الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٨

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل12%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 496

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 496 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 237306 / تحميل: 7569
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٨

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

سُلْطانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (٤٢) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٣) لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (٤٤) )

التّفسير

خلق الإنسان :

بعد ذكر خلق نماذج من مخلوقات الله في الآيات السابقة ، تأتي هذه الآيات لتبيّن أن الهدف الأساسي من إيجاد كل الخليقة إنّما هو خلق الإنسان. وتتطرق الآيات إلى جزئيات عديدة في شأن الخلق ، زاخرة بالمعاني.

وقبل الدخول في بحوث مفصلة حول بعض المسائل التي ذكرت في الآيات المباركات نشرع بتفسير إجمالى

يقول تعالى في البداية :( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) ، «الصلصال» هو التراب اليابس الذي لو اصطدم به شيء أحدث صوتا و «الحمأ المسنون» هو طين متعفن.

( وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ ) .

«السّموم» لغة : الهواء الحارق ، وسمّي بالسموم لأنّه يخترق جميع مسامات بدن الإنسان ، وكذلك يطلق على المادة القاتلة (السم) لأنّها تنفذ في بدن الإنسان وتقتله.

ثمّ يعود القرآن الكريم إلى خلق الإنسان مرّة أخرى فيتعرض إلى كلام الله تعالى مع الملائكة قبل خلق الإنسان :( وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ) وهي روح شريفة طاهرة جليلة( فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ ) .

وبعد أن تمّ خلق الإنسان من الجسم والروح المناسبين( فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ) .

٦١

ولم يعص هذا الأمر إلّا إبليس :( إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ) .

وهنا سأل الله إبليس :( قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ) .

فأجاب إبليس بعد أن كان غارقا في بحر الغرور المظلم ، وتائها في حب النفس المقتم، وبعد أن غطى حجاب الخسران عقله أجاب بوقاحة( قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) فأين النّار المضيئة من التراب الأسود المتعفن! وهل لموجود شريف مثلي أن يتواضع ويخضع لموجود أدنى منه! أيّ قانون هذا؟!

ونتيجة للغرور وحب النفس ، فقد جهل أسرار الخليقة ، ونسي بركات التراب الذي هو منبع كل خير وبركة ، والأهم من ذلك كله فقد تجاهل شرافة تلك الروح التي أودعها الرّب في آدم وكنتيجة طبيعية لهذا السلوك المنحرف فقد هوى من ذلك المقام المرموق بعد أن أصبح غير لائق لأن يكون في درجة الملائكة وبين صفوفهم ، فجاء الأمر الإلهي مقرعا :( قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ) ، أي أخرج من الجنّة ، أو من السماوات أو اخرج من بين صفوف الملائكة.

واعلم يا إبليس بأنّ غرورك أصبح سببا لكفرك ، وكفرك قد أوجب طردك الأبدي( وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ ) أي ، إلى يوم القيامة.

وهنا حينما وجد إبليس نفسه مطرودا من الساحة الإلهية ، ساوره إحساس بأنّ خلق الإنسان هو سبب شقائه فاشتعلت نار الحقد والضغينة في قلبه لينتقم لنفسه من أولاد آدمعليه‌السلام .

فبالرغم من أنّ السبب الحقيقي يرجع إلى إبليس نفسه وليس لآدم دخل في ذلك ، إلّا أن غروره وحبّه لنفسه وعناده المستحكم لم يعطياه الفرصة لدرك حقيقة شقاءه ، ولهذا( قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) ، ليركز عناده وعداءه!

وقبل الله تعالى طلبه :( قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ ) .

ولكن ليس إلى يوم يبعثون كما أراد ، بل( إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ) . فما هو

٦٢

يوم الوقت المعلوم؟

قال بعض المفسّرين : هو نهاية هذا العالم وانتهاء التكليف ، لأنّ بعد ذلك (كما يفهم من ظاهر الآيات القرآنية) تحلّ نهاية حياة جميع الكائنات ، ولا يبقى حي إلّا الذات الإلهية المقدسة ، ومن هذا نفهم حصول الموافقة على بعض طلب إبليس.

وقال بعض آخر : هو زمان معين لا يعلمه إلّا الله ، لأنّه لو أظهرهعزوجل لكان لإبليس ذريعة في المزيد من التمرد والمعاصي.

وثمة من قال : إنّه يوم القيامة ، لأنّ إبليس أراد أن يكون حيا إلى ذلك اليوم ليكون بذلك من الخالدين في الحياة ، وإن يوم الوقت المعلوم قد ورد بمعنى يوم القيامة في سورة الواقعة (الآية) ، وهو ما يعزز هذا القول.

ويبدو أن هذا الاحتمال بعيد جدا لأنه يتضمن الموافقة الإلهية على كل طلب إبليس، والحال أن ظاهر الآيات المذكورة لا تعطي هذا المعنى ، فلم تبيّن الآيات أن الله استجاب لطلبه بالكامل ، بل يوم الوقت المعلوم ومن هنا يكون التّفسير الأوّل أكثر توافقا مع روح وظاهر الآية ، وكذلك ينسجم مع بعض الرّوايات عن الإمام الصّادقعليه‌السلام بهذا الخصوص(١) .

وهنا أظهر إبليس نيته الباطنية( قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي ) وكان هذا الإنسان سببا لشقائي( لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ ) نعمها المادية( وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ) بإلهائهم بتلك النعم.

إلّا أنّه يعلم جيدا بأن وساوسه سوف لن تؤثر في قلوب عباد الله المخلصين ، وأنّهم متحصنون من الوقوع في شباكه ، لأنّ قوة الإيمان ودرجة الإخلاص عندهم بمكان يكفي لدرء الخطر عنهم بتحطيم قيود الشيطان عن أنفسهم ولهذا نراه قد استثنى في طلبه( إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) .

__________________

(١) نور الثقلين ، ج ٣ ، ص ١٣ ، الحديث ٤٥.

٦٣

من البديهي أنّ الله سبحانه منزّه عن تضليل خلقه ، إلّا أنّ محاولة إبليس لتبرير ضلاله وتبرئة نفسه جعلته ينسب ذلك إلى الله سبحانه وتعالى. هذا الموقف هو ديدن جميع الأبالسة والشياطين ، فهم يلقون تبعة ذنوبهم على الآخرين أوّلا ومن ثمّ يسعون لتبرير أعمالهم القبيحة بمنطق مغلوط ثانيا ، والمصيبة أن مواقفهم تلك إنّما يواجهون بها ربّ العزة والجبروت ، وكأنّهم لا يعلمون أنّه لا تخفى عليه خافية.

وينبغي ملاحظة أن «المخلصين» جمع مخلص (بفتح اللام) وهو ـ كما بيّناه في تفسير سورة يوسف ـ المؤمن الذي وصل إلى مرحلة عالية من الإيمان والعمل بعد تعلم وتربية ومجاهدة مع النفس ، فيكون ممتنعا من نفوذ وساوس الشيطان وأيّ وسواس آخر.

ثمّ قال تعالى تحقيرا للشيطان وتقوية لقلوب العباد المؤمنين السالكين درب التوحيد الخالص :( قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ ) .

يعني ، يا إبليس ليس لك القدرة على إضلال الناس ، لكن الذين يتبعونك إن هم إلّا المنحرفين عن الصراط المستقيم والمستجيبين لدواعي رغباتهم وميولهم.

