الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٨

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل12%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 496

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 496 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 237571 / تحميل: 7584
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٨

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

سُلْطانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (٤٢) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٣) لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (٤٤) )

التّفسير

خلق الإنسان :

بعد ذكر خلق نماذج من مخلوقات الله في الآيات السابقة ، تأتي هذه الآيات لتبيّن أن الهدف الأساسي من إيجاد كل الخليقة إنّما هو خلق الإنسان. وتتطرق الآيات إلى جزئيات عديدة في شأن الخلق ، زاخرة بالمعاني.

وقبل الدخول في بحوث مفصلة حول بعض المسائل التي ذكرت في الآيات المباركات نشرع بتفسير إجمالى

يقول تعالى في البداية :( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) ، «الصلصال» هو التراب اليابس الذي لو اصطدم به شيء أحدث صوتا و «الحمأ المسنون» هو طين متعفن.

( وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ ) .

«السّموم» لغة : الهواء الحارق ، وسمّي بالسموم لأنّه يخترق جميع مسامات بدن الإنسان ، وكذلك يطلق على المادة القاتلة (السم) لأنّها تنفذ في بدن الإنسان وتقتله.

ثمّ يعود القرآن الكريم إلى خلق الإنسان مرّة أخرى فيتعرض إلى كلام الله تعالى مع الملائكة قبل خلق الإنسان :( وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ) وهي روح شريفة طاهرة جليلة( فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ ) .

وبعد أن تمّ خلق الإنسان من الجسم والروح المناسبين( فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ) .

٦١

ولم يعص هذا الأمر إلّا إبليس :( إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ) .

وهنا سأل الله إبليس :( قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ) .

فأجاب إبليس بعد أن كان غارقا في بحر الغرور المظلم ، وتائها في حب النفس المقتم، وبعد أن غطى حجاب الخسران عقله أجاب بوقاحة( قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) فأين النّار المضيئة من التراب الأسود المتعفن! وهل لموجود شريف مثلي أن يتواضع ويخضع لموجود أدنى منه! أيّ قانون هذا؟!

ونتيجة للغرور وحب النفس ، فقد جهل أسرار الخليقة ، ونسي بركات التراب الذي هو منبع كل خير وبركة ، والأهم من ذلك كله فقد تجاهل شرافة تلك الروح التي أودعها الرّب في آدم وكنتيجة طبيعية لهذا السلوك المنحرف فقد هوى من ذلك المقام المرموق بعد أن أصبح غير لائق لأن يكون في درجة الملائكة وبين صفوفهم ، فجاء الأمر الإلهي مقرعا :( قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ) ، أي أخرج من الجنّة ، أو من السماوات أو اخرج من بين صفوف الملائكة.

واعلم يا إبليس بأنّ غرورك أصبح سببا لكفرك ، وكفرك قد أوجب طردك الأبدي( وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ ) أي ، إلى يوم القيامة.

وهنا حينما وجد إبليس نفسه مطرودا من الساحة الإلهية ، ساوره إحساس بأنّ خلق الإنسان هو سبب شقائه فاشتعلت نار الحقد والضغينة في قلبه لينتقم لنفسه من أولاد آدمعليه‌السلام .

فبالرغم من أنّ السبب الحقيقي يرجع إلى إبليس نفسه وليس لآدم دخل في ذلك ، إلّا أن غروره وحبّه لنفسه وعناده المستحكم لم يعطياه الفرصة لدرك حقيقة شقاءه ، ولهذا( قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) ، ليركز عناده وعداءه!

وقبل الله تعالى طلبه :( قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ ) .

ولكن ليس إلى يوم يبعثون كما أراد ، بل( إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ) . فما هو

٦٢

يوم الوقت المعلوم؟

قال بعض المفسّرين : هو نهاية هذا العالم وانتهاء التكليف ، لأنّ بعد ذلك (كما يفهم من ظاهر الآيات القرآنية) تحلّ نهاية حياة جميع الكائنات ، ولا يبقى حي إلّا الذات الإلهية المقدسة ، ومن هذا نفهم حصول الموافقة على بعض طلب إبليس.

وقال بعض آخر : هو زمان معين لا يعلمه إلّا الله ، لأنّه لو أظهرهعزوجل لكان لإبليس ذريعة في المزيد من التمرد والمعاصي.

وثمة من قال : إنّه يوم القيامة ، لأنّ إبليس أراد أن يكون حيا إلى ذلك اليوم ليكون بذلك من الخالدين في الحياة ، وإن يوم الوقت المعلوم قد ورد بمعنى يوم القيامة في سورة الواقعة (الآية) ، وهو ما يعزز هذا القول.

ويبدو أن هذا الاحتمال بعيد جدا لأنه يتضمن الموافقة الإلهية على كل طلب إبليس، والحال أن ظاهر الآيات المذكورة لا تعطي هذا المعنى ، فلم تبيّن الآيات أن الله استجاب لطلبه بالكامل ، بل يوم الوقت المعلوم ومن هنا يكون التّفسير الأوّل أكثر توافقا مع روح وظاهر الآية ، وكذلك ينسجم مع بعض الرّوايات عن الإمام الصّادقعليه‌السلام بهذا الخصوص(١) .

وهنا أظهر إبليس نيته الباطنية( قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي ) وكان هذا الإنسان سببا لشقائي( لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ ) نعمها المادية( وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ) بإلهائهم بتلك النعم.

إلّا أنّه يعلم جيدا بأن وساوسه سوف لن تؤثر في قلوب عباد الله المخلصين ، وأنّهم متحصنون من الوقوع في شباكه ، لأنّ قوة الإيمان ودرجة الإخلاص عندهم بمكان يكفي لدرء الخطر عنهم بتحطيم قيود الشيطان عن أنفسهم ولهذا نراه قد استثنى في طلبه( إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) .

__________________

(١) نور الثقلين ، ج ٣ ، ص ١٣ ، الحديث ٤٥.

٦٣

من البديهي أنّ الله سبحانه منزّه عن تضليل خلقه ، إلّا أنّ محاولة إبليس لتبرير ضلاله وتبرئة نفسه جعلته ينسب ذلك إلى الله سبحانه وتعالى. هذا الموقف هو ديدن جميع الأبالسة والشياطين ، فهم يلقون تبعة ذنوبهم على الآخرين أوّلا ومن ثمّ يسعون لتبرير أعمالهم القبيحة بمنطق مغلوط ثانيا ، والمصيبة أن مواقفهم تلك إنّما يواجهون بها ربّ العزة والجبروت ، وكأنّهم لا يعلمون أنّه لا تخفى عليه خافية.

وينبغي ملاحظة أن «المخلصين» جمع مخلص (بفتح اللام) وهو ـ كما بيّناه في تفسير سورة يوسف ـ المؤمن الذي وصل إلى مرحلة عالية من الإيمان والعمل بعد تعلم وتربية ومجاهدة مع النفس ، فيكون ممتنعا من نفوذ وساوس الشيطان وأيّ وسواس آخر.

ثمّ قال تعالى تحقيرا للشيطان وتقوية لقلوب العباد المؤمنين السالكين درب التوحيد الخالص :( قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ ) .

يعني ، يا إبليس ليس لك القدرة على إضلال الناس ، لكن الذين يتبعونك إن هم إلّا المنحرفين عن الصراط المستقيم والمستجيبين لدواعي رغباتهم وميولهم.

وبعبارة أخرى إنّ الإنسان حر الإرادة ، وإنّ إبليس وجنوده لا يقوون على أن يجبروا إنسانا واحدا على السير في طريق الفساد والضلال ، لكنّه الإنسان هو الذي يلبي دعوتهم ويفتح قلبه أمامهم ويأذن لهم في الدخول فيه!

وخلاصة القول : إنّ الوساوس الشيطانية وإن كانت لا تخلو من أثر في تضليل وانحراف الإنسان ، إلّا أنّ القرار الفعلي للانصياع للوساوس أو رفضها يرجع بالكامل إلى الإنسان ، ولا يستطيع الشيطان وجنوده مهما بلغوا من مكر أن يدخلوا قلب إنسان صاحب إرادة موجهة صوب الإيمان المخلص.

وأراد الله سبحانه بهذا القول نزع الخيال الباطل والغرور الساذج من فكر

٦٤

الشيطان من أنّه سيجد سلطة فائقة على الناس وبلا منازع ، يمكنه من خلالها إغواء من يريد.

ثمّ يهدد الله بشدّة أتباع الشيطان :( وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ ) وأن ليس هناك وسيلة للفرار ، والكل سيحاسب في مكان واحد.

( لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ ) .

هي أبواب للذنوب التي يدخلون جهنم بسببها ، وكل يحاسب بذنبه كما هو الحال في أبواب الجنّة التي هي عبارة عن طاعات وأعمال صالحة ومجاهدة للنفس يدخل بها المؤمنون الجنّة.

* * *

بحوث

١ ـ التكبر والغرور من المهالك العظام :

المستفاد تربويا من قصة إبليس في القرآن هو أن الكبر والغرور من الأسباب الخطيرة في عملية الانهيار والسقوط من المكانة المحترمة الوسيط المرموقة إلى مدارك الدون والخسران.

فكما هو معلوم أنّ إبليس لم يكن من الملائكة (كما تشير إلى ذلك الآية الخمسون من سورة الكهف) إلّا أنّه ارتقى الدرجات العلا ونال شرف العيش بين صفوف الملائكة نتيجة لطاعته السابقة للهعزوجل ، حتى أنّ البعض قال عنه : إنّه كان معلما للملائكة ، ويستفاد من الخطبة القاصعة في (نهج البلاغة) أنّه عبد اللهعزوجل آلاف السنين.

لكن شراك التعصب الأعمى وعبادة هوى النفس المهلك قد أدّيا الى خسرانه كل ذلك في لحظة تكبر وغرور.

بل إنّ حب الذات والغرور والتعصب والتكبر قد جعلته يستمر في موقفه

٦٥

المريض ويوغل قدمه في وحل الإصرار على الإثمّ والسير المتخبط في جادة العناد ، فنسي أو تناسى ما للتوبة والاستغفار من أثر إيجابي ، حتى دعته الحال لأن يشارك كل الظلمة والمذنبين من بني آدم في جرائمهم وذنوبهم بوسوسته لهم وبات عليه أن يتحمل نصيبه من عذاب الجميع يوم الفزع الأكبر.

وليس إبليس فحسب ، بل إنّ التأريخ يحدثنا عن أصحاب النفوس المريضة ممن ركبهم الغرور والكبر فعاثوا في الأرض فسادا بعد أن غطت العصبية رؤاهم ، وحجب الجهل بصيرتهم، وسلكوا طريق الظلم والاستبداد وسادوا على الرقاب بكل جنون فهبطوا إلى أدنى درجات الرذيلة والانحراف عن الطريق القويم.

