الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٦

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل9%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 608

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 608 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 261293 / تحميل: 6497
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٦

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

مِنْكُمْ ) (١) .

ثمّ تشير الآية إلى سبب ذلك فتقول :( إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ ) .

فنيّاتكم غير خالصة ، وأعمالكم غير طاهرة ، وقلوبكم مظلمة ، وإنّما يتقبل الله العمل الطاهر من الورع التقي.

وواضح أنّ المراد من الفسق هنا ليس هو الذنب البسيط والمألوف ، لأنّه قد يرتكب الإنسان ذنبا وهو في الوقت ذاته قد يكون مخلصا في أعماله ، بل المراد منه الكفر والنفاق ، أو تلوّث الإنفاق بالرياء والتظاهر.

كما لا يمنع أن يكون الفسق ـ في التعبير آنفا ـ في مفهومه الواسع شاملا للمعنيين، كما ستوضح الآية التالية ذلك.

وفي الآية التالية يوضح القرآن مرّة أخرى السبب في عدم قبول نفقاتهم فيقول :( وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ ) .

والقرآن يعوّل كثيرا على أنّ قبول الأعمال الصالحة مشروط بالإيمان ، حتى أنّه لو قام الإنسان بعمل صالح وهو مؤمن ، ثمّ كفر بعد ذلك فإنّ الكفر يحبط عمله ولا يكون له أي أثر «بحثنا في هذا المجال في المجلد الثّاني من التّفسير الأمثل».

وبعد أن أشار القرآن إلى عدم قبول نفقاتهم ، يشير إلى حالهم في العبادات فيقول:وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى ) كما أنّهم( وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ ) .

وفي الحقيقة أنّ نفقاتهم لا تقبل لسببين :

الأوّل : هو أنّهم( كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ ) .

والثّاني : أنّهم إنما ينفقون عن كره وإجبار.

كما أن صلواتهم لا تقبل لسببين أيضا :

الأوّل : لأنّهم( كَفَرُوا بِاللهِ ) .

__________________

(١) جملة «أنفقوا» وإن كانت في صورة الأمر ، إلّا أن فيها مفهوم الشرط ، أي لو أنفقتم طوعا أو كرها لن يتقبل منكم.

٨١

والثّاني : أنّهم( لا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى ) ! العبارات المتقدمة في الوقت الذي تبيّن حال المنافقين في عدم النفع من أعمالهم ، فهي في الحقيقة تبيّن علامة أخرى من علائمهم في الوقت ذاته ، وهي أن المؤمنين الواقعيين يمكن معرفتهم من نشاطهم عند أداء العبادة ، ورغبتهم في الأعمال الصالحة التي تتجلى فيهم بإخلاصهم.

كما يمكن معرفة حال المنافقين عن طريق كيفية أعمالهم ، لأنّهم يؤدّون أعمالهم عادة دون رغبة ومكرهين ، فكأنّما يساقون إلى عمل الخير سوقا.

وبديهي أنّ أعمال الطائفة الأولى (المؤمنين) لما كانت تصدر عن قلوب تعشق الله مقرونة بالتحرق واللهفة ، فإنّ جميع الآداب ومقرراتها مرعية فيها. إلّا أنّ الطائفة الثّانية لما كانت أعمالها تصدر عن إكراه وعدم رغبة ، فهي ناقصّة لا روح فيها ، وهكذا تكون البواعث المختلفة في أعمال الطائفتين تظفي على الأعمال شكلين مختلفين.

وفي آخر الآية ـ من الآيات محل البحث ـ يتوجه الخطاب نحو النّبي قائلا :( فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ ) .

فهي وإن كانت نعمة بحسب الظاهر ، إلّا أنّه( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ ) .

وفي الواقع فإنّهم يعذبون عن طريقين بسبب هذه الأموال والأولاد ، أي القوة الاقتصادية والإنسانية :

فالأوّل : إنّ مثل هؤلاء الأبناء لا يكونون صالحين عادة ، ومثل هذه الأموال لا بركة فيها ، فيكونان مدعاة قلقهم وألمهم في الحياة الدنيا ، إذ عليهم أن يسعوا ليل نهار من أجل أبنائهم الذين هم مدعاة أذاهم وقلقهم ، وأن يجهدوا أنفسهم لحفظ أموالهم التي اكتسبوها عن طريق الإثمّ والحرام.

٨٢

والثّاني : لما كانوا بهذه الأموال والأولاد متعلقين ، ولا يؤمنون بالحياة بعد الموت ولا بالدار الآخرة الواسعة ولا بنعيمها الخالد فليس من الهيّن أن يغمضوا عن هذه الأموال والذّرية، ويخرجون من هذه الدنيا ـ بحال مزرية وفي حال الكفر.

فالمال والبنون قد يكونان موهبة وسعادة ومدعاة للرفاه والهدوء والاطمئنان والدعة إذا كانا طاهرين طيبين وإلّا فهما مدعاة العذاب والشقاء والألم.

* * *

ملاحظتان

١ ـ يسأل بعضهم : إنّ الآية الأولى ـ من الآيات محل البحث ـ تقول :( أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ ) مع أن الآية الأخرى تقول بصراحة :( وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ ) .

ترى ألا توجد منافاة بين هذين التعبيرين؟!

لكن مع قليل من الدقة يتّضح الجواب على هذا السؤال ، وهو أن بداية الآية الأولى في صورة القضية الشرطية ، أي لو أنفقتم طوعا أو كرها فعلى آية حال لن تتقبل منكم. ونعرف أن القضية الشرطية لا تدل على وجود الشرط ، أي على فرض أن ينفقوا طوعا واختيارا فإنفاقهم لا فائدة فيه ، لأنّهم غير مؤمنين.

إلّا أنّ ذيل الآية الأخرى بيان قضية خارجيّة ، وهي أنّهم ينفقون عن إكراه دائما.

٢ ـ والدرس الذي نستفيده من الآيات الآنفة ، هو أنّه لا ينبغي الانخداع بصلاة الناس وصيامهم ، لأنّ المنافقين يؤدون ذلك أيضا ، كما أنّهم ينفقون بحسب الظاهر في سبيل الله. بل ينبغي تمييز الصلاة والإنفاق بدافع النفاق من غيرهما عن أعمال

٨٣

المؤمنين البنّاءة والهادفة ، ويمكن معرفة ذلك بالتدقيق والإمعان في النظر ، ونقرأ في الحديث : «لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل وسجوده ، فإنّ ذلك شيء اعتاده ، ولو تركه استوحش ولكن انظروا إلى صدق حديثه وأداء أمانته».

* * *

٨٤

الآيتان

( وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (٥٦) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (٥٧) )

التّفسير

علامة أخرى للمنافقين :

ترسم الآيتان أعلاه حالة أخرى من أعمال المنافقين بجلاء ، إذ تقول الآية الأولى :( وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ ) ومن شدّة خوفهم وفرقهم يخفون كفرهم ويظهرون الإيمان.

و «يفرقون» من مادة «الفرق» على زنة «الشفق» ومعناه شدّة الخوف.

يقول «الراغب» في «المفردات» إن الفرق في الأصل معناه التفرّق والتشتت ، فكأنّهم لشدّة خوفهم تكاد قلوبهم أن تتفرق وتتلاشى.

وفي الواقع أنّ مثل هؤلاء لما فقدوا ما يركنون إليه في أعماقهم ، فهم في هلع واضطراب عظيم دائم ، ولا يمكنهم أن يكشفوا عمّا في باطنهم لما هم عليه من الهلع والفزع ، وحيث أنّهم لا يخافون الله «لعدم إيمانهم به» ، فهم يخافون من كل شيء غيره ، ويعيشون في استيحاش دائم ، غير أنّ المؤمنين الصادقين ينعمون في

٨٥

ظل الإيمان بالهدوء والاطمئنان.

والآية التالية تصوّر شدّة عداوة المنافقين للمؤمنين ونفورهم منهم ، في عبارة موجزة إلّا أنّها في غاية المتانة والبلاغة ، إذ تقول :( لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ ) .

«الملجأ» معناه معروف ، وهو ما يأوي إليه الخائف عادة ، كالقلاع والكهوف وأضرابهما.

و «المغارات» جمع مغارة.

و «المدّخل» هو الطريق الخفي تحت الأرض ، كالنقب مثلا.

و «يجمحون» مأخوذ من الجماح ، ومعناه الحركة السريعة والشديدة التي لا يتأتى لأيّ شيء أن يصدها ، كحركة الخيول المسرعة الجامحة التي لا تطاوع أصحابها ، ولذلك سمّي الجواد الذي لا يطاوع صاحبه جموحا أو جامحا.

وعلى كل حال ، فهذه الآية واحدة من أبلغ الآيات والتعابير التي يسوقها القرآن في وصف المنافقين ، وبيان هلعهم وخوفهم وبغضهم إخوانهم المؤمنين ، بحيث لو كان لهم سبيل للفرار من المؤمنين ، ولو على قمم الجبال أو تحت الأرض ، لولّوا إليه وهم يجمحون ، ولكن ما عسى أن يفعلوا مع الروابط التي تربطهم معكم من القبيلة والأموال والثروة ، كل ذلك يضطرهم إلى البقاء على رغم أنوفهم.

* * *

٨٦

الآيتان

( وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (٥٨) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللهِ راغِبُونَ (٥٩) )

سبب النّزول

جاء في تفسير «الدر المنثور» عن «صحيح البخاري» و «النسائي» وجماعة آخرين ، أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان مشغولا بتقسيم الأموال (من الغنائم أو ما شاكلها) ، وإذا برجل من بني تميم يدعى ذو الخويصرة ـ وهو حرقوص بن زهير ـ يأتي فيقول له : يا رسول الله ، اعدل. فقال رسول الله : «ويلك من يعدل إذا لم أعدل!» فصاح عمر : يا رسول الله ائذن لي أضرب عنقه. فقال رسول الله : «دعه فإنّ له أصحابا يحتقر أحدكم صلاته مع صلواتهم وصومهم مع صومه ، يمرقون من دين كما يمرق السهم من الرميّة ...».(١)

فنزلت الآيتان عندئذ ونصحت مثل هؤلاء الناس ووعظتهم.

__________________

(١) نور الثقلين ، ج ٢ ، ص ٢٢٧.

٨٧

التّفسير

الأنانيون السفهاء :

في الآية الأولى أعلاه إشارة إلى حالة أخرى من حالات المنافقين ، وهي أنّهم لا يرضون أبدا بنصيبهم ، ويرجون أن ينالوا من بيت المال أو المنافع العامّة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا ، سواء كانوا مستحقين أم غير مستحقين ، فصداقتهم وعداوتهم تدوران حول محور المنافع سلبا وإيجابا.

فمتى ملئت جيوبهم رضوا (عن صاحبهم) ومتى ما أعطوا حقّهم وروعي العدل في إيتاء الآخرين حقوقهم سخطوا عليه ، فهم لا يعرفون للحق والعدالة مفهوما «في قاموسهم» وإذا كان في قاموسهم مفهوم للحق أو العدل ، فهو على أساس أن من يعطيهم أكثر فهو عادل ، ومن يأخذ حق الآخرين منهم فهو ظالم!!

وبتعبير آخر : إنّهم يفقدون الشخصية الاجتماعية ، ويتمسكون بالشخصية الفردية والمنافع الخاصّة ، وينظرون للأشياء جميعا من هذه الزّاوية (المشار إليها آنفا).

لذا فإنّ الآية تقول :( وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ ) لكنّهم في الحقيقة ينظرون إلى منافعهم الخاصّة( فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ ) .

فهؤلاء يرون أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير منصف ولا عادل!! ويتهمونه في تقسيمه المال!.

( وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللهِ راغِبُونَ ) .

ترى ألا يوجد أمثال هؤلاء في مجتمعاتنا الإسلامية المعاصرة؟! وهل الناس جميعا قانعون بحقّهم المشروع! فمن أعطاهم حقهم حسبوه عادلا؟!

ممّا لا ريب فيه أنّ الجواب على السؤال الآنف بالنفي ، ومع كل الأسف فما

٨٨

يزال الكثيرون يقيسون العدل ويزنون الحق بمعيار المنافع الشخصيّة ولا يقنعون بحقوقهم!! ولو قدّر لأحد أن يوصل إلى جميع الناس حقوقهم المشروعة ولا سيما المحرومين منهم ـ لتعالى صراخهم وعويلهم!!

فبناء على ذلك ، لا داعي لأن نقلب ونتصفح سجل التاريخ لمعرفة المنافقين.

فبنظرة واحدة إلى من حولنا ، بل بنظرة إلى أنفسنا ، نستطيع أن نميز حالنا من حال الآخرين!

اللهم ، أحي فينا روح الإيمان ، وأمت في أنفسنا النفاق وأفكار الشيطان.

* * *

٨٩

الآية

( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦٠) )

التّفسير

موارد صرف الزكاة ودقائقها :

في تاريخ صدر الإسلام مرحلتان يمكن ملاحظتهما بوضوح ، إحداهما في مكّة ، حيث كان هدف النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمين فيها تعليم الأفراد وتربيتهم ونشر التعاليم الإسلامية. والثّانية في المدينة ، حيث أقدم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على تشكيل حكومة إسلاميّة أجرى من خلالها الأحكام والتعاليم الإسلامية.

وممّا لا شك فيه أنّ أوّل وأهم مسألة واجهت تشكيل الحكومة هي إيجاد بيت المال ، إذ عن طريقه تؤمّن حاجات الدولة الاقتصادية ، وهي حاجات طبيعية توجد في كل دولة بدون استثناء ، ومن هنا كان إيجاد بيت المال من أوائل أعمال النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المدينة ، وتشكل الزكاة أحد موارده ، وعلى المشهور فإنّ هذا الحكم شرّع في السنة الثّانية للهجرة النبوية.

٩٠

وكما سنشير ـ بعد حين ـ إلى إرادة الله وحكمه ، فإنّ حكم الزكاة قد نزل من قبل في مكّة ، لكن لا على نحو وجوب جمعها في بيت المال ، بل كان الناس يؤدونها ذاتيا ، أمّا في المدينة فإنّ قانون جباية الزكاة وجمعها في بيت المال قد صدر من الله تعالى في الآية (١٠٣) من سورة التوبة.

إنّ الآية التي نبحثها ، والتي نزلت يقينا بعد آية وجوب الزكاة ـ وإن لم يسبق لها ذكر في القرآن الكريم ـ تبيّن الموارد المختلفة التي تصرف فيها الزكاة. وممّا يلفت النظر أن الآية بدأت بكلمة (إنّما) الدالّة على الحصر ، وهي توحي بأنّ بعض الأفراد الأنانيين أو المغفلين كانوا يطمعون في أن يحصلوا على نصيب من الزكاة بدون أي وجه لاستحقاقهم لها ، لكن كلمة (إنّما) ردّت أيديهم في أفواهم. وهذا المعنى تبيّنه الآيتان اللتان سبقت هذه الآية ، حيث ذكرت أنّ هؤلاء كانوا يعترضون على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عدم إعطائهم شيئا من الزكاة ، ويرضون عنه إذا أعطاهم شيئا منها.

وعلى أي حال ، فإنّ الآية قد بيّنت ـ بوضوح ـ الموارد الحقيقة التي تصرف فيها الزّكاة ، وأنهت التوقعات غير المنطقية وحددت موارد صرف الزّكاة في ثمانية أصناف :

١ ـ الفقراء.

٢ ـ المساكين : وسيأتي البحث في نهاية تفسير الآية عن الفرق بين الفقير والمسكين.

٣ ـ العاملين عليها : وهم الذين يسعون في جباية الزكاة ، وإدارة بيت المال ، وما يعطى لهم هو في الواقع بمنزلة أجرة عملهم ، ولهذا لا يشترط فيهم الفقر على أي حال.

٤ ـ المؤلفة قلوبهم : وهم الذين لا يوجد لديهم الحافز والدافع المعنوي القوي من أجل النهوض بالأهداف الإسلامية وتحقيقها ، ولكن ويمكن استمالتهم بواسطة بذل المال لهم ، والاستفادة منهم في الدفاع عن الإسلام وتحكيم دولته ، وإعلاء

٩١

كلمته. وسيأتي توضيح أوسع حول هذا القسم.

٥ ـ في الرقاب : وهذا يعني أن قسما من الزكاة يخصّص لمحاربة العبودية والرق وإنهاء هذه الحالة غير الإنسانية ، وكما قلنا في محله فإنّ برنامج الإسلام في معالجة مسألة الرقيق هو اتباع نظام (التحرير التدريجي) الذي ينتهي إلى تحرير جميع العبيد بدون مواجهة ردود فعل اجتماعية غير متوقعة ، ويشكّل تخصيص قسم من الزكاة لهذا الموضوع جانبا من هذا البرنامج المتكامل.

٦ ـ الغارمون : وهم الذين عجزوا عن أداء ديونهم ، ولم يكن هذا العجز نتيجة لتقصيرهم.

٧ ـ في سبيل الله : والمراد منه ـ كما سنشير إليه في آخر تفسير الآية ـ جميع السبل التي تؤدي إلى تقوية ونشر الدين الإلهي ، وهي أعم من مسألة الجهاد والتبليغ وأمثالها.

٨ ـ ابن السبيل : وهم الذين تخلفوا في الطريق لعلة ما ، وليس معهم من الزاد والراحلة ما يوصلهم إلى بلدانهم أو إلى الجهة التي يقصدونها ، حتى ولو لم يكونوا فقراء في واقعهم ، لكنّهم افتقروا الآن نتيجة سرقة أموالهم أو مرضهم أو قلّة أموالهم أو لأسباب أخر ، ومثل هؤلاء يجب أن يعطوا من الزكاة ما يوصلهم إلى مقصدهم أو بلدهم.

وفي خاتمة الآية نلاحظ التأكيد على صرفها في الجهات السابقة ، ولذلك قال سبحانه :( فَرِيضَةً مِنَ اللهِ ) ولا شك أنّ هذه الفريضة قد حسبت بصورة دقيقة جدّا ، وبصورة تحفظ مصالح الفرد والمجتمع ، لأنّ( اللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) .

* * *

٩٢

بحوث

وهنا أمور ينبغي ملاحظتها :

١ ـ الفرق بين الفقير والمسكين

هناك بحث بين المفسّرين في مفهومي الفقير والمسكين ، هل أنّ مفهومهما واحد ، وتكرار اللفظين معا في الآية من باب التأكيد فتصبح موارد صرف الزكاة سبعة لا ثمانية ، أم أنّهما لهما معنيان مختلفان؟

أغلب المفسّرين والفقهاء قالوا بالثّاني ، لكن وقع البحث حتى بين أنصار هذا القول في تفسير وتحديد مفهوم كل من الكلمتين ، والذي يبدو أقرب للنظر ، أنّ( الْفَقِيرَ ) هو الشخص الذي يعاني من حاجة مالية في حياته ومعاشه مع أنّه يعمل ويكتسب ، لكنّه لا يسأل أحدا مطلقا رغم حاجته لعفته وعزّة نفسه ، أمّا المسكين فهو أشد حاجة من الفقير ، وهو العاجز عن العمل ، فهو مضطر لأنّ يستعطي الناس ويسألهم. والدليل على ذلك أنّ الأصل اللغوي لكلمة مسكين مأخوذ من مادة السكون ، لأنّ المسكين لشدة فقره كأنّه سكن وأخلد إلى الأرض.

ثمّ إنّ ملاحظة استعمال الكلمتين في مواضع متعددة من القرآن يؤيد هذا الرأي ، فمثلا : نقرأ في الآية (١٦) من سورة البلد :( أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ ) وفي الآية (٨) من سورة النساء :( وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ ) ويفهم من هذا التعبير أنّ المراد بالمساكين هم الذين يسألون ويستعطون إذا حضروا مثل هذه المواضع.

وفي الآية (٢٤) من سورة القلم نقرأ :( أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ ) وهي إشارة إلى السائلين.

وكذلك التعبير ب (إطعام مسكين) أو (طعام مسكين) ، فإنّه يوحي بأنّ المساكين هم الجياع الذين يحتاجون إلى الطعام ، في حين أنّنا نستطيع أن نفهم بوضوح ـ من خلال بعض الآيات القرآنية التي وردت فيها كلمة الفقير ـ أنّ المراد من الفقراء هم

٩٣

أفراد محتاجون للمال لكنّهم لحفظ ماء الوجه ولعزة أنفسهم لا يسألون الناس مطلقا ، كما تبين ذلك الآية (٢٧٣) من سورة البقرة :( لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ ) .

وبعد كل هذا ففي رواية رواها محمّد بن مسلم عن الإمام الصادق أو الإمام الباقرعليهما‌السلام ، أنّه سأله عن الفقير والمسكين فقال : «الفقير الذي لا يسأل ، والمسكين الذي هو أجهد منه الذي يسأل»(١) . وبهذا المضمون وردت رواية عن أبي بصير عن الصادقعليه‌السلام ، وكلتاهما صريحتان في المعنى السابق.

ونذكّر هنا بأنّ قسما من القرائن قد يظهر منه أحيانا خلاف ما قلناه ، إلّا أنّنا إذا نظرنا إلى مجموع القرائن اتّضح أن الحق ما قلناه.

٢ ـ هل يجب تقسيم الزّكاة إلى ثمانية أجزاء متساوية؟

يعتقد بعض المفسّرين والفقهاء أنّ ظاهر الآية يدلّ على وجوب تقسيم الزكاة إلى ثمانية أجزاء متساوية ، وصرف كل جزء في مورده الخاص إلّا أن يكون مقدار الزكاة من القلّة بحيث لا يمكن تقسيمه إلى ثمانية أقسام.

أمّا الأكثرية الساحقة من الفقهاء فقد ذهبوا إلى أن ذكر الأصناف الثمانية في الآية يبيّن جواز صرف الزكاة في هذه الموارد ، لا أنّه يجب تقسيم الزكاة إلى ثمانية أجزاء. والسيرة الثابتة للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام تؤيّد هذا المعنى ، إضافة إلى أنّ الزكاة إحدى الضرائب الإسلامية ، والحكومة الإسلامية هي المسؤولة عن جبايتها من الناس ، والهدف من تشريعها هو تأمين الحاجات المختلفة للمجتمع الإسلامي.

أمّا كيفية صرف الزكاة في هذه الموارد الثمانية ، فإنّه يرتبط بالضرورات الاجتماعية من وجه ، وبرأي ووجهة نظر الحكومة الإسلامية من جهة أخرى.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ١٤٤ ، باب ١ من أبواب مستحقي الزكاة ، حديث ٢.

٩٤

٣ ـ متى شرعت الزّكاة؟

يستفاد من الآيات القرآنية المختلفة ـ ومن جملتها الآية (١٥٦) من سورة الأعراف ، والآية (٣) من سورة النمل ، والآية (٤) من سورة لقمان ، والآية (٧) من سورة فصلت ، وكلها سور مكّية ـ أن حكم وجوب الزكاة نزل في مكّة ، وكان المسلمون ملزمين بأدائها كواجب شرعي ، لكن لما قدم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المدينة وأسس الدولة الإسلامية ، وكان لا بدّ من إيجاد بيت المال ، أمره الله سبحانه بأن يأخذ الزكاة من الناس بنفسه ـ لا أنهم يصرفون الزكاة بأنفسهم حسب ما يرونه ـ فنزلت الآية (١٠٣) من سورة التوبة :( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً ) .

والمشهور أنّ ذلك انّ في السنة الثّانية للهجرة ، ثمّ بيّنت الآية التي نبحثها ـ الآية (٦٠) من سورة التوبة ـ موارد صرف الزكاة بصورة دقيقة. ولا ينبغي التعجب من أن تشريع أخذ الزكاة في الآية (١٠٣) ، وبيان موارد صرفها ـ والذي يقال أنّه نزل في السنة التاسعة للهجرة ـ في الآية (٦٠) ، لأنا نعلم أن آيات القرآن لم تجمع وترتب حسب تأريخ نزولها ، بل بأمر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث أمر بوضع كل آية في مكانها المناسب.

٤ ـ من هم المقصودون ب( الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) ؟

الذي يفهم من تعبير( الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) أن أحد موارد صرف الزكاة هم الأفراد الذين يراد استمالتهم وجلب محبّتهم بالزكاة ، لكن هل المراد منهم الكفار الذين يمكن الاستعانة بهم في أمر الجهاد ببذل الزكاة لهم ، أم يدخل معهم المسلمون ضعيفو الإيمان؟

وكما قلنا في المباحث الفقهية ، فإنّ لهذه الآية ، وكذلك للروايات الواردة في هذا الموضوع مفهوما واسعا ، ولهذا فإنّها تشمل كل من يمكن استمالته من أجل نفع وتحكيم الإسلام ، ولا دليل على تخصيصها بالكفار.

٩٥

٥ ـ دور الزّكاة في الإسلام

إذا علمنا أنّ الإسلام يظهر على أنّه مذهب أخلاقي أو فلسفي أو عقائدي بحت ، بل ظهر إلى الوجود كدين وقانون كامل وشامل عولجت فيه كل الحاجات المادية والمعنوية في الحياة ، وكذلك إذا علمنا أن تشكيل وتأسيس الدولة الإسلامية قد لازم ظهور الإسلام منذ عصر النّبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإذا علمنا أن الإسلام يهتم اهتماما خاصّا بنصرة المحرومين ومكافحة الطبقية في المجتمع اتضح لنا أنّ دور بيت المال والزكاة التي تشكل أحد موارده ، من أهم الأدوار.

لا شك أن في كل مجتمع أفرادا عاجزين عن العمل ، مرضى ، يتامى ، معوقين ، وأمثالهم ، وهؤلاء يحتاجون حتما إلى من يحميهم ويرعاهم ويقوم بشؤونهم.

وكذلك يحتاج هذا المجتمع إلى جنود مضحين من أجل حفظ وجوده وكيانه ، أمّا مصاريف هؤلاء الجنود ونفقاتهم فإنّ الدولة هي التي تلتزم بتأمينها ودفعها إليهم. وكذلك العاملون في الدولة الإسلامية ، الحكام والقضاة ، وسائل الإعلام والمراكز الدينية وغيرها ، فكل قسم من هذه الأقسام يحتاج إلى ميزانية خاصّة ومبالغ طائلة لا يمكن تهيئتها دون أن يكون هناك نظام مالي محكم منظم.

وعلى هذا الأساس أولى الإسلام الزكاة ـ التي تعتبر في الحقيقة نوعا من الضرائب على الإنتاج والأرباح ، وعلى الأموال الراكدة ـ اهتماما خاصا ، حتى أنّه اعتبرها من أهم العبادات ، وقد ذكرت ـ جنبا إلى جنب ـ مع الصلاة في كثير من الموارد ، بل إنّه اعتبرها شرطا لقبول الصلاة.

وأكثر من هذا أننا نقرأ في الرّوايات الإسلامية أنّ الدولة الإسلامية إذا طلبت الزكاة من شخص أو أشخاص وامتنع هؤلاء من ذلك فسوف يحكم بارتدادهم ، وإذا لم تنفع النصيحة معهم ولم يؤثر الموعظة فيهم ، فإنّ الاستعانة بالقوّة العسكرية لمقابلتهم أمر جائز.

٩٦

وفي رواية عن الإمام الصادقعليه‌السلام : «من منع قيراطا من الزكاة فليس هو بمؤمن ، ولا مسلم ، ولا كرامة».(١)

وممّا يلفت النظر أنّ الرّوايات قد أظهرت أن تعين الزكاة بهذا المقدار يبيّن دقة حسابات الإسلام ، فإنّ المسلمين جميعا لو أدّوا زكاة أموالهم بصورة دقيقة وكاملة فسوف لن يبقى فقير أو محروم في كافة أنحاء البلاد الإسلامية. ففي رواية عن الصادقعليه‌السلام : «ولو أنّ الناس أدّوا زكاة أموالهم ما بقي مسلم فقيرا محتاجا وإن الناس ما افتقروا ، ولا احتاجوا ، ولا جاعوا ، ولا عروا إلّا بذنوب الأغنياء»(٢) .

وكذلك يفهم من الرّوايات أنّ أداء الزكاة سبب لحفظ أصل الملك والأموال وتحكيم أسسها ، بحيث أنّ الناس إذا أهملوا تطبيق هذا الأصل الإسلامي المهم فإنّ الفاصلة والتفاوت بين الطبقات سيصل إلى حد يعرض أموال الأغنياء إلى الخطر.

في حديث عن الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام : «حصّنوا أموالكم بالزكاة»(٣) . وبهذا المضمون نقلت روايات أخرى عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنينعليه‌السلام .

ولمزيد الاطلاع على هذه الأحاديث راجع الأبواب : الأوّل والثّالث والرّابع والخامس من أبواب الزكاة من المجلد السّادس من وسائل الشيعة.

٦ ـ ما الفرق بين العطف بـ «اللام أو في»؟

النقطة الأخيرة التي ينبغي الالتفات إليها ، هي أنّ في الآية التي نبحثها أربعة أقسام ذكرت معطوفة على حرف اللام :( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٢٠ ، باب ٤ ، حديث ٩.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٤ ، باب ١ من أبواب الزكاة حديث ٦.

(٣) وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٦ ، باب ١ ، من أبواب الزكاة ، حديث ١١.

٩٧

وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) ، وهذا التعبير عادة يفيد الملكية. أمّا الأقسام الأربعة الأخرى فقد سبقها حرف (في) :( وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) ، وهذا التعبير عادة يستعمل لبيان مورد الصرف(١) .

هناك بحث ونقاش بين المفسّرين في سبب اختلاف التعبير ، فالبعض يعتقد أن الأصناف الأربعة الأولى يملكون الزكاة ، أمّا الأصناف الأربعة الأخرى فإنّهم لا يملكونها ، بل إن الزكاة يجوز أن تصرف فيهم.

والبعض الآخر يعتقد أن الاختلاف في التعبير يشير إلى مسألة أخرى ، وهي أنّ الطائفة الثّانية أكثر استحقاقا للزكاة ، لأن كلمة (في) لبيان الظرفية ، لهذا فإن هذه المجموعة الرباعية تمثل محتوى ومصرف الزكاة ، والزكاة ووعاء لها ، في حين أن المجموعة الأولى ليست كذلك.

لكننا نحتمل ونرجح احتمالا آخر ، وهو أن الستة أقسام ـ وهم : الفقراء والمساكين والعاملون عليها والمؤلفة قلوبهم والغارمون وابن السبيل ـ التي لم تذكر قبلها (في) متساوون وقد عطفت على بعضها البعض ، أمّا القسمان الآخران ـ وهما في الرقاب وفي سبيل الله ـ اللذان بيّنتهما (في) فإنّ لهما وضعا خاصا ، وربّما كان السبب في اختلاف التعبير من جهة إمكان تملك الزكاة من قبل الأصناف الستة ، ويمكن أداء الزكاة إليهم (حتى المدينين والعاجزين عن أداء ديونهم ، لكن بشرط الاطمئنان إلى أنّ هؤلاء يصرفونها في سداد ديونهم).

أمّا الصنفان الآخران فلا يملكون الزكاة ، ولا يمكن دفع الزكاة إليهم ، بل تصرف في جهتهم ، فمثلا يجب الشراء العبيد وتحريرهم عن طريق الزكاة ، ومن الواضح أنّهم لا يملكون الزكاة في هذه الحالة ، بل صرفت الزكاة في جهة

__________________

(١) ينبغي الانتباه إلى أن (في) قد ذكرت صريحا في موردين ، وعطف على مجرور (في) في موردين ، كما أن اللام قد ذكرت في مورد واحد ، وعطف الباقي عليها.

٩٨

تحريرهم. وكذلك الحال بالنسبة إلى الموارد التي تندرج تحت عنوان (في سبيل الله) كنفقات الجهاد ، وإعداد الأسلحة ، أو بناء المساجد والمراكز الدينية ، وأمثال هذه المفردات لا تملك الزكاة بل أنّها مورد لصرف الزكاة.

وعلى أي حال ، فإنّ التفاوت الاختلاف في التعبير يوضح الدقة المتناهية في التعبيرات القرآنية.

* * *

٩٩

الآية

( وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦١) )

سبب النّزول

هذا حسن لا قبيح!

ذكرت عدّة أسباب متباينة لنزول الآية المذكورة ومنها أنّ الآية نزلت في جماعة من المنافقين كانوا يذكرون النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسوء ، فنهاهم أحدهم وقال : لا تتحدثوا بهذا الحديث لئلا يصل إلى سمع محمّد فيذكرنا بسوء ويؤلب الناس علينا.

فقال له أحدهم ـ واسمه جلاس ـ : لا يهمنا ذلك ، فنحن نقول ما نريد ، وإذا بلغه ما نقول سنحضر عنده وننكر ما قلناه ، وسيقبل ذلك منا فإنّه سريع التصديق لما يقال له ، ويقبل كل ما يقال من كل أحد ، فهو أذن ، فنزلت الآية وأجابتهم.

التّفسير

تتحدّث الآية ـ كما يفهم من مضمونها ـ عن فرد أو أفراد كانوا يؤذون النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكلامهم ويقولون أنّه أذن ويصدّق كل ما يقال له سريعا( وَمِنْهُمُ الَّذِينَ

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

ودلالته على إمامة عليّ وولده ظاهرة من وجوه :

الأوّل : إنّ تصريحه بأنّ الكتاب والعترة لا يفترقان ، دالّ على علمهم بما في الكتاب ، وأنّهم لا يخالفونه قولا وعملا.

والأوّل دليل الفضل على غيرهم ، والأفضل أحقّ بالإمامة.

والثاني دليل العصمة التي هي شرط الإمامة ، ولا معصوم غيرهم.

الثاني : إنّه جعلهم عديلا(١) للقرآن ، فيجب التمسّك بهم مثله ، واتّباعهم في كلّ أمر ونهي ، ولا يجب اتّباع شخص على الإطلاق إلّا النبيّ أو الإمام المعصوم.

الثالث : إنّه عبّر عن الكتاب والعترة ب‍ « خليفتين » ، كما في حديث الثعلبي الذي ذكره المصنّفرحمه‌الله (٢)

وحديث أحمد في « مسنده »(٣) ، عن زيد بن ثابت ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي تارك فيكم خليفتين ، كتاب الله ، وأهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ».

ومن الواضح أنّ خلافة كلّ شيء بحسبه ، فخلافة القرآن بتحمّله أحكام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومواعظه ، وإنذاره ، وسائر تعاليمه ؛ وخلافة الشخص بإمامته ، وقيامه بما تحتاج إليه الأمّة ، ونشر الدعوة ، وجهاد المعاندين.

الرابع : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ذكر في مفتتح الحديث قرب موته ، كقوله : «يوشك أن يأتيني رسول ربّي فأجيب »(٤)

__________________

(١) العدل والعدل والعديل : النّظير والمثيل ؛ انظر : لسان العرب ٩ / ٨٤ مادّة « عدل ».

(٢) تقدّم آنفا في الصفحة ٢٣٧.

(٣) ص ١٨٢ و ١٨٩ من الجزء الخامس. منهقدس‌سره .

(٤) راجع ما تقدّم في الصفحتين ٢٣٦ و ٢٣٧.

٢٤١

أو قوله : «كأنّي قد دعيت فأجبت »(١)

أو نحو ذلك كما في أحاديث مسلم(٢) ، وأحد حديثي الحاكم(٣) ، وحديث أحمد عن زيد بن أرقم(٤) ، وحديثه عن أبي سعيد(٥) .

ثمّ قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي تارك فيكم الثّقلين » ؛ ومن المعلوم أن ذا السلطان والولاية ، الذي له نظام يلزم العمل به بعده ، إذا ذكر موته وقال : « إنّي تارك فيكم فلانا ، وكتابا حافظا لنظامي » ، لم يفهم منه إلّا إرادة العهد إلى ذلك الشخص بالإمرة بعده ؛ خصوصا وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من كنت مولاه فعليّ مولاه » ، أو : «من كنت وليّه فعليّ وليّه » ، كما في حديثي الحاكم وغيرهما(٦) .

ولا يبعد أنّ وصيّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بالثّقلين كانت في غدير خمّ ، أو أنّه أحد مواردها(٧) ؛ لقوله في حديث مسلم : « خطبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ٤٥ ح ٨١٤٨ وص ١٣٠ ح ٨٤٦٤.

(٢) صحيح مسلم ٧ / ١٢٢ و ١٢٣.

(٣) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١١٨ ح ٤٥٧٦.

(٤) ص ٣٦٧ من الجزء الرابع. منهقدس‌سره .

(٥) ص ١٧ من الجزء الثالث. منهقدس‌سره .

(٦) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١١٨ ح ٤٥٧٦ و ٤٥٧٧ ، المعجم الكبير ٥ / ١٦٦ ـ ١٦٧ ح ٤٩٦٩ ـ ٤٩٧١ وص ١٧١ ـ ١٧٢ ح ٤٩٨٦ ، فوائد سمّويه : ٨٤ ح ٨١.

(٧) لقد صدع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بحديث الثّقلين في مواطن متعدّدة ومواقف شتّى ، وقد أحصيت تلك المواقف فكانت خمسة ؛ مرّة يوم عرفة من حجّة الوداع ، وأخرى بعد انصرافهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الطائف ، وتارة على منبره في المدينة ، وتارة أخرى يوم غدير خمّ ، وآخرها في حجرته المباركة في مرضه الذي توفّي فيه والحجرة غاصّة بأصحابه.

راجع تفصيل ذلك في : تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات ١ / ١٠٤ ـ ١٠٧ ، حديث الثّقلين تواتره ، فقهه : ٣٣ ـ ٣٥.

٢٤٢

بماء يدعى خمّا »(١) ، ولقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض الأحاديث : «من كنت مولاه فعليّ مولاه »(٢) ، فإنّه صادر بالغدير ، فيكون قد عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في خمّ بالخلافة إلى أهل البيت عموما ، وإلى عليّ خصوصا ، فكان الخليفة بعده أمير المؤمنين ، ثمّ الحسنان.

وقد بيّنّا في الآية الثالثة أنّ أهل البيت لا يشمل بقيّة أقارب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) .

الخامس : قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي تارك فيكم أمرين لن تضلّوا إن اتّبعتموهما » ، كما في أحد حديثي الحاكم ، وصحّحه على شرط الشيخين(٤)

ونحوه ما في « الصواعق »(٥) وصحّحه

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «قد تركت فيكم الثّقلين خليفتين ، إن أخذتم بهما لن تضلّوا بعدي » ، كما في حديث الثعلبي الذي ذكره المصنّفرحمه‌الله (٦)

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي » ، كما في حديث الترمذي عن زيد بن أرقم(٧)

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا » ، كما

__________________

(١) صحيح مسلم ٧ / ١٢٢ ، المعجم الكبير ٥ / ١٨٣ ح ٥٠٢٨.

(٢) المعجم الكبير ٥ / ١٦٦ ـ ١٦٧ ح ٤٩٦٩ ـ ٤٩٧١ وص ١٧١ ـ ١٧٢ ح ٤٩٨٦.

(٣) راجع : ج ٤ / ٣٥١ ـ ٣٨٠ من هذا الكتاب.

(٤) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١١٨ ح ٤٥٧٧.

(٥) في المقام السابق [ ص ٢٣٠ ]. منهقدس‌سره .

(٦) تقدّم آنفا في الصفحة ٢٣٧.

(٧) سنن الترمذي ٥ / ٦٢٢ ح ٣٧٨٨.

٢٤٣

في حديث الترمذي عن جابر(١) ، وحديث أحمد عن أبي سعيد(٢) .

فإنّ كلّ واحد من هذه الأقوال صريح في بطلان خلافة المشايخ الثلاثة ؛ لأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله رتّب عدم ضلال أمّته دائما وأبدا على التمسّك بالثقلين.

وبالضرورة ، أنّ الضلال واقع ولو أخيرا ؛ لاختلاف الأديان وفساد الأعمال ، فيعلم أنّهم لم يتمسّكوا في أوّل الأمر بالعترة والكتاب ، وأنّ خلافة الثلاثة خلاف التمسّك بهما ، ولذا وقع الضلال.

ولا يرد النقض بأنّ الأمّة تمسّكت بالعترة ـ حين بايعت عليّاعليه‌السلام ـ ومع ذلك وقع الضلال المذكور ؛ وذلك لأنّ المراد هو التمسّك بالعترة كالكتاب بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بلا فصل.

على أنّ الأمّة لم تتمسّك بعليّعليه‌السلام بعد مبايعته ؛ لمخالفة الكثير منهم له حتّى انقضت أيّامه بحرب الأمّة.

فأين تمسّكها بالعترة؟! وأين تمسّكها بالكتاب ، وهو قد قاتلهم على تأويله؟!(٣) .

فإن قلت : لعلّ المراد : أنّكم إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا ما دمتم متمسّكين بهما ، فلا يدلّ ضلالهم أخيرا على عدم تمسّكهم أوّلا.

قلت : هذا احتمال خارج عن الظاهر ، حتّى بلحاظ قوله ـ في خبري الترمذي المذكورين ـ : «ما إن تمسّكتم به » و « ما إن أخذتم به » ؛ لأنّ « ما » فيهما مفعول به ل‍ «تركت » و «تارك » ، لا ظرفية زمانية.

__________________

(١) سنن الترمذي ٥ / ٦٢١ ح ٣٧٨٦.

(٢) ص ٥٩ من الجزء الثالث. منهقدس‌سره .

(٣) راجع : ج ٥ / ٨٥ وما بعدها من هذا الكتاب.

٢٤٤

فقد ظهر من هذه الوجوه الخمسة دلالة الحديث على أنّ الإمامة في العترة الطاهرة ، لا على مجرّد الوصيّة بأخذ العلم منهم.

ولو سلّم ، فمن الواضح دلالة الحديث على وجوب أخذ العلم منهم ، وعدم جواز مخالفتهم ، كالقرآن ، وحينئذ فيجب اتّباع قولهم في الإمامة ، وفي صحّة إمامة شخص وعدمها ؛ لأنّه من أخذ العلم منهم.

ومن المعلوم أنّ عليّا خالف في إمامة أبي بكر ـ ولو في بعض الأوقات ـ ، فتبطل ولو في الجملة ، وهذا خلاف مذهب القوم.

فكيف وقد ادّعى أنّ الحقّ له من يوم وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى حين موته هوعليه‌السلام ، وتظلّم منهم مدّة حياته ـ كما سبق(١) ـ؟!

وأيضا : لم تتّبع الأمّة عترة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في أمر الخمس والمتعتين وكثير من الأحكام ، فيكونون ضلّالا!

وما أدري متى تمسّكت الأمّة بالعترة؟!

أفي زمن أمير المؤمنين؟! أو في زمن أبنائه الطاهرين؟! وقد تركوا كلّا منهم حبيس بيته لا يسمع له قول ، ولا يتّبع له أمر ، ولا يؤخذ منه حكم.

بل جعلوا عداوتهم وسبّهم دينا ، وحاربوهم بالبصرة والشام والكوفة ، وسبوا نساءهم سبي الترك والديلم!

فهل تراهم مع هذا قد تمسّكوا بهم ، أو نبذوهم وراء ظهورهم وانقلبوا على الأعقاب ، كما ذكره سبحانه في عزيز الكتاب(٢) ؟!

__________________

(١) راجع : ج ٤ / ٢٨٠ ـ ٢٩٦ من هذا الكتاب.

(٢) كما في قوله تعالى :( وَما مُحَمَّدٌ إِلأَرَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ

٢٤٥

هذا ، ولا يخفى أنّ الحديث دالّ على بقاء العترة إلى يوم القيامة لأمور :

الأوّل : قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه : «إنّي تارك فيكم الثّقلين » ؛ فإنّه دالّ على أنّه ترك فيهم ما يحتاجون إليه ، وما هو كاف في حصول حاجتهم.

وبالضرورة ، أنّه لو لم يدل الثقلان لم يكفيا ؛ لأنّ الأمّة محتاجة مدى الدهر إلى الأحكام والحكّام.

الثاني : قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا » ؛ فإنّ تأبيد عدم الضلال موقوف على تأبيد ما يتمسّك به.

الثالث : قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لن يفترقا » ؛ فإنّه لو لم يكن في وقت من الأوقات من هو قرين الكتاب من العترة ، لافترق الكتاب عنهم.

وقد أقرّ ابن حجر في عبارته السابقة بإفادة الحديث بقاء العترة إلى يوم القيامة(١)

وقال بعد ذلك : « وفي أحاديث التمسّك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهّل منهم للتمسّك به إلى يوم القيامة ، كما أنّ الكتاب العزيز كذلك ؛ ولهذا كانوا أمانا لأهل الأرض كما يأتي ، ويشهد لذلك الخبر السابق : (في كلّ خلف من أمّتي عدول من أهل بيتي ) »(٢) إلى آخره.

__________________

أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) سورة آل عمران ٣ : ١٤٤.

(١) راجع الصفحة ٢٤٠ من هذا الجزء.

(٢) الصواعق المحرقة : ٢٣٢.

٢٤٦

أقول :

أراد بالخبر السابق ، ما نقله قبل هذا الكلام عن الملّاء في « سيرته » ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «في كلّ خلف من أمّتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالّين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، ألا وإن أئمّتكم وفدكم إلى الله عزّ وجلّ ، فانظروا من توفدون »(١) .

وليت شعري ، إذا علم ابن حجر ذلك ، فما باله أنكر إمامة العترة ، ودان بإمامة أضدادهم ، وتمسّك بالشجرة الملعونة في القرآن؟!

وكيف حلّ له أن يترك الأخذ ممّن ينفون عن الدين تحريف الضالّين ، ويرجع في أحكامه إلى من حرّفوا الدين ، بشهادة مخالفتهم لمن ينفون عنه التحريف؟!

بل لم يكتف ابن حجر وأصحابه حتّى عيّنوا لأخذ الأحكام أئمّتهم الأربعة ، وحرّموا الرجوع إلى أهل البيت!

فهل هذا من التمسّك بالكتاب والعترة اللذين لا يفترقان إلى يوم القيامة؟!

هذا كلّه في حديث الثّقلين(٢) .

__________________

(١) الصواعق المحرقة : ٢٣١ ؛ وانظر : ذخائر العقبى : ٤٩ ، جواهر العقدين : ٢٤١ ـ ٢٤٢.

(٢) وانظر تخريج الحديث مفصّلا في : ج ٢ / ١٨٧ ه‍ ١ من هذا الكتاب.

وراجع ما كتبه السيّد عليّ الحسيني الميلاني ـ حفظه الله ورعاه ـ في الأجزاء

٢٤٧

وأمّا غيره ممّا ذكره المصنّفرحمه‌الله :

فالخبر الأوّل قد رواه أحمد(١) ، ورواه الترمذي في مناقب عليّ من « سننه » وحسّنه(٢) .

ودلالته على أنّ الإمامة في العترة الطاهرة ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ساواهم معه دون من سواهم ، في أنّ من أحبّهم نال تلك المنزلة الرفيعة والمرتبة السامية ، الدالّة على الفضل عند الله سبحانه والقرب منه.

فيثبت لهم الفضل على غيرهم ، وتكون الإمامة بهم.

ومثله في الدلالة على المطلوب الخبر الثاني ، الذي حكاه المصنّف عن أحمد ، عن جابر ؛ ولم أجده في « مسنده » ، ولا يبعد أنّه ممّا نالته يد الإسقاط كما هو العادة(٣) !

وقد تقدّم في الآية الحادية والأربعين ما يصدّق هذا الحديث(٤) .

__________________

١ ـ ٣ من موسوعته « نفحات الأزهار » ، من بحوث علمية في ما يتعلّق بالحديث وما يرتبط به.

وأمّا في ما يخصّ لفظ « كتاب الله وسنّتي » الوارد في بعض روايات الجمهور ، فانظر :

ما كتبه السيّد عليّ الحسيني الميلاني في كتابه « حديث الثّقلين : تواتره ، فقهه كما في كتب السنّة ».

ورسالته في حديث الوصيّة بالثّقلين : الكتاب والسنّة.

وكذلك ما كتبه الشيخ جلال الدين الصغير ـ حفظه الله ـ في كتابه : عصمة المعصوم عليه‌السلام وفق المعطيات القرآنية : ٢٠٥ ـ ٢٤٢.

(١) في الجزء الأوّل ، ص ٧٧. منهقدس‌سره .

(٢) سنن الترمذي ٥ / ٥٩٩ ـ ٦٠٠ ح ٣٧٣٣.

(٣) تقدّم تخريجه مفصّلا في الصفحة ٢٣٥ ه‍ ٣ من هذا الجزء ؛ فراجع!

(٤) راجع : ج ٥ / ٢٠٠ ـ ٢٠١ من هذا الكتاب.

٢٤٨

ونقل السيوطي في « اللآلئ المصنوعة » ما هو قريب منه ، عن ابن مردويه ، بسند فيه عبّاد بن يعقوب ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «مثلي مثل شجرة ، أنا أصلها ، وعليّ فرعها ، والحسن والحسين ثمرتها ، والشيعة ورقها ، فأيّ شيء يخرج من الطيّب إلّا الطيّب »(١) .

قال ابن الجوزي : « عبّاد ، رافضي ، يروي المناكير »(٢) .

أقول :

لا وجه لذكر حديثه في « الموضوعات » ، وإلّا لجرّ الطعن إلى صحاحهم ؛ لأنّه ممّن روى له البخاري في « صحيحه » ، وروى له الترمذي ، وابن ماجة ، ووثّقه جماعة(٣) .

__________________

(١) اللآلئ المصنوعة ١ / ٣٤٥.

(٢) الموضوعات ١ / ٣٩٧.

(٣) انظر : تهذيب الكمال ٩ / ٤٣٣ رقم ٣٠٨٨ ، ميزان الاعتدال ٤ / ٤٤ رقم ٤١٥٤ ، تهذيب التهذيب ٤ / ١٩٩ رقم ٣٢٣٩ ، تقريب التهذيب ١ / ٢٧٤ رقم ٣٢٣٩ ، هدي الساري مقدّمة فتح الباري : ٥٧٩ ، وقد وضعوا له رمز البخاري والترمذي وابن ماجة.

وعبّاد هو : أبو سعيد عبّاد بن يعقوب الأسدي الرّواجني الكوفي ، المتوفّى سنة ٢٥٠ ه‍.

ومن جملة ما تثبت به وثاقته ـ فضلا عن كونه من رجال البخاري والترمذي وابن ماجة ـ رواية كبار أعلام الجمهور ومحدّثيهم عنه ، وتوثيقهم له ؛ فقد روى عنه أبو حاتم والبزّار وابن خزيمة.

وقال عنه أبو حاتم : شيخ ، ثقة.

وقال الحاكم : كان ابن خزيمة يقول عنه : حدّثنا الثقة في روايته.

وقال الدارقطني : صدوق.

وقال إبراهيم بن أبي بكر بن أبي شيبة : لو لا رجلان من الشيعة ما صحّ لهم

٢٤٩

وليست مناكيره عندهم إلّا رواياته في فضل آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله !

قال ابن عديّ : « روى أحاديث في الفضائل أنكرت عليه » كما حكاه عنه في « ميزان الاعتدال »(١) .

وأظهر من الحديثين المذكورين في الدلالة على مذهب الإماميّة حديث الزمخشري(٢) ؛ فتبصّر واعتبر!

* * *

__________________

حديث ؛ عبّاد بن يعقوب ، وإبراهيم بن محمّد بن ميمون.

وقال الذهبي : صادق في الحديث.

وقال ابن حجر مرّة : بالغ ابن حبّان فقال : يستحقّ الترك.

وقال أخرى : رافضيّ مشهور ، إلّا أنّه كان صدوقا.

(١) ميزان الاعتدال ٤ / ٤٤ رقم ٤١٥٤ ؛ وانظر : الكامل في ضعفاء الرجال ٤ / ٣٤٨ رقم ١١٨٠.

(٢) تقدّم في الصفحة ٢٣٦ ـ ٢٣٧ ؛ فراجع!

٢٥٠

٢٦ ـ حديث الكساء

قال المصنّف ـ قدّس الله روحه ـ(١) :

السادس والعشرون : في « مسند أحمد بن حنبل » ، من عدّة طرق ، وفي « الجمع بين الصحاح الستّة » ، عن أمّ سلمة ، قالت : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في بيتي ، فأتت فاطمة فقال : ادعي زوجك وابنيك.

فجاء عليّ وفاطمة والحسن والحسين ، وكان تحته كساء خيبري ، فأنزل الله :( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ ) يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً(٢) .

فأخذ فضل الكساء وكساهم به ، ثمّ أخرج يده فألوى بها إلى السماء وقال :هؤلاء أهل بيتي.

فأدخلت رأسي البيت وقلت : وأنا معهم يا رسول الله.

قال :إنّك إلى خير (٣) .

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٢٨.

(٢) سورة الأحزاب ٣٣ : ٣٣.

(٣) انظر : مسند أحمد ١ / ٣٣١ وج ٣ / ٢٥٩ و ٢٨٥ وج ٤ / ١٠٧ وج ٦ / ٢٩٢ و ٣٠٤ و ٣٢٣.

وأخرجه رزين العبدري في « الجمع بين الصحاح الستّة » من موطّأ مالك وصحيحي البخاري ومسلم وسنن أبي داود وصحيح الترمذي والنسخة الكبيرة من

٢٥١

وقد روي نحو هذا المعنى من « صحيح أبي داود »(١)

و « موطّأ مالك »(٢)

و « صحيح مسلم » في عدّة مواضع وعدّة طرق(٣) .

* * *

__________________

صحيح النسائي.

راجع : عمدة عيون صحاح الأخبار : ٨٨ ح ٣٤ و ٣٥.

(١) انظر : سنن أبي داود ٤ / ٤٣ ح ٤٠٣٢ باب في لبس الصوف والشعر!! وطالته يد الخيانة فبترت الحديث ، فلم يبق منه إلّا : « خرج رسول الله وعليه مرط مرحّل من شعر أسود » فجاء ناقص المعنى!!

(٢) عمدة عيون صحاح الأخبار : ٨٨ ـ ٨٩ ح ٣٤ و ٣٦ و ٣٧ عن « الموطّأ ».

(٣) صحيح مسلم ٧ / ١٣٠ ـ ١٣١ كتاب الفضائل / باب فضائل أهل بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢٥٢

وقال الفضل(١) :

إنّ الأمّة اختلفت فيها أنّها في من نزلت؟ وظاهر القرآن يدلّ على أنّها نزلت في أزواج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وإن صدق في النقل عن « الصحاح » فكانت نازلة في آل العباء ، وهي من فضائلهم ، ولا تدلّ على النصّ بالإمامة.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤٧٥.

٢٥٣

وأقول :

سبق في الآية الثالثة ما فيه تبصرة ومعتبر(١) .

وليت شعري ، كيف تكون ذاهبة الرجس ، طاهرة عند الله سبحانه ، من ضرب مثلها في الكتاب العزيز بامرأة نوح وامرأة لوط(٢) ؟!

* * *

__________________

(١) تقدّم في مبحث آية التطهير ، في ج ٤ / ٣٥٦ ـ ٣٨٠ ؛ فراجع!

(٢) إشارة إلى قوله تعالى :( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) سورة التحريم ٦٦ : ١٠.

وراجع مبحث الآية ٣٤ ، وهي قوله تعالى :( وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ) سورة التحريم ٦٦ : ٤ ، في ج ٥ / ١٥٩ ـ ١٦٣ من هذا الكتاب.

وانظر : ج ٤ / ٣٥٩ ه‍ ٢ و ٣ من هذا الكتاب.

٢٥٤

٢٧ ـ حديث : أهل بيتي أمان لأهل الأرض

قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ(١) :

السابع والعشرون : في « مسند أحمد بن حنبل » ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «النجوم أمان لأهل السماء ، فإذا ذهبت ذهبوا ، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض ، فإذا ذهب أهل بيتي ، ذهب أهل الأرض »(٢) .

ورواه صدر الأئمّة موفّق بن أحمد المكّي(٣) .

وفي « مسند أحمد » : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «اللهمّ إنّي أقول كما قال أخي موسى : [ اللهمّ ] ( اجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي ) (٤) ،عليّا

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٢٩.

(٢) أخرجه أحمد في « المسند » كما في أرجح المطالب : ٣٢٨ ؛ وانظر : فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ ٢ / ٨٣٥ ح ١١٤٥ ، ينابيع المودّة ١ / ٧١ ح ١ عن عبد الله بن أحمد في « زيادات المسند ».

(٣) مقتل الحسينعليه‌السلام ١ / ١٦٢ ح ٦٥ ؛ وانظر : المعجم الكبير ٧ / ٢٢ ح ٦٢٦٠ ، نوادر الأصول ـ للحكيم الترمذي ـ ٢ / ١٠١ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٦٢ ح ٤٧١٥ ، موضّح أوهام الجمع والتفريق ٢ / ٤٦٣ رقم ٤٦١ ، فردوس الأخبار ٢ / ٣٧٩ ح ٧١٦٦ ، تاريخ دمشق ٤٠ / ٢٠ رقم ٤٦٣٠ ، ذخائر العقبى : ٤٩ ، فرائد السمطين ٢ / ٢٤١ ح ٥١٥ وص ٢٥٢ ـ ٢٥٣ ح ٥٢١ و ٥٢٢ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٧٤ ، جواهر العقدين : ٢٥٩ ، كنز العمّال ١٢ / ١٠١ ـ ١٠٢ ح ٣٤١٨٨ ـ ٣٤١٩٠.

(٤) سورة طه ٢٠ : ٢٩.

٢٥٥

أخي( اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) (١) »(٢) .

* * *

__________________

(١) سورة طه ٢٠ : ٣١ و ٣٢.

(٢) رواه أحمد في « المسند » كما في عمدة عيون صحاح الأخبار : ٣٣٥ ح ٤٥٤ ؛ وانظر : فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ٨٤٣ ـ ٨٤٤ ح ١١٥٨ ، ينابيع المودّة ١ / ٢٥٨ ح ٥ ، الدرّ المنثور ٥ / ٥٦٦ عن ابن مردويه والخطيب البغدادي ، الطيوريات : ٧٥٣ ح ٢٥ م ، شواهد التنزيل ١ / ٣٦٩ ـ ٣٧١ ح ٥١١ ـ ٥١٣ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٥٢ ، ذخائر العقبى : ١١٩ ، الرياض النضرة ٣ / ١١٨.

٢٥٦

وقال الفضل(١) :

هذا موافق في المعنى للحديث المذكور قبل ، وهو أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّ : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي »(٢) .

ومراد موسى في قوله :( وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) ، الإشراك في أمر النبوّة ، ودعوة فرعون.

وهذا لا يصحّ هناك ؛ لقوله : «إلّا أنّه لا نبيّ بعدي » ، اللهمّ إلّا أن يراد المشاركة في دفع الكفّار بالحرب وتبليغ العلم.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤٧٦.

(٢) راجع مبحث حديث المنزلة في الصفحة ٨٠ وما بعدها من هذا الجزء.

٢٥٧

وأقول :

سبق دلالة هذا الحديث ورواته في آخر آية من الآيات التي ذكرناها في الخاتمة ؛ فراجع(١) .

وما زعمه من إرادة المشاركة في دفع الكفّار وتبليغ العلم ظاهر البطلان ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما سأل عين ما سأله موسىعليه‌السلام بقوله :( وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) .

ومن الواضح أنّ موسى لم يرد المشاركة في دفع الكفّار ؛ لأنّه قد طلب دفعهم بطلب جعله وزيرا ، فإنّ دفع الأعداء أظهر فوائد الوزارة ، فلا حاجة لإعادة هذا الطلب بقوله :( وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) .

فينبغي أن يريد المشاركة في النبوّة ، والرئاسة على الأمّة ، وتحمّل العلوم إلى نحو ذلك.

فإذا دعا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بما دعا به موسىعليه‌السلام ، ثبتت لعليّ المشاركة في كلّ ذلك سوى النبوّة ؛ للدليل المخرج لها.

على أنّ ظاهر الأخبار كون المشاركة من خواصّ أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فلا يراد بها المشاركة في دفع الكفّار وتبليغ العلم ؛ لأنّها لا تخصّ عليّاعليه‌السلام ، إلّا أن يراد بها أعلى مراتب المشاركة في الدفع والتبليغ ، بحيث لا يعدّ غيره مشاركا بالنسبة إليه ، فله وجه.

ولكنّه ـ أيضا ـ مثبت للمطلوب ؛ لأنّه فرع الفضل العظيم على غيره ،

__________________

(١) راجع : ج ٥ / ٤٠٨ وما بعدها من هذا الكتاب.

٢٥٨

والأفضل أحقّ بالإمامة.

وقد تقدّم في الحديث التاسع ما ينفعك ؛ فراجع(١) .

واعلم أنّ الحديث الأوّل ـ الذي حكاه المصنّفرحمه‌الله عن أحمد وموفّق بن أحمد(٢) ـ لم يتعرّض الفضل لجوابه غفلة أو تغافلا ، وقد حكاه غير المصنّف عن « المسند » ، كصاحب « ينابيع المودّة »(٣) ، وابن حجر في « الصواعق »(٤) ، كما ستعرف.

وأنا لم أجده في « المسند » بعد التتبّع ، والظاهر أنّ أيدي التلاعب لعبت في إسقاطه!

ولعلّ الحديث الآخر كذلك(٥) ، ولا ريب أنّه من أدلّ الأمور على إمامة أهل البيتعليهم‌السلام ؛ إذ لا يكون المكلّف أمانا لأهل الأرض إلّا لكرامته على الله تعالى ، وامتيازه في الطاعة والمزايا الفاضلة ، مع كونه معصوما ، فإنّ العاصي لا يأمن على نفسه ، فضلا عن أن يكون أمانا لغيره ، ولا سيّما إذا كان عظيما ، فإنّ المعصية من العظيم أعظم ، والحجّة عليه ألزم.

فإذا كانوا أفضل الناس ومعصومين ، فقد تعيّنت الإمامة لهم ، وهو دليل على بقائهم ما دامت الأرض ، كما هو مذهبنا.

وقد جعل الله تعالى هذه الكرامة العظيمة لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل أهل بيته ،

__________________

(١) انظر كلامهقدس‌سره في مبحث حديث المنزلة ، في الصفحات ٨٣ ـ ٨٧ من هذا الجزء.

(٢) تقدّم آنفا في الصفحة ٢٥٥.

(٣) ينابيع المودّة ١ / ٧١ ح ١.

(٤) الصواعق المحرقة : ٢٣٤.

(٥) تقدّم آنفا في الصفحة ٢٥٥.

٢٥٩

فقال سبحانه :( وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) (١) .

وأشار إلى ذلك ابن حجر في « صواعقه »(٢) ، فقال : « السابعة : قوله تعالى :( وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) ، أشارصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى وجود هذا المعنى في أهل بيته ، وأنّهم أمان لأهل الأرض كما كان هوصلى‌الله‌عليه‌وآله أمانا لهم ، وفي ذلك أحاديث كثيرة ».

ثمّ ذكر أخبارا من جملتها رواية أحمد التي ذكرها المصنّفرحمه‌الله أوّلا(٣) .

وحكى في « كنز العمّال » في فضائل أهل البيت(٤) ، عن ابن أبي شيبة ، ومسدّد ، والحكيم ، وأبي يعلى ، والطبراني ، وابن عساكر ، أنّهم رووا عن سلمة بن الأكوع ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «النجوم أمان لأهل السماء ، وأهل بيتي أمان لأمّتي ».

وروى الحاكم في « المستدرك » ، وصحّحه(٥) ، عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق ، وأهل بيتي أمان لأمّتي من الاختلاف ، فإذا خالفتها قبيلة من العرب ، اختلفوا

__________________

(١) سورة الأنفال ٨ : ٣٣.

(٢) عند الكلام على الآية السابعة من الآيات الواردة في أهل البيت : [ ص ٢٣٣ ]. منهقدس‌سره .

(٣) الصواعق المحرقة : ٢٣٤ ـ ٢٣٥.

(٤) ص ٢١٧ من الجزء السادس [ ١٢ / ١٠١ ـ ١٠٢ ح ٣٤١٨٨ ]. منهقدس‌سره .

وانظر : نوادر الأصول ـ للحكيم الترمذي ـ ٢ / ١٠١ ، المعجم الكبير ٧ / ٢٢ ح ٦٢٦٠ ، تاريخ دمشق ٤٠ / ٢٠ رقم ٤٦٣٠.

أمّا في مسند أبي يعلى ١٣ / ٢٦٠ ح ٧٢٧٦ فقد جاءت لفظة « أصحابي » بدلا عن لفظة « أهل بيتي » ؛ فلاحظ!

(٥) ص ١٤٩ من الجزء الثالث [ ٣ / ١٦٢ ح ٤٧١٥ ]. منهقدس‌سره .

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608