الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٨

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل12%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 496

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 496 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 238300 / تحميل: 7622
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٨

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

أمرهم ، فأمات بسيفك من عاندك ، فشفي وهوى ، وأحيا بحجتك منسعد فهدى ، صلوات الله عليك غادية ورائحة ، وعاكفة وذاهبة ، فمايحيط المادح وصفك ، ولا يحبط الطاعن فضلك.

أنت أحسن الخلق عبادة ، وأخلصهم زهادة ، وأذبهم عن الدين ،أقمت حدود الله بجهدك ، وفللت عساكر المارقين بسيفك ، تخمد(1) لهبالحروب ببنانك(2) ، وتهتك ستور الشبه ببيانك ، وتكشف لبس الباطل عنصريح الحق ، لا تأخذك في الله لومة لائم.

وفي مدح الله تعالى لك غنى عن مدح المادحين وتقريظالواصفين ، قال الله تعالى :( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا اللهعليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ) (3) .

ولما رأيت قد قتلت الناكثين والقاسطين والمارقين ، وصدقكرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعده ، فأوفيت بعهده ، قلت : اما آن أنتخضب هذه من هذه ، أم متى يبعث أشقاها ، واثقا بأنك على بينة منربك وبصيرة من امرك ، قادما على الله ، مستبشرا ببيعك الذي بايعته به ،وذلك هو الفوز العظيم.

اللهم العن قتلة أنبيائك وأوصياء أنبيائك بجميع لعناتك ،

__________________

(1) خمدت النار : سكن لهبها.

(2) البنان : الإصبع.

(3) الأحزاب : 23.

٢٨١

واصلهم حر نارك ، والعن من غصب وليك حقه ، وأنكر عهده ، وجحدهبعد اليقين ، والاقرار بالولاية له يوم أكملت له الدين.

اللهم العن قتلة أمير المؤمنين ومن قتلته ، وأشياعهم وأنصارهم ،اللهم العن ظالمي الحسين وقاتليه والمتابعين عدوه وناصريه ،والراضين بقتله وخاذليه ، لعنا وبيلا.

اللهم العن أول ظالم ظلم ال محمد ومانعيهم حقوقهم ، اللهمخص أول ظالم وغاصب لآل محمد باللعن وكل مستن بما سن إلى يومالدين.

اللهم صل على محمد خاتم النبيين ، وسيد المرسلين(1) وآله الطاهرين، واجعلنا بهم متمسكين ، وبموالاتهم من الفائزين الآمنين ،الذين لاخوف عليهم ولا يحزنون ، انك حميد مجيد.

13 ـ الزيارة المختصة بيوم الغدير(2) :

روى جابر الجعفي قال أبو جعفرعليه‌السلام : مضى أبي علي بن الحسينعليهما‌السلام إلى مشهد أمير المؤمنينعليه‌السلام فوقف ثم بكى وقال :

السلام عليك يا امين الله في ارضه وحجته على عباده ، السلام

__________________

(1) في بعض الصادر : وعلى علي سيد الوصيين.

(2) لا دليل على اختصاص هذه الزيارة بيوم الغدير ، ويؤيده عدها في كتب المزار بعنوانالزيارات المطلقة.

٢٨٢

عليك يا أمير المؤمنين

اشهد انك جاهدت في الله حق جهاده ، وعملت بكتابه ، واتبعتسنن نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتى دعاك الله إلى جواره ، وقبضك إليهباختياره ، والزم أعداءك الحجة ، مع ما لك من الحجج البالغة على جميعخلقه.

اللهم فاجعل نفسي مطمئنة بقدرك ، راضية بقضائك ، مولعة(1) بذكرك ودعائك ، محبة لصفوة(2) أوليائك ، محبوبة في ارضك وسمائك ،صابرة على نزول بلائك ، [ شاكرة لفواضل نعمائك ، ذاكرة لسوابغآلائك ](3) ، مشتاقة إلى فرحة لقائك ، متزودة التقوى ليوم جزائك ، مستنةبسنن أوليائك ، مفارقة لأخلاق أعدائك ، مشغولة عن الدنيا بحمدكوثنائك.

ثم وضع خده على قبره ، وقال :

اللهم ان قلوب المخبتين إليك والهة(4) ، وسبل الراغبين إليكشارعة ، واعلام القاصدين إليك واضحة ، وأفئدة العارفين منك فازعة ،وأصوات الداعين إليك صاعدة ، وأبواب الإجابة لهم مفتحة.

__________________

(1) المولعة : المتعلقة.

(2) الصفوة : الخالصة.

(3) زيادة من سائر المصادر.

(4) المخبتين : الخاشعين ، والهة : متحيرة من شدة الوجد.

٢٨٣

ودعوة من ناجاك مستجابة ، وتوبة من أناب إليك مقبولة ، وعبرةمن بكى من خوفك مرحومة ، والإغاثة لمن استغاث بك موجودة ،والإعانة لمن استعان بك مبذولة ، وعداتك(1) لعبادك منجزة.

وزلل من استقالك(2) مقالة ، واعمال العاملين لديك محفوظة ،وأرزاقك إلى الخلائق(3) من لدنك نازلة ، وعوائد المزيد إليهم واصلة ،وذنوب المستغفرين مغفورة ، وحوائج خلقك عندك مقضية ، وجوائزالسائلين عندك موفرة ، وعوائد المزيد متواترة(4) ، وموائد المستطعمينمعدة ، ومناهل الظماء(5) مترعة(6) .

اللهم فاستجب دعائي ، واقبل ثنائي ،(7) واجمع بيني وبين أوليائيبحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ، انك ولي نعمائي ،ومنتهى مناي ، وغاية رجائي في منقلبي ومثواي.

قال الباقرعليه‌السلام : ما قاله أحد من شيعتنا عند قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام

__________________

(1) عداتك : وعودك.

(2) استقالك : طلب صفحك.

(3) ارزاق الخلائق ( خ ل ).

(4) متواترة : متتابعة.

(5) زيادة : لديك ( خ ل ).

(6) اترعه : ملاه.

(7) زيادة : وأعطني جزائي ( خ ل ).

٢٨٤

الا وقع في درج(1) من نور ، وطبع عليه بطابع محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى يسلم إلىالقائمعليه‌السلام ، فيلقى صاحبه بالبشرى والتحية والكرامة إن شاء الله(2) .

__________________

(1) الدرج ـ بالفتح ـ الذي يكتب فيه.

(2) رواه ابن قولويه في الكامل : 92 ، باسناده عن أحمد بن علي ، عن أبيه ، عن علي بنموسى ، عن أبيه ، عن جده ، عن السجادعليه‌السلام ، عنه البحار 100 : 264.

أورد بهذا اللفظ وبغيره : الشيخ في مصباحه : 682 برواية جابر الجعفي عن الباقر عليه‌السلام ، والسيد في مصباحه : 583 ، والشهيد في مزاره : 95 ، والكفعمي في مصباحه : 480 وفيالبلد الأمين : 495 جميعا عن الباقر ، عن أبيه عليهما‌السلام .

ذكره السيد عبد الكريم بن أحمد بن طاووس في فرحة الغري : 40 ، باسناده عن محمد بنمحمد الطوسي ، عن والده ، عن السيد فضل الله العلوي ، عن ذي الفقار بن معبد ، عن الشيخ ، عنالمفيد ، عن محمد بن أحمد القمي ، عن محمد بن علي بن الفضل الكوفي ، عن محمد بن روحالقزويني ، عن أبي القاسم النقاش بقزوين ، عن الحسين بن سيف بن عميرة ، عن أبيه سيف ، عنجابر الجعفي ، عن الباقر ، عن أبيه عليهما‌السلام .

ورواه أيضا مع اختلاف في فرحة الغري : 43 عن علي بن بلال المهلبي ، عن أحمد بن عليابن مهدي الرقي ، عن أبيه ، عن علي بن موسى عليهما‌السلام ، مثله ثم قال : وذكر ابن أبي قرة في مزارهعن محمد بن عبد الله ، عن إسحاق بن محمد بن مروان ، عن أبيه ، عن علي بن سيف بن عميرة ،عن أبيه ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، عن الباقر عليه‌السلام .

ذكره السيد ابن طاووس في الاقبال 2 : 273 كما في فرحة الغري ، باسناده عن كتاب المسرةمن كتاب مزار ابن أبي قرة ، عن جماعة إليه ، رواه عن محمد بن عبد الله ، عن أبيه ، عن الحسن بنيوسف بن عميرة ، عن أبيه ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما‌السلام ، عنأبيه علي بن الحسين عليهما‌السلام .