إنّ هاتين السمتين الأخلاقيتين (التكبر والغرور) في الواقع نار رهيبة محرقة. فكما أن من صرف وطرأ من عمره في بناء وتأنيث دار ، لربّما في لحظات معدودات يتحول إلى هباء منثور بسبب شرارة صغيرة فالتكبر والغرور يفعل فعل النّار في الحطب ولا تنفع معه تلك السنين المعمورة بالطاعة والبناء.

فأيّ درس أنطق من قصة إبليس وأبلغ؟!

إنّ إبليس قد اختلطت عليه معاني الأشياء فراح يضع المعاني حسب تصوراته الخادعة المحدودة ولم يدرك أن النّار ليست أفضل وأشرف من التراب ، والتراب مصدر جميع البركات كالنباتات والحيوانات والمعادن وهو محل حفظ المياه ، وبعبارة اشمل هو منبع وأصل كل الكائنات الحية ، وما عمل النّار إلّا الإحراق وكثيرا ما تكون مخربة ومهلكة.

ويصف أمير المؤمنينعليه‌السلام إبليس بأنّه «عدو لله ، إمام المتعصبين وسلف المستكبرين» ثمّ يقول : «ألا ترون كيف صغّره الله بتكبره ووضعه بترفعه ، فجعله في الدنيا مدحورا وأعد له في الآخرة سعيرا»(١) .

__________________

(١) نهج البلاغة ، من الخطبة ١٩٢.

٦٦

وكما أشرنا سابقا أنّ إبليس كان أوّل من وضع أسس مذهب الجبر الذي ينكره وجدان أي إنسان. حيث أنّ الدافع المهم لأصحاب هذا المذهب تبرئة ساحة المذنبين من أعمالهم المخالفة لشرع الله ، وكما قرأنا في الآيات مورد البحث من أنّ إبليس تذرع بتلك الكذبة الكبيرة لأجل تبرئة نفسه ، وأنّه على حق في إضلاله لبني آدم حين قال :( رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ) .

٢ ـ على من يتسلط الشيطان؟

نرى من الضروري أن نكرر القول بأنّ نفوذ الوساوس الشيطانية في قلب الإنسان لا تأتي فجأة أو إجبارا ، وإنما بوجود الرغبة الكافية عند الإنسان بفسح المجال أمام دخول الوساوس إلى دواخله ، وعلى هذا فالشيطان يعلم تماما بأن ليس له سبيل على المخلصين الذين طهّروا أنفسهم في ظل التربية الخالصة من الشوائب والأدران وغسلوا قلوبهم من صدأ الشرك والضلال. وبتعبير القرآن الكريم إنّ رابطة الشيطان مع الضالين هي رابطة التابع والمتبوع وليس رابطة المجبر والمجبور.

٣ ـ أبواب جهنم!

قرأنا في الآيات مورد البحث أن لجهنم سبعة أبواب (وليس بعيدا أن يكون ذكر العدد في هذا المورد للكثرة كما ورد هذا العدد في الآية السابعة والعشرين من سورة لقمان بهذا المعنى أيضا).

ومن الواضح أنّ تعدد أبواب جهنم (كما هو تعدد أبواب الجنّة) لم يكن لتسهيل أمر دخول الواردين نتيجة لكثرتهم ، بل هي إشارة إلى الأسباب والعوامل المتعددة التي تؤدي لدخول الناس في جهنم ، وأنّ لكل من هذه الذنوب باب معين

٦٧

يؤدي إلى مدركه.

ففي نهج البلاغة : «إنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة فتحه الله لخاصّة أوليائه»(١) ، وفي الحديث المعروف : «إن السيوف مقاليد الجنّة» فهذه التعبيرات تبيّن لنا بوضوح ما المقصود من تعدد أبواب الجنّة والنّار.

وثمة نكتة لطيفة في ما روي عن الإمام الباقرعليه‌السلام : «إنّ للجنة ثمانية أبواب»(٢) ،في حين أن الآيات تذكر أن لجهنم سبعة أبواب ، وهذا الاختلاف في العددين إشارة إلى أنّه مع كثرة أبواب العذاب والهلاك إلّا أن أبواب الوصول إلى السعادة والنعيم أكثر ، (وقد تحدثنا عن ذلك في تفسير الآية الثّالثة والعشرين من سورة الرعد).

٤ ـ (الحمأ المسنون) و (روح الله) :

يستفاد من الآيات أن خلق الإنسان تمّ بشيئين متغايرين ، أحدهما في أعلى درجات الشرف والآخر في أدنى الدرجات (بقياس ظاهر القيمة).

فالطين المتعفن خلق منه الجانب المادي منه الإنسان ، في حين جانبه الروحي والمعنوي خلق بشيء سمي (روح الله).

وبديهي أنّ الله سبحانه منزّه عن الجسيمة وليس له روح ، وإنّما أضيف الروح إلى لفظ الجلالة لإضفاء التشريف عليها وللدلالة على أنّها روح ذات شأن جليل قد أودعت في بدن الإنسان ، بالضبط كما تسمّى الكعبة (بيت الله) لجلالة قدرها ، وشهر رمضان المبارك (شهر الله) لبركته.

ولهذا السبب نرى أن الخط التصاعدي الإنسان يتساهى في العلو حتى يصل الى أن لا يرى سوى اللهعزوجل ، وخط تسافله من الانحطاط حتى يركد في

__________________

(١) نهج البلاغة ، الخطبة ٢٧.

(٢) الخصال للشيخ الصدوق ـ باب الثمانية.

٦٨

أدنى مرتبة من الحيوانات( بَلْ هُمْ أَضَلُ ) وهذا البون الشاسع بين الخطين التصاعدي والتنازلي بحد ذاته دليل على الأهمية الاستثنائية لهذا المخلوق.

إنّ شرف مقام الإنسان وتكريمه يأتي من خلال هذا التركيب الخاص ، ولكن ليس بفضل جنبته المادية لأنّه ليس سوى (حمأ مسنون) وإنّما بفضل الروح الإلهية المودعة فيه ، بما تحمل من استعدادات ولياقة لأن تكون منعكسا للأنوار الإلهية ، تلك الأنوار التي استمد منها الإنسان شرف قدره ومقامه ولا سبيل لتكامل الإنسان إلّا ببنائه الروحي ووضع بعده المادي في خدمة طريق التكامل والوصول لساحة رضوانه جل شأنه.

والمستفاد من الآيات المتعلقة بخلق آدم في أوائل سورة البقرة أنّ مسألة سجود الملائكة لآدم ، كان لما أودع فيه من العلم الإلهي الخاص.

وقد أجبنا على سؤال : كيف يصحّ السجود لغير الله؟ وهل أنّ سجود الملائكة كان في حقيقة للهعزوجل لأجل هذا الخلق العجيب؟ أم كان لآدم؟ في تفسير الآيات المتعلقة بخلق آدم سورة البقرة.

٥ ـ ما هو الجان؟

إنّ كلمة (الجن) في الأصل بمعنى : الشيء الذي يستر عن حس الإنسان ، فمثلا نقول (جنّه الليل) أو (فلما جنّ عليه الليل) أي عند ما غطته ستارة الليل السوداء ، ويقال (مجنون) لمن فقد عقله أي ستر ، و (الجنين) للطفل المستور في رحم أمّه ، و (الجنّة) للبستان الذي تغطي أشجاره أرضه ، و (الجنان) للقلب الذي ستر داخل صدر الإنسان، و (الجنّه) للدرع الذي يحمي الإنسان من ضربات الأعداد.

والمستفاد من آيات القرآن أن «الجنّ» نوع من الموجودات العاقلة قد سترت عن حس الإنسان ، وخلقت من النّار ، أو من مارج من نار ، أي من صافي

٦٩

شعلتها ، وإبليس من هذا الصنف.

وقد عبّر بعض العلماء عن الجن بأنّها : نوع من الأرواح العاقلة المجردة من المادة (وواضح أن تجردها ليس كاملا ، فما يخلق من المادة فهو مادي ، ولكن يمكن أن يكون نصف تجرد لأنه لا يدرك بحواسنا ، وبتعبير آخر : إنّه نوع من الجسم اللطيف).

ويستفاد من الآيات القرآنية أيضا أنّ الجن فيهم المؤمن المطيع والكافر العاصي ، وأنّهم مكلفون شرعا ، ومسئولون.

ومن الطبيعي أنّ شرح هذه الأمور ومسألة انسجامها مع العلم الحديث يتطلب منا بحثا مطولا ، وسنتناوله إن شاء الله في تفسير سورة الجن.

وممّا ينبغي الإشارة إليه في هذا الصدد أنّ كلمة «الجان» الواردة في الآيات مورد البحث هي من مادة (الجن) ولكن هل ترمزان إلى معنى واحد؟ فقد ذهب بعض المفسّرين إلى أن الجان نوع خاص من الجن ، ولكننا لا نرى ذلك.

فلو جمعنا الآيات القرآنية الواردة بهذا الشأن مع بعضها البعض لا تضح أن كلا المعنيين واحد ، لأن الآيات القرآنية وضعت «الجن» في قبال الإنسان تارة ، ووضعت «الجان» تارة أخرى.

فمثلا نقرأ في الآية (٨٨) من سورة الإسراء( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُ ) .

وفي بعض الآية (٥٦) من سورة الذاريات( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) .

في حين نقرأ في الآية (١٥) من سورة الرحمن( خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ ) .

وفي الآية (٣٩) من نفس السورة( فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ ) .

فمن مجموع الآيات أعلاه والآيات القرآنية الأخرى يستفاد بوضوح أن الجنّ والجان لفظان لمعنى واحد ، ولهذا وردت في الآيات السابقة كلمة «الجن»

٧٠

في مقابل الإنسان ، وكذا الحال بالنسبة «للجان».

وينبغي التنويه إلى أن القرآن الكريم قد ذكر «الجان» ويريد به نوعا من الأفاعي كما جاء في قصة موسىعليه‌السلام ( كَأَنَّها جَانٌ ) في سورة القصص ـ ٣١ ، إلّا أنّ ذلك خارج نطاق بحثنا.

٦ ـ القرآن وخلق الإنسان :

شاهدنا في الآيات الأنفة أن القرآن قد تناول مسألة خلق الإنسان بشكل مختصر ومكثف تقريبا ، لأنّ الهدف الأساسي من التناول هو الجانب التربوي في الخلق ، وورد نظير ذلك في أماكن أخرى من القرآن ، كما في سورة السجدة ، والمؤمنون ، وسورة ص ، وغيرها.

وبما أنّ القرآن الكريم ليس كتابا للعلوم الطبيعية بقدر ما هو كتاب حياة الإنسان يرسم له فيه أساليب التربية وأسس التكامل. فلا ينتظره منه أن يتناول جزئيات هذه العلوم من قبيل تفاصيل : النمو ، التشريح ، علم الأجنّة ، علم النبات وما شابه ذلك ، إلّا أنّه لا يمنع من أن يتطرق بإشارات مختصرة إلى قسم من هذه العلوم بما يتناسب مع البحث التربوي المراد طرحه.

بعد هذه المقدمة نشرع بالموضوع من خلال بحثين :

١ ـ التكامل النوعي من الناحية العلمية.