وبعبارة أخرى إنّ الإنسان حر الإرادة ، وإنّ إبليس وجنوده لا يقوون على أن يجبروا إنسانا واحدا على السير في طريق الفساد والضلال ، لكنّه الإنسان هو الذي يلبي دعوتهم ويفتح قلبه أمامهم ويأذن لهم في الدخول فيه!

وخلاصة القول : إنّ الوساوس الشيطانية وإن كانت لا تخلو من أثر في تضليل وانحراف الإنسان ، إلّا أنّ القرار الفعلي للانصياع للوساوس أو رفضها يرجع بالكامل إلى الإنسان ، ولا يستطيع الشيطان وجنوده مهما بلغوا من مكر أن يدخلوا قلب إنسان صاحب إرادة موجهة صوب الإيمان المخلص.

وأراد الله سبحانه بهذا القول نزع الخيال الباطل والغرور الساذج من فكر

٦٤

الشيطان من أنّه سيجد سلطة فائقة على الناس وبلا منازع ، يمكنه من خلالها إغواء من يريد.

ثمّ يهدد الله بشدّة أتباع الشيطان :( وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ ) وأن ليس هناك وسيلة للفرار ، والكل سيحاسب في مكان واحد.

( لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ ) .

هي أبواب للذنوب التي يدخلون جهنم بسببها ، وكل يحاسب بذنبه كما هو الحال في أبواب الجنّة التي هي عبارة عن طاعات وأعمال صالحة ومجاهدة للنفس يدخل بها المؤمنون الجنّة.

* * *

بحوث

١ ـ التكبر والغرور من المهالك العظام :

المستفاد تربويا من قصة إبليس في القرآن هو أن الكبر والغرور من الأسباب الخطيرة في عملية الانهيار والسقوط من المكانة المحترمة الوسيط المرموقة إلى مدارك الدون والخسران.

فكما هو معلوم أنّ إبليس لم يكن من الملائكة (كما تشير إلى ذلك الآية الخمسون من سورة الكهف) إلّا أنّه ارتقى الدرجات العلا ونال شرف العيش بين صفوف الملائكة نتيجة لطاعته السابقة للهعزوجل ، حتى أنّ البعض قال عنه : إنّه كان معلما للملائكة ، ويستفاد من الخطبة القاصعة في (نهج البلاغة) أنّه عبد اللهعزوجل آلاف السنين.

لكن شراك التعصب الأعمى وعبادة هوى النفس المهلك قد أدّيا الى خسرانه كل ذلك في لحظة تكبر وغرور.

بل إنّ حب الذات والغرور والتعصب والتكبر قد جعلته يستمر في موقفه

٦٥

المريض ويوغل قدمه في وحل الإصرار على الإثمّ والسير المتخبط في جادة العناد ، فنسي أو تناسى ما للتوبة والاستغفار من أثر إيجابي ، حتى دعته الحال لأن يشارك كل الظلمة والمذنبين من بني آدم في جرائمهم وذنوبهم بوسوسته لهم وبات عليه أن يتحمل نصيبه من عذاب الجميع يوم الفزع الأكبر.

وليس إبليس فحسب ، بل إنّ التأريخ يحدثنا عن أصحاب النفوس المريضة ممن ركبهم الغرور والكبر فعاثوا في الأرض فسادا بعد أن غطت العصبية رؤاهم ، وحجب الجهل بصيرتهم، وسلكوا طريق الظلم والاستبداد وسادوا على الرقاب بكل جنون فهبطوا إلى أدنى درجات الرذيلة والانحراف عن الطريق القويم.

إنّ هاتين السمتين الأخلاقيتين (التكبر والغرور) في الواقع نار رهيبة محرقة. فكما أن من صرف وطرأ من عمره في بناء وتأنيث دار ، لربّما في لحظات معدودات يتحول إلى هباء منثور بسبب شرارة صغيرة فالتكبر والغرور يفعل فعل النّار في الحطب ولا تنفع معه تلك السنين المعمورة بالطاعة والبناء.

فأيّ درس أنطق من قصة إبليس وأبلغ؟!

إنّ إبليس قد اختلطت عليه معاني الأشياء فراح يضع المعاني حسب تصوراته الخادعة المحدودة ولم يدرك أن النّار ليست أفضل وأشرف من التراب ، والتراب مصدر جميع البركات كالنباتات والحيوانات والمعادن وهو محل حفظ المياه ، وبعبارة اشمل هو منبع وأصل كل الكائنات الحية ، وما عمل النّار إلّا الإحراق وكثيرا ما تكون مخربة ومهلكة.

ويصف أمير المؤمنينعليه‌السلام إبليس بأنّه «عدو لله ، إمام المتعصبين وسلف المستكبرين» ثمّ يقول : «ألا ترون كيف صغّره الله بتكبره ووضعه بترفعه ، فجعله في الدنيا مدحورا وأعد له في الآخرة سعيرا»(١) .

__________________

(١) نهج البلاغة ، من الخطبة ١٩٢.

٦٦

وكما أشرنا سابقا أنّ إبليس كان أوّل من وضع أسس مذهب الجبر الذي ينكره وجدان أي إنسان. حيث أنّ الدافع المهم لأصحاب هذا المذهب تبرئة ساحة المذنبين من أعمالهم المخالفة لشرع الله ، وكما قرأنا في الآيات مورد البحث من أنّ إبليس تذرع بتلك الكذبة الكبيرة لأجل تبرئة نفسه ، وأنّه على حق في إضلاله لبني آدم حين قال :( رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ) .

٢ ـ على من يتسلط الشيطان؟

نرى من الضروري أن نكرر القول بأنّ نفوذ الوساوس الشيطانية في قلب الإنسان لا تأتي فجأة أو إجبارا ، وإنما بوجود الرغبة الكافية عند الإنسان بفسح المجال أمام دخول الوساوس إلى دواخله ، وعلى هذا فالشيطان يعلم تماما بأن ليس له سبيل على المخلصين الذين طهّروا أنفسهم في ظل التربية الخالصة من الشوائب والأدران وغسلوا قلوبهم من صدأ الشرك والضلال. وبتعبير القرآن الكريم إنّ رابطة الشيطان مع الضالين هي رابطة التابع والمتبوع وليس رابطة المجبر والمجبور.

٣ ـ أبواب جهنم!

قرأنا في الآيات مورد البحث أن لجهنم سبعة أبواب (وليس بعيدا أن يكون ذكر العدد في هذا المورد للكثرة كما ورد هذا العدد في الآية السابعة والعشرين من سورة لقمان بهذا المعنى أيضا).

ومن الواضح أنّ تعدد أبواب جهنم (كما هو تعدد أبواب الجنّة) لم يكن لتسهيل أمر دخول الواردين نتيجة لكثرتهم ، بل هي إشارة إلى الأسباب والعوامل المتعددة التي تؤدي لدخول الناس في جهنم ، وأنّ لكل من هذه الذنوب باب معين

٦٧

يؤدي إلى مدركه.

ففي نهج البلاغة : «إنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة فتحه الله لخاصّة أوليائه»(١) ، وفي الحديث المعروف : «إن السيوف مقاليد الجنّة» فهذه التعبيرات تبيّن لنا بوضوح ما المقصود من تعدد أبواب الجنّة والنّار.

