الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٨

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل12%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 496

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 496 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 237715 / تحميل: 7586
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٨

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

ليس إلّا.

وجملة( لا يَسْتَطِيعُونَ ) سبب لجملة «لا يملكون» أي : إنّها لا تملك شيئا من الأرزاق لعدم استطاعتها الملك ، فكيف بالخلق!

ثمّ تقول الآية التالية كنتيجة لما قبلها :( فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ ) وذلك( إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) .

قال بعض المفسّرين : إنّ عبارة( فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ ) تشير إلى منطق المشركين في عصر الجاهلية (ولا يخلو عصرنا الحاضر من أشباه أولئك المشركين) حيث كانوا يقولون: إنّما نعبد الأصنام لأنّنا لا نتملك الأهلية لعبادة الله ، فنعبدها لتقربنا إلى الله! وإنّ الله مثل ملك عظيم لا يصل إليه إلّا الوزراء والخواص ، وما على عوام الناس إلّا أن تتقرب للحاشية والخواص لتصل إلى خدمة الله!!

هذا الانحراف في التوجه والتفكير ، والذي قد يتجسم أحيانا على هيئة أمثال منحرفة، إنّما هو من الخطورة بمكان بحيث يطغى على كل الانحرافات الفكرية.

ولذا يجيبهم القرآن الكريم قائلا :( فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ ) التي هي من صنع أفكاركم المحدودة ومن صنع موجودات (ممكنة الوجود) ومليئة بالنواقص.

وإنّكم لو أحطتم علما بعظمة وجوده الكريم وبلطفه ورحمته المطلقة ، لعرفتم أنّه أقرب إليكم من أنفسكم ولما جعلتم بينكم وبينه سبحانه من واسطة أبدا.

فالله الذي دعاكم لأن تدعوه وتناجوه ، وفتح لكم أبواب دعائه ليل نهار ، لا ينبغي أن تشبّهوه بجبار مستكبر لا يتمكن أيّ أحد من الوصول إليه ودخول قصره إلّا بعض الخواص( فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ ) .

لقد أكّدنا في بحوثنا السابقة حول صفات اللهعزوجل : أنّ منزلق التشبيه يعتبر من أخطر المزلقات في طريق معرفة صفاته سبحانه وتعالى ، ولا ينبغي مقايسة صفاته سبحانه بصفات العباد ، لأنّ الباري جلت عظمته وجود مطلق ، وكل

٢٦١

الموجودات بما فيها الإنسان محدودة ، فهل يمكن تشبيه المطلق بالمحدود؟! وإذا ما اضطررنا إلى تشبيه ذاته المقدسة بالنّور وما شابه ذلك فينبغي أن لا يغيب عن علمنا بأنّ هذا التشبيه ناقص على أيّة حال ، وأنّه لا يصدق إلّا من جهة واحدة دون بقية الجهات ـ فتأمل.

وبما أنّ أكثر الناس قد غفلوا عن هذه الحقيقة ، وكثيرا ما يقعون في وادي التشبيه الباطل والقياس المرفوض فيبتعدون عن حقيقة التوحيد ، فلذا نجد القرآن الكريم كثيرا ما يؤكّد على هذه المسألة ، فمرّة يقول كما في الآية (٤) من سورة التوحيد ،( وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ) ، وأخرى كما في الآية (١١) من سورة الشورى :( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) ، وثالثة كما في الآية مورد البحث :( فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ ) .

ولعل عبارة( إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) ، في ذيل الآية مورد البحث ، تشير إلى أنّ أغلب الناس في غفلة عن أسرار صفات الله.

* * *

٢٦٢

الآيات

( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٧٥) وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٦) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٧٧) )

التّفسير

مثلان للمؤمن والكافر!

ضمن التعقيب على الآيات السابقة التي تحدثت عن : الإيمان ، الفكر ، المؤمنين ، الكافرين والمشركين ، تشخص الآيات مورد البحث حال المجموعتين (المؤمنين والكافرين) بضرب مثلين حيين وواضحين.

٢٦٣

يشبه المثال الأوّل المشركين بعبد مملوك لا يستطيع القيام بأية خدمة لمولاه ، ويشبه المؤمنين بإنسان غني ، يستفيد الجميع من إمكانياته( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ ) .

والعبد ليس له قدرة تكوينية لأنّه أسير بين قبضة مولاه ومحدود الحال في كل شيء ، وليس له قدرة تشريعية أيضا لأنّ حق التصرف بأمواله (إن كان له مال) وكل ما يتعلق به هو بيد مولاه ، وبعبارة أخرى إنّه : عبد للمخلوق ، ولا يعني ذلك إلّا الأسر والمحدودية في كل شيء.

أمّا ما يقابل ذلك فالإنسان المؤمن الذي يتمتع بأنواع المواهب والرزق الحسن :( وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً ) والإنسان الحر مع ما له من إمكانيات واسعة( فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً ) فاحكموا :( هَلْ يَسْتَوُونَ ) .

قطعا ، لا فإذن :( الْحَمْدُ لِلَّهِ ) .

الله الذي يكون عبده حرّ وقادر ومنفق ، وليس الأصنام التي عبادها أسرى وعديمو القدرة ومحددون( بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) (١) .

ثمّ يضرب مثلا آخر لعبدة الأصنام والمؤمنين والصادقين ، فيشبه الأوّل بالعبد الأبكم الذي لا يقدر على شيء ، ويشبه الآخر بإنسان حر يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم :( وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ ) (٢) ولهذا( ... أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ ) .

وعلى هذا فيكون له أربع صفات سلبية :

أبكم (لا ينطق ولا يسمع ولا يبصر منذ الولادة).

__________________

(١) المثال المذكور عبارة عن تشبيه للمؤمن والكافر (على ضوء تفسيرنا) ، إلّا أنّ جمعا من المفسّرين ذهب إلى أنّ العبد المملوك يرمز إلى الأصنام ، وأنّ المؤمن الحر المنفق إشارة إلى الله سبحانه وتعالى (ويبدو لنا أنّ هذا التشبيه بعيد).

(٢) يقول الراغب في مفرداته : الأبكم هو الذي يولد أخرس ، فكل أبكم أخرس وليس كل أخرس أبكم ، ويقال: بكم عن الكلام ، إذا أضعف عنه لضعف عقله فصار كالأبكم.

٢٦٤

وعاجز لا يقدر على شيء.

وكلّ على مولاه.

وأينما يوجهه لا يأت بخير.

مع أنّ الصفات المذكورة علة ومعلول لبعضها الآخر ولكنّها ترسم صورة إنسان سلبي مائة في المائة حيث أن وجوده لا ينم عن أي خير أو بركة إضافة لكونه «كلّ» على أهله ومجتمعه.

فـ( هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) ؟!

وأمّا الرجل الآخر في مثل الآية فهو صاحب دعوة مستمرّة إلى العدل وسائر على الصراط المستقيم ، وما هاتان الصفتان إلّا مفتاح لصفات أخرى متضمنة لها ، فصاحب هاتين الصفتين : لسانه ناطق ، منطقه محكم ، إرادته قوية ، شجاع وشهم ، لأنّه لا يمكن أن يتصور لداعية العدل أن يكون : أبكم ، جبانا وضعيفا! ولا يمكن أن يكون من هو على صراط مستقيم إنسانا عاجزا أبله وضعيف العقل ، بل ينبغي أن يكون ذكيا ، نبيها ، حكيما وثابتا.

وتظهر المقايسة بين هذين الرجلين ذلك البون الشاسع بين الاتجاهين الفكريين المختلفين لعبدة الأصنام من جهة ، وعباد اللهعزوجل من جهة أخرى ، وما بينهم من تفاوت تربوي وعقائدي.

كما رأينا من ربط القرآن في بحوثه المتعلقة بالتوحيد ومحاربة الشرك مع بحث المعاد ومحكمة القيامة الكبرى ، نراه هنا يتناول الإجابة على إشكالات المشركين فيما يخص المعاد ، فيقول لهم :( لِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) .

وكأن الآية جواب على الإشكال العالق في أذهان وألسنة منكري المعاد الجسماني بقولهم : إنّنا إذا متنا وتبعثرت ذرات أجسامنا بين التراب ، فمن يقدر على جمعها؟! وإذا ما افترضنا أنّ هذه الذرات قد جمعت وعدنا إلى الحياة ، فمن سيعلم بأعمالنا التي طوتها يد النسيان فنحاسب عليها؟!

٢٦٥

وبعبارة مختصرة تجيب الآية على كل أبعاد السؤال ، فاللهعزوجل «يعلم غيب السماوات والأرض» فهو حاضر في كل زمان ومكان ، وعليه فلا يخفى عليه شيء أبدا ، ولا مفهوم لقولهم إطلاقا ، وكل شيء يعلمه تعالى شهودا ، وأمّا تلك العبارات والأحوال فإنّما تناسب وجودنا الناقص لا غير.

ثمّ يضيف قائلا :( وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ ) (١) .

وهذا المقطع القرآني يشير إلى رد إشكال آخر كان يطرحه منكر والمعاد بقولهم : من له القدرة على المعاد ومن يتمكن من انجاز هذا الأمر العسير؟!

فيجيبهم القرآن ، بأن هذا الأمر يبدو لكم صعبا لأنّكم ضعفاء ، أمّا لصاحب القدرة المطلقة فهو من السهولة والسرعة بحيث يكون أسرع ممّا تتصورون ، وإن هو( إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ ) منكم.

وبعد أن شبّه قيام الساعة بلمح البصر ، قال :( أَوْ هُوَ أَقْرَبُ ) ، أي : إنّ التشبيه بلمح البصر جاء لضيق العبارة واللغة ، وإنّما هو من السرعة بما لا يلحظ فيه الزمان أساسا ، وما ذلك الوصف إلّا لتقريبه لأذهانكم من حيث أنّ لمح البصر هو أقصر زمان في منطقكم.

وعلى أيّة حال ، فالعبارتان إشارة حيّة لقدرة اللهعزوجل المطلقة ، وبخصوص مسألتي المعاد والقيامة ، ولهذا يقول الباري في ذيل الآية :( إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .

* * *

بحوث

١ ـ الإنسان بين الحرية والأسر

__________________

(١) لمح : (على وزن مسح) بمعنى ظهور البرق ، ثمّ جاءت بمعنى النظر السريع ، وينبغي الانتباه إلى أنّ «أو» هنا بمعنى (بل).

٢٦٦

إنّ مسألة التوحيد والشرك ليست مسألة عقائدية ذهنية صرفة كما يتوهم البعض وذلك لما لها من آثار بالغة على كافة أصعدة الحياة ، بل وأنّ بصماتها لتراها شاخصة على كافة مرافق ومناحي الحياة ـ فالتوحيد إذا دخل قلبا أحياه وغرس فيه عوامل الرّشد والكمال، لأنّه بتوسيع أفق نظر وتفكير الإنسان بشكل يجعله مرتبطا بالمطلق.