٢ ـ التكامل النوعي وفق المنظور القرآني.

في البدء ، نتناول البحث الأوّل وندرس المسألة وفق المقاييس الخاصة للمعلوم الطبيعية بعيدا عن الآيات والرّوايات :

ثمة فرضيتان مطروحتان في أوساط علماء الطبيعة بشأن خلق الكائنات الحية بما فيها الحيوانات والنباتات :

ألف : فرضية تطوّر الأنواع (ترانسفورميسم) والتي تقول : إنّ الكائنات الحية

٧١

لم تكن في البداية على ما هي عليه الآن ، وإنّما كانت على هيئة موجودات ذات خلية واحدة تعيش في مياه المحيطات ، وظهرت بطفرة خاصة من تعرقات طين أعماق البحار.

أيّ أنّها كانت موجودات عديمة الروح ، وقد تولدت منها أوّل خلية حية نتيجة لظروف خاصّة.

وهذه الكائنات الحية لصغرها لا ترى بالعين المجرّدة وقد مرت بمراحل التكامل التدريجي وتحولت من نوع إلى آخر.

وتمّ انتقالها من البحار إلى الصحاري ومنها إلى الهواء فتكونت بذلك أنواع النباتات والحيوانات المائية والبرية والطيور.

وإن أكمل مرحلة وأتمّ حلقه لهذا التكامل هو الإنسان الذي نراه اليوم ، الذي تحول من موجودات تشبه القرود إلى القرود التي تشبه الإنسان ثمّ وصل إلى صورته الحالية.

ب ـ فرضية ثبوت الأنواع (فيكنسيسم) ، والتي تقول : إنّ أنواع الكائنات الحية منذ بدايتها وما زالت تحمل ذات الأشكال والخواص ، ولم يتغير أيّ من الأنواع إلى نوع آخر، ومن جملتها الإنسان فكان له صورته الخاصّة به منذ بداية خلقه.

وقد كتب علماء كلا الفريقين بحوثا مطولة لإثبات عقيدتهم ، وجرت مناظرات ومنازعات كثيرة في المحافل العلمية حول هذه المسألة ، وقد اشتد النزاع عند ما عرض كل من (لامارك) العالم الفرنسي المعروف المتخصص بعلوم الأحياء والذي عاش بين أؤخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر ، و (داروين) عالم الأحياء الإنكليزي الذي عاش في القرن التاسع عشر نظراتهما في مسألة تطوّر الأنواع بأدلة جديدة.

وممّا ينبغي التنوية إليه ، هو أنّ معظم علماء اليوم يميلون إلى فريضة تطوّر أو

٧٢

تكامل الأنواع هذه خصوصا في محافل العلوم الطبيعية.

أدلة القائلين بالتكامل :

يمكننا تلخيص أدلتهم بثلاثة أقسام :

الأوّل : الأدلة المأخوذة من الهياكل العظيمة المتحجرة للكائنات الحيّة القديمة فإن الدراسات لطبقات الأرض المختلفة (حسب اعتقادهم) تظهر أن الكائنات الحيّة قد تحولت من صور بسيطة إلى أخرى أكمل وأكثر تعقيدا ، ولا يمكن تفسير ما عثر عليه من متحجرات الكائنات الحية إلّا بفرضية التكامل هذه.

الثّاني : مجموع القرائن التي جمعت في (التشريح المقارن).

ويؤكّد هؤلاء العلماء عبر بحوثهم المطولة المفصلة : إنّنا عند ما نشرّح الهياكل العظيمة للحيوانات المختلفة ونقارنها فيما بينها ، نجد أن ثمّة تشابها كبيرا فيما بينها ، ممّا يشير إلى أنّها جاءت من أصل واحد.

الثّالث : مجموع القرائن التي حصل عليها من (علم الأجنّة).

فيقولون : إنّنا لو وضعنا جميع الحيوانات في حالتها الجنينية ـ قبل أن تأخذ شكلها الكامل ـ مع بعضها ، فسنرى أنّ الأجنّة قبل أن تتكامل في رحم أمهاتها أو في داخل البيوض تتشابه إلى حد كبير وهذا ما يؤكّد على أنّها قد جاءت في الأصل من شيء واحد.

أجوبة القائلين بثبوت الأنواع :

إلّا أن القائلين بفرضية ثبوت الأنواع لديهم جواب واحد لجميع أدلة القائلين بالتكامل وهو : أن القرائن المذكورة لا تملك قوّة الإقناع ، والذي لا يمكن إنكاره أن الأدلة الثلاثة توجد في الذهن احتمالا ظنيا لمسألة التكامل ، إلّا أنّها لا تقوى أن تصل إلى حال اليقين أبدا.

٧٣

وبعبارة أوضح : إنّ إثبات فرضية التكامل وانتقالها من صورة فرض علمي إلى قانون علمي قطعي إمّا أن يكون عن طريق الدليل العقلي ، أو عن طريق الحس والتجربة والإختيار ، ولا ثالث لها.

أمّا الأدلة العقلية والفلسفية فليس لها طريق إلى هذه المسائل كما نعلم ، وأما يد التجربة والإختيار فأقصر من أن تمتد إلى مسائل قد امتدت جذورها إلى ملايين السنين.

إنّ ما ندركه بالحس والتجربة لا يتعدى بعض الحالات السطحية ، ولفترة زمنية متباعدة ، على شكل طفرة وراثية (موتاسيون) في كل من الحيوان والنبات.

فمثلا نرى أحيانا في نسل الأغنام العادية ولادة مفاجئة لخروف ذي صوف يختلف عن صوف الخراف العادية ، فيكون أنعم وأكثر لينا من العادية بكثير ، فيكون بداية لظهور نسل جديد يسمّى (أغنام مرينوس).

أو أنّ حيوانات تحصل فيها الطفرة الوارثية فيتغير لون عيونها أو أظفارها أو شكل جلودها وما شابه ذلك لكنّه لم يشاهد لحدّ الآن طفرة تؤدي إلى حصول تغيير مهم في الأعضاء الأصلية لبدن أيّ حيوان ، أو يتبدل نوع منها إلى نوع آخر.

بناء على ذلك يمكننا أن نتخيل أنّ نوعا من الحيوان يتحول إلى نوع آخر بطريق تراكم الطفرة الوراثية ، كأن تتحول الزواحف الى طيور ولكنّ ذلك ليس سوى حدس ومجرّد تخيل لا غير ، ولم نر الطفرات الوارثية قد غيرت عضوا أصليا لحيوان ما إلى صورة أخرى.

نخلص ممّا تقدم إلى النتيجة التالية : إن الأدلة التي يطرحها أنصار فرضية (الترانسفورميسم) لا تتجاوز كونها فرضا لا غير ، لذا نرى أنصارها يعبرون عنها ب (فرضية تطوّر الأنواع) ولم يجرأ أيّ منهم من تسميتها بالقانون أو الحقيقة العلمية.

٧٤

نظرية التكامل و.. الإيمان بالله :

الكثير ممّن يحاولون تصوير نوع من التضاد بين هذه الفرضية ومسألة الإيمان بالله ، ولعل الحق يعطى لهم من جهة ، حيث أنّ العقيدة الداروينية في واقعها قد أوجدت حربا شعواء بين أصحاب الكنيسة من جانب ومؤيدي داروين من جانب آخر ، حتى وصل الصراع ذروته بين الطرفين في تلك الفترة بعد ما لعب الظرف السياسي وكذا الاجتماعي دورهما (ممّا لا يسع المجال لشرح ذلك هنا) ، فكانت النتيجة أن اتهم أصحاب الكنيسة الداروينية بأنّها لا تنسجم مع الإيمان بالله.

وقد كشفت الأيّام عن عدم وجود تضاد بين الأمرين ، فإنّنا سواء قبلنا بفرضية التكامل أو نفيناها لفقدانها الدليل ، فلا يمنع من الإيمان بالله بكلا الاحتمالين.

فإذا قبلنا بالفرضية فلكونها قانونا علميا مبنيا على العلة والمعلول ، ولا فرق في العلاقة بين العلة والمعلول في عالم الكائنات الحية وبقية الموجودات ، فهل يعتبر اكتشاف العلل الطبيعية من قبيل نزول الأمطار ، المد والجزر في البحار ، الزلازل وما شابهها ، مانعا من الإيمان بالله؟ الجواب بالنفي قطعا. إذن فاكتشاف وجود رابطة وعلاقة تكاملية بين أنواع الموجودات الحية لا يؤدي إلى تعارض مع مسألة الإيمان بالله كذلك.

إذن ، فالأشخاص الذين يتصورون أن كشف العلل الطبيعية ينافي الإيمان بوجود الله هم الذين يذهبون هذا المذهب وإلّا فإنّ كشف هذه العلل ليس ـ فقط ـ لا يتعارض مع التوحيد ، وإنّما سيعطينا أدلة جديدة من عالم الخليقة لإثبات وجوده سبحانه وتعالى.

وممّا ينبغي ذكره : أنّ داروين قد تبرأ من تهمة الإلحاد وصرح في كتابه (أصل الأنواع) قائلا : إنّني مع قبولي لتكامل الأنواع فإنّي اعتقد بوجود الله ، وأساسا فإنّه

٧٥

بدون الاعتقاد بوجود الله لا يمكن توجيه مسألة التكامل.

وقد كتب عن داروين بما نصه : (إنّه بقي مؤمنا بالله الواحد رغم قبوله بالعلل الطبيعية في ظهور الأنواع المختلفة من الأحياء ، وقد كان إحساسه بوجود قدرة ما فوق البشر يشتد في أعماقه كلما تقدم في السن ، معتبرا أن لغز الخلق يبقى لغزا محيرا للإنسان)(١) .

كان يعتقد أن توجيه هذا التكامل النوعي المعقد والعجيب ، وتحويل كائن حي بسيط جدّا إلى كل هذه الأنواع المختلفة من الأحياء لا يتمّ إلّا بوجود خطة دقيقة يضعها ويسيرها عقل كلي.

وهو كذلك إذ كيف يمكن إيجاد كل هذه الأنواع العجيبة والمحيرة والتي لكل منها تفصيلات وشؤون واسعة ، من مادة واحدة بسيطة جدا وحقيرة كيف يمكن ذلك بدون الاستناد على علم وقدرة مطلقين؟!

النتيجة : إنّ الضجّة المفتعلة في وجود تضاد بين عقيدة التكامل النوعي وبين مسألة الإيمان بالله إنّما هي بلا أساس وفاقدة للدليل (سواء قبلنا بالفرضية أو لم نقبلها).

تبقى أمامنا مسألة جديرة بالبحث وهي : هل أنّ فرضية تطور الأنواع تتعارض مع ما ذكره القرآن حول قصة خلق آدم ، أو لا؟

القرآن ومسألة التكامل :

الجدير بالذكر أن كلّا من مؤيدي ومنكري فرضية التكامل النوعي ـ نعني المسلمين منهم ـ قد استدل بآيات القرآن الكريم لإثبات مقصوده ، ولكنّهما في بعض الأحيان وتحت تأثير موقفهما قد استدلا بآيات لا ترتبط بمقصودهما إلّا من

__________________

(١) الداروينية ، تأليف محمود بهزاد ، الصفحة ٧٥ و ٧٦.

