل ـ في وجه الفرق ـ : أنّ الكتاب ما كان مبوبا(5) ومفصلا ، والأصل‌

__________________

(1) قال الحر العاملي في الفائدة الرابعة من خاتمة الوسائل : 30 / 165 ـ عند تعداده للكتب التي نقل عنها ـ : وأمّا ما نقلوا منه ولم يصرحوا باسمه فكثير جدا ، مذكور في كتب الرجال ، يزيد على ستة آلاف وستمائة كتاب ، على ما ضبطناه.

بينما ذكر أنّ الأصول أربعمائة.

(2) ذكر ذلك المحقق البحراني في المعراج : 17 ، نقلا عن الفاضل الأمين الأسترآباديقدس‌سره من بعض معلقاته.

وقال المحقق محمّد أمين الكاظمي في هداية المحدثين : 307 : الفرق بين المصنف والكتاب والأصل : أن الأولين كتبا بعد انقضاء زمن الأئمة عليهم‌السلام ، بخلاف الثالث فإنه كتب في زمنهم عليهم‌السلام .

(3) الفهرست : 75 / 314 ، في ترجمة زكار بن يحيى الواسطي.

(4) الفهرست : 37 / 117 ، قال : وله كتب في الفقه على ترتيب الأصول.

(5) ولكنّ يبدو أنّ كثيرا من الكتب غير مبوبة ، كما ورد في قول النجاشي في ترجمة علي بن جعفر : 251 / 662 : له كتاب في الحلال والحرام يروي تارة غير مبوب ، وتارة مبوّبا.

٦٩

مجمع أخبار وآثار(1) .

وردّ : بأنّ كثيرا من الأصول مبوّبة(2) .

ويقرب في نظري : أنّ الأصل هو الكتاب الذي جمع فيه مصنفه الأحاديث التي رواها عن المعصومعليه‌السلام ، أو عن الراوي ، والكتاب والمصنّف لو كان فيهما حديث معتمد معتبر لكان مأخوذا من الأصول غالبا.

وقيّدنا بالغالب ، لأنّه ربما كان بعض الروايات يصل معنعنا ، ولا يؤخذ من أصل ، وبوجود مثل هذا فيه لا يصير أصلا ، فتدبر.

وأمّا النوادر : فالظاهر أنّه ما اجتمع فيه أحاديث لا تنضبط في باب لقلته أو وحدته ، ومن هذا قولهم في الكتب المتداولة : نوادر الصلاة ، نوادر الزكاة وغير ذلك(3) .

وربما يطلق النادر على الشاذ(4) ، ومن هذا قول المفيدرحمه‌الله : إنّ النوادر هي التي لا عمل عليها(5) .

وقال الشيخ في التهذيب : لا يصلح العمل بحديث حذيفة لأنّ متنه لا‌

__________________

وفي ترجمة سعد بن سعد : 179 / 470 : له كتاب مبوب وكتاب غير مبوب.

وقال في ترجمة محمّد بن علي بن بابويه الصدوق : 392 / 1049 : كتاب العلل غير مبوب.

(1) انظر عدّة الرجال : 12.

(2) كما قال الشيخ في الفهرست : 37 / 117 ، في ترجمة أحمد بن محمّد بن نوح : وله كتب في الفقه على ترتيب الأصول.

(3) قال العلامة المجلسي في مرآة العقول : 1 / 154 : النوادر : أي أخبار متفرقة مناسبة للأبواب السابقة ، ولا يمكن إدخالها فيها ، ولا عقد باب لها ، لأنّها لا يجمعها باب ، ولا يمكن عقد باب لكلّ منها.

(4) راجع نهاية الدراية : 63 ، ومقباس الهداية : 1 / 252.

(5) الرسالة العددية : 9 / 19.

٧٠

يوجد في شي‌ء من الأصول المصنّفة ، بل هو موجود في الشواذّ من الأخبار(1) .

والمراد من الشاذ ـ عند أهل الدراية ـ : ما رواه الثقة مخالفا لما رواه الأكثر(2) ، وهو مقابل المشهور(3) .

والشاذّ مردود مطلقا عند بعض ، مقبول كذلك عند بعض(4) .

ومنهم من فصّل : بأنّ المخالف له إن كان أحفظ وأضبط وأعدل فمردود ، دون العكس فيتعارضان(5) .

وعن بعض أنّ النادر ما قلّ روايته وندر العمل به(6) . وادعى أنّه الظاهر من كلام الأصحاب. ولا يخلو من تأمل(7) .

فائدة :

قولهم : أسند عنه ، قيل : معناه سمع عنه الحديث‌ ، ولعل المراد على سبيل الاستناد والاعتماد(8) ، وإلاّ فكثير ممن سمع عنه ليس ممن أسند‌

__________________

(1) التهذيب : 4 / 169.

(2) قال ابن الصلاح في المقدمة : 44 : قال الشافعي : ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة ما لا يروي غيره ، إنّما الشاذ أن يروي الثقة حديثا يخالف ما روى الناس. ونظيره في تدريب الراوي : 1 / 232 وغيرهما.

(3) كما في الرعاية : 115 ، والوجيزة للبهائي : 5 ، ونهاية الدراية : 63.

(4) الرعاية : 115.

(5) الرعاية : 115 ، مقدمة ابن الصلاح : 46 ، تدريب الراوي : 1 / 234.

(6) مقباس الهداية : 3 / 31.

وقال الشيخ الطريحي في مجمع البحرين ـ ندر ـ : 3 / 490 : والنادر من الحديث في الاصطلاح : ما ليس له أخ ، أو يكون لكنّه قليل جدا ، ويسلم من المعارض ولا كلام في صحته ، بخلاف الشاذ فإنه غير صحيح ، أو له معارض.

(7) تعليقة الوحيد البهبهاني : 7.

(8) نقل العلياري في بهجة الآمال : 1 / 161 عن القوانين أنّه قال : ومن أسباب الوثاقة قولهم :

٧١

عنه(1) .

وقال جدي : المراد روى عنه الشيوخ ، واعتمدوا عليه ، وهو كالتوثيق ، ولا شك أنّ هذا المدح أحسن من لا بأس به(2) ، انتهى.

قولهرحمه‌الله : وهو كالتوثيق ، لا يخلو من تأمل ، نعم إن أراد التوثيق بالمعنى الأعم فلعلّه لا بأس به ، لكن لعله توثيق من غير معلوم الوثاقة ، أما أنّه روى عنه الشيوخ كذلك حتى يظهر وثاقته لبعد اتفاقهم على الاعتماد على من ليس بثقة ، أو بعد اتفاق كونهم بأجمعهم غير ثقات ، فليس بظاهر.

نعم ربما يستفاد منه قوة ومدح(3) ، لكن ليس بمثابة قولهم : لا بأس به ، بل أضعف منه ، لو لم نقل بإفادة ذلك التوثيق.

وربما يقال : بايمائه الى عدم الوثوق ، ولعله ليس كذلك(4) .

أقول : لم أعثر على هذه الكلمة إلاّ في كلام الشيخرحمه‌الله ، وما ربما يوجد في الخلاصة فإنّما أخذه من رجال الشيخ ، والشيخرحمه‌الله إنّما ذكرها في رجاله دون فهرسته ، وفي أصحاب الصادقعليه‌السلام دون غيره ، إلاّ في أصحاب الباقرعليه‌السلام ندرة غاية الندرة(5) .

__________________

أسند عنه ، يعني سمع منه الحديث على وجه الاسناد.

(1) ذكر هذا القول أيضا الأسترآبادي في لب اللباب : 22 على ما نقل عنه محقق مقباس الهداية : 2 / 228.