وثمة نكتة لطيفة في ما روي عن الإمام الباقرعليه‌السلام : «إنّ للجنة ثمانية أبواب»(٢) ،في حين أن الآيات تذكر أن لجهنم سبعة أبواب ، وهذا الاختلاف في العددين إشارة إلى أنّه مع كثرة أبواب العذاب والهلاك إلّا أن أبواب الوصول إلى السعادة والنعيم أكثر ، (وقد تحدثنا عن ذلك في تفسير الآية الثّالثة والعشرين من سورة الرعد).

٤ ـ (الحمأ المسنون) و (روح الله) :

يستفاد من الآيات أن خلق الإنسان تمّ بشيئين متغايرين ، أحدهما في أعلى درجات الشرف والآخر في أدنى الدرجات (بقياس ظاهر القيمة).

فالطين المتعفن خلق منه الجانب المادي منه الإنسان ، في حين جانبه الروحي والمعنوي خلق بشيء سمي (روح الله).

وبديهي أنّ الله سبحانه منزّه عن الجسيمة وليس له روح ، وإنّما أضيف الروح إلى لفظ الجلالة لإضفاء التشريف عليها وللدلالة على أنّها روح ذات شأن جليل قد أودعت في بدن الإنسان ، بالضبط كما تسمّى الكعبة (بيت الله) لجلالة قدرها ، وشهر رمضان المبارك (شهر الله) لبركته.

ولهذا السبب نرى أن الخط التصاعدي الإنسان يتساهى في العلو حتى يصل الى أن لا يرى سوى اللهعزوجل ، وخط تسافله من الانحطاط حتى يركد في

__________________

(١) نهج البلاغة ، الخطبة ٢٧.

(٢) الخصال للشيخ الصدوق ـ باب الثمانية.

٦٨

أدنى مرتبة من الحيوانات( بَلْ هُمْ أَضَلُ ) وهذا البون الشاسع بين الخطين التصاعدي والتنازلي بحد ذاته دليل على الأهمية الاستثنائية لهذا المخلوق.

إنّ شرف مقام الإنسان وتكريمه يأتي من خلال هذا التركيب الخاص ، ولكن ليس بفضل جنبته المادية لأنّه ليس سوى (حمأ مسنون) وإنّما بفضل الروح الإلهية المودعة فيه ، بما تحمل من استعدادات ولياقة لأن تكون منعكسا للأنوار الإلهية ، تلك الأنوار التي استمد منها الإنسان شرف قدره ومقامه ولا سبيل لتكامل الإنسان إلّا ببنائه الروحي ووضع بعده المادي في خدمة طريق التكامل والوصول لساحة رضوانه جل شأنه.

والمستفاد من الآيات المتعلقة بخلق آدم في أوائل سورة البقرة أنّ مسألة سجود الملائكة لآدم ، كان لما أودع فيه من العلم الإلهي الخاص.

وقد أجبنا على سؤال : كيف يصحّ السجود لغير الله؟ وهل أنّ سجود الملائكة كان في حقيقة للهعزوجل لأجل هذا الخلق العجيب؟ أم كان لآدم؟ في تفسير الآيات المتعلقة بخلق آدم سورة البقرة.

٥ ـ ما هو الجان؟

إنّ كلمة (الجن) في الأصل بمعنى : الشيء الذي يستر عن حس الإنسان ، فمثلا نقول (جنّه الليل) أو (فلما جنّ عليه الليل) أي عند ما غطته ستارة الليل السوداء ، ويقال (مجنون) لمن فقد عقله أي ستر ، و (الجنين) للطفل المستور في رحم أمّه ، و (الجنّة) للبستان الذي تغطي أشجاره أرضه ، و (الجنان) للقلب الذي ستر داخل صدر الإنسان، و (الجنّه) للدرع الذي يحمي الإنسان من ضربات الأعداد.

والمستفاد من آيات القرآن أن «الجنّ» نوع من الموجودات العاقلة قد سترت عن حس الإنسان ، وخلقت من النّار ، أو من مارج من نار ، أي من صافي

٦٩

شعلتها ، وإبليس من هذا الصنف.

وقد عبّر بعض العلماء عن الجن بأنّها : نوع من الأرواح العاقلة المجردة من المادة (وواضح أن تجردها ليس كاملا ، فما يخلق من المادة فهو مادي ، ولكن يمكن أن يكون نصف تجرد لأنه لا يدرك بحواسنا ، وبتعبير آخر : إنّه نوع من الجسم اللطيف).

ويستفاد من الآيات القرآنية أيضا أنّ الجن فيهم المؤمن المطيع والكافر العاصي ، وأنّهم مكلفون شرعا ، ومسئولون.

ومن الطبيعي أنّ شرح هذه الأمور ومسألة انسجامها مع العلم الحديث يتطلب منا بحثا مطولا ، وسنتناوله إن شاء الله في تفسير سورة الجن.

وممّا ينبغي الإشارة إليه في هذا الصدد أنّ كلمة «الجان» الواردة في الآيات مورد البحث هي من مادة (الجن) ولكن هل ترمزان إلى معنى واحد؟ فقد ذهب بعض المفسّرين إلى أن الجان نوع خاص من الجن ، ولكننا لا نرى ذلك.

فلو جمعنا الآيات القرآنية الواردة بهذا الشأن مع بعضها البعض لا تضح أن كلا المعنيين واحد ، لأن الآيات القرآنية وضعت «الجن» في قبال الإنسان تارة ، ووضعت «الجان» تارة أخرى.

فمثلا نقرأ في الآية (٨٨) من سورة الإسراء( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُ ) .

وفي بعض الآية (٥٦) من سورة الذاريات( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) .

في حين نقرأ في الآية (١٥) من سورة الرحمن( خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ ) .

وفي الآية (٣٩) من نفس السورة( فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ ) .

فمن مجموع الآيات أعلاه والآيات القرآنية الأخرى يستفاد بوضوح أن الجنّ والجان لفظان لمعنى واحد ، ولهذا وردت في الآيات السابقة كلمة «الجن»

٧٠

في مقابل الإنسان ، وكذا الحال بالنسبة «للجان».

وينبغي التنويه إلى أن القرآن الكريم قد ذكر «الجان» ويريد به نوعا من الأفاعي كما جاء في قصة موسىعليه‌السلام ( كَأَنَّها جَانٌ ) في سورة القصص ـ ٣١ ، إلّا أنّ ذلك خارج نطاق بحثنا.

٦ ـ القرآن وخلق الإنسان :

شاهدنا في الآيات الأنفة أن القرآن قد تناول مسألة خلق الإنسان بشكل مختصر ومكثف تقريبا ، لأنّ الهدف الأساسي من التناول هو الجانب التربوي في الخلق ، وورد نظير ذلك في أماكن أخرى من القرآن ، كما في سورة السجدة ، والمؤمنون ، وسورة ص ، وغيرها.

وبما أنّ القرآن الكريم ليس كتابا للعلوم الطبيعية بقدر ما هو كتاب حياة الإنسان يرسم له فيه أساليب التربية وأسس التكامل. فلا ينتظره منه أن يتناول جزئيات هذه العلوم من قبيل تفاصيل : النمو ، التشريح ، علم الأجنّة ، علم النبات وما شابه ذلك ، إلّا أنّه لا يمنع من أن يتطرق بإشارات مختصرة إلى قسم من هذه العلوم بما يتناسب مع البحث التربوي المراد طرحه.