٧٦

بعيد ، ولذلك سنتطرق إلى الآيات القابلة للبحث والمناقشة.

أهم آية يتمسك بها مؤيد والفرضية ، الآية الثّالثة والثلاثون من سورة آل عمران( إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ ، وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ) .

فيقولون : كما أنّ نوحا وآل إبراهيم وآل عمران كانوا يعيشون ضمن أممهم فاصطفاهم الله من بينهم فكذلك آدم ، أي ينبغي أنّه كان في عصره وزمانه أناس باسم «العالمين» فاصطفاه الله من بينهم ، وهذا يشير إلى أن آدم لم يكن أوّل إنسان على وجه الأرض ، بل كان قبله أناس آخرون ، ثمّ امتاز آدم من بينهم بالطفرة الفكرية والروحية فكانت سببا لاصطفائه من دونهم.

هذا وذكروا آيات أخر ولكنّها من حيث الأصل لا ترتبط بمسألة البحث ، ولا يعدو تفسيرها بالتكامل أن يكون تفسيرا بالرأي ، وبالبعض الآخر مع كونه ينسجم مع التكامل النوعي إلّا أنّه ينسجم مع الثبوت النوعي والخلق المستقل لآدم كذلك ، ولهذا ارتأينا صرف النظر عنها.

أمّا ما يؤخذ على هذا الاستدلال فهو أنّ كلمة «العالمين» إن كانت بمعنى الناس المعاصرين لآدمعليه‌السلام وأنّ الاصطفاء كان من بينهم ، كان ذلك مقبولا ، أمّا لو اعتبرنا «العالمين» أعم من المعاصرين لآدم ، حيث تشمل حتى غير المعاصرين ، كما روي في الحديث المعروف عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في فضل فاطمةعليها‌السلام حيث قال : «أمّا ابنتي فاطمة فهي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين» ، ففي هذه الحال سوف لا تكون لهذه الآية دلالة على مقصودهم ، وهو شبيه بقول قائل : إنّ الله تعالى اصطفى عدّة أشخاص من بين الناس جميعا في كل القرون والأزمان ، وآدمعليه‌السلام أحدهم ، وعندها سوف لا يكون لازما وجود أناس في زمان آدم كي يطلق عليهم اسم «العالمين» أو يصطفى آدم من بينهم، وخصوصا أن الاصطفاء إلهي ، واللهعزوجل مطلع على المستقبل وعلى كافة الأجيال في كل

٧٧

الأزمان(١) .

وأمّا مؤيد وثبوت الأنواع فقد اختاروا الآيات مورد البحث وما شابهها ، حيث نقول إنّ الله تعالى خلق الإنسان من تراب من طين متعفن.

ومن الملفت للنظر أن هذا التعبير قد ورد في صفة خلق «الإنسان»( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) ـ الآية السادسة والعشرون من سورة الحجر ـ وأيضا في صفة خلق «البشر»( وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) ـ الآية الثامنة والعشرون من سورة الحجر ـ وفي مسألة سجود الملائكة بعد خلق شخص آدم أيضا (لاحظ الآيات ٢٩ ، ٣٠ ، ٣١ من سورة الحجر).

عند الملاحظة الأولى للآيات يظهر أن خلق آدم كان من الحمأ المسنون أوّلا ، ومن ثمّ اكتملت هيئته بنفخ الروح الإلهية فيه فسجد له الملائكة إلّا إبليس.

ثمّ إنّ أسلوب تتابع الآيات لا ينم عن وجود أيّ من الأنواع الأخرى منذ أن خلق آدم من تراب حتى الصورة الحالية لبنيه.

وعلى الرغم من استعمال الحرف «ثمّ» في بعض من هذه الآيات لبيان الفاصلة بين الأمرين ، إلّا أنّه لا يدل أبدا على مرور ملايين السنين ووجود آلاف الأنواع خلال تلك الفاصلة.

بل لا مانع إطلاقا من كونه إشارة إلى نفس مرحلة خلق آدم من الحمأ المسنون ، ثمّ مرحلة خلقه من الصلصال ، فخلق بدن آدم ، ونفخ الروح فيه.

وذلك ما ملاحظه في استعمال «ثمّ» في مسألة خلق الإنسان في عالم الجنين والمراحل التي يطويها( يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا

__________________

(١) وهناك احتمال آخر وهو : أن اصطفاء آدم من بين أولاده بعد أن مرت عليهم مدة ليست بالطويلة فتشكل من بينهم مجتمع صغير.

٧٨

أَشُدَّكُمْ ) (١) .

فهذه الآية المباركة تدلل على أن استعمال «ثم» يعبر عن وجود فاصلة ليس من الضروري أن تكون طويلة ، فيمكن كونها فاصلة طويلة أو قصيرة.

وخلاصة ما ذكر : أن الآيات القرآنية وإن لم تتطرق مباشرة لمسألة التكامل النوعي أو ثبوت الأنواع ، لكنّ ظاهرها (في خصوص الإنسان) ينسجم مع مسألة الخلق المستقل ، وإن لم يكن بالتصريح المفصل ، لأنّ أكثر ما يدور ظاهر الآيات حول الخلق المستقل المباشر ، أمّا ما يتعلق بخلق سائر الأحياء (من غير الإنسان) فقد سكت القرآن عنه.

* * *

__________________

(١) سورة الحج ، ٥.

٧٩

الآيات

( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٤٥) ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ (٤٦) وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (٤٧) لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ (٤٨) نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩ وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ (٥٠) )

التّفسير

نعم الجنّة الثّمان :

رأينا في الآيات السابقة كيف وصف الله تعالى عاقبة أمر الشيطان وأنصاره وأتباعه ، وأنّ جهنم بأبوابها السبعة مفتحة لهم.

وجريا على أسلوب القرآن في التربية والتعليم جاءت هذه الآيات المباركات (ومن باب المقارنة) لترفع الستار عن حال الجنّة وأهلها وما ترفل به من نعم مادية ومعنوية ، جسدية وروحية.

وقد عرضت الآيات ثمانية نعم كبيرة (مادية ومعنوية) بما يساوي عدد أبواب الجنّة.

١ ـ أشارت في البدء إلى نعمة جسمانية مهمّة حيث :( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ) ويلاحظ أنّ هذه الآية قد اتخذت من صفة (التقوى) أساسا لها ، وهي

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

لهو المؤمن في ثلاثة أشياء

٢١٠ - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبدالله قال: حدثني حماد بن يعلى بن حماد، عن أبيه، عن حماد بن عيسى الجهني، عن حريز بن عبدالله، عن زرارة بن أعين، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لهو المؤمن في ثلاثة أشياء: التمتع بالنساء ومفاكهة الاخوان والصلاة بالليل.

من اجتمعت له ثلاث خصال فكأنما حيزت له الدنيا

٢١١ - حدثنا أبوالحسن محمد بن أحمد بن علي بن أسد الاسدي قال: حدثنا عبدالله بن سليمان، وعبدالله بن محمد الوهبي، وأحمد بن عمير، ومحمد بن أبي أيوب قالوا: حدثنا محمد بن بشر بن هانئ بن عبد الرحمن(١) قال: حدثنا أبي، عن عمه إبراهيم ابن أبي عبلة(٢) عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: من أصبح معافى في جسده، آمنا في سربه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت(٣) له الدنيا. يا ابن خثعم(٤) يكفيك منها ما سد جوعتك ووارى عورتك فإن يكن بيت

______________

(١) السند إلى هنا هكذا في جميع النسخ. وفى الامالى للمصنف « عبدالله بن هانئ » بدل « محمد بن بشر بن هانئ ».

(٢) ابراهيم بن أبى عبلة - بسكون الموحدة - اسمه شمر بن يقظان الشامي يكنى أبا اسماعيل ثقة، وممن يروى عنه هانئ بن عبد الرحمن. وابراهيم ذكر فيمن يروى عن ام الدرداء كما في تهذيب التهذيب للعسقلاني.

(٣) في النهاية: يقال فلان آمن في سربه أي في نفسه وفلان واسع السرب أي رخى البال. ويروى - بالفتح - وهو المسلك والطريق، يقال: خل له سربه أي طريقه. وفى التنزيل « واتخذ سبيله في البحر سربا » أي مسلكا. قوله « حيزت » أي جمعت. وفى بعض النسخ « خيرت » وهو تصحيف.

(٤) كذا وهذا من غريب التصحيف الذى فعله النساخ والصواب « يا ابن آدم جفينة يكفيك - » كما رواه الطبراني في الكبير على ما في مجمع الزوائد ج ١٠ ص ٢٨٩ عن أبى الدرداء وهو هذا الحديث بلفظه. والجفينة تصغير جفنة وهى القصعة والمظنون جدا أنه =

١٦١

يكنك فذاك وإن تكن دابة تركبها فبخ، فلق الخبز وماء الجر(١) وما بعد ذلك حساب عليك أو عذاب.

ضرب النبي صلّى الله عليه وآله في الخندق بالمعول ثلاث مرات

وكبر ثلاث مرات

٢١٢ - حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس الليثي(٢) قال: حدثنا أبوعبدالله محمد بن الفرج الشروطي(٣) قال: حدثنا أبوعبدالله محمد بن يزيد بن المهلب قال: حدثنا أبوسفيان(٤) قال: حدثني عوف، عن ميمون قال: أخبرني البراء بن - عازب قال: لما أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله: بحفر الخندق عرضت له صخرة عظيمة شديدة في عرض الخندق لا تأخذ فيها المعاول فجاء رسول الله صلّى الله عليه وآله فلما رآها وضع ثوبه فأخذ المعول، وقال: بسم الله وضرب ضربة فكسر ثلثها، فقال: الله أكبر اعطيت مفاتيح الشام، والله إني لابصر قصورها الحمر الساعة، ثم ضرب الثانية فقال: بسم الله، ففلق ثلثا آخر، فقال: الله أكبر اعطيت مفاتيح فارس، والله إني لابصر قصر المدائن الابيض، ثم ضرب الثالثة ففلق بقية الحجر، فقال: الله أكبر اعطيت مفاتيح اليمن، و الله إني لابصر أبواب صنعاء من مكاني هذا.

______________

= جعل الكاتب « جفينة » فوق « آدم » واتصل الهاء بالميم هكذا (جفينة يابن آدم) فقرأه بعضهم « يا ابن خثعم » كما في النسخ، وبعضهم « يا ابن جعشم » كما في الامالى والوسائل.

(١) في النسخ المطبوعة « فبخ بخ والخير وماء الخير » وهو أيضا من تصحيف النساخ، والجر لغة في الجرة - بالفتح - بمعنى الاناء، أو كتمرة وتمر كما في المصباح

(٢) احتمل بعض الافاضل اتحاده مع محمد بن أحمد بن ابراهيم بن أحمد المعاذى.

(٣) كذا، وفى الامالى « محمد بن عبدالله بن الفرج ».

(٤) هو أبوسفيان سعيد بن يحيى الحذاء الواسطي روى عن عوف الاعرابي البصري المترجم في التهذيب تحت رقم ٣٠١ وهو ممن يروى عن ميمون أبى عبدالله البصري الكندى المترجم فيه تحت رقم ٧٠٥ وهو عن البراء. وفى النسخ « حدثنا أبوسنان قال: حدثنى عوف بن ميمون » وهذا أيضا من تصحيف النساخ.

١٦٢

أحب الاعمال إلى الله عزّوجلّ ثلاثة

٢١٣ - أخبرني الخليل بن أحمد السجزي قال: أخبرنا أبوالقاسم البغوي قال: حدثنا علي - يعني ابن الجعد - قال: أخبرنا شعبة قال: أخبرني الوليد بن العيزار ابن حريث(١) قال: سمعت أبا عمرو الشيباني قال: حدثني صاحب هذه الدار وأشار بيده إلى دار عبدالله بن مسعود قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وآله أي الاعمال أحب إلى الله عزّوجلّ؟ قال: الصلاة لوقتها، قلت: ثم أي شئ؟ قال: بر الوالدين، قلت: ثم أي شئ؟ قال: الجهاد في سبيل الله عزّوجلّ، قال: فحدثني بهذا ولو استزدته لزادني.

أشد ما يتخوف على امتى ثلاثة أشياء

٢١٤ - حدثنا أبوأحمد الحسن بن عبدالله بن سعيد العسكري قال: أخبرنا أبوأسيد أحمد بن محمد بن اسيد الاصبهاني قال: حدثنا أحمد بن يحيى الصوفي قال: حدثنا أبوغسان قال: حدثنا مسعود بن سعد الجعفي - وكان من خيار من أدركنا - عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: أشد ما يتخوف على أمتي ثلاثة: زلة عالم، أو جدال منافق بالقرآن أو دنيا تقطع رقابكم، فاتهموها على أنفسكم.

من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فلا يفعل ثلاثة اشياء

٢١٥ - حدثنا الخليل بن أحمد قال: أخبرنا محمد بن معاذ قال: حدثنا علي بن -

______________

(١) قال العسقلاني: على بن الجعد بن عبيد الجوهرى البغدادي ثقة ثبت رمى بالتشيع مات سنة ثلاثين ومائتين. وذكره فيمن يروى عن شعبة بن الحجاج وهو ممن يروى عن الوليد بن العيزار بن حريث العبدى الكوفى الثقة وهو ممن يروى عن سعد بن اياس أبى عمرو الشيباني وهو مخضرم عاش مائة وعشرين سنة، حضر القادسية ومات بعد ٩٦. وممن يروى عن على بن الجعد أبوالقاسم عبدالله بن محمد بن عبد العزيز البغوي المذكور في صدر السند.

١٦٣

خشرم قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن أبي معمر، عن سعيد المقبري(١) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يشرب عليها الخمر(٢) ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع حليلته تخرج إلى الحمام(٣) .

التخوف على الامة من ثلاث خصال

٢١٦ - حدثنا أبوالحسن علي بن عبدالله الاسواري المذكر قال: حدثنا أبويوسف أحمد بن محمد بن قيس السجزي المذكر قال: حدثنا أبويعقوب قال: حدثنا علي بن خشرم قال: أخبرنا عيسى، عن أبي عبيدة(٤) عن محمد بن كعب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: إنما أتخوف على امتي من بعدي ثلاث خصال: أن يتأولوا القرآن على غير تأويله(٥) أو يتبعوا زلة العالم، أو يظهر فيهم المال حتى يطغوا ويبطروا، و سانبئكم المخرج من ذلك: أما القرآن فاعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه، وأما

______________

(١) سعيد بن أبي سعيد كيسان المقبرى أبوسعد المدنى ثقة. (التقريب).

(٢) وان لم يشرب هو وذلك لوجوب ازالة المنكر وحرمة الكون في مجلس يفعل فيه الحرام لانه تقرير على منكر.

(٣) أي بغير عذر شرعى كلزوم الطهارة أو إذا ما يترتب عليه مفسدة، أو إذا ما خرجت منفردة دون أن يراقبها أحد من محارمه.

(٤) المراد بعيسى عيسى بن يونس بن أبى اسحاق السبيعى كما في الحديث السابق وأبو عبيدة هو ابن عبيد الله بن عبد الرحمن الاشجعى. وما في نسخ الخصال من « ابن عبيدة » مصحف، وفى البحار كما في المتن وهو الصواب.

(٥) التأويل ارجاع الكلام وصرفه عن معناه الظاهرى إلى معنى أخفى منه مأخوذ من آل يؤل إذا رجع وصار إليه. واعلم أن التأويل غير جائز في مذهبنا وبابه مسدود الا عن أهله وهم الراسخون في العلم، والمراد بهم الائمة المعصومون عليهم السلام.

١٦٤

العالم فانتظروا فيئته ولا تتبعوا زلته(١) ، وأما المال فان المخرج منه شكر النعمة و أداء حقه.

حبب إلى النبي صلّى الله عليه وآله من الدنيا ثلاث

٢١٧ - حدثنا أبوأحمد محمد بن جعفر البندار الشافعي بفرغانة قال: حدثنا أبوالعباس الحمادي قال: حدثنا صالح بن محمد البغدادي قال: حدثنا علي بن الجعد، قال: أخبرنا سلام أبوالمنذر(٢) قال: سمعت ثابت البناني ولم أسمع من غيره يحدث عن أنس بن مالك، عن النبي صلّى الله عليه وآله قال: حبب إلي من الدنيا(٣) النساء. والطيب، وقرة عيني في الصلاة.

٢١٨ - حدثنا أبوعلي الحسن بن علي بن محمد بن [ علي بن ] عمر [ و ] العطار ببلخ قال: حدثنا أبومصعب محمد بن أحمد بن مصعب بن القاسم السلمي بترمذ قال: حدثنا أبومحمد أحمد بن محمد بن إسحاق بن هارون الآملي بآمل قال: حدثنا أحمد بن محمد بن غالب البصري الزاهد ببغداد قال: حدثنا يسار مولى أخا(٤) أنس بن مالك، عن أنس، عن النبي صلّى الله عليه وآله: قال: حبب إلي من دنياكم النساء والطيب، وجعل قرة عيني في الصلاة.

قال مصنف هذا الكتاب - رضي الله عنه -: إن الملحدين يتعلقون بهذا الخبر ويقولون: إن النبي صلّى الله عليه وآله قال: حبب إلي من دنياكم النساء والطيب، وأراد أن يقول الثالث فندم وقال: « وجعل قرة عيني في الصلاة » وكذبوا لانه صلّى الله عليه وآله لم يكن مراده بهذا الخبر إلا الصلاة وحدها لانه صلّى الله عليه وآله قال: ركعتين يصليهما المتزوج أفضل

______________

(١) أي فانتظروا رجوعه عن الزلة إلى الحق والاستقامة.

(٢) هو سلام سليمان المزني أبوالمنذر القارئ النحوي الكوفى قال ابن أبى حاتم صدوق صالح الحديث. وفى النسخ المطبوعة « سلام بن المنذر ».

(٣) زاد هنا في بعض النسخ « ثلاث » ولا أصل له إذ يغير المعنى لانه انما ذكر اثنين وفصل الاخير بقوله « قرة عينى ». ويأتى بيان الخبر عند قول المصنف.

(٤) كذا.

١٦٥

عند الله من سبعين ركعة يصليها غير متزوج، وإنما حبب الله إليه النساء لاجل الصلاة وهكذا قال: ركعتين يصليهما متعطر أفضل من سبعين ركعة يصليها غير متعطر، وإنما حبب الله إليه الطيب أيضا لاجل الصلاة، ثم قال عليه السلام « وجعل قرة عيني في الصلاة » لان الرجل لو تطيب وتزوج، ثم لم يصل لم يكن له في التزويج والطيب فضل و لا ثواب(١) .

______________

(١) ينبغى التأمل في ألفاظ الخبر قبل توضيحه. الاول قوله صلّى الله عليه وآله: « حبب » بصيغة المجهول دون « أحببت » والثانى « من دنياكم » والثالث « قرة عينى في الصلاة ». وأما قوله « حبب » اشارة إلى أن جبلته صلّى الله عليه وآله مجبولة على حب امور الآخرة دون الدنيا. ولكن الله تعالى حببه لهذين الشيئين: حب النساء والطيب من امور الدنيا لكثرة ما يترتب عليهما من المنافع والخيرات. اما النساء فيترتب على حبهن مضافا على كثرة التناسل امور اخر وقد أباح الله تعالى له صلّى الله عليه وآله تزويج تسعة من النساء دون أمته لتلك الامور وهى أن الله تعالى أراد نقل بواطن الشريعة وظواهرها وما يستحيا من ذكره وما لا يستحيا منه وكان صلّى الله عليه وآله أشد الناس حياء، فجعل الله له نسوة ينقلن من الشرع ما يرينه من أفعاله و يسمعنه من أقواله ويذكرنه من سنته في معاشرته معهن التى قد يستحيى من الافصاح بها بحضرة الرجال وذلك ليتكمل نقل الشريعة. فقد نقلن كثيرا من آدابه في تهجده وسواكه ونومه ويقظته وسائر اموره ما لم يكن ينقله غيرهن وما رأينه في منامه وخلواته من الايات الباهرات والحجج البالغات على نبوته، ومن جده واجتهاده في العبادة وخشيته من الله وغيرها مما يشهد كل ذى لب أنها لا تكون الا لنبى وما كان يشاهدها غيرهن، فحصل بذلك خير عظيم. و هذا هو المشاهد لمن سبر كتب الحديث.

وأما الطيب وان كان تنعم في الدنيا الا أنه يقوى القلب والجوارح، مضافا إلى أنه حظ الملائكة ففى الخبر « لا تدع الطيب فان الملائكة تستنشق ريح الطيب من المؤمن ».