أقول : قال السيد في الاقبال بعد ذكر الدعاء : ( وقد زاره مولانا الصادق عليه‌السلام بنحو هذهالألفاظ من الزيارة تركنا ذكرها خوف الإطالة ) ، وقريب منه ما ذكره السيد عبد الكريم بن أحمدابن طاووس في فرحة الغري.

٢٨٥

فاما صلاة يوم الغدير والدعاء :

فإنه ينبغي ان يغتسل أولا يوم الغدير ، فإذا قرب من الزوال وبقيبينه وبين الزوال نصف ساعة صلى ركعتين ، يقرأ في كل واحدة منهماعشر مرات :( قل هو الله أحد ) بعد الحمد ، وعشر مرات :( انا أنزلناهفي ليلة القدر ) ، وعشر مرات آية الكرسي.

فإذا سلم عقب بما أراد من تسبيح الزهراءعليها‌السلام وغير ذلك منالدعاء ، ثم تقول :

ربنا اننا سمعنا مناديا ينادي للايمان ان امنوا بربكم فآمنا ، ربنافاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار ، ربنا وأتنا ما وعدتناعلى رسلك ولا تخزنا يوم القيامة انك لا تخلف الميعاد.

اللهم إني أشهدك وكفى بك شهيدا ، واشهد ملائكتك وأنبياءكوحملة عرشك وسكان سماواتك وارضيك ، بأنك أنت الله لا إله إلا أنتالمعبود فلا يعبد سواك ، فتعاليت عما يقول الظالمون علوا كبيرا ،وأشهد أن محمدا عبدك ورسولكصلى‌الله‌عليه‌وآله ، واشهد انأمير المؤمنين عبدك ومولانا.

ربنا سمعنا واجبنا وصدقنا المنادي رسولكصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ نادى بنداء عنك ، بالذي امرته ان يبلغ ما أنزلت إليه ، من ولاية وليامرك ، وحذرته وأنذرته ان لم يبلغ ما امرته ان تسخط عليه ، ولما بلغ

٢٨٦

رسالاتك(1) عصمته من الناس ، فنادى مبلغا عنك : الا من كنت مولاهفعلي مولاه ومن كنت وليه فعلي وليه ، ومن كنت نبيه فعلي اميره.

ربنا قد أجبنا داعيك النذير محمدا عبدك ورسولك إلى الهاديالمهدي ، عبدك الذي أنعمت عليه ، وجعلته مثلا لبني إسرائيل ، عليأمير المؤمنين ومولاهم ووليهم ، ربنا واتبعنا مولانا وولينا وهاديناوداعينا ، وداعي الأنام وصراطك المستقيم وحجتك البيضاء ،وسبيلك الداعي إليك على بصيرة هو ومن اتبعه ، وسبحان الله عمايشركون.

واشهد انه الإمام الهادي الرشيد أمير المؤمنين ، الذي ذكرته فيكتابك فإنك قلت وقولك الحق :( وانه في أم الكتاب لدينا لعليحكيم ) (2) .

اللهم فانا نشهد بأنه عبدك والهادي من بعد نبيك ، النذير المنذر ،وصراطك المستقيم ، وأمير المؤمنين ، وقائد الغر المحجلين ،وحجتك البالغة ، ولسانك المعبر عنك في خلقك ، وانه القائم بالقسطفي بريتك ، وديان دينك ، وخازن علمك ، وأمينك المأمون ، المأخوذميثاقه وميثاق رسولكعليهما‌السلام من جميع خلقك وبريتك ، شاهدابالاخلاص لك والوحدانية.

__________________

(1) رسالتك ( خ ل ).

(2) الزخرف : 43.

٢٨٧

بأنك أنت الله لا إله إلا أنت ، وأن محمدا عبدك ورسولك ، وانعليا أمير المؤمنين جعلته وليك ، والاقرار بولايته تمام وحدانيتكوكمال دينك وتمام نعمتك على جميع خلقك من بريتك ، فقلتوقولك الحق :( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتيورضيت لكم الاسلام دينا ) (1) .

فلك الحمد بموالاته واتمام نعمتك علينا ، بالذي جددت منعهدك وميثاقك ، وذكرتنا ذلك ، وجعلتنا من أهل الاخلاص والتصديقبميثاقك ومن أهل الوفاء بذلك ، ولم تجعلنا من اتباع المغيرينوالمبدلين ، والمنحرفين(2) والمبتكين اذان الانعام ، والمغيرين خلقالله ، ومن الذين استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله ، وصدهمعن السبيل والصراط المستقيم.

اللهم العن الجاحدين والناكثين ، والمغيرين والمكذبين بيومالدين من الأولين والآخرين ، اللهم فلك الحمد على انعامك علينابالهدى الذي هديتنا به إلى ولاة امرك من بعد نبيك ، الأئمة الهداةالراشدين ، واعلام الهدى ، ومنار القلوب والتقوى والعروة الوثقى ،وكمال دينك وتمام نعمتك ، ومن بهم وبموالاتهم رضيت لنا الاسلامديناً.

__________________

(1) المائدة : 3.

(2) المحرفين ( خ ل ).

٢٨٨

ربنا فلك الحمد ، امنا وصدقنا بمنك علينا بالرسول النذير المنذروالينا وليهم ، وعادينا عدوهم ، وبرئنا من الجاحدين والمكذبين بيومالدين ، اللهم فكما كان ذلك من شأنك يا صادق الوعد ، يا من لا يخلفالميعاد ، يا هو كل يوم في شأن إذ أتممت علينا نعمتك بموالاة أوليائك ،المسؤول عنهم عبادك ، فإنك قلت :( ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم ) (1) ،وقلت وقولك الحق :( وقفوهم انهم مسؤولون ) (2) .

ومننت علينا بشهادة الاخلاص وبولاية أوليائك الهداة بعد النذيرالمنذر السراج المنير ، وأكملت لنا بهم الدين ، وأتممت علينا النعمة ،وجددت لنا عهدك ، وذكرتنا ميثاقك المأخوذ منا في ابتداء خلقك إيانا ،وجعلتنا من أهل الإجابة ولم تنسنا ذكرك ، فإنك قلت :( وإذ اخذ ربكمن بنى ادم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم الست بربكمقالوا بلى ) (3) .

شهدنا بمنك ولطفك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت ربنا ، ومحمدعبدك ورسولك نبينا ، وعلي أمير المؤمنين عبدك الذي أنعمت به علينا ،وجعلته اية لنبيكعليه‌السلام ، وآيتك الكبرى ، والنبأ العظيم ، الذيهم فيه مختلفون ، وعنه مسؤولون.

__________________

(1) التكاثر : 6.

(2) الصافات : 24.

(3) الأعراف : 172.

٢٨٩

اللهم فكما كان من شأنك ان أنعمت علينا بالهداية إلى معرفتهمفليكن من شأنك ان تصلي على محمد وال محمد وان تبارك لنا فييومنا هذا الذي أكرمتنا به ، وذكرتنا فيه عهدك وميثاقك ، وأكملت ديننا ،وأتممت علينا نعمتك ، وجعلتنا بمنك من أهل الإجابة والبراءة منأعدائك وأعداء أوليائك ، المكذبين بيوم الدين.

فاسالك يا رب تمام ما أنعمت به ، وان تجعلنا من الموفين(1) ،ولا تلحقنا بالمكذبين ، واجعل لنا قدم صدق مع المتقين ، واجعل لنا منالمتقين إماما ، يوم تدعو كل أناس بإمامهم ، واحشرنا في زمرة أهل بيتنبيك الأئمة الصادقين ، واجعلنا من البرآء من الذين هم دعاة إلى النار ،ويوم القيامة هم من المقبوحين ، وأحينا على ذلك ما أحييتنا ، واجعللنا مع الرسول سبيلا ، واجعل لنا قدم صدق في الهجرة إليهم.

واجعل محيانا خير المحيا ، ومماتنا خير الممات ، ومنقلبنا خيرالمنقلب ، على موالاة أوليائك ومعاداة أعدائك ، حتى تتوفانا وأنت عناراض ، قد أوجبت لنا جنتك برحمتك ، والمثوى في جوارك في دارالمقامة من فضلك ، لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب ، ربنا اغفرلنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار ، ربنا وأتنا ما وعدتنا علىرسلك ولا تخزنا يوم القيامة انك لا تخلف الميعاد.