والشرك على العكس من ذلك تماما ، حيث يجعل الإنسان يعيش في دوامة عالم محدود ، وتتقاذف كيانه تلك الأصنام الحجرية والخشبية ، أو ميول وشهوات الأصنام البشرية الضعيفة ، فيختزل فكر وإدراك وقدرة وسعي الإنسان في دائرة تلك الأبعاد الضيقة التقاذف.

وقد صورت الآيات تصويرا دقيقا لهذا الواقع ، وجمعته في مثال تقريبا للأذهان وقال : إنّ المشرك في حقيقة أبكم وممارساته تنم عن خطل تفكيره وفقدانه للمنطق السليم ، وقد قيد الشرك إمكانياته فجعله خواء لا يقوى على القيام بأي شيء فانسلخت منه حريته بعد أن أسلم نفسه أسيرا في يد الخرافات والأوهام.

وبسبب هذه الصفات المذمومة فهو كلّ على المجتمع ، لأنّه يستهين بكرامة وعزّة المجتمع من خلال تسليم مقدراته بيد الأصنام أو المستعمرين.

وهو تابع أبدا ما دام لم يتحرر من ربقة الشرك ، ولن يذوق طعم الحرية والاستقلال الحق إلّا بعد أن يتوجه إلى التوحيد بصدق.

ونتيجة لمتبنياته الفكرية الضالة فلن يخترق طريقا إلّا ضاع به ، ولن يجد الخير أينما حط( أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ ) .

فكم هي الفاصلة بين ذلك الخرافي ، ضيق الأفق ، الأسير ، العاجز وبين هذا الحر، الشجاع ، الذي لا يكتفي بنهج خط العدل ، بل يدعو إليه ليعم كل الناس؟!

الشخص الذي يمتلك الفكر المنطقي المنسجم مع نظام التوحيد الحاكم على

٢٦٧

الخليقة يسير دوما على صراط مستقيم ، وهذا السير سيوصله بأقرب وأسرع طريق إلى الهدف المنشود دون أن يفني ذخائر وجوده في طرق الضلال والانحراف.

وخلاصة القول : فالتوحيد والشرك ليسا أمرا عقائديا ذهنيا بحتا ، بل نظام كامل لكل الحياة ، وبرنامج واسع يشمل : فكر ، أخلاق وعواطف الإنسان ويتناول كذلك حياته الفردية ، الاجتماعية ، السياسية ، الاقتصادية والثقافية.

لو وضعنا مقايسة بين عرب الجاهلية المشركين والمسلمين في صدر الإسلام لوجدنا الفرق الواضح بين المسيرين

الأشخاص الذين كانوا في : جهل ، تفرقة ، انحطاط ، ولا يعرفون إلّا محيطا محدودا مملوءا بالفقر والفساد ، نراهم قد أصبحوا وكلهم : وحدة ، علم ، قدرة حتى أصبح العالم المتمدن في ذلك الزمان تحت تأثيرهم وقدرتهم كل ذلك بسبب تغيير سير خطواتهم من الشرك إلى التوحيد.

٢ ـ دور العدل والاستقامة في حياة الإنسان

من الملفت للنظر اشارة الآيات إلى الدعوة للعدل والسير على الصراط المستقيم من بين صفات وشؤون الموحدين ، لتبيان ما لهذين الأمرين من أهمية في خصوص الوصول إلى المجتمع الإنساني السعيد ، وهو ما يتم من خلال امتلاك برنامج صحيح بعيد عن أي انحراف يمينا أو شمالا (لا شرقي ولا غربي) ، ومن ثمّ الدعوة لتنفيذ ذلك البرنامج المبني على أصول العدل ، كما وينبغي أن لا يكون البرنامج وقتيا ينتهي بانقضاء المدّة ، بل كما يقول القرآن :( يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ) (حيث يعطي الفعل المضارع معنى الاستمرار) برنامج مستمر ودائمي.

٢٦٨

٣ ـ أمّا الرّوايات الواردة عن أهل البيتعليهم‌السلام

الرّوايات الواردة عن أهل البيتعليهم‌السلام بخصوص تفسير هذه الآية تذكر أنّ :«الذي يأمر بعدل أمير المؤمنين والأئمّة صلوات الله عليهم».

وذكر بعض المفسّرين : أنّ جملة( مَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ) نزلت في : حمزة وعثمان بن مظعون أو في عمار.

و «أبكم» في : أبي بن مخلف وأبي جهل ومن شابههم.

وكل ذلك إنّما هو من جهة بيان مصاديق مهمّة وواضحة للآية ، ولا يمكن بأية حال أن يكون سببا للحصر ، مع ملاحظة أنّ التفاسير التي تناولت الآيات المبحوثة مبينة على أساس بيان الفرق بين المشركين والمؤمنين ، وليس بين الأصنام وبين اللهعزوجل .

* * *

٢٦٩

الآيات

( وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٨) أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٧٩) وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (٨٠) وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (٨١) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٨٢) يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ (٨٣) )

التّفسير

أنواع النعم المادية والمعنوية :

يعود القرآن الكريم مرّة أخرى بعرض جملة أخرى من النعم الإلهية كدرس

٢٧٠

في التوحيد ومعرفة الله ، وأوّل ما يشير في هذه الآيات المباركات إلى نعمة العلم والمعرفة ووسائل تحصيله ويقول :( وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً ) .

فمن الطبيعي أنّكم في ذلك المحيط المحدود المظلم تجهلون كل شيء ، ولكن عند ما تنتقلون إلى هذا العالم فليس من الحكمة أن تستمروا على حالة الجهل ، ولهذا فقد زودكم الباري سبحانه بوسائل إدراك الحقائق ومعرفة الموجودات( وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ ) . لكي يتحرك حس الشكر للمنعم في أعماقكم من خلال إدراككم لهذه النعم الربانية الجليلة( لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) .

* * *

ملاحظات

وهنا نطرح الملاحظات التالية :

١ ـ بداية الإدراك عند الإنسان

تصرّح الآية بوضوح بأنّ الإنسان حين يولد فإنّه لا يدرك من الأشياء شيئا ، وكل ما يدركه إنّما هو بعد الولادة وبواسطة الحواس التي منحه الله إيّاه.

ويواجهنا الإشكال التالي : إنّ الإنسان مزود بجملة من العلوم الفطرية كالتوحيد ومعرفة الله ، بالإضافة إلى بعض البديهيات مثل (عدم اجتماع النقيضين ، الكل أكبر من الجزء ، حسن العدل ، قبح الظلم إلخ) وكل هذه العلوم قد أودعت في قلوبنا وتولدت معنا فكيف يقول القرآن إنّ الإنسان حين يخرج من محيط الجنين ليس له من العلم شيئا؟

وهل علمنا بوجودنا (والذي هو علم حضوري) لم يكن فينا وإنّما نكتسبه عن طريق السمع والبصر والفؤاد؟

وللإجابة على هذا الإشكال ، نقول : إنّ العلوم البديهية والضرورية والفطرية

٢٧١

لم تكن في الإنسان بصورة فعلية حين ولادته ، وإنّما على شكل استعداد ووجود بالقوّة.

وبعبارة أخرى : إنّنا عند الولادة نكون في غفلة عن كل شيء حتى عن أنفسنا التي بين جنبينا ، إلّا أن مسألة إدراك الحقائق تكمن فينا بصورة القوّة لا الفعل ، وبالتدريج تحصل لأعيننا قوّة النظر ولآذاننا قوة السمع ولعقولنا القدرة على الإدراك والتجزئية والتحليل ، فنعم بهذه العطايا الإلهية الثلاث التي بواسطتها نستطيع أن ندرك كثيرا من التصورات ونودعها في العقل لكي ننشئ منها مفاهيم كلية ، ومن ثمّ نصل إلى الحقائق العقلية بطريق (التعميم) و (التجريد).

وتصل قدرتنا الفكرية إلى إدراك أنفسنا (باعتبارها علما حضوريا) ومن ثمّ تتحرر العلوم التي أودعت فينا قوة لتصبح علوما بالفعل ، ونجعل بعد ذلك من العلوم البديهية والضرورية سلّما للوصول إلى العلوم النظرية وغير البديهية.

وعلى هذا فالعموم والكلية التي نطقت بها الآية (من أنّنا لا نعلم شيئا عند الولادة) ليس لها استثناء ولا تخصيص.

٢ ـ نعمة وسائل المعرفة

ممّا لا شك فيه عدم امكانية استيعاب ودخول العالم الخارجي في وجودنا ، والحاصل الفعلي هو رسم صورة الشيء الخارجي المراد في الذهن وبواسطة الوسائل المعينة لذلك ، وعليه فمعرفتنا بالعالم الخارجي تكون عن طريق أجهزة خاصّة منها السمع والبصر.

وتنقل هذه الآلات والأجهزة كل ما تلتقطه من الخارج لتودعه في أذهاننا وعقولنا ، ونقوم بواسطة العقل والفكر بعملية التجزئة والتحليل

ولذلك بيّنت الآية مسألة عدم علم الإنسان المطلق حين الولادة :( وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ ) لكي تحصلوا على حقائق الوجود وتدركوها.

٢٧٢

ونشاهد تقديم ذكر السمع على البصر في الآية مع ما للعين من عمل أوسع من السمع ، ولعل ذلك لسبق الأذن في العمل على العين بعد الولادة ، حيث أنّ العين كانت في ظلام دامس (في رحم الأم) ونتيجة لشدّة أشعة النّور (بعد الولادة) فإنّها لا تستطيع العمل مباشرة بسبب حساسيتها ، وإنّما تتدرج في اعتيادها على مواجهة النّور حتى تصل للحالة الطبيعية المعتادة ، ولذا نجد الوليد في بداية أيّامه الأولى مغلق العين. أمّا بخصوص الأذن فثمة من يعتقد بأنّ لها القدرة على السماع (قليلا أو كثيرا) وهي في عالم الأجنّة وأنّها تسمع دقات قلب الأم وتعتاد عليها!

أضف إلى ذلك أنّ الإنسان إنّما يرى بعينه الأشياء الحسيّة فقط ، في حين أن الأذن تعتبر وسيلة للتربية والتعليم في جميع المجالات ، فالإنسان يصل بواسطة سماع الكلمات إلى معرفة جميع الحقائق سواء ما كان منها في دائرة الحس أو ما كان خارجها ، وليس للعين هذه السعة ، وصحيح أنّ الإنسان يمكنه تحصيل العلم بواسطة القراءة ، إلّا أنّ القراءة ليست عامّة لكل الناس وسماع الكلمات أمر عام.