بعد هذه المقدمة نشرع بالموضوع من خلال بحثين :

١ ـ التكامل النوعي من الناحية العلمية.

٢ ـ التكامل النوعي وفق المنظور القرآني.

في البدء ، نتناول البحث الأوّل وندرس المسألة وفق المقاييس الخاصة للمعلوم الطبيعية بعيدا عن الآيات والرّوايات :

ثمة فرضيتان مطروحتان في أوساط علماء الطبيعة بشأن خلق الكائنات الحية بما فيها الحيوانات والنباتات :

ألف : فرضية تطوّر الأنواع (ترانسفورميسم) والتي تقول : إنّ الكائنات الحية

٧١

لم تكن في البداية على ما هي عليه الآن ، وإنّما كانت على هيئة موجودات ذات خلية واحدة تعيش في مياه المحيطات ، وظهرت بطفرة خاصة من تعرقات طين أعماق البحار.

أيّ أنّها كانت موجودات عديمة الروح ، وقد تولدت منها أوّل خلية حية نتيجة لظروف خاصّة.

وهذه الكائنات الحية لصغرها لا ترى بالعين المجرّدة وقد مرت بمراحل التكامل التدريجي وتحولت من نوع إلى آخر.

وتمّ انتقالها من البحار إلى الصحاري ومنها إلى الهواء فتكونت بذلك أنواع النباتات والحيوانات المائية والبرية والطيور.

وإن أكمل مرحلة وأتمّ حلقه لهذا التكامل هو الإنسان الذي نراه اليوم ، الذي تحول من موجودات تشبه القرود إلى القرود التي تشبه الإنسان ثمّ وصل إلى صورته الحالية.

ب ـ فرضية ثبوت الأنواع (فيكنسيسم) ، والتي تقول : إنّ أنواع الكائنات الحية منذ بدايتها وما زالت تحمل ذات الأشكال والخواص ، ولم يتغير أيّ من الأنواع إلى نوع آخر، ومن جملتها الإنسان فكان له صورته الخاصّة به منذ بداية خلقه.

وقد كتب علماء كلا الفريقين بحوثا مطولة لإثبات عقيدتهم ، وجرت مناظرات ومنازعات كثيرة في المحافل العلمية حول هذه المسألة ، وقد اشتد النزاع عند ما عرض كل من (لامارك) العالم الفرنسي المعروف المتخصص بعلوم الأحياء والذي عاش بين أؤخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر ، و (داروين) عالم الأحياء الإنكليزي الذي عاش في القرن التاسع عشر نظراتهما في مسألة تطوّر الأنواع بأدلة جديدة.

وممّا ينبغي التنوية إليه ، هو أنّ معظم علماء اليوم يميلون إلى فريضة تطوّر أو

٧٢

تكامل الأنواع هذه خصوصا في محافل العلوم الطبيعية.

أدلة القائلين بالتكامل :

يمكننا تلخيص أدلتهم بثلاثة أقسام :

الأوّل : الأدلة المأخوذة من الهياكل العظيمة المتحجرة للكائنات الحيّة القديمة فإن الدراسات لطبقات الأرض المختلفة (حسب اعتقادهم) تظهر أن الكائنات الحيّة قد تحولت من صور بسيطة إلى أخرى أكمل وأكثر تعقيدا ، ولا يمكن تفسير ما عثر عليه من متحجرات الكائنات الحية إلّا بفرضية التكامل هذه.

الثّاني : مجموع القرائن التي جمعت في (التشريح المقارن).

ويؤكّد هؤلاء العلماء عبر بحوثهم المطولة المفصلة : إنّنا عند ما نشرّح الهياكل العظيمة للحيوانات المختلفة ونقارنها فيما بينها ، نجد أن ثمّة تشابها كبيرا فيما بينها ، ممّا يشير إلى أنّها جاءت من أصل واحد.

الثّالث : مجموع القرائن التي حصل عليها من (علم الأجنّة).

فيقولون : إنّنا لو وضعنا جميع الحيوانات في حالتها الجنينية ـ قبل أن تأخذ شكلها الكامل ـ مع بعضها ، فسنرى أنّ الأجنّة قبل أن تتكامل في رحم أمهاتها أو في داخل البيوض تتشابه إلى حد كبير وهذا ما يؤكّد على أنّها قد جاءت في الأصل من شيء واحد.

أجوبة القائلين بثبوت الأنواع :

إلّا أن القائلين بفرضية ثبوت الأنواع لديهم جواب واحد لجميع أدلة القائلين بالتكامل وهو : أن القرائن المذكورة لا تملك قوّة الإقناع ، والذي لا يمكن إنكاره أن الأدلة الثلاثة توجد في الذهن احتمالا ظنيا لمسألة التكامل ، إلّا أنّها لا تقوى أن تصل إلى حال اليقين أبدا.

٧٣

وبعبارة أوضح : إنّ إثبات فرضية التكامل وانتقالها من صورة فرض علمي إلى قانون علمي قطعي إمّا أن يكون عن طريق الدليل العقلي ، أو عن طريق الحس والتجربة والإختيار ، ولا ثالث لها.

أمّا الأدلة العقلية والفلسفية فليس لها طريق إلى هذه المسائل كما نعلم ، وأما يد التجربة والإختيار فأقصر من أن تمتد إلى مسائل قد امتدت جذورها إلى ملايين السنين.

إنّ ما ندركه بالحس والتجربة لا يتعدى بعض الحالات السطحية ، ولفترة زمنية متباعدة ، على شكل طفرة وراثية (موتاسيون) في كل من الحيوان والنبات.

فمثلا نرى أحيانا في نسل الأغنام العادية ولادة مفاجئة لخروف ذي صوف يختلف عن صوف الخراف العادية ، فيكون أنعم وأكثر لينا من العادية بكثير ، فيكون بداية لظهور نسل جديد يسمّى (أغنام مرينوس).

أو أنّ حيوانات تحصل فيها الطفرة الوارثية فيتغير لون عيونها أو أظفارها أو شكل جلودها وما شابه ذلك لكنّه لم يشاهد لحدّ الآن طفرة تؤدي إلى حصول تغيير مهم في الأعضاء الأصلية لبدن أيّ حيوان ، أو يتبدل نوع منها إلى نوع آخر.

بناء على ذلك يمكننا أن نتخيل أنّ نوعا من الحيوان يتحول إلى نوع آخر بطريق تراكم الطفرة الوراثية ، كأن تتحول الزواحف الى طيور ولكنّ ذلك ليس سوى حدس ومجرّد تخيل لا غير ، ولم نر الطفرات الوارثية قد غيرت عضوا أصليا لحيوان ما إلى صورة أخرى.

نخلص ممّا تقدم إلى النتيجة التالية : إن الأدلة التي يطرحها أنصار فرضية (الترانسفورميسم) لا تتجاوز كونها فرضا لا غير ، لذا نرى أنصارها يعبرون عنها ب (فرضية تطوّر الأنواع) ولم يجرأ أيّ منهم من تسميتها بالقانون أو الحقيقة العلمية.

٧٤

نظرية التكامل و.. الإيمان بالله :

الكثير ممّن يحاولون تصوير نوع من التضاد بين هذه الفرضية ومسألة الإيمان بالله ، ولعل الحق يعطى لهم من جهة ، حيث أنّ العقيدة الداروينية في واقعها قد أوجدت حربا شعواء بين أصحاب الكنيسة من جانب ومؤيدي داروين من جانب آخر ، حتى وصل الصراع ذروته بين الطرفين في تلك الفترة بعد ما لعب الظرف السياسي وكذا الاجتماعي دورهما (ممّا لا يسع المجال لشرح ذلك هنا) ، فكانت النتيجة أن اتهم أصحاب الكنيسة الداروينية بأنّها لا تنسجم مع الإيمان بالله.