اللهم واحشرنا مع الأئمة الهداة من ال رسولك ، نؤمن بسرهم

__________________

(1) المصدقين ( خ ل ).

٢٩٠

وعلانيتهم ، وشاهدهم وغائبهم ، اللهم إني أسألك بالحق الذي جعلتهعندهم ، وبالذي فضلتهم به على العالمين جميعا ان تبارك لنا في يومناهذا الذي أكرمتنا فيه بالموافاة بعهدك الذي عهدته إلينا ، والميثاق الذيواثقتنا به من موالاة أوليائك والبراءة من أعدائك ان تتم علينا نعمتك ،ولا تجعله مستودعا واجعله مستقرا ولا تسلبناه ابدا ، ولا تجعلهمستعارا ، وارزقنا مرافقة وليك الهادي المهدي إلى الهدى ، وتحتلوائه وفي زمرته ، شهداء صادقين على بصيرة من دينك ، انك على كلشئ قدير(1) .

14 ـ زيارة جامعة لسائر الأئمة صلوات الله عليهم ، والقول فيمبتدأ الامر في الزيارة إلى آخرها وردت عن الصادقينعليهم‌السلام .

إذا أردت زيارة قبور الأئمةعليهم‌السلام فليكن من قولك عند العقد علىالعزم والنية :

اللهم صل عزمي بالتحقيق ، ونيتي بالتوفيق ، ورجائي بالتصديق ،وتول أمري ولا تكلني إلى نفسي ، وأحل عقدة الحيرة والتخلف(2) عنحضور المشاهد المقدسة.

__________________

(1) رواه في الاقبال 2 : 282 ، عنه البحار 98 : 302 ، رواه مع اختلاف في التهذيب 3 : 143 ،مصباح المتهجد 2 : 691.

(2) عقدة الخيرة ( خ ل ) ، أتخلف ( خ ل ).

٢٩١

وصل ركعتين قبل خروجك وقل بعقبهما :

اللهم إني استودعك ديني ونفسي وجميع حزانتي ، اللهم أنتالصاحب في السفر ، والخليفة في الأهل والمال والولد ، اللهم إني أعوذبك من سوء الصحبة واخفاق الأوبة(1) ، اللهم سهل لنا حزن ما نتغول(2) عليه ، ويسر علينا مستغزر(3) ما نروح ونغدو له ، انك على كل شئقدير.

فإذا سلكت طريقك فليكن همك ما سلكت له ، ولتقلل من حالتغص منك ولتحسن الصحبة لمن صحبك ، وأكثر من الثناء على اللهتعالى ذكره والصلاة على رسوله.

فإذا أردت الغسل للزيارة فقل وأنت تغتسل :

بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله ، اللهماغسل عني درن الذنوب ووسخ العيوب ، وطهرني بماء التوبة ،وألبسني رداء العصمة ، وأيدني بلطف منك توفقني لصالح الأعمال ،انك ذو الفضل العظيم.

فإذا دنوت من باب المشهد فقل :

الحمد لله الذي وفقني لقصد وليه ، وزيارة حجته ، وأوردني

__________________

(1) اخفاق الأوبة : طلب حاجة فاخفق ، اي لم يدركها.

(2) المغاولة : المبادرة في السير.

(3) المستغزر : الذي يطلب أكثر مما يعطي.

٢٩٢

حرمه ولم يبخسني(1) حظي من زيارة قبره والنزول بعقوة(2) مغيبهوساحة تربته ، الحمد لله الذي لم يسمني بحرمان ما أملته ، ولا صرفعزمي عما رجوته ، ولا قطع رجائي مما توقعته ، بل البسني عافيتهوأفادني نعمته واتاني كرامته.

فإذا دخلت المشهد فقف على الضريح الطاهر وقل :

السلام عليكم أئمة المؤمنين وسادة المتقين وكبراء الصديقينوامراء الصالحين وقادة المحسنين واعلام المهتدين وأنوار العارفين ،وورثة الأنبياء وصفوة الأوصياء ، وشموس الأتقياء وبدور الخلفاء ،وعباد الرحمان وشركاء القران ، ومنهج الايمان ومعادن الحقائقوشفعاء الخلائق ، ورحمة الله وبركاته.

اشهد انكم أبواب الله ومفاتيح رحمته ، ومقاليد مغفرته ،وسحائب رضوانه ، ومصابيح جنانه ، وحملة قرآنه ، وخزنة علمه ،وحفظة سره ، ومهبط وحيه ، وأمانات النبوة ، وودائع الرسالة.

أنتم أمناء الله وأحباؤه ، وعباده وأسخياؤه ، وأنصار توحيده ، وأركان تمجيده ، ودعاته إلى دينه ، وحرسة خلائقه ، وحفظة شرائعه.

لا يسبقكم ثناء الملائكة في الاخلاص والخشوع ، ولا يضادكمذو ابتهال وخضوع ، انى ولكم القلوب التي تولى الله رياضتها بالخوف

__________________

(1) بخسه حقه ـ كمنعه ـ نقصه.

(2) العقوة : ما حول الدار والمحلة.

٢٩٣

والرجاء ، وجعلها أوعية الشكر والثناء ، وامنها من عوارض الغفلة ،وصفاها من شواغل الفترة ، بل يتقرب أهل السماء بحبكم وبالبراءة منأعدائكم ، وتواتر البكاء على مصابكم ، والاستغفار لشيعتكمومحبيكم.

فانا اشهد الله خالقي واشهد ملائكته وأنبيائه وأشهدكم يا مواليباني مؤمن بولايتكم ، معتقد لإمامتكم ، مقر بخلافتكم ، عارف بمنزلتكم ،مؤمن بعصمتكم ، خاضع لولايتكم ، متقرب إلى الله بحبكم وبالبراءةمن أعدائكم ، عالم بان الله قد طهركم من الفواحش ، ما ظهر منها ومابطن ، ومن كل ريبة ونجاسة ودنية ورجاسة ، ومنحكم راية الحق الذيمن تقدمها ذل ، ومن تأخر عنها زل ، وفرض طاعتكم على كل اسودوابيض.

واشهد انكم قد وفيتم بعهد الله وذمته ، وبكل ما اشترطه عليكمفي كتابه ، ودعوتم إلى سبيله ، وأنفدتم طاقتكم في مرضاته ، وحملتمالخلائق على منهاج النبوة ومسالك الرسالة ، وسرتم فيه بسيرة الأنبياء ،ومذاهب الأوصياء ، فلم يطع لكم أمر ولم تصغ إليكم اذن ، فصلواتالله على أرواحكم وأجسادكم.

ثم تنكب على القبر وتقول :

بابي أنت وأمي يا حجة الله لقد أرضعت بثدي الايمان ، وفطمتبنور الاسلام ، وغذيت ببرد اليقين ، وألبست حلل العصمة ، واصطفيت

٢٩٤

وورثت علم الكتاب ، ولقنت فصل الخطاب ، وأوضح بمكانك معارفالتنزيل ، وغوامض التأويل ، وسلمت إليك راية الحق ، وكلفت هدايةالخلق ، ونبذ إليك عهد الإمامة ، وألزمت حفظ الشريعة.

واشهد يا مولاي انك وفيت بشرائط الوصية ، وقضيت ما الزمكمن فرض الطاعة ، ونهضت بأعباء الإمامة ، واحتذيت مثال النبوة فيالصبر والاجتهاد ، والنصيحة للعباد وكظم الغيظ ، والعفو عن الناس ،وعزمت على العدل في البرية ، والنصفة في القضية ، ووكدت الحججعلى الأمة بالدلائل الصادقة والشواهد الناطقة ، ودعوت إلى اللهبالحكمة البالغة والموعظة.

فمنعت من تقويم الزيغ وسد الثلم(1) ، واصلاح الفاسد وكسرالمعاند ، واحياء السنن وإماتة البدع ، حتى فارقت الدنيا وأنت شهيد ،ولقيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنت حميد صلوات الله عليكصلاة تترادف وتزيد.