(2) روضة المتقين : 14 / 64 ، ذكر ذلك عند شرحه لحال أيوب بن الحر الجعفي.

(3) قال الكاظمي في عدته : 50 : وكثيرا ما يقولون : أسند عنه ـ وهو بالمجهول ـ والمراد أنّ الأصحاب رووا عنه ، وتلك خلة مدح ، فإنه لا يسند ولا يروى إلاّ عمّن يعوّل عليه ويعتمد.

(4) التعليقة : 7.

(5) ذكرت لفظة « أسند عنه » في عدّة من أصحاب الأئمةعليهم‌السلام في رجال الشيخ ، ففي أصحاب الإمام الصادقعليه‌السلام جاوزوا الثلاثمائة شخص.

أما في أصحاب الإمام الباقر عليه‌السلام فذكرت العبارة في حق شخص واحد ، وهو :

٧٢

واختلفت الأفهام في قراءتها :

فمنهم من قرأها بالمجهول كما سبق ، ولعلّ عليه الأكثر ، وقالوا بدلالتها على المدح ، لأنّه لا يسند إلاّ عمن يستند إليه ، ويعوّل عليه.

وفي ترجمة محمّد بن عبد الملك الأنصاري : أسند عنه ، ضعيف(1) .

فتأمل.

وقيل في وجه اختصاصها ببعض دون بعض : أنّها لا تقال إلاّ فيمن لا يعرف بالتناول منه والأخذ عنه(2) .

وقرأ المحقق الشيخ محمّد : أسند بالمعلوم ، وردّ الضمير الى الامامعليه‌السلام ، وكذا الفاضل الشيخ عبد النبي الجزائريرحمه‌الله في‌

__________________

حماد بن راشد الأزدي : 117 / 39.

وذكرت في أصحاب الإمام الكاظم عليه‌السلام مرتين :

موسى بن إبراهيم المروزي : 359 / 7.

يزيد بن الحسن : 364 / 19.

وذكرت في أصحاب الإمام الرضا عليه‌السلام سبع مرات :

إسماعيل بن محمّد بن إسحاق بن جعفر : 367 / 4.

أحمد بن عامر بن سليمان الطائي : 367 / 5.

داود بن سليمان بن يوسف : 375 / 2.

علي بن بلال : 380 / 7.

عبد الله بن علي : 381 / 16.

محمّد بن سهل البجلي الرازي : 389 / 34.

محمّد بن أسلم الطوسي : 390 / 49.

وذكرت في أصحاب الإمام الهادي عليه‌السلام مرة واحدة : محمّد بن أحمد بن عبيد الله ابن المنصور : 422 / 14.

(1) رجال الشيخ : 294 / 223.

(2) قال الكاظمي في عدته : 50 ، بعد كلامه في هامش رقم 3 المتقدم : غير أنّهم إنّما يقولون ذلك فيمن لا يعرف بالتناول منه ، والأخذ عنه.

٧٣

الحاوي(1) كما يأتي عنهما في يحيى بن سعيد الأنصاري(2) ، وعن الثاني في عبد النور أيضا(3) .

وينافيه قول الشيخ في جابر بن يزيد : أسند عنه ، روى عنهما(4) .

وقوله في محمّد بن مسلم : أسند عنه قصير وحداج ، روى عنهما(5) .

وقوله في محمّد بن إسحاق بن يسار : أسند عنه ، يكنى أبا بكر ، صاحب المغازي ، من سبي عين التمر ، وهو أول سبي دخل المدينة ، وقيل : كنيته أبو عبد الله ، روى عنهما(6) .

وقال المحقق الداماد في الرواشح ـ ما ملخصه ـ : إنّ الصحابي ـ على مصطلح الشيخ في رجاله ـ على معان :

منها : أصحاب الرواية عن الإمام بالسماع منه.

ومنها : بإسناد عنه ، بمعنى أنّه روى الخبر عن أصحابهعليه‌السلام

__________________

(1) الحاوي : 344 / 2135.

(2) قال المحقق الشيخ محمّدقدس‌سره : العجب من العلامةرحمه‌الله أنّه أتى بقوله : أسند عنه ، مع عدم تقدم مرجع الضمير ، فكأنّه نقل كلام الشيخرحمه‌الله بصورته ، والضمير فيه عائد إلى الصادقعليه‌السلام ، وهذا من جملة العجلة الواقعة من العلامةرحمه‌الله ، انتهى.

وقال الفاضل عبد النبي الجزائري : لا يخفى أن ضمير عنه في عبارة الخلاصة لا مرجع له بحسب الظاهر ، وكان عليه أن يقول من أصحاب الصادق عليه‌السلام ، انتهى.

ثم عقب الحائري بقوله : ولا يخفى أنّ ما ذكراه مبني على قراءة « أسند » ، بصيغة المعلوم ، ولم يظهر ذلك من العلامة رحمه‌الله ، فلعلّه رحمه‌الله قرأها بالمجهول ، فلا اعتراض.

منتهى المقال ، ترجمة يحيى بن سعيد الأنصاري.

(3) الحاوي : 306 / 1851.

(4) رجال الشيخ : 163 / 30.

(5) رجال الشيخ : 300 / 317.

(6) رجال الشيخ : 281 / 22.

٧٤

الموثوق بهم ، وأخذ عن أصولهم المعتمد عليها ، فمعنى أسند عنه : أنّه لم يسمع منه ، بل سمع من أصحابه الموثقين وأخذ عنهم من أصولهم المعتمد(1) عليها.

وبالجملة قد أورد الشيخ في أصحاب الصادقعليه‌السلام جماعة جمّة إنّما روايتهم عنه بالسماع من أصحابه الموثوق بهم والأخذ من أصولهم المعوّل عليها ، ذكر كلا منهم وقال : أسند عنه ، انتهى(2) .

وردّ : بأنّ جماعة ممن قيلت فيه ، رووا عنه مشافهة(3) .

وقرأ ولد الأستاذ العلامة دام علاهما أيضا بالمعلوم ، ولكن لا أدري الى من ردّ الضمير.

وقرأ بعض السادة الأزكياء من أهل العصر(4) أيضا كذلك ، قال :

__________________

(1) في نسخة : المعمول.

(2) الرواشح السماوية : 63 ـ 65 ، الراشحة الرابعة عشر.

(3) كما في ترجمة : جابر بن يزيد الجعفي : 163 / 30 ، ومحمّد بن إسحاق بن يسار : 281 / 22 ، ومحمّد بن مسلم بن رباح : 300 / 317 ، فإن الثلاثة من أصحاب الإمام الصادقعليه‌السلام وقال عنهم الشيخ : أسند عنه ، ثم عقبه بقوله : روى عنهماعليهما‌السلام .

وكثير من الذين عدّهم الشيخ في رجاله وقال : أسند عنه ، ذكرهم النجاشي في رجاله وذكر لهم كتاب يرويه عن ذلك الامام ، مثل :

1 ـ محمّد بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام .

2 ـ أبان بن عبد الملك الخثعمي.

3 ـ عبد الله بن علي.

4 ـ أحمد بن عامر بن سليمان الطائي.

5 ـ محمّد بن إبراهيم العباسي الإمام.

6 ـ محمّد بن ميمون التميمي الزعفراني.

7 ـ إبراهيم بن محمّد بن أبي يحيى وغيرهم كثير.

(4) هو النحرير الرباني السيد بشير الجيلانيرحمه‌الله ( منه ).

٧٥

والأشبه كون المراد أنّهم أسندوا عنهعليه‌السلام ولم يسندوا عن غيره من الرواة كما تتبعت ، ولم أجد رواية أحد من هؤلاء عن غيرهعليه‌السلام إلاّ أحمد بن عائذ ، فإنه صحب أبا خديجة وأخذ عنه ، كما نص عليه النجاشي(1) ، والأمر فيه سهل ، فكأنه مستثنى لظهوره. انتهى.

وفيه أيضا تأمل ، فإن غير واحد ممن قيل فيه : أسند عنه ، سوى أحمد ابن عائذ رووا عن غيرهعليه‌السلام أيضا ، منهم : محمّد بن مسلم على ما ذكره ولد الأستاذ العلامة ، والحارث بن المغيرة ، وبسام بن عبد الله الصيرفي.

وربما يقال : انّ الكلمة : أسند بالمعلوم ، والضمير للراوي ، إلاّ أن فاعل أسند ابن عقدة ، لأنّ الشيخرحمه‌الله ذكر في أول رجاله أنّ ابن عقدة ذكر أصحاب الصادقعليه‌السلام وبلغ في ذلك الغاية. قالرحمه‌الله : وإني ذاكر ما ذكره ، وأورد من بعد ذلك ما لم يذكره(2) ، فيكون المراد : أخبر عنه ابن عقدة ، وليس بذلك البعيد.

وربما يظهر منه : وجه عدم وجوده إلاّ في كلام الشيخ. وسبب ذكر الشيخ ذلك في رجاله دون الفهرست ، وفي أصحاب الصادقعليه‌السلام دون غيره(3) . بل وثمرة قولهرحمه‌الله : إني ذاكر ما ذكره ابن عقدة ثم أورد ما لم يذكره. فتأمل جدا(4) .

__________________

(1) رجال النجاشي : 98 / 246.

(2) رجال الشيخ : 2.

(3) ذكرنا فيما سبق المواضع التي وردت الكلمة في حقهم ، من أصحاب باقي الأئمةعليهم‌السلام .

(4) وقد فصّل القول في معنى الكلمة ومدلولها ومواردها ومعناها اللغوي السيد الجلالي في مقالته التي نشرت في مجلة تراثنا ، العدد الثالث ، السنة الأولى ، تحت عنوان : المصطلح الرجالي « أسند عنه » ما هو؟ وما هي قيمته الرجالية؟.

٧٦

فائدة :

لا يخفى أنّ كثيرا من القدماء سيّما القميين وابن الغضائري كانت لهم اعتقادات خاصة في الأئمةعليهم‌السلام ‌ بحسب اجتهادهم ، لا يجوّزون التعدي عنها ، ويسمون التعدي : غلوا وارتفاعا ، حتى أنّهم جعلوا مثل نفي السهو عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله غلوا ، بل ربما جعلوا التفويض ـ المختلف فيه ـ إليهم ، أو نقل خوارق العادات عنهم ، أو الإغراق في جلالتهم ، وذكر علمهم بمكنونات السماء والأرض ارتفاعا ، أو مورثا للتهمة.

وذلك لأنّ الغلاة كانوا مختفين في الشيعة ، ومخلوطين بهم ، مدلّسين أنفسهم عليهم ، فبأدنى شبهة كانوا يتّهمون الرجل بالغلوّ والارتفاع ، وربما كان منشأ رميهم بذلك وجدان رواية ظاهرة فيه منهم ، أو ادعاء أرباب ذلك القول كونه منهم ، أو روايتهم عنه ، وربما كان المنشأ روايتهم المناكير ، الى غير ذلك.

وبالجملة الظاهر أنّ القدماء كانوا مختلفين في المسائل الأصولية ، فربما كان شي‌ء عند بعضهم فاسدا أو كفرا أو غلوّا ، وعند آخرين عدمه ، بل مما يجب الاعتقاد به ، فينبغي التّأمل في جرحهم بأمثال الأمور المذكورة.

ومما ينبه على ما ذكرنا ملاحظة ما سيذكر في تراجم كثيرة ، ويأتي في إبراهيم بن عمر ، وغيره ، ضعف تضعيفات ابن الغضائري وفي إبراهيم بن إسحاق وسهل بن زياد ضعف تضعيف أحمد بن محمّد بن عيسى ، مضافا الى غيرهما من التراجم فتأمل(1) .

__________________

(1) التعليقة : 8.

٧٧

فائدة :

للتفويض معان :

أولا : يأتي في آخر الكتاب(1) .

ثانيا : تفويض الخلق والرزق إليهمعليهم‌السلام ، ولعلّه يرجع الى الأول ، وورد فساده عن الصادق(2) والرضا(3) عليهما‌السلام .

ثالثا : تفويض تقسيم الأرزاق ، ولعلّه مما يطلق عليه(4) .

رابعا : تفويض الأحكام والأفعال إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بأن يثبت ما رآه حسنا ، ويرد ما رآه قبيحا ، فيجيز الله تعالى ذلك ، كإطعام الجدّ السدس ، وإضافة الركعتين في الرباعيات ، والركعة في المغرب ، والنوافل‌

__________________

(1) تعليقة الوحيد : 410 عند ذكره للفرق ، وفيه : ومنها المفوّضة ، القائلون بأنّ الله خلق محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله وفوّض إليه أمر العالم ، فهو الخلاّق للدنيا وما فيها ، وقيل : فوّض ذلك الى عليعليه‌السلام ، وربما يقولون بالتفويض إلى سائر الأئمة.

(2) نقل العلامة المجلسي في البحار 25 : 343 / 25 ، عن كتاب اعتقاد الصدوق : عن زرارة أنّه قال : قلت للصادقعليه‌السلام : إنّ رجلا من ولد عبد الله بن سبأ يقول بالتفويض ، فقال : وما التفويض؟ قلت : إنّ الله تبارك وتعالى خلق محمّدا وعليّا صلوات الله عليهما ، ففوّض إليهما ، فخلقا ورزقا وأماتا وأحييا ، فقالعليه‌السلام : كذب عدوّ الله ، إذا انصرفت إليه فاتل عليه هذه الآية التي في سورة الرعد :( « أَمْ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْ‌ءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهّارُ ) . الرعد : 16.

(3) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام 1 : 124 / 17 بسنده عن الامام الرضاعليه‌السلام أنّه قال : ومن زعم أن الله عزّ وجل فوّض أمر الخلق والرزق الى حججهعليهم‌السلام فقد قال بالتفويض ،. والقائل بالتفويض مشرك.

(4) بصائر الدرجات : 363 / 11 بسنده عن علي بن الحسينعليه‌السلام أنّه قال :. يا أبا حمزة لا تنامنّ قبل طلوع الشمس فإنّي أكرهها لك ، إنّ الله يقسّم في ذلك الوقت أرزاق العباد ، وعلى أيدينا يجريها.

٧٨

أربعا وثلاثين ، وتحريم كل مسكر عند تحريم الخمر ، الى غير ذلك(1) .

وهذا محل إشكال عندهمرحمهم‌الله ، لمنافاته لظاهر( وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ) (2) وأمثاله ، والكلينيرحمه‌الله قائل به ، والأخبار الكثيرة واردة فيه(3) .

ووجّه : بأنها تثبت من الوحي إلاّ أن الوحي تابع ومجيز.

خامسا : تفويض الإرادة ، بأن يريد شيئا لحسنه ولا يريد شيئا لقبحه ، كإرادة تغيّر القبلة ، فأوحى الله تعالى إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما أراد(4) .

سادسا : تفويض القول بما هو أصلح له وللخلق ، وإن كان الحكم الأصلي خلافه ، كما في صورة التقية(5) .

سابعا : تفويض أمر الخلق ، بمعنى : أنّه أوجب عليهم طاعته في كل ما يأمر وينهى ، سواء علموا وجه الصحة أم لا ، بل وإن كان بحسب ظاهر نظرهم عدم الصحة ، بل الواجب عليهم القبول على وجه التسليم(6) .

وبعد الإحاطة بما ذكر يظهر أنّ القدح بمجرد رميهم بالتفويض لا يخلو أيضا من إشكال ، وفي محمّد بن سنان ما يشير إليه(7) .

__________________

(1) راجع بحار الأنوار : 25 / 328 وما بعدها ، فصل في بيان التفويض ومعانيه ، وتفسير آية 7 من سورة الحشر قوله تعالى :( وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) .

(2) النجم : 53 / 3.

(3) الكافي : 1 / 363 ، باب في معرفتهم أوليائهم والتفويض إليهم.

(4) مجمع البيان : 1 / 227.

(5) راجع مقباس الهداية : 2 / 379 ، الرابع.

(6) راجع تفسير الآية 65 من سورة النساء :( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) .

(7) التعليقة : 8.

٧٩

فائدة :

أبو العباس الذي يذكره النجاشي على الإطلاق‌ ، قيل : مشترك بين ابن نوح ، وابن عقدة(1) ، وليس كذلك ، بل هو الأول ، ويأتي في إبراهيم بن عمر اليماني(2) .

فائدة:

كلمة « مولى » بحسب اللغة لها معان معروفة‌(3) ، وأمّا في المقام :

__________________

(1) اختلفت كلمات الرجاليين في تعيين أبي العباس ، فمنهم من جعله : ابن عقدة ، ومنهم من عيّنه ابن نوح ، والأكثر على أنّه مشترك. فقال الكاظمي في تكملة الرجال : 1 / 350 في ترجمة : حفص بن البختري : فنقل النجاشي عن أبي العباس ـ وهو ابن عقدة ـ توثيقه.

وجاء في الهامش منه أيضا : ويحتمل أن يكون ابن نوح على ضعف ، وإن كان ينقل عن كليهما ، لأنّ الظاهر أنّه عند الإطلاق يراد بأبي العباس : ابن عقدة ، وإذا أراد به ابن نوح قيّده ، كما يظهر من تتبعه ، والشيخ محمّد في الشرح ردده بينهما ، والأظهر ذلك وسيجي‌ء في ترجمة حفص بن سوقة ما يؤيده ، ووافقنا على هذا المجلسي فيما سيجي‌ء ـ إنّ شاء الله ـ في ترجمة الحكم بن حكيم.

وقال الشيخ البهائي في مشرق الشمسين : 313 : لا يقال إنّ النجاشي نقل توثيق حكم ابن حكيم عن أبي العباس ، وهو مشترك بين ابن نوح الإمامي ، وابن عقدة الزيدي ، فكيف عددت حديث حكيم من الصحيح ، والمعدل له مشترك ، قلنا : الاشتراك هنا غير مضر ، وابن عقدة وإن كان زيديا ، إلاّ أنّه ثقة مأمون ، وتعديل غير الإمامي إذا كان ثقة لمن هو إمامي حقيق بالاعتبار والاعتماد ، فان الفضل ما شهدت به الاعداء.

نعم ، جرح غير الإمامي للإمامي لا عبرة به ، وإن كان الجارح ثقة.

(2) في التعليقة : 24 ، في ترجمته : وما قيل من أنّ أبا العباس مشترك ـ والقائل هو الشهيد الثاني في تعليقه على الخلاصة ـ ففيه أنّ الظاهر أنّه ابن نوح ، لأنّه شيخ النجاشي ، مع أنّ ابن عقدة بينه وبينه وسائط ، مضاف إلى أنّ ابن نوح جليل ، والآخر عليل ، والإطلاق ينصرف الى الكامل ، سيّما عند أهل هذا الفن ، خصوصا النجاشي ، فإنّه يعبرون عن الكامل به ، أمّا الناقص فلا ، بل ربما كان عندهم ذلك تدليسا ، فتأمل.

(3) راجع القاموس : 4 / 401 ، والصحاح : 6 / 2529 ، وتاج العروس : 10 / 399 ، ولسان

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

فالبعض ، كصاحب كتاب «القاموس» ، اعتبرها مفردا ، إلّا أن البعض الآخر كالزجّاج اعتبر الضياء جمعا للضوء ، وقد قبل هذا المعنى صاحبا تفسير «المنار» وتفسير «القرطبي»، وخاصّة صاحب المنار ، حيث استفاد على أساس هذا المعنى استفادة خاصّة من الآية ، فهو يقول : إن ذكر الضياء بصيغة الجمع في شأن نور الشمس إشارة إلى الشيء الذي أثبته العلم اليوم بعد قرون ، وهو أنّ نور الشمس مكون من سبعة أنوار ، وبتعبير آخر سبعة ألوان ، هي الألوان التي تظهر في قوس قزح ، وتلاحظ عند مرور النور عبر المناشير البلورية.

ولكن يبقى هنا سؤال ، وهو : هل أن نور القمر ، رغم أنّه أضعف ، غير متكون من الألوان المختلفة؟

٣ ـ هناك بحث ونقاش بين المفسّرين في أنّ ضمير( قَدَّرَهُ مَنازِلَ ) يعود إلى القمر فقط ، أم يرجع إلى الشمس والقمر؟ فالبعض يعتقد أن الضمير وإن كان مفردا ، إلّا أنّه يعود إلى الإثنين معا ، ونظير ذلك في الأدب العربي غير قليل.

اختيار هذا الرأي من أجل أن القمر ليس الوحيد الذي له منازل ، بل إنّ للشمس أيضا منازل ، ففي كل وقت تكون في برج خاص ، والاختلاف في الأبراج هذا هو مبدأ التاريخ والأشهر الشمسية.

والحق أنّ ظاهر الآية يوحي بأنّ هذا الضمير المفرد يعود للقمر فقط ، لقربه منه ، وهذا بنفسه يحتوي على نكتة ، ذلك :

أوّلا : إنّ الأشهر التي عرفت في الإسلام والقرآن رسميا هي الأشهر القمرية.

ثانيا : إنّ القمر كرة متحركة ولها منازل ، أمّا الشمس فإنّها تقع في وسط المنظومة الشمسية ، وليس لها حركة ضمن مجموع هذه المنظومة ، وإنّ اختلاف الأبراج ومسير الشمس في المدار الفلكي ذي الإثني عشر برجا ، والذي يبدأ من الحمل وينتهي بالحوت ، ليس بسبب حركة الشمس ، بل بسبب حركة الأرض حول الشمس ، ودوران الأرض هذا هو السبب في أن نرى الشمس تقابل كل شهر

٣٠١

واحدا من البروج الفلكية الإثني عشر ، وعلى هذا فليس للشمس منازل مختلفة خلافا للقمر. (دققوا جيدا).

إنّ هذه الآية في الحقيقة تشير إلى إحدى المسائل العلمية المرتبطة بالأجرام السماوية كانت خافية على البشر في ذلك الزمان حيث ما يدركوا هذا الفرق بين حركة الشمس والقمر.

٤ ـ لقد عدت الآيات أعلاه اختلاف الليل والنهار من آيات الله سبحانه ، وذلك لأنّ نور الشمس إذا استمر في إشعاعه على الأرض ، فإنّ من المسلّم أن درجة الحرارة سترتفع إلى الحد الذي تستحيل معه الحياة على وجه الأرض.

وكذلك الليل إذا استمر فإنّ كل شيء سينجمد لشدّة البرودة.

إلّا أنّ الله سبحانه قد جعل هذين الكوكبين يتبع أحدهما الآخر لتهيئة أسباب الحياة والمعيشة على وجه الكرة الأرضية(١) .

إنّ أثر العدد والحساب والتاريخ والسنة والشهر في نظام حياة البشر والروابط الاجتماعية والمكاسب والأعمال لا يخفى على أحد.

٥ ـ إنّ مسألة العدد والحساب التي أشير إليها في الآيات أعلاه ، هي في الواقع واحدة من أهم مسائل حياة البشر في جميع النواحي والمجالات.

نعلم إنّ أهمية أية نعمة تتّضح أكثر عند ما نلاحظ الحياة بدون تلك النعمة ، وعلى هذا فلو أن حساب التاريخ وامتياز الأيّام والأشهر والسنين رفع من حياة البشر ، مثلا لا توجد أيام واضحة ومحددة للأسبوع ، ولا أيّام الشهر ، ولا عدد الشهور والسنين ، ففي هذه الحالة ستتعرض كل المسائل التجارية والاقتصادية والسياسية وكل الاتفاقيات والبرامج الزمنية المعدة للخلل وعندها سوف لا يثبت حجر على حجر وستنفرط عقده النظم في الأعمال ، وحتى وضع الزراعة وتربية الحيوانات والصناعات الإنتاجية ستعمها الفوضى والاضطراب.

__________________

(١) لقد أوردنا توضيحات أخرى حول هذا الموضوع في المجلد الأوّل (راجع تفسير الآية ١٦٤ من البقرة).

٣٠٢

لكن لما كان الله سبحانه قد خلق الإنسان ليحيا حياة سعيدة مقرونة بالنظام ، فإنّه قد وضع وسائلها تحت تصرفه.

صحيح أن الإنسان يمكنه تنظيم أعماله إلى حدّ ما بالأمور الاعتبارية ، إلّا أنّه إذا لم يستند إلى الميزان الطبيعي فإنّ مقياسه الجعلي لا يكون عاما وشاملا ، وليس قابلا للاعتماد.

إنّ دوران الشمس والقمر ـ وبتعبير أصح دوران الأرض حول الشمس ـ والمنازل التي لهما ، يشكل تقويما طبيعيا واضح الأساس ويستفيد منه الجميع في كل مكان ، ويعتمدون عليه ، فكما أن مقدار اليوم والليلة يعتبر مقياسا تاريخيا صغيرا ينشأ نتيجة عالم طبيعي ، أي حركة الأرض حول نفسها ، فإنّ الشهر والسنة يجب أن تستند إلى دوران طبيعي ، وعلى هذا المنوال فإنّ حركة القمر حول الأرض يشكل مقياسا أكبر ، فإنّ الشهر يساوي ثلاثين يوما تقريبا ، وحركة الأرض حول الشمس ينتج منها مقياس أعظم ، وهو السنة.

قلنا : إنّ التقويم الإسلامي يستند إلى التقويم القمري ودوران القمر ، ورغم أنّ دوران الشمس في الأبراج الإثني عشر طريقة جيدة لتعيين الأشهر الشمسية ، أنّ هذا التقويم مع أنّه طبيعي ، إلّا أنّه لا ينفع الجميع ، وإنّما يستطيع علماء النجوم فقط عبر رصد النجوم من تحديد كون الشمس في البرج الفلاني ، ولهذا السبب فإنّ الآخرين مجبورون على مراجعة التقاويم التي نظمت من قبل هؤلاء المنجمين. أن دوران القمر المنتظم حول الأرض يعطي تقويما واضحا يستطيع قراءة خطوطه وخرائطه حتى الأميون وسكّان البوادي.

وتوضيح ذلك إن هيئة القمر تختلف في كل ليلة في السماء عن الليلة السابقة واللاحقة ، بحيث لا توجد ليلتان في طول الشهر تتحد فيها هيئة القمر في السماء ، وإذا دققنا قليلا في وضع القمر كل ليلة فإنّنا سنعتاد رويدا رويدا على تعيين تلك الليلة من ليالي الشهر.

٣٠٣

وقد يتصور البعض أن نصف الشهر الثّاني تتكرر في صور النصف الأوّل بعينها ، وأنّ صورة القمر في ليلة الإحدى والعشرين مثلا هي بعينها صورته في الليلة السابقة ، إلّا أن هذا اشتباه كبير ، لأنّ جانب النقص في القمر في النصف الأوّل هو الطرف الأعلى ، في حين أنّ جانب نقصه في النصف الثّاني من الطرف الأسفل ، وبتعبير آخر فإنّ أطراف الهلال الدقيقة تكون إلى الشرق في البداية ، بينما هي في الجانب الغربي عند أواخر الشهر ، إضافة إلى أنّ القمر يرى في الغرب أوائل الشهر ، أمّا في أواخره فإنّه يرى في الشرق ، ويتأخر كثيرا في طلوعه. وعلى هذا فإنّه يمكن الاستفادة من شكل القمر مع تغييراته التدريجية كعداد يومي، ولتحديد أيّام الشهر بدقة من خلال شكل القمر.

على كل حال ، فإنّنا في هذه الموهبة التي نسميها «النظام التأريخي» ، مدينون لهذا الخلق الإلهي ، ولو لا حركات القمر والشمس (والأرض) لكان لنا وضع مضطرب وفوضوي في الحياة لم يكن في الحسبان تصوره.

إنّ السجناء في الزنزانات الانفرادية المظلمة ، والذين أضاعوا الزمان والأوقات ولم يهتدوا إليها ، قد أحسوا بهذه الحيرة وعدم الهدفية والتكليف.

يقول أحد السجناء في عصرنا الحاضر الذي قضى شهرا في زنزانة انفرادية مظلمة لعملاء الظالمين : لم تكن لي أيّة وسيلة أو طريقة لتحديد أوقات الصلاة ، إلّا أنّهم عند ما كانوا يأتونني بالغداء كنت أصلي الظهر والعصر ، وإذا ما أتوا بالعشاء أصلي المغرب والعشاء، وصلاة الصبح عادة مع الفطور! ولكي أحسب الأيّام فإنّي كنت آخذ وجبات الطعام بنظر الإعتبار ، فكل ثلاث وجبات أعدها يوما ، غير أني لا أعلم ماذا حدث عند ما خرجت من السجن ، فقد رأيت اختلافا بين حسابي وحساب الناس!.

* * *

٣٠٤

الآيات

( إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ (٧) أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٩) دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠) )

التّفسير

أهل الجنّة والنّار :

كما مرت الإشارة ، فإنّ القرآن قد عرض في بداية هذه السورة بحثا إجماليا عن موضوع المبدأ والمعاد ، ثمّ بدأ بشرح هذه المسألة ، ففي الآيات السابقة كان هناك شرح وبحث حول مسألة المعاد ، ويلاحظ في هذه الآيات تفصيل حول المعاد ومصير الناس في العالم الآخر.

ففي البداية يقول :( إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا

٣٠٥

بِها ) فهم لا يعتقدون بالمعاد وتجاهلوا الآيات البينات فلم يتدبروا فيها كيما تستيقظ قلوبهم ويتحرك فيهم روح الاحساس بالمسؤولية( وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ ) فكلا هاتين الطائفتين مصيرهم الى النّار :( أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ) .

إنّ النتيجة الطبيعية والحتمية لعدم الإيمان بالمعاد هي الارتباط بهذه الحياة المحدودة والعلائق المادية ، والاطمئنان بها والاعتماد عليها ، ونتيجة ذلك ـ أيضا ـ هو تلوّث الأعمال وفساد السلوك في أنماط الحياة المختلفة ، ولا تكون عاقبة ذلك إلّا النّار.

وكذلك فإنّ الغفلة عن الآيات الإلهية هي أساس البعد عن الله سبحانه ، والابتعاد عن الله هو العلّة لعدم الإحساس بالمسؤولية والتلوّث بالظلم والفساد والمعصية ، وعاقبة ذلك لا تكون إلّا النّار.

بناء على هذا ، فإنّ كلا الفريقين أعلاه ـ أي الذين لا يؤمنون بالمبدأ ، أو لا يؤمنون بالمعاد ـ سيكونان ملوّثين حتما بالأعمال الذميمة ، ومستقبل كلا الفريقين مظلم.

إنّ هاتين الآيتين تؤكّدان مرّة أخرى هذه الحقيقة ، وهي أنّ إصلاح مجتمع ما وإنقاذه من نار الظلم والفساد ، يتطلب تقوية ركني الإيمان بالله والمعاد اللذين هما شرطان ضروريان وأساسيان ، فإنّ عدم الإيمان بالله سبحانه سيقتلع الإحساس بالمسؤولية من وجود الإنسان ، والغفلة عن المعاد يذهب بالخوف من العقاب ، وعلى هذا فإنّ هذين الأساسين العقائديين هما أساس كل الإصلاحات الاجتماعية.

ثمّ يشير القرآن إلى وضع فئة أخرى في مقابل هذه الفئة ، فيقول :( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ ) فإنّ نور الهداية الإلهية الذي ينبعث

٣٠٦

من نور إيمانهم يضيء كل آفاق حياتهم ، وقد اتّضحت لهم الحقائق باشراقات هذا النور بحيث لم تعد شراك المذاهب المادية وزبارجها ، ولا الوساوس الشيطانية وبريق المطامع الدنيوية قادرة على التعتيم على افكارهم ودفعهم في طريق الانحراف عن الصواب والحق.

إنّ وضع هؤلاء في الحياة الأخرى أنّهم( تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ) .

إنّ هؤلاء يرفلون في محيط مملوء بالصلح والصفاء وعشق الله وأنواع النعم ، ففي كل وقت تنير وجودهم نفحة ورشحة من ذات الله وصفاته ، فإنّ( دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَ ) وكلما التقى بعضهم بالآخر فإنّهم يتحدثون عن الصفاء والسّلام( وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ ) وأخيرا فإنّهم كلّما التذوا بنعم الله المختلفة شكروا ذلك( وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) .

* * *

ملاحظات

١ ـ المقصود من لقاء الله الذي جاء في الآية الأولى ليس هو اللقاء الحسي قطعا ، بل المقصود أنّ الإنسان إضافة إلى الحصول على الثواب وعطايا الله ، فإنّه يشعر يوم القيامة بنوع من الحضور القلبي بالنسبة للذات المقدسة ، لأنّه حينئذ سيرى آيات الله وعلاماته بصورة أوضح في كل مكان ، وسيحصل على رؤية وإدراك جديد لمعرفته(١) .

٢ ـ إنّ الحديث في قوله تعالى :( يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ ) عن هداية الإنسان في

__________________

(١) لمزيد التوضيح راجع المجلد الأوّل من تفسيرنا هذا ذيل الآية (٤٦) من سورة البقرة.

٣٠٧

ظل الإيمان ، وهذه الهداية لا تختص بعالم الآخرة ، بل إنّ الإنسان ينجو بنور إيمانه في هذه الدنيا من كثير من الاشتباهات والخدع والأخطاء والمعاصي المتولّدة من الطمع والأنانية والأهواء ، وسوف يحدد طريقه إلى الجنّة في الآخرة في ظلّ إشعاع هذا الإيمان كما يقول القرآن :( يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ ) (١) .

وفي حديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ المؤمن إذا خرج من قبره صوّر له عمله في صورة حسنة فيقول له : أنا عملك ، فيكون له نورا وقائدا إلى الجنّة»(٢) .

٣ ـ ورد في هذه الآيات :( تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ ) في الوقت الذي عبرت آيات أخرى من القرآن ب( تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ ) ، وبتعبير آخر ، فإنّنا نقرأ في مواضع أخرى أنّ الأنهار تجري من تحت أشجار الجنّة ، أمّا هنا فإنّ الأنهار تجري من تحت أهل الجنّة!.

إنّ هذا التعبير يمكن أن يشير إلى أنّ قصور أهل الجنّة قد تكون مبنيّة على الأنهار ، وهذا يضفي عليها جمالا خارقا.

وقد يشير إلى أنّ أنهار الجنّة مسخرّة لأوامرهم وفي قبضتهم ، كما نقرأ في قصّة فرعون أنّه كان يقول :( أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي ) (٣) .

وقد احتمل كذلك أن تكون «تحت» بمعنى «بين أيدي» أي أن أنهار الماء تجري مقابلهم.

٤ ـ ممّا يلفت النظر أن آخر آية من الآيات قيد البحث تشير إلى ثلاث حالات ، أو ثلاث نعم كبيرة لأهل الجنّة :

__________________

(١) الحديد ، ١٢.

(٢) تفسير الفخر الرازي ، الجزء ١٧ ، ص ٤٠.

(٣) الزخرف ، ٥٢.

٣٠٨

الحالة الأولى : هي حالة التوجه إلى ذات الله المقدسة ، والبهجة التي تحصل لهم نتيجة هذا التوجه لا يمكن مقارنتها بأية لذّة أخرى.

الحالة الثّانية : اللّذة التي تحصل نتيجة الارتباط بالمؤمنين الآخرين في ذلك المحيط المفعم بالودّ والتفاهم ، وهذه اللّذة هي أحلى لذّة بعد لذة التوجه إلى الله سبحانه.

الحالة الثّالثة : اللّذة التي تحصل من التمتع بأنواع نعم الجنّة ، وهي تدفعهم إلى التوجه إلى الله أيضا ، وبالتالي حمده وشكره. (فتأمل بدقة)

* * *

٣٠٩

الآيتان

( وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١) وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢) )

التّفسير

الهمج الرّعاع :

الكلام في هذه الآيات يدور كذلك حول عقاب المسيئين ، فتقول الآية الأولى بأنّ الله سبحانه إذا جازى المسيئين على أعمالهم بنفس العجلة التي يجب بها هؤلاء تحصيل النعم والخير ، فستنتهي أعمار الجميع ولا يبقى لهم أثر :( وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ ) . إلّا أنّ لطف الله سبحانه لما كان شاملا لجميع العباد ، حتى المسيئين والكافرين والمشركين ، فلا يمكن أن يعجل بعذابهم وجزائهم لعلهم يعون ويتوبون ، ويرجعون عن الضلال إلى الحق والهدى.

٣١٠

هذا إضافة إلى أنّ الجزاء إذا ما تمّ بهذه السرعة فإنّه يعني زوال حالة الاختبار التي هي أساس التكليف تقريبا ، وستتصف طاعة المطيعين بالجبر والاضطرار ، لأنّهم بمجرّد أن يعصوا فسيلاقون جزاءهم الأليم فورا.

واحتمل أيضا في تفسير هذه الآية أنّ جماعة من الكفار العنودين ، الذين تحدث القرآن عنهم مرارا ، كانوا يقولون للأنبياء : إذا كان ما تقولونه حقّا ، فادعوا الله أن ينزل علينا البلاء ، فإذا استجاب الله تعالى دعوة هؤلاء ما كان ليبقى من هؤلاء أحد.

لكن يبدو أنّ التّفسير الأوّل هو الأقرب.

وفي الختام تقول الآية : يكفي عقابا لهؤلاء أن نتركهم وشأنهم ليبقوا في حيرتهم ، فلا هم يميزون الحق من الباطل ، ولا هم يجدون سبيل النجاة من متاهاتهم :( فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) .

عند ذلك تشير الآية إلى وجود نور التوحيد في فطرة الإنسان وأعماق روحه وتقول :( وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً ) .

نعم إنّ خاصية المشاكل والشدائد الخطيرة ، أنّها تزيل الحجب عن فطرة الإنسان الطاهرة ، وتحرق في فرن الحوادث كل الطبقات السوداء التي غطت هذه الفطرة ، ويسطع عندها ـ ولو لمدّة قصيرة ـ نور التوحيد.

ثمّ تقول الآية : إنّ هؤلاء الأفراد الى درجة من الجهل وضيق الأفق بحيث أنّهم يعرضون بمجرّد كشف الضرّ عنهم ، حتى كأنّهم لم يدعونا ولم نساعدهم :( فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ) .

أمّا من الذي يزين لهم أعمالهم؟ فقد بحثنا ذلك في ذيل الآية (١٢٢) من سورة الأنعام ، ومجمل الكلام هو : إنّ الله سبحانه هو الذي يزين الأعمال ، وذلك بجعل هذه الخاصية في الأعمال

٣١١

القبيحة والمحرّمة ، بحيث أن الإنسان كلما تلوّث بها أكثر ، فإنّه سيتطبع عليها ، وبمرور الزمن يزول قبحها تدريجيا ، بل وتصل الحال إلى أن يراها حسنة وجميلة.

وأمّا لماذا سمّت الآية أمثال هؤلاء «مسرفين» فلأنّه لا إسراف أكثر من أن يهدر الإنسان أهم رأس مال في وجوده ، إلّا وهو العمر والسلامة والشباب والقوى ، ويصرفه في طريق الفساد والمعصية ، أو في طريق تحصيل متاع الدنيا التافه الفاني ، ولا يربح من ذلك شيئا.

ألا يعد هذا العمل إسرافا ، وأمثال هؤلاء مسرفين؟

* * *

وهنا يجب الالتفات إلى نقطة مهمّة :

الإنسان في القرآن الكريم :

لقد وردت حول الإنسان تعبيرات مختلفة في القرآن الكريم :

فعبّرت عنه آيات كثيرة أنّه «بشر» وعبّرت عنه آيات متعددة بالإنسان ، وفي آيات أخرى «بنى آدم» ، والعجيب أنّ في كثير من الآيات التي عبّرت عنه بالإنسان ، ذكرت صفاته المذمومة وغير الحميدة.

فقد عرفته هذه الآيات بأنّه موجود كثير النسيان وناكر للجميل ، وفي آية أخرى بأنّه موجود ضعيف :( وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً ) (١) ، وفي آية أخرى بأنّه ظالم وكافر :( إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ) (٢) ، وفي موضع آخر أنّه بخيل :( وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً ) (٣) ، وفي موضع آخر أنّه عجول :( وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً ) (٤) وفي مكان

__________________

(١) النساء ، ٣٨.

(٢) إبراهيم ، ٣٤.

(٣) الإسراء ، ١٠٠.

(٤) الإسراء ، ١١.

٣١٢

آخر أنّه كفور :( وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً ) (٥) ، وفي مورد آخر أنّه موجود كثير الجدل:( وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً ) (٦) .

وفي موضع آخر أنّه ظلوم جهول :( إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً ) (٧) ، وفي مكان آخر أنّه كفور مبين :( إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ ) (٨) ، وفي مكان آخر أنّه موجود قليل التحمل والصبر ، يبخل عند النعمة ، ويجزع عند البلاء :( إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً ) (٩) ، وفي مورد آخر مغرور :( يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ) (١٠) ، وفي موضع آخر أنّه موجود يطغى عند الغنى :( إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى ) (١١) .

وبناء على هذا فإنّا نرى القرآن المجيد قد عرّف الإنسان بأنّه موجود يتضمّن جوانب وصفات سلبية كثيرة ، ونقاط ضعف متعددة.

فهل أنّ هذا هو نفس ذلك الإنسان الذي خلقه الله في أحسن تقويم وأفضل تكوين :( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) (١٢) ؟

وهل أن هذا هو نفس الإنسان الذي علمه الله ما لم يعلم :( عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ ) (١٣) ؟

__________________

(٥) الإسراء ، ٦٧.

(٦) الكهف ، ٥٤.

(٧) الأحزاب ، ٧٢.

(٨) الزخرف ، ١٩.

(٩) المعارج ، ١٩ ـ ٢١.

(١٠) الإنفطار ، ٦.

(١١) العلق ، ٦.

(١٢) سورة التين ، ٤.

(١٣) العلق ، ٥.

٣١٣

وهل هو نفس الإنسان الذي علمه الله البيان :( خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ ) (١) .

وأخيرا ، فهل أنّ هذا هو الإنسان الذي حثّه الله على السعي والكدح في المسير إلى الله :( يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً ) (٢) .

يجب أن نرى من هم الذين تتكرّس فيهم كل نقاط الضعف هذه ، بالرغم من كل هذه الكرامة والمحبة الإلهية؟

الظاهر أنّ هذه المباحث تتعلق بمن لم ينشأ في حجر القادة الإلهيين ، بل نشأ ونما كما تنمو الأعشاب ، فلا معلم ولا دليل ، وقد اطلق العنان لشهواته وغاص وسط الأهواء والميول.

من الطبيعي أنّ مثل هذا الإنسان لا يستفيد من إمكاناته وثرواته العظيمة ، ويسخرها في طريق الانحرافات والأخطاء ، وعند ذلك سيظهر كموجود خطر ، وفي النهاية عاجز وبائس. وإلّا فالإنسان الذي يستفيد من وجود القادة الإلهيين ، ويستغل فكره في مسير الحركة التكاملية والحق والعدل ، فإنّه يخطو نحو مرتبة الآدمية ، ويستحق اسم «بني آدم» ويصل إلى درجة لا يرى فيها إلّا الله سبحانه ، كما يقول القرآن :( وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً ) (٣) .

* * *

__________________

(١) الرحمن ، ٣.

(٢) الإنشقاق ، ٦.

(٣) الإسراء ، ٧٠.

٣١٤

الآيتان

( وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (١٣) ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٤) )

التّفسير

الإعتبار بالظّالمين السابقين :

تشير هذه الآيات أيضا إلى معاقبة الأفراد الظالمين والمجرمين في هذه الدنيا ، وقد نبّهت المسلمين ـ بعد أن أطلعتهم على تاريخ من قبلهم ـ إلى أنّهم إذا سلكوا نفس طريق هؤلاء ، فسينتظرهم نفس المصير.

فالآية الأولى تقول :( وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا ) ثمّ تضيف :( كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ) .

ثمّ تبيّن الآية التالية هذا الأمر بصورة أكثر صراحة ، وتقول :( ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ) .

* * *

٣١٥

ملاحظات

١ ـ إنّ كلمة «قرون» ـ جمع قرن ـ تستعمل عادة بمعنى الزمان الطويل ، ولكن حسب ما قاله علماء اللغة فإنّها جاءت أيضا بمعنى القوم والجماعة الذين يعيشون في عصر واحد ، لأنّ مادتها الأصلية بمعنى الاقتران والقرب ، والمراد هنا في هذه الآية هو المعنى الأخير ، أي : الجماعات والأقوام الذين يعيشون في عصر واحد.

٢ ـ لقد ذكرت الآيات ـ أعلاه ـ أنّ سبب فناء وهلاك الأقوام السابقة هو الظلم ، وذلك لأنّ للفظ الظلم من المفهوم والمعنى الجامع ما يدخل ضمنه كل نوع من الذنب والفساد.

٣ ـ يستفاد من جملة :( وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا ) أنّ الله سبحانه يهلك فقط أولئك الذين لا أمل في إيمانهم حتى في المستقبل ، وعلى هذا فإنّ الأقوام التي يمكن أن تؤمن في المستقبل لا يشملها مثل هذا العقاب ، لأنّ الفرق كبير بين أن يقال : لم يؤمنوا ، وبين أن يقال : لم يكونوا يؤمنون (فتدبّر).

٤ ـ إنّ جملة( لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ) لا تعني النظر بالعين الباصرة قطعا ، ولا تعني التفكر والنظر القلبي ، لأنّ الله سبحانه منزّه عن كليهما ، بل المراد منها أنّها حالة شبيهة بالانتظار ، أي إنّنا سنترككم وأنفسكم ثمّ ننتظر ماذا تعملون؟

* * *

٣١٦

الآيات

( وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥) قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (١٧) )

سبب النّزول

قال بعض المفسّرين : إنّ هذه الآيات نزلت في عدّة نفر من عبدة الأوثان ، ذلك أنّهم أتوا إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقالوا له : إنّ ما ورد في هذا القرآن من الأمر بترك عبادة أصنامنا الكبيرة ، اللات والعزّى ومناة وهبل ، وذم هذه الآلهة ، ممّا لا يمكن أن نتحمله ، فإذا أردت أن نتبعك فأت بقرآن آخر لا يوجد فيه هذا الذم والتوبيخ

٣١٧

لآلهتنا ، أو غيّر على الأقل هذه الأمور التي وردت في هذا القرآن! فنزلت هذه الآيات وأجابتهم.

التّفسير

كتعقيب للآيات السابقة التي كانت تتحدث عن المبدأ والمعاد ، تبحث هذه الآيات نفس الموضوع والمسائل المتعلقة به.

في البداية تشير إلى واحد من الاشتباهات الكبيرة لعباد الأصنام ، وتقول :( وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ ) .

إنّ هؤلاء الجهلة العاجزين لم يرضوا بالنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائدا ومرشدا لهم ، بل كانوا يدعون لاتباع خرافاتهم وأباطيلهم ويطلبون منه قرآنا يوافق انحرافاتهم ويؤيدها ، لا أنّه يصلح مجتمعهم ، فبالاضافة الى أنّهم لم يؤمنوا بالقيامة ، ولم يشعروا بالاثمّ في مقابل أعمالهم كان قولهم هذا يدل على أنّهم لم يفهموا معنى النّبوة ، أو أنّهم كانوا يتخذونها هزوا.

إنّ القرآن الكريم يلفت نظر هؤلاء الى هذا الاشتباه الكبير ، ويأمر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقول لهم :( قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي ) (١) ثمّ يضيف للتأكيد :( إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ ) . ولست عاجزا عن تغيير أو تبديل هذا الوحي الإلهي ـ فحسب ـ بل :( إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) .

ثمّ تتطرق الآية التالية إلى دليل هذا الموضوع وتقول : قل لهم بأنّي لست مختارا في هذا الكتاب السماوي :( قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ ) والدليل على ذلك( فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ ) لكنّكم لم تسمعوا منّي مثل هذا

__________________

(١) كلمة (تلقاء) مصدر أو اسم مصدر وجاءت بمعنى المقابلة والمحاذاة ، وفي الآية وأمثالها بمعنى الناحية والعندية والجهة ، أي إنني لا أستطيع تغيير ذلك من ناحيتي ، أو من عندي.

٣١٨

الكلام مطلقا ، ولو كانت هذه الآيات من عندي لتحدثت بها لكم خلال هذه الأربعين سنة ، فهل لا تدركون أمرا بهذه الدرجة من الوضوح :( أَفَلا تَعْقِلُونَ ) .

وكذلك ، ومن أجل التأكيد يضيف : بأنّي أعلم أنّ أقبح أنواع الظلم هو أن يفتري الإنسان على الله الكذب :( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً ) وعلى هذا فكيف يمكن أن أرتكب مثل هذا الذنب الكبير؟!.

وكذلك فإنّ التكذيب بآيات الله سبحانه من أشدّ الكبائر وأعظمها :( أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ ) فإذا كنتم جاهلين بعظمته ما ترتكبونه من الإثم في تكذيب وإنكار آيات الحق ، فإنّي لست بجاهل بها ، وعلى كل حال فإنّ عملكم هذا جرم كبير ، و( إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ ) .

* * *

ملاحظات

١ ـ إنّ المشركين كانوا يطلبون من النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إمّا أن يستبدل القرآن بكتاب آخر ، أو يبدله ، والفرق واضح بين الاثنين ، ففي الطلب الأوّل كان هدفهم هو اقتلاع وجود هذا الكتاب تماما ليحل محله كتاب آخر من طرف النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أمّا في الطلب الثّاني فكانوا يريدون على الأقل أن تبدل الآيات التي تخالف أصنامهم حتى لا يشعروا بأي ضيق وانزعاج من هذه الناحية.

ونحن نرى كيف أنّ القرآن الكريم أجابهم بلهجة قاطعة بأنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس له أي اختيار وتصرف في التبديل ، ولا التغيير ، ولا تسريع نزول الوحي أو تأخره.

وندرك من ذلك حماقة وغباء هؤلاء فهم يقبلون بالنّبي الذي يتبع خرافاتهم وأهواءهم ، لا القدوة والمربي والقائد والدليل!.

٢ ـ ممّا يستحق الانتباه ، أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الإجابة عن الطلبين اكتفى بذكر عدم القدرة بتنفيذ الطلب الثّاني وقال : إنّي لا أستطيع أن أغيره من تلقاء نفسي ، وبهذا

٣١٩

البيان يكون قد نفى الطلب الأوّل بطريق أولى ، لأنّ تغيير بعض الآيات إذا كان خارجا عن حدود صلاحية النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهل بامكانه تبديل كل هذا الكتاب السماوي؟

إنّ هذا نوع من الفصاحة في التعبير ، حيث أنّ القرآن الكريم يعيد ويكرر كل المسائل في غاية الضغط والاختصار في العبارة ، بدون جملة أو كلمة زائدة إضافية.

٣ ـ يمكن أن يقال : إنّ الدليل المذكور في الآيات ـ أعلاه ـ على أنّ القرآن ليس من النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّه حتما من الله سبحانه ، ليس مقنعا. فما هو وجه الملازمة في أنّ هذا الكتاب إذا كان من النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا بدّ أن يكون قد سمعت منه نماذج ومقاطع من قبل؟

إلّا أنّ جواب هذا السؤال واضح بأدنى دقة وتأمل ، لأنّ النبوغ الفكري وقدرة والاكتشاف والإبداع في الإنسان ـ حسب ما قاله علماء النفس ـ يبدأ من سن العشرين ويصل كحد أقصى إلى سن الخامسة والثلاثين أو الأربعين ، أي إن الإنسان إذا لم يقدم حتى ذلك الوقت على إبداع وابتكار عمل جديد ، فلا يمكنه بعد هذا السن غالبا.

إنّ هذا الموضوع الذي يعتبر اليوم كشفا نفسيا لم يكن في الماضي واضحا إلى هذا الحدّ ، إلّا أنّ أغلب الناس يعلمون هذا الموضوع بهداية الفطرة ، بأن من غير الممكن أن يكون للإنسان معتقد ويعيش بين قوم ، ولا يظهر ذلك مطلقا. والقرآن الكريم قد استند أيضا إلى هذا الأساس وهو : كيف يستطيع النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى هذا العمر أن يمتلك مثل هذه الأفكار ويكتمها الى ذلك الوقت؟

٤ ـ كما أشرنا في ذيل الآية (٢١) من سورة الأنعام ، فإنّ القرآن قد عرّف في موارد كثيرة جماعة من الناس بأنّهم «أظلم» وربّما يبدو لأوّل وهلة أن هناك تناقضا ، فإنّا إذا وصفنا جماعة بأنّهم أظلم ، فكيف يمكن أن تتقبل مجموعة أخرى

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608