أمّا سبب ورود «السمع» بصيغة المفرد و «الأبصار» بصيغة الجمع ، فقد بيّناه عند تفسيرنا للآية (٧) من سورة البقرة.

وثمّة ملاحظة أخرى ينبغي ذكرها تتعلق بكلمة «الفؤاد» ، فقد جاءت هنا بمعنى القلب (العقل) الذي يعيش حالة التوقد ، وبعبارة أخرى : يعيش حالة التّفسير والتحليل والابتكار.

يقول الراغب في مفرداته : (الفؤاد كالقلب ، لكن يقال له فؤاد إذا اعتبر فيه معنى الفؤاد أي التوقد). ومن المسلّم به أن هذا الموضوع يحصل للإنسان بعد حصوله على تجارب كافية.

وعلى أية حال ، فآلات المعرفة وإن لم تنحصر بهذه الأجهزة الثلاث ، إلّا أنّها أفضل الأجهزة جميعا ، لأنّ علم الإنسان إمّا أن يكون عن طريق التجربة أو عند

٢٧٣

طريق الاستدلالات العقلية ، ولا تجربة بدون السمع والبصر ، ولا استدلالات عقلية من غير الفؤاد (العقل).

٣ ـ لعلكم تشكرون

تعتبر نعمة أجهزة تحصيل العلم من أفضل النعم التي وهبها الله للإنسان ، فلا يقتصر دور العين والأذن (مثلا) على النظر إلى آثار الله في خلقه ، والاستماع إلى أحاديث أنبياء الله وأوليائه ، وتفهم ذلك وتدركه بالتحليل والاستنتاج ، بل إنّ كل خطوة نحو التكامل والتقدم مرتبطة ارتباطا وثيقا بهذه الوسائل الثلاثة.

وغاية إعطاء هذه الوسائل إنّما تستوجب شكر الواهب ، لأنّه من خلالها يمكن الحصول على العلم والمعرفة اللذين بهما امتاز الإنسان عن غيره من الحيوانات.

وممّا لا شك فيه أنّ الإنسان ليقف عاجزا أمام حق شكر المولى وليس له إلّا الاعتذار.

وتستمر الآية التالية في بيان أسرار عظمة اللهعزوجل في علم الوجود ، وتقول :( أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ) .

«الجو» لغة : هو الهواء (كما ذكره الراغب في مفرداته) ، أو ذلك الجزء من الهواء البعيد عن الأرض (كما ورد في تفسير مجمع البيان وتفسير الميزان وكذلك تفسير الآلوسي).

وبما أنّ الأجسام تنجذب إلى الأرض طبيعيا فقد وصف القرآن الكريم حركة الطيور في الهواء بالتسخير ، أي : أنّ الباري سبحانه قد جعل في أجنحة الطيور قوّة ، وفي الهواء خاصية ، تمكنان الطيور من الطيران في الجو على رغم قانون الجاذبية.

ويضيف قائلا :( ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللهُ ) .

صحيح أنّ ثمّة أمور مجتمعة تعطي للطيور إمكانية التحليق والطيران ، مثل :

٢٧٤

الخاصية الطبيعية للأجنحة ، قدرة عضلات الطيور ، هيكل الطير بالإضافة إلى خواص الهواء الملائمة ولكن ، من الذي خلق هذه الهيئة وتلك الخواص؟

ومن الذي أقرّ هذا النظام الدقيق؟

فهل هي الطبيعة العمياء ، أم من يعلم بجميع الخواص الفيزيائية للأجسام وأحاط علمه المطلق بكل هذه الأمور؟؟

فإذا ما رأينا نسبة هذه الأمور إلى الله ، لأنّ منبع وجودها منه تعالى ، وأمثال هذا التعبير في نسبة الأسباب والعلل إلى الله كثيرة في القرآن الكريم.

وفي نهاية الآية ، يأتي قوله عزّ من قائل :( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) أي إنّهم ينظرون إلى هذه الأمور بعين باصرة وأذن سميعة ويتفكرون فيما يرون ويسمعون ، وبذلك يقوى إيمانهم ويرسخ أكثر فأكثر.

* * *

بحوث

١ ـ أسرار تحليق الطيور في السماء

إنّنا لا نشعر بأهمية الكثير من عجائب عالم الوجود لاعتيادنا على كثرة مشاهدتها ، ولعدم انشغالنا بالتدقيق العلمي عند المشاهدة ، حتى باتت هذه العادة كحجاب يغطي تلك العظمة ، ولو استطاع أيّ منّا رفع ذلك الحجاب عن ذهنه لرأى العجائب الكثيرة من حوله.

وتحليق الطيور في السماء لا تبتعد عن هذه الحقيقة ، فحركة جسم ثقيل بخلاف قانون الجاذبية من دون أية صعوبة ، وارتفاعه بسرعة حتى ليغيب عن أعيننا في لحظات لأمر يدعو إلى التأمل والدراسة.

ولو دققنا النظر في بناء جسم الطائر لوجدنا ذلك الترابط الدقيق بين كل صفاته وحالاته التي تساعده على الطيران ، فهيكله العام مدبب ليقلل من مقاومة

٢٧٥

الهواء على بدنه لأقصى حد ممكن ، وريشه خفيف مجوف ، وصدره مسطح يمكنه من ركوب أمواج الهواء ، وطبيعة أجنحته الخاصّة تمنحه القوة الرافعة(١) التي تساعده على الارتفاع ، وكذلك الطبيعة الخاصّة لذيل الطائر التي تعينه على تغيير اتجاه طيرانه وسرعة التحوّل يمينا وشمالا وأعلى وأسفل (كذيل الطائرة) ، وذلك التناسق الموجود بين النظر وبقية الحواس التي تشترك جميعا في عملية الطيران وكل ذلك يعطي للطائر إمكانية الطيران السريع.

ثمّ إنّ طريقة تناسل الطير (وضع البيض) ، وعملية تربية الجنين ونموه تجري خارج رحم الأم ممّا يرفع عنها حالة الحمل والتي تعيق (بلا شك) عملية الطيران وثمّة أمور كثيرة تعتبر من العوامل المؤثرة فيزيائيا في عملية الطيران.

وكل ما ذكر يكشف عن وجود علم وقدرة فائقين لخالق ومنظم بناء وحركة هذه الكائنات الحية ، وكما يقول القرآن :( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) .

إنّ عجائب الطيور لأكثر من أن تسطر في كتاب أو عدّة كتب ، فهناك مثلا الطيور المهاجرة وما يكتنف رحلاتها من عجائب ، وحياة هذه الطيور مبنية على التنقل بين أرجاء المعمورة المختلفة حتى أنّها لتقطع المسافة ما بين القطبين الشمالي والجنوبي على طولها ، وتعتمد في تعيين اتجاهات رحلاتها على إشارات رمزية تمكنها من عبور الجبال والأودية والبحار ، ولا يعيق تحركها رداءة الجو أو حلكة الظلام في الليالي التي يتيه فيها حتى الإنسان وبما يملك.

ومن غريب ما يحدث في رجلاتها أنّها : قد تنام أحيانا بين عباب السماء

__________________

(١) «القوة الرافعة» : اصطلاح فيزيائي حديث يستعمل في حقل الطائرات ، وخلاصته : أنّ الجسم إذا كان له سطحين متفاوتين بالاستواء (كجناح الطائرة حيث سطحه الأسفل مستويا والأعلى محدبا) وتحرك أفقيا فستتولد فيه قوة خاصّة ترفعه إلى الأعلى ، تنشأ من ضغط الهواء على سطحه الأسفل والذي يكون أكثر منه على السطح الأعلى ، لأنّ الأسفل مساحته أصغر ، والسطح العلوي أوسع مساحة ، وهذا ما تعتمد عليه حركة الطائرات وإذا ما دققنا النظر في اجنحة الطيور فسنرى هذه الظاهرة بوضوح ـ فتأمل. وعموما ، ينبغي القول : ما بناء الطائرات إلّا تقليد لأجسام الطيور في جوانب مختلفة!

٢٧٦

وهي طائرة! وقد تستغرق بعض رحلاتها عدّة أسابيع دون توقف ليل نهار وبدون أن يتخلل تلك المدّة أية فترة لتناول الطعام! حيث أنّها تناولت الطعام الكافي قبل بدءها حركة الرحيل (بإلهام داخلي) ويتحول ذلك الطعام إلى دهون تدخرها في أطراف بدنها!

وثمّة أسرار كثيرة تتعلق في : بناء الطير لعشه ، تربية أفراخه ، كيفية التحصن من الأعداء ، كيفية تحصيل الغذاء اللازم ، تعاون الطيور فيما بينها بل ومع غير جنسها أيضا ...إلخ ، ولكل ممّا ذكر قصّة طويلة.

نعم ، وكما تقول الآية المباركة :( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) .

٢ ـ ترابط الآيات :

لا شك أنّ هناك ترابطا بين الآية أعلاه والتي تتحدث عن كيفية طيران الطيور وما قبلها من الآيات يتمثل في الحديث عن نعم اللهعزوجل في عالم الخليقة ، وعن أبعاد عظمته وقدرته سبحانه وتعالى ، ولكن لا يبعد أن يكون ذكر تحليق الطيور بعد ذكر آلات المعرفة يحمل بين طياته إشارة لطيفة في تشبيه تحليق هذه الطيور في العالم المحسوس بتحليق الأفكار في العالم غير المحسوس ، فكلّ منها يحلق في فضائه الخاص وبما لديه من آلات.

يقول الإمام عليعليه‌السلام في خطبته الشقشقية : «ينحدر عنّي السيل ولا يرقى إليّ الطير».

وكذا في كلماتهعليه‌السلام القصار في بيان فضيلة مالك الأشتررحمه‌الله ، ذلك القائد الشجاع: «لا يرتقيه الحافر ، ولا يوفي عليه الطائر»(١) .

وعدّ في هذه السورة خمسين نعمة كلها تدعو إلى معرفة الله جل وعلا وتدفع

__________________

(١) نهج البلاغة ، الكلمات القصار ، رقم ٤٤٣.

٢٧٧

إلى شكره ، ولذلك ذهب البعض لتسميتها ب (سورة النعم).

وتستمر الآيات في الإشارة إلى النعم الإلهية حتى نصل إلى الآية الثّالثة (مورد البحث) لتقول :( وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً ) .

وحقّا إنّ هذه النعمة المباركة من أهم النعم ، فلولاها لم يمكن التمتع بغيرها.

«البيوت» : جمع بيت ، مأخوذ من (البيتوتة) : وهي في الأصل بمعنى التوقف ليلا ، وأطلقت كلمة (بيت) على الحجرة أو الدار لحصول الاستفادة منهما للسكن ليلا.