وأما قوله صلّى الله عليه وآله « من دنياكم » كما في الخبر الثاني ففيه مالا يخفى من اضافة الدنيا إلى غيره. وأما قوله صلّى الله عليه واله « قرة عينى في الصلاة » اشارة إلى أنه وان كان حبب إليه من الدنيا « النساء والطيب » لكن قرة عينه في الصلاة لا غير، يعنى محبوبه الحقيقي وما يقر عينه و =

١٦٦

كان الصادق (عليه السلام) لا يخلو من احدى ثلاث خصال

٢١٩ - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن - الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه قال: حدثنا أبوأحمد محمد بن زياد الازدي قال: سمعت مالك بن أنس(١) فقيه المدينة يقول: كنت أدخل على الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام فيقدم لي مخدة ويعرف لي قدرا ويقول: يا مالك إني احبك فكنت أسر بذلك وأحمد الله عليه، وكان عليه السلام لا يخلو من إحدى ثلاث خصال: إما صائما وإما قائما وإما ذاكرا، وكان من عظماء العباد وأكابر الزهاد الذين يخشون الله عزّوجلّ، وكان كثير الحديث، طيب المجالسة، كثير الفوائد فإذا قال: « قال رسول الله صلّى الله عليه وآله » اخضر مرة واصفر اخرى حتى ينكره من يعرفه، ولقد حججت معه سنة فلما استوت به راحلته عند الاحرام كان كلما هم بالتلبية انقطع الصوت في حلقه وكاد يخر من راحلته، فقلت: قل يا ابن رسول الله فلابد لك من أن تقول، فقال عليه السلام: يا ابن أبي عامر كيف أجسر أن أقول: « لبيك اللهم لبيك » وأخشى أن يقول عزّوجلّ [ لي ]: لا لبيك ولا سعديك.(٢)

ينتفع زائر الرضا عليه السلام في ثلاث مواطن

٢٢٠ - حدثنا علي بن أحمد بن موسى رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن أبي -

______________

= يتعلق سويداء قلبه به هو في الصلاة هذا إذا كانت « الصلاة » بفتح الصاد، وأما إذا كان بكسر الصاد كما قد قرء فهو من باب « وصل » واحدها صلة بكسر الصاد فهى العطية والاحسان و الجائزة وما يقال له بالفارسية (چشم روشنى) فلعل المراد اهداء الطيب كما يظهر من بعض الاخبار ففى معاني الاخبار في معنى لا يأبى الكرامة الا الحمار المراد الطيب والتوسعة في المجلس. لكنه بعيد ومخالف لكتابة الصلاة لانها بالتاء المدور لا الممدود.

(١) هو مالك بن أنس بن مالك بن أبى عامر أبوعبدالله المدنى الفقيه.

(٢) لبيك أي مقيم على طاعتك اقامة بعد اقامة. وسعديك أي اسعدك اسعادا بعد اسعاد.

١٦٧

عبدالله الكوفي، عن أحمد بن محمد بن صالح الرازي، عن حمدان الديواني(١) قال: قال الرضا عليه السلام: من زارني على بعد داري أتيته يوم القيامة في ثلاث مواطن حتى اخلصه من أهوالها: إذا تطايرت الكتب يمينا وشمالا، وعند الصراط، وعند الميزان.

الاعمال على ثلاثة أحوال

٢٢١ - حدثنا أبوالحسن محمد بن عمرو بن علي البصري قال: حدثنا أبوالحسن علي بن الحسن بن الميثمي قال: حدثنا أبوالحسن علي بن مهرويه القزويني قال: حدثنا أبوأحمد الغازي قال: حدثنا علي بن موسى الرضا قال: حدثني أبي موسى ابن جعفر قال حدثني أبي جعفر بن محمد قال: حدثني أبي محمد بن علي قال: حدثنا أبي علي بن الحسين قال: حدثنا أبي الحسين بن علي قال: سمعت أبي علي بن أبي - طالب عليهم السلام يقول: الاعمال على ثلاثة أحوال فرائض، وفضائل، ومعاصي. فأما الفرائض فبأمر الله وبرضى الله وبقضاء الله وتقديره ومشيئته وعلمه عزّوجلّ. وأما الفضائل فليست بأمر الله(٢) ولكن برضى الله وبقضاء الله وبمشيئته الله وبعلم الله عز وجل، وأما المعاصي فليست بأمر الله ولكن بقضاء الله وبقدر الله وبمشيئته وعلمه ثم يعاقب عليها.

قال مصنف هذا الكتاب - رضي الله عنه - المعاصي بقضاء الله معناه بنهي الله لان حكمه عزّوجلّ فيها على عباده الانتهاء عنها، ومعنى قوله « بقدر الله » أي بعلم الله بمبلغها ومقدارها. ومعنى قوله « وبمشيئته » فانه عزّوجلّ شاء أن لا يمنع العاصي من المعاصي إلا بالزجر والقول والنهي والتحذير، دون الجبر والمنع بالقوة و الدفع بالقدرة.

______________

(١) في بعض النسخ « الديرانى ».

(٢) يعنى الامر الوجوبى. أي لا يأمر بها وجوبا.

١٦٨

أمر الباقر عليه السلام ابنه الصادق عليه السلام

بثلاث ونهاه عن ثلاث

٢٢٢ - حدثنا أبوأحمد القاسم بن محمد السراج الهمذاني بهمذان قال: حدثنا أبوبكر محمد بن أحمد الضبي قال: حدثنا محمد بن عبد العزيز الدينوري قال: حدثنا عبيد الله بن موسى العبسي، عن سفيان الثوري قال: لقيت الصادق بن الصادق جعفر بن - محمد عليهما السلام فقلت له: يا ابن رسول الله أوصني فقال لي: يا سفيان لا مروءة لكذوب، ولا أخ لملوك ولا راحة لحسود، ولا سودد لسيئ الخلق، فقلت: يا ابن رسول الله زدني، فقال لي: يا سفيان ثق بالله تكن مؤمنا، وارض بما قسم الله لك تكن غنيا، وأحسن مجاورة من جاورته تكن مسلما، ولا تصحب الفاجر فيعلمك من فجوره، وشاور في أمرك الذين يخشون الله عزّوجلّ، فقلت: يا ابن رسول الله زدني، فقال لي: يا سفيان من أراد عزا بلا عشيرة وغنى بلا مال وهيبة بلا سلطان فلينقل من ذل معصية الله إلى عز طاعته، فقلت: زدني يا ابن رسول الله، فقال لي: يا سفيان أمرني والدي عليه السلام بثلاث ونهاني عن ثلاث، فكان فيما قال لي: يا بني من يصحب صاحب السوء لا يسلم، ومن يدخل مداخل السوء يتهم، ومن لا يملك لسانه يندم، ثم أنشدني [ فقال ] عليه السلام:

عود لسانك قول الخير تحظ به

إن اللسان لما عودت يعتاد

موكل بتقاضي ما سننت له

في الخير والشر فانظر كيف تعتاد

إذا قام القائم عليه السلام حكم بثلاث لم يحكم بها أحد قبله

٢٢٣ - حدثنا علي بن أحمد بن موسى رضي الله عنه قال: حدثنا حمزة بن القاسم العلوي قال: حدثنا محمد بن عبدالله بن عمران البرقي قال: حدثنا محمد بن علي الهمداني، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي عبدالله وأبي الحسن عليهما السلام قالا: لو قد قام القائم(١) لحكم بثلاث لم يحكم بها أحد قبله: يقتل الشيخ الزاني، ويقتل مانع الزكاة، ويورث الاخ أخاه في الاظلة.(٢)

______________

(١) في بعض النسخ « إذا قام القائم » عليه السلام.

(٢) يعنى عالم الاظلة والاشباح وهو عالم الذر.

١٦٩

قول النبي صلّى الله عليه وآله لسلمان الفارسى (ره)

ان لك في علتك ثلاث خصال

٢٢٤ - حدثنا محمد بن علي بن الشاه قال: حدثنا أبوحامد قال: حدثنا أبويزيد أحمد بن خالد الخالدي قال: حدثنا محمد بن أحمد بن صالح التميمي، عن أبيه قال: حدثنا محمد بن حاتم القطان، عن حماد بن عمرو، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله لسلمان الفارسي رضي الله عنه: يا سلمان إن لك في علتك إذا اعتللت ثلاث خصال أنت من الله تبارك وتعالى بذكر، ودعاؤك فيها مستجاب، ولا تدع العلة عليك ذنبا إلا حطته، متعك الله بالعافية إلى انقضاء أجلك.

قول عمر أتوب إلى الله من ثلاث

٢٢٥ - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا عبدالله بن الحسن المؤدب، عن أحمد بن علي الاصبهاني، عن إبراهيم بن محمد الثقفي قال: أخبرني يحيى بن الحسن ابن الفرات القزاز قال: حدثنا هارون بن عبيدة، عن يحيى بن عبدالله بن الحسن بن - الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام قال: قال عمر حين حضره الموت: أتوب إلى الله من ثلاث: اغتصابي هذا الامر أنا وأبو بكر من دون الناس واستخلافي عليهم، وتفضيلي المسلمين بعضهم على بعض(١) .

______________

(١) اعلم أن السنة النبوية جرت بالاتفاق على القسم بالسوية لان الفئ والغنائم ونحو ذلك هي من حقوق المسلمين يجب صرفها إليهم على الوجه الذى دلت عليه الشريعة المقدسة وتفضيل طائفة في القسمة واعطاءها اكثر مما جرت السنة عليه لا يمكن الا بمنع من استحق بالشرع حقه وهو غصب لمال الغير وصرف له في غير أهله، وأول من فضل السابقين على غيرهم وفضل المهاجرين من قريش على غيرهم من المهاجرين وفضلهم كافة على الانصار جميعا وفضل العرب على العجم وفضل الصريح على المولى عمر وقد كان أشار على ابى بكر أيام خلافته بذلك فلم يقبل وقال ان الله لم يفضل أحدا على أحد، ولكنه قال « انما الصدقات للفقراء والمساكين » =

١٧٠

٢٢٦ - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا عبدالله بن الحسن المؤدب، عن أحمد بن علي الاصبهاني، عن إبراهيم بن محمد الثقفي قال: حدثني المسعودي قال: حدثنا الحسن بن حماد الطائي، عن زياد بن المنذر، عن عطية - فيما يظن - عن جابر بن عبدالله قال: شهدت عمر عند موته يقول: أتوب إلى الله من ثلاث من ردي رقيق اليمن، ومن رجوعي عن جيش اسامة بعد أن أمره رسول الله صلّى الله عليه وآله علينا، ومن تعاقدنا على أهل هذا البيت إن قبض الله رسوله لا نولي منهم أحدا.

٢٢٧ - وبهذا الاسناد، عن إبراهيم بن محمد الثقفي قال: حدثني محمد بن علي قال: حدثنا الحسين بن سفيان، عن أبيه قال: حدثني فضل بن الزبير قال: حدثني أبوعبيدة الحذاء زياد بن عيسى قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: لما حضر عمر الموت قال: أتوب إلى الله من رجوعي عن جيش اسامة، وأتوب إلى الله من عتقي سبي اليمن، وأتوب إلى الله من شئ كنا أشعرناه قلوبنا نسئل الله أن يكفينا ضره، وأن بيعة أبي بكر كانت فلتة.

قول أبى بكر لا آسى من الدنيا الا على ثلاث فعلتها وددت أنى تركتها، وثلاث تركتها وددت أنى فعلتها، وثلاث وددت أنى كنت سألت عنها رسول الله صلّى الله عليه وآله

٢٢٨ - حدثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي السمرقندي قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود العياشي، عن أبيه قال: حدثنا محمد بن حاتم قال: حدثنا عبدالله بن حماد، وسليمان بن معبد قالا: حدثنا عبدالله بن صالح قال: حدثني الليث بن سعد، عن علوان بن داود بن صالح، عن صالح بن كيسان، عن عبد الرحمن ابن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه قال: قال أبوبكر في مرضه الذي قبض فيه: أما إني لا آسى من الدنيا إلا على ثلاث فعلتها ووددت أني تركتها، وثلاث تركتها

______________

= ولم يخص قوما دون قوم، فلما أفضت إليه الخلافة عمل بما كان أشار به أولا، وخالفه في ذلك على عليه السلام وقصته عليه السلام مع أخيه عقيل المسماة بالحديدة المحماة مشهورة (كذا في هامش المطبوع الحروفى).

١٧١

ووددت أني فعلتها، وثلاث وددت أني كنت سألت عنهن رسول الله صلّى الله عليه واله أما التي وددت أني تركتها فوددت أني لم أكن كشفت بيت فاطمة وإن كان أعلن(١) علي الحرب. ووددت أني لم أكن أحرقت الفجاءة(٢) وأني قتلته سريحا أو أطلقته نجيحا، ووددت أني يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الامر في عنق أحد الرجلين: عمر، أو أبي عبيدة، فكان أميرا وكنت وزيرا. وأما التي تركتها [ فوددت أني فعلتها ] فوددت أني يوم أتيت بالاشعث أسيرا كنت ضربت عنقه فانه يخيل لي(٣) أنه لم ير صاحب شر إلا أعانه، ووددت أني حين سيرت خالدا إلى أهل الردة(٤) كنت قدمت إلى قرية فان

______________

(١) في بعض النسخ المخطوطة « أغلق » وفى النسخ المطبوعة « علق ».

(٢) قوله « لم اكن أحرقت الفجاءة » هو اياس بن عبدالله بن عبد ياليل رجل من بنى سليم قدم على أبى بكر فقال انى مسلم وقد اردت جهاد من ارتد من الكفار، فاحملني وأعنى، فحمله أبوبكر على ظهر وأعطاه سلاحا فخرج يستعرض الناس المسلم والمرتد فشن الغارة على كل مسلم في سليم وعامر وهوازن فأخذ أموالهم ويصيب من امتنع منهم، فلما بلغ أبا بكر خبره ارسل إلى طريفة بن حاجز وكتب إليه: أن عدو الله الفجاءة أتانى يزعم أنه مسلم ويسألني أن أقويه على من ارتد عن الاسلام، فحملته وسلحته، ثم انتهى إلى - من يقين - الخبر أن عدو الله قد استعرض الناس المسلم والمرتد، يأخذ اموالهم، ويقتل من خالفه منهم، فسر إليه بمن معك من المسلمين حتى تقتله أو تأخذه فتأتيني به فسار إليه طريفة فهرب الفجاءة فلحقه فأسره ثم بعث به إلى أبى بكر فلما قدم عليه أمر أبوبكر أن توقد له نار في مصلى المدينة ثم رمى به فيها مكتوفا مقموطا. راجع تاريخ الطبري والكامل لابن الاثير ج ٢ ص ٢٣٧.

(٣) يعنى به الاشعث بن قيس الكندى الزنديق وكان سبب اسارته ومقاتلة قومه امتناعهم عن البيعة وتركهم الصدقة لكن لما قدم على أبى بكر عفى عنه وزوجه اخته أم فروة و قوله « يخيل لى »: على بناء المفعول من التخييل وفى بعض النسخ « إلى » بدل « لى » والمعنى أظن.

(٤) يعنى به مالك بن نويرة وقومه حيث أنكروا خلافته وامتنعوا من اعطاء الصدقات إلى عامله فامر أبوبكر خالد بن وليد بقتله فذهب خالد إليه في جمع وقتله وأسر نساءه و تزوج بزوجته ليلته.

١٧٢

ظفر المسلمون ظفروا وإن هزموا كيدا كنت بصدد لقاء أو مدد، ووددت أني كنت إذ وجهت خالدا إلى الشام قذفت المشرق لعمر بن الخطاب فكنت بسطت يدي يميني وشمالي في سبيل الله، وأما التي وددت أني كنت سألت عنهن رسول الله صلّى الله عليه وآله فوددت أني كنت سألته فيمن هذا الامر فلم ننازعه أهله، ووددت أني كنت سألته هل للانصار في هذا الامر نصيب، ووددت أني كنت سألته عن ميراث الاخ والعم، فان في نفسي منها حاجة(١) .

قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: إن يوم غدير خم لم يدع لاحد عذرا هكذا قالت سيدة النسوان فاطمة عليها السلام لما منعت فدك وخاطبت الانصار، فقالوا: يا بنت محمد لو سمعنا هذا الكلام منك قبل بيعتنا لابي بكر ما عدلنا بعلي أحدا، فقالت: وهل ترك أبي يوم غدير خم لاحد عذرا.

قول عبدالله بن مسعود علماء الارض ثلاثة

٢٢٩ - حدثنا أبوالقاسم الحسن بن محمد السكوني المزكي(٢) بالكوفة قال: حدثنا محمد بن عبدالله الحضرمي قال: حدثنا محمد بن مرزوق قال: حدثنا حسين قال: حدثنا يحيى بن سلمة بن كهيل، عن أبيه، عن أبي الزعراء قال: قال عبدالله بن مسعود: علماء الارض ثلاثة: عالم بالشام، وعالم بالحجاز، وعالم بالعراق، أما عالم الشام فأبو الدرداء، وأما عالم الحجاز فهو علي عليه السلام، وأما عالم العراق فهو أخ لكم بالكوفة(٣) ، وعالم الشام، وعالم العراق محتاجان إلى عالم الحجاز، وعالم الحجاز

______________

(١) أورد نحوه صاحب الامامة والسياسة في مرض أبى بكر.

(٢) كذا، ولعل الصواب المذكر. وفى بعض النسخ « المولى ».

(٣) قوله فهو أخ لكم بالكوفة: أراد به نفسه ونقل عن الشيرازي في طبقات الفقهاء انه قال مسروق: « انتهى العلم إلى ثلاثة عالم بالمدينة وعالم بالشام وعالم بالعراق، فعالم المدينة على بن أبى طالب وعالم العراق عبدالله بن مسعود وعالم الشام أبوالدرداء، فإذا التقوا سأل عالم العراق وعالم الشام عالم المدينة، ولم يسألهما ».

١٧٣

لا يحتاج إليهما.

ثلاثة لم يكفروا بالوحى طرفة عين

٢٣٠ - حدثنا عبدالله بن محمد بن عبد الوهاب [ الاصبهاني ] قال: حدثنا أحمد ابن الفضل بن المغيرة قال: حدثنا أبونصر منصور بن عبدالله بن إبراهيم الاصبهاني قال: حدثنا علي بن عبدالله قال: حدثنا محمد بن هارون بن حميد قال: حدثنا محمد بن المغيرة الشهرزوري قال: حدثنا يحيى بن الحسين المدايني قال: حدثنا ابن لهيعة(١) ، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: ثلاثة لم يكفروا بالوحي طرفة عين: مؤمن آل يس، وعلي بن أبي طالب عليه السلام، وآسية امرأة فرعون.

ثواب من كن له ثلاث بنات فصبر عليهن

٢٣١ - حدثنا أبومحمد محمد بن أبي عبدالله الشافعي الفرغاني بفرغانة قال: حدثنا أبوجعفر محمد بن جعفر بن الاشعث قال: حدثنا أبوحاتم قال: حدثنا محمد بن - عبدالله الانصاري قال: حدثني ابن جريج، عن أبي الزبير، عن عمر بن نبهان(٢) ، عن أبي هريرة، عن النبي صلّى الله عليه وآله قال: من كن له ثلاث بنات فصبر على لاوائهن و ضرائهن وسرائهن كن له حجابا يوم القيامة.

ثلاثة يشكون إلى الله عزّوجلّ يوم القيامة

٢٣٢ - حدثنا محمد بن عمر الحافظ البغدادي المعروف بالجعابي قال: حدثنا

______________

(١) تقدم ضبطه وأنه عبدالله بن لهيعة في ص ١١٣. وهو ممن يروى عن محمد بن مسلم ابن تدرس أبى الزبير المكى.

(٢) ذكره ابن حبان في الثقات. وفى جميع النسخ « عمر بن تيهان » وهو تصحيف راجع التهذيب ج ٧ تحت رقم ٨٣٧.

١٧٤

عبدالله بن بشير(١) قال: حدثنا الحسن بن الزبرقان المرادي قال: حدثنا أبوبكر ابن عياش، عن الاجلح(٢) ، عن أبي الزبير، عن جابر قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: يجئ يوم القيامة ثلاثة يشكون إلى الله عزّوجلّ: المصحف، والمسجد، والعترة. يقول المصحف: يا رب حرقوني ومزقوني، ويقول المسجد: يا رب عطلوني وضيعوني، وتقول العترة: يا رب قتلونا وطردونا وشردونا فأجثوا للركبتين للخصومة، فيقول الله جل جلاله لي: أنا أولى بذلك.

رفع القلم عن ثلاثة

٢٣٣ - حدثنا الحسن بن محمد السكوني المزكي بالكوفة(٣) قال: حدثنا محمد بن عبدالله الحضرمي قال: حدثنا إبراهيم بن أبي معاوية قال: حدثني أبي، عن الاعمش، عن أبي ظبيان قال: أتى عمر بامرأة مجنونة قد فجرت فأمر عمر برجمها، فمروا بها على علي عليه السلام فقال: ما هذه؟ فقالوا: مجنونة قد فجرت، فأمر بها عمر أن ترجم، فقال: لا تعجلوا فأتى عمر فقال: أما علمت أن القلم رفع عن ثلاثة عن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ(٤) .

قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه جاء هذا الحديث هكذا، والاصل في هذا قول أهل البيت عليهم السلام أن المجنون إذا زنى حد والمجنونة إذا زنت لم تحد لان المجنون يأتي والمجنونة تؤتى.

الشح يولد ثلاث خصال مذمومة

٢٣٤ - حدثنا الخليل بن أحمد قال: حدثنا ابن صاعد قال: حدثنا الحسن بن -

______________

(١) كذا في الوسائل والموجود في كتب الرجال، وفى النسخ « عبدالله بشر ».

(٢) هو يحيى بن عبدالله. كما في التقريب.

(٣) تقدم الكلام فيه.

(٤) هذا الخبر بهذا السند مع قول المصنف تقدم تحت رقم ٤٠ من هذا الباب والظاهر أن التكرار من المؤلف لوجوده في جميع النسخ في الموضعين.

١٧٥

عرفة قال: حدثنا عمر بن عبد الرحمن أبوحفص الابار، عن محمد بن جحادة(١) عن بكير ابن عبدالله المدني، عن عبدالله بن عمرو، عن النبي صلّى الله عليه وآله قال: إياكم والشح(٢) فانما هلك من كان قبلكم بالشح، أمرهم بالكذب فكذبوا، وأمرهم بالظلم فظلموا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا(٣) .

٢٣٥ - أخبرني الخليل بن أحمد قال: أخبرنا أبوالعباس السراج قال: حدثنا قتيبة قال: حدثنا بكر بن عجلان(٤) عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: إياكم والفحش فان الله عزّوجلّ لا يحب الفاحش المتفحش(٥) وإياكم والظلم فان الظلم عند الله هو الظلمات يوم القيامة، وإياكم والشح فانه دعا الذين من قبلكم حتى سفكوا دماءهم، ودعاهم حتى قطعوا أرحامهم، ودعاهم

______________

(١) محمد بن جحادة - بتقديم المعجمة على المهملة والدال المخففة - ثقة، يروى عنه عمر بن عبد الرحمن أبوحفص الابار - بتشديد الباء - الكوفى الحافظ نزيل بغداد هو أيضا صدوق ثقة مات في ولاية هارون. وروى محمد بن جحادة عن بكير بن عبدالله بن الاشج أبى عبدالله المدنى، نزيل مصر.

(٢) تقدم أن الشح هو البخل مع الحرص.

(٣) المراد بالقطيعة هو قطيعة الرحم فالشح مخالف للايمان ومانع من السعادة والفلاح( وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) .

(٤) بكر بن عجلان غير مذكور في الرجال والصحيح « قتيبة قال حدثنا: بكر، عن ابن عجلان » وهو قتيبة بن سعيد راوي بكر بن مضر راوي محمد بن عجلان راوي سعيد بن أبى سعيد المقبرى كما في التهذيب.

(٥) قوله الفاحش المتفحش: قال في النهاية الفاحش ذو الفحش في كلامه وفعاله والمتفحش الذى يتكلف ذلك ويتعمده انتهى. وقيل ان المراد بالمتفحش الذى يقبل الفحش من غيره فالفاحش المتفحش هو الذى لا يبالى ما قال ولا ما قيل له ويؤيد ذلك ما روى في الكافي عن أبى جعفر عليه السلام قال خطب رسول الله صلّى الله عليه وآله الناس - إلى قوله - ثم قال صلّى الله عليه وآله: ألا اخبركم بمن هو شر من ذلك قالوا بلى يا رسول الله قال: المتفحش اللعان، الذى إذا ذكر عنده المؤمنون لعنهم وإذا ذكروه لعنوه » بناء على كون الجزء الثاني تفسيرا للمتفحش.

١٧٦

حتى انتهكوا واستحلوا محارمهم.(١)

بدء أمر النبي صلّى الله عليه وآله من ثلاثة

٢٣٦ - حدثنا أبوأحمد محمد بن جعفر البندار الفقيه بأخسيكث(٢) قال: حدثنا أبوالعباس محمد بن جمهور(٣) الحمادي قال: حدثني أبوعلي صالح بن محمد البغدادي ببخارا قال: حدثنا سعيد بن سليمان، ومحمد بن بكار، وإسماعيل بن إبراهيم قال(٤) : حدثنا الفرج بن فضالة، عن لقمان بن عامر، عن أبي امامة قال: قلت: يا رسول الله ما كان بدء أمرك، قال: دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى بن مريم، ورأت أمي أنه خرج منها شئ أضاءت منه قصور الشام(٥) .

ثلاث خصال من فعلهن فله ما للمسلمين وعليه ما عليهم

٢٣٧ - حدثنا أبوأحمد محمد بن جعفر البندار قال: حدثنا أبوالعباس محمد بن محمد ابن جمهور(٣) الحمادي قال: حدثنا صالح بن محمد البغدادي(٦) قال: حدثنا العباس بن -

______________

(١) انتهك فلان الحرمة: تناولها بما لا يحل. وفلان فلانا نقض عرضه وذهب بحرمته. وفى بعض النسخ « انهتكوا » وهتك الله ستر الفاجر أي فضحه.

(٢) كذا وأخسيكت بالتاء المثناة أو الثاء المثلثة. من بلاد فرغانة وفى اللباب: الاخسيكثى - بفتح الهمزة وسكون الخاء المعجمة وكسر السين المهملة وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها وفتح الكاف وفى آخرها الثاء المثلثة هذه النسبة إلى اخسيكث.

(٣) كذا.

(٤) كذا أي قال كل واحد منهم: حدثنا.

(٥) قوله « دعوة ابراهيم » اشارة إلى قوله تعالى( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ - الاية) البقرة: ١٢٩. و « بشرى عيسى بن مريم » اشارة إلى قوله تعالى:( وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ) الصف: ٦. و « رأت أمي » يعنى ما رأته حين ولادته صلّى الله عليه وآله كما في المناقب ج ١ ص ٢٣.

(٦) راجع ترجمته مفصلا تاريخ بغداد ج ٩ ص ٣٢٢.

١٧٧

الوليد النرسي(١) قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا منصور بن سعد، عن ميمون بن سياه، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: من استقبل قبلتنا، و صلى صلاتنا، وأكل ذبيحتنا فله مالنا وعليه ما علينا.

ثلاثة أشياء كل واحد منها جزء من خمسة وأربعين جزءا من النبوة

٢٣٨ - حدثنا أبوأحمد محمد بن جعفر البندار قال: حدثنا أبوالعباس الحمادي قال: حدثنا صالح بن محمد البغدادي قال: حدثنا محمد بن بكار قال: حدثنا عبيدة ابن حميد قال: حدثنا قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: الهدى الصالح، والسمت الصالح(٢) ، والاقتصاد جزء من خمسة وأربعين جزءا من النبوة.

الايمان ثلاثة أشياء

٢٣٩ - حدثنا أبوأحمد محمد بن جعفر البندار قال: حدثنا أبوالعباس الحمادي قال: حدثنا محمد بن عمر بن منصور البلخي بمكة قال: حدثنا أبويونس أحمد بن محمد ابن يزيد بن عبدالله الجمحي قال: حدثنا عبد السلام بن صالح، عن علي بن موسى، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن علي بن - الحسين، عن الحسين بن علي، عن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: الايمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالاركان.

٢٤٠ - حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن بكر بن صالح الرازي، عن أبي الصلت الهروي قال: سألت الرضا عليه السلام عن الايمان فقال: الايمان عقد بالقلب

______________

(١) النرسى بفتح النون وسكون الراء بعدها سين مهملة. وهو عباس بن الوليد بن نصر النرسى ابو الفضل البصري.

(٢) الهدى - بفتح الهاء وسكون الدال -: الطريقة والسيرة. والسمت هيئة أهل الخير.

١٧٨

[ و ] لفظ باللسان [ و ] عمل بالجوارح، لا يكون الايمان إلا هكذا.

٢٤١ - أخبرنا سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي قال: حدثني علي بن - عبد العزيز، ومعاذ بن المثنى قالا: حدثنا عبد السلام بن صالح الهروي قال: حدثنا علي بن موسى الرضا، عن أبيه موسى، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: الايمان معرفة بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالاركان.

٢٤٢ - حدثنا حمزة بن محمد بن أحمد العلوي رضي الله عنه قال: حدثنا أبوالحسن علي بن محمد البزاز قال: حدثنا أبوأحمد داود بن سليمان الغازي قال: حدثني علي ابن موسى الرضا عليهما السلام قال: حدثني أبي موسى بن جعفر قال: حدثني أبي جعفر ابن محمد قال: حدثني أبي محمد بن علي الباقر قال: حدثني أبي علي بن الحسين قال: حدثني أبي الحسين بن علي قال: حدثني أبي أميرالمؤمنين عليهم السلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: الايمان إقرار باللسان ومعرفة بالقلب وعمل بالاركان.

قال حمزة بن محمد رضي الله عنه وسمعت عبد الرحمن بن أبي حاتم يقول: سمعت أبي يقول: وقد روى هذا الحديث عن أبي الصلت الهروي عبد السلام بن صالح، عن علي ابن موسى الرضا عليهما السلام باسناد مثله. قال أبوحاتم: لو قرء هذا الاسناد على مجنون لبرأ.

ثلاثة لا يدخلون الجنة

٢٤٣ - حدثنا أبوالعباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه قال: حدثنا أبومحمد يحيى بن محمد بن صاعد بمدينة السلام قال: حدثنا إبراهيم بن - جميل قال: حدثنا معتمر بن سليمان قال: قرأت على فضيل بن ميسرة، عن أبي جرير أن أبا بردة حدثه، عن أبي موسى الاشعري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: ثلاثة لا يدخلون الجنة مدمن خمر، ومدمن سحر، وقاطع رحم. ومن مات مدمن خمر سقاه الله عزّوجلّ من نهر الغوطة، قيل: وما نهر الغوطة؟ قال: نهر يجري من فروج المومسات(١) يؤذي

______________

(١) المومسة: الفاجرة.

١٧٩

أهل النار ريحهن.

٢٤٤ - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبدالله، عن أحمد بن - أبي عبدالله، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن بعض رجاله، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: ثلاثة لا يدخلون الجنة: السفاك للدم، وشارب الخمر، ومشاء بنميمة.

فيمن مات له ثلاثة أولاد

٢٤٥ - أخبرنا الخليل بن أحمد قال: أخبرنا المخلدي(١) قال: حدثنا يونس ابن عبد الاعلى قال: حدثنا عبدالله بن وهب قال: حدثني عمرو بن الحارث أن أبا عشانة المعافري(٢) حدثه أنه سمع عقبة بن عامر يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: من ثكل ثلاثة من صلبه فاحتسبهم على الله عزّوجلّ وجبت له الجنة.

ثواب ثلاث خصال: اسباغ الوضوء وافشاء السلام وصدقة السر

٢٤٦ - حدثنا أبوالحسن محمد بن عمرو بن علي البصري قال: حدثنا أبوعبدالله عبد السلام بن محمد بن هارون بن الفضل بن العباس بن علي بن عبدالله بن العباس بن - عبدالله المأمون بن هارون الرشيد بن موسى الهادي(٣) بن محمد المهدي بن عبدالله المنصور ابن محمد بن علي بن عبدالله بن العباس قال: حدثنا محمد بن محمد بن عقبة الشيباني(٤) قال: حدثنا أبوالقاسم الخضر بن أبان، عن أبي هدية إبراهيم بن هدية البصري(٥) عن أنس

______________

(١) الظاهر هو بقى بن المخلد. وفى بعض النسخ « الخلدى ».

(٢) ابو عشانة المعافرى هو حى بن يؤمن بن حجيل بن جريج المصرى ثقة من أحبار اليمن توفى سنة ١١٨.

(٣) كذا. واشتبه على الراوى فان موسى الهادى هو اخو هارون وانما أبوه هو المهدى.

(٤) كذا.

(٥) بالياء المثناة التحتانية على ما في نسخ الخصال، لكن في نسخة الوسائل هدبة بضم الهاء وسكون الدال بعدها باء موحدة وهو والخضر بن أبان عنونهما الخطيب في التاريخ ولم أجد راويه محمد بن محمد بن عقبة. ولعله محمد بن عقبة الشيباني أبوجعفر الطحان.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496