وقد كشفت الأيّام عن عدم وجود تضاد بين الأمرين ، فإنّنا سواء قبلنا بفرضية التكامل أو نفيناها لفقدانها الدليل ، فلا يمنع من الإيمان بالله بكلا الاحتمالين.

فإذا قبلنا بالفرضية فلكونها قانونا علميا مبنيا على العلة والمعلول ، ولا فرق في العلاقة بين العلة والمعلول في عالم الكائنات الحية وبقية الموجودات ، فهل يعتبر اكتشاف العلل الطبيعية من قبيل نزول الأمطار ، المد والجزر في البحار ، الزلازل وما شابهها ، مانعا من الإيمان بالله؟ الجواب بالنفي قطعا. إذن فاكتشاف وجود رابطة وعلاقة تكاملية بين أنواع الموجودات الحية لا يؤدي إلى تعارض مع مسألة الإيمان بالله كذلك.

إذن ، فالأشخاص الذين يتصورون أن كشف العلل الطبيعية ينافي الإيمان بوجود الله هم الذين يذهبون هذا المذهب وإلّا فإنّ كشف هذه العلل ليس ـ فقط ـ لا يتعارض مع التوحيد ، وإنّما سيعطينا أدلة جديدة من عالم الخليقة لإثبات وجوده سبحانه وتعالى.

وممّا ينبغي ذكره : أنّ داروين قد تبرأ من تهمة الإلحاد وصرح في كتابه (أصل الأنواع) قائلا : إنّني مع قبولي لتكامل الأنواع فإنّي اعتقد بوجود الله ، وأساسا فإنّه

٧٥

بدون الاعتقاد بوجود الله لا يمكن توجيه مسألة التكامل.

وقد كتب عن داروين بما نصه : (إنّه بقي مؤمنا بالله الواحد رغم قبوله بالعلل الطبيعية في ظهور الأنواع المختلفة من الأحياء ، وقد كان إحساسه بوجود قدرة ما فوق البشر يشتد في أعماقه كلما تقدم في السن ، معتبرا أن لغز الخلق يبقى لغزا محيرا للإنسان)(١) .

كان يعتقد أن توجيه هذا التكامل النوعي المعقد والعجيب ، وتحويل كائن حي بسيط جدّا إلى كل هذه الأنواع المختلفة من الأحياء لا يتمّ إلّا بوجود خطة دقيقة يضعها ويسيرها عقل كلي.

وهو كذلك إذ كيف يمكن إيجاد كل هذه الأنواع العجيبة والمحيرة والتي لكل منها تفصيلات وشؤون واسعة ، من مادة واحدة بسيطة جدا وحقيرة كيف يمكن ذلك بدون الاستناد على علم وقدرة مطلقين؟!

النتيجة : إنّ الضجّة المفتعلة في وجود تضاد بين عقيدة التكامل النوعي وبين مسألة الإيمان بالله إنّما هي بلا أساس وفاقدة للدليل (سواء قبلنا بالفرضية أو لم نقبلها).

تبقى أمامنا مسألة جديرة بالبحث وهي : هل أنّ فرضية تطور الأنواع تتعارض مع ما ذكره القرآن حول قصة خلق آدم ، أو لا؟

القرآن ومسألة التكامل :

الجدير بالذكر أن كلّا من مؤيدي ومنكري فرضية التكامل النوعي ـ نعني المسلمين منهم ـ قد استدل بآيات القرآن الكريم لإثبات مقصوده ، ولكنّهما في بعض الأحيان وتحت تأثير موقفهما قد استدلا بآيات لا ترتبط بمقصودهما إلّا من

__________________

(١) الداروينية ، تأليف محمود بهزاد ، الصفحة ٧٥ و ٧٦.

٧٦

بعيد ، ولذلك سنتطرق إلى الآيات القابلة للبحث والمناقشة.

أهم آية يتمسك بها مؤيد والفرضية ، الآية الثّالثة والثلاثون من سورة آل عمران( إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ ، وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ) .

فيقولون : كما أنّ نوحا وآل إبراهيم وآل عمران كانوا يعيشون ضمن أممهم فاصطفاهم الله من بينهم فكذلك آدم ، أي ينبغي أنّه كان في عصره وزمانه أناس باسم «العالمين» فاصطفاه الله من بينهم ، وهذا يشير إلى أن آدم لم يكن أوّل إنسان على وجه الأرض ، بل كان قبله أناس آخرون ، ثمّ امتاز آدم من بينهم بالطفرة الفكرية والروحية فكانت سببا لاصطفائه من دونهم.

هذا وذكروا آيات أخر ولكنّها من حيث الأصل لا ترتبط بمسألة البحث ، ولا يعدو تفسيرها بالتكامل أن يكون تفسيرا بالرأي ، وبالبعض الآخر مع كونه ينسجم مع التكامل النوعي إلّا أنّه ينسجم مع الثبوت النوعي والخلق المستقل لآدم كذلك ، ولهذا ارتأينا صرف النظر عنها.

أمّا ما يؤخذ على هذا الاستدلال فهو أنّ كلمة «العالمين» إن كانت بمعنى الناس المعاصرين لآدمعليه‌السلام وأنّ الاصطفاء كان من بينهم ، كان ذلك مقبولا ، أمّا لو اعتبرنا «العالمين» أعم من المعاصرين لآدم ، حيث تشمل حتى غير المعاصرين ، كما روي في الحديث المعروف عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في فضل فاطمةعليها‌السلام حيث قال : «أمّا ابنتي فاطمة فهي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين» ، ففي هذه الحال سوف لا تكون لهذه الآية دلالة على مقصودهم ، وهو شبيه بقول قائل : إنّ الله تعالى اصطفى عدّة أشخاص من بين الناس جميعا في كل القرون والأزمان ، وآدمعليه‌السلام أحدهم ، وعندها سوف لا يكون لازما وجود أناس في زمان آدم كي يطلق عليهم اسم «العالمين» أو يصطفى آدم من بينهم، وخصوصا أن الاصطفاء إلهي ، واللهعزوجل مطلع على المستقبل وعلى كافة الأجيال في كل

٧٧

الأزمان(١) .

وأمّا مؤيد وثبوت الأنواع فقد اختاروا الآيات مورد البحث وما شابهها ، حيث نقول إنّ الله تعالى خلق الإنسان من تراب من طين متعفن.

ومن الملفت للنظر أن هذا التعبير قد ورد في صفة خلق «الإنسان»( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) ـ الآية السادسة والعشرون من سورة الحجر ـ وأيضا في صفة خلق «البشر»( وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) ـ الآية الثامنة والعشرون من سورة الحجر ـ وفي مسألة سجود الملائكة بعد خلق شخص آدم أيضا (لاحظ الآيات ٢٩ ، ٣٠ ، ٣١ من سورة الحجر).

عند الملاحظة الأولى للآيات يظهر أن خلق آدم كان من الحمأ المسنون أوّلا ، ومن ثمّ اكتملت هيئته بنفخ الروح الإلهية فيه فسجد له الملائكة إلّا إبليس.

