الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٨

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل12%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 496

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 496 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 237657 / تحميل: 7586
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٨

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

ولو ذكرنا ما سرده ابن الجوزيّ من أمثال هذه الحكايات الخوارق لكانت كتاباً ضخماً!

وإنّما نقلنا بعضاً قليلاً منها لنقول: إنّ الرجل ذكرها على أنّها مسلّمات، فيما أنكر حديث ردّ الشمس، وشايعه ابن تيميه على ذلك.

نكتفي بما ذكرناه بشأن الآية المباركة، فإنّ الأحاديث التي ذكرها: ابن عبّاس وأنس بن مالك، وأبو سعيد الخدريّ، وسعد بن أبي وقّاص، وأبو الحمراء... كلّها في أنّ الآية في الخمسة أصحاب الكساء: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعليّ وفاطمه والحسن والحسينعليهم‌السلام (1) .

يحيى بن سلاّم، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبي داود، عن أبي الحمراء

____________________

(1) مسند أحمد بن حنبل 1: 185 و 331 و 6: 292، وصحيح مسلم 7: 130، والمعارف لابن قتيبة 448، وسنن الترمذيّ 5: 361، وتفسير الطبريّ 22: 6، وتفسير الحبريّ 298، و 300 - 307، ومشكل الآثار للطّحاويّ الحنفيّ 321، والكنى والأسماء للدولابيّ 2: 254 / 2619 و 255 / 2622، وأسباب النزول للواحديّ 239، والمعجم الكبير للطبرانيّ 1: 128، والمعجم الصغير، له 1: 135، والمستدرك على الصحيحين للحاكم الشافعيّ، وبذيله التلخيص للذهبيّ الحنبليّ 2: 416، و 3: 146 - 147، وكفاية الطالب للكنجيّ الشافعيّ 276 و 373 - 375، وتفسير ابن أبي زمنين 2: 164، والسنن الكبرى للبيهقيّ 2: 152، وتاريخ بغداد 1: 278، ومناقب الإمام عليّعليه‌السلام لابن المغازليّ الشافعي 301 - 307 / الرقم 345 - 351، وتفسير ابن كثير الحنبليّ 3: 485، وتذكرة الخواصّ لسبط ابن الجوزي الحنفي 248، وشواهد التنزيل / الرقم 712 - 713، ومناقب الإمام عليّ لابن مردويه 301 / 4754، ومطالب السؤول لابن طلحة الشافعي 8، والفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكيّ 12، والرياض النضرة للمحبّ الطبري 2: 269، وذخائر العقبى له: 25، والمحرّر الوجيز لابن عطيّة 4: 384.

١٢١

قال: «رابطتُ المدينة سبعة أشهر مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسمعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا طلع الفجر جاء إلى باب عليّ وفاطمة فقال: الصلاة - ثلاثاً -« إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً » (1) ».

قال: الرِّجْس، يعني: الشيطان، وقال بعضهم: الرِّجس الإثم. والرجس في اللّغة: كلّ مستنكرٍ مستقذرٍ من مأكولٍ أو عملٍ أو فاحشة.(2)

قال ابن عطيّة: الرجس اسم يقع على الإثم وعلى العذاب وعلى النجاسات والنقائص؛ فأذهب الله جميع ذلك عن «أهل البيت». وذكر حديث أمّ سلمة(3) .

عصمة أهل البيتعليهم‌السلام

إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله معصوم ضرورةً، وإلا لم يصلح للنبوّة! والآية المباركة زيادة بيانٍ في عصمتهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يَشرِكه فيها إلاّ أهل بيته: عليّ وفاطمة والحسن والحسين؛ فهم معصومون كذلك، لا يقربهم الشيطان، ولا يقارفون إثماً، ولا يأتون بفاحشة ولا تُصيبهم النجاسات التي أصابت غيرهم، وهم مُبَرّأون من كلّ نقصٍ وعيب ومن كلّ ما ينفّر؟ فكيف نفى ابن تيميه عصمة أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ؟!

____________________

(1) المسند لابن أبي شيبة (720)، وتفسير ابن أبي زمنين (2 / 164)، ومختصر تاريخ دمشق (17: 342).

(2) المسند لابن أبي شيبة (720)، وتفسير الطبري (22/6)، وتفسير ابن أبي زمنين (2 / 164).

(3) المحرّر الوجيز لابن عطيّة الأندلسيّ 4 / 384.

١٢٢

حديث الثّقلين

وحديث الثّقلين دليل آخر علي عصمة أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام .

يَرِد حديث الثّقلين من طُرقٍ عدّة تنتهي بجلّة الصّحابة وأمّهات المؤمنين.

عن زيد بن أرقم قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي تاركٌ فيكم الثّقلين: كتاب الله وعِترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض»(1) .

وقد تكلّمنا حول حديث الثّقلين في غير هذا الموضع كلاماً وافياً، وإنّما أردنا القول: إنّ تركة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اثنان: القرآن الكريم، وعِترتُه أهل بيته. ولما كان القرآن الكريم معصوماً مُصَاناً من قبل الله تعالى؛ فكذلك عِدْلُه الثّقل الثاني: أهل البيت: فهم معصومون، وعليّعليه‌السلام منهم، فأمير المؤمنين عليّ معصوم.

وبهذا الاستدلال، وما سبقه من آية التطهير؛ فإنّ عليّاًعليه‌السلام أفضل الجميع بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم ينزل نصّ من الله تعالى. ولا جاء حديث في نسخ العصمة أو الأفضليّة.

آية المباهلة

ومن أدلّة أفضليّة وعصمة أهل بيت الرحمة وموضع الرسالة قوله تعالى:

____________________

(1) الجامع الصحيح للترمذيّ 5: 328، وكتاب الولاية لابن عُقدة: 175، والمستدرك على الصحيحين 3: 148، ومناقب الإمام عليّ لابن المغازليّ: 234 ح 281، وعن زيد أيضاً، وبلفظ آخر، في: مسند أحمد 4: 367، وصحيح مسلم 16: 180 - 181، وسنن الدارميّ 2: 431، وسنن البيهقيّ 2: 148، ومناقب الإمام عليّ لابن المغازلي: 236، وكنز العمّال 13: 641.

١٢٣

« تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِل فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ » (1) .

والآية في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي أخيه وعيبة علمه ونفسه عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وابنته الطاهرة فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وسبطَيه الحسن والحسينعليهما‌السلام .

وذلك أنّ وفد نصارى نجران حاجّوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بباطلهم، وأبَوُا الإسلام، فدعاهم إلى المباهلة، أي الملاعنة وإلى دعاء الله تعالى أن ينزل عقابه على الكاذبين، وهي سنّةٌ أمضاها الأنبياء من قبله، فنال العذاب العاجل المذنبين من أقوامهم. ورجال الدّين وأحبار النصارى يعلمون ذلك، فلمّا حان الموعد خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يباهلهم بعليٍّ؛ فكان نفس رسول الله، وببضعته الطاهرة فاطمة الزهراء، وبولديه الحسن والحسين: فلمّا رأى الوفد هذه الوجوه المقدّسة، استشعروا الهزيمة، وامتنعوا من المباهلة ورضوا بإعطاء الجزية(2) .

ومن هنا كان عليّ وفاطمة والحسن والحسين: معجزة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم

____________________

(1) آل عمران / 61.

(2) مسند أحمد 2: 300، وتفسير الطبريّ 3: 192، والجامع الصحيح للترمذيّ 5: 301، وصحيح مسلم 15: 176، وأسباب النزول للواحديّ 67، وتفسير 1: 114، وتفسير ابن العربي 1: 230، وشواهد التنزيل 1: 20 - 129 / 168 - 175، وأحكام القرآن لابن العربيّ 1: 331، والتفسير الكبير للفخر الرازيّ 2: 299، والمستدرك على الصحيحين 3: 163 / 4719، ودلائل النبوّة لابي نعيم 297، وتفسير ابن كثير 1: 370، وكفاية الطالب 142 ووافقه الذهبيّ في التلخيص، ومصابيح السّنّة للبغويّ 2: 454، ومناقب الإمام عليّ لابن المغازليّ 318 / 362، والمناقب للخوارزميّ 108، والكشّاف للزمخشريّ 1: 368، والسّنن الكبرى للبيهقيّ 7: 63.

١٢٤

المباهلة ولو قامت الحجّة على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وحلّ العذاب بساحته؛ لبطلت معجزته وانتهت رسالته، فدلّ ذلك على أفضليّتهم وعصمتهم، إذ لم يختر غيرهم. وبدوام الآية في القرآن يتلوها المؤمنون، دامت أفضليّتهم وعصمتهم! ولو عَلِم الله أنّ في الأرض عباداً أكرم منهم وأفضل، لأمر نبيّه أن يباهل بهم.