ويلزمنا هنا التنويه بالملاحظة التالية : إنّ القرآن الكريم لم يقل : إنّ الله جعل بيوتكم سكنا لكم ، وإنّما ذكر كلمة (من) التبعيضية أوّلا وقال :( مِنْ بُيُوتِكُمْ ) وذلك لدقة كلام الله التامة في التعبير ، حيث أنّ الدار أو الحجرة الواحدة تلحقها مرافق أخرى كالمخزن والحمام وغيرها.

وبعد أن تطرق القرآن الكريم إلى ذكر البيوت الثابتة عرّج على ذكر البيوت المتنقلة فقال :( وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً ) (١) .

وهي من الخفة بحيث( تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ ) ـ أي رحيلكم ـ( وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ ) .

بل وجعل لكم :( وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ ) .

وكما هو معلوم فإنّ الشعر الذي يحمله بدن الحيوان بعضه خشن تماما كشعر الماعز ويطلق عليه (شعر) ، وجمعه (أشعار) ، وبعضه الآخر أقل خشونة بقليل وهو (الصوف) وجمعه (أصواف) ، (والوبر) أقل نعومة من الصوف وجمعه (أوبار) ، وبديهي أنّ الاختلاف الحاصل في طبيعته وخشونته يؤدي إلى تنوع الاستفادة

__________________

(١) إنّ صناعة الخيام من الجلود قليلة في عصرنا المعاش ، ولكنّ الآية المباركة أرادت أن تظهر أن هذا النوع من الخيام كان من أفضل الأنواع في تلك الأزمان ، واختص بالذكر دون بقية الأنواع ربما لكونها أكثر مأمنا أمام عواصف الصحراء الحارقة في الحجاز.

٢٧٨

منها ، فمن بعضها تصنع الخيام ، ومن البعض الآخر يصنع اللباس ، ومن الثّالث الفرش وهكذا

أمّا عن المقصود بـ «الأثاث» و «المتاع» في الآية فقد ذكر المفسّرون لذلك جملة احتمالات.

قال بعضهم : «الأثاث» بمعنى الوسائل المنزلية ، وهي في الأصل من (أثّ) بمعنى الكثرة والتجمع ، وأطلقت على الوسائل والأدوات المنزلية لكثرتها عادة.

ويطلق «المتاع» على كل ما يتمتع به الإنسان ويستفيد منه (فالمصطلحان إشارة إلى شيء واحد من جهتين مختلفتين).

ومع ملاحظة ما ذكر فاستعمال المصطلحين على التوالي يمكن أن يشير إلى هذا المعنى: إنّكم تستطيعون أن تهيئوا من أصوافها وأوبارها وأشعارها وسائل بيتية كثيرة تتمتعون بها.

واحتمل البعض ومنهم «الفخر الرازي» : «الأناث» بمعنى الأغطية والملابس ، و «المتاع بمعنى الفرش ، إلّا أنّه لم يذكر أيّ دليل لتفسيره.

واحتمل «الآلوسي» في (روح المعاني) : «الأثاث» إشارة إلى الوسائل المنزلية ، و «المتاع» إشارة إلى الوسائل المستخدمة في التجارة.

ويبدو أنّ ما قلناه أوّلا أقرب من الجميع.

وذكرت وجوه عديدة في تفسير( إِلى حِينٍ ) ولكنّ الظاهر من مقصودها هو:استفيدوا من هذه الوسائل في هذا العالم حتى نهاية الحياة فيه ، وهو إشارة إلى عدم خلود الحياة في هذا العالم وما فيه من وسائل ولوازم وأنّ كل ما فيه محدود.

٣ ـ الظلال ، المساكن ، الأغطية :

ويشير القرآن الكريم إلى نعمة أخرى بقوله :( وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً ) .

٢٧٩

«الأكنان» : جمع (كن) بمعنى وسائل التغطية والحفظ ، ولهذا فقد أطلقت على المغارات وأماكن الاختفاء وفي الجبال.

ونرى إطلاق كلمة «الظلال» في الآية لتشمل كل الظلال ، سواء كانت ظلال الأشجار أو المغارات الجبلية أو ظل أي شيء آخر ، باعتبارها إحدى النعم الإلهية (وحقيقة الأمر كذلك) ، فكما يحتاج الإنسان إلى النّور في حياته فكثيرا ما يحتاج إلى الظلل كذلك ، لأنّ النّور إذا ما استمر في اشراقه فسوف تكون الحياة مستحيلة ، ويكفينا أن نلمس ما لظل الكرة الأرضية (والمسمى بالليل) على حياتنا ، وكذلك دور الظلال الأخرى خلال النهار في مختلف الأمكنة والحالات.

وكأن ذكر نعمة «الظلال» و «أكنان الجبال» بعد ذكر نعمة «المسكن» و «الخيام» في الآية السابقة ، للإشارة إلى : أنّ طوائف الناس لا تخرج عن إحدى ثلاثة واحدة تعيش في المدن والقرى وتستفيد من بناء البيوت لسكناها ، وأخرى تعيش الترحال والتنقل فتحمل معها الخيام ، وثالثة أولئك الذين يسافرون وليس معهم مستلزمات المأوى ولم يترك الباري جل شأنه المجموعة الثّالثة تعيش حالة الحيرة من أمرها ، بل في طريقهم الظلال والمغارات لتقيهم.

وقد لا يدرك سكنة المدن ما لوجود المغارات الجبلية من أهمية ، ولكنّ عابري الصحاري والمسافرين العزل والرعاة وكل من حرم من نعمة البيوت الثابتة أو السيارة (مؤقتا أو دائما) عند ما يكونون تحت سطوة حرارة الصيف اللاهبة أو تحت وطأة زمهرير الشتاء القارص ، سيعرفون عندها أهمية تلك المغارات ، وخصوصا كونها باردة في الصيف ودافئة في الشتاء ، وهي ملاذ ينجي من موت قريب ـ في بعض الأحيان ـ للإنسان أو الحيوانات.

وبعد ذكر القرآن الكريم لنعمة الظلال الطبيعية والصناعية ، ينتقل لذكر ملابس الإنسان فيقول :( وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ ) ، وثمّة ألبسة أخرى تستعمل لحفظ أبدانكم في الحروب( وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ ) .

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

____________________

= معين فسألته، فقال: يا أبا صالح، لو أرتدّ عبد الرزّاق عن الإسلام ما تركنا حديثه (الكامل لابن عديّ 5: 1948).

وأخباره تطول، وإنّما أوردنا بعضها لأنّه في سند الحديث، ومَن هذا شأنه في الجلالة عند من لا يتجاوز ابن تيميه قولهما: ابن حنبل وابن معين، فحقّ أن يثبت الحديث الذي يرويه ولا التفات لابن تيميه!

وهذه بعض مصادر ترجمة عبد الرزّاق: طبقات ابن سعد 5: 548، وتاريخ بن معين 2: 362، وتاريخ البخاريّ الكبير 2: 94، والمعارف لابن قتيبة 506 و 624، والكنى والأسماء للدولابيّ 1: 119، وتاريخ خليفة 474، وطبقات خليفة 289، ورجال صحيح مسلم لابن منجويه 2: 8 / 1015، والثّقات لابن حبّان 5: 412، والفهرست لابن النديم 318، والمعرفة والتاريخ للفسويّ 3: 624، وتاريخ بغداد 9: 174.

(2) طبقات ابن سعد 5: 547، تاريخ يحيى بن معين 2: 216، وتاريخ الدارميّ - عدّة مواضع - وتاريخ البخاريّ الكبير 4 / الترجمة 2082، وطبقات خليفة 284، وتاريخه 468، وثقات العجليّ 194 / 577، والمعارف 506، والمعرفة والتاريخ للفسويّ 1: 185 - 187، وجامع الترمذي 4: 254، وتاريخ أبي زرعة الدمشقيّ - مواضع كثيرة -، والجرح والتعديل 4 / الترجمة 973، وحلية الأولياء 7: 270، وجمهرة أنساب العرب 18 ومواضع أخرى، ورجال صحيح مسلم 71، وسنن الدارقطنيّ 2: 210، وتهذيب الكمال 11: 177 / 2413.

روى عن: جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام السادس من أئمة أهل بيت النبوّة، وأبان بن تغلب (ثقة، تأتي ترجمته)، وسفيان الثّوريّ، وسليمان الأعمش، ثقة ثبت يسمّى المصحف. تأتي ترجمته - وفِطْر بن خليفة الخيّاط. ثقة (العجلي 385)، وفرات القزّاز - ثقة (العجلي 383)، ومالك بن أنس، وهشام بن عروة، وأبي إسحاق السّبيعيّ، ومعمر بن راشد، ومحمّد بن السائب الكلبيّ، ومحمّد بن مسلم بن شهاب الزّهريّ، ومحمّد بن المنكدر، ويحيى بن سعيد الأنصاريّ، وأبي الزّبير المكيّ، ومنصور بن المعتمر، وصالح بن صالح بن حيّ، وأبو إسحاق الشيبانيّ، وعطاء بن السائب... وأمّة واسعة من المحدّثين، أقلّ ما قيل فيهم: ثقة. =

٣٠١

حيّان الأحمر (كوفيّ ثقة تاريخ الثّقات 301 / 607).

و عبد السلام بن حيّان أبو خالد الأحمر. (كوفيّ ثقة. تاريخ الثّقات للعجليّ 201 / 607)، وجَربن عبد الحميد الضّبيّ(1) ، وشريك بن عبد الله(1) ، وحمّاد بن

____________________

= روى عنه: أحمد بن حنبل، وأحمد بن صالح المصريّ، وإبراهيم بن محمّد الفَزاريّ - تابعيّ ثقة (العجلي 54)، وسفيان الثّوريّ - وهو من شيوخه -، وسليمان الأعمش وهو من شيوخه، وشعبة ابن الحجّاج، وعبد الله بن المبارك، وأبو بكر بن أبي شيبة وعبد الله بن وَهْب المصريّ، وعبد الرحمان بن مهديّ وعبد الرزّاق بن همّام، وعبد الملك بن جُريج - وهو من شيوخه - وحمّاد بن أسامة، وحمّاد بن زيد، وأبو خيثمة زهير بن حرب، والزبير بن بكّار، وعبيد الله بن موسى، وعثمان بن محمّد بن أبي شيبة، وعليّ ابن المدينيّ، وأبو نُعيم الفضل بن دُكين، وأبو معاوية الضّرير، ومحمّد بن إدريس الشافعيّ، ومحمّد بن عبد الله بن نُمير، ووكيع بن الجرّاح، ومُعتمر بن سليمان، ويحيى بن مَعين، ويحيى بن سعيد القطّان، ومحمّد بن منصور الطوسيّ..

وهؤلاء مثل الذين من قبلهم في الإمامة والوثاقة والعلم لدى الجمهور.

أقوال العلماء في سفيان: سفيان بن عُيينة الهلاليّ: كوفيّ ثقة ثبت في الحديث، وكان بعض أهل الحديث يقول: هو أثبت الناس في حديث الزّهريّ، وكان حسَن الحديث، وكان يُعدّ من حكماء أصحاب الحديث... (تاريخ الثّقات 194 / 577).

وقال غيره: الإمام الحافظ الكبير، شيخ الإسلام، لقيَ الكثير وحمل عنهم علماً جمّاً، وأتقن وجوّد، وجمع وصنّف، وازدحم الخلق عليه وانتهى إليه عُلوّ الإسناد، وألحق الأحفاد بالأجداد (طبقات ابن سعد 5: 497، وتاريخ ابن مَعين 2: 216، وتاريخ البخاريّ الكبير 2: 94، وتاريخ بغداد 9: 174).

(1) جَرير بن عبد الحميد الضّبّي (كوفيّ، ثقة، سكن الريّ. وكان رباح - هو رباح من أصحاب ابن المبارك: كوفيّ، ثقة (تاريخ الثّقات 152 / 412) - إذا أتاه الرجل قال: أريد أن أكتب حديث الكوفة، قال: عليك بجرير، فإذا أخطأك فعليك بمحمّد بن فضل ابن غزوان - ذكره ابن داود في =

٣٠٢

زيد(2) ، وجعفر بن سليمان الضُّبَعيّ: ثقة، وكان يتشيّع.(3)

وعبّاد بن العوّام: واسطيّ، ثقة(4) وعبد الله بن إدريس الزعافريّ الكوفيّ: ثقة ؛ ثبت، صاحب سنّة، زاهد صالح، وكان عثمانيّاً ويحرّم النبيذ. (تاريخ الثّقات 249 / 777، ترجمته في التهذيب 5: 145).

____________________

= (رجاله 330 / 1449) وقال محمّد بن فضيل، ونقل عن النجاشيّ أنّه ثقة - (تاريخ الثّقات 96 / 205).

وجرير وثّقه ابن مَعين 2: 81، والبخاريّ الكبير 1: 2: 214.

(1) شريك بن عبد الله النّخعيّ القاضي. كوفيّ، ثقة، حسن الحديث (تاريخ الثّقات 217 / 664). وتاريخ ابن معين 2: 251، والبخاريّ الكبير 2: 2372).

(2) حمّاد بن زيد، أبو إسماعيل، بصريّ، ثقة، ثبت في الحديث وهو مولى جرير بن حازم بن إسماعيل. حدّثني أبي: عبد الله، قال: قال ابن المبارك:

أيّها الطالب علماً

ائتِ حمّادَ بنَ زيدِ

فاطلب العلم بحلمٍ

ثمّ قيّده بقيدِ

وكان حديثه أربعة آلاف حديث يحفظها (تاريخ الثّقات 130 / 329، وتاريخ ابن معين 2: 130، وتاريخ الكبير 2: 1: 24).

(3) تاريخ الثّقات للعجليّ 97: 212، وابن معين 2: 86، والبخاريّ الكبير 1: 2: 192، والثقات 6: 140).

(4) عبّاد بن العوّام الكلابيّ، أبو سهل الواسطي، متّفق على توثيقه، حديثه في الكتب الستّة، ترجمته في: التهذيب 5: 99.

٣٠٣

وعليّ بن حكيم الأوديّ الكوفيّ(1) ، وعبد السلام بن حرب بن سليم النهديّ، ثقة ثبت (تاريخ الثّقات 303 / 1001).

وعطاء بن مسلم، من أهل اليمن، ثقة (تاريخ الثّقات 333 / 1131).

وعبد الوارث بن سعيد، بصريّ، ثقة، وكان يرى القَدرَ ولا يدعو إليه. (تاريخ الثّقات 314 / 1046. والبخاريّ الكبير 3: 2: 118، وتاريخ ابن مَعين 2: 377). وفضيل بن عَياض التميميّ: كوفيّ، ثقة، ومتعبّد، رجل صالح، سكن مكّة(2) .

ويحيى بن يمان العجليّ: كان من كبار أصحاب الثّوريّ، وكان ثقة، جائز الحديث.(3)

____________________

(1) عليّ بن حكيم الأوديّ الكوفيّ، روى عن: حفص بن غياث، وسفيان بن عيينة، وشريك بن عبد الله بن إدريس، وعبد الله بن المبارك، ووكيع بن الجرّاح، وعمرو بن أبي المقدام، وعليّ بن مسهر، وغيرهم.

روى عنه: البخاريّ، ومسلم، والفريابيّ، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، ومحمّد بن أبي شيبة، وأبو الصّلت عبد السلام بن صالح الهرويّ... وخلق.

عن يحيى بن مَعين: ثقة. وعن أبي حاتم: صدوق. والآجري، عن أبي داود: صدوق. قال النّسائيّ: ثقة، مات سنة إحدى وثلاثين ومائتين (الجرح والتعديل 6 / الترجمة 1002، والكنى للدولابيّ 1: 147، وتاريخ البخاريّ الكبير 6 / الترجمة 3376، ورجال صحيح مسلم لابن منجويه 124).

(2) تاريخ الثّقات 384 / 1357. وثّقه أيضاً: الدارقطنيّ، والنسائيّ وابن حبّان. اشتهر بمجاورته بيت الله الحرام مع الجهد الشديد والورع الدائم... وتوفّي سنة (187 هـ) (تاريخ البخاريّ الكبير 4: 1 / 123، والثّقات 7: 315، والتهذيب 8: 294).

(3) تاريخ الثّقات للعجليّ 477 / 1830.

٣٠٤

نتيجة البحث

وجدنا أبا الصّلت عبد السلام بن حرب الهرويّ لا يروي إلاّ عن ثقة، أو صدوق، أو ثقة حافظ زاهد حجّة عابد ورع ؛ ولأجل ذلك قال عنه الحاكم: ثقة مأمون. ولم نجد في الحقل الواسع ممّن روى عنهم أبو الصَّلت: رافضيّاً!

ومن الندرة جدّاً أن قيل من أحدهم: يتشيّع، أو: إلاّ أنّه شيعيّ. مع التذكير بأنّ القاعدة المقرّرة عند أهل العلم بالحديث أنّ الجرح على المذهب باطل، والميزان عندهم: صدق الراوي في نفسه وثقته، ونكتفي هنا بذكر قول الذهبيّ - وقد ذكرناه في حديث ردّ الشمس - قال: فلو رُدّ حديث الشيعة لذهب جُملة من الآثار النبويّة، وهذه مفسدة بيّنة.(1)

روى عن أبي الصَّلت خلق، منهم:

أحمد بن منصور بن سيّار بن المبارك البغداديّ الرماديّ،(2) ومحمّد بن

____________________

(1) ميزان الاعتدال 1: 5 / الترجمة أبان بن تغلب.

(2) الثّقات لابن حبّان 5: 34 / 204، والجرح والتعديل 2: 53، وتهذيب الكمال للمزّيّ 1: 35، وتاريخ بغداد 5: 187 / 1875، وتهذيب الكمال للمزّيّ 1: 492 / 113.

قال ابن حبّان: أحمد بن سيّار المروزيّ، يروي عن العراقيّين وأهل الشام ومصر، وكان من الجمّاعين للحديث والرحّالين فيه مع التيقّظ والإتقان والذبّ عن المذهب والتضييق على أهل البدع.

روى عن: أحمد بن محمّد بن حنبل، وأبي داود الطيالسيّ، وعبد الرزّاق بن همّام، وعبيد الله بن موسى العبسيّ، وإسحاق بن راهويه، وسليمان بن حرب، ومحمّد بن كثير العبديّ، وآخرين. روى =

٣٠٥

إسماعيل بن سَمُرة السرّاج(1) ، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، ومحمّد بن عليّ ابن

____________________

= عنه: البخاريّ، وعامّة الخراسانيّين ؛ وعبد الرحمان بن أبي حاتم، وأبو عوانة الأسفرايينيّ، والحسين بن إسماعيل المحامليّ، وابن ماجة، والقطّان... (المصادر السابقة).

قال عبد الرحمان بن أبي حاتم: كتبنا عنه مع أبي، وكان أبي يوثّقه. وقال الدار قطنيّ: ثقة (الجرح والتعديل وتهذيب الكمال).

قال إبراهيم بن جابر الفقيه: حدّثني أبو يعلى الورّاق عن عبّاس الدوريّ قال: أنا أسكت من أمر الرّمادي عن شيء أخاف أن لا يسعني، كنت ربّما سمعت يحيى بن معين يقول: قال أبوبكر الرماديّ (تاريخ بغداد 5: 152). وهذا يعني أنّ الرماديّ حجّة عند ابن معين. وقال ابن جابر: حدّثني بعض أصحابنا عن إبراهيم الأصبهانيّ قال: لو أنّ رجلين قال أحدهما: حدّثني أبوبكر ابن أبي شيبة، وقال الآخر: حدّثنا أبوبكر الرماديّ، كانا سواء (تاريخ بغداد). قال ابن جابر: وحدّثنا بعض أصحابنا عن أخي خطّاب قال: هو أثبت منه - يعني الرماديّ أثبت من أبي بكر بن أبي شيبة - (و أبوبكر بن أبي شيبة هو صاحب المصنّف).

(تاريخ بغداد 4: 151، وعنه في تهذيب الكمال 1: 494). وأخباره في ذلك تطول، وصنّف المسند، ومات أحمد سنة خمس وستّين ومائتين.

(1) روى عن أسباط بن محمّد القرشيّ، وحفص بن غياث، سفيان بن عُيَينة، وعبيد الله ابن موسى، وأبي معاوية الضرير، وأبي الصّلت الهرويّ، ووكيع بن الجرّاح، وأبي بكر ابن عيّاش، ومحمّد بن فضيل بن غزوان وأبي أسامة حمّاد بن أسامة، ويونس بن بكير الشيبانيّ...

روى عنه: التّرمذيّ، والنّسائيّ، وابن ماجة، وابن أبي داود، وابن أبي حاتم، ومحمّد ابن إسحاق بن خزيمة... قال ابن أبي حاتم: سئل أبي عنه، فقال: صدوق. وسمعت منه مع أبي وهو ثقة (الجرح والتعديل 7 / الترجمة 1080). وقال النّسائيّ: ثقة (تهذيب الكمال للمزّيّ 24: 479). ووثّقه ابن حبّان (المصدر نفسه 9. قال توفّي سنة ثمان وخمسين ومائتين (المصدر نفسه).

٣٠٦

الفضل ؛ يلقّب فُستُقة(1) ، وعبّاس الدوريّ(2) ؛ وابن أبي خيثمة أحمد بن زهير بن

____________________

(1) قال الخطيب: كان أحد مَن يحفظهم الحديث ويحفظه! حدّث عن خلف بن هشام البزّاز، وقتيبة بن سعيد، وعليّ ابن المدينيّ، وعبد الرحمان بن صالح، وكان ثقة (تاريخ بغداد 3: 64).

(2) عبّاس بن محمّد بن حاتم الدّوريّ البغداديّ، خَوارَزميّ الأصل.

راوية كتاب تاريخ يحيى بن معين، روى عن: أحمد بن حنبل وعبيد الله بن موسى، وابن داود الطيالسيّ، وعبد الحميد الحِمّانيّ، وأبي نُعيم الفضل بن دُكين، ويحيى بن معين، وشبابة بن سوّار، وخالد بن مخلد، وسليمان بن داود الهاشميّ، وعبد الرحمان القطان، وعن خلقٍ سواهم كثير من الكوفيّين والبصريّين.

روى عنه: مسلم والبخاريّ والترمذيّ والنّسائيّ وجعفر الفريابيّ والحسين المحامليّ، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وعبد الله بن محمّد ابن أبي الدنيا، وعبد الله البغويّ، وعبد الرحمان بن أبي حاتم، وأبو عبيد الآجريّ، وأبو العبّاس الأصمّ...

قال عبد الرحمان بن أبي حاتم: سمعت منه مع أبي. وهو صدوق سئل عنه أبي فقال: صدوق (الجرح والتعديل 6 / الترجمة 1189) وقال النّسائيّ: ثقة (تاريخ بغداد 12: 146، وتهذيب الكمال 14: 248).

قال أبو العبّاس الأصمّ: لم أر في مشايخي أحسنَ حديثاً من عبّاس الدوريّ (تاريخ بغداد 12: 146).

وسأل يحيى بن الخطّاب يحيى بن معين أن يحدّثه فقال: ليس أحدّث فقال له: هو ذا تحدّث، قال: مَن؟ قال: عبّاس الدوريّ، قال: صديقنا وصاحبنا (تاريخ بغداد 12: 146، وتهذيب الكمال 14: 248). توفّي الدّوريّ سنة إحدى وسبعين ومائتين. (تاريخ بغداد، وتهذيب الكمال، وثقات ابن حبّان 4: 513، والجرح والتعديل، وسنن الدارقطنيّ 1 / 133، وموضّح أوهام الجمع للخطيب 3 / 303، والأنساب للسمعانيّ 5 / 400، والمعرفة والتاريخ للفسويّ بأجزائه الثلاثة.

٣٠٧

حرب بن شدّاد البغداديّ(1) نكتفي بهذا القدر ممّن رووا عن أبي الصَّلْت عبد السلام ابن صالح الهرويّ. وأنت لا تجد في أحدهم، ولا في مشايخهم ولا في تلامذتهم ومَن روى عنهم رافضيّاً، وليس فيهم من هو غير ثقة أو غير مأمون! بل ولا حتّى ضعيف، حالهم في ذلك حال مشايخ أبي الصَّلْت. كما أنّ المصادر التي

____________________

(1) نَسائي الأصل، روى عن: محمّد بن خازم أبي معاوية الضرير وعبد الرزّاق بن همّام، وأبي نعيم الفضل بن دكين، وأبي الوليد الطيالسيّ، والوليد بن مسلم، ويحيى بن سعيد القطّان، ووكيع بن الجرّاح، وعبد الله بن إدريس، وشبابة بن سوّار، ومحمّد بن فضيل بن غزوان، ويزيد بن هارون وحفص بن غياث - من شيوخ الضرير -، ومروان بن معاوية الفزاريّ، ووَهْب بن جرير بن حازم، ويحيى بن أبي بكير الكرمانيّ وعبدة بن سليمان، وآخرين كثيرين. وكلّ هذه الأسماء ثقات انظر: تاريخ الثّقات للعجليّ.

روى عنه: البخاريّ، ومسلم، وابو داود، وابن ماجة، وابنه أبو بكر أحمد بن أبي خيثمة، وإبراهيم بن إسحاق الحربيّ، وعبّاس بن محمّد اللوريّ، وأبو يعلى الموصليّ وأبو زرعة، وأبو حاتم الرازيّ، ويعقوب بن شيبة...

قال معاوية بن صالح، عن يحيى بن معين: ثقة.

وقال أبو حاتم: صدوق. وقال يعقوب بن شيبة: زهير أثبتُ من عبد الله بن محمّد بن أبي شيبة، وكان في عبد الله تهاون بالحديث، لم يكن يفصل هذه الأشياء، يعني الألفاظ.

وقال أبو عبيد الآجريّ: قلت لأبي داود: أبو خثيمة حجّة في الرجال؟ قال: ما كان أحسنَ عِلمَه: وقال النّسائيّ: ثقة مأمون. وقال الحسين بن فهم: ثقة ثبت وقال أبو بكر الخطيب: كان ثقة ثبتاً حافظاً متقناً. توفّي سنة أربع وثلاثين ومائتين.

(تاريخ بغداد 4: 162 - 164، وتاريخ الدارميّ / الترجمة 375، والبخاريّ الكبير 3 / الترجمة 1427، والكنى للدولابيّ 1 / 166، والجرح والتعديل 3 / الترجمة 2680، وثقات ابن حبّان 1 / 139، ورجال صحيح مسلم لابن منجويه 53، وتهذيب الكمال 9: 402 / 2010).

٣٠٨

ترجمت لهم ليست من كتب الرافضة، بل ولا حتّى من كتب الشيعة.

القول في أبي الصّلت

العجليّ: عبد السلام بن صالح: بصريّ، ثقة.(1)

ابن شاهين: قال يحيى بن معين: أبو الصّلت الهرويّ: ثقة، صدوق، إلاّ أنّه يتشيّع، واسمه: عبد السلام بن صالح.(2)

وقال عمر بن الحسن بن عليّ بن مالك، عن أبيه: سألتُ يحيى بن معين عن أبي الصّلت الهرويّ، فقال: ثقة صدوق، إلاّ أنّه يتشيّع(3) . قلت: إنّي رأيت أصحابنا ببغداد يتكلّمون فيه! فقال: ما سمعنا أحداً يقول فيه أكثر من أنّه يرى الإجازة سماعاً، وكان لا يحدّث إلاّ من أصوله(4) .

____________________

(1) تاريخ الثّقات للعجليّ 303 / 1002.

(2) تاريخ أسماء الثقات لابن شاهين 227 / 836.

(3) يتشيّع، من تهذيب الكمال للمزّيّ 18: 77.

(4) تاريخ بغداد 11: 236 / الرقم 5980، وتهذيب الكمال للمزّيّ 18: 77. وجاء في ترجمة عمر بن الحسن الأشنانيّ: حدّث عن: أبيه، وأبي إسماعيل الترمذيّ، وإبراهيم الحربيّ، وأبي بكر بن أبي الدنيا... وغيرهم من البغداديّين والكوفيّين.

روى عنه: أبو العبّاس بن عقدة، وابن السمّاك، والدار قطنيّ، وابن شاهين وأبو القاسم بن حبابة، والمعافى بن زكريّا، وغيرهم من المتقدّمين. (تاريخ بغداد 11: 236 / 5980، تهذيب الكمال للمزّيّ 18: 77). قال الخطيب: قلت: تحديث ابن الأشنانيّ في حياة إبراهيم الحربيّ له في أعظم الفخر وأكبر الشرف، وفيه دليل على أنّه كان في أعين الناس عظيماً، ومحلّه كان عندهم جليلاً (المصدر نفسه).

٣٠٩

حال أبي الصّلت ومذهبه

كان أبو الصّلت صاحب قشاف، وهو من آحاد المعدودين في الزهد، قَدِم «مَرو» أيّام المأمون يريد الغزو، فأُدخل على المأمون، فلمّا سمع كلامه جعله من الخاصّة من إخوانه، وحبسه عنده إلى أن خرج معه إلى الغزو، فلم يزل عنده مكرّماً إلى أن أراد إظهار كلام جَهْم والقول بالقرآن أنّه مخلوق، وجمع بينه وبين بِشْر المريسيّ وسأله أن يُكلّمه، وكان عبد السلام يردّ على أهل الأهواء من المرجئة والجهميّة والزنادقة والقَدَريّة، وكلّم بِشر المريسيّ(1) غير مرّة بين يَدَي المأمون مع غيره من أهل الكلام، كلّ ذلك كان الظفر له، وكان يعرف بكلام الشيعة، وناظرته في ذلك لأستخرج ما عنده فلم أره يُفرط، ورأيته يقدّم أبا بكر وعمر، ويترحّم على عليّ وعثمان، ولا يذكر أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ بالجميل، وسَمِعتُه يقول: هذا مذهبي الذي أدين الله به، إلاّ أنّ ثمّة أحاديث يرويها في المثالب. وسألت إسحاق بن إبراهيم عن تلك الأحاديث، وهي أحاديث مرويّة نحو ما جاء في أبي موسى - الأشعريّ -، وما رُوي في معاوية، فقال: هذه أحاديث قد رُويت ؛ قلت: فتكره كتابتها وروايتها، والرواية عمّن يرويها؟ فقال: أمّا من يرويها على طريق المعرفة فلا أكره ذلك، وأمّا من يرويها ديانةً ويريد عيب

____________________

(1) قال العجليّ: رأيت بشراً المريسيّ عليه لعنة الله مرةً واحدة، شيخ قصير ذميم المنظر وسخ الثياب وافر الشعر، أشبه شيء باليهود، وكان أبوه يهوديّاً صبّاغاً بالكوفة، لا يرحمه الله، فلقد كان فاسقاً (تاريخ الثقات للعجليّ 81 / 153).

٣١٠

القوم فإنّي لا أرى الرّواية عنه.(1)

نتيجة البحث

إنّ أبا الصّلت لم يكن رافضيّاً، فليس من مذهبه التعرّض للصحابة إلاّ بالجميل إلى حدّ أنّه لا يذكر من أخبار معاوية الذي قاتل أمير المؤمنين عليّاًعليه‌السلام ديانةً وإنّما على أنّها أخبار حفل التاريخ بها، وبذا انتقض وصفه بالتشيّع كذلك.

وهو ثقة صدوق في نفسه، يردّ على القَدَريّة وهم الذين سمّى ابن تيميه كتابه بهم: منهاج السنّة النبويّة في نقض الشيعة والقَدَريّة! فإنّ أبا الصّلت قد سبق ابن تيميه في نقض القدريّة بخمسة قرون! وإنّ ابن معين، الذي هو حجّتكما، قد دفع قولكما فيه: دجّال كذّاب! فقد قال عنه: لم يكن أبو الصّلت عندنا من أهل الكذب.(2)

أبو الصّلت وحديث «أنا مدينة العلم».

قال القاسم بن عبد الرحمان الأنباريّ قال: حدّثنا أبو الصّلت الهرويّ قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد العلم فليأت بابه».(3)

____________________

(1) تاريخ بغداد 11: 48، وتهذيب الكمال للمزّيّ 18: 76.

(2) تاريخ بغداد 11: 49، تهذيب الكمال للمزّيّ 18: 78.

(3) نفسه.

٣١١

قال القاسم: سألت يحيى بن معين عن هذا الحديث، فقال: هو صحيح.

قلت - الخطيب -: أراد أنّه صحيح من حديث أبي معاوية وليس بباطل، إذ قد رواه غير واحد عنه. أخبرنا محمّد بن عليّ المقرئ، أخبرنا محمّد بن عبد الله النيسابوريّ قال: سمعت أبا العبّاس محمّد بن يعقوب الأصم يقول: سمعت العبّاس بن محمّد الدوريّ يقول: سمعت يحيى بن معين يوثّق أبا الصّلت عبد السلام بن صالح، فقلت - أو قيل له -: إنّه حدّث عن أبي معاوية عن الأعمش «أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها»! فقال: ما تريدون من هذا المسكين؟! أليس قد حدّث به محمّد بن جعفر الفيديّ عن أبي معاوية(1) ؟!

وهذا القول من ابن معين، يعني أنّ الفيدي(2) . عنده ثقة. وبعد: هل الفَيْديّ واهٍ ضعيف وضّاع عند ابن تيميه؟ وغير ثقة ولا مأمون عند الذهبيّ، حاله حال

____________________

(1) تاريخ بغداد 11: 50 ؛ تهذيب الكمال للمزّيّ 18: 77.

(2) هو محمّد بن جعفر بن أبي مُواتية الكلبيّ، الكوفيّ، ويقال البغداديّ العلاّف المعروف بالفَيدي، نزل فَيْد.

روى عن: أبي معاوية الضرير، وأبي نعمي الفضل بن دكين، ووكيع بن الجرّاح، ومحمّد بن فضيل ابن غزوان، وجابر بن نوح الحمّانيّ، وقبيصة بن عقبة... ؛ وروى عنه: البخاريّ زكريّا بن يحيى الناقد، ويعقوب بن شيبة السدوسيّ...، ذكره ابن حبّان في كتاب الثقات، وذكره أبو نعيم في الثقات. توفّي سنة ستّ وثلاثين ومائتين (تاريخ بغداد 2: 118 / 511، الثّقات 5: 485 / 3579، تهذيب الكمال للمزّيّ 24: 586 / 5119).

فتوثيق ابن معين للفيدي، واستشهاده به في صحّة الحديث، يُلزمها تصديق الحديث وتصحيحه، وهو ما أسكت الذهبيّ عنه، فيما كذّبه ابن تيميه جُرأةً منه وغرضاً!

٣١٢

أبي الصَّلْت؟ مع التذكير بأنّ الفَيْدي تُوفّي سِنة ستّ وثلاثين ومائتين، فهو معاصر لابن مَعين المتوفّي سنة ثلاث وثلاثين ومائتين، فالحكم له لا لهما!

أبو معاوية الضّرير: محمّد بن خازم التميميّ السعديّ، أبو معاوية الضّرير الكوفيّ، مولى بني سعد بن زيد مناة بن تميم، عمي صغيراً.

روى عن: إسماعيل بن أبي خالد الأحمسيّ(1) ، وسليمان الأعمش، وروى عن: أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السّبيعيّ(2) ، ومحمّد بن السائب الكلبيّ «شيخ النسّابة، توفّي سنة 204 هـ، له: جمهرة النسب، ونسب معد وعدنان الكبير، وما النسب لأبي عبيد، وجمهرة أنساب العرب لابن حزم، إلاّ جمهرة النّسب باسمٍ

____________________

(1) ذكره العجليّ، قال: تابعيّ، سمع من خمسة من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : عبد الله بن أبي أوفى، وأنس بن مالك، وعمرو بن حُريث، وأبي جُحَيفة وهب بن عبد الله السوائيّ، وقيس بن عائذ. وكان رجلاً صالحاً ثقة. وكان راوية عن قيس بن أبي حازم [ قيس هذا من أصحاب عبد الله، وسمع من أبي بكر، ثقة. تاريخ الثّقات 392 / 1393، تاريخ البخاريّ الكبير 4: 145، الثّقات 5: 307، والتهذيب 8: 386 ] الأحمسيّ، تابعيّ لم يكن أحد أروى منه...، وكان عالياً في الكوفيّين (تاريخ الثّقات 64 / 84).

(2) كوفيّ، تابعيّ، ثقة. روى عن ثمانية وثلاثين صحابيّاً، رأى عليّاً، وروى عن الأعمش وشعبة والثّوريّ وسفيان بن عُيَينة. قال العجليّ: حدثنا أبي: كان أبو إسحاق يقول لإسرائيل: الزمْ هؤلاء الثلاثة ؛ فإنّهم أصحاب علم وفصاحة: عبد الملك بن عمير، والأعمش، وسماك بن حرب. وهو من أوعية العلم (تاريخ الثقات 366 / 1272).

وثّقة: النّجاشيّ، وابن داود، قالا: ثقة هو وأبوه (رجال النجاشي 18 ورجال ابن داود 54).

٣١٣

آخر!»، وشعبة بن الحجّاج أبو بسطام البصريّ(1) ، وهشام بن عروة (ثقة: تاريخ الثقات 459 / 1740، والتهذيب 11: 48)، وليث بن أبي سليم(2) ، يزيد بن زياد ابن أبي الجعد(3) ، وعاصم الأحول (بصريّ ثقة: التهذيب 5: 42).

وجعفر بن بُرقان(4) ، وسهيل بن أبي صالح(5) ، ومالك بن مِغْول(6) ، وسليمان الأعمش وهو من أقرانه...

روى عنه: الإمام أحمد بن حنبل، وسليمان الأعمش، وأبو خيثمة زهير بن حرب - مضت ترجمته وعلوّ شأنه في الحديث والرجال -، ويحيى بن معين، ويحيى بن سعيد القطّان(7) ، وهو من أقرانه، ومحمّد بن إسماعيل بن سَمُرة

____________________

(1) شعبة بن الحجّاج: واسطيّ سكن البصرة، ثقة تقيّ، أميرالمؤمنين في الحديث، عالم أهل البصرة، وهو أوّل من فتّش عن الرجال في العراق (تاريخ الثّقات للعجليّ 220 / 665، وتاريخ ابن معين 2: 252، وتاريخ البخاريّ الكبير 2: 2442، وطبقات ابن سعد 7: 280، وتاريخ بغداد 9: 255).

(2) جائز الحديث. (تاريخ الثّقات 399 / 1431).

(3) كوفيّ ثقة. (تاريخ الثّقات 478 / 1842). وثّقه أيضاً: أحمد، وابن معين، وابن حبّان. (التهذيب 11: 328).

(4) ذكره العجليّ فقال: ثقة. (تاريخ الثّقات 96 / 208) ووثّقه أيضاً: الدارميّ، وابن مَعين، ويعقوب بن سفيان، وابن عُيينة، وابن حبّان وغيرهم (تاريخ ابن معين 2: 84، البخاريّ الكبير 1: 1 / 186، وثقات ابن حبّان 6: 136).

(5) سهيل بن أبي صالح السّمان، مدنيّ ثقة (تاريخ الثّقات 210 / 637).

(6) كوفيّ ثقة، رجل صالح مبرز في الفضل (تاريخ الثّقات 419 / 1539، التهذيب 10: 22).

(7) يحيى بن سعيد القطّان البصريّ (120 - 198 هـ) ثقة، نقيّ الحديث، وكان لا يحدّث إلاّ عن ثقة، وهو أثبت في سفيان من جماعةٍ ذكرهم (تاريخ الثّقات 472 / 1080). سمع: هشام بن =

٣١٤

الأحمسيّ - مضت ترجمته -، وابن أبي شيبة عبد الله بن محمّد(1) ، وأخوه: عثمان بن محمّد بن أبي شيبة(2) ، ويزيد بن زياد بن أبي الجعد - مضت ترجمته - ومحمّد ابن عبد الله بن المبارك، وخلق كثير.

نتيجة البحث

الذي وجدناه في أبي معاوية هو عين الذي وجدناه في أبي الصّلت، فإنّهما لا يرويان إلاّ عن ثقة، ولا يروي عنهما إلاّ ثقة وممّن يأتمّ بهم: أبو الفرج والذهبيّ، وابن تيميه نفسه! ووجدنا أبا الصّلت ثقةً مأموناً في نفسه، فعلينا أن ننظر في أبي معاوية:

ذكره العجليّ فقال: ثقة.(3)

____________________

= عروة، وسليمان الأعمش، وسفيان الثّوريّ، وشعبة، ومالك بن أنس...، روى عنه: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وأبو خيثمة، وبندار، وعليّ المدينيّ...، مات سنة مائة وثمان وتسعين. وأخباره تطول، أجمعوا على وثاقته وعلوّ شأنه. (الجرح والتعديل 9 / الترجمة 624، ثقات ابن شاهين / الترجمة 1586، رجال صحيح مسلم 194، المعرفة ليعقوب 1 / 716، 2 / 140...، طبقات ابن سعد 7 / 193).

(1) كوفيّ ثقة حافظ للحديث (تاريخ الثّقات 276 / 878). وجاء في ترجمته. الإمام العلم، سيّد الحفّاظ، وصاحب الكتب الكبار: (المسند) و (المصنّف) و (التفسير) (الجرح والتعديل 3: 2 / 160، وتاريخ بغداد 10: 66، والتهذيب 6: 2).

(2) كوفيّ ثقة. (تاريخ الثّقات 329 / 1111). وهو صاحب المسند والتفسير حافظ ثقة شهير. التهذيب 7: 149.

(3) تاريخ الثّقات 403 / 1450.

٣١٥

قال عبّاس الدوريّ: قلت ليحيى: أيّما أعجب إليك في الأعمش: عيسى ابن يونس أو حفص بن غياث، أو أبو معاوية؟ فقال: أبو معاوية.(1)

وقال يحيى بن معين: قال أبو معاوية: هذه الأحاديث حَفِظتُها من فِيَّ الأعمش.(2)

وقال أيوب بن سافريّ: سألت أحمد - بن حنبل - ويحيى عن أبي معاوية وجرير، قالا: أبو معاوية أحبّ إلينا. يعنيان في الأعمش.(3)

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: كان أبو معاوية إذا سئل عن أحاديث الأعمش يقول: قد صار حديث الأعمش في فمي عَلقَماً، أو هو أمرّ من العلقم ؛ لكثرة ما يُردّد عليه حديث الأعمش.(4)

وقال عثمان بن سعيد الدارميّ: سألت يحيى بن معين: أبو معاوية أحبّ اليك في الأعمش أو وكيع؟ فقال: أبو معاوية أعلم به.(5)

قال عبّاس الدوريّ: قلت ليحيى: كان أبو معاوية أحسنهم حديثاً عن الأعمش؟ قال: كانت الأحاديث الكبار العالية عنده.(6)

وقال أبو زرعة الدمشقيّ: سمعت أبا نعيم يقول: لزم أبو معاوية الأعمش

____________________

(1) تاريخ يحيى بن معين 1: 198 / 1271.

(2) نفسه 1: 276 / 1830.

(3) تاريخ بغداد 5: 248، وتهذيب الكمال 25: 128.

(4) نفسه.

(5) تاريخ يحيى 2: 49.

(6) تاريخ بغداد 5: 244.

٣١٦

عشرين سنة.(1)

وقال إبراهيم الحربيّ: قال لي الوكيعيّ: ما أدركنا أحداً كان أعلم بأحاديث الأعمش من أبي معاوية.

قال النّسائيّ: أبو معاوية ثقة(2) .

مات أبو معاوية سنة خمس وتسعين ومائة(3) .

هنا تبيّن حال أبي معاوية الضّرير أيضاً، فقد شهد له أئمّة الحديث والرجال ممّن لا ينبغي لابن تيميه أن يوقع نفسه في زُبيتهم، منهم: الإمام أحمد، وابن معين، والقطّان، وابنا أبي شيبة...

ووجدناهم يزكّونه من خلال ملازمته الطويلة للأعمش، وأنّه أعلم بحديث الأعمش من غيره، حتّى صار حديث الأعمش في فمه أمرّ من العلقم لكثرة ما يُسأل عنه فيجيب، فيما يُعرضون عن فطاحل علماء عصره في هذا الأمر. والأعمش هو في سند حديث مدينة العلم.

الأعمش: سليمان بن مِهْران الأسديّ الكاهليّ، مولاهم أبو محمّد الأعمش.

روى عن: إبراهيم النّخعيّ(1) ، وإسماعيل بن أبي خالد(2) ، وأنس بن مالك،

____________________

(1) نفسه: 246.

(2) رجال البخاريّ للباجيّ 2: 631.

(3) طبقات ابن سعد 6: 392، وتاريخ خليفة 466، وفي تاريخ بغداد 5: 243 سنة أربع وتسعين ومائة.

٣١٧

وسعيد بن جبير، وأبي إسحاق السّبيعيّ، وقيس بن أبي حازم - أدرك أبا بكر فبايعه. قال العجليّ: ثقة. (العجليّ 392 / 1393) -، وسلمة بن كهيل(3) ، وسليمان

____________________

(1) إبراهيم بن يزيد النّخعي: كوفيّ، ثقة، وكان مفتي الكوفة هو والشعبيّ في زمانهما، وكان رجلاً صالحاً وفقيهاً، مُتوقّياً، قليل التكلّف (تاريخ الثّقات 56 / 45).

(2) ذكرنا بعض ترجمته فيما مضى: روى عن إسماعيل بن عبد الرحمان السديّ وهو من أقرانه، وزرّ بن حُبيش، وعامر الشّعبيّ، وعطاء بن السائب، وأبي إسحاق السّبيعيّ، ومجالد بن سعيد - وهو من أقرانه -، وسَلَمة بن كُهيل، وعبد الرحمان بن أبي ليلى ؛ وروى عنه: ابن شُبرمة، وسفيان الثّوريّ، وابن عُيَينة، وأبو معاوية الضّرير، ووكيع الجرّاح، وشعبة بن الحجّاج، وعبد الله بن المبارك، وعبد الله بن نُمَير، وعبيد الله بن موسى، وحفص بن غياث - الإمام، مضت ترجمته -، وشريك بن عبد الله وعبّاد بن العوّام، و عبد الله بن إدريس، ومحمّد بن فضيل بن غزوان... وهؤلاء ثقات الرواة وصلحاؤهم (تاريخ الثّقات للعجليّ، وطبقات ابن سعد، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم، وتاريخ البخاريّ الكبير، والثقات لابن حبّان، والمعرفة والتاريخ للفسويّ، وتاريخ الدارميّ، وتاريخ أسماء الثقات لابن شاهين).

عن مروان بن معاوية: كان إسماعيل يسمّى الميزان (الجرح والتعديل 1: 1 / 175).

وجرير قال: سمعت مجالداً يذكر عن الشعبيّ، قال: ابن أبي خالد يَزْدرِد العلم ازدراداً. (نفس المصدر). وقال عليّ ابن المدينيّ: قالت ليحيى بن سعيد: ما حملت عن إسماعيل عن عامر، صحاحٌ؟ قال: نعم (نفس المصدر).

وقال محمّد بن محبوب عن يحيى بن سعيد: كان سفيان به معجباً (البخاريّ الكبير 1: 1 / 351).

وعبد الله بن المبارك، عن سفيان الثّوريّ قال: حُفّاظ الناس ثلاثة: إسماعيل بن أبي خالد، وعبد الملك بن إسماعيل، ويحيى بن سعيد الأنصاريّ ؛ وإسماعيل أعلم الناس بالشعبيّ وأثبتهم فيه (الجرح والتعديل 1: 1 / 174، وطبقات ابن سعد 6: 240).

(3) سلمة بن كهيل الحضرميّ: كوفيّ، ثقة، ثبت في الحديث تابعيّ، سمع من جندب بن عبد الله (تاريخ الثّقات 197 / 591 وفي تاريخ ابن معين 1: 235 / 1525).

٣١٨

بن مَيسرة الأحمسيّ، وأبي وائل شقيق بن سلمة الأسديّ،(1) وعكرمة مولى ابن عبّاس، ومجاهد بن جبر المكّيّ، وسالم بن أبي الجعد، كوفيّ تابعيّ ثقة «العجليّ 173 / 496»، والمنهال بن عمرو(2) ، وأبي صالح مولى أم هانئ...

روى عنه: سفيان الثّوريّ، وسفيان بن عيينة، وشريك بن عبد الله وأبان ابن تغلب(3) ، وأسباط بن محمّد القرشيّ(4) ، وحفص بن غياث، وعبد الله بن المبارك،

____________________

(1) شقيق بن سَلَمة، بصريّ، رجل صالح. (تاريخ الثّقات 221 / 673) وانظره في تاريخ ابن معين 2: 258، والتاريخ الكبير 2: 2 / 245، والثقات لابن حبّان 4: 354، وطبقات ابن سعد 6: 96.

(2) المنهال بن عمرو: كوفيّ، ثقة (تاريخ الثّقات 442 / 1643). وثّقه أيضاً: ابن معين والنّسائيّ وابن حبّان (التهذيب 10: 319، وتاريخ ابن معين 1: 300 / 1999 وقال: ثقة).

(3) أبان بن تغلب الكوفيّ القاري. روى عن: محمّد بن عليّ الباقرعليه‌السلام ، وابنه جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام ، وعِكرِمة مولى ابن عبّاس، والمنهال بن عمرو، وأبي إسحاق السّبيعيّ، وعطيّة العوفيّ، وسليمان الأعمش...

روى عنه عبد الله بن المبارك، وعبّاد بن العوّام، وابن عُيينة، وشُعبة بن الحجّاج، وأبو معاوية الضّرير، وحمّاد بن زيد، وموسى بن عقبة - وهو من أقوانه... قال ابن حنبل وابن مَعين والنّسائي وأبو حاتم: ثقة صالح (تهذيب الكمال للمزّيّ 2: 7)، وفي الكامل لابن عديّ: له أحاديث ونسخ، وعامّتها مستقيمة، وهو من أهل الصدق في الروايات (الكامل 1 / 192)، مات سنة إحدى وأربعين ومائة.

(4) أسباط بن محمّد بن عبد الرحمان بن خالد بن ميسرة القرشيّ الكوفيّ روى عن الأعمش، وأبي إسحاق الشّيبانيّ، وسعيد بن أبي عروبة وسفيان الثّوريّ، ومِسعَر بن كِدام، وأبي بكر الهذليّ....

روى عنه: أحمد بن محمّد بن حنبل، وأحمد بن منيع البغويّ، وإسحاق بن راهوية، وأبو بكر بن أبي شيبة، ومحمّد بن إسماعيل بن سمرة الأحمسيّ... ؛ قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي: أسباط أحبّ إليك في سعيد أو الخفّاف؟ فقال: أسباط أحبّ إليّ ؛ لأنّه سمع بالكوفة (الجرح =

٣١٩

وعبد الله بن نمير، وعبيد الله بن موسى، وعبد السلام بن حرب «الهرويّ»، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وأبو عوانة، وأبو معاوية الضّرير، ويحيى بن سعيد القطّان، وأبو إسحاق السّبيعيّ - وهو من شيوخه -، وفضيل ابن مرزوق، ومحمّد بن فضيل بن غزوان، وأبو عوانة، وأبو خالد الأحمر، وقتادة الرّهاويّ...

قال عليّ ابن المدينيّ: حَفِظ العلم على أمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ستّةٌ: فلأهل مكّة عمرو بن دينار، ولأهل المدينة ابن شهاب الزُّهريّ، ولأهل الكوفة أبو إسحاق السّبيعيّ وسليمان بن مهران الأعمش، ولأهل البصرة يحيى بن أبي كثير وقتادة.(1)

وقال عصام الأحول: مرّ الأعمش بالقاسم بن عبد الرحمان(2) .

فقال: هذا الشيخ أعلم الناس بقول عبد الله بن مسعود.(3)

وقال عبّاس الدّوريّ، عن سهل بن حليمة: سمعت ابن عُيَينة يقول: سبق

____________________

= والتعديل 1 / 1 / 333). وعن يحيى بن معين قال: أسباط بن محمّد، ثقة (تاريخ يحيى بن معين 1: 199 / 1284) وأبو بكر بن أبي خيثمة، عن يحيى بن معين: ثقة (الجرح والتعديل 1: 1 / 333). وقال أبو حاتم: صالح (الجرح والتعديل لابنه عبد الرحمان 1: 1 / 333). وقال عبد الله ابن أحمد بن حنبل: سألت أبي: أسباط بن محمّد أحبّ إليك في سعيد أو الخفّاف؟ فقال: أسباط أحبّ إليّ ؛ لأنّه سمع بالكوفة (نفس المصدر).

وقال يعقوب بن شيبة: كوفيٌّ ثقةٌ صدوق، وكان من قريش، توفّي بالكوفة في المحرّم سنة مئتين (الطبقات الكبرى 6: 274، الثقات لابن حبّان 1: 25، وتاريخ بغداد 6: 47، وتهذيب الكمال 2: 356).

(1) تاريخ بغداد 9: 11.

(2) القاسم بن عبد الرحمان بن عبد الله بن مسعود، ثقة رجل صالح (تاريخ الثقات 386 / 1367).

(3) حلية الأولياء 5: 48.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496