ثمّ إنّ أسلوب تتابع الآيات لا ينم عن وجود أيّ من الأنواع الأخرى منذ أن خلق آدم من تراب حتى الصورة الحالية لبنيه.

وعلى الرغم من استعمال الحرف «ثمّ» في بعض من هذه الآيات لبيان الفاصلة بين الأمرين ، إلّا أنّه لا يدل أبدا على مرور ملايين السنين ووجود آلاف الأنواع خلال تلك الفاصلة.

بل لا مانع إطلاقا من كونه إشارة إلى نفس مرحلة خلق آدم من الحمأ المسنون ، ثمّ مرحلة خلقه من الصلصال ، فخلق بدن آدم ، ونفخ الروح فيه.

وذلك ما ملاحظه في استعمال «ثمّ» في مسألة خلق الإنسان في عالم الجنين والمراحل التي يطويها( يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا

__________________

(١) وهناك احتمال آخر وهو : أن اصطفاء آدم من بين أولاده بعد أن مرت عليهم مدة ليست بالطويلة فتشكل من بينهم مجتمع صغير.

٧٨

أَشُدَّكُمْ ) (١) .

فهذه الآية المباركة تدلل على أن استعمال «ثم» يعبر عن وجود فاصلة ليس من الضروري أن تكون طويلة ، فيمكن كونها فاصلة طويلة أو قصيرة.

وخلاصة ما ذكر : أن الآيات القرآنية وإن لم تتطرق مباشرة لمسألة التكامل النوعي أو ثبوت الأنواع ، لكنّ ظاهرها (في خصوص الإنسان) ينسجم مع مسألة الخلق المستقل ، وإن لم يكن بالتصريح المفصل ، لأنّ أكثر ما يدور ظاهر الآيات حول الخلق المستقل المباشر ، أمّا ما يتعلق بخلق سائر الأحياء (من غير الإنسان) فقد سكت القرآن عنه.

* * *

__________________

(١) سورة الحج ، ٥.

٧٩

الآيات

( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٤٥) ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ (٤٦) وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (٤٧) لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ (٤٨) نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩ وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ (٥٠) )

التّفسير

نعم الجنّة الثّمان :

رأينا في الآيات السابقة كيف وصف الله تعالى عاقبة أمر الشيطان وأنصاره وأتباعه ، وأنّ جهنم بأبوابها السبعة مفتحة لهم.

وجريا على أسلوب القرآن في التربية والتعليم جاءت هذه الآيات المباركات (ومن باب المقارنة) لترفع الستار عن حال الجنّة وأهلها وما ترفل به من نعم مادية ومعنوية ، جسدية وروحية.

وقد عرضت الآيات ثمانية نعم كبيرة (مادية ومعنوية) بما يساوي عدد أبواب الجنّة.

١ ـ أشارت في البدء إلى نعمة جسمانية مهمّة حيث :( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ) ويلاحظ أنّ هذه الآية قد اتخذت من صفة (التقوى) أساسا لها ، وهي

٨٠

فإني أخاف عليه (ص) يصاب في سببي، فأخبر رسول الله حين أصبح فجاء (ص) حتى وقف على قبره وقال: اللهم إلقَ طلحة وأنت تضحك إليه وهو يضحك إليك..

- مسند أحمد ج ٦ ص ٤٥٦

... أسماء بنت يزيد بن سكن قالت: لما توفي سعد بن معاذ صاحت أمه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا يرفأ دمعك ويذهب حزنك فإن ابنك أول من ضحك الله له واهتز له العرش.

وقالوا إنّه يظهر لعباده ضاحكاً

- فردوس الأخبار ج ٥ ص ٣٦٨

أبو موسى: يتجلى ربنا ضاحكاً يوم القيامة، حتى ينظروا إلى وجهه فيخرون له سجداً فيقول: ارفعوا رؤوسكم فليس هذا يوم عبادة.

وقالوا منطقه كالرعد، وضحكه كالبرق

- فردوس الأخبار للديلمي ج ٥ ص ٣٦٦

أبو هريرة: ينشىء الله عز وجل السحاب ثم ينزل فيه، لا شيء أحسن من ضحكه ولا شيء أحسن من منطقه، منطقه الرعد ومضحكه البرق!

- أُسد الغابة ج ٣ ص ٨٣ وج ٦ ص ٣٩٩

عن رجل من بني غفار.. قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: إن الله عز وجل ينشىء السحاب فيضحك أحسن الضحك وينطق أحسن النطق!

وقالوا يظهر متجسّداً لأبي بكر وحده بدون ضحك

- قال السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ٢٩٣

وأخرج أحمد وعبد بن حميد والدار قطني عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله ليتجلى للناس عامة ويتجلى لأبي بكر خاصة.

٨١

وأخرج الدار قطني عن جابر قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله ليتجلى للناس عامة ويتجلى لأبي بكر الصديق خاصة.

- وقال الديلمي في فردوس الأخبار ج ٥ ص ٤٠٠

أنس بن مالك: يا أبا بكر لأبشرك أن الله عز وجل يتجلى لك يوم القيامة خاصة وللناس عامة.

- وقال ابن حبان في المجروحين ج ١ ص ١٤٣

أحمد بن محمد بن عمر بن يونس اليماني... والصحيح من حديثه موقوف على أبي هريرة وروى عن أبيه... عن أبي هريرة قال لما قدم رسول الله (ص) من الغار يريد المدينة أخذ أبو بكر بغرزه فقال.. ألا أبشرك يا أبا بكر؟ قال: بلى بأبي أنت وأمي يا رسول الله، قال: إن الله عز وجل يتجلى للخلائق يوم القيامة عامة، ويتجلى لك خاصة.

- وقال في المجروحين ج ٢ ص ١١٥

علي بن عبده بن قتيبة... كان يسرق الحديث ولا يحل الإحتجاج به.. عن جابر قال رسول الله (ص) إن الله يتجلى للمؤمنين عامة ولأبي بكر خاصة.

وقالوا يجلس على العرش ولعرشه أطيط وصرير من ثقله

ذكرنا عدداً من روايات أطيط العرش عن الخليفة عمر من فردوس الأخبار وكنزالعمال ومجمع الزوائد وقد وثقها الهيثمي، ونضيف إليها هنا منسنن أبي داود ج ٢ ص ٤١٨

... إن عرشه على سمواته لهكذا وقال بأصابعه مثل القبة عليه، وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب. قال ابن بشار في حديثه: إن الله فوق عرشه وعرشه فوق سمواته وساق الحديث.. وقال عبد الأعلى وابن المثنى وابن بشار عن يعقوب بن عتبة وجبير بن محمد بن جبير عن أبيه عن جده والحديث بإسناد أحمد بن سعيد هو الصحيح وافقه عليه جماعة منهم يحيى بن معين وعلي بن المديني ورواه

٨٢

جماعة عن ابن إسحاق كما قال أحمد أيضاً وكان سماع عبد الأعلى وابن المثنى وابن بشار من نسخة واحدة فيما بلغني.

- فردوس الأخبار للديلمي ج ١ ص ٢٢٠

جبير بن معطم: إن الله عز وجل فوق عرشه وعرشه فوق سمائه وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب!