تتويج أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام وليّاً للمسلمين

ونختم حديثنا في أفضليّة أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام وعصمته بما كان من تتويج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاًعليه‌السلام وليّاً وخليفةً للمسلمين بأمر الله تعالى؛ وذلك قوله عزّ وجلّ:

« يَا أَيّهَا الرّسُولُ بَلّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبّكَ وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ » (1) .

نزلت يوم الثامن عشر من ذي الحجّة سنة (10 هـ) وتسمّى حجّةَ الوداع، إذ هي آخر حجّة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يلبث بعدها طويلاً فتوفّي سنة (11 هـ). ولمّا قفلصلى‌الله‌عليه‌وآله راجعاً، وبلغ غدير خمّ أتاه جبرئيل بهذه الآية، فنادىصلى‌الله‌عليه‌وآله : الصلاة جامعة، فاجتمع الحجيج، وخطب رسول الله وبلّغ أمر الله تعالى، وأخذ بيد عليّعليه‌السلام وقال: «مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، اللّهمَّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه».

وقد تكلّمنا بما لا مزيد عليه حول الحادثة في غير هذا الموضع وتضمّن شعرحسّان بن ثابت في ذلك، ورُواة حديث الغدير ومصادره، كان فيهم (87)

____________________

(1) المائدة: 67.

١٢٥

صحابيّاً، ومن التابعين (62) تابعيّاً، وأمّا مصادره فتربو على (70) مصدراً.

الاستدلال بالحديث

ودلالة حديث الغدير مثل الآيات والأحاديث التي ذكرناها من حيث ظهورها في أفضلية أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام وديمومتها، وعصمته. فالآية المباركة وتبليغ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المسلمين بما ينبغي عليهم من طاع أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام امتثالاً منهم لأمر الله تعالى؛ هو تتويجٌ لما سبق من حثّه إيّاهم في أكثر من مناسبة على وجوب ملازمة عليّعليه‌السلام ، والآية الولاية: الآية 55 من سورة المائدة، وقد مضى الكلام حولها وأنّها في أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام .

والكلام في الغدير هو نفسه في الكلام حول آية الولاية إذ لم ينزل بيان ينسخها؛ فكذلك الحال في آية التبليغ يوم الغدير، فعليّعليه‌السلام أفضل الجميع بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولو لا ذلك لَمَا اختاره الله تعالى أميراً للمؤمنين وخليفةً لرسول ربّ العالمين، لم يدم على هذا الاختيار طويلاً حتّى رحل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ربّه تبارك وتعالى.

ولا يعقل أن يكون خليفة رسول الله والقائم مقامه في التبليغ بعده غير من عصمه الله سبحانه، لئلاّ يركب بالأُمّة سبيل الخطل، فعليّ معصوم والمعصوم دائم الأفضليّة.

حديث المنزلة

وحديث المنزلة من الأدلّة الساطعة في أفضليّة أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام

١٢٦

الدائمة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعصمته وإمامته قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي».

وظهور الحديث فيما ألمحنا إليه جليّ، ذلك أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هو سيّد الأنبياء والرُّسُل، ورسالته خاتمة الرسالات؛ فوصيّه خير الأوصياء، وهارونعليه‌السلام نبيّ معصوم؛ فمنزلة عليّعليه‌السلام بمنزلة نبيّ وإن لم يكن نبيّاً.

والحديث يرد عن: أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ، وعن فاطمة ابنة عليّ عن أسماء بنت عميس، وزين العابدين عليّ بن الحسين، وجعفر بن محمّد عن أبيه وجابر بن عبد الله الأنصاريّ، ومحدوج بن زيد الذّهليّ، وأبي سعيد الخدريّ، وسعد بن أبي وقّاص، وسعيد بن المسيّب، وأبي أيّوب الأنصاريّ، وجابر بن سمرة، ومجاهد، وأمّ سلمة زوج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأبي هريرة، وأنس بن مالك.

مصادر حديث المنزلة

وقد ذكرته كتب الحديث والتراجم في موارد كثيرة، نقتصر على ذكر المصادر وبعض الموارد:

مسند أبي داود (ت 204 هـ) الحديث 205.

المصنّف لعبد الرزّاق (ت 211 هـ) 2: 420 / 3579، و 3: 586 / 6159.

الطبقات الكبرى لابن سعد (ت 230 هـ) 3: 24، ومواضع أُخرى.

المصنّف لابن أبي شيبة (ت 235 هـ) الحديث 12 من فضائل عليّعليه‌السلام .

صحيح البخاريّ، كتاب فضائل أصحاب النبيّ - باب مناقب عليّ. كما

١٢٧

أخرجه في كتاب المغازي، باب غزوة تبوك.

تاريخ البخاريّ الكبير 3 / 48: 179.

صحيح مسلم (ت 261 هـ) 15: 174 - 176.

مسند أحمد؛ مسند أبي سعيد / الحديث 10879، ومواضع أخرى.

الفضائل لأحمد / الحديث 142.

تاريخ الثّقات للعجليّ (ت 261 هـ) 522 / 2106.

خصائص أميرالمؤمنين عليعليه‌السلام للنّسائي / الحديث 43 - 56، و 59 - 60 و 68.

سنن التّرمذيّ: 5، كتاب المناقب، باب مناقب عليّ 21.

مشكل الآثار للطحاويّ الحنفيّ (ت 321 هـ) 2 / 213: 1903.

مسند أبي يعلى (ت 307 هـ).

مسند سعد 2: 66 - 132، وغيره.

مسند ابن حبّان (ت 354 هـ) 15 / 369 / 6926.

المعجم الكبير للطبرانيّ (ت 360 هـ) 24 / 146 / 384.

سنن ابن ماجة (ت 275 هـ) 1: 42 حديث 115.

الكامل لابن عديّ 2 / 416 / ترجمة حرب بن شدّاد.

مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ، لابن المغازلي الشافعي (ت 483 هـ) 34 / الحديث 51.

أنساب الأشراف للبلاذريّ 1: 346.

١٢٨

تاريخ بغداد 3: 289 / 1376.

مناقب عليّ بن أبي طالب، لابن مردويه (ت 410 هـ) 61 / 28 - 29 و 112 / 130.

حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهانيّ (ت 430 هـ) 7 / 194.

المناقب للخوارزمي الموفّق الحنفيّ (ت 568 هـ) 133 / 148.

مناقب الإمام عليعليه‌السلام لمحمّد بن سليمان الكوفيّ «القرن الرابع» 1: 561 / 418.

مختصر تاريخ دمشق 17 / 243 - 248.

تهذيب الكمال للمزّيّ السّلفيّ 35 / 263.

مسند البزّار / الحديث 1074.

حديث الطّير

وذلك أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أهدي إليه طير، فدعا الله تعالى أن يأتيه بأحبّ الخلق إليه ليأكل معه، فجاء عليّعليه‌السلام فأكل معه.

وقد احتجّ به أميرالمؤمنين في جملة ما احتجّ به يوم الشورى، قال: فأُنشدكم بالله، هل فيكم أحدٌ قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «اللّهمّ ائتني بأحبّ الخلق

١٢٩

إليك وإليّ، وأشدّهم حبّاً لك وحبّاً لي، يأكل معي من هذا الطائر(1) » فأتاه فأكل معه، غيري؟ قالوا: اللّهمّ لا.

وأحبّ الخلق إلى الله بعد رسول الله هو أفضلهم من غير مراء، ولم ينقض هذا الحديث حديث فيما بعد، وإنّما ترادفت الأحاديث في ترسيخ هذا الحبّ وتلك الفضيلة الظاهرة في العصمة والإمامة حتّى تُوّج ذلك بحديث الولاية يوم غدير خمّ، فأعلن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولاية عليّعليه‌السلام   المتفرّعة من ولايتهصلى‌الله‌عليه‌وآله وألزمهم إيّاها، ودعا الله تعالى: أن ينصر من نصره، وأن يخذل من خذله!

وما من مناسبة إلاّ وصدحصلى‌الله‌عليه‌وآله بهذا الحبّ الذي صار علامة فارقة بين المؤمن والمنافق؛ فلينظر من ناصب عليّا البغضاء: أين يكون إذا حُشرت الخلائق للحساب؟!

أبو كريب محمّد بن العلاء الكوفيّ قال حدّثنا أبو معاوية - الضرير -، عن

____________________

(1) رواه: أنس خادم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجابر بن عبد الله الأنصاريّ وعبد الله بن عبّاس، وسعيد بن المسيّب. يراجع: التاريخ الكبير للبخاريّ 1: 358، والجامع الصحيح للترمذيّ 2: 299، وأنساب الأشراف للبلاذريّ 2: 378، ومسند أبي يعلى 7: 626 / 3621، والمستدرك على الصحيحين 3: 142، وكتاب الولاية لابن عقدة - حديث المناشدة، الفقرة 10، وتاريخ بغداد 3: 171 و 369 و 8: 382 و 11: 376، وموضّح أوهام الجمع والتفريق، له 2: 298، ومناقب الإمام عليّعليه‌السلام لابن المغازليّ، ذكره بطرقٍ تنيف على العشرين، وتهذيب التهذيب 1: 303، وحليه الأولياء 6: 339، والمناقب للخوارزميّ 68، ومصابيح السّنن للبغويّ 4: 173 / 4770، وتذكرة الخواصّ 44، ولسان الميزان 5: 199، ومجمع الزوائد 9: 126، وتذكرة الحفّاظ 3: 112، وذخائر العقبى 61، وكنز العمّال 13: 167 / 36507.

١٣٠

الأعمش، عن عديّ بن ثابت، عن رزّ بن حبيش، عن عليّ كرّم الله وجهه قال: والله الذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة، إنّه لعهد النبيّ الأمّيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إليّ: أنّه لا يحبّني إلاّمؤمن ولا يبغضني إلاّ منافق(1) .

احتجاج المأمون على الفقهاء في فضل عليّعليه‌السلام

ناظر المأمون حشداً من الفقهاء في فضل أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام وكان ممّا احتجّ به: حديث الطّير.

إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل، عن حمّاد بن زيد قال: بعث إليّ يحيى ابن أكثم وإلى عدّة من أصحابي، وهو يومئذ قاضي القضاة، فقال: إنّ أمير

____________________

(1) مسند الحميديّ (ت 219 هـ) 1 / 31، والمعيار والموازنة للإسكافيّ (ت 220 هـ) / 244، المصنّف لابن أبي شيبة (ت 235 هـ) 7 / 505، ومسند أحمد 1 / 84 - 95 - 128، وفضائل الصحابة، له 948 - 961، وصحيح مسلم 2 / 64، وسنن ابن ماجة 1 / 42 / 114، والسّنّة لعمرو بن أبي عاصم 2 / 598، وأنساب الأشراف للبلاذريّ 2 / 96، وخصائص أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام للنّسائي 101 / 97، والسُّنن، له 8 / 115 - 116، والمسند لأبي يعلي الموصليّ 1 / 84 - 95 - 128، وصحيح ابن حبّان 2 / 177 / 2، ومناقب الإمام عليّ لابن المغازليّ 241 / ح 225 - 226 و 228 و 231، والعقد الفريد لابن عبد ربّه 5: 354، وعلوم الحديث للحاكم / 180، وتاريخ بغداد 14 / 426 / 7785.

وللحديث طريق آخر عن أم سلمة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال «لا يُحبّ عليّاً منافق، ولا يبغضه مؤمن».

مسند أحمد بن حنبل 1: 84، ونذكر كتاب الفضائل له 143 / 208، والمصنّف لابن أبي شيبة 7: 505، وسنن ابن ماجة 1: 114، ومناقب الإمام عليّ لابن المغازليّ 137.

١٣١

المؤمنين [ يعني المأمون ] أمرني أن أُحضر معي غداً مع الفجر أربعين رجلاً كلّهم فقيه يَفْقَه ما يُقال له ويُحسِن الجواب، فسمّوا من تظنّونه يصلح لما يطلب أميرالمؤمنين. فسمّينا له عدّة، وذكر هو عدّة، حتى اكتمل العدد الذي أراد، وأمر بالبكور في السّحر، فغدونا عليه قبل طلوع الفجر، فقال: أحببت أن أُنْبئكم أنّ أميرالمؤمنين أراد مناظرتكم في مذهبه الذي هو عليه والذي يدين اللهَ به.

قلنا: فليفعل أمير المؤمنين، وفّقه الله.

فقال: إنّ أمير المؤمنين يدين الله على أنّ عليّ بن أبي طالب خيرُ خلق الله بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأولى الناس بالخلافة.

قال إسحاق: فقلت: يا أميرالمؤمنين، إنّ فينا من لا يعرف ما ذكر أميرالمؤمنين في عليّ، وقد دعانا أميرالمؤمنين للمناظرة.

فقال: يا إسحاق، اختر، إن شئت سألتك أسألك، وإن شئت أن تسأل فَقُلْ. قال إسحاق: فاغتنمتها منه فقلت: بل أسألك يا أميرالمؤمنين.

قال: سل. قلتُ: من أين قال أميرالمؤمنين أنّ عليّ بن أبي طالب أفضل الناس بعد رسول الله وأحقّهم بالخلافة بعده؟

قال: يا إسحاق، خبِّرني عن الناس بِمَ يتفاضلون حتّى يقال فلانٌ أفضل من فلان؟ قلت بالأعمال الصالحة.

قال: صدقت فأخبرني عمّن فضل صاحبه على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ إنّ المفضول عمل بعد وفاة رسول الله بأفضل من عمل الفاضل على عهد رسول الله، أيُلحق به؟

١٣٢

فقلت: لا يلحق المفضول على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الفاضل أبداً.

قال: فانظر يا إسحاق ما رواه لك أصحابك، ومَن أخذت عنهم دينك وجعلتهم قدوتك، من فضائل عليّ بن أبي طالب؛ فقس عليها ما أتوك به من فضائل أبي بكر، فإن رأيت فضائل أبي بكر تشاكل فضائل عليّ، فقل إنّه أفضل منه؛ لا والله، ولكن فقس إلى فضائله ما روي لك من فضائل أبي بكر وعمر، فإن وجدت لهما من الفضائل ما لعليّ وحده، فقل إنّهما أفضل منه؛ ولا والله، ولكن قس إلى فضائله فضائل أبي بكر وعمر وعثمان، فإن وجدتها مثل فضائل عليّ فقل إنّهم أفضل منه؛ لا والله، ولكن قس بفضائل العشرة الذين شهد لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالجنة، فإن وجدتها تشاكل فضائله فقل إنّهم أفضل منه.

ومضى المأمون يناظره بدءاً بالسبق إلى الإسلام.

وهكذا حتّى سأله عن حديث الطّير، قال المأمون:

فهل تعرف حديث الطّير؟

قلت: نعم.

قال: فحدّثني به.

قال: فحدّثته الحديث، فقال: يا إسحاق، إنّي كنت أكلّمك وأنا أظنّك غير معاند للحقّ، فأمّا الآن فقد بان لي عنادك؛ إنّك توقن أنّ هذا الحديث صحيح؟

قلت: نعم، رواه من لا يمكنني ردّه!

قال: أفرأيت من أيقن أنّ هذا الحديث صحيح، ثمّ زعم أنّ أحداً أفضل من

١٣٣

عليّ، لا يخلو من إحدى ثلاثة: من أن تكون دعوة(1) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عنه مردودةً عليه! أو أن يقول عرف الفاضل من خلقه وكان المفضول أحبّ إليه! أو أن يقول إن الله عزّوجلّ لم يعرف الفاضل من المفضول!! فأيّ الثلاثة أحبّ إليك أن تقول؟ فأطرقت.

ثمّ قال: يا إسحاق لا تقل منها شيئاً؛ فإنّك إن قلت منها شيئاً استنبئتك، وإن كان للحديث عندك تأويل غير هذه الثلاثة الأوجه فقله.

قلت: لا أعلم، وإنّ لأبي بكر فضلاً.

قال: أجل، لو لا أنّ له فضلاً لما قيل إنّ عليّاً أفضل منه.

والمناظرة طويلة انتهت بقول الفقهاء: كلّنا نقول بقول أميرالمؤمنين أعزه الله(2) وهذه فضيلة أخرى لأميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ثابتة، إذ دامت مع حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى رحلته... فعليّعليه‌السلام أفضل من غيره وإلاّ لما ضمّه إلى نفسه فآخاه؛ فلقد كانصلى‌الله‌عليه‌وآله في المؤاخاة يضمّ الشكل إلى شكله، والنظير إلى نظيره، فاختار عليّاً أخاً دون سواه، ولو كان غيره أفضل مه لآخاه ولم يقدّم عليّاً عليه.

قال ابن إسحاق: وآخى رسول الله بين أصحابه من المهاجرين والأنصار فقال - فيما بلغنا، ونعوذ بالله من أن نقول عليه ما لم يقل -: «تآخوا في الله أخَوَينِ أخوين» ثم أخذ بيد عليّ بن أبي طالب فقال: «هذا أخي».. فكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سيّد المرسلين وإمام المتّقين ورسول ربّ العالمين الذي ليس له خطير

____________________

(1) وهي دعوة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يأتيه الله تعالى بأحبّ الخلق إليه ليأكل معه من الطير.

(2) العقد الفريد 5: 349 - 359.

١٣٤

ولا نظير من العباد، وعليّ بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه أخوين(1) .

وكلامنا في المؤاخاة نظير كلامنا في آية المباهلة؛ إذ أقامه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مقام نفسه الطاهرة المقدّسة، وذلك يوم التحدّي مع نصارى نجران، وما نزل فيها من قرآن ما زال يتلى حتّى قيام الساعة؛ وآية التطهير التي يتلوها المسلمون فيذكرون في كلّ واحدة منهما: عليّاً وزوجه البتول فاطمة وابنيهما الحسن والحسينعليهم‌السلام لا يشركهم في ذلك إلاّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فأفضليّة عليّعليه‌السلام وعصمته جارية وحيّة ما زال القرآن الكريم حيّاً محفوظاً، وقد تكفّل الله تعالى بحفظه وكفى به حافظاً ووكيلاً« إِنّا نَحْنُ نَزّلْنَا الذّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (2) .

وكلامنا فيه مثل كلامنا في حديث الثّقلين: فالقرآن الكريم قرين عترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته، وهم: عليّ وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام . وظهوره في الأفضليّة والعصمة الجارية أمرها بيّن لمن آتاه الله عقلاً وقلباً سليماً« إِنّ فِي ذلِكَ لَذِكْرَى‏ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ » (3) .

وكذلك: حديث المنزلة، وهو من أكثر الأحاديث من حيث احتفاء المصادر به، ممّا يُظهِر الموقعَ الخاصّ لأميرالمؤمنينعليه‌السلام .

فعليّعليه‌السلام هارون هذه الأمّة كما أنّ هارون النبيّعليه‌السلام أخو موسى النبيّعليه‌السلام ؛

____________________

(1) السيرة النبويّة، لابن هشام 2: 151.

(2) الحجر: 9.

(3) ق: 37.

١٣٥

فعليّعليه‌السلام له من حقّ الأخوّة والمنزلة الخاصّة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّعليه‌السلام أخو رسول الله في الدنيا والآخرة فأفضليّته لذلك متّصلة، لا منفصلة.

من طرق عدّة: آخى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بين أصحابه، فآخى بين أبي بكر وعمر، وفلانٍ وفلان، فجاءه عليّرضي‌الله‌عنه فقال آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحدٍ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنت أخي في الدنيا والآخرة»(1) .

فمثلما خُلِّدَتْ عصمة عليّعليه‌السلام وأفضليّته فيما ذكرنا من نصوص قرآنيّة؛ كذلك كانت أخوّته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وذكره ابن أبي شيبة، ونصّه: «أنت أخي وصاحبي»(2) .

ونحيل القارئ الكريم إلى موضوع المؤاخاة، فقد بسطنا البحث هناك؛ وإنّما أوردناه بإيجاز ليكون واحداً من أدلّتنا على أفضليّة أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام التي أنكرها ابن تيميه.

حديث رد الشمس

قال ابن تيميه: وحديث ردّ الشمس له - أيّ لعليٍّعليه‌السلام - قد ذكره طائفة: كالطحاويّ، والقاضي عياض، وغيرهما. وعدوّا ذلك من معجزات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكن

____________________

(1) الجامع الصحيح، للترمذيّ 2 / 213، والاستيعاب، لابن عبد البَرّ 3 / 35، والمستدرك على الصحيحين 3 / 15 / 4288، والرياض النضرة 2 / 167.

(2) المصنّف، لابن أبي شيبة 7 / 508.

١٣٦

المحقّقون من أهل العلم والمعرفة بالحديث يعلمون أنّ هذا الحديث كذب موضوع. كما ذكره ابن الجوزيّ في «الموضوعات»، فرواه من عبيد الله بن موسى عن فضيل بن مرزوق، عن إبراهيم بن الحسن، عن فاطمة بنت الحسن عن أسماء بنت عميس قالت: - ثمّ ذكر الحديث -(1) .

قال: قال أبو الفرج - ابن الجوزيّ -: هذا الحديث موضوع بلا شكّ...(2) .

قال: وفضيل بن مرزوق ضعّفه يحيى، وقال أبو حاتم بن حبّان: يروي الموضوعات ويُخطئ على الثّقات(3) .

قال أبو الفرج: وهذا الحديث مداره على عبيد الله بن موسى عنه(4) .

قال: قال أبو الفرج: وقد روى هذا الحديث ابن شاهين:...، حدّثنا عبد الرحمان بن شريك، حدّثني أبي، عن عروة، عن عبيد الله بن قيس، قال: دخلت على فاطمة بنت عليّ فحدّثتني أنّ عليّ بن أبي طالب، - وذكر حديث رجوع الشّمس -.

قال أبو الفرج: وهذا حديثٌ باطل. أمّا حديث عبد الرحمان بن شريك؛ فقال أبو حاتم: هو واهي الحديث. قال: وأنا لا أتّهم بهذا الحديث إلاّ ابن عقدة؛

____________________

(1) منهاج السنّة النبويّة، ابن تيميه 4: 186.

(2) نفسه.

(3) نفسه.

(4) نفسه.

١٣٧

فإنّه كان رافضيّاً يحدّث بمثالب الصّحابة(1) .

قال: قال أبو الفرج: وقد رواه ابن مردويه من حديث: داود بن فراهيج، عن أبي هريرة. قال: وداود ضعيف ضعّفه شعبة. قلت: فليس في هؤلاء من يحتجّ به(2) .

قال: وأمّا الثاني: ببابل؛ فلا ريب أنّ هذا كذب، وإنشاد الحميريّ لا حجّة فيه؛ لأنّه لم يشهد ذلك(3) .

قال: وقد أخرجا في الصحيحين عن أبي هريرة قال: غزا نبيٌّ من الأنبياء، فدنا من القرية حتّى صلّى العصر قريباً من ذلك، فقال للشّمس: أنت مأمورة وأنا مأمور؛ اللّهمّ احبِسها عليّ شيئاً. فحبست عليه حتّى فتح الله عليه. فإن قيل: فهذه الأمّة أفضل من بني إسرائيل، فإذا كانت ردّت ليوشع فما المانع أن تردّ لفضلاء هذه الأمة؟ فيقال: يوشع لم تردّ له الشّمس، ولكن تأخّر غروبها، طوّل له النهار... ولا مانع من طول ذلك، لو شاء الله لفعل ذلك...

قال: لكنّ يوشع كان محتاجاً إلى ذلك؛ لأنّ القتال كان محرّماً عليه بعد غروب الشّمس؛ وأمّا أمّة محمّدٍ فلا حاجة لهم إلى ذلك ولا منفعة لهم فيه، فإنّ الذي فاتته العصر إن كان مفرّطاً لم يسقط ذنبه إلاّ بالتوبة، ومع التوبة لا يحتاج إلى ردّه وإن لم يكن مفرّطاً كالنائم والناسي فلا ملام عليه في الصلاة بعد

____________________

(1) منهاج السنة 4: 186.

(2) نفسه.

(3) نفسه.

١٣٨

الغروب(1) .

(فصل) قال الرافضيّ: التاسع رجوع الشّمس له - أي لعليّعليه‌السلام - مرّتين: إحداهما في زمن النبيّ! والثانية بعده.

أما الأولى: فروى جابر وأبو سعيد - الخدريّ - أنّ رسول الله نزل عليه جبريل يوماً يناجيه من عند الله، فلمّا تغشّاه الوحي توسّد فَخِذَ أميرالمؤمنين، فلم يرفع رأسه حتّى غابت الشّمس، فصلّى عليّ العصر بالإيماء، فلمّا استيقظ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال له: سل الله تعالى يردّ عليك الشّمس لتصلّي العصر قائماً.

وأمّا الثانية: فلمّا أراد أن أن يعبر الفرات ببابل، استعمل كثير من أصحابه دوابّهم، وصلّى لنفسه في طائفةٍ من أصحابه وفات كثيراً منهم، فتكلّموا في ذلك؛ فسأل الله ردّ الشّمس فردّت ونظمه الحِمْيَريّ فقال:

ردّت عليه الشَّمس لما فاتهُ

وقت الصّلاة، وقد دنت للمغرب

حتّى تبلّج نورها في وقتها

للعصر ثمّ هوت هويّ الكوكب

وعليه قد حُبست ببابل مرّةً

أُخرى، وما حُبست لخلق معرب

إلاّ ليوشع أوْ لهُ، ولحبسها

ولردّها تأويلُ أمر مُعجب(2)

قال: وأمّا الإسناد الثاني، فمدارُه على فضيل بن مرزوق؛ وهو معروف بالخطأ على الثّقات وإن كان لا يتعمّد الكذب. قال فيه يحيى بن معين مرّةً: هو ضعيف، وهذا لا يناقضه قول أحمد بن حنبل فيه: لا أعلم إلاّ خيراً. وقول

____________________

(1) منهاج السنة 4: 186.

(2) الخبر والشّعر في خصائص أميرالمؤمنين للشريف الرضيّ سنعرض له فيما بعد.

١٣٩

سفيان: هو ثقةٌ.

ويحيى مرّةً - أخرى -: هو ثقة، فإنّه ليس ممّن يتعمّد الكذب ولكنّه يخطئ؛ وإذا روى له مسلم، ما تابعه غيره عليه، لم يلزم أن يروي ما انفرد به!(1)

قال: وروى من طريق أبي العبّاس بن عقدة؛ وكان مع حفظه جمّاعاً لأكاذيب الشّيعة!

قال: قال ابن عقدة: حدّثنا يحيى بن زكريّا، أخبرنا يعقوب بن معبد، حدّثنا عمرو بن ثابت قال: سألت عبد الله بن حسن بن حسن بن عليّ عن حديث ردّ الشّمس على عليّ...، فذكر حديث أسماء بنت عميس.

قال: وهذا الحديث، إن كان ثابتاً عن عمرو بن ثابت الذي رواه عن عبدالله بن حسن؛ فهو الذي اختلقه، فإنّه كان معروفاً بالكذب. قال أبو حاتم بن حبّان: يروي الموضوعات عن الأثبات. وقال يحيى بن معين: ليس بشيء، وقال مرّة: ليس بثقة ولا مأمون. وقال النّسائي: متروك الحديث.(2)

قال: وأمّا رواية أبي هريرة: إسناده مظلم لا يثبت به شيء عند أهل العلم؛ بل يُعرف كذبه من وجوه: فإنّه وإن كان داود بن عبد الملك النّوفليّ، وهو الذي رواه عنه، قال البخاريّ: أحاديثه شبه لا شيء. وذكر ابن الجوزيّ أنّ ابن مردويه رواه من طريق داود بن فراهيج، وذكر ضعف ابن فراهيج(3) .

____________________

(1) منهاج السنّة 4: 192.

(2) نفسه 192 - 193.

(3) نفسه 193.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

ووضوح!!!

ثمّ تتطرق فى الآية الأخيرة إلى علم الله في الغيب والشهادة :( لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ ) .

والآية في واقعها تهديد للكفار وأعداء الحق ، بأنّ اللهعزوجل ليس بغافل عنهم ، سرهم وعلانيتهم ، وكل سينال جزاءه بما غرفت يداه.

فهم مستكبرون و( إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ ) ، والاستكبار على الحق من علامات الجهل باللهعزوجل .

إنّ كلمة «لا جرم» متكون من «لا» و «جرم» وتستعمل عادة للتأكيد بمعنى (قطعا) ، وأحيانا بمعنى (لا بد) ، وفي بعض الأحيان تستعمل كقسم مثل : (لا جرم لأفعلن).

أمّا كيف أمكن استخراج هذه المعاني من كلمة «لا جرم» فذلك لأنّ «جرم» في الأصل بمعنى القطف وقطع الثمار من الأشجار ، وعند ما تدخل عليها «لا» يكون مفهومها : أن لا شيء يستطيع قطع هذا الموضوع ومنعه من التحقق ، ولهذا يستفاد منها معاني : قطعا ، ولا بدّ ، وأحيانا القسم.

* * *

بحث

من هم المستكبرون؟

وردت كلمة الاستكبار في آيات كثيرة من القرآن الكريم باعتبارها إحدى الصفات الذميمة الخاصّة بالكفار ، ولتعطي معنى التكبر عن قبول الحق.

ففي الآية السابقة من سورة نوح :( وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً ) .

وفي الآية الخامسة من سورة المنافقين :( وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ

١٦١

رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ) .

وكذلك في الآية الثّامنة من سورة الجاثية :( يَسْمَعُ آياتِ اللهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها ) .

ومن أقبح ألوان التكبر ذلك الذي يقف أمام قبول الحق فيرفضه ، لأنّه يغلق على الإنسان جميع سبل الهداية ويتركه يتخبط في متاهات المعاصي والضلال.

ويصف أمير المؤمنينعليه‌السلام الشيطان بأنّه : «سلف المستكبرين»(١) لأنه أوّل من خطا في طريق مخالفة الحق بعدم تسليمه للحقيقة الرّبانية التي تقول : إنّ أدم أكمل منه.

صحيح أنّ زهو المال قد يوقع الإنسان في حالة الاستكبار ، إلّا أنّ المسألة أكبر من ذلك وأشمل ، فكل رافض لقبول الحق مستكبر وإن كان فقيرا.

ونختم البحث برواية عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : «ومن ذهب يرى أنّ له على الآخر فضلا فهو المستكبرين ، فقلت : إنّما يرى أن له عليه فضلا بالعافية إذا رآه مرتكبا للمعاصي؟ فقال : هيهات هيهات! فلعله أن يكون قد غفر له ما أتى وأنت موقوف تحاسب ، أما تلوت قصّة سحرة موسىعليهم‌السلام »(٢) .

(حين وقف السحرة يوما في مقابل موسىعليه‌السلام إرضاء لفرعون وطمعا في جوائزه ، ولكنّهم انقلبوا فجأة لما تبيّن لهم الحق واعتنقوه وما هابوا تهديد فرعون ، وبقوا على رفضهم في عديم التسليم للطاغية ، فكانت النتيجة أن عفا الله عنهم ورحمهم).

* * *

__________________

(١) نهج البلاغة ، الخطبة القاصعة.

(٢) تفسير نور الثقلين ، ج ٣ ، ص ٤٨ عن (روضة الكافي).

١٦٢

الآيات

( وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٤) لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (٢٥) قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٢٦) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ (٢٧) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٢٩) )

سبب النّزول

جاء في تفسير مجمع البيان : يروى أنّها نزلت في المقتسمين وهم ستة عشر

١٦٣

رجلا خرجوا إلى عقاب مكّة أيام الحج على طريق الناس على كل عقبة أربعة منهم ليصدوا الناس عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإذا سألهم الناس عمّا أنزل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالوا : أحاديث الأولين وأباطيلهم.

التّفسير

حمل أوزار الآخرين :

دار الحديث في الآيات السابقة حول عناد المستكبرين واستكبارهم أمام الحق ، وسعيهم الحثيث في التنصل عن المسؤولية وعدم التسليم للحق.

أمّا في هذه الآيات فيدور الحديث حول منطق المستكبرين الدائم ، فيقول القرآن :( وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ) فليس هو وحي الهي ، بل أكاذيب القدماء.

وكانوا يرمون بكلامهم المؤدي هذا إلى أمرين :

الأوّل : الإيحاء بأن مستوى تفكيرهم وعلميتهم أرقى ممّا أنزل الله!

الثّاني : ما جاء به النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن هو إلّا أساطير الأولين قد صيغت بعبارات جذابة لتنطلي على عوام الناس ، وهذا ليس بالجديد ، وما محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا معيد لما جاء به الأوّلون من أساطير.

«الأساطير»(١) : جمع أسطورة ، وتطلق على الحكايات والقصص الخرافية والكاذبة، وقد وردت هذه الكلمة تسع مرات في القرآن الكريم نقلا عن لسان الكفار ضد الأنبياء تبريرا لمخالفتهم الدعوة إلى اللهعزوجل .

وفي جميع المواطن ذكروا معها كلمة «الأوّلين» ليؤكدوا أنّها ليست بجديدة وأنّ الأيّام ستتجاوزها! حتى وصل بهم الحال ليغالوا فيما يقولون ، كما جاء عن

__________________

(١) يعتبرها البعض جمع الجمع ، فالأساطير جمع أسطار ، والأساطير جمع سطر ويعتبرها البعض الآخر جمعا ليس له مفرد من جنسه إلّا أنّ المشهور ما ذكرناه أعلاه.

١٦٤

لسانهم في الآية (٣١) من سورة الأنفال :( قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا ) .

والملاحظ على مستكبري يومنا توسلهم بنفس تلك التهم الباطلة هروبا من الحق وإضلالا للآخرين ، ووصلت بهم الحماقة لأن يعتبروا منشأ الدين من الجهل البشري ، وما الآراء الدينية إلّا أساطير وخرافات! حتى أنّهم اثبتوا ذلك في كتب (علم الاجتماع ودوّنوه بصياغة (علمية) كما يدّعون).

أمّا لو نفذنا في أعماق تفكيرهم لوجدنا صورة أخرى : فهم لم يحاربوا الأديان والمذاهب الخرافية المجعولة أبدا ، فهم مؤسسوها والداعون لنشرها ، إنّما محاربتهم للأصالة والدين الحق الذي يوقظ الفكر الإنساني ويحطم الأغلال الاستعمارية ويقطع دابر المنحرفين عن جادة الصواب.

إنهم يرون عدم انسجام دعوة الدين إلى الأخلاق الحميدة ، لأنّها تعارض أهواءهم الطائشة ورغباتهم غير المشروعة.

لذلك يجدون في دعوة الحق مانعا أمام ما يطمحون الحصول عليه ، ونراهم يستعملون مختلف الأساليب لتوهين هذا الدين القيم وإسقاطه من أنظار الآخرين كي تخلو الساحة لهم ليفعلوا ما يشاءون.

ومن المؤسف أنّ طرح بعض الخرافات والأفكار الخاطئة في قالب ديني من قبل الجهلة، كان بمثابة العامل المساعد في تجرّي هؤلاء ودفعهم لإلصاق تهمة الخرافات بالدين. ولا بدّ للمؤمنين الواعين أمام هذه الحال من الوقوف بكل صلابة أمام الخرافات ليبطلوا هذا السلاح في أيدي أعدائهم ويذكروا هذه الحقيقة في كل مكان وأن هذه الخرافات لا ترتبط بالدين الحق أبدا ولا ينبغي للداعية المخلص أن يجعل الخرافات ذريعة لأعداء الدين في محاربته ومحاربتنا ، لأنّ عملية انسجام التعليمات الربانية مع العقل بحدّ من المتانة والوضوح لا يفسح أيّ مجال لأنّ توجه إليه هكذا أباطيل.

توضح الآية الأخرى أعمالهم بالقول :( لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ

١٦٥

وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ ) .

لأنّ أقوالهم الباطلة لها الأثر السلبي بتضليل أعداد كبيرة من الآخرين. فمن أسوأ ممن حمّل أوزار آلاف البشر إلى وزره! والأكثر من ذلك أن أقوالهم ستركد في مخيلة من يأتي بعدهم من الأجيال لتكون منبعا لإضلالهم ، ممّا يزيد في حمل الأوزار باطراد.

وقد جاءت عبارة «ليحملوا» بصيغة الأمر ، أمّا مفهومها فلبيان نتيجة وعاقبة أعمال أولئك المظلين ، كما نقول لشخص ما : لكونك قمت بهذا العمل غير المشروع فعليك أن تتحمل عاقبة ما فعلت بتذوقك لمرارة عملك القبيح. (واحتمل بعض المفسّرين أن لام (ليحملوا ، لام نتيجة).

والأوزار : جمع وزر ، بمعنى الحمل الثقيل ، وجاءت بمعنى الذنب أيضا ، ويقال للوزير لعظم ما يحمل من مسئولية.

ويواجهنا السؤال التالي لما ذا قال القرآن : يحملون من أوزار الذين يضلونهم ولم يقل كل أوزارهم ، في حين أن الرّوايات تؤكد أن «من سنّ سنّة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة»؟

أجاب بعض المفسّرين بوجود نوعين من الذنوب عند المضلّلين ، نوع ناتج من أتباعهم لأئمّة الضلال ، والنوع الآخر من أنفسهم ، فما يحمله أئمّتهم ، وقادتهم هو من النوع الأوّل دون الثّاني.

واعتبر البعض الآخر من المفسّرين أنّ «من» في هذه الجملة ليست تبعيضية ، بل جاءت لبيان أنّ ذنوب الأتباع على عاتق المتبوعين.

وثمّة تفسير آخر قد يكون أقرب إلى القبول من غيره ، يقول : إنّ الاتباع الضالين لهم حالتان من التبعية

فتارة يكونون أتباعا للمنحرفين على علم وبيّنة منهم ، والتأريخ حافل بهكذا صور ، فيكون سبب الذنب أوامر القادة من جهة ، وتصميم الأتباع من جهة أخرى

١٦٦

فيقع على عاتق القادة قسم من المسؤولية المترتبة على هذه الذنوب «ولا يقلل من وزر الأتباع شيء».

وتارة أخرى تكون التبعية نتيجة الاستغفال والوقوع تحت شراك وساوس المنحرفين من دون حصول الرغبة عند المتبوعين فيما لو أدركوا حقيقة الأمر ، وهو ما يشاهد في عوام الناس عند الكثير من المجتمعات البشرية ، (وقد يسلك طريق الضلال بعنوان التقرب إلى الله) وفي هذه الحال يكون وزر ذنوبهم على عاتق مضلّيهم بالكامل ، ولا وزر عليهم إن لم يقصّروا بالتحقق من الأمر.

ولا شك أنّ المجموعة الأولى التي سارت في طريق الضلال عن علم وبيّنة من أمرها سوف لا يخفف من ذنوبهم شيء مع ما يلحق أئمّتهم من ذنوبهم.

وهنا يلزم ملاحظة أنّ التعبير «بغير علم» في الآية ليس دليلا على الغفلة الدائمة للمضلّلين ، ولا يعبّر عن سقوط المسؤولية ـ في جميع الحالات ـ على غير المطلعين بحال وشأن أئمّة السوء والضلالة بل يشير إلى سقوط عوام الناس لجهلهم بشكل أسرع من علمائهم في شراك أو شباك المضلّلين.

ولهذا نرى القرآن في آيات أخرى لا يبرئ هؤلاء الأتباع ويحملهم قسطا من المسؤولية كما في الآيتين (٤٧ و ٤٨) من سورة غافر :( وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ ) .

ثمّ تذكر الآية الأخرى أن تهمة وصف الوحي الإلهي بأساطير الأوّلين ليست بالأمر المستجد :( قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ ) .

مع أنّ بعض المفسّرين قد ذهب بالآية إلى قصة «النمرود» وصرحه الذي أراد من خلاله محاربة رب السماء! والبعض الآخر فسرها بقصة «بخت نصر» إلّا أن الظاهر من مفهوم الآية شمول جميع مؤامرات ودسائس المستكبرين وأئمّة

١٦٧

الضلال.

ومن لطيف دقّة العبارة القرآنية ، أنّ الآية أشارت إلى أنّ اللهعزوجل لا يدمّر البناء العلوي للمستكبرين فحسب ، بل سيدمره من القواعد لينهار بكله عليهم.

وقد يكون تخريب القواعد وإسقاط السقف إشارة إلى أبنيتهم الظاهرية ، من خلال الزلازل والصواعق لتنهار على رؤوسهم ، وقد يكون إشارة إلى قلع جذور تجمعاتهم وأحزابهم بأمر اللهعزوجل ، بل لا مانع من شمول الأمرين معا.

وممّا يلفت النظر أنّ القرآن ذكر كلمة «السقف» بعد ذكر «من فوقهم» ، فـ «السقف» عادة في الطرف الأعلى من البناء ، فما الذي استلزم ذكر «من فوقهم»؟ ويمكن حمله للتأكيد ، وكذلك لبيان أنّ السقوط سيتحقق بوجودهم أسفله لهلاكهم ، حيث أنّ السقوط قد يحدث بوجود أصحاب الدار أو عدم وجودهم.

وقدم لنا التأريخ قديمه وحديثه بوضوح صورا شتى للعقاب الإلهي ، فإحكام الطغاة والجبابرة لما يعيشون ويتمتعون في كنفه من حصون وقلاع ، إضافة لخططهم المحبوكة كي يستمر لهم ولنسلهم الحال ، وما قاموا به من تهيئة وإعداد كل مستلزمات بقاء قدرة التسلط ودوام نظام الحكم كل ذلك لا يعبر في الحقيقة إلّا عن ظواهر خاوية من كل معاني القدرة والاقتدار والدوام ، حيث تحكي لنا قصص التاريخ أنّ هؤلاء يأتيهم العذاب الإلهي وهم بذروة ما يتمتعون به ، وإذا بالقلاع والحصون تتهاوى على رؤوسهم فيفنون ولا تبقى لهم باقية.

وعذابهم في الحياة الدنيا لا يعني تمام الجزاء ، بل تكملته ستكون يوم الجزاء الأكبر( ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ ) .

فيسألهم الله تعالى :( وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ ) أي تجادلون وتعادون فيهم(١) ، فلا يتمكنون من الإجابة ، ولكن :( قالَ الَّذِينَ أُوتُوا

__________________

(١) تشاقون : من مادة الشقاق ، بمعنى المخالفة والعداء ، وأصلها من (شق ، أي قطعه نصفين).

١٦٨

الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ ) .

ويظهر من خلال ذلك أنّ المتحدثين يوم القيامة هم العلماء ، ولا ينبغي في ذلك المحضر المقدس الحديث بالباطل.

وإذا رأينا في بعض الرّوايات عن أهل البيتعليهم‌السلام التأكيد على أنّ العلماء في ذلك المحضر هم الأئمّة المعصومونعليهم‌السلام لأنّهم أفضل وأكمل مصداق لذلك(١) .

ونعاود الذكر لنقول : إنّ المقصود من السؤال والجواب في يوم القيامة ليس لكشف أمر خفي ، بل هو نوع من العذاب الروحي ، وذلك إحقاقا للمؤمنين الذين لاقوا اللوم والتوبيخ الشديدين في الحياة الدنيا من المشركين المغرورين.

ويصف ذيل الآية السابقة حال الكافرين بالقول :( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ ) .

لأنّ ممارسة الظلم في حقيقتها ظلم للنفس قبل الآخرين ، لأنّ الظالم يتلف ملكاته الوجدانية ، ويهتك حرمة الصفات الفطرية الكامنة فيه.

بالإضافة إلى أنّ الظلم متى ما شاع وانتشر في أي مجتمع ، فالنتيجة الطبيعية له أن يعود على الظالمين أنفسهم ليشملهم الحال.

أمّا حين تحين ساعة الموت ويزول حجاب الغفلة عن العيون( فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ ) .

لما ذا ينكرون عملهم القبيح؟ فهل يكذبون لأنّ الكذب أصبح صفة ذاتية لهم من كثرة تكراره ، أم يريدون القول : إننا نعلم سوء أعمالنا ، ولكننا أخطأنا ولم تكن لدينا نوايا سيئة فيه؟؟.

يمكن القول بإرادة كلا الأمرين.

ولكن الجواب يأتيهم فورا : إنّكم تكذبون فقد ارتكبتم ذنوبا كثيرة :( بَلى إِنَّ

__________________

(١) راجع تفسير نور الثقلين ، ج ٣ ، ص ٥٠.

١٦٩

اللهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) حتى بنيّاتكم.

وليس المقام محلا للإنكار أو التبرير( فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ) .

* * *

بحثان

١ ـ السنّة سنتان حسنة وسيئة :

القيام بأي عمل يحتاج بلا شك إلى مقدمات كثيرة ، وتعتبر السنن السائدة في المجتمع سواء كانت حسنة أم سيئة من ممهدات الأرضية الفكرية والاجتماعية التي تساعد القائد (سواء كان مرشدا أم مضلا) للقيام بدوره بكل فاعلية ، وحتى أنّه قد يفوق دور الموجهين وواضعي السنن على جميع العاملين في بضع الأحيان.

ولهذا لا يمكن فصل دور واضعي السنن عن العاملين بتلك السنن ، فهم شركاء في العمل الصالح إذا ما سنوا سنة حسنة ، وشركاء في جرم المنحرفين إذا ما سنوا لهم سنة سيئة.

وقد اهتم القرآن الكريم ، وكذا الأحاديث الشريفة كثيرا بمسألة السنّة الحسنة والسنّة السيئة وواضعيها.

كما طالعتنا الآيات أعلاه بأنّ المستكبرين المضلّين يحملون أوزارهم وأوزار الذين يضلونهم (دون أن ينتقص من أوزارهم شيء).

وهذا الأمر من الأهمية بمكان حتى قال عنه النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الدال على الخير كفاعله»(١) .

وفي تفسير هذه الآية روي عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «أيما داع دعا إلى الهدى

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١١ ، ص ٤٣٦.

١٧٠

فاتبع ، فله مثل أجورهم ، من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ، وأيما داع دعا إلى ضلالة فاتبع عليه ، فإنّ عليه مثل أوزار من اتبعه ، من غير أن ينقص من أوزارهم شيئا»(١) .

وكذلك روي عن الباقرعليه‌السلام أنّه قال : «من استنّ بسنّة عدل فاتبع كان له أجر من عمل بها ، من غير أن ينتقص من أجورهم شيء ، ومن استنّ سنّة جور فاتبع كان عليه مثل وزر من عمل به ، من غير أن ينتقص من أوزارهم شيء»(٢) .

وثمّة روايات أخرى تحمل نفس هذا المضمون رويت عن الأئمّة الأطهارعليهم‌السلام وقد جمعها الشّيخ الحر العاملي قدّس سره ، في المجلد الحادي عشر من كتابه الموسوم بالوسائل (تاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، الباب السّادس عشر).

وفي صحيح مسلم ورد حديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرفوعا عن المنذر بن جرير عن أبيه قال : كنّا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صدر النهار قال : فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء ومتقلدي السيوف فتمعر وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما رأى بهم من الفاقة ، فدخل ثمّ خرج فأمر بدلا فأذّن وأقام فصلّى وخطب فقال :( يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ) والآية التي في الحشر( اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ ) ، تصدق رجل من ديناره ، من درهمه ، من ثوبه ، من صاع بره ، من صاع تمره (حتى قال) ولو بشق تمرة ، قال : فجاء رجل من الأنصار بصرّة كادت كفّه تعجز عنها بل قد عجزت ، قال : ثمّ تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام ثياب حتى رأيت وجه رسول الله يتهلل كأنّه مذهبة ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من سنّ في الإسلام سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، ومن سنّ في

__________________

(١) مجمع البيان ، في تفسير الآية مورد البحث.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١١ ، ص ٤٣٧.

١٧١

الإسلام سنّة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء»(١) .

وهنا ، يواجهنا سؤال كيف تنسجم هذه الرّوايات مع ما يعاضدها من آيات مع الآية (١٦٤) من سورة الأنعام( وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) ؟

وتتّضح الإجابة من خلال ملاحظة أنّ هؤلاء ليسوا عن ذنوب الأخرى بل عن ذنوبهم فقط ، ولكنّهم من خلال اشتراكهم في تحقق ذنوب الآخرين يشاركوهم فيها ، اي ان تلك الذنوب تعتبر من ذنوبهم بهذا اللحاظ.

٢ ـ التّسليم بعد فوات الأوان :

قليل أولئك الذين ينكرون الحقيقة بعد رؤيتها في مرحلة الشهود ، ولهذا نجد المذنبين والظالمين يظهرون الإيمان فورا بعد أن تزال عن أعينهم حجب الغفلة والغرور وحصول العين البرزخية في حال ما بعد الموت ، كما بيّنت لنا الآيات السابقة( فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ) .

وغاية ما في الأمر أنّ الكلّ مستسلم ، ولكنّ الحديث يختلف من بعض إلى بعض ، فقسم منهم يتبرأ من أعماله القبيحة بقولهم :( ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ ) أي إنّهم من كثرة ممارستهم للكذب فقد اختلط بلحمهم ودمهم والتبس عليهم الأمر تماما ، فمع علمهم بعدم فائدة الكذب في ذلك المشهد العظيم ولكنّهم يكذبون!

ويستفاد من بعض الآيات القرآنية أنّ هناك من يكذب حتى في يوم القيامة ، كما في الآية الثّالثة والعشرين من سورة الأنعام :( قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ ) !

وقسم آخر يظهر الندامة ويطلب العودة إلى لحياة الدنيا لإصلاح أمره ، كما

__________________

(١) صحيح مسلم ، ج ٢ ، ص ٧٠٤ (باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة).

١٧٢

جاء في الآية (١٢) من سورة السجدة.

وقسم يكتفي بإظهار الإيمان كفرعون ، كما جاء في الآية (٩٠) من سورة يونس.

وعلى أيّة حال سوف لا تقبل كل تلك الأقوال لأنها قد جاءت في غير وقتها بعد أن انتهت مدّتها ، ولا أثر لهكذا إيمان صادر عن اضطرار.

* * *

١٧٣

الآيات

( وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ (٣٠) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ (٣١) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٢) )

التّفسير

عاقبة المتقين والمحسنين :

قرأنا في الآيات السابقة أقول المشركين حول القرآن وعاقبة ذلك ، والآن فندخل مع المؤمنين في اعتقادهم وعاقبته فيقول القرآن :( وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً ) .

وروي في تفسير القرطبي : كان يرد الرجل من العرب مكّة في أيّام الموسم فيسأل المشركين عن محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيقولون : ساحر أو شاعر أو كاهن أو مجنون

١٧٤

ويسأل المؤمنين فيقولون : أنزل الله عليه الخير والهدى.

ما أجمل هذا التعبير وأكمله «خيرا» خير مطلق يشمل كل : صلاح ، سعادة ، رفاه ، تقدم مادي ومعنوي ، خير للدنيا والآخرة ، خير للإنسان الفرد والمجتمع ، وخير في:التربية والتعليم ، السياسة والإقتصاد ، الأمن والحرية والخلاصة : خير في كل شيء (لأنّ حذف المتعلق يوجب عموم المفهوم).

وقد وصفت الآيات القرآنية القرآن الكريم بأوصاف كثيرة مثل : النّور ، الشفاء ، الهداية ، الفرقان (يفرق الحق عن الباطل) ، الحق ، التذكرة ، وما شابه ذلك ولكن في هذه الآية وردت صفة «الخير» التي يمكن أن تكون مفهوما عاما جامعا لكل تلك المفاهيم الخاصة.

والفرق واضح في نعت القرآن بين المشركين والمؤمنين ، فالمؤمنون قالوا :«خيرا» أي أنزل الله خيرا ، وبذلك يظهر اعتقادهم بأنّ القرآن وحي إلهي(١) .

بينما نجد المشركين عند ما( قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ؟ قالُوا : أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ) وهذا إنكار واضح لكون القرآن وحي إلهي(٢) .

وتبيّن الآية مورد البحث نتيجة وعاقبة ما أظهره المؤمنون من اعتقاد ، كما عرضت الآيات السابقة عاقبة ما قاله المشركين من عقاب دنيوي وأخروي ، ومادي ومعنوي مضاعف :( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ ) .

وقد أطلق الجزاء بال «حسنة» كما أطلقوا القول «خيرا» ، ليشمل كل أنواع الحسنات والنعم في الحياة الدنيا ، بالإضافة إلى :( وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ ) .

وتشارك عبارة «نعم دار المتقين» الإطلاق مرّة أخرى وكلمة «خيرا» ، لأنّ الجزاء بمقدار العمل كمّا وكيفا.

__________________

(١) خيرا : مفعول لفعل محذوف تقديره (أنزل الله).

(٢) أساطير الأولين : خبر لمبتدأ محذوف ، تقديره (هذه أساطير الأولين).

١٧٥

فيتّضح لنا ممّا قلنا إنّ الآية( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا ) إلى آخرها تعبر عن كلام اللهعزوجل ،ويقوى هذا المعنى عند مقابلتها مع الآيات السابقة.

واحتمل بعض المفسّرين أنّ الظاهر من الكلام يتضمّن احتمالين :الأوّل : أنّه كلام الله.

الثّاني : أنّه استمرار لقول المتقين.

ثمّ تصف الآية التالية ـ بشكل عام ـ محل المتقين في الآخرة بالقول :( جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ ) .

فهل ثمّة أوسع وصفا من هذا أم أشمل مفهوما لبيان نعم الجنّة.

حتى أنّ التعبير يبدو أوسع ممّا ورد في الآية (٧١) من سورة الزخرف( وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ) ، فالحديث في الآية عن( ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ ) ، في حين الحديث في الآية مورد البحث عن مطلق الإشاءة( ما يَشاؤُنَ ) .

واستفاد بعض المفسّرين من تقديم( لَهُمْ فِيها ) على( ما يَشاؤُنَ ) الحصر ، أي يمكن للإنسان أن يحصل على كل ما يشاء في الجنّة فقط دون الدنيا.

وقلنا أنّ الآيات مورد البحث توضح كيفية حياة وموت المتقين مقارنة مع ما ورد في الآيات السابقة حول المشركين والمستكبرين ، وقد مرّ علينا هناك أنّ الملائكة عند ما تقبض أرواحهم يكون موتهم بداية لمرحلة جديدة من العذاب والمشقة ، ثمّ يقال لهم «ادخلوا أبواب جهنم ..».

وأمّا عن المتقين :( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ ) طاهرين من كل تلوثات الشرك والظلم والاستكبار ، ومخلصين من كل ذنب ـ( يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ) السّلام الذي هو رمز الأمن والنجاة.

ثمّ يقال لهم :( ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) .

والتعبير عن موتهم ب( تَتَوَفَّاهُمُ ) يحمل بين طياته اللطف ، ويشير إلى أن الموت لا يعني الفناء والعدم أو نهاية كل شيء ، بل هو مرحلة انتقالية إلى عالم

١٧٦

آخر.

وفي تفسير الميزان : أنّ في هذه الآية ثلاثة مسائل :

١ ـ طهارة المؤمنين من خبث الظلم.

٢ ـ يقولون لهم( سَلامٌ عَلَيْكُمْ ) وهو تأمين قولي لهم.

٣ ـ( ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) وهو هداية لهم إليها.

وهذه المواهب الثلاث هي التي ذكرت في الآية (٨٢) من سورة الأنعام( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ) .

* * *

١٧٧

الآيات

( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٣٣) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٤) وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٣٥) وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٣٦) إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٣٧) )

التّفسير

البلاغ المبين وظيفة الأنبياء :

يعود القرآن الكريم مرّة أخرى ليعرض لنا واقع وأفكار المشركين

١٧٨

والمستكبرين ويقول بلهجة وعيد وتهديد : ما ذا ينتظرون؟( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ ) أي ملائكة الموت فتغلق أبواب التوبة أمامهم حيث لا سبيل للرجوع بعد إغلاق صحائف الأعمال!

أو هل ينتظرون أن يأتي أمر الله بعذابهم :( أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ) حيث تغلق أبواب التوبة أيضا ولا سبيل عندها للإصلاح.

فأي فكر يسيرهم ، وأي عناد ولجاجة تحكمهم؟!

كلمة «الملائكة» وإن كانت ترمز إلى عنوان عام ، إلّا أنّها في هذا الموقع يقصد منها ملائكة قبض الأرواح انسجاما مع الآيات السابقة التي كانت تتحدث عنهم.

أمّا عبارة( يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ ) فمع قبولها لاحتمالات كثيرة في تفسيرها ، إلّا أنّ المعنى الراجح هو نزول العذاب ، لورود هذا المعنى بالخصوص في آيات مختلفة من القرآن.

ومجموع الجملتين يعني تقريع المستكبرين بأنّ المواعظ الإلهية وتذكير الأنبياء إن كانت لا توقظكم من غفلتكم فإنّ الموت والعذاب الإلهي سيوقظكم ، ولكن حينئذ لا ينفعكم ذلك الإيقاظ.

ثمّ يضيف : إنّ هؤلاء ليس أوّل من كانوا على هذه الحال والصفة وإنّما( كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) .

وسوف يلاقون نتيجة ما كسبت أيديهم من أعمال.

والآية تؤكد مرّة أخرى على حقيقة عود الظلم والاستبداد والشر على الظالم المستبد الشرير في آخر المطاف ، لأنّ الفعل القبيح يترك آثاره السيئة على روح ونفسية فاعله ، فيسوّد قبله ويلوّث روحه فيفقده الأمان والاطمئنان.

ثمّ يذكر عاقبة أمرهم بقوله :( فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ ) .

«حاق بهم» : بمعنى أصابهم ، إلّا أنّ بعض المفسّرين كالقرطبي وفريد وجدي

١٧٩

في تفسير لهذه الآية اعتبر معناها (أحاط بهم).

ويمكن الجمع بين المعنيين ، فيكون المعنى : نزول العذاب عليهم ، وكذلك محيطا بهم.

وعلى أية حال ، فتعبير الآية ب( فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا ) يؤكد مرّة أخرى على عودة الأعمال على فاعلها سواء في الدنيا أو في الآخرة ، وتتجسم له بصور شتى ، وتعذبه وتؤلمه وليس غير ذلك(١) .

وتشير الآية التالية إلى أحد أقوال المشركين الخاوية ، فتقول :( وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ ) .

إنّ قولهم( وَلا حَرَّمْنا ) إشارة إلى بعض أنواع الحيوانات التي حرّم لحومها المشركون في عصر الجاهلية ، والتي أنكرها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشدة.

والخلاصة : أنّهم أرادوا الادعاء بأنّ كلّ ما عملوه من عبادة للأصنام إلى تحليل وتحريم الأشياء ، إنما كان وفقا لرضا الله تعالى وبإذنه!

ولعل قولهم يكشف عن وجود عقيدة (الجبر) ضمن ما كانوا به يعتقدون ، معتبرين كل ما يصدر منهم إن هو إلّا من القضاء المحتوم عليهم (كما فهم ذلك جمع كثير من المفسّرين).

وثمّة احتمال آخر : إنّهم لم يقولوا ذلك اعتقادا منهم بالجبر ، وإنّما أرادوا الإحتجاج على الله سبحانه ، وكأنّهم يقولون : إن كانت أعمالنا لا ترضي الله تعالى فلما ذا لم يرسل إلينا الأنبياء لينهونا عمّا نقوم به ، فسكوته وعدم منعه ما كنّا نعمل دليل على رضاه.

وهذا الاحتمال ينسجم مع ذيل الآية والآيات التالية.

__________________

(١) وعلى هذا ، فلا داعي لتقدير كلمة «جزاء» قبل «سيئات» في الآية.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496