ثم صر إلى عند الرجلين وقل :

يا سادتي يا آل رسول الله ، إني بكم أتقرب إلى الله جل وعلا ،بالخلاف على الذين غدروا بكم ، ونكثوا بيعتكم ، وجحدوا ولايتكم ،وأنكروا منزلتكم ، وخلعوا ربقة طاعتكم ، وهجروا أسباب مودتكم ،وتقربوا إلى فراعنتهم بالبراءة منكم ، والاعراض عنكم ، ومنعوكم من

__________________

(1) الثلمة ـ بالضم ـ فرجة المكسور والمهدوم ، والثلم ـ محركة ـ ان ينثلم حرف الوادي.

٢٩٥

إقامة الحدود ، واستئصال الجحود ، وشعب الصدع ، ولم الشعث ، وسدالخلل ، وتثقيف الأود(1) ، وإمضاء الأحكام ، وتهذيب الاسلام ، وقمعالآثام ، وأرهجوا عليكم نقع(2) الحروب والفتن ، وأنحوا عليكم سيوفالأحقاد(3) ، هتكوا منكم الستور ، وابتاعوا بخمسكم الخمور ، وصرفواصدقات المساكين إلى المضحكين والساخرين.

وذلك بما طرقت لهم الفسقة الغواة ، والحسدة البغاة ، أهل النكثوالغدر ، والخلاف والمكر ، والقلوب المنتنة من قذر الشرك ، والأجسادالمشحنة(4) من درن الكفر ، أضبوا على النفاق ، وأكبوا على علائقالشقاق(5) .

فلما مضى المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، اختطفوا الغرة(6) ،وانتهزوا الفرصة ، وانتهكوا الحرمة ، وغادروه على فراش الوفاة ،وأسرعوا لنقض البيعة ، ومخالفة المواثيق المؤكدة ، وخيانة الأمانةالمعروضة على الجبال الراسية ، وأبت أن تحملها وحملها الانسان

__________________

(1) الثقاف : ما يقوم به الرماح ، يريد انه سوى عوج المسلمين.

(2) أرهج : اثار الغبار ، النقع : الغبار.

(3) أنحى عليه ضربا إذا أقبل ، وأنحى له السلاح ضربه بها.

(4) شحنه وأشحنه : ملاه.

(5) اضب فلانا : لزمه فلم يفارقه وعليه أمسك ، أكب عليه : إذا اقبل ولزم.

(6) العترة ( خ ل ) ، الاختطاف : استلاب الشئ واخذه بسرعة ، اي اغتنموا غفلة الناس واخذوها لتحصيل مرامهم.

٢٩٦

الظلوم الجهول ، ذو الشقاق والغرة ، بالآثام المؤلمة ، والانفة عن الانقيادلحميد العاقبة.

فحشر سفلة الأعراب ، وبقايا الأحزاب ، إلى دار النبوة والرسالة ،ومهبط الوحي والملائكة ، ومستقر سلطان الولاية ، ومعدن الوصيةوالخلافة والإمامة ، حتى نقضوا عهد المصطفى ، في أخيه علم الهدى ،والمبين طريق النجاة من طرق الردى.

وجرحوا كبد خير الورى ، في ظلم ابنته ، واضطهاد حبيبته ،واهتضام عزيزته ، وبضعة لحمه ، وفلذة كبده ، وخذلوا بعلها ، وصغرواقدره ، واستحلوا محارمه ، وقطعوا رحمه ، وأنكروا اخوته ، وهجروامودته ، ونقضوا طاعته ، وجحدوا ولايته ، وأطمعوا العبيد في خلافته.

وقادوه إلى بيعتهم ، مصلتة سيوفها(1) ، مشرعة(2) أسنتها ، وهو ساخطالقلب ، هائج الغضب ، شديد الصبر ، كاظم الغيظ ، يدعونه إلى بيعتهمالتي عم شومها الاسلام ، وزرعت في قلوب أهلها الآثام ، وعقت(3) سلمانها ، وطردت مقدادها ، ونفت جندبها ، وفتقت بطن عمارها ،وحرفت القرآن ، وبدلت الأحكام ، وغيرت المقام ، وأباحت الخمسللطلقاء ، وسلطت أولاد اللعناء على الفروج ، وخلطت الحلال بالحرام.

__________________

(1) أصلت السيف : جرده من غمده.

(2) مقذعة ( خ ل ) ، قذعه ـ كمنعه ـ رماه بالفحش وسوء القول وبالعصا ضربه ، وما فيالمتن هو الظاهر.

(3) عقت من العقوق خلاف البر ، ولعله في الأصل : عنفت من التعنيف.

٢٩٧

واستخف بالايمان والاسلام ، وهدمت الكعبة ، وأغارت على دارالهجرة يوم الحرة ، وأبرزت بنات المهاجرين والأنصار للنكالوالسوءة(1) ، وألبستهن ثوب العار والفضيحة ، ورخصت لأهل الشبهةفي قتل أهل بيت الصفوة وإبادة نسله ، واستيطال شافته ، وسبي حرمه ،وقتل أنصاره ، وكسر منبره ، وقلب مفخره ، وإخفاء دينه ، وقطع ذكره.

يا موالي فلو عاينكم المصطفى ، وسهام الأمة معرقة(2) في أكبادكم ،ورماحهم مشرعة(3) في نحوركم ، وسيوفها مولغة في دمائكم ، يشفيأبناء العواهر غليل الفسق من ورعكم ، وغيظ الكفر من إيمانكم.

وأنتم بين صريع في المحراب ، قد فلق السيف هامته ، وشهيد فوقالجنازة قد شكت أكفانه(4) بالسهام ، وقتيل بالعراء قد رفع فوق القناة(5) رأسه ، ومكبل في السجن قد رضت بالحديد أعضاؤه(6) ، ومسموم قدقطعت بجرع السم أمعاؤه ، وشملكم عباديد(7) تفنيهم العبيد وأبناءالعبيد.

__________________

(1) السورة ( خ ل ) ، السورة : السطوة والاعتداء.

(2) مغرقة ( خ ل ) ، معرقة من أعرق الشجرة إذا اشتدت عروقه في الأرض.

(3) أشرعت الرمح نحوه سددت.

(4) شكها بالرمح : خرقها.

(5) العراء : الفضاء لا يستر فيه بشئ ، والقناة الرمح.

(6) الكبل : القيد ، كبله حبسه في سجن أو غيره ، والرض : الدق.

(7) العباديد : الفرق من الناس والخيل الذاهبون في كل وجه.

٢٩٨

فهل المحن يا ساداتي الا التي لزمتكم ، والمصائب الا التيعمتكم ، والفجايع إلا التي خصتكم ، والقوارع(1) إلا التي طرقتكم ،صلوات الله عليكم وعلى أرواحكم وأجسادكم ، ورحمة الله وبركاته.

ثم قبله وقل :

بأبي وأمي يا آل المصطفى ، إنا لا نملك إلا أن نطوف حولمشاهدكم ، ونعزي فيها أرواحكم ، على هذه المصائب العظيمة الحالةبفنائكم ، والرزايا الجليلة النازلة بساحتكم ، التي أثبتت في قلوبشيعتكم القروح ، وأورثت أكبادهم الجروح ، وزرعت في صدورهمالغصص.

فنحن نشهد الله أنا قد شاركنا أولياءكم وأنصاركم المتقدمين ، فيإراقة دماء الناكثين والقاسطين والمارقين ، وقتلة أبي عبد الله سيدشباب أهل الجنة يوم كربلاء ، بالنيات والقلوب ، والتأسف على فوتتلك المواقف ، التي حضروا لنصرتكم ، والله وليي يبلغكم منيالسلام(2) .

ثم اجعل القبر بينك وبين القبلة وقل :

اللهم يا ذا القدرة التي صدر عنها العالم مكونا مبروئا عليها ،مفطورا تحت ظل العظمة ، فنطقت شواهد صنعك فيه بأنك أنت الله

__________________

(1) القوارع : الدواهي.

(2) عليكم منا السلام ، ورحمة الله وبركاته. ( خ ل )

٢٩٩

لا إله إلا أنت ، مكونه وبارؤه وفاطره

ابتدعته لا من شئ ، ولا على شئ ، ولا في شئ ، ولا لوحشةدخلت عليك إذ لا غيرك ، ولا حاجة بدت لك في تكوينه ، ولا لاستعانةمنك على ما تخلق بعده ، بل أنشأته ليكون دليلا عليك ، بأنك بائن منالصنع ، فلا يطيق المنصف بعقله إنكارك ، والموسوم بصحة المعرفةجحودك.

أسألك بشرف الاخلاص في توحيدك ، وحرمة التعلق بكتابك ،وأهل بيت نبيك ، أن تصلي على آدم بديع فطرتك ، وبكر حجتك ،ولسان قدرتك ، والخليفة في بسيطتك ، وعلى محمد الخالص منصفوتك ، والفاحص عن معرفتك ، والغائص المأمون على مكنونسريرتك ، بما أوليته من نعمتك بمعونتك ، وعلى من بينهما من النبيينوالمكرمين من الأوصياء والصديقين ، وأن تهبني لإمامي هذا.

وضع خدك على سطح القبر وقل :

اللهم بمحل هذا السيد من طاعتك ، وبمنزلته عندك ، لا تمتنيفجأة ، ولا تحرمني توبة ، وارزقني الورع عن محارمك دينا ودنيا ،واشغلني بالآخرة عن طلب الأولي ، ووفقني لما تحب وترضى ،وجنبني اتباع الهوى ، والاغترار بالأباطيل والمنى.

اللهم اجعل السداد في قولي ، والصواب في فعلي ، والصدقوالوفاء في ضماني ووعدي ، والحفظ والايناس مقرونين بعهدي

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

٥ ـ وختمت عطايا اللهعزوجل لإبراهيمعليه‌السلام لما ظهر منه من صفات متكاملة بأن جعل دينه عاما وشاملا لكل ما سيأتي بعده من زمان ـ وخصوصا للمسلمين ـ ولم يجعل دينه مختصا بعض أهل زمانه ، فقال اللهعزوجل :( ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً ) (١) .

ويأتي التأكيد مرّة أخرى :( وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) .

وبملاحظة الآيات السابقة يبدو لنا هذا السؤال : إن كان دين الإسلام هو نفس دين إبراهيم وأنّ المسلمين يتبعون سنن إبراهيمعليه‌السلام في كثير من المسائل ومنها احترام يوم الجمعة ، فلما ذا اتّخذ اليهود يوم السبت عيدا لهم بدلا من الجمعة ويعطلون فيه أعمالهم؟

إنّ آخر آية من الآيات مورد البحث تجيب على السؤال المذكور حين تقول :( إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ ) أي أنّ السبت وما حرم في السبت كان عقوبة لليهود ، وقد اختلفوا فيه أيضا ، فمنهم من قبله ومنهم من أهمله.

وتقول بعض الرّوايات : أنّ موسىعليه‌السلام دعا قومه بني إسرائيل لاحترام يوم الجمعة وتعطيل أعمالهم فيه ، وهو دين إبراهيمعليه‌السلام ، إلّا إنّهم تعلّلوا ، واختاروا يوم السبت ، فجعله الله عطلة لهم ولكن بضيق وشدّة ، ولهذا لا ينبغي الاعتماد على تعطيل يوم السبت ، لأنّه إنّما كان استثنائيا وذا طابع جزائي ، وأفضل دليل على هذا الأمر أنّ اليهود أنفسهم اختلفوا في يومهم المنتخب هذا ، فبعض احترمه وبعض آخر خالف ذلك وأدام العمل والكسب فيه حتى أصابهم عذاب الله.

وثمّة احتمال آخر أن تكون إشارة الآية مرتبطة ببدع المشركين في موضوع الأغذية الحيوانية ، لأنّ الآيات السابقة تطرقت لذلك من خلال إجابتها على

__________________

(١) «الحنيف» : بمعنى الذي يترك الانحراف ويتجه إلى الاستقامة والصلاح ، وبعبارة أخرى ، يغض نظره عن الأديان والأوضاع المنحرفة ويتوجه نحو صراط الله المستقيم ، الدين الموافق للفطرة ، ولهذا يسمى الصراط المستقيم ، فالتعبير بالحنيف يحمل بين طياته إشارة خفيّة إلى أنّ التوحيد هو دين الفطرة.

٣٦١

تساؤل : لما ذا لم يحرم في الإسلام ما كان محرما في دين اليهود؟ فجاء الجواب أنّ ذلك كان عقابا لهم ، فيطرح السؤال مرّة أخرى حول عدم حرمة صيد الأسماك يوم السبت في الأحكام الإسلامية في حين أنّه محرم على اليهود فيكون الجواب بأنّه كان عقابا لليهود أيضا.

وعلى أيّة حال ، فثمّة ارتباط بين هذه الآيات والآيات (١٦٣ ـ ١٦٦) من سورة الأعراف التي تتحدث الحديث عن «أصحاب السبت» ، حيث عرضت قصتهم ، وكيف أنّ صيد السمك قد حرّم عليهم في يوم السبت ، ومخالفة قسم منهم لهذا الأمر ، والعقاب الشديد الذي نزل عليهم بعد ذلك الامتحان الإلهي.

وينبغي الالتفات إلى أنّ «السبت» في الأصل بمعنى تعطيل الأعمال للاستراحة ، ولذلك سمي يوم السبت ، لأنّ اليهود كانوا يعطلون أعمالهم فيه ، وبقي هذا الاسم مستعملا حتى بعد مجيء الإسلام ، إلّا أنّه لا عطلة فيه.

ويقول القرآن الكريم في آخر الآية :( وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) .

وكما أشرنا سابقا فإنّ إحدى خصائص يوم القيامة إنهاء الاختلافات على كافة الأصعدة ، والعودة إلى التوحيد المطلق ، لأنّ يوم القيامة هو يوم : البروز ، الظهور ، كشف السرائر والبواطن ، وكشف الغطاء ويوم رفع الحجب.

* * *

٣٦٢

الآيات

( ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١٢٥) وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (١٢٦) وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (١٢٧) إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (١٢٨) )

التّفسير

عشرة قواعد أخلاقية سلاح داعية الحق :

حملت آيات السورة بين طياتها أحاديث كثيرة ومتنوعة ، فقد تناولت المشركين واليهود وأصناف المخالفين بشكل عام ، تارة بلهجة لينة وأخرى بأسلوب تقريع شدة ، وخصوصا الآيات السابقة لما لها من عمق وشدة أكثر ممّا سبقها من الآيات المباركات.

أمّا الآيات أعلاه والتي تمثل خاتمة بحوث وأحاديث سورة النحل ، فتبيّن

٣٦٣

أهم الأوامر الأخلاقية الأساسية التي ينبغي التحصن بها عند مواجهة المخالفين على أساس منطقي ، كما وتبيّن كيفية العقاب والعفو وأسلوب الصمود أمام مؤامرتهم وما شابه ذلك.

ويمكن تسمية ذلك بالأصول التكتيكية ومنهج المواجهة في الإسلام ضد المخالفين ، كما وينبغي العمل به كقانون كلي شامل لكل زمان ومكان.

ويتلخص هذا البرنامج الرّباني بعشرة أصول ، تم ترتيبها وفقا لتسلسل الآيات مورد البحث :

( ١ ـ ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ ) :

«الحكمة» : بمعنى العلم والمنطق والاستدلال ، وهي في الأصل بمعنى (المنع) وقد أطلقت على العلم والمنطق والاستدلال لقدرتها على منع الإنسان من الفساد والانحراف

فأوّل خطوة على طريق الدعوة إلى الحقّ هي التمكن من الاستدلال وفق المنطق السليم ، أو النفوذ إلى داخل فكر الناس ومحاولة تحريك وإيقاظ عقولهم ، كخطوة أولى في هذا الطريق.

٢ ـ( وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ) :

وهي الخطوة الثّانية في طريق الدعوة إلى الله ، بالاستفادة من عملية تحريك الوجدان الإنساني ، وذلك لما للموعظة الحسنة من أثر دقيق وفاعل على عاطفة الإنسان وأحاسيسه ، وتوجيه مختلف طبقات الناس نحو الحقّ.

وفي الحقيقة فإنّ «الحكمة» تستثمر البعد العقلي للإنسان ، و «الموعظة الحسنة» تتعامل مع البعد العاطفي له(١) .

__________________

(١) قال بعض المفسّرين في الفرق ما بين الحكمة ، والموعظة الحسنة ، المجادلة بالتي هي أحسن : أنّ الحكمة إشارة إلى الأدلة القطعية الموعظة الحسنة إشارة إلى الأدلة الظنية والمجادلة بالتي هي أحسن إشارة إلى الأدلة التي تهدف إلى إفحام المخالفين من خلال إلزامهم بما به يقبلون. (إلّا أنّ ما أوردناه أعلاه يبدو أكثر مناسبة للمقصود).

٣٦٤

إنّ تقييد «الموعظة» بقيد «الحسنة» لعلّه إشارة إلى أنّ النصيحة والموعظة إنّما تؤدي فعلها على الطرف المقابل إذا خليت من أيّة خشونة أو استعلاء وتحقير التي تثير فيه حسّ العناد واللجاجة وما شابه ذلك.

فكم من موعظة أعطت عكس ما كان يؤمّل بها بسبب أسلوب طرحها الذي يشعر الطرف المقابل بالحقارة والإهانة كأن تكون الموعظة امام الآخرين ومقرونة بالتحقير ، أو يستشمّ منها رائحة الاستعلاء في الواعظ ، فتأخذ الطرف المقابل العزة بالإثم ولا يتجاوب مع تلك الموعظة.

وهكذا يترتب الأثر الإيجابي العميق للموعظة إذا كانت «حسنة».

٣ ـ( وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) .

الخطوة الثّالثة تختص بتخلية أذهان الطرف المخالف من الشبهات العالقة فيه والأفكار المغلوطة ليكون مستعدا لتلقي الحق عند المناظرة.

وبديهي أن تكون المجادلة والمناظرة ذات جدوى إذا كانت( بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) ، أي أن يحكمها الحق والعدل والصحة والأمانة والصدق ، وتكون خالية من أيّة إهانة أو تحقير أو تكبر أو مغالطة ، وبعبارة شاملة : أن تحافظ على كل الأبعاد الإنسانية السليمة عند المناظرة.

وفي ذيل الآية الأولى ، يقول القرآن :( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) .

فالآية تشير إلى أنّ وظيفتكم هي الدعوة إلى طريق الحق بالطرق الثلاثة المتقدمة ، أمّا مسألة من الذي سيهتدي ومن سيبقى على ضلاله ، فعلم ذلك عند الله وحده سبحانه.

وثمة احتمال آخر في مقصود هذه الجملة وهو بيان دليل للتوجيهات الثلاث المتقدمة، أي : إنّما أمر سبحانه بهذه الأوامر الثلاثة لأنّه يعلم الكيفية التي تؤثر بالضالين لأجل توجيههم وهدايتهم.

٣٦٥

٤ ـ انصب الحديث في الأصول الثلاثة حول البحث المنطقي والأسلوب العاطفي والمناقشة المعقولة مع المخالفين ، وإذا حصلت المواجهة معهم ولم يتقبلوا الحق وراحوا يعتدون، فهنا يأتي الأصل الرابع :( وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ ) .

٥ ـ( وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ) :

وتقول الرّوايات : إنّ الآية نزلت في معركة (أحد) عند ما شاهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شهادة عمّه حمزّة بن عبد المطلب المؤلمة (حيث لم يكتف العدو بقتله بل شقّ صدره بوحشية وقساوة فظيعة وأخرج كبده أو قلبه وقطع أذنه وأنفه) وتأذى النّبي لذلك كثيرا وقال:«اللهم لك الحمد وإليك وأنت المستعان على ما أرى» ثمّ قال : «لئن ظفرت لأمثلّن ولأمثلّن ولأمثلّن» وعلى رواية أخرى أنّه قال : «لأمثلّن بسبعين منهم» فنزلت الآية :( وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ) فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أصبر أصبر»(١) .

ربّما كانت تلك اللحظة من أشد لحظات حياة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكنّه تمالك زمام أمور نفسه واختار الطريق الثّاني ، طريق العفو والصبر.

ويحكي لنا التأريخ ما قام به الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين فتح مكّة ، فما أن وطأت أقدام المسلمين المنتصرة أرض مكّة حتى أصدر نبى الرحمةصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العفو العام عن أولئك الجفاة ، فوفى بوعده الذي قطعه على نفسه في معركة أحد(٢) .

وحري بالإنسان إذا أراد أن ينظر إلى أعلى نموذج حي في العواطف الإنسانية ، أن يضع قصتي أحد وفتح مكّة نصب عينية ليقارن ويربط بينهما.

ولعل التأريخ لا يشهد لأيّة أمّة منتصرة عوملت بمثل ما عمل به النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) تفسير العياشي ، وتفسير الدرر المنثور في تفسير الآية (على ما ذكره تفسير الميزان).

(٢) يلاحظ في بعض الرّوايات إنّ القول بالمثلة بأكثر من واحد عند الظفر كان من بعض المسلمين (راجع تفسير التبيان ، ج ٦ ، ص ٤٤٠).

٣٦٦

والمسلمون مشركي مكّة عند انتصارهم عليهم ، على الرغم من أن المسلمين كانوا من أبناء تلك البيئة التي نفذ شعور الانتقام والحقد فيها ليتوغل ويركد في أعماق المجتمع ، بل وكانت الأحقاد تتوارث جيلا بعد جيل إلى حدّ كان عدم الانتقام يعدّ عيبا كبيرا لا يمكن ستره!

ومن ثمار عفو وسماحة الإسلام أن اهتزت تلك الأمّة الجاهلة العنيدة من أعماقها واستيقظت من نوم غفلتها ، وراح أفرادها كما يقول عنهم القرآن الكريم :( يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً ) .

٦ ـ( وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ ) :

والصبر إنّما يكون مؤثرا وفاعلا إذا قصد به رضوانه تعالى ولا يلحظ فيه أيّ شيء دون ذلك.

وهل يتمكن أيّ إنسان من الصبر على الكوارث المقطعة للقلب من غير هدف معنوي وبدون قوة إلهية ويتحمل الآلام دون فقدان الاتزان!؟ نعم ، ففي سبيل رضوان الله كل شيء يهون وما التوفيق إلّا منهعزوجل .

٧ ـ وإذا لم ينفع الصبر في التبليغ والدعوة إلى الله ، ولا العفو والتسامح ، فلا ينبغي أن يحل اليأس في قلب المؤمن أو يجزع ، بل عليه الاستمرار في التبليغ بسعة صدر وهدوء أعصاب أكثر ، ولهذا يقول القرآن الكريم في الأصل السابع :( وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ) .

لأنّ الحزن والتأسف على عدم إيمان المعاندين يترك أحد أثرين على الإنسان ، فإمّا أن يصيبه اليأس الدائم ، أو يدفعه إلى الجزع والغضب وضعف التحمل ، فالنهي عن الحزن عليهم يحمل في واقعة نهيا للأمرين معا ، فينبغي للعاملين في طريق الدعوة إلى الله عدم الجزع وعدم اليأس.

٨ ـ( وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ) .

فمهما كانت دسائس العدو العنيد واسعة ودقيقة وخطرة فلا ينبغي لك ترك

٣٦٧

الميدان ، لظنك أن قد وقعت في زاوية ضيقة وحصار محكم ، بل لا بدّ من التوكل على الله ، وسوف تفشل كل الدسائس وتبطل مفعولها بقوة الإيمان والثبات والمثابرة والعقل والحكمة.

وآخر آية من سورة النحل تعرض الأمرين التاسع والعاشر ، حيث تقول :

٩ ـ( إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا ) :

التقوى في جميع أبعادها وبمفهومها الواسع ، ومنها : التقوى في مواجهة المخالفين بمراعاة أصول الأخلاق الإسلامية عند المواجهة ، فمع الأسير لا بدّ من مراعاة أصول المعاملة الإسلامية ، ومع المنحرف ينبغي مراعاة الإنصاف والأدب والتورع عن الكذب والاتهام ، وفي ميدان القتال لا بدّ من التعامل على ضوء التعليمات العسكرية وفق الموازين والضوابط الإسلامية ، فمثلا : ينبغي عدم الهجوم على العزل من الأعداء ، عدم التعرض للأطفال والنساء والعجزة ، ولا التعرض للمواشي والمزارع لأجل إتلافها ، ولا يقطع الماء على العدو وخلاصة القول : تجب مراعاة أصول العدل مع العدو والصديق (وطبيعي أن تخرج بعض الموارد عن هذا الحكم استثناء وليس قاعدة).

١٠ ـ( وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ) .

أكّد القرآن الكريم في كثير من آياته البيّنات بأن يقابل المؤمن إساءة الجاهل بالإحسان ، عسى أن يخجل الطرف المقابل أو يستحي من موقفه المتشنج ، وبهذه السلوكية الرائعة قد ينتقل ذلك الجاهل من( أَلَدُّ الْخِصامِ ) إلى أحسن الأصدقاء( وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) !

وإذا عمل بالإحسان في محله المناسب ، فإنّه أفضل أسلوب للمواجهة ، والتأريخ الإسلامي يرفدنا بعيّنات رائعة في هذا المجال ومنها : موقف معاملة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع مشركي مكّة بعد الفتح ، معاملة النّبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ل (وحشي) قاتل حمزّة ، معاملتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأسرى معركة بدر الكبرى ، معاملتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع من كان يؤذيه

٣٦٨

بمختلف السبل من يهود زمانه ونجد شبيه معاملة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع الآخرين قد تجسدت عمليا في حياة عليعليه‌السلام وسائر الأئمّةعليهم‌السلام ، وكل ذلك يكشف لنا بوضوح أهمية الإحسان في حياة الإنسان من وجهة نظر الإسلام.

ومن دقيق العبارة في هذا المجال ما نجده في نهج البلاغة ضمن الخطبة المعروفة بخطبة همّام ، ذلك الرجل الزاهد العابد الذي طلب من أمير المؤمنينعليه‌السلام أن يصف له المتقين ، حيث اكتفى أمير المؤمنينعليه‌السلام بذكر الآية المباركة من مجموع القرآن وقال : اتق الله وأحسن( إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ) (١) .

ولكنّ السائل العاشق للحقّ لم يرو عطشة بهذا البيان المختصر ، ممّا اضطر الإمامعليه‌السلام أن يعرض له بيانا أكثر تفصيلا حتى استخرجت من فمه الشريف أكمل خطبة في وصف المتقين ، حوت على أكثر من مائة صفة لهم ، إلّا أنّ جوابه المختصر يبيّن أنّ الآية المباركة مختصر جامع لكل صفات المتقين.

وبنظرة تأمليّة ممعنة إلى الأصول العشرة المذكورة ، تتبيّن لنا جميع الخطوط الأصليّة والفرعية لأسلوب مواجهة المخالفين ، وأنّ هذه الأصول إنّما احتوت كل الأسس المنطقية والعاطفية والنفسية والتكتيكية ، وكل ما يؤدي للنفوذ إلى أعماق نفوس المخالفين للتأثير الإيجابي فيها.

ومع ذلك فالاكتفاء بالمنطق والاستدلال في مواجهة الأعداء وفي كل الظروف لا يقول به الإسلام ولا يقرّه ، بل كثيرا ما تدعو الضرورة لدخول الميدان عمليا في مواجهة الأعداء حتى يلزم الأمر في بعض الأحيان المقابلة بالمثل والتوسل بالقوّة في قبال استعمال القوة من قبل الأعداء ، وبالتدابير المبيتة في قبال ما يبيتون أمور ، ولكن أصول العدل والتقوى والأخلاق والإسلامية يجب أن تراعى في جميع الحالات.

__________________

(١) نهج البلاغة ، خطبة ١٩٣.

٣٦٩

ولو عمل المسلمون وفق هذا البرنامج الشامل لساد الإسلام كل أرض المعمورة أو معظمها على أقل التقادير.

خاتمة مقال سورة النحل «سورة النعم» :

ممّا يلفت النظر في السورة المباركة ـ كما قلنا سابقا ـ ذكرها لكثير من النعم الإلهية ، المادية منها والمعنوية ، الظاهرية والباطنية ، الفردية والاجتماعية ، ممّا دعت المفسّرين لأن يطلقوا عليهم اسم (سورة النعم).

وبملاحظة ودراسة آيات السورة تظهر لنا في حدود الأربعين نعمة من النعم الكبيرة والصغيرة متوزعة بين طياتها ، وسنذكر أدناه فهرسا لهذه النعم مع التأكيد على أنّ الهدف من ذكرها إنّما هو لأمرين :

الأوّل : تعليم درس التوحيد وبيان عظمة الخالق.

الثّاني : تقوية حب وتعلق الإنسان بخالقه وتحريك غريزة الشكر لديه.

١ ـ( خَلَقَ السَّماواتِ ) .

٢ ـ( وَالْأَرْضَ ) .

٣ ـ( وَالْأَنْعامَ خَلَقَها ) .

٤ ـ الاستفادة من صوفها وجلدها( لَكُمْ فِيها دِفْءٌ ) .

٥ ـ( وَمَنافِعُ ) .

٦ ـ( مِنْها تَأْكُلُونَ ) .

٧ ـ الاستفادة من جمال الاستقلال الاقتصادي( وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ ) .

٨ ـ( وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ ) ـ( وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها ) .

٩ ـ الهداية إلى الصراط المستقيم( وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ) .

١٠ ـ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ ) .

١١ ـ إنشاء المراعي( وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ ) .

٣٧٠

١٢ ـ( يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ ) .

١٣ ـ( وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ ) .

١٤ ـ( وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ) .

١٥ ـ( وَالنُّجُومُ ) .

١٦ ـ( وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ) .

١٧ ـ( وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها ) .

١٨ ـ( وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ ) .

١٩ ـ( وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ ) .

٢٠ ـ( وَأَنْهاراً ) .

٢١ ـ( وَسُبُلاً ) .

٢٢ ـ( وَعَلاماتٍ ) لمعرفة الطرق.

٢٣ ـ( وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) في معرفة الطرق ليلا.

٢٤ ـ( وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها ) .

٢٥ ـ( نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ ) .

٢٦ ـ( وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً ) .

٢٧ ـ العسل( فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ ) .

٢٨ ـ( وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً ) .

٢٩ ـ( وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً ) .

٣٠ ـ( وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ) بمعناها الواسع.

٣١ ـ( وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ ) .

٣٢ ـ( وَالْأَبْصارَ ) .

٣٣ ـ( وَالْأَفْئِدَةَ ) .

٣٧١

٣٤ ـ( وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً ) وهي البيوت الثابتة.

٣٥ ـ( وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً ) وهي البيوت المتحركة.

٣٦ ـ( وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ ) .

٣٧ ـ نعمة الظلال( وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً ) .

٣٨ ـ نعمة وجود الملاجئ الآمنة في الجبال( وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً ) .

٣٩ ـ( وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ ) .

٤٠ ـ( وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ ) أي : في الحروب.

وجاء في خاتمة هذه النعم :( كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ ) .

الهدف من ذكر النعم :

لا حاجة للتنبيه على أنّ ذكر النعم الإلهية الواردة في القرآن الكريم لا يقصد منها إلقاء المنّة أو كسب الوجاهة وما شابه ذلك ، فشأن الباري أجلّ وأسمى من ذلك وهو الغني ولا غني سواه. ولكنّ ذكرها جاء ضمن أسلوب تربوي مبرمج يهدف لإيصال الإنسان إلى أرقى درجات الكمال الممكنة من الناحيتين المادية والمعنوية. وأقوى دليل على ذلك ما جاء في أواخر كثير من الآيات السابقة من عبارات والتي تصب ـ مع كثرتها وتنوعها ـ في نفس الاتجاه التربوي المطلوب.

فبعد ذكر نعمة تسخير البحار ، يقول القرآن في الآية (١٤) :( لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) .

وبعد بيان نعمة الجبال والأنهار والسبل ، يقول في الآية (١٥) :( لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) .

وبعد بيان أعظم النعم المعنوية (نعمة نزول القرآن) تأتي الآية (٤٤) لتقول :( لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) .

وبعد ذكر نعمة آلات المعرفة المهمّة (السمع والبصر والفؤاد) ، تقول الآية (٧٨) :( لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) .

٣٧٢

وبعد الإشارة إلى إكمال النعم الإلهية ، تقول الآية (٨١) :( لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ ) .

وبعد ذكر جملة أمور في مجال العدل والإحسان ومحاربة الفحشاء والمنكر والظلم ، تأتي الآية (٩٠) لتقول :( لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) .

والحقيقة أنّ القرآن الكريم قد أشار إلى خمسة أهداف من خلال ما ذكر في الموارد الستة أعلاه :

١ ـ الشكر.

٢ ـ الهداية.

٣ ـ التفكّر.

٤ ـ التسليم للحق.

٥ ـ التذكّر.

وممّا لا شك فيه أنّ الأهداف الخمسة مترابطة فيما بينها ترابطا وثيقا فالإنسان يبدأ بالتفكر ، وإذا نسي تذكّر ، ثمّ يتحرك فيه حس الشكر لواهب النعم عليه ، فيفتح الطريق إليه ليهتدي ، وأخيرا يسلّم لأوامر مولاه.

وعليه ، فالأهداف الخمسة حلقات مترابطة في طريق التكامل ، وإذا سلك السالك ضمن الضوابط المعطاة لحصل على نتائج مثمرّة وعالية.

وثمّة ملاحظة ، هي أنّ ذكر النعم الإلهية بشكليها الجمعي والفردي إنّما يراد بها بناء الإنسان الكامل.

إلهي! أحاطت نعمك بكل وجودنا ، فغرقنا في بحر عطاياك ، ولكننا لم نعرفك بعد.

إلهي! هب لنا بصرا وبصيرة نرى بهما طريق معرفتك وحبّك ، ووفقنا للسير في مراضيك وأوصلنا إلى منزل الشاكرين حقا.

اللهم! أنت تعلم بحوائجنا دون غيرك ، وتعلم أكثر منّا لما نريد ، فمنّ علينا لنكون كما تحب ، واجعلنا خيرا ممّا يظن الناس إنّك سميع مجيب.

* * *

٣٧٣
٣٧٤

سورة الإسراء

مكيّة

وعدد آياتها مائة وإحدى عشرة آية

٣٧٥
٣٧٦

«سورة الإسراء »

قبل الدّخول في تفسير هذه السورة من المفيد الانتباه إلى النقاط الآتية :

أوّلا : أسماء السّورة ومكان النّزول :

بالرّغم من أنّ الاسم المشهور لهذه السورة هو «بني إسرائيل» إلّا أنّ لها أسماء أخرى مثل «الإسراء» و «سبحان»(١) .

ومن الواضح أنّ ثمّة علاقة تصل بين أي اسم من أسماء السورة وبين محتواها ومضمونها، فهي «بني إسرائيل» لأنّ هناك قسما مهمّا في بداية السورة ونهايتها يرتبط بالحديث عن بني إسرائيل.

وإذا قلنا أنّها سورة «الإسراء» فإنّ ذلك يعود إلى الآية الأولى فيها التي تتحدث عن إسراء (ومعراج) النّبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وأمّا تسميتها بـ «سبحان» فإنّ ذلك يعود إلى الكلمة الأولى في السورة المباركة.

ولكن الرّوايات التي تتحدّث عن فضيلة هذه السورة ، تطلق عليها «بني إسرائيل» فقط. ولهذا السبب فإنّ معظم المفسّرين يقتصرون على هذا الاسم ، وقد

__________________

(١) تفسير الآلوسي ، ج ١٥ ، ص ٢.

٣٧٧

اختاروه دون غيره.

وبالنسبة لمكان نزول السورة ، فمن المشهور أنّ جميع آياتها مكيّة ، وممّا يؤيد ذلك أنّ مضمون السورة ومفاهيمها يناسب بشكل كامل مضمون ومحتوى وسياق السور المكّية ، هذا بالرغم من أنّ المفسّرين يعتقد بأنّ هناك مقطعا من السورة قد نزل في المدينة ، ولكن المشهور ما شاع بين المفسّرين من مكية تمام السورة.

ثانيا : فضيلة سورة الإسراء :

وردت في فضيلة سورة الإسراء وأجرها أحاديث كثيرة عن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن الإمام الصادقعليه‌السلام .

فعن الإمام الصادقعليه‌السلام قوله : «من قرأ سورة بني إسرائيل في كل ليلة جمعة لم يمت حتى يدرك القائم ويكون من أصحابه».

وبالنسبة لثواب قراءة سور القرآن الكريم والرّوايات التي تتحدث عن فضائلها ، ينبغي أن يلاحظ أنّ ملاك الأمر لا يتعلق بمجرّد القراءة وحسب ، وإنّما ـ كما قلنا مرارا ـ أنّ التلاوة ينبغي أن تقترن بالتفكر في معانيها والتأمّل في مفاهيمها ، وينبغي أن يعقب ذلك جميعا العمل بها ، وتحويلها إلى قواعد يسترشدها الإنسان المسلم في سلوكه.

خصوصا وإنّنا نقرأ في واحدة من الرّوايات التي تتحدث عن فضيلة هذه السورة ما نصه : «فرق قلبه عند ذكر الوالدين». أي أنّ هناك أثر ترتّب على القراءة ، وقد تمثل هنا بموجة من الأحاسيس النّبيلة والحبّ والمودّة للوالدين.

إذا ، ألفاظ القرآن تملك ولا شك قيمة واحتراما بحدّ ذاتها ، إلّا أنّ هذه الألفاظ هي مقدمة للوعي الفكري الصحيح ، كما أنّ الوعي الفكري الإيماني الصحيح هو مقدمة للعمل الصالح.

٣٧٨

ثالثا : خطوط عامّة في محتوى السورة :

لقد أشرنا إلى مكيّة السورة وفق القول المشهور بين المفسّرين ، لذا فإنّ محتوى السورة يوافق خصوصيات السور المكّية ، من قبيل تركيزها على قضية التوحيد والمعاد ، ومواجهة إشكاليات الشرك والظلم والانحراف.

وبالإمكان فرز المحاور المهمّة الآتية التي يدور حولها مضمون السورة :

أوّلا : الإشارة إلى أدلة النّبوة الخاتمة وبراهينها ، وفي مقدمتها معجزة القرآن وقضية المعراج.

ثانيا : ثمّة بحوث في السورة ترتبط بقضية المعاد وما يرتبط به من حديث عن صحيفة الأعمال ، وقضية الثواب والعقاب المترتب على نتيجة الجزاء.

ثالثا : تتحدّث السورة في بدايتها ونهايتها عن قسم من تاريخ بني إسرائيل المليء بالأحداث.

رابعا : تتعرض السورة إلى حرية الإختيار لدى الإنسان وأنّ الإنسان غير مجبر في أعماله ، وبالتالي فإنّ على الإنسان أن يتحمل مسئولية تلك الحرية من خلال تحمله لمسؤولية أعماله سواء كانت حسنة أو سيئة.

خامسا : تبحث السورة قضية الحساب والكتاب في هذه الدنيا ، لكي يعي الإنسان قضية الحساب والكتاب على أعماله وأقواله في اليوم الآخر.

سادسا : تشير إلى الحقوق في المستويات المختلفة ، خصوصا فيما يتعلق بحقوق الأقرباء ، وبالأخص منهم الأم والأب!

سابعا : تتعرض السورة إلى حرمة «الإسراف» ، و «التبذير» ، و «البخل» ، و «قتل الأبناء» ، و «الزنا» ، و «أكل مال اليتيم» ، و «البخس في المكيال» ، و «التكبّر» ، و «إراقة الدماء».

ثامنا : في السورة بحوث حول التوحيد ومعرفة الله تعالى.

ناسعا : تواجه السورة مواقف العناد المكابرة إزاء الحق ، وأنّ الذنوب تتحوّل

٣٧٩

إلى حجب تمنع الإنسان من رؤية الحق.

عاشرا : تركز السورة على أفضلية الإنسان على سائر الموجودات.

أحد عشر : تؤكّد السورة على تأثير القرآن الكريم في معالجة الأشكال المختلفة من الأمراض الأخلاقية والاجتماعية.

ثاني عشر : تبحث السّورة في المعجزة القرآنية وعدم تمكن الخصوم وعجزهم عن مواجهة هذه المعجزة.

ثالث عشر : تحذّر السورة المؤمنين من وساوس الشيطان وإغواءاته ، وتنبههم إلى المسالك التي ينفذ من خلالها إلى شخصية المؤمن.

رابع عشر : تتعرض السورة إلى مجموعة مختلفة من القضايا والمفاهيم والتعاليم الأخلاقية.

خامس عشر : أخيرا تتعرض السورة إلى مقاطع من قصص الأنبياءعليهم‌السلام ليتسنى للإنسان استكناه الدروس والعبر من هذه القصص.

في كل الأحوال تعكس سورة الإسراء في مضمونها ومحتواها العقائدي والأخلاقي والاجتماعي لوحة متكاملة ومتنافسة لسمو وتكامل البشر في المجالات المختلفة.

والجميل في السورة أنّها تبدأ بـ «تسبيح الله» ـ جلّ جلاله ـ وتنتهي بـ «الحمد والتكبير». والتسبيح هو تنزيه عن كل عيب ونقص ، والحمد علامة على تحقق صفات الفضيلة وتمثّلها في ذاته العليا المقدّسة ، بينما التكبير هو رمز الشرف والعظمة.

* * *

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496