- الهيثمي في مجمع الزوائد ج ١٠ ص ٣٩٨

وعن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سلوا الله الفردوس فإنها سرة الجنة وإن أهل الفردوس ليسمعون أطيط العرش. رواه الطبراني وفيه جعفر بن الزبير وهو متروك. انتهى. ورواه في كنز العمّال ج ٢ ص ٧٣

- وفي كنز العمّال ج ١ ص ٢٢٤:

ويحك إنه لا يستشفع بالله على أحد إن شاء والله أعظم من ذلك. ويحك أتدري ما الله، إن الله فوق عرشه وعرشه على سمواته، وأرضه مثل القبة، وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب. د عن جبير بن مطعم. ورواه في ج ١٠ ص ٣٦٣ وروى في ص ٣٦٧ إن كرسيه وسع السماوات والأرض، وإن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد إذا ركب من شقه بز. انتهى. أي من مسافة بعيدة!

- وفي كنز العمّال ج ١٤ ص ٤٦٩

إن أهل الفردوس يسمعون أطيط العرش. ابن مردويه عن أبي أمامة.

- تاريخ بغداد ج ٤ ص ٣٩

... عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده. قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله جهدت الأنفس وجاع العيال وهلكت الأموال فاستسق لنا ربك فإنا نستشفع بالله عليك وبك على الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سبحان الله سبحان الله فما زال يسبح حتى عرف ذلك في

٨٣

وجوه أصحابه، ثم قال له: ويحك ما تدري ما الله، إن شأنه أعظم من ذلك، إنه لا يستشفع به على أحد، إنه لفوق سماواته على عرشه، وإنه عليه هكذا وأشار بيده مثل القبة، وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب.

معنى الأطيط

- هامش سنن أبي داود ج ٢ ص ٤١٨: أطّ الرحل: صوّت أي أصدر صوتاً هو كصوت الطقطقة.

- وقال ابن الأثير في النهاية ج ١ ص ٥٤ في معنى أطّت السماء: الأطيط: صوت الأقتاب، وأطيط الإبل: أصواتها وحنينها... وإنما هو كلام تقريب أريد به تقرير عظمة الله تعالى... إذ كان معلوماً أن أطيط الرحل بالراكب إنما يكون لقوة ما فوقه وعجزه عن احتماله.

وقالوا العرش مطوّق بحيّة تحميه

- العقد الفريد لابن عبد ربه ج ٦ ص ٢٠٨

ومن حديث عبد الله بن عمر قال: العرش مطوّق بحيّة، والوحي ينزل في السلاسل.

وقالوا الشمس تذهب كل يوم إلى تحت العرش

- صحيح البخاري ج ٣ جزء ٦ ص ٣٠

عن أبي ذر... قال كنت مع النبي (ص) في المسجد عند غروب الشمس فقال: يا أبا ذر أتدري أين تغرب الشمس... قال فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش. انتهى. ورواه الشوكاني في فتح القدير ج ٤ ص ٤٩٤

- صحيح البخاري ج ٤ جزء ٨ ص ١٧٨

عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال: سألت النبي (ص) عن قوله:

٨٤

والشمس تجري لمستقر لها ... قال مستقرها تحت العرش... ونحوه في فردوس الأخبار للديلمي ج ٥ ص ١٣٣

- وفي صحيح مسلم ج ١ ص ٩٦

عن أبي ذر أن النبي (ص) قال يوماً أتدرون أين تذهب هذه الشمس؟ قالوا الله ورسوله أعلم قال: إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة... فقال لها ارتفعي أصحبي طالعة من مغربك..

وقالوا حملة العرش ملائكة صوفيّة

- فردوس الأخبار للديلمي ج ٥ ص ٢٦

ابن مسعود: نزل جبريل في بعض الليل فقعد فمسحت يدي على ظهره فأصبت الشعر فقلت: يا جبريل ما هذا الشعر؟ قال الصوف، قلت: سبحان الله، الملائكة يلبسون الصوف؟ قال: نعم يا محمد، والله للباس حملة العرش الصوف.

وقالوا حملة العرش يتكلّمون بالفارسية

- المصنف لابن أبي شيبة ج ٧ ص ١٦٠

عن أبي أمامة قال: إن الملائكة الذين يحملون العرش يتكلمون بالفارسية.

وقالوا جبل لبنان من حملة العرش

- مختصر تاريخ دمشق ج ١ جزء ١ ص ٢٨٨

عن أبي الزاهرية قال: أنبئنا: جبل لبنان أحد حملة العرش الثمانية يوم القيامة.

وقالوا حملة العرش حيوانات كما في التوراة

- سنن ابن ماجة ج ١ ص ٦٩

حدثنا محمد بن يحيى ثنا محمد بن الصباح ثنا الوليد بن أبي ثور الهمداني، عن

٨٥

سماك، عن عبد الله بن عميرة، عن الأحنف بن قيس، عن العباس بن عبد المطلب، قال: كنت بالبطحاء في عصابة وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمرت به سحابة فنظر إليها فقال: ما تسمون هذه؟ قالوا السحاب، قال والمزن، قالوا والمزن، قال والعنان، قال أبو بكر قالوا والعنان، قال كم ترون بينكم وبين السماء؟ قالوا لا ندري، قال فإن بينكم وبينها إما واحداً أو اثنين أو ثلاثاً وسبعين سنة، والسماء فوقها كذلك، حتى عد سبع سموات، ثم فوق السماء السابعة بحر بين أعلاه وأسفله كما بين سماء إلى سماء، ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين أظلافهن وركبهن كما بين سماء إلى سماء، ثم على ظهورهن العرش بين أعلاه وأسفله كما بين سماء إلى سماء، ثم الله فوق ذلك تبارك وتعالى!

- فردوس الأخبار للديلمي ج ٥ ص ١٣٠

العباس بن عبد المطلب: ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية: ثمانية أملاك في صورة الأوعال، ما بين ظلف أحدهم وركبته مسيرة خمسمائة عام. انتهى.

- حياة الحيوان للدميري ج ٢ ص ٤٢٨

عن عروة بن الزبيررضي‌الله‌عنه قال: حملة العرش أحدهم على صورة إنسان، والثاني على صورة ثور، والثالث على صورة نسر، والرابع على صورة أسد.

- تفسير الطبري ج ١ ص ١١٨

عن شعيب الجبائي قال: في كتاب الله (يقصد التوراة) الملائكة حملة العرش لكل ملك منهم وجه إنسان وثور وأسد، فإذا حركوا أجنحتهم فهو البراق..

- كتاب الحيوان للجاحظ ج ٦ ص ٢٢١ - ٢٢٢

روى تصديق النبي (ص) لأمية بن أبي الصلت حين أنشده:

رجل وثور تحت رجل يمينه * والنسر للأخرى وليث مرصد

وقال في هامش ج ١ ص ٢٢٢ وفي الإصابة ٥٤٩ عن ابن عباس أن النبي (ص) أنشد هذا البيت فقال: صدق. هكذا صفة حملة العرش..

٨٦

وقالوا جالس على كرسيّه وغائب عن العالم

- مجمع الزوائد ج ١ ص ٨٦

وعن ابن مسعودرضي‌الله‌عنه أنه قال: ما بين سماء الدنيا والتي تليها مسيرة خمسمائة عام، وما بين كل سماءين خمسمائة عام، وما بين السماء السابعة والكرسي مسيرة خمسمائة عام، وما بين الكرسي والماء خمسمائة عام، والعرش على الماء والله جل ذكره على العرش يعلم ما أنتم عليه. رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح.

وقالوا جالس على العرش وحوله الأنبياء على كراسي

- المصنف لابن أبي شيبة ج ٢ ص ٥٨

عن أنس قال قال رسول الله (ص): أتاني جبريل وفي يده كالمرآة البيضاء... قال (جبريل) لأن ربك تبارك وتعالى اتخذ في الجنة وادياً من مسك أبيض، فإذا كان يوم الجمعة هبط من عليين على كرسيه تبارك وتعالى ثم حف كرسيه منابر من ذهب مكللة بالجواهر ثم يجيء النبيون حتى يجلسوا عليها.

- وروى السيوطي حديث المرآة عن الدارقطني في ج ٦ ص ٢٩٠ وروى رواية لقيط مفصلة عن زوائد عبد الله بن أحمد بن حنبل...

- تهذيب الكمال ج ١٦ ص ٤٢٣

أخبرنا أبوالحسن ابن البخاري... أخبرنا أبو حفص بن طبرزد... عن سعيد بن المسيب: أنه لقي أبا هريرة فقال أبو هريرة: أسأل الله أن يجمع بيني وبينك في سوق الجنة. فقال سعيد: أو فيها سوق؟ قال أبو هريرة: نعم، أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن أهل الجنة إذا دخلوها فنزلوا فيها بفضل أعمالهم فيؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا فيرون الله، ويبرز لهم عرشه، ويتبدا لهم في روضة من رياض الجنة، فيوضع لهم منابر من ذهب ومنابر من فضة، ويجلس أدناهم وما فيهم دني على كثبان المسك والكافور، لا يرون أن أصحاب الكراسي أفضل منهم مجلساً.

٨٧

قال أبو هريرة: وهل نرى ربنا يا رسول الله قال: نعم، هل تمارون في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر قلنا: لا، قال: كذلك لا تمارون في رؤية ربكم عز وجل. ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره الله محاضرة، حتى إنه ليقول للرجل منهم: يا فلان بن فلان. أتذكر يوم عملت كذا وكذا، فيذكره بعض غدراته في الدنيا، فيقول: يا رب، أفلم تغفر لي؟ فيقول: بلى بسعة مغفرتي بلغت منزلتك هذه.

قال فبيناهم على ذلك غشيتهم سحابة من فوقهم فأمطرت عليهم طيباً لم يجدوا مثل ريحه شيئاً قط، قال: ثم يقول ربنا عز وجل: قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة، فخذوا ما اشتهيتم. قال: فنأتي سوقاً قد حفت به الملائكة، فيه ما لم تنظر العيون إلى مثله. ولم يخطر على القلوب، قال: فيحمل لنا ما اشتهينا، ليس يباع فيه شيء ولا يشتري، في ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضاً. قال: فيقبل الرجل ذو المنزلة الرفيعة فيلقى من هو دونه وما فيهم يعني دني، فيروعه ما يرى يعني عليه من اللباس، فما ينقضي آخر حديثه حتى يتمثل عليه أحسن منه، وذلك أنه لا ينبغي لأحد أن يحزن فيها، قال: ثم ننصرف إلى منازلنا فنلقى أزواجنا، فيقولون (فيقلن): مرحباً وأهلاً بحبنا لقد جئت وإن بك من الجمال والطيب أفضل مما فارقتنا عليه، قال: فنقول: إنا جالسنا اليوم ربنا الجبار عز وجل ويحقنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا. رواه الترمذي عن محمد بن إسماعيل البخاري، عن هشام بن عمار، عنه، فوقع لنا بدلاً عالياً بدرجتين وليس عنده غيره، وقال: غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه. ورواه ابن ماجة عن هشام بن عمار. فوافقناه فيه بعلو. (سنن ابن ماجة ج ٢ ص ١٤٥٠)

هشام بن عمار صاحب حديث الكراسي حول العرش

- سير أعلام النبلاء ج ١١ ص ٤٢٠

- هشام بن عمار، الإمام الحافظ العلامة المقرئ عالم أهل الشام، أبو الوليد السلمي ويقال الظفري خطيب دمشق، نقل عنه الباغندي قال: ولدت سنة ثلاث وخمسين ومئة، وسمع من مالك وتمت له معه قصة...

٨٨

وحدث عنه بشر كثير وجم غفير..... وعدة سواهم مذكورين في تهذيب الكمال وفي تاريخ دمشق. فلقد كان من أوعية العلم......

وروى عنه: أبو عبيد القاسم بن سلام، ومات قبله بنيف وعشرين سنة، ومحمد بن سعد ومات قبله ببضع عشرة سنة، ومؤمل بن الفضل الحراني كذلك، ويحيى بن معين، كذلك وحدث عنه من كبار شيوخه: الوليد بن مسلم، ومحمد بن شعيب ابن شابور...

وحدث عنه من أصحاب الكتب: البخاري، وأبوداود، والنسائي، وابن ماجة، وروى الترمذي عن رجل عنه، ولم يلقه مسلم، ولا ارتحل إلى الشام، ووهم من زعم أنه دخل دمشق.

... وكان خطيباً بدمشق رزق كبر السن وصحة العقل والرأي، فارتحل الناس إليه في نقل القراءة والحديث.

... فلما توفي ابن ذكوان سنة اثنتين وأربعين، اجتمع الناس على إمامة هشام بن عمار في القراءة والنقل.

قال صالح بن محمد جزرة: كان هشام بن عمار يأخذ على الحديث، ولا يحدث ما لم يأخذ... كنت شارطت هشاماً أن أقرأ عليه بانتخابي ورقة، فكنت آخذ الكاغد الفرعوني وأكتب مقرمطاً، فكان إذا جاء الليل، أقرأ عليه إلى أن يصلي العتمة، فإذا صلى العتمة، يقعد وأقرأ عليه، فيقول: يا صالح ليس هذه ورقة، هذه شقة!

... قال: وكان يأخذ على كل ورقتين درهما ويشارط ويقول إن كان الخط دقيقاً، فليس بيني وبين الدقيق عمل.

قال أبو بكر المروذي: ذكر أحمد بن حنبل هشام بن عمار، فقال: طياش خفيف.

خيثمة: سمعت محمد بن عوف، يقول: أتينا هشام بن عمار في مزرعة له، وهو قاعد على مورج له وقد انكشفت سوءته، فقلنا: يا شيخ غط عليك. فقال: رأيتموه لن ترمد عينكم أبداً، يعني يمزح.

٨٩

قال الحافظ محمد بن أبي نصر الحميدي: أخبرني بعض أصحاب الحديث ببغداد أن هشام بن عمار قال: سألت الله تعالى سبع حوائج، فقضى لي منها ستاً، والواحدة ما أدري ما صنع فيها. سألته أن يغفر لي ولوالدي فما أدري، وسألته أن يرزقني الحج ففعل، وسألته أن يعمرني مئة سنة ففعل. قلت: إنما عاش اثنتين وتسعين سنة.

ثم قال: وسألته أن يجعلني مصدقاً على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففعل.

وسألته أن يجعل الناس يغدون إليّ في طلب العلم ففعل.

وسألته أن أخطب على منبر دمشق ففعل.

وسألته أن يرزقني ألف دينار حلالاً ففعل.

قال: فقيل له: كل شيء قد عرفناه، فألف دينار حلال من أين لك؟ فقال: وجه المتوكل بعