الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٦

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل12%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 608

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 608 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 260740 / تحميل: 6471
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٦

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

مناقب لا ترقى إليها عزائم

ولو حلقت فوق السماك(١) العزائم

حواها أبونا غير ما متردد

يفرعها النجم المحلق هاشم

وكم للأوالي(٢) منقبا بابن فاطم

علي به يشقى(٣) العدو المخاصم.

وأما أن أبا بكر رضوان الله عليه ما خلف طائلا مع كثرة الفتوح(٤) فإن أبا عثمان صغر هذا المعنى إذ الفتوح للمسلمين كافة وله بهم أسوة رضوان الله عليه فعلى قول أبي عثمان لا شكر له ولا مدح أيضا(٥) بإيصال أموال المسلمين إليهم. وأما أن عليا كان مخفقا يعال ولا يعول واستفاد الرباع والمزارع والعيون والنخيل ومات ذا مال وأوقاف إن ذلك يوازي كل شيء ملكه أبو بكر(٦) فإن الذي يرد على ملقح الفتن في(٧) ذلك(٨) أن تكراره كون عليعليه‌السلام يعال إشارة إلى كون أمير المؤمنين في تربية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا(٩) وصمة في ذلك ولا مذلة ولو لم يكن أخاه وابن عمه العزيز عليه القريب إليه.

ولقد أحسن أمية بن أبي الصلت(١٠) مادح عبد الله بن

__________________

(١) السماك: والسماكان كوكبان نيران في السماء.

(٢) ن: للاولى. والاوالي جمع الاول.

(٣) ق: نسقي.

(٤) العثمانية: ٩٧.

(٥) لا توجد في: ج.

(٦) العثمانية: ٩٨.

(٧) ج: من.

(٨) لا توجد في: ن.

(٩) ج: ولا.

(١٠) امية بن عبد الله ابي الصلت بن ابي ربيعة شاعر جاهلي ادرك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يسلم يقال انه كان قد نظر في الكتب وقراها ولبس المسوح تعبدا والتمس الدين وطمع في النبوة لانه

٢٤١

جدعان(١) في قوله

عطاؤك زين لامرئ إن حبوته

يزين وما كل العطاء يزين

فما إن يشين باذلا حر وجهه

إليك كما بعض العطاء يشين(٢) .

ولقد سعد وتمجد من كان مغذوا بطعام الرسول وكنف أشرف بذول يجمع له بين الغذاءين غذاء الطعام المعتاد والحكمة الهادية إلى طريق الرشاد ود من ملك ما بين خافقي المغارب والمشارق أن يكون مغذوهما المتشرف بهما.

ويؤكد الجواب عن تعيير(٣) أمير المؤمنينعليه‌السلام بالإخفاق فنقول:

علا المجد فانخزلت(٤) دونه

نقائص لا ترتقي مجده

__________________

قرأ في الكتب ان نبيا يبعث من العرب فكان يرجو ان يكونه، فلما بعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حسده عدو الله فكان يحرض قريشا بعد وقعة بدر وكان يرثي من قتل من قريش في وقعة بدر.

انظر: الاغاني: ٤ / ١٢٠ والشعر والشعراء لابن قتيبة: ١٧٦ وتهذيب الاسماء: ١ / ١٢٦ واعلام الزركلي: ٢ / ٢٣.

(١) عبد الله بن جدعان التيمي القرشي احد الاجواد المشهورين في الجاهلية ادرك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل النبوة وكانت له جفنة ياكل منها الطعام القائم والراكب فوقع فيها صبي فغرق وهو الذي خاطبه امية بن ابي الصلت بابيات اشتهر منها قوله:

ااذكر حاجتي ام قد كفاني

حياءك ان شيمتك الحياء

انظر: تاريخ اليعقوبي: ١ / ٢١٥ وخزانة البغدادي: ٣ / ٥٣٧ واعلام الزركلي: ٤ / ٧٦ والاغاني: ج ٣ و ٤ و ٨.

(٢) البيتان كما وردا في الديوان: ٤٩٩.

عطاءك زين لامرئ ان حبوته

بخير وما كل العطاء يزين

وليس بشيء لامرئ بذل وجهه

اليك كما بعض السؤال يشين

(٣) ق: تعبير.

(٤) انخزل: في كلامه انقطع ومن المكان انفرد ( المنجد ).

٢٤٢

وحنت إليه مزايا العلاء(١)

فنجم السماء غدا عبده

فكل كمال له صاحب

يدافع عن مجده ضده.

وأما ما استفادهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنه لم يخلفه بعده للوارث كما روى عنه بعض بنيه في وصفه ولقد تصدق بعين كأنها عنق جزور وقال لتطفئ عني حر النار شارحا لخوفه من الله تعالى وقد سئل هل كان علي يخاف؟

ونعم المال ما وسع المضطرين وجبر المكسورين ونقع غلة الصادين.

وقد صرح عدو رسول الله بوقفهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد روينا في صحيح الآثار صورة حال وقفيته من ذلك:

هذا ما أوصى به علي(٢) ابتغاء وجه الله ليولجني به الجنة ويصرفني به عن النار.

ويقول بعد كلام هذه صدقة واجبة بتلة(٣) حيا أنا أو ميتا تنفق في كل نفقة أبتغي بها وجه الله في سبيل الله ووجهه وذوي الرحم من بني هاشم وبني المطلب القريب(٤) .

وفي رواية أخرى معتبرة الغرض منها أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قسم الفيء فأصاب عليا أرض فاحتفر فيها عينا فخرج منها ماء ينبع في السماء كهيئة عنق الجزور فسماها عين ينبع فجاء البشير ليبشره فقال بشر الوارث بشر الوارث هي صدقة بتا بتلا في حجيج بيت الله وعابري سبيله الغرض من الحديث(٥) .

__________________

(١) ق: العلى.

(٢) في المصادر: هذا ما اوصى به وقضى به في ماله عبد الله على الى اخره.

(٣) بتلة: مقطوعة، اي مقطوعة عن صاحبها لا رجعة له فيها.

(٤) المصادر: بزيادة والبعيد انظر: الكافي: ٧ / ٤٩ كتاب الوصايا، والتهذيب: ٩ / ١٤٦ كتاب الوقوف والصدقات.

(٥) الكافي: ٧ / ٥٤ كتاب الوصايا والتهذيب: ٩ / ١٤٨ كتاب الوقوف والصدقات.

٢٤٣

إذا عرفت هذا فلو لا أن ملقح الفتن عدو مبين لأمير المؤمنين صلوات الله عليه ما كان يعد هذه المقاصد في قبيل المعايب

إذا محاسني اللائي أمت(١) بها

صارت ذنوبا(٢) فقل لي كيف أعتذر

علي نحت المعاني(٣) من أماكنها

وما علي لهم أن تفهم البقر(٤) .

هل يعيب عاقل ساعيا في مواد الإحسان إلى الفقراء والقرباء والحج إلى بيت الله الحرام هذا رأي مهين ممن اعتمده مزاج سوء ممن قصده وغير مستغرب ذلك من خليط ابن الزيات(٥) وعشيرة

__________________

(١) ق: امث وفي ديوان البحتري: ادل.

(٢) في الديوان: كانت ذنوبي.

(٣) في الديوان: القوافي من مقاطعها.

(٤) البيتان هما للبحتري ( ٨٢٠ - ٨٩٧ ) من قصيدة يمدح بها علي بن مر الارمني مطلعها:

الشيب زجر له لو كان ينزجر

وبالغ منه لو لا انه حجر

(٥) هو ابو جعفر محمد بن عبد الملك بن ابان بن حمزة المعروف بابن الزيات، وزّر لثلاثة خلفاء من بني العباس وهم: المعتصم والواثق والمتوكل.

كان ابوه زياتا الا انه كان كثير المال، وكان محمد شديد القسوة، صعب العريكة، لا يرق لاحد ولا يرحمه وكان يقول: الرحمة خور في الطبيعة.

وكان ابن الزيات المذكور قد اتخذ تنورا من حديد، واطراف مساميره المحددة الى داخل، وهي قائمة مثل رووس المسال في ايام وزارته وكان يعذب فيه المصادرين، وارباب الدواوين المطلوبين بالاموال، ولم يسبقه احد الى هذه المعاقبة، وكان اذا قال له احد منهم: ايها الوزير ارحمني، فيقول له: الرحمة خور في الطبيعة فلما اعتقله المتوكل، امر بادخاله في التنور وقيده بخمسة عشر رطلا من الحديد فقال: يا أمير المؤمنين ارحمني، فقال له: الرحمة خور في الطبيعة.

قتل ابن الزيات سنة ٢٣٣.

قال ابن خلكان: وكان الجاحظ منقطعا اليه ( يعني ابن الزيات ) فخاف ان يوخذ مع اسبابه فغاب.

٢٤٤

المتقلب(١) في حطامه المغذو بشبهات طعامه. وهذا يوضح لك حيف سفه الساقط إذ مدح أبا بكر بكثرة المال وإنفاقه في سبيل الله مما لم يثبت برهانه وعاب أمير المؤمنين بكثرة المال مع إقراره بما وقفه في سبيل الله من الوقوف المتعددة وشهدت به الروايات من ذلك وغيره من نفقته في سبيل الله.

وأما أنه خلف ذهبا أو فضة فإن صاحب كتاب الاستيعاب قال(٢) وثبت عن الحسن بن علي من وجوه أنه قال لم يترك أبي إلا ثمانمائة درهم أو سبعمائة فضلت من عطائه كان يعدها لخادم يشتريها لأهله(٣)

__________________

وحكى ابن ابي العيناء قال: كنت عند ابن ابي دؤاد بعد قتل ابن الزيات فجيء بالجاحظ مقيدا وكان في اسبابه وناحيته وعند ابن ابي دؤاد محمد بن منصور، وهو اذ ذاك يلي قضاء فارس وخوزستان فقال ابن ابي دؤاد للجاحظ: ما تاويل هذه الآية:( وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ) هود: ١٠٢ فقال: تلاوتها تاويلها اعز الله القاضي، فقال: جيئوا بحداد، فقال اعز الله القاضي، ليفك عني أو يزيدني؟ فقال: بل ليفك عنك، فجيء بالحداد وغمزه بعض أهل المجلس ان يعنف بساق الجاحظ ويطيل اسره قليلا، ففعل، فلطمه الجاحظ وقال: اعمل عمل شهر في يوم وعمل يوم في ساعة وعمل ساعة في لحظة، فان الغرر على ساقي وليس بجذع ولا ساجة، فضحك ابن ابي دواد وأهل المجلس منه، وقال ابن ابي دواد لمحمد بن منصور: انا اثق بظرفه ولا اثق بدينه. انظر وفيات الاعيان: ٥ / ٩٤ - ١٠٣ وترجمة ابن الزيات الى: مروج الذهب: ٤ / ٥ - ٦ وتاريخ ابن الاثير: ٧ / ٣٦.

(١) ج ون: المنقلب.

(٢) المصدر بزيادة: قد.

(٣) الاستيعاب: ٣ / ١١١٢.

ورواه ايضا الحاكم في مستدركه: ٣ / ١٧٣.

بسنده عن علي بن الحسين عليهما‌السلام قال: خطب الحسن بن علي عليهما‌السلام على الناس حين قتل علي عليه‌السلام ، فحمد الله واثنى عليه ثم قال: لقد قبض في هذه الليلة رجل لا يسبقه الاولون ولا يدركه الاخرون، وقد كان رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلّم يعطيه رايته فيقاتل وجبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره فما يرجع حتى يفتح الله عليه، وما ترك على أهل الارض صفراء ولا بيضاء الا سبعمائة درهم فضلت من عطاياه اراد ان يبتاع بها خادما لاهله ( الحديث ).

٢٤٥

__________________

وذكره ايضا ابو نعيم في حلية الاولياء: ١ / ٦٥ بسنده عن هبيرة بن يريم، ان الحسن بن عليعليهما‌السلام قام وخطب الناس وقال: لقد فارقكم رجل بالامس لم يسبقه الاولون، ولا يدركه الاخرون بعلم، كان رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلّم، يبعثه فيعطيه الراية فلا يرتد حتى يفتح الله عزّ وجلّ عليه، جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره، ما ترك صفراء ولا بيضاء الا سبعمائة فضلت عن عطاءه اراد ان يشتري بها خادما.

وروى هذا ايضا ابن سعد في طبقاته: ٣ / ٢٥ باختلاف يسير في اللفظ واورد ابن سعد في طبقاته: ج ٣ القسم ١ ص ٢٦ بسنده عن هبيرة بن يريم قال:

لما توفي علي بن ابي طالب عليه‌السلام قام الحسن بن علي عليهما‌السلام فصعد المنبر فقال: ايها الناس قبض الليلة رجل لم يسبقه الاولون ولا يدركه الاخرون، قد كان رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم يبعثه البعث فيكتنفه جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله فلا ينثني حتى يفتح الله له، وما ترك الا سبعمائة درهم اراد ان يشتري بها خادما ولقد قبض في الليلة التي عرج فيها بروح عيسى بن مريم ليلة سبع وعشرين من رمضان.

وذكر الهيثمي في مجمعه: ٩ / ١٢٦، قال:

عن ابي الطفيل قال: خطبنا الحسن بن علي عليهما‌السلام فحمد الله واثنى عليه وذكر أمير المؤمنين عليه‌السلام خاتم الاوصياء ووصيّ الانبياء وامين الصديقين والشهداء ( ثم قال ): يا ايها الناس لقد فارقكم رجل ما سبقه الاولون، ولا يدركه الاخرون، لقد كان رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلم يعطيه الراية فيقاتل جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره فما يرجع حتى يفتح الله عليه، ولقد قبضه الله في الليلة التي قبض فيها وصي موسى وعرج بروحه في الليلة التي عرج فيها بروح عيسى بن مريم عليه‌السلام وفي الليلة التي انزل الله عزّ وجلّ فيها الفرقان والله ما ترك ذهبا ولا فضة وما في بيت ماله الا سبعمائة وخمسون درهما فضلت من عطاءه واراد ان يشتري بها خادما لام كلثوم.

ولقد روى النسائي في صحيحه: ص ٨ والمتقى في كنز العمال: ٦ / ٤١٢ والمحب الطبري في ذخائر العقبى: ص ١٣٨ احاديث بالمضامين المتقدمة.

وروى ابن عبد البر في الاستيعاب: ٢ / ٤٦٥ قال:

وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن ابي حيان التيمي عن ابيه قال: رأيت علي بن ابي طالب عليه‌السلام على المنبر يقول: من يشتري مني سيفي هذا؟ فلو كان عندي ثمن ازار ما بعته، فقام اليه رجل فقال: نسلفك ثمن ازار ( قال ) قال عبد الرزاق: وكانت بيده الدنيا كلها الا ما كان من الشام.

وروى هذا ايضا ابن سعد في طبقاته: ٦ / ١٦٥ عن ابي رجاء وقال: خرج علي عليه‌السلام

٢٤٦

قال صاحب كتاب الاستيعاب وأما تقشفه في لباسه ومطعمه فأشهر من هذا كله وذكر دليله في حال كسوته صلى الله عليه(١) وفي بعض ما نقلته أنه كان يختم على جراب فيه قوته لئلا يلت(٢) بدهن(٣) وكان صلّى الله

__________________

بسيف له الى السوق فقال: لو كان عندي ثمن ازار لم ابعه.

وذكره المتقى ايضا فى كنز العمال: ٦ / ٤٠٩.

عن علي بن الارقم عن ابيه قال: رأيت علي بن ابي طالب عليه‌السلام يعرض سيفا له في رحبة الكوفة ويقول: من يشتري مني سيفي هذا؟ والله لقد جلوت به غير مرة عن وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولو ان عندي ثمن ازار ما بعته.

ورواه ايضا ابو نعيم في حلية الاولياء: ١ / ٨٣ باختلاف يسير في اللفظ.

(١) الاستيعاب: ٣ / ١١١٢.

(٢) لتّ: الشيء دقه وسحقه ولت السويق: بله بشيء من الماء ( المنجد ).

(٣) وروى احمد بن حنبل في مسنده: ١ / ٧٨ بسنده عن عبد الله بن زرير انه قال:

دخلت على علي بن ابي طالب عليه‌السلام يوم الاضحى فقرب الينا حريرة ( دقيق يطبخ بلبن أو دسم. ) فقلت: اصلحك الله لو قربت الينا من هذا البط - يعني الوزر - فان الله عزّ وجلّ قد اكثر الخير، فقال: يا ابن زرير اني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: لا تحل للخليفة من مال الله الا قصعتان قصعة ياكلها هو واهله وقصعة يضعها بين يدي الناس.

وروى ابو نعيم في حلية الاولياء: ١ / ٨١.

بسنده عن عبد الله بن شريك عن جده عن علي بن ابي طالب عليه‌السلام انه اتى بفالوذج ( حلواء تعمل من الدقيق والماء والعسل. ) فوضع قدامه فقال: انك طيب الريح، حسن اللون، طيب الطعم لكن اكره ان اعود نفسي ما لم تعتده.

والمتقى في كنز العمال: ٢ / ١٦١ قال:

عن ابي جعفر قال: اكل علي عليه‌السلام من تمر دقل ثم شرب عليه الماء ثم ضرب على بطنه وقال: من ادخله بطنه في النار فابعده الله ثم تمثل:

فانك مهما تعط بطنك سؤله

وفرجك نالا منتهى الذم اجمعا

وابو نعيم في حلية الاولياء: ١ / ٨٢ بسنده عن زيد بن وهب قال:

قدم على علي عليه‌السلام وفد من اهل البصرة فيهم رجل من اهل الخوارج يقال له الجعد بن نعجة فعاتب عليا عليه‌السلام في لبوسه فقال علي عليه‌السلام : مالك وللبوسي؟ ان لبوسي

٢٤٧

عليه ينشد في تضاعيف ما روى عنه السيد الرضي من كلامه

__________________

ابعد من الكبر واجدر ان يقتدي بي المسلم.

وذكره ايضا المحب الطبري في الرياض النضرة: ٢ / ١٣٤.

وابن الاثير في اسد الغابة: ٤ / ٢٣ بسنده عن ابي نعيم قال:

سمعت سفيان يقول: ما بنى علي عليه‌السلام لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة وان كان ليوتى بحبوته من المدينة في جراب.

وايضا في اسد الغابة: ٤ / ٢٤ بسنده عن ابي بحر عن شيخ لهم قال:

رأيت على علي عليه‌السلام ازارا غليظا قال: اشتريته بخمسة دراهم فمن أراد اربحني فيه درهما بعته، قال: ورأيت معه دراهم مصرورة فقال: هذه بقية نفقتنا من ينبع.

وأيضا اسد الغابة: ٤ / ٤٤ بسنده عن أبي النوار بياع الكرابيس: قال:

اتاني علي بن ابي طالب عليه‌السلام ومعه غلام له فاشترى مني قميصي كرابيس فقال لغلامه:

اختر ايهما شئت فاخذ احدهما واخذ علي عليه‌السلام الاخر فلبسه ثم مد يده فقال: اقطع الذي يفضل من قدر يدي فقطعه ولبسه وذهب.

والمتقى في كنز العمال: ٦ / ٤٠٩ قال:

عن عمرو بن قيس قال: رئي على علي عليه‌السلام ازار مرقوع فقيل له فقال: يقتدي به المؤمن ويخشع به القلب.

وايضا في كنز العمال: ٦ / ٤١٠ قال:

عن زيد بن وهب قال: خرج علينا علي عليه‌السلام وعليه رداء وازار قد وثقه بخرقة فقيل له: فقال: انما البس هذين الثوبين ليكون ابعد لي من الزهو وخيرا لي في صلاتي وسنة للمؤمنين.

والمحب الطبري في الرياض النضرة: ٢ / ٢٣٠ قال:

وعن ابن عباس قال: اشترى علي بن ابي طالب عليه‌السلام قميصا بثلاثة دراهم وهو خليفة وقطع كمه من موضع الرسغين وقال: الحمد لله الذي هذا من رياشه.

المتقى في كنز العمال: ٦ / ٤١٠ قال:

عن ابي مطر قال: خرجت من المسجد فاذا رجل ينادي خلفي: ارفع ازارك فانه اتقى لربك واتقى لثوبك وخذ من راسك ان كنت مسلما، فاذا هو علي عليه‌السلام ومعه الدرة فانتهى الى سوق الابل فقال: بيعوا ولا تحلفوا فان اليمين تنفق السلعة وتمحق البركة ثم اتى صاحب التمر فاذا خادم تبكي فقال: ما شانك؟ فقالت: باعني هذا تمرا بدرهم فابى مولاي ان يقبله، فقال: خذه واعطها درهما فانه ليس لها امر فكأنّه ابى فقلت: الا تدري من هذا؟ قال: لا، قلت: علي أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فصب تمره واعطاها درهمها وقال: احب ان ترضى

٢٤٨

وحسبك داء أن تبيت ببطنة

وحولك أكباد تحن إلى القد

وأما أنه أكثر التزويج(١) معيرا له بذلك فإن ذلك طعن على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ كانت سنته حثه على ذلك.

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المكثر من النساء مات عن تسع وعلى هذا فطعن أبي عثمان طعن على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فذكره لعلي إسرار للحسو في الارتغاء وطعن على الكتاب المجيد في قوله تعالى( لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) (٢) وقد قال سفيان بن عيينة(٣) إن كثرة النساء ليس من الدنيا فإنه لم يكن في الصحابة أزهد من علي بن أبي طالب وكان له سبع عشرة سرية وأربع نسوة.

__________________

عني يا أمير المؤمنين قال: ما ارضاني عنك اذا وفيتهم ثم مر مجتازا حتى انتهى الى اصحاب السمك فقال: لا يباع في سوقنا طافي ثم اتى دار بزاز وهي سوق الكرابيس فقال: يا شيخ احسن بيعي في قميص بثلاثة دراهم فلما عرفه لم يشتر منه شيئا، ثم اتى غلاما حدثا فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم ولبسه ما بين الرسغين الى الكعب، فجاء صاحب الثوب فقيل له: ان ابنك باع من امير المؤمنين قميصا بثلاثة دراهم، قال: فهلا اخذت منه بدرهمين فاخذ الدرهم ثم جاء به الى عليعليه‌السلام فقال: امسك هذا الدرهم، قال: ما شانه؟ قال: كان قميصنا ثمنه درهمين باعك ابني بثلاثة دراهم قال: باعني برضاي واخذت برضاه.

(١) العثمانية: ٩٨.

(٢) الاحزاب: ٢١ تتمتها:( لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً ) .

(٣) سفيان بن عيينة بن ابي عمران ميمون الهلالي الكوفي.

سكن مكة وأصله من الكوفة، كان صاحب حديث ورواية، فقد روى عن جماعة كالزهري وابي اسحاق السبيعي، كما روى عنه طائفة منهم الشافعي ويحيى بن اكثم القاضي. ولد سفيان في منتصف شعبان سنة ١٠٧ ه‍ وتوفي في جمادى الاخرة سنة ١٩٨ وقيل غير ذلك انظر: وفيات الاعيان: ٢ / ٣٩١ والجرح والتعديل: ٤ / ٢٢٥ وتهذيب التقريب: ٤ / ١١٧.

٢٤٩

وأما ما ذكره من تعيير معاوية له بالطلاق المتكاثر(١) فإني أراه واهما أو معاندا وفي السيرة أنهعليه‌السلام كان يعتذر عن الطلاق بعزة من عنده من النسوان عليه.

وأما أن أبا بكر رضوان الله عليه أوصى أن ترد عمالته(٢) فهو قول لا يمكننا الجواب عنه.

ومدح أبا بكر رضوان الله عليه بنزول الآي فيه(٣) قال وليس هو كمن ذكره في جملة المؤمنين وجمهور الأنصار والمهاجرين وأعاد ذكر عائشة رضوان الله عليها وقذفها وأن الله تعالى أنزل براءتها(٤) .

وهو قول ساقط بعيد من الأنفة وكرر قصة الغار وقد ذكرنا ما عندنا في ذلك واستجهلنا المشار إليه وأنه(٥) منافق في كونه لا يعرف ما نزل في أمير المؤمنينعليه‌السلام أو بعضه من الآي وهو لو ضبط احتاج إلى عدة أجزاء(٦) .

ومنع(٧) أن يكون الذي نزلت عليه السكينة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنه كان رابط الجأش وهذا الجاهل بالسنة ما كأنه كان سمع القرآن ولا يهمه فهمه ولا علمه لأن الله تعالى قال في غير هذا الموضع في سورة الفتح ما يشهد بجهل أبي عثمان - بالكتاب أو معاندته قال الله تعالى( فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً ) (٨)

__________________

(١) العثمانية: ٩٨.

(٢) العثمانية: ٩٨.

(٣) العثمانية: ٩٩.

(٤) العثمانية: ١١٢.

(٥) ق: فانه.

(٦) ن بزيادة: او انه منافق.

(٧) ق: يمنع.

(٨) الفتح: ٢٥ واولها:( إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ ) .

٢٥٠

وأطال الكلام الغث في التعلق(١) بحديث الغار وحكى أقوالا واردة عليه والبحث الغث المطول مما تسأمه النفوس وتعافه العقول ثم كرر حديث مسطح قاذف عائشة بالزناء فلا أحسن الله تعالى جزاءه وأسحقه(٢) .

[ و ](٣) قال وكذب إن أهل التأويل أجمعوا على أنه عنى بقوله( وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما ) (٤) عبد الرحمن بن أبي بكر في أبيه(٥) وأمه(٦) .

والدليل على كذبه وأنه ممن لا يوثق برواياته وحكاياته إما لجهله البين أو كذبه الشنيع والأولى أن يقال أنه احتوى على القسمين.

قال الثعلبي في غضون تفسير سورة الأحقاف قال محمد بن زياد كتب معاوية إلى مروان حتى يبايع الناس ليزيد فقال عبد الرحمن بن أبي بكر لقد جئتم بها هرقلية أتبايعون لأبنائكم فقال مروان هذا الذي يقول الله فيه( وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما ) الآية فسمعت عائشة بذلك فغضبت وقالت(٧) والله ما هو به ولو شئت لسميته ولكن الله لعن أباك وأنت في صلبه وأنت(٨) فضض(٩) من لعنه الله(١٠) .

وأقول إن الذي أشار إليه لو ثبت لم يحسن أن يذكر من غرر مناقب من

__________________

(١) ما بين المعقوفتين لا توجد في: ن.

(٢) ه‍ ق: اسخفه.

(٣) لا توجد في: ق.

(٤) الاحقاف: ١٧ وتتمتها:( أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ) .

(٥) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ج وق.

(٦) العثمانية: ١١٣.

(٧) ن: فقالت.

(٨) ن: فانت.

(٩) فضض: كل متفرق ومنتشر يقال خرج فضض من الناس أي فرق متفرقة ( المنجد ).

(١٠) الكشف والبيان: مخطوط.

٢٥١

ارتضاه جمع كثير(١) للخلافة وعولوا عليه في الرئاسة ولو صدر هذا من امرأة ما استكبر منها فكيف من مثله؟

مع ذلك فإن الحائد عن الطريق سب رجلا مسلما بعد إسلامه وادعى أن الجميع رووا كراهيته(٢) الإسلام وما كان الأمر كذا وكيف يليق بعاقل أن يذكر مثل هذا مخايرا بينه وبين فعلات العزمات الهاشميات - رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي(٣) وحمزة وجعفر وعبيدة بن الحارث وكونهم دعوا إلى الإسلام متعرضين لشبا الرماح وظبا الصفاح ومنازلة أهل الكفاح حتى قتل حمزة وجعفر وعبيدة في هاتيك المقامات وكسرت رباعية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعنى الجميع عائد إليه.

ويشابه هذا ما ادعى من كون(٤) الحاضرين في بعض الغزوات على ما سلف من بني تيم أكثر من الهاشميين تفضيلا لأبي بكر رضوان الله عليه.

وأما هوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنه كان في هاتيك المزاحف مجلي غياباتها مفرج كرباتها ممدوح إله الأرض والسماوات(٥) يحطم القرون ويخالط المنون ويستسهل الحزون(٦) ويجرع كأس الأهوال ولا يتهيبها ويرتع منابت الأخطار ولا يتجنبها حتى قامت دعائم الدين ووهت قوائم المعادين فله بذلك الحقوق الجمة على كل مسلم صحت عقيدته بل وإن فسدت طريقته إذ كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صادم الخطوب ليقرر قواعد الإسلام ويسفر وجه الحق ويهدي أهل الضلالة خارجين عن الآثام.

__________________

(١) ق وج: كبير.

(٢) ن: كراهية.

(٣) ما بين المعقوفتين لا توجد في: ق.

(٤) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ج وق.

(٥) ن: ارضها وسماواتها.

(٦) الحزون: مفرده الحزن ( بالفتح ) ما غلظ من الارض ( المنجد ).

٢٥٢

مزايا إذا ما قابل الشمس ضوؤها

محا ضوؤها منه السناء المحلق(١)

يحلي ذرى تيجانها الحق إذ حوى(٢)

شوارد قد أضنى(٣) علاها التفرق(٤) .

قال واجتمع أهل التأويل على أن قوله( أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (٥) نزلت في أبي بكر وأبي جهل(٦) .

أقول إني اعتبرت ما اتفق من كتب التفسير تصانيف أهل السنة فما رأيت لما ادعى الاتفاق عليه ذكرا أصلا(٧) ومن فظيع سوء الأدب قوله قوله إشارة(٨) إلى إله الوجود غير معظم ولا مفخم ولا ذاكر له أصلا(٩) .

[ و ](١٠) قال وقال(١١) تعالى( فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى ) الآية(١٢) يعني أبا بكر في إنفاقه المال وعتقه الرقاب والمعذبين( وَتَوَلَّى ) (١٣) يعني أبا جهل وليس في الأرض صاحب تأويل خالف تأويلنا ولا

__________________

(١) في الهامش: للمصنف لا عدمت الدنيا انواره.

(٢) ن: هوى.

(٣) ن: اخنى. وق: اضبى. واضنى: اذا تمكن منه الضعف والهزال ( المنجد ).

(٤) ن: التعلق.

(٥) الملك: ٢٢.

(٦) العثمانية: ١١٣ - ١١٤.

(٧) لا توجد في: ن.

(٨) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.

(٩) فان الجاحظ قال: واجتمع أهل التاويل على ان « قوله »: افمن يمشي الى اخره فلم يات بكلمة تدل على تفخيم الا له سبحانه وتعالى.

(١٠) لا يوجد في: ق.

(١١) لا يوجد في: ن.

(١٢) الليل: ٥ و ٦.

(١٣) اشارة الى الآية ١٦ من سورة الليل:( الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى ) .

٢٥٣

رد قولنا إن هذه الآية نزلت في أبي بكر -(١) .

والذي أقول على هذا إنه كذب من عدة وجوه أنا حاكيها عن(٢) جهة لا تتهم ولا تستغش.

قال الثعلبي الشيخ المقدم(٣) في علم التفسير الشافعي وقال أبو عبد الرحمن السلمي والضحاك( وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى ) لا إله إلا الله وهي رواية عطية عن ابن عباس وقال مجاهد بالجنة ودليله قوله( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى ) (٤) وقال قتادة ومقاتل والكلبي موعود الله.

وقال ما صورته وقيل نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديقرضي‌الله‌عنه ولم يسند ذلك ولا حكاه عن مفسر(٥) .

ورواه أيضا مرفوعا من طريق هشام بن عروة عن سالم وعن هشام بن عروة عن أبيه وآل الزبير وجههم عبد الله وشيخهم ومقدمهم وكان عدوا للبيت العلوي.

ورواها أيضا عن ابن الزبير عن سعيد بن المسيب غير مرفوع وهذا الذي حكيناه يظهر منه كذب المشار إليه لأنه ادعى أن معنى( الْحُسْنى ) الصدقة التي وقعت منه إجماعا.

وقد حكيت عن جماعة ليس المراد( بِالْحُسْنى ) الصدقة.

وجه ثان في الأخذ عليه إذ حكى أن الجملة الأخيرة نزلت في أبي جهل

__________________

(١) العثمانية: ١١٤.

(٢) ن: من.

(٣) لا توجد في: ن.

(٤) يونس: ٢٦ وتتمتها:( وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ، أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) .

(٥) الكشف والبيان: مخطوط.

٢٥٤

إجماعا وحكى الثعلبي عن الكلبي أنها نزلت في أبي سفيان بن حرب(١) .

وجه ثالث في الأخذ عليه في ادعائه الإجماع على أنها نزلت في أبي بكر قال الثعلبي وأخبرنا أبو القاسم يعقوب بن أحمد بن السروي العروضي في درب الحاجب أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله العماني الحفيد حدثنا محمد بن سوار بن شبان(٢) حدثنا علي بن حجر عن إسحاق بن نجيح عن عطاء قال كان لرجل من الأنصار نخلة وكان له جار وكان يسقط من نخلها في دار(٣) جاره وكان صبيانه يتناولون فشكا ذلك إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعنيها بنخلة في الجنة فأبى قال فخرج فلقيه أبو الدحداح فقال له(٤) هل لك أن تبعنيها(٥) بحبس يعني حائطا فقال هي لك فأتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال يا رسول الله أتشتريها مني بنخلة في الجنة قال نعم هي لك فدعى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جار الأنصاري فقال خذها فأنزل الله تعالى( وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى ) إلى قوله( إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ) (٦) أبو الدحداح والأنصاري صاحب النخلة( فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى ) (٧) أبو الدحداح( وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى ) (٨) يعني الثواب وإن( الْأَشْقَى ) (٩) صاحب

__________________

(١) الكشف والبيان: مخطوط.

(٢) ن: سنان.

(٣) ن: داره ولا توجد فيها كلمة ( جاره ).

(٤) لا توجد في: ج ون.

(٥) ن: تبيعنيها.

(٦)( وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى. وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى. وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى. إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ) الليل:١ - ٤.

(٧) الليل: ٥.

(٨) الليل: ٦.

(٩) اشارة الى الآية:( لا يَصْلاها إِلاَّ الْأَشْقَى ) الليل: ١٥.

٢٥٥

النخلة قال( وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى ) (١) يعني أبا الدحداح( الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى ) (٢) أبا الدحداح( وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى ) (٣) يكافئه بها يعني أبا الدحداح فكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمر بذلك الحبس وعذوقه دانية فيقول عذوق وأي عذوق لأبي الدحداح في الجنة.

وروى بعض أشياخنا(٤) عن ابن عباس أنها نزلت في أبي الدحداح وروى الواحدي في الوسيط(٥) وما يبعد أن يكون منحرفا عن أهل بيت النبوة قال حدثنا الشيخ أبو معمر المفضل بن إسماعيل إملاء بجرجان سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة أخبرنا أبو الحسن علي بن عمر الحافظ حدثنا(٦) أبو الحسن علي بن الحسين(٧) بن هارون حدثنا العباس بن عبد الله اليرفعي(٨) حدثنا حفص بن عمر حدثنا الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس وذكر قصة النخلة(٩) وبين القصتين تفاوت ولم يذكر أبا الدحداح بل ذكر رجلا

__________________

(١) الليل: ١٧.

(٢) الليل: ١٨.

(٣) الليل: ١٩.

(٤) لعله الشيخ الطبرسي فقد ذكر ذلك في تفسيره مجمع البيان: ١٠ / ٥٠١ و ٥٠٢.

(٥) الوسيط: مخطوط.

(٦) في المصدر: اخبرنا وكذلك البقية.

(٧) ن: الحسن وكذا في المصدر.

(٨) ن: اليرفقى وفي المصدر الترقفى.

(٩) قال في اسباب النزول ص ٢٥٤:

ان رجلا كانت له نخلة فرعها في دار رجل فقير ذي عيال وكان الرجل اذا جاء ودخل الدار فصعد النخلة لياخذ منها التمر فربما سقطت التمرة فياخذها صبيان الفقير فينزل الرجل من نخلته حتى ياخذ التمرة من فمهم، فان وجدها في فم احدهم ادخل اصبعه حتى يخرج التمرة من فيه فشكا الرجل ذلك الى النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم واخبره بما يلقى من صاحب النخلة فقال له النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم: اذهب ولقى صاحب النخلة وقال: تعطيني نخلتك المائلة التي فرعها في دار فلان ولك بها نخلة في الجنة؟ فقال له الرجل: ان لي نخلا كثيرا وما فيها نخلة اعجب اليّ ثمرة منها، ثم ذهب الرجل فلقى رجلا هو ابن الدحداح كان يسمع الكلام من

٢٥٦

مجهولا فقال(١) بعد ذلك فأنزل(٢) الله تعالى( وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ) (٣) ثم حكى عن المفسرين بعد ذلك أنها نزلت في أبي بكر(٤) ولا أعرف في رجال الحديثين اللذين رويناهما مقولا فيه متهما في الافتراء.

إذا عرفت هذا ظهر لك أن أبا عثمان رجل رديء جدا أو جاهل جدا وكيف تقلبت الحال فهو غير صالح للقاء الخصوم ومبارزة فرسان المباحث ومتى فتح باب الجهل والعناد فتح على أبي عثمان من ذلك ما لا طاقة له به وهو يأباه.

قال وأما قوله تعالى( قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ) إلى قوله تعالى( أَلِيماً ) (٥) فزعم ابن عباس أن القوم بنو حنيفة وأن أبا بكر تولى حربهم وزعم غيره أنهم فارس والروم فإن المستثير إلى

__________________

رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فقال: يا رسول الله اتعطيني ما اعطيت الرجل نخلة في الجنة ان انا اخذتها؟ قال: نعم، فذهب الرجل فلقى صاحب النخلة فساومها منه فقال له:اشعرت ان محمدا اعطاني بها نخلة في الجنة؟ فقلت: يعجبني ثمرها، فقال له الاخر: اتريد بيعها؟ قال: لا الا ان اعطي بها مالا اظنه اعطى، قال: فما مناك؟ قال: اربعون نخلة قال له الرجل: لقد جئت بعظيم تطلب بنخلتك المائلة اربعين نخلة ثم سكت عنه، فقال له: انا اعطيك اربعين نخلة، فقال له: اشهد لي ان كنت صادقا فمر ناس فدعاهم فاشهد له باربعين نخلة، ثم ذهب الى النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فقال: يا رسول الله ان النخلة قد صارت في ملكي فهي لك، فذهب رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم الى صاحب الدار فقال: ان النخلة لك ولعيالك، فانزل الله تبارك وتعالى ( وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى. وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى. وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى. إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ) .

(١) ق: وبعد ذلك.

(٢) ق: انزل.

(٣) الليل: ١ - ٤.

(٤) انظر اسباب النزول: ٢٥٤ و ٢٥٥.

(٥) الفتح: ١٦ والآية كاملة هي( قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً ) .

٢٥٧

قتال الروم أبو بكر وإن كان عمر هو المقاتل لكسرى فإن ذلك راجع إلى أبي بكر(١) قال ومثل هذا كثير ولم يجئ المجيء الذي يحتج به المنصف والمرشد ولكن الحجة القاطعة وإجماع المفسرين في الآيات التي ذكرناها من قبل في قصة الغار والنصرة وفي قصة مسطح وفي قصة عبد الرحمن بن أبي بكر وأبويه ودعائهما(٢) إلى الإسلام وقصة أبي بكر وأبي جهل(٣) .

والذي أقول على هذا إنه لا يلزم من الدعاء إلى قتال المشركين رئاسة من دعاهم بل كل مدعو إلى الصواب يتعين عليه الانبعاث سواء كان ذلك من رئيس أو مرءوس شريف أو مشروف.

وأما ما يتعلق بالغار فقد ذكرنا ما عندنا فيه وقد ذكرنا ما يتعلق بمسطح وكذا ما يتعلق بعبد الرحمن وذكرنا ما يصلح للورود على كونه رضوان الله عليه دعا أبويه إلى الإسلام وذكرنا الجواب عن قصة أبي بكر وأبي جهل ومع ذلك فإن أبا عثمان أكثر ما يفيده التعلق بقصة أبي بكر رضوان الله عليه وأبي جهل أنه رضوان الله عليه مسلم أو نحو هذا وهذا لا ينبغي أن يذكر في معرض المفاخرة لأمير المؤمنينعليه‌السلام إذ قد روينا من طريق أرباب الحديث أنه ما نزلت آية( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) إلا وعلي أميرها حسب ما سلف(٤) .

وروى الثعلبي الشافعي السني بإسناده ولا أعرف فيه إماميا عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سباق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين علي بن أبي طالب

__________________

(١) العثمانية: ١١٤.

(٢) في المصدر بزيادة: له.

(٣) العثمانية: ١١٥.

(٤) تقدمت الاشارة اليه ص (٧٠).

٢٥٨

وصاحب يس ومؤمن آل فرعون فهم الصديقون حبيب النجار مؤمن آل يس وحزقيل مؤمن آل فرعون وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم الغرض من الحديث(١) .

وأغفلت شيئا ذكره أبو عثمان فإنه قال وقد زعم جويبر عن الضحاك في قوله( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) (٢) قال أبو بكر وعمر ولم يسند أبو عثمان(٣) ذلك(٤) .

قال وقد زعم(٥) عن الفضل بن دلهم عن الحسن في قوله( فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) (٦) قال وهم والله أبو بكر وأصحابه(٧) ولم يسند ذلك.

__________________

(١) الكشف والبيان: مخطوط. وذكر المتقي في كنز العمال: ٦ / ١٥٢ قال: الصديقون ثلاثة:حزقيل مؤمن آل فرعون، وحبيب النجار صاحب آل يس، وعلي بن ابي طالب. وذكر هذا ايضا السيوطي في الدر المنثور: ٢ في ذيل تفسير قوله تعالى ( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ ) قال: واخرجه البخاري في تاريخه عن ابن عباس. وذكره ايضا المناوي في فيض القدير: ٤ / ٢٣٧ وابن حجر في الصواعق المحرقة: ص ٧٤. وايضا في كنز العمال: ٦ / ١٥٢ قال: الصديقون ثلاثة، حبيب النجار مؤمن آل يس، ( قالَ: يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ) ، وحزقيل مؤمن آل فرعون الذي قال: ( أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ ) ، وعلي بن ابي طالب وهو افضلهم. وذكره ايضا السيوطي في الدر المنثور: في ذيل تفسير قوله تعالى: ( وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ ) وذكره كذلك المناوي في فيض القدير: ٤ / ٢٣٨ والمحب الطبري في ذخائر العقبى: ص ٥٦ وفي الرياض النضرة: ٢ / ١٥٣.

(٢) التوبة: ١١٩.

(٣) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ق.

(٤) العثمانية: ١١٤.

(٥) في المصدر بزيادة: وكيع.

(٦) المائدة: ٥٤ والآية:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ) .

(٧) العثمانية: ١١٥.

٢٥٩

والعجب ممن يصادم الرجال مهملا الاحتياط والتحرز.

والذي أقول عند هذا:

إن أبا عثمان كفانا مئونة البحث في هذه الجملة لأنه ضعفها وزيفها ونضرب عن هذا ونقول: إن أبا نعيم الحافظ وليس من عداد الإمامية قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد قال حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون(١) قال حدثنا محمد بن مروان عن محمد بن السائب عن أبي صالح عن ابن عباس(٢) ( اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) (٣) قال هو علي بن أبي طالبعليه‌السلام (٤) .

وروى الثعلبي عن ابن عباس أنها نزلت في علي وأصحابه وذكر غير ذلك(٥) .

وأما الآية الأخرى فإن الواحدي(٦) حكى حكاية أنها في أبي بكر

__________________

(١) ما بين المعقوفتين لا يوجد في: ن.

(٢) ن بزيادة: في.

(٣) التوبة: ١١٩ وقبلها:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) .

(٤) ما نزل من القرآن في علي: مخطوط.

(٥) الكشف والبيان: مخطوط. وذكر نزول هذه الآية بشان عليعليه‌السلام :

الكنجي الشافعي في كفاية الطالب: ١١١ وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص: ٢٠ والسيوطي في الدر المنثور: ٣ / ٢٩٠ وقال:

واخرج ابن عساكر عن ابي جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى: ( وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) قال: مع علي بن ابي طالب عليه‌السلام .

والآلوسي في روح المعاني: ١١ / ٤١ والقندوزي في ينابيع المودة: ١١٩.

(٦) لم اعثر عليه في ( اسباب النزول )، بالطبعة التي بين يدي. اقول روى نزول آية( فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) الثعلبي في تفسيره الكشف والبيان ( على ما في احقاق الحق ٣ / ١٩٨ ) والرازي في تفسيره: ١٢ / ٢٠ والنيشابوري في تفسيره: ٦ / ١٤٣ ( بهامش الطبري ط الميمنية بمصر ).

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

ملاحظتان

١ ـ هل أنّ القلب هو مركز الإحساسات؟

ظاهر الآية الأولى من هذه الآيات ، كما هو ظاهر بعض آيات أخرى من القرآن ، أنّ مركز الأمراض الأخلاقية هو القلب.

إنّ هذا الكلام يمكن أن يعارضه في البداية هذا الإشكال ، وهو أنّنا نعلم أن كل الأوصاف الأخلاقية والمسائل الفكرية والعاطفية ترجع إلى روح الإنسان ، وليس القلب إلّا مضخة أتوماتيكية لنقل الدم وتغذية خلايا البدن.

هذا حقّ طبعا ، فإنّ القلب له وظيفة إدارة جسم الإنسان ، والمسائل النفسية مرتبطة بروح الإنسان ، لكن توجد هنا نكتة دقيقة إذا ما لوحظت سيتّضح رمز هذا التعبير القرآني ، وهي أنّ في جسم الإنسان مركزين كل منهما مظهر لبعض الأعمال النفسية للإنسان ، أي أنّ كلا من هذين المركزين إذا تأثر بالانفعالات النفسية فإنّه سيظهر رد الفعل مباشرة : أحدهما المخ ، والآخر القلب.

عند ما نبحث المسائل الفكرية في محيط الروح ، فإنّ انعكاس ذلك التفكير سيتّضح فورا في المخ ، وبتعبير آخر فإنّ المخ آلة تساعد الروح في مسألة التفكر ، ولذلك فإنّ الدم يدور بصورة أسرع في المخ في حالة التفكير ، وتتفاعل خلايا المخ بصورة أكبر ، وبالتالي سوف تمتص كمية أكبر من الغذاء وترسل أمواجا أكثر.

أمّا عند ما يكون الكلام والبحث حول المسائل العاطفية كالعشق والمحبّة ، والتصميم والإرادة والغضب والحقد والحسد ، والعفو والصفح ، فإنّ نشاطا عجيبا يبدأ في قلب الإنسان ، فأحيانا تشتد ضرباته ، وأحيانا تقل إلى الحد الذي يظن معه أنّه سيتوقف عن العمل ، ونشعر أحيانا أن قلبنا يريد أن ينفجر. كل ذلك نتيجة للارتباط الوثيق للقلب مع هذه المسائل.

لهذه الجهة ينسب القرآن المجيد الإيمان إلى القلب ، فيقول :( وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ

٣٨١

فِي قُلُوبِكُمْ ) (١) . ويعبر عن الجهل والعناد وعدم الإذعان للحق بأنّه عمى القلب :( وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) (٢) .

ومن نافلة القول ، فإن مثل هذه التعبيرات ليست مختصة بالقرآن ، بل تلاحظ في أدب اللغات المختلفة في الأزمنة الغابرة ، وتلاحظ اليوم أيضا مظاهر هذه المسألة بأشكال مختلفة. فغالبا ما نقول للشخص الذي نحترمه ونحبّه : إنّ لك مكانا في قلوبنا ، أو أنّ قلوبنا منشدة إليك ، والأدباء يجسدون هذا المعنى ويجعلون سنبلة العشق نابعة من القلب دائما.

كل ذلك لأنّ الإنسان يحس دائما بتأثير خاص في قلبه في حالة العشق والغرام ، أو الحقد والحسد ، أي أنّ أوّل قدحة في هذه المسائل النفسية عند انتقالها إلى الجسم تتجلّى في القلب.

إضافة إلى كل هذا ، فقد أشرنا سابقا إلى أن أحد معاني القلب في اللغة هو عقل وروح الإنسان ، ومعنى ذلك أن القلب لا ينحصر بهذا العضو الخاص الموجود داخل الصدر ، وهذا بنفسه يمكن أن يكون تفسيرا آخر لآيات القلب ، لكن لا جميعها ، لأن بعضها صرحت بأنّها القلوب التي في الصدور ـ دققوا ذلك ـ.

٢ ـ ما هو الفرق بين الفضل والرحمة؟

هناك بحث مفصّل بين المفسّرين في الفرق بين الفضل والرحمة اللذين أشير إليهما في الآية الثّانية.

أ ـ فالبعض اعتبر الفضل الإلهي إلى النعم الظاهرية. والرحمة إشارة إلى النعم الباطنية ، وبتعبير آخر إنّ إحداها النعم المادية ، والأخرى النعم المعنوية. وقد جاءت مرارا في آيات القرآن جملة :( وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ ) أو( لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ )

__________________

(١) الحجرات ، ١٤.

(٢) الحج ، ٤٦.

٣٨٢

بمعنى تحصيل الرزق والموارد المادية.

ب ـ وقال البعض الآخر : إنّ الفضل الإلهي بداية النعمة ، ورحمته دوام النعمة. وإذا ما لا حظنا أنّ الفضل هو بذل النعمة وهبتها ، وأن ذكر الرحمة بعد ذلك يجب أن يكون شيئا مضافا على ذلك يتّضح المراد من هذا التّفسير. وما نقرؤه في روايات متعددة من أنّ المراد من الفضل الإلهي هو وجود النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونعمة النّبوة ، وأنّ المراد من رحمة الله وجود عليعليه‌السلام ونعمة الولاية ربّما كان إشارة إلى هذا التّفسير ، لأنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان بداية الإسلام ، والإمام عليعليه‌السلام سبب بقائه واستمراره فأحدهما علّة محدثة وموجدة ، والآخر علّة مبقية(١) .

واحتمل البعض الآخر أن يكون الفضل إشارة إلى نعم الجنّة ، والرحمة إشارة إلى العفو عن الذنب وغفرانه.

ج ـ ويحتمل أيضا أن الفضل إشارة إلى نعمة الله العامّة التي تعم العدو والصديق ، والرحمة ـ بملاحظة كلمة (للمؤمنين) التي ذكرت كقيد للرحمة في الآية السابقة ـ إشارة إلى رحمته الخاصّة بالمؤمنين.

التّفسير الآخر الذي ذكر لهاتين الكلمتين ، هو أنّ فضل الله إشارة إلى مسألة الإيمان، والرحمة إشارة إلى القرآن المجيد الذي سبق الكلام عنه في الآية السابقة.

طبعا ، إنّ أغلب هذه المعاني لا تضاد بينها ، ويمكن أن تجمع جميعها في المفهوم الجامع للفضل والرحمة.

* * *

__________________

(١) للاطلاع على هذه الرّوايات ، راجع تفسير نور الثقلين الجزء ٢ ص ٣٠٧ ـ ٣٠٨.

٣٨٣

الآيات

( قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ (٥٩) وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (٦٠) وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٦١) )

التّفسير

هو الشاهد في كل مكان!

كان الحديث في الآيات السابقة عن القرآن ، والموعظة الإلهية والهداية والرحمة في هذا الكتاب السماوي ، وتتحدث هذه الآيات عن قوانين المشركين المبتدعة والخرافية وأحكامهم الكاذبة ، لأنّ الذي يؤمن بالله ويعلم أن كل

٣٨٤

المواهب والأرزاق منه ، يجب أن يقبل هذه الحقيقة أيضا ، وهي أنّ بيان حكم هذه المواهب من حيث الحلية والحرمة بيده ، وإنّ التدخل في هذا العمل بدون إذنه عمل غير صحيح.

الآية الأولى وجهت الخطاب إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقالت :( قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً ) إذا أنّهم طبقا لسننهم الخرافية حرموا قسما من الدواب باسم «السائبة» و «البحيرة» و «الوصيلة(١) » ، وكذلك حرّموا جزءا من محاصيلهم الزراعية ، وحرموا أنفسهم من هذه النعم الطاهرة المحلّلة ، إضافة إلى ذلك فإن كون الشيء حراما أو حلالا ليس مرتبطا بكم ، بل هو مختص بأمر الله خالق تلك الموجودات.

ثمّ تقول :( قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ ) ، أي إنّ لهذا العمل صورتين لا ثالث لهما : فأمّا أن يكون بإذن الله ، أو أنّه تهمة وافتراء ، ولما كان الاحتمال الأوّل منتفيا ، فلم يبق إلّا الثّاني.

الآن وقد أصبح من المسلم أنّ هؤلاء بهذه الأحكام الخرافية المبتدعة ، إضافة إلى أنّهم حرموا من النعم الإلهية ، فإنّهم قد افتروا على الساحة الإلهية المقدسة ، ولذلك تضيف الآية :( وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ) ولذلك فإنّه لسعة رحمته لا يعاقب هؤلاء فورا على أعمالهم القبيحة.

إلّا أنّ هؤلاء بدل أن يستغلوا هذه الفرصة الإلهية ويشكروا الله على ذلك وينيبوا إليه ، فإنّ أكثرهم غافلون :( وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ ) .

ويحتمل في تفسير هذه الآية أيضا ، أن كون كل هذه المواهب والأرزاق ـ عدا

__________________

(١) (البحيرة) هي الحيوان الذي يلد عدّة مرّات ، و (السائبة) هو البعير الذي أنتج عشرة أو اثني عشر ولدا ، و (الوصيلة) كانت تطلق على الغنم إذا ولدت سبعة بطون. ولمزيد التوضيح راجع تفسير الآية (١٠٣) من سورة المائدة.

٣٨٥

الأشياء المضرة والخبيثة المستثناة ـ محللة هو بنفسه نعمة إلهية كبرى ، وإنّ كثيرا من الناس بدل أن يؤدوا شكر هذه النعمة ، فإنّهم يكفرون بها ، ويحرّمون أنفسهم من هذه النعمة بأحكامهم الخرافية وممنوعاتها.

وحتى لا يتصور أحد أنّ هذه المهلة الإلهية دليل على عدم إحاطة علم الله سبحانه بكل أعمال هؤلاء ، فإنّ آخر آية من آيات البحث تبيّن هذه الحقيقة بأبلغ عبارة وتوضح أن الله مطلع على كل ذرات الموجودات في خفايا السماء والأرض ، ومطلع على دقائق أعمال العباد ، فتقول :( وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ) (١) .

«الشهود» جمع شاهد ، وهو في الأصل بمعنى الحضور المقترن بالمشاهدة بالعين أو القلب أو الفكر ، والتعبير بالجمع إشارة إلى أنّ الله سبحانه ليس وحده المراقب لأعمال البشر ، بل إنّ الملائكة المطيعين لأمره مطلعون أيضا على كل هذه الأعمال وناظرون إليها.

وكما أشرنا سابقا ، فإنّ التعبير بصيغة الجمع في حق الله سبحانه مع أنّ ذاته المقدسة أوحدية من جميع الجهات ، إشارة إلى عظمة مقامه ، وأن له دائما مأمورين مطيعين مستعدين لتنفيذ أمره والواقع فإن الكلام ليس عن الله وحده ، بل عنه وعن كل هؤلاء المأمورين المطيعين.

ثمّ تعقب الآية على مسألة اطلاع الله على كل شيء بتأكيد أكبر ، فتقول :( وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ ) .

«يعزب» مأخوذة من العزوب ، وهو في الأصل بمعنى الابتعاد عن البيت والأهل في سبيل إيجاد وتهيئة المراتع للأغنام والحيوانات ، ثمّ استعملت بمعنى الغيبة

__________________

(١) لقد أرجع البعض ضمير (منه) إلى الله ، أي إن الآيات التي تتلوها من الله ، إلّا أن الضمير يرجع إلى الشأن أو القرآن ظاهرا ، كما قاله كثير من المفسّرين ، أي الآيات التي تتلوها في كل عمل مهم ، أو الآيات التي تتلوها من القرآن.

٣٨٦

والاختفاء بصورة مطلقة.

«والذّرة» بمعنى الجسم الصغير جدّا ، ولذلك يقال للنمل الصغير : ذرة. ولمزيد التوضيح راجع تفسير الآية (٤٠) من سورة النساء.

«الكتاب المبين» إشارة إلى علم الله الواسع ، والذي يعبر عنه أحيانا باللوح المحفوظ، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع في تفسير الآية (٥٩) من سورة الأنعام.

* * *

ملاحظات

١ ـ إنّ الآيات أعلاه قد أثبتت ضمن عبارات قصيرة هذه الحقيقة ، وهي أنّ حق التشريع مختص بالله ، وكل من يقدم على مثل هذا العمل بدون إذنه وأمره ، فإنّه يكون قد افترى على الله ، لأنّ كل الهبات والأرزاق تنزل من عنده ، وإنّ الله سبحانه هو المالك الأصلي لها في الحقيقة ، وبناء على هذا فإنّ له الحق في أن يجعل بعضها مباحا والبعض الآخر غير مباح.

ومع أنّ أوامره في هذا المجال تهدف الى نفع العباد وتكاملهم وليس له أدنى حاجة لهذا العمل ، إلّا أنّه على كل حال هو صاحب الإختيار والتشريع ، وقد يرى أنّ من المصلحة إعطاء أحد العباد كالنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حق هذا العمل في حدود معينة. كما يستفاد من روايات متعددة ـ أيضا ـ أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد حرم بعض الأمور أو أوجبها ، والذي عبرت عنه الرّوايات ب (فرض النّبي). ومن الطبيعي أنّ كل أوامره ونواهيه في حدود ما خوله الله سبحانه من الصلاحيات ، وحسب أمر الله.

إنّ جملة( آللهُ أَذِنَ لَكُمْ ) دليل أيضا على أن من الممكن أن يجيز الله أحدا بمثل هذه الإجازة.

إنّ هذا البحث مرتبط بمسألة «الولاية التشريعية» ، والتي سنبيّنها بصورة أكثر تفصيلا في محل آخر إن شاء الله تعالى.

٣٨٧

٢ ـ إنّ تعبير الآيات أعلاه عن الرزق بالنزول ـ مع أنّنا نعلم أنّ المطر هو الوحيد الذي ينزل من السماء ـ إمّا لأنّ هذه القطرات المباركة تشكل الأساس لكل الأرزاق ، أو لأنّ المراد هو «النزول المقامي» الذي أشرنا إليه سابقا ، ومثل هذا التعبير يلاحظ في المكالمات اليومية ، فمثلا إذا صدر أمر من شخص كبير ، أو هبة ما إلى شخص صغير ، فيقولون : إنّ هذا الأمر صدر من الأعلى ، أو أنّه وصلنا من فوق.

٣ ـ لقد أثبت علماء الأصول بجملة( آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ ) قاعدة عدم حجية الظن ، وقالوا : إنّ هذا التعبير يوضح أنّه لا يمكن إثبات أي حكم من الأحكام الإلهية بدون القطع واليقين ، وإلّا فإنّه افتراء على الله وحرام. (لنا بحوث في هذا الاستدلال ذكرناها في مباحث علم الأصول).

٤ ـ إنّ الآيات أعلاه تعطينا درسا آخر ، وهو أنّ التشريع مقابل شريعة الله دين الجاهلية ، حيث كانوا يعطون لأنفسهم الحق في وضع الأحكام مع ضيق أفكارهم وضحالتها ، ولكن لا يمكن أن يكون المؤمن الحقيقي كذلك مطلقا. وما نراه في عصرنا الحاضر من أنجماعة يتحدثون عن الله والإسلام ، وفي الوقت نفسه يمدون يد الاستجداء نحو قوانين الآخرين غير الإسلامية ، أو يسمحون لأنفسهم بأن يطرحوا جانبا قوانين الإسلام باعتبارها غير قابلة للتطبيق ويشرّعون بأنفسهم القوانين ، فإنّ هؤلاء من أتباع سنن الجاهلية أيضا.

إنّ الإسلام الواقعي لا يقبل التجزئة ، فعند ما قلنا : إنّنا مسلمون ، فيجب أن نعترف بكل قوانينه فما يقال من أن قوانين الإسلام غير قابلة بأجمعها للتنفيذ وهم باطل لا أساس له ، وهو ناشئ من التغريب وانهيار الشخصية.

طبعا ، إنّ الإسلام ـ نظرا لشموليته ـ قد أطلق لنا في بعض المسائل اتخاذ مقررات وقوانين مناسبة مع ذكر الأصول العامّة حتى نستطيع أن ننظم احتياجات كل عصر وزمان حسب تلك الأصول بالاستشارة والتشاور ، ثمّ نضعها في حيز

٣٨٨

التنفيذ.

٥ ـ أكّدت الآية الأخيرة حين الإشارة إلى سعة علم الله على ثلاث مسائل وقالت : إنّك لا تكون في حالة نفسية معينة ، ولا تتلو أية آية ، ولا تقوم بأي عمل إلّا ونحن شاهدون عليك وناظرون إليك.

إنّ هذه التعبيرات الثلاثة إشارة إلى أفكار وأقوال وأعمال البشر ، أي إنّ الله تعالى كما ينظر إلى أعمالنا ، فإنّه يسمع كلامنا ، وهو مطلع على أفكارنا ونيّاتنا ، ولا يخرج عن إحاطة علم الله شيء منها.

ولا شك أنّ النية والحالات الروحية تقع في المرحلة الأولى ، والقول يأتي بعدها ، ثمّ يتبعهما العمل والتنفيذ ، ولهذا قد ورد نفس الترتيب في الآية.

ثمّ إنّنا نرى أنّ القسم الأوّل والثّاني قد ذكرا بصيغة المفرد ، والخطاب موجه إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أمّا القسم الثّالث فإنّه ورد بصيغة الجمع والخطاب موجه لعامّة المسلمين ، ويمكن أن يكون ذلك باعتبار أن اتّخاذ القرار في البرامج الإسلامية مرتبط بقائد الأمّة وهو النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما أن تلقي آيات القرآن من الله وتلاوتها يتمّ عن طريقة ، إلّا أنّ العمل بهذه البرامج والأوامر متعلق بكل الأمّة ، ولا يستثنى من ذلك أحد.

٦ ـ لقد بيّنت آخر هذه الآيات درسا كبيرا لكل المسلمين درس يستطيع أن يسلك بهم طريق الحق ويصرفهم عن الانحرافات والطرق الملتوية درس فيه صلاح المجتمع مع التوجّه اليه ، وهو : إنّنا يجب أن نعي هذه الحقيقة ، وهي أن كل خطوة نخطوها ، وكل كلام نقوله ، وكل فكرة تخطر في أذهاننا ، ولأي جهة ننظر ، وعلى أي حال نكون ، فليس الله سبحانه وحده يراقبنا ونحن على هذه الأحوال والأفعال ، بل إنّ ملائكته تراقبنا أيضا ، وينظرون إلينا بكل دقة وانتباه.

إنّ أدنى حركة في خفايا السماء والأرض لا تخفي على علمه ونظره ، بل إنّها تثبت كلّها في ذلك اللوح المحفوظ الذي لا طريق للغلط والاشتباه والاختلاف

٣٨٩

إليه في صفحة علم الله اللامتناهي في فكر الملائكة المقربين وكتّاب أعمال الآدميين في ملفنا وصحيفة أعمالنا كلنا.

ولم يكن ذلك بدون مبرر وعلة حيث يقول الإمام الصادق : «كان رسول الله إذا قرأ هذه الآية بكى بكاء شديدا»(١) فإذا كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع كل ذلك الإخلاص والعبودية ، ومع كل تلك الخدمة للخلق والعبادة للخالق خائفا من عمله في مقابل علم الله ، فإنّ حالنا وحال الآخرين معلوم.

* * *

__________________

(١) مجمع البيان الجزء الخامس ص ١١٦ ذيل الآية.

٣٩٠

الآيات

( أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٦٣) لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٤) وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٥) )

التّفسير

طمأنينة الروح في ظل الإيمان :

لما شرحت الآيات السابقة بعضا من حالات المشركين والأفراد غير المؤمنين ، بيّنت هذه الآيات حال المؤمنين المخلصين المجاهدين المتقين الذين يقعون في الطرف المقابل لأولئك تماما ، حتى يعرف النور من الظلمة ، والسعادة من الشقاء من خلال المقارنة بينهم كما هو شأن القرآن وطريقته دائما.

تقول الآية أوّلا :( أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) ومن أجل فهم دقيق لمحتوى هذا الكلام لا بدّ أن نعرف معنى الأولياء جيدا.

«الأولياء» جمع ولي ، وقد أخذت في الأصل من مادة : ولي ، يلي ، بمعنى عدم وجود واسطة بين شيئين ، وتقاربهما وتتابعهما ، ولهذا يطلق على كل شيء له نسبة

٣٩١

القرابة والقرب من شيء آخر سواء كان من جهة المكان أو الزمان أو النسب أو المقام ، بأنّه ولي ، ومن هنا استعملت هذه الكلمة بمعنى الرئيس والصديق وأمثال ذلك.

بناء على هذا ، فإنّ أولياء الله هم الذين لا يوجد حاجب وحائل بينهم وبين الله ، فقد زالت الحجب عن قلوبهم ويتقلبون في نور المعرفة والإيمان والعمل الخالص ، ويرون الله بعيون قلوبهم بحيث لا يجد الشك أي طريق إلى تلك القلوب الوالهة ، وبالنظر لهذه المعرفة بالله الأزلي والقدرة اللامحدودة والكمال المطلق ، فإنّ كل شيء سوى الله حقير في نظرهم ولا قيمة له ، وفان لا أهمية له.

إنّ من يرى المحيط يزهد في القطرة ، ومن ينظر الى نور الشمس لا يهتم بنور الشمعة.

ومن هنا يتّضح أنّ هؤلاء لماذا لا يخافون ، لأنّ الخوف ينشأ عادة من احتمال فقدان النعم التي يمتلكها الإنسان ، أو من الأخطار التي يمكن أن تهدده في المستقبل ، كما إنّ الغم والهم يرتبط عادة بما يتعلق بالماضي ، ويستولي على الإنسان نتيجة فقدانه لإمكانيات وثروات كانت تحت يده.

إنّ أولياء وأحباء الله الحقيقيين متحررون من كل أشكال الارتباط والتعلق بعالم المادة ، ويحكم «الزهد» بمعناه الحقيقي وجودهم ، فهم لا يجزعون من فقدان الممتلكات المادية ولا يخافون من المستقبل ، ولا يشغلون أفكارهم بمثل هذه المسائل. وبناء على ذلك فإن الغموم والأخاويف التي ترتبط بالماضي والمستقبل ، والتي تجعل الآخرين في حال اضطراب وقلق دائم، لا سبيل لها إلى وجود هؤلاء.

إنّ الماء في الإناء الصغير قد يهتز من نفخة إنسان ، لكن المحيط الكبير لا يتأثر حتى بالعاصفة ، ولذلك سمّوه المحيط الهادي :( لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا

٣٩٢

تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ ) (١) . فلم يكن لهم تعلّق بما كان في أيديهم سابقا ، ولا يصيبهم الغم والحزن في اليوم الذي سيفارقونه ، فإنّ روحهم أكبر ، وفكرهم أسمى من أن تؤثر فيهم مثل هذه الحوادث في الماضي والمستقبل.

على هذا الأساس فإنّ الأمن والطمأنينة الواقعية هي الحاكمة على وجودهم ، وعلى حدّ قول القرآن :( أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ ) (٢) ، وبتعبير آخر :( أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) (٣) .

والخلاصة هي أنّ الحزن والخوف عند البشر يتولّدان عادة من حبّ الدنيا ، فمن الطبيعي أن لا يصيب هؤلاء الذين نفضوا أيديهم وقلوبهم من حبها خوف ، أو حزن.

كان هذا هو البيان الاستدلالي للمسألة ، وقد يعرض هذا الموضوع أحيانا ببيان آخر يتخذ شكلا عرفانيا بهذه الصورة : إنّ أولياء الله غارقون في صفات جماله وجلاله ، وذائبون في مشاهدة ذاته المقدسة إلى الحد نسوا كل شيء غيره ، ومعلوم أنّ الغم والحزن والخوف والوحشة تحتاج حتما إلى تصور فقدان وخسارة شيء ما ، أو مواجهة عدو أو موجود خطر ، فمن لم يجعل لغير الله مكانا في قلبه ولا طريقا الى فكره ، ولا يقبل في روحه إله غيره ، كيف يمكن أن يغتم ويخاف ويستوحش؟

لقد اتّضحت ممّا قلناه هذه الحقيقة أيضا ، وهي أنّ المقصود من الغموم هي الغموم المادية والأخاويف الدنيوية ، وإلّا فإنّ وجود أولياء الله مملوء بالخوف والخشية الخوف من عدم أداء الواجبات والمسؤولية. والأسف والحسرة على أن يكون قد فاتهم شيء من الموفقية ، ولهذا الخوف والحسرة صفة معنوية ، فهما أساس تكامل وجود الإنسان ورقيّه ، بعكس الخوف والحزن الدنيويين فهما

__________________

(١) الحديد ، ٢٣.

(٢) الأنعام ، ٨٢.

(٣) الرعد ، ٢٨.

٣٩٣

أساس الانحطاط والتسافل.

يقول أمير المؤمنينعليه‌السلام في خطبته المعروفة مع همام ، حيث يجسد فيها حالات أولياء الله في أرقى وصف : «قلوبهم محزونة ، وشرورهم مأمونة» ، ثمّ يقول : «ولو لا الأجل الذي كتب الله عليهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين ، شوقا إلى الثواب ، وخوفا من العقاب»(١) .

ويقول القرآن المجيد ـ أيضا ـ في شأن المؤمنين :( الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ ) (٢) . وبناء على ذلك فإنّ لهؤلاء خوفا آخر.

هناك بحث بين المفسّرين فيمن هم المقصودون من أولياء الله ، إلّا أنّ الآية الثّانية وضحت المطلب وأنهت النقاش ، فهي تقول :( الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ ) .

الملفت للنظر أنّها ذكرت الإيمان بصيغة الفعل الماضي المطلق ، والتقوى بصيغة الماضي الاستمراري ، وهذا إشارة إلى أنّ إيمان هؤلاء قد بلغ حد الكمال ، إلّا أن التقوى التي تنعكس في العمل اليومي ، وتتطلب كل يوم وكل ساعة عملا جديدا ، ولها صفة تدريجية ، فإنّها قد ظهرت على هؤلاء بصورة برنامج دائمي ومسئولية متواصلة.

نعم إنّ الذين يرتكزون على هذين الركنين الأساسيين : الدين والشخصية ، يحسون بدرجة من الطمأنينة داخل أرواحهم بحيث لا تهزهم أية عاصفة من عواصف الحياة. بل يقفون أمامها كالجبل ، كما وصفهم الحديث : «المؤمن كالجبل الراسخ لا تحركه العواصف».

وتوكّد الآية الثّالثة على مسألة عدم وجود الخوف والغم والوحشة في شخصية وقلوب أولياء الحق بهذه العبارة :( لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ ) وعلى هذا فهم ليسوا خالين من الخوف والغم وحسب ، بل إنّ البشارة والفرحة والسرور

__________________

(١) نهج البلاغة ، خطبة ١٩٣. صبحي الصالح.

(٢) الأنبياء ، ٤٩.

٣٩٤

بالنعم الكثيرة والمواهب الإلهية الا محدودة في هذه الدنيا والآخرة من نصيبهم.

(ينبغي الانتباه إلى أن البشرى قد ذكرت مع ألف ولام الجنس بصورة مطلقة ، فهي تشمل أنواع البشارات).

ثمّ تضيف من أجل التأكيد أيضا :( لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ ) بل هي ثابتة حقّة ، وأن الله سبحانه سيفي بما وعد به أولياءه ، و( ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) .

وحولت الآية الخطاب إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمثل رأس سلسلة أولياء الله وأحبائه مخاطبة له بلحن المواساة وتسلية الخاطر :( وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً ) ولا يمكن أن يقوم العدو بعمل مقابل إرادة الحق ، فإنّه تعالى عالم بكل خططهم ودسائسهم. ف( هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) .

* * *

ملاحظتان

وهنا ملاحظتان ينبغي التوقف عندهما :

١ ـ ما هو المراد من البشارة في الآية؟

هناك بحث وجدال بين المفسّرين في المراد من البشارة التي أعطاها الله في الآيات أعلاه لأوليائه في الدنيا والآخرة ، فالبعض اعتبرها مختصة بالبشارة التي تقدمها الملائكة للمؤمنين عند الاحتضار والموت ،( وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ) (١) .

والبعض الآخر يعتبرها إشارة إلى وعود الله بالنصر والتغلب على الأعداء ، والحكم في الأرض ما داموا مؤمنين وصالحين.

وقد فسّرت هذه البشارة في بعض الرّوايات بأنّها المنامات الجيدة التي يراها المؤمنون.

__________________

(١) السجدة ، ٣٠.

٣٩٥

إلّا أنّه ، وكما قلنا ، فإنّ إطلاق هذه الكلمة ، وألف لام الجنس في البشرى قد أخفيا فيها مفهوما واسعا بحيث أنّها تشمل كل نوع من البشارة وفرحة الإنتصار والموفقية ، ويندرج فيها كل ما ذكر أعلاه ، وفي الواقع فإنّ كلا منها إشارة إلى زاوية من هذه البشارة الإلهية الواسعة.

وربّما كان ما فسّرت به البشرى في بعض الرّوايات بأنّها المنامات الحسنة والرؤيا الصالحة إشارة إلى أن كل البشارات حتى الصغيرة منها ، تدخل أيضا في مفهوم البشرى ، لا أنّها منحصرة بها.

الواقع. وكما قيل سابقا أيضا ، فإنّ هذا هو الأثر التكويني والطبيعي للإيمان والتقوى حيث تبتعد عن روح الإنسان أشكال الاضطراب والقلق المتولدة من الشك والتردد ، وكذلك المتولدة من الذنب والتلوّث والفجور ، فكيف يمكن أن يشعر بالراحة والاطمئنان من لا إيمان له ، ومن ليس له متكأ معنوي يعتمد عليه في أعماق روحه؟!

إنّه يبقى في سفينة وسط بحر هائج متلاطم الأمواج تقذف به الأمواج العظيمة في كل جانب وصوب وقد فتحت دوامات البحر أفواهها لابتلاعه!!

كيف يمكن أن يهدأ بال ويطمئن خاطر من تلطخت يداه بالظلم والجور وإراقة دماء الناس وغصب أموال وحقوق الآخرين؟ إنّه ـ وبخلاف المؤمنين ـ لا يتمتع حتى بالنوم الهادىء ، وغالبا ما يرى المنامات المرعبة التي يرى نفسه فيها مشتبكا مع العدو ، وهذا بنفسه دليل على اضطراب روح هؤلاء.

من الطبيعي أنّ الشخص الجاني ـ خاصّة إذا كان مطاردا ـ يرى في عالم الرؤيا أشباحا مرعبة قد أحكمت الطوق لإلقاء القبض عليه ، أو أنّ روح ذلك المقتول المظلوم تصرخ في أعماق ضميره وتعذبه ، ولهذا فإنّه عند ما يستيقظ يقول كيزيد : مالي وللحسين؟ أو يقول ما قاله الحجاج : مالي ولسعيد بن جبير؟!

٣٩٦

٢ ـ الرّويات الواردة عن أهل البيتعليهم‌السلام

لقد وردت في تفسير الآيات أعلاه روايات رائعة عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، نشير إلى بعض منها :

تلا أمير المؤمنين عليعليه‌السلام الآية :( أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ ) ثمّ سأل أصحابه : أتعلمون من هم أولياء الله؟ فقالوا : أخبرنا بهم يا أمير المؤمنين ، فقال : «هم نحن وأتباعنا ، فمن تبعنا من بعدنا طوبى لنا ، وطوبى لهم أفضل من طوبى لنا» ، قالوا : يا أمير المؤمنين ، ما شأن طوبى لهم أفضل من طوبى لنا؟ ألسنا نحن وهم على أمر؟ قال : «لا، إنّهم حملوا ما لم تحملوا عليه ، وأطاقوا ما لم تطيقوا»(١) .

وفي كتاب كمال الدين : روي عن أبي بصير عن الصّادقعليه‌السلام أنّه قال : «طوبى لشيعة قائمنا المنتظرين لظهوره في غيبته ، والمطيعين له في ظهوره ، أولئك أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون»(٢) .

ويروي أحد أصحاب الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : إنّ أتباع هذا المذهب يرون في أواخر لحظات عمرهم ما تقّر به أعينهم ، قال الراوي : فقلت له بضع عشرة مرّة : أي شيء؟ فقال في كلّها : «يرى» لا يزيد عليها ، ثمّ جلس في آخرها فقال : «أبيت إلّا أن تعلم»؟ فقلت : نعم يا ابن رسول الله ثمّ بكيت ، فرق لي ، فقال : «يراهما والله» فقلت : بأبي وأمي من هما؟ فقال : «ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليعليه‌السلام لن تموت نفس مؤمنة أبدا حتى تراهما». ثمّ قال : «إن هذا في كتاب الله» فقلت : أين ، جعلني الله فداك؟ قال : «في يونس ، قول الله ها هنا :( الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ ) »(٣) .

ولدينا روايات أخرى بمضمون هذه الرّواية.

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٢ ، ص ٣٠٩.

(٢) المصدر السابق.

(٣) نور الثقلين ، الجزء ٢ ، ص ٣١٠ (باختصار).

٣٩٧

ومن الواضح أنّ هذه الرّواية إشارة إلى قسم من بشارات المؤمنين المتقين ، لا جميعها ، وواضح ـ أيضا ـ أن هذه المشاهدة ليست مشاهدة جسم مادي. بل مشاهدة الجسم البرزخي بالنظر البرزخي ، لأنّا نعلم أنّ روح الإنسان تبقى على جسمها البرزخي في عالم البرزخ الذي يمثل الفاصل بين هذه الدنيا وعالم الآخرة.

* * *

٣٩٨

الآيتان

( أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (٦٦) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٦٧) )

التّفسير

جانب من آيات عظمته :

تعود الآيات أعلاه مرّة أخرى إلى مسألة التوحيد والشرك والتي تعتبر واحدة من أهم مباحث الإسلام ، وبحوث هذه السورة ، وتجرّ المشركين إلى المحاكمة وتثبت عجزهم.

فتقول أولا :( أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ ) وإذا كان الأشخاص ملكه ومنه ، فمن الأولى أن تكون الأشياء الموجودة في هذا العالم ملكه ومنه ، وبناء على هذه فإنّه مالك كل عالم الوجود ، ومع هذا الحال كيف يمكن أن يكون مماليكه شركاءه؟

ثمّ تضيف الآية :( وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ

٣٩٩

إِلَّا الظَّنَ ) إذ لا دليل ولا برهان لهم على كلامهم( وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ) .

كلمة «الخرص» وردت في اللغة بمعنى الكذب ، وكذلك وردت بمعنى الحدس والتخمين ، وفي الأصل ـ كما قاله الراغب في مفرداته ـ بمعنى حزر الفواكه ، ثمّ تخمينها على الأشجار ، ولما كان الحدس والتخمين قد يخطئ أحيانا ، فإنّ هذه المادة قد جاءت بمعنى الكذب أيضا.

وأساسا ، فإنّ إتباع الظن والحدس الذي لا يستند إلى أساس ثابت يجرّ الإنسان في النهاية إلى وادي الكذب عادة. والأشخاص الذين جعلوا الأصنام شريكة لله سبحانه لم يكن لهم مستند في ذلك إلّا الأوهام الأوهام التي يصعب علينا اليوم حتى تصورها ، إذ كيف يمكن أن يصنع الإنسان تماثيل ومجسمات لا روح لها ، ثمّ يعتبر ما صنعه وخلقه ربّا له وأنّه هو صاحب إرادته ، وأن أمره بيده؟! يضع مقدراته في يده وتحت تصرفه ويطلب منه حل مشاكله؟! أليست هذه الدعوى من أوضح مصاديق الزيف والكذب؟

بل يمكن استفادة هذا من الآية كقانون كلي عام ـ بدقة قليلة ـ وهو أنّ كل من يتبع الظن والأوهام الباطلة فإنّه سينجرّ في النهاية إلى الكذب إنّ الحق والصدق قائم على أساس القطع واليقين ، أمّا الكذب فإنّه يقوم على أساس التخمينات والظنون والشائعات!

ثمّ ومن أجل إكمال هذا البحث ، وتبيّن طرق معرفة الله ، والابتعاد عن الشرك وعبادة الأوثان ، أشارت الآية الثّانية إلى جانب من المواهب الإلهية التي أودعت في نظام الخلقة والدالّة على عظمة وقدرة وحكمة اللهعزوجل ، فقالت :( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً ) .

إنّ نظام النور والظلمة الذي أكدت عليه آيات القرآن مرارا ، نظام عجيب وغزير الفائدة ، فهو من جهة يضيء عرصة حياة البشر بإفاضة النور في مدّة معينة ويحركها ويبعثها على السعى والجد ، ومن جهة أخرى فإنّه بإرخاء سدول الليل

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608