الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٦

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل9%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 608

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 608 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 261239 / تحميل: 6489
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٦

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

الإمام الهادي عليه السلام

كان هادياً إلى الدِّين وشريعة سيّد المرسلين، ونموذجاً لحسن أخلاق الطيّبين، ومهذباً لأصحابه على شكر النعم.

من ذلك ما في حديث أبي هاشم الجعفري قال: ـ

أصابتني ضيقة شديدة، فصرت إلى أبي الحسن عليّ بن محمّد عليهما السلام..

فأذنَ لي، فلمّا جلست قال: ـ

يا أبا هاشم إنّ نِعَم الله عزّوجلّ عليك، تريد أن تؤدّي شكرها؟

قال أبو هاشم: فوجمتُ، فلم أدرِ ما أقول له.

فابتدأ عليه السلام فقال:

رزَقَك الإيمان فحرّم بدنك على النار، ورزقك العافية فأعانتك على الطاعة، ورزقك القنوع فصانك عن التبذّل.

يا أبا هاشم: إنّما ابتدأتك بهذا لأنّني ظننتُ أنّك تريد أن تشكو لي من فَعَل بك هذا، وقد أمرتُ لك بمائة دينار فخذها (1) .

__________________

(1) بحار الأنوار / ج 50 / ص 129.

٨١

٨٢

الإمام العسكري عليه السلام

كان صاحب معالي الأخلاق الطيّبة حتّى مع أعداءه فضلاً عن مواليه، ففي حديث محمّد بن إسماعيل العلوي قال:

جلس أبو محمّد عليه السلام عند عليّ بن أوتاش وكان شديد العداوة لآل محمّد صلى الله عليه وآله، غليظاً على آل أبي طالب... فما أقام إلّا يوماً حتّى وضع خدّه له، وكان لا يرفع بصره إليه إجلالاً وإعظاماً، وخرج من عنده وهو أحسن الناس بصيرةً، وأحسنهم قولاً فيه (1) .

وهذا يدلّ على أجلّ محاسن الأخلاق التي يكنّ العدوّ له.

ومن ذلك تلاحظ سيرته الطيّبة حتّى مع أخيه جعفر التوّاب وذلك حين حبسه المعتمد العبّاسي، ففي الحديث أنّه حبسه مع أخيه جعفر عند سجّانه عليّ بن جرين.

قال: كان المعتمد يسأل عليّاً عن أخباره في كلّ وقت فيخبره أنّه يصوم النهار، ويصلّي الليل.

فسأله يوماً من الأيّام عن خبره فأخبره بمثل ذلك، فقال له: امض السّاعة إليه

__________________

(1) بحار الأنوار / ج 50 / ص 3307.

٨٣

واقرئه منّي السلام، وقُل له: انصرف إلى منزلك مصاحباً.

قال عليّ بن جرين: فجئت إلى باب الحبس فوجدت حماراً مسرّجاً فدخلت عليه فوجدته جالساً وقد لبس خفّه وطيلسانه وشاشته ـ أي عمامته ـ فلمّا رآني نهض فأدّيت إليه الرسالة فركب.

فلمّا استوى على الحمار وقف.

فقلت له: ما وقوفك يا سيّدي؟

فقال لي: حتّى يجي جعفر.

فقلت: إنّما أمرنبي بإطلاقك دونه.

فقال لي: ترجع إليه فتقول له: خرجنا من دار واحدة جميعاً فإذا رجعت وليس هو معي كان في ذلك ما لا خفاء به عليك فمضى وعاد، فقال له: يقول لك: قد أطلقت جعفراً لك لأنّي حبسته بجنايته على نفسه وعليك، وما يتكلّم به، وخلّى سبيله فصار معه إلى داره (1) .

__________________

(1) بحار الأنوار / ج 50 / ص 314.

٨٤

الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف

وهو صفوة الصفوة من الاُسوة الباقية من رسول الله صلى الله عليه وآله في طيب الأخلاق، ومحاسن الفعال، وعظيم السجايا، مع الأولياء وغير الأولياء.

ففي قضيّة ياقوت الدهّان نقل المحدّث النوري عن المرحوم الشيخ علي الرشتي تلميذ الميرزا الشيرازي قال: ـ

رجعت مرّة من زيارتي أبي عبد الله عليه السلام عازماً للنجف الأشرف من طريق الفرات، فلمّا ركبنا في بعض السفن الصغار التي كانت بين كربلاء وطويريج، رأيت أهلها من أهل الحلّة، ومن طويريج يفترق، طريق الحلّة والنجف، واشتغل الجماعة باللّهو واللّعب والمزاح، رأيت واحداً منهم لا يدخل في عملهم، عليه آثار السكينة والوقار لا يمازح ولا يضاحك، وكانوا يعيبون على مذهبه ويقدحون فيه، ومع ذلك كان شريكاً في أكلهم وشربهم، فتعجّبت منه إلى أن وصلنا إلى محلّ كان الماء قليلاً فأخرَجنا صاحب السفينة منها فكنّا نمشي على شاطىء النهر.

فاتّفق اجتماعي مع هذا الرجل في الطريق، فسألته عن سبب مجانبته عن أصحابه، وذمّهم إيّاه، وقدحهم فيه.

٨٥

فقال: هؤلاء من أقاربي من أهل السُّنّة، وأبي منهم واُمّي من أهل الإيمان، وكنت أيضاً منهم، ولكنّ الله مَنَّ عَليَّ بالتشيّع ببركة الحجّة صاحب الزمان عليه السلام.

فسألت عن كيفيّة إيمانه.

فقال: اسمي ياقوت وأنا أبيع الدّهن عند جسر الحلّة، فخرجت في بعض السنين لجلب الدّهن من أهل البراري خارج الحلّة، فبُعدت عنها بمراحل، إلى أن قضيت وطري من شراء ما كنت اُريده منه، وحملته على حماري ورجعت مع جماعة من أهل الحلّة، ونزلنا في بعض المنازل ونُمنا، وانتبهت فما رأيت أحداً منهم وقد ذهبوا جميعاً، وكان طريقنا في بريّة قفر، ذات سباع كثيرة، ليس في أطرافها معموة إلّا بعد فراسخ كثيرة.

فقمت وجعلت الحمل على الحمار، ومشيت خلفهم فضلَّ عنّي الطريق، وبقيت متحيّراً خائفاً من السباع والعطش في يومه، فأخذت أستغيث بالخلفاء والمشايخ وأسألهم الإعانة، وجعلتهم شفعاء عند الله تعالى، وتضرّعت كثيراً، فلم يظهر منهم شيء، فقلت في نفسي: إنّي سمعتُ من اُمّي أنّها كانت تقول: إنّ لنا إماماً حيّاً يُكنّى أبا صالح يرشد الضالّ، ويُغيث الملهوف، ويُعين الضعيف، فعاهدت الله تعالى إن استغثت به فأغاثني، أن أدخل في دين اُمّي.

فناديته واستغثت به، فإذا بشخص في جنبي، وهو يمشي معي، وعليه عمامة خضراء، قال رحمه الله: وأشار حينئذٍ إلى نبات حافّة النهر، وقال: كانت خضرتها مثل خضرة هذا النبات.

ثمّ دلّني على الطريق وأمرني بالدخول في دين اُمّي، وذكر كلمات نسيتها، وقال: ستصل عن قريب إلى قرية أهلها جميعاً من الشيعة.

قال: فقلت: يا سيّدي أنت لا تجيىء معي إلى هذه القرية؟

فقال ما معناه: لا، لأنّه استغاث بي ألف نفس في أطراف البلاد اُريد أن

٨٦

أغيثهم، ثمّ غاب عنّي.

فما مشيت إلّا قليلاً حتّى وصلت إلى القرية، وكان في مسافة بعيدة، ووصل الجماعة إليها بعدي بيوم.

فلمّا دخلت الحلّة ذهبت إلى سيّد الفقهاء السيّد مهدي القزويني طاب ثراه، وذكرت له القصّة، فعلّمني معالم ديني، فسألت عنه عملاً أتوصّل به إلى لقائه عليه السلام مرّةً اُخرى، فقال: زُر أبا عبد الله عليه السلام أربعين ليلة الجمعة.

قال: فكنت أزوره من الحلّة في ليالي الجُمع إلى أن بقي واحدة، فذهبت من الحلّة في يوم الخميس، فلمّا وصلت إلى باب البلد، فإذا جماعة من أعوان الظّلَمة يطالبون الواردين التذكرة، وما كان عندي تذكرة ولا قيمتها، فبقيت متحيّراً والناس متزاحمون على الباب فأردت مراراً أن أتخفّى وأجوز عنهم، فما تيسّر لي، وإذا بصاحبي صاحب الأمر عليه السلام في زيّ لباس طلبة الأعاجم عليه عمامة بيضاء في داخل البلد، فلمّا رأيته استغثت به فخرج وأخذني معه، وأدخلني من الباب فما رآني أحد، فلمّا دخلت البلد افتقدته من بين الناس (1) .

هذه نُبذة يسيرة من دروسهم العمليّة في حُسن الخلق وطيب الأخلاق.

وأمّا دروسهم القوليّة في أحاديثهم السَنيّة، فقد بيّنوا أروع الدروس، وأبلغ المعالم في الأخلاقيّات ومكارم الصِّفات، نذكر جملة منها في الفصل القادم.

__________________

(1) جنّة المأوى المطبوع في بحار الأنوار / ج 53 / ص 294.

٨٧

٨٨

4 / الدروس الأخلاقيّة القوليّة لأهل البيت عليهم السلام

تظافرت وتواترت أحاديث أهل بيت العصمة عليهم السلام في الحثّ والترغيب والأمر بحُسن الخلق، وتهذيب النفوس على مكارم الأخلاق.

نتبرّك بذكر نُبذة منها، روُيت في الكتب والمجامع المعتبرة، وجُمعت في ينابيع الحكمة (1) منها: ـ

1 ـ عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: إنّ أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقاً (2) .

2 ـ عن الإمام عليّ بن الحسين عليهما السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما يوضع في ميزان امرئٍ يوم القيامة أفضل من حُسن الخُلق (3) .

3 ـ عن عنبسة العابد قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: ما يَقدِمُ المؤمن على الله عزّوجلّ بعملٍ بعد الفرائض أحبَّ إلى الله تعالى من أن يسع الناسَ بخُلقه (4) .

4 ـ عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنّ صاحب الخُلق

__________________

(1) ينابيع الحكمة / ج 2 / ص 251 إلى ص 268.

(2) اُصول الكافي / ج 2 / ص 81 / ح 1.

(3) اُصول الكافي / ج 2 / ص 81 / ح 2.

(4) اُصول الكافي / ج 2 / ص 82 / ح 4.

٨٩

الحَسَن له مثل أجر الصائم القائم (1) .

5 ـ عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أكثر ما ثلج به اُمّتي الجنّة تقوى الله وحسن الخُلق (2) .

6 ـ قال الإمام أبو عبد الله عليه السلام: إنّ الخُلق يُميتُ الخطيئة كما تُميت الشمسُ الجليد (3) .

7 ـ عن الإمام الصادق عليه السلام قال: البرّ وحُسن الخلق يعمّران الدِّيار، ويزيدان في الأعمار (4) .

8 ـ قال الإمام أبو عبد الله عليه السلام: إنّ الله تبارك وتعالى ليُعطي العبد من الثواب على حسن الخُلق كما يُعطي المجاهد في سبيل الله، يغدو عليه ويروح (5) .

9 ـ عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إنّ سوء الخُلق ليفسد العمل كما يفسد الخَلُّ العسل (6) .

__________________

(1) اُصول الكافي / ج 2 / ص 82 / ح 5.

(2) اُصول الكافي / ج 2 / ص 82 / ح 6.

(3) اُصول الكافي / ج 2 / ص 82 / ح 7.

(4) اُصول الكافي / ج 2 / ص 82 / ح 8.

(5) اُصول الكافي / ج 2 / ص 83 / ح 12.

ولا يخفى أنّ الغدوّ هو أوّل النهار، والرواح آخره.

وهذا بيان حال المجاهد في سبيل الله، يستمرّ له الثواب في أوّل النهار وآخره.

(6) اُصول الكافي / ج 2 / ص 242 / ح 1. واعلم أنّه ذكر العلّامة المجلسي قدس سره في المرآة ج 10 ص 260: وإيذائهم بسببٍ ضعيف أو بلا سبب، ورفض حقوق المعاشرة وعدم احتمال ما لا يوافق طبعه منهم.

وقيل: هو كما يكون مع الخلق يكون مع الخالق أيضاً، بعدم تحمّل ما لا يوافق طبعه من النوائب، والاعتراض عليه.

ومفاسده وآفاته في الدُّنيا والدِّين كثيرة منها: أنّه يفسد العمل بحيث لا يترتّب عليه ثمرته المطلوبة منه «كما يفسد الخلّ العسل» وهو تشبيه المعقول بالمحسوس، وإذا أفسد العمل أفسد الإيمان.

٩٠

10 ـ عن الإمام الصادق عليه السلام قال: قال النبيّ صلى الله عليه وآله: أبى الله عزّوجلّ لصاحب الخُلق السيء بالتوبة.

قيل: وكيف ذاك يا رسول الله؟

قال: لأنّه إذا تاب من ذنب وقع في ذنب أعظم منه (1) .

11 ـ قال الإمام أبو عبد الله عليه السلام: من ساء خُلقه عذّب نفسه (2) .

12 ـ قال الإمام أبو عبد الله عليه السلام: إنّ سوء الخُلق ليفسد الإيمان كما يفسد الخلّ العسل (3) .

13 ـ في مواعظ النبيّ صلى الله عليه وآله: سوء الخُلق شوم (4) .

14 ـ وقال صلى الله عليه وآله: أفضلكم إيماناً أحسنكم أخلاقاً (5) .

15 ـ وقال صلى الله عليه وآله: حسن الخُلق يثبت المودّة (6) .

16 ـ وقال صلى الله عليه وآله: خياركم أحسنكم أخلاقاً، الذين يألِفون ويُؤلَفون (7) .

17 ـ وقال صلى الله عليه وآله: حسن الخُلق يبلغ بصاحبه درجة الصائم القائم.

فقيل له: ما أفضل ما اُعطي العبد؟

قال: حسن الخُلق (8) .

18 ـ وقال صلى الله عليه وآله: أقربكم منّي غداً في الموقف أصدقكم للحديث، وآداكم للأمانة، وأوفاكم بالعهد، وأحسنكم خُلقاً، وأقربكم من الناس (9) .

19 ـ في مواعظ أمير المؤمنين عليه السلام: حسن الخُلق خيرُ قرين، وعنوان

__________________

(1) اُصول الكافي / ج 2 / ص 242 / ح 2.

(2) الكافي / ج 2 / ص 242 / ص 4.

(3) الكافي / ج 2 / ص 242 / ح 3.

(4) و (5) تحف العقول / ص 37.

(6) ـ (8) تحف العقول / ص 38.

(9) تحف العقول / ص 38.

٩١

صحيفة المؤمن حسن خُلقه (1) .

20 ـ في مواعظ الإمام الصادق عليه السلام: حسن الخُلق من الدِّين، وهو يزيد في الرزق (2) .

21 ـ في مواعظ الإمام موسى بن جعفر عليه السلام: السخيّ الحسنُ الخُلق في كَنَفِ الله، لا يتخلّى الله عنه حتّى يدخله الجنّة، وما بعث الله نبيّاً إلّا سخيّاً، وما زال أبي يوصيني بالسخاء وحسن الخُلق حتّى مضى (3) .

22 ـ عن الإمام الرضا، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: عليكم بحسن الخُلق فإنّ حسن الخُلق في الجنّة لا محالة، وإيّاكم سوء الخُلق فإنّ سوء الخُلق في النار لا محالة (4) .

23 ـ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: حسن الخُلق نصف الدِّين (5) .

24 ـ عن أبي عبد الله عليه السلام قال: اللّحمُ يُنبت اللّحم، ومن تركه أربعين يوماً ساء خُلقه، ومَن ساء خُلقه فأذّنوا في اُذنه (6) .

25 ـ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً.

وقال صلى الله عليه وآله: ما عمل أثقل في الميزان من حسن الخُلق، وإنّ العبد ليدرك بحسن الخُلق درجة الصالحين (7) .

26 ـ وقال صلى الله عليه وآله: لا يلقى الله عبد بمثل خصلتين: طول الصمت، وحسن الخُلق (8) .

__________________

(1) تحف العقول / ص 141.

(2) تحف العقول / ص 275.

(3) تحف العقول / ص 304.

(4) الوسائل / ج 12 / ص 152 / ب 104 من العشرة / ح 17.

(5) الوسائل / ج 12 / ص 154 / ح 27.

(6) الوسائل / ج 24 / ص 395 / ب 88 من آداب المائدة.

(7) المستدرك / ج 8 / ص 447 / ب 87 من كتاب العشرة / ح 20.

(8) المستدرك / ج 8 / ص 447 / ح 22.

٩٢

27 ـ وقال صلى الله عليه وآله: من سعادة المرء حسن الخُلق، ومن شقاوته سوء الخُلق (1) .

28 ـ عن أمير المؤمنين عليه السلام، أنّه سُئل عن أدوم الناس غمّاً؟

قال: أسؤوهم خُلقاً (2) .

29 ـ قال رسول الله صلى الله عليه وآله (في حديث): وسوء الخُلق زمامٌ من عذاب الله في أنف صاحبه، والزمام بيد الشيطان يجرّه إلى الشرّ، والشرّ يجرّه إلى النار (3) .

30 ـ عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنّكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم (4) .

31 ـ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أفضل الناس إيماناً أحسنهم خلقاً.

وقال أمير المؤمنين عليه السلام لنوف: يا نوف، صِل رحمك يزيد الله في عمرك، وحسّن خلقك يخفّف الله حسابك (5) .

32 ـ عن الإمام جعفر بن محمّد عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنّ أحبّكم إليّ وأقربكم منّي يوم القيامة مجلساً أحسنكم خلقاً وأشدّكم تواضعاً، وإنّ أبعدكم منّي يوم القيامة الثرثارون وهم المستكبرون.

قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أوّل ما يوضع في ميزان العبد يوم القيامة حسن خُلقه (6) .

33 ـ عن ابن محبوب عن بعض أصحابنا قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما حدّ حسن الخُلق؟

__________________

(1) المستدرك / ج 8 / ص 447 / ح 24.

(2) المستدرك / ج 12 / ص 76 / ح 12.

(3) المستدرك / ج 12 / ص 76 / ح 11.

(4) بحار الأنوار / ج 71 / ص 383 / ح 19.

(5) بحار الأنوار / ج 71 / ص 383 / ح 20.

(6) بحار الأنوار / ج 71 / ص 385 / ح 26.

٩٣

قال: تليّن جانبك وتطيّب كلامك، وتلقى أخاك ببشرٍ حسن (1) .

34 ـ... قيل لرسول الله صلى الله عليه وآله: إنّ فلانة تصوم النهار وتقوم الليل وهي سيّئة الخُلق تُؤذي جيرانها بلسانها.

فقال: لا خير فيها، هي من أهل النار (2) .

35 ـ وقال أمير المؤمنين عليه السلام: حسن الخُلق في ثلاث: اجتناب المحارم، وطلب الحلال، والتوسّع على العيال (3) .

36 ـ عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا أراد الله بأهل بيتٍ خيراً رزقهم الرفق في المعيشة، وحسن الخُلق (4) .

37 ـ ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أتى النبيّ صلى الله عليه وآله رجلُ فقال: إنّ فلاناً مات فحفرنا له فامتنعت الأرض.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنّه كان سيّىءَ الخُلق (5) .

38 ـ... قال أمير المؤمنين عليه السلام ربّ عزيزٍ أذلّه خُلقه، وذليلٍ أعزّه خُلقه (6) .

39 ـ عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: خصلتان لا تجتمعان في مسلم: البُخل وسوء الخُلق (7) .

40 ـ من كلم أمير المؤمنين عليه السلام: ـ

في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق (8) .

__________________

(1) بحار الأنوار / ج 71 / ص 389 / ح 42.

(2 و 3) بحار الأنوار / ج 71 / ص 394 / ح 63.

(4) بحار الأنوار / ج 71 / ص 394 / ح 67.

(5) بحار الأنوار / ج 71 / ص 395 / ح 75.

(6) بحار الأنوار / ج 71 / ص 396 / ح 79.

(7) بحار الأنوار / ج 73 / ص 297 / ح 5.

(8) بحار الأنوار / ج 78 / ص 53.

٩٤

41 ـ عن عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إنّا لنحبّ من كان عاقلاً فهماً، حليماً، مدارياً، صبوراً، صدوقاً، وفيّاً.

إنّ الله عزّوجلّ خصّ الأنبياء بمكارم الأخلاق، فمن كانت فيه فليحمد الله على ذلك، ومَن لم تكن فيه فليتضرّع إلى الله عزّوجلّ وليسأله إيّاها.

قال: قلت: جُعلت فداك وما هُنّ؟

قال: هنّ الورع، والقناعة، والصبر، والشكر، والحلم، والحياء، والسخاء، والشجاعة، والغيرة، والبرّ، وصدق الحديث، وأداء الأمانة (1) .

42 ـ عن المفضل الجعفي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: عليكم بمكارم الأخلاق، فإنّ الله عزّوجلّ يحبّها.

وإيّاكم ومذامّ الأفعال فإنّ الله عزّوجلّ يبغضها (2) .

43 ـ عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال لولده: ـ

إنّ الله عزّوجلّ جعل محاسن الأخلاق وُصلةً بينه وبين عباده فنحبّ أحدكم أن يمسك بخُلُق متّصلٍ بالله تعالى (3) .

44 ـ قال رسول الله صلى الله عليه وآله:

الأخلاق منائح ـ أي عطايا ـ من الله عزّوجلّ.

فإذا أحبّ عبداً منحه خُلقاً حسناً، وإذا أبغض عبداً منحه خلقاً سيّئاً (4) .

45 ـ قال أمير المؤمنين عليه السلام: لو كنّا لا نرجو جنّة ولا نخشى ناراً ولا ثواباً ولا عقاباً لكان ينبغي لنا أن نطلب مكارم الأخلاق، فإنّها ممّا تدلّ على سبيل

__________________

(1) اُصول الكافي / ج 2 / ص 46 / ح 3.

(2) وسائل الشيعة / ج 15 / ص 199 / ح 8.

(3) المستدرك / ج 11 / ص 192 / ح 19.

(4) المستدرك / ج 11 / ص 193 / ح 20.

٩٥

النجاح، فقال رجل: فداك أبي وأمّي يا أمير المؤمنين، سمعتَهُ من رسول الله صلى الله عليه وآله؟

قال: نعم وما هو خيرٌ منه، لمّا أتانا سبايا طيّ، فإذا فيها جارية... فقالت:... أنا ابنة حاتم طيّ، فقال صلى الله عليه وآله: خلّوا عنها فإنّ أباها كان يحبّ مكارم الأخلاق (1) .

فقام أبو بردة فقال: يا رسول الله، الله يحبّ مكارم الأخلاق؟

فقال: يا أبا بردة، لا يدخل الجنّة أحدٌ إلّا بحسن الخُلق (2) .

46 ـ عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث الأربعمائة الشريف.

روّضوا أنفسكم على الأخلاق الحسنة، فإنّ العبد المسلم يبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم (3) .

47 ـ في وصيّة أمير المؤمنين عليه السلام لابنه الحسن عليه السلام:

وعوّد نفسك السماح، وتخيّر لها من كلّ خُلق أحسنه، فإنّ الخير عادة (4) .

48 ـ عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال:

وعليكم بمكارم الأخلاق فإنّها رفعة، وإيّاكم والأخلاق الدنيّة فإنّها تضع الشريف، وتهدم المجد (5) .

49 ـ في حديث المعراج الشريف، ودخول النبيّ صلى الله عليه وآله الجنّة، ورؤيته ما كُتب على أبوابها قال: ـ

__________________

(1) وفي بحار الأنوار / ج 21 / ص 366 نقل عن محمّد بن إسحاق أنّه كساها رسول الله صلى الله عليه وآله وأعطاها نفقة، فخرجت مع ركب حتّى قدمت الشام، وأشارت على أخيها بالقدوم، فقدم وأسلم وأكرمه الرسول صلى الله عليه وآله وأجلسه على وسادةٍ رمى بها إليه بيده.

(2) المستدرك / ج 11 / ص 193 / ح 21.

(3) بحار الأنوار / ج 10 / ص 99.

(4) بحار الأنوار / ج 77 / ص 215.

(5) بحار الأنوار / ج 78 / ص 53.

٩٦

وعلى الباب الثامن منها مكتوب:

لا إله إلّا الله، محمّد رسول الله، عليٌّ وليّ الله، من أراد الدخول من هذه الأبواب الثمانية فليتمسّك بأربع خصال:

بالصدقة، والسخاء ـ أي الجود والكرم ـ، وحسن الأخلاق، وكفّ الأذى عن عباد الله (1) .

50 ـ من كلم أمير المؤمنين عليه السلام وحِكَمِهِ في فضل حسن الخلق، وذمّ سوء الأخلاق، قال: ـ

أطهرالناس أعراقاً أحسنهم أخلاقاً    (الغرر / ج 1 / ص 185 / ف 8 / ح 206)

أرضى الناس من كانت أخلاقه رضيّة  (ص 187 / ح 246)

حسن الخُلق للنفس وحسن الخَلق للبدن (ص 376 / ف 27 / ح 6)

حسن الخُلق أفضل الدِّين    (ح 7)

حسن الخُلق خير قرين، والعُجب داءٌ دفين      (ص 378 / ح 37)

حسن الخُلق من أفضل القِسم وأحسن الشيم   (ح 39)

حسن الخُلق أحد العطائين   (ص 379 / ح 48)

حسن الأخلاق برهان كرم الأعراق    (ح 52)

حسن الأخلاق يُدِرّ الأرزاق، ويونس الرفاق    (ح 53)

حسن الخُلق رأس كل برّ      (ح 54)

حسن الخُلق يورث المحبّة ويؤكّد المودّة   (ص 380 / ح 61)

سوء الخُلق شؤم، والإسائة إلى المحسن لؤم       (ص 433 / ف 39 / ح 17)

سوء الخُلق شرّ قرين (الغرر / ج 1 / ص 433 / ف 39 / ح 18).

__________________

(1) مدينة المعاجز / ج 1 / 397.

٩٧

سوء الخُلق يُوحش القريب ويُنفِّر البعيد (ص 435 / ح 44)

سوء الخُلق نكد العيش، وعذاب النفس (ص 439 / ح 89)

سوء الخُلق يوحش النفس، ويرفع الاُنس (ح 90)

كلّ داء يداوى إلّا سوء الخُلق (ج 2 / ص 546 / ف 62 / ح 54)

كم من وضيع رفعه حسن خلقه       (ص 552 / ف 63 / ح 52)

من ساء خُلقه عذّب نفسه   (ص 617 / ف 77 / ح 156)

من ساء خُلقه ملّه أهله       (ص 625 / ح 307)

من ساء خُلقه ضاق رزقه     (ص 629 / ح 378)

ما أعطى الله سبحانه العبد شيئاً من خير الدُّنيا والآخرة إلّا بحسن خلقه وحسن نيّته

  (ص 750 / ف 79 / ح 217)

نِعْمَ الإيمان جميل الخُلق       (ص 774 / ف 81 / ح 67)

والله لا يعذّب الله سبحانه مؤمناً إلّا بسوء ظنّه، وسوء خلقه

   (ص 787 / ف 83 / ح 81)

لا يعيش لسيّىء الخلق        (ص 833 / ف 86 / ح 81)

لا قرين كحسن الخلق        (ص 834 / ح 113)

لا سُؤدد لسيّىء الخلق        (ص 837 / ح 161)

لا عيش أهنأ من حسن الخلق (ص 846 / ح 329)

لا وحشة أوحش من سوء الخلق        (ح 330)

الخُلق المحمود من ثمار العقل  (الغرر / ج 1 / ص 45 / ف 1 / ح 1327)

الخلق المذموم من ثمار الجهل  (ص 46 / ح 1328)

أحسن شيء الخُلق  (ص 175 / ف 8 / ح 18)

أكبر الحسب الخُلق (ح 38)

أقوى الوسائل حسن الفضائل (ص 181 / ح 153)

٩٨

أسوء الخلائق التحلّي بالرذائل (ص 182 / ح 154)

أحسن السناء الخُلق السجيح (ص 197 / ح 379)

أحسن الأخلاق ما حملك على المكارم (ص 206 / ح 473)

إن كنتم لا محالة متنافسين فتنافسوا في الخصال الرغيبة، وخلال المجد

  (ص 277 / ف 10 / ح 35)

إذا رأيت المكارم فاجتنب المحارم        (ص 315 / ف 17 / ح 95)

إذا كانت محاسن الرجل أكثر من مساويه فذلك الكامل، وإذا كان متساوي المحاسن والمساوي فذلك المتماسك، وإذا زادت مساويه على محاسنه فذلك الهالك

  (ص 328 / ح 202)

تنافسوا في الأخلاق الرغيبة، والأحلام العظيمة، والأخطار الجليلة يعظم لكم
الجزاء (ص 355 / ف 22 / ح 94)

رأس العلم التمييز بين الأخلاق، وإظهار محمودها، وقمع مذمومها

  (ص 413 / ف 34 / ح 44)

هي ذا محاسن أخلاق أهل البيت عليهم السلام في حديثهم بعد سيرتهم..

أكبر مدرسة إلهيّة لتهذيب النفس، وتحسين الخلق، والترغيب إلى كرائم السجايا، وتطهير الطوايا.

فيلزم علينا أن نستلهم من أعمالهم، ونستضيء بأقوالهم، للسير على خُطاهم الطيّبة، وصفاتهم الحسنة.

ونجتنب عن سوء الأخلاق، ونسعى لعلاج الأخلاق السيّئة بمثل:

1 / التفكّر في فضائل الأخلاق الحسنة وآثاره.

2 / التذكّر بمساوئ سوء الخلق وأضراره.

3 / ترويض النفس على حُسن الفعال، وتحسين الأفعال بالأخلاق الطيّبة،

٩٩

فإنّ أفضل الجهاد جهاد النفس.

وها نحن نستنير بأشعّة من أنوار هداهم، ولمعة من هدى أخلاقهم، في مدرستهم الأخلاقيّة، على ضوء الصحيفة المباركة السجّاديّة في دعائها الأخلاقي الذي يمثِّل أخلاق رسول الله صلى الله عليه وآله صاحب الخُلق العظيم، والاُسوة والقدوة لجميع المسلمين.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

وفي الآية (٤١) من سورة النساء نقرأ قوله تعالى :( فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً ) .

وفي شأن السّيد المسيحعليه‌السلام نقرأ في الآية (١١٧) من سورة المائدة :( وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ ) .

بعد هذا من القائل :( أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) ؟ أهو الله سبحانه ، أم الأشهاد على الأعمال؟! هناك أقوال بين المفسّرين ، لكن الظاهر أنّ هذا الكلام تتمة لقول الأشهاد

والآية التي بعدها تبيّن صفات الظالمين في ثلاث جمل :

الأولى تقول : إنّهم يمنعون الناس بمختلف الأساليب عن سبيل الله( الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ) فمرّة عن طريق إلقاء الشبهة ، ومرّة بالتهديد ، وأحيانا عن طريق الإغراء والطمع ، وجميع هذه الأساليب ترجع إلى أمر واحد ، وهو الصدّ عن سبيل الله.

الثّانية تقول : إنّهم يسعون في أن يظهروا سبيل الله وطريقه المستقيم عوجا( وَيَبْغُونَها عِوَجاً ) (١) .

أي بأنواع التحريف من قبيل الزيادة أو النقصان أو التّفسير بالرأي وإخفاء الحقائق حتى لا تتجلى الصورة الحقيقية للصراط المستقيم. ولا يستطيع الناس وطلاب الحق السير في هذا الطريق.

والثّالثة تقول : إنّهم لا يؤمنون بيوم النشور والقيامة( وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ ) .

وعدم إيمانهم بالمعاد هو أساس الانحرافات ، لأنّ الإيمان بتلك المحكمة

__________________

(١) المقصود بـ «العوج» أي الملتوي ، وقد بيّنا شرح ذلك في ذيل الآية (٤٥) من سورة الأعراف وينبغي الالتفات إلى أنّ الضمير في «يبغونها» يعود على سبيل الله فهي مؤنث مجازي ، أو بمعنى الجادة والطريقة ، فهي مؤنث لفظي ، ونقرأ في سورة يوسفعليه‌السلام الآية (١٠٨)( قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ ) .

٥٠١

الكبرى والعالم الوسيع بعد الموت يفعل الطاقات الايجابية الكامنة في النفس والروح.

ومن الطّريف أنّ جميع هذه المسائل تجتمع في مفهوم «الظلم» لأنّ المفهوم الواسع لهذه الكلمة يشمل كل انحراف وتغيير للموضع الواقعي للأشياء والأعمال والصفات والعقائد.

في الآية التالية يبيّن أنّ هؤلاء لا يستطيعون الهرب من عقاب الله في الأرض ولا أن يخرجوا من سلطانه( أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ ) كما أنّهم لا يجدون وليّا وحاميا لهم غير الله( وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ ) .

وأخيرا يشير سبحانه إلى عقوبتهم الشديدة حيث تكون مضاعفة( يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ) .

لماذا؟! لأنّهم كانوا ضالين ومخطئين ومنحرفين ، وفي الوقت ذاته كانوا يجرّون الآخرين إلى هذا السبيل ، فلذلك سيحملون أوزارهم وأوزار الآخرين ، دون التخفيف عن الآخرين من أوزارهم( وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ ) (١) .

وهناك أخبار كثيرة في أن «من سنّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها ، ومن سنّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها».

وفي ختام الآية يبيّن الله سبحانه أساس شقاء هؤلاء بقوله :( ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ ) .

فهم في الحقيقة بإهمالهم هاتين الوسيلتين المؤثرتين [وسيلتي السمع والبصر] لدرك الحقائق ، ضلّوا السبيل وأضلّوا سواهم أيضا لأنّ الحق والحقيقة لا يدركان إلّا بالسمع والبصر النافذ.

ومن الطريف هنا أنّنا نقرأ في الآية أنّهم ما كانوا يستطيعون السمع ، أي استماع الحق، فهذا التعبير يشير إلى الحالة الواقعية التي هم فيها ، وهي أنّ استماع الحق

__________________

(١) العنكبوت ، ٢٣.

٥٠٢

كان عليهم صعبا وثقيلا إلى درجة يتصور فيها أنّهم فقدوا حاسة السمع ، فلا قدرة لهم على السمع ، وهذا التعبير ينسجم تماما مع قولنا مثلا : إنّ الشخص العاشق لا يستطيع أن يسمع كلاما عن عيوب معشوقه!

وبديهي أنّ عدم استطاعة دركهم الحقائق كانت نتيجة لجاجتهم الشديدة وعدائهم للحق والحقيقة ، وهذا لا يسلب عنهم المسؤولية ، لأنّهم هم السبب في ذلك ، وهم الذي مهّدوا له ، وكان بإمكانهم أن يبعدوا عنهم هذه الحالة ، لأنّ القدرة على السبب قدرة على المسبّب.

والآية التي بعدها تبيّن في جملة واحدة حصيلة سعيهم وجدهم في طريق الباطل ، فتقول :( أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ ) وهذه أعظم خسارة يمكن أن تصيب الإنسان ، إذ يخسر وجوده الإنساني ثمّ تضيف الآية : أنّهم اتخذوا آلهة ومعبودين مصطنعين «مزيفين» ولكن تلاشت هذه الآلهة المصنوعة والمزيفة أخيرا( وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ ) .

وفي نهاية الآية بيان الحكم النهائي لمآلهم وعاقبتهم بهذا التعبير( لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ ) .

والسبب واضح ؛ لأنّهم حرموا من نعمة السمع الحاد والبصر النافذ ، وخسروا كلّ إنسانيتهم ووجودهم ، ومع هذه الحال فقد حملوا أثقال مسئوليتهم وأثقال الآخرين مع أثقالهم.

والمعنى الأصلي لكلمة «لا جرم» مأخوذ من «جرم» على وزن «حرم» وهو قطف الثمار من الأشجار ، كما نقل ذلك الراغب في مفرداته ، ثمّ توسع هذا المعنى فشمل كلّ نوع من الكسب والتحصيل ، ولكثرة استعمال الكلمة في الكسب غير المرغوب فيه شاعت في هذا المعنى ، ولذلك يطلق على الذنب أنّه جرم.

ولكن حين تبدأ هذه الكلمة جملة وهي مسبوقة بـ «لا» فيكون معناها حينئذ:أنّه لا شيء يمكنه أن يمنع أو يقطع هذا الموضوع ، فهي قريبة من معنى «لا بدّ» أو «من المسلّم به» والله العالم «فتدبر».

* * *

٥٠٣

الآيتان

( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٣) مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٤) )

التّفسير

تعقيبا على الآيات المتقدمة التي أوضحت حال منكري الوحي ، تأتي الآيتان هنا لتوضحا من في قبالهم ، وهم المؤمنون حقّا.

فالآية الأولى تقول :( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ ) أي:استسلموا وانقادوا خاضعين لأمر الله ووعده الحق ،( أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) .

* * *

ملاحظتان

١ ـ بيان هذه الأوصاف الثلاثة وهي «الإيمان» و «العمل الصالح» و «التسليم

٥٠٤

والخضوع والإخبات إلى دعوة الحق» إنّما هو بيان أمور واقعية ترتبط بعضها ببعض ، لأنّ العمل الصالح ثمرة من شجرة الإيمان ، فالإيمان الذي ليس فيه مثل هذه الثمرة إيمان ضعيف ولا قيمة له ولا يحسب له حساب ، وكذلك التسليم والانقياد والخضوع والاطمئنان لما وعد الله سبحانه ، كل ذلك من آثار الإيمان والعمل الصالح لأنّ الإعتقاد الصحيح والعمل النقي أساس وجود هذه الصفات والملكات العالية في المحتوى الداخلي للإنسان.

٢ ـ كلمة «أخبتوا» مشتقة من «الإخبات» وجذرها اللغوي «خبت» على وزن «ثبت» ومعناها الأصلي الأرض المنبسطة الواسعة التي يمكن للإنسان أن يخطو عليها باطمئنان وارتياح ، فلذلك استعملت هذه المادة «الخبت والإخبات» في الاطمئنان أيضا كما استعملت في الخضوع والتسليم ، لأنّ الأرض التي تبعث على الاطمئنان في السير هي خاضعة ومستسلمة للسائرين ، فعلى هذا يمكن أن يكون معنى الإخبات واحدا من المعاني الثلاثة الآتية ، كما ويحتمل شموله لجميع هذه المعاني ، إذ لا منافاة بينها :

١ ـ إنّ المؤمنين حقا خاضعون لله.

٢ ـ إنّهم مسلّمون لأمر الله.

٣ ـ إنّهم مطمئنون بوعود الله.

وفي كل صورة إشارة إلى واحدة من أعلى الصفات الإنسانية في المؤمنين التي ينعكس أثرها على كامل حياتهم!

الطريف هنا أنّنا نقرأ في حديث عن أبي أسامة قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إنّ عندنا رجلا يسمّى «كليبا» لا يجيء عنكم شيء إلّا قال : أنا أسلّم ، فسمّيناه : كليب تسليم ، قال : فترحم عليه ثمّ قال «أتدرون ما التسليم»؟ فسكتنا فقال : هو والله الإخبات ، قول الله :( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ ) (١) .

__________________

(١) تفسير البرهان ، ج ٢ ، الصفحة ٢١٦.

٥٠٥

وفي الآية الأخرى بيان لحالة هذين الفريقين في مثال حيّ وواضح حال الأعمى والأصم ، وحال السميع والبصير ، فتقول الآية :( مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً ) ثمّ تعقب الآية( أَفَلا تَذَكَّرُونَ ) ؟! وكما هو معلوم في علم (المعاني والبيان) ، فإنّه من أجل تجسيم الحقائق العقلية وتوضيحها وتبييّنها لعامّة الناس تشبه المعقولات بالمحسوسات دائما.

والقرآن الكريم اتبع هذه الطريقة بكثرة ، وبيّن كثيرا من المسائل الدقيقة وذات الأهمية البالغة بأمثلة جليّة وأخّاذة ، وبيّن حقائقها في أحسن صورة!

البيان السابق من هذا القبيل ، لأنّ أحسن الوسائل التي لها أثرها في معرفة الحقائق الحسية في عالم الطبيعة هي «العين والأذن» ولذلك لا يمكن أن يتصور أن أفرادا يولدون صمّا وعميانا يستطيعون أدراك مواضيع هذا العالم بصورة صحيحة ، فهم يعيشون في عالم غامض ومجهول.

كذلك حال منكري الوحي ، فبسبب لجاجتهم وعدائهم للحق ووقوعهم أسرى بمخالب التعصب والأنانية وعبادة الذات ، فقدوا بصرهم وسمعهم للحقيقة البيّنة ، فلا يستطيعون ادراك الحقائق المرتبطة بعالم الغيب ، وتأثير الإيمان ، والتلذذ بعبادة الله ، وعظمة التسليم لأمره.

هؤلاء الأفراد يعيشون أبدا عميانا صمّا في ظلام مطبق وسكوت مميت في حين أنّ المؤمنين الصادقين يرون كل حركة بأعين بصيرة ، ويسمعون كل صوت بآذان سميعة ، وبالتوجه إلى طريقهم يكون مصيرهم «السعادة».

* * *

٥٠٦

الآيات

( وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٥) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٢٦) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (٢٧) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ (٢٨) )

التّفسير

قصّة نوح المثيرة مع قومه :

تقدم أنّ هذه السورة تحمل بين ثناياها قصص الأنبياء السابقين وتأريخهم ، وذلك لإيقاظ أفكار المنحرفين والالتفات إلى الحقائق وبيان العواقب الوخيمة للمفسدين الفجار. وأخيرا بيان طريق النصر والموفقية.

في البداية تذكر قصّة نوحعليه‌السلام ، وهو أحد الأنبياء أولي العزم ، وضمن (٢٦) آية

٥٠٧

ترسم النقاط الأساسية لتأريخه المثير

ولا شك أنّ قصّة جهاد نوحعليه‌السلام المتواصل للمستكبرين في عصره ، وعاقبتهم الوخيمة ، واحدة من العبر العظيمة في تاريخ البشرية ، والتي تتضمن دروسا هامّة في كل واقعة منها

والآيات المتقدمة تبيّن بداية هذه الدعوة العظيمة فتقول :( وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ ) .

التأكيد على مسألة الإنذار ، مع أنّ الأنبياء كانوا منذرين ومبشرين في الوقت ذاته لأنّ الثورة ينبغي أن تبدا ضرباتها بالإنذار وإعلام الخطر ، لأنّه أشدّ تأثيرا في إيقاظ النائمين والغافلين من البشارة.

والإنسان عادة إذا لم يشعر بالخطر المحدق به فإنّه يفضل السكون على الحركة وتغيير المواقع. ولذلك فقد كان إنذار الأنبياء وتحذيرهم بمثابة السياط على أفكار الضاليّن ونفوسهم، فتؤثر فيمن له القابلية والاستعداد للهداية على التحرك والاتجاه الى الحق.

ولهذا السبب ورد الاعتماد على الإنذار في آيات كثيرة من القرآن ، كما في الآية (٤٩) من سورة الحج ، والآية (١١٥) من سورة الشعراء ، والآية (٥٠) من سورة العنكبوت، والآية (٤٢) من سورة فاطر ، والآية (٧٠) من سورة ص ، والآية (٩) من سورة الأحقاف ، والآية (٥٠) من سورة الذاريات ، وآيات أخرى كلها تعتمد على كلمة «نذير» في بيان دعوة الأنبياء لأممهم.

وفي الآية الأخرى يلخّص محتوى رسالته في جملة واحدة ويقول : رسالتي هي( أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ ) ثمّ يعقب دون فاصلة بالإنذار والتحذير مرّة أخرى( إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ ) (١) .

__________________

(١) مع أنّ الأليم صفة للعذاب عادة ، ولكن في الآية السابقة وقع صفة ل «يوم» ، وهذا نوع من الإسناد المجازي اللطيف الذي نجده في مختلف اللغات في أدبياتها.

٥٠٨

في الحقيقة أن مسألة التوحيد والعبودية لله الواحد الأحد هي أساس دعوة الأنبياء جميعا. فنحن نقرا في الآية الثّانية من هذه السورة ، والآية (٤٠) من سورة يوسفعليه‌السلام ، الآية (٢٣) من سورة الإسراء نقرأ في هذه الآيات وأمثالها في الحديث عن الأنبياء أن دعوتهم جميعا تتلخص في توحيد الله سبحانه.

فإذا كان جميع أفراد المجتمع موحدّون ولا يعبدون إلّا الله ، ولا ينقادون للأوثان الوهمية الخارجية منها والداخلية من قبيل الأنانية والهوى والشهوات والمقام والجاه والنساء والبنين فلا يبقى أثر للسلبيات والخبائث في المجتمع البشري.

فإذا لم يصنع الشخص الضعيف من ضعفه هذا صنما ليسجد له ويتبع أمره ، فلا استكبار حينئذ ولا استعمار ، ولا آثارهما الوخيمة من قبيل الذل والأسر والتبعية والميول المنحرفة وأنواع الشقاء بين أفراد المجتمع ، لأنّ كل هذه الأمور وليدة الانحراف عن عبادة الله والتوجه نحو الأصنام والطواغيت فلننظر الآن أوّل ردّ فعل من قبل الطواغيت واتباع الهوى والمترفين وأمثالهم إزاء إنذار الأنبياء ، كيف كان وماذا كان؟!

لا شك أنّه لم يكن سوى حفنة من الأعذار الواهية والحجج الباطلة والأدلة الزائفة التي تعتبر ديدن جميع الجبابرة في كل عصر وزمان ، فقد أجاب أولئك دعوة نوح بثلاثة إشكالات :

الأوّل : إنّ الإشراف والمترفين من قوم نوحعليه‌السلام قالوا له أنت مثلنا ولا فرق بيننا وبينك :( فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا ) زعما منهم أن الرسالة الإلهية ينبغي أن تحملها الملائكة إلى البشر لا أن البشر يحملها إلى البشر! وظنّا منهم أنّ مقام الإنسان أدنى من مقام الملائكة ، أو أنّ الملائكة تعرف حاجات الإنسان أكثر منه.

نلاحظ هنا كلمة «الملأ» التي تشير إلى أصحاب الثروة والقوة الذين يملأ العين

٥٠٩

ظاهرهم ، في حين أن الواقع أجوف. ويشكلون أصل الفساد والانحراف في كل مجتمع ، ويرفعون راية العناد والمواجهة أمام دعوة الأنبياءعليهم‌السلام .

والإشكال الثّاني : إنّهم قالوا : يا نوح ؛ لا نرى متبعيك ومن حولك إلّا حفنة من الأراذل وغير الناضجين الذين لم يسبروا مسائل الحياة( وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ ) .

و «الأراذل» جمع ل «أرذل» وتأتي أيضا جمع ل «رذل» التي تعني الموجود الحقير ، سواء كان إنسانا أم شيئا آخر غيره.

وبالطبع فإنّ الملتفين حول نوحعليه‌السلام والمؤمنين به لم يكونوا أراذل ولا حقراء ، ولكن بما أنّ الأنبياء ينهضون للدفاع عن المستضعفين قبل كل شيء ، فأوّل جماعة يستجيبون لهم ويلبّون دعوتهم هم الجماعة المحرومة والفقيرة ، ولكن هؤلاء في نظر المستكبرين الذين يعدّون معيار الشخصيّة القوة والثروة فحسب يحسبونهم أراذل وحقراء

وإنّما سمّوهم بـ «بادي الرأي» أي الذين يعتمدون على الظواهر من دون مطالعة ويعشقون الشيء بنظرة واحدة ، ففي الحقيقة كان ذلك بسبب أنّ اللجاجة والتعصب لم يكن لها طريق الى قلوب هؤلاء الذين التفوا حول نوحعليه‌السلام لأنّ معظمهم من الشباب المطهرة قلوبهم الذين يحسون بضياء الحقيقة في قلوبهم ، ويدركون بعقولهم الباحثة عن الحق دلائل الصدق في أقوال الأنبياءعليهم‌السلام وأعمالهم.

الإشكال الثّالث : الذي أوردوه على نوحعليه‌السلام أنهم قالوا : بالاضافة الى أنّك إنسان ولست ملكا ، وأن الذين آمنوا بك والتفوا حولك هم من الأراذل ، فإنّنا لا نرى لكم علينا فضلا( وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ ) .

والآيات التي تعقبها تبيّن رد نوحعليه‌السلام وإجاباته المنطقية على هؤلاء حيث تقول:( قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ ) .

٥١٠

وقد اختلف المفسّرون في جواب نوحعليه‌السلام هذا لأي من الإشكالات الثّلاثة هو؟ولهم في ذلك أقوال ولكن مع التدبر في الآية يتّضح أنّ هذا الجواب يمكن أن يكون جوابا للإشكالات الثلاثة بأسرها.

لأنّ أوّل إشكال أوردوه على نوح هو : لم كنت إنسانا مثلنا ولم تكن ملكا؟ فكان جوابه لهم : صحيح أنني بشر مثلكم ، ولكن الله آتاني رحمة وبيّنة ودليلا واضحا من عنده ، فلا تمنع بشريتي هذه من أداء هذه الرسالة العظيمة ، ولا ضرورة لأن أكون ملكا.

والإشكال الثّاني هو : إنّ أتباع نوح مخدوعون بالظواهر. فيردّهم بالقول : إنّكم أحق بهذا الاتهام ، لأنّكم أنكرتم هذه الحقيقة المشرقة ، وعندي أدلّة كافية ومقنعة لكلّ من يطلب الحقيقة ، إلّا أنّها خفيت عليكم لغروركم وتكبركم وأنانيتكم!

وإشكال الثّالث : أنّهم قالوا :( وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ ) فكان جواب نوحعليه‌السلام : أي فضل أعظم من أن يشملني الله برحمته ، وأن يجعل الدلائل الواضحة بين يدي، فعلى هذا لا دليل لكم على اتهامي بالكذب ، فدلائل الصدق عندي واضحة وجليّة!

وفي ختام الآية يقول النّبي نوحعليه‌السلام لهم : هل أستطيع أن ألزمكم الاستجابة لدعوتي وأنتم غير مستعدّين لها وكارهون لها( أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ ) .

* * *

٥١١

الآيات

( وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (٢٩) وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٣٠) وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً اللهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٣١) )

التّفسير

ما أنا بطارد الذين آمنوا :

في الآيات المتقدمة رأينا أنّ قوم نوح «الأنانيين» كانوا يحتالون بالحجج الواهية والإشكالات غير المنطقية على نوح وأجابهم ببيان جليّ واضح والآيات محل البحث تتابع ما ردّ به نوحعليه‌السلام على قومه المنكرين. فالآية الأولى التي تحمل واحدا من دلائل نبوة نوح ، ومن أجل أن تنير القلوب المظلمة من قومه

٥١٢

تقول على لسان نوح :( وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً ) فأنا لا أطلب لقاء دعوتي مالا أو ثروة منكم ، وإنّما جزائي وثوابي على الله سبحانه الذي بعثني بالنّبوة وأمرني بدعوة خلقه إليه( إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ ) .

وهذا يوضح بصورة جيدة وبجلاء أنّني لا أبتغي هدفا ماديا من منهجي هذا ، ولا أفكر بغير الأجر المعنوي من الله سبحانه ، ولا يستطيع مدّع كاذب أن يتحمل الآلام والمخاطر دون أن يفكر بالربح والنفع.

وهذا معيار وميزان لمعرفة القادة الصادقين من غيرهم الذين يتحينون الفرص ويهدفون الى تأمين المنافع المادية في كل خطوة يخطونها سواء كان بشكل مباشر أو غير مباشر.

ويعقب نوحعليه‌السلام بعد ذلك في ردّه على مقولة طرد المؤمنين به من الفقراء والشباب فيقول بصورة قاطعة :( وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا ) لأنّهم سيلاقون ربّهم ويخاصمونني في الدار الآخرة( إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ ) (١) .

ثمّ تختتم الآية ببيان نوح لقومه بأنّكم جاهلون( وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ ) وأي جهل وعدم معرفة أعظم من أن تضيعوا مقياس الفضيلة وتبحثون عنها في الثروة والمال الكثير والجاه والمقام الظاهري ، وتزعمون أنّ هؤلاء المؤمنين العفاة الحفاة بعيدون عن الله وساحة قدسه!

هذا خطؤكم الكبير وعدم معرفتكم ودليل جهلكم.

ثمّ أنتم تتصورون ـ بجهلكم ـ أن يكون النّبي من الملائكة ، في حين ينبغي أن يكون قائد الناس من جنسهم ليحسّ بحاجاتهم ويعرف مشاكلهم وآلامهم.

وفي الآية التي بعدها يقول لهم موضحا : إنّني لو طردت من حولي فمن ينصرني من عدل الله يوم القيامة وحتى في هذه الدنيا( وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ

__________________

(١) وهناك احتمال آخر في تفسير هذه الجملة ، وهو أن مراد نوحعليه‌السلام : إن الذين آمنوا بي إذا كانوا كاذبين في الباطن فإنهم سيلاقون ربهم يوم القيامة وهو يحاسبهم ، ولكن الاحتمال المذكور أقرب للصحة.

٥١٣

طَرَدْتُهُمْ ) .

فطرد المؤمنين الصالحين ليس بالأمر الهيّن ، إذ سيكونون خصومي يوم القيامة بطردي لهم ، ولا أحد هناك يستطيع أن يدافع عنّي ويخلصني من عدل الله ، ولربّما أصابتني عقوبة الله في هذه الدنيا ، أم أنّكم لا تفكرون في أن ما أقوله هو الحقيقة عينها( أَفَلا تَذَكَّرُونَ ) .

والفرق بين «التفكر» و «التذكّر» هو أنّ التفكر في حقيقته إنّما يكون لمعرفة شيء لم تكن لنا فيه خبرة من قبل ، وأمّا التذكر فيقال في مورد يكون معروفا للإنسان قبل ذلك ، كما في المعارف الفطريّة.

والمسائل التي كانت بين نوحعليه‌السلام وقومه هي أيضا من هذا القبيل ، مسائل يعرفها الإنسان ويدركها بفطرته وتدبّره ، ولكن تعصب قومه وغرورهم وغفلتهم وأنانيتهم ألقت عليها حجابا وغشاء فكأنّهم عموا عنها.

وآخر ما يجيب به نوح قومه ويردّ على إشكالاتهم الواهية إنّكم إذا كنتم تتصورون أن لي امتيازا آخر غير الإعجاز الذي لديّ عن طريق الوحي فذلك خطأ ، وأقول لكم بصراحة :( لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ ) ولا أستطيع أن أحقق كل شيء أريده وكل عمل أطلبه ، حيث تحكي الآية عن لسانه( وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ ) ولا أقول لكم إنّني مطلع على الغيب( وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ) ولا أدعي أنّني غيركم كأن أكون من الملائكة مثلا( وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ ) فهذه الادّعاءات الفارغة والكاذبة يتذرع بها المدّعون الكذبة ، وهيهات أن يتذرع بها الأنبياء الصادقون ، لأنّ خزائن الله وعلم الغيب من خصوصيات ذات الله القدسيّة وحدها ، ولا ينسجم الملك مع هذه الأحاسيس البشرية أيضا

فكل من يدعي واحدا من هذه الأمور الثلاثة المتقدمة ـ أو جميعها ـ فهو كاذب.

ومثل هذا التعبير ورد في نبي الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا كما نلاحظ ذلك في الآية

٥١٤

(٥٠) من سورة الأنعام حيث تقول الآية مخاطبة النّبي أن يبلغ قومه بذلك( قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ ) فانحصار امتياز نبي الإسلام في مسألة «الوحي» ونفي الأمور الثلاثة الأخرى يدل على أنّ الآيات التي تحدثت عن نوح كانت تستبطن هذا المعنى أيضا وإن لم تصرّح بذلك بمثل هذا التصريح!.

وفي ذيل الآية يكرر التأكيد على المؤمنين المستضعفين بالقول :( وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً ) بل على العكس تماما ، فخير هذه الدنيا وخير الآخرة لهم وإن كانوا عفاة لخلّو أيديهم من المال والثروة فأنتم الذين تحسبون الخير منحصرا في المال والمقام والسن وتجهلون الحقيقة ومعناها تماما.

وعلى فرض صحة مدّعاكم أراذل و «أوباش» ف( اللهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ ) .أنا الذي لا أرى منهم شيئا سوى الصدق والإيمان يجب علىّ قبولهم ، لأنّي مأمور بالظاهر ، والعارف باسرار العباد هو الله سبحانه ، فإن عملت غير عملي هذا كنت آثما( إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ ) .

ويرد هذا الاحتمال أيضا في تفسير الجملة الأخيرة لأنّها مرتبطة بجميع محتوى الآية ، أي إذا كنت أدعي علم الغيب أو أنّي ملك أو أن عندي خزائن الله أو أن اطرد المؤمنين ، فسأكون عند الله وعند الوجدان في صفوف الظالمين.

* * *

ملاحظات

١ ـ أولياء الله ومعرفة الغيب

الاطلاع على الغيب مطلقا ـ كما أشرنا إليه مرارا ـ وبدون أي قيد وشرط هو من خصوصيّات الله سبحانه ، ولكنّه يطلع أنبياءه وأولياءه على الغيب بقدر ما يراه

٥١٥

مصلحة كما نرى الإشارة إليه في الآيتين (٢٦ و ٢٧) من سورة الجن( عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً ، إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ) .

فعلى هذا لا منافاة ولا تضادّ بين هذه الآيات ـ محل البحث ـ التي تنفي أن يعلم الأنبياء الغيب ، وبين الآيات أو الرّوايات التي تنسب إلى الأنبياء أو الأئمّة العلم ببعض الغيب.

فمعرفة أسرار الغيب والاطلاع عليها من خصوصيّات الله بالذات ، وما عند الآخرين فبالعرض و «بالتعليم الإلهي» ، ولذلك فإنّ علم الغيب عند غير الله محدود بالحدود التي يريدها الله سبحانه(١) .

٢ ـ مقياس معرفة الفضيلة :

مرّة أخرى نواجه الواقعية في هذه الآيات ، وهي أن أصحاب الثروة والقوة وعبيد الدنيا الماديّين يرون جميع الأشياء من خلال نافذتهم المادية فهم يتصورون أنّ الاحترام والشخصيّة هما ثمرة وجود الثروة والمقام والحيثيات فحسب ، فلا ينبغي التعجب من أن يكون المؤمنون الصادقون الذين خلت أيديهم من المال والثروة في قاموسهم «أراذل» وينظرون إليهم بعين الاحتقار والازدراء.

ولم تكن هذه المسألة منحصرة في نوح وقومه ، إذ كانوا يصفون المؤمنين المستضعفين حوله ـ ولا سيما الشباب الوعي منهم ـ بأنّ عقولهم خالية وأفكارهم قاصرة ، وكأنّهم لا قيمة لهم. فالتاريخ يكشف أن هذا المنطق كان موجودا في عصر الأنبياء الآخرين وعلى الأخصّ في زمن نبي الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنين الأوائل.

كما نرى الآن مثل هذا المنطق في عصرنا وزماننا ، فالمستكبرون الذين يمثلون فراعنة العصر ـ اعتمادا على سلطانهم وقدراتهم وقواهم الشيطانية ـ يتهمون

__________________

(١) لمزيد من الإيضاح يراجع ذيل الآية (٥٠) من سورة الأنعام وذيل الآية (١٨٨) من سورة الأعراف.

٥١٦

«المؤمنين» بمثل هذا الاتهام فكأنّما يعيد التاريخ نفسه وصوره على أيدي هؤلاء ومخالفيهم

ولكن حين يتطهر المحيط الفاسد بثورة إلهية فهذه المعايير التي تقاس بها الشخصيّة والعناوين الموهومة الأخرى تلقى في مزابل التاريخ ، وتحل محلّها المعايير الإنسانية الأصيلة المعايير المتولدة من صميم حياة الإنسان والتي تكون لبنات تحتية للبناء الفوقاني للمجتمع السليم الحرّ ، حيث يستلهم منها قيمه ، كالإيمان والعلم الإيثار والمعرفة والعفو والتسامح والتقوى والشهامة والشجاعة والتجربة والذكاء والإدارة والنظم وما أشبهها

٣ ـ معنى علم الغيب في القرآن

هناك بعض المفسّرين كصاحب «المنار» حين يصل إلى هذه الآية يقول لمن يدعي أن علم الغيب لا يختصّ بالله ، أو يطلب حلّ المشاكل من سواه ، يقول في جملة قصيرة : إنّ هذين الأمرين ـ علم الغيب وخزائن الله ـ قد نفاهما القرآن عن الأنبياء ، لكن أصحاب البدع من المسلمين وأهل الكتاب يثبتونهما للأولياء والقديسين(١) .

إذا كان مقصوده نفي علم الغيب عنهم مطلقا ولو بتعليم الله ، فهذا مخالف لنصوص القرآن المجيد الصريحة ، وإذا كان مقصوده نفي التوسّل بأنبياء الله وأوليائه بالصورة التي نطلب من الله بشفاعتهم أن يحلّ مشاكلنا ، فهذا الكلام مخالف للقرآن والأحاديث القطعيّة المسلّم بها عن طرق الشيعة وأهل السنّة أيضا.

لمزيد من الإيضاح في هذا المجال يراجع ذيل الآية (٣٤) من سورة المائدة.

* * *

__________________

(١) المنار ، ج ١٢ ، ص ٦٧.

٥١٧

الآيات

( قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣٢) قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٣٣) وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٣٤) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (٣٥) )

التّفسير

كفانا الكلام فأين ما تعدنا به؟!

الآية الأولى من الآيات أعلاه تتحدث عن قوم نوحعليه‌السلام أنّهم :( قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا ) فأين ما تعدنا به من عذاب الله( فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) وهذا الأمر يشبه تماما عند ما ندخل في جدال مع شخص أو أشخاص ونسمع منهم تهديدا ضمنيا حين المجادلة فنقول : كفى هذا الكلام الكثير!! اذهبوا وافعلوا ما شئتم ولا تتأخروا ، فمثل هذا الكلام يشير إلى أنّنا لا نكترث بكلامهم ولا نخاف من تهديدهم ، ولسنا مستعدين أن نسمع منهم كلاما أكثر.

٥١٨

فاختيار هذه الطريقة إزاء كل ذلك اللطف وتلك المحبّة من قبل أنبياء الله ونصائحهم التي تجري كالماء الزلال على القلوب ، إنّما تحكي عن مدى اللجاجة والتعصب الأعمى لدى تلك الأقوام.

في الوقت ذاته يشعرنا كلام نوحعليه‌السلام بأنّه سعى مدّة طويلة لهداية قومه ، ولم يترك فرصة للوصول إلى الهدف إلّا انتهزها لإرشادهم ، ولكن قومه الضالين أظهروا جزعهم من أقواله وإرشاداته. وهذه المعادلة تتجلى جيدا في سائر الآيات التي تتحدث عن نوحعليه‌السلام وقومه في القرآن ، ففي سورة نوحعليه‌السلام بيان لهذه الظاهرة بشكل واف ـ أيضا ـ فلنلاحظ الآيات التي تبدا من الآية(٥) وتنتهي بالآية (١٣) من سورة نوح حيث نقرأ فيها :( قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً ) .

في الآية ـ محل البحث ـ وردت جملة «جادلتنا» من مادة «المجادلة» وأصلها مشتق من «الجدل» التي تعني فتل الحبل وإبرامه ، ولذلك يطلق على البازي «أجدل» لأنّه أشد فتلا من جميع الطيور ، ثمّ توسعوا في اللغة فصارت تطلق على الالتواء في الكلام وما أشبه.

مع أنّ «الجدال» و «المراء» و «الحجاج» على وزن «اللجاج» متقاربة المعاني ومتشابهة فيما بينها ، لكن بعض المحققين يرى أنّ «المراء» فيه نوع من المذمّة ، لأنّه يستعمل أحيانا في الاستدلال في المسائل الباطلة ، ولكن ذلك المفهوم لا يدخل في كلمتي «الجدال والمجادلة» ، والفرق بين الجدال والحجاج ، أن الجدال يستعمل ليلفت الطرف المقابل ويبعده عن عقيدته ، أمّا الحجاج فعلى العكس من ذلك بأن يدعى الشخص إلى العقيدة الفلانية بالاستدلال والبرهان.

لقد أجاب نوحعليه‌السلام بجملة قصيرة على هذه اللجاجة والحماقة وعدم الاعتناء

٥١٩

بقوله :( إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شاءَ ) فذلك خارج من يدي على كل حال وليس باختياري، إنّما أنا رسوله ومطيع لأمره ، فلا تطلبوا منّي العذاب والعقاب! ولكن حين يحل عذابه فاعلموا أنّكم لا تقدرون أن تفرّوا من يد قدرته أو تلجأوا إلى مأمن آخر( وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ ) .

و «المعجز» مشتق من مادة «الإعجاز» وهي بمعنى سلب القدرة من الغير ، وتستعمل هذه الكلمة أحيانا في موارد يكون الإنسان مانعا لعمل الآخر أو لصده عن سبيله فيعجزه عن القيام بأي عمل ، وأحيانا تستعمل في فرار الإنسان من يد الآخر وخروجه من هيمنته فلا يقدر عليه ، وأحيانا تستعمل في تكبيل الآخر بالوثاق ، أو بجعله مصونا إلخ.

فكل هذه المعاني من أوجه الإعجاز وسلب القدرة من الطرف الآخر.

الآية الآنفة الذكر تحتمل جميع هذه المعاني ، لأنّه لا منافاة بين جميع هذه المعاني ، فكلها تعني أنّ لا حيلة تخلصكم وتجعلكم في أمان من عذابه.

ثمّ يضيف : وإذا كان الله يريد أن يضلكم ويغويكم ـ لما أنتم عليه من الذنوب والتلوّث الفكري والجسدي ـ فلا فائدة من نصحي لكم إذا( وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ ) فهو وليكم وأنتم في قبضته( هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) .

سؤال : مع مطالعة هذه الآية يثور هذا السؤال فورا ـ كما أن كثيرا من المفسّرين أشاروا إليه أيضا ـ وهو : هل يمكن أن يريد الله الغواية والضلال لعباده؟ ثمّ أليس هذا دليلا على الجبر؟ وهل يتوافق هذا المعنى مع أصل حرية الإرادة والإختيار للإنسان؟

والجواب : كما اتّضح من ثنايا البحث المتقدم ـ وما أشرنا إليه مرات عديدة ـ أنّه قد تصدر من الإنسان ـ أحيانا ـ سلسلة من الأعمال التي تكون نتيجتها الغواية والانحراف الدائمي وعدم العودة إلى الحق ، اللجاجة المستمرة والإصرار على

٥٢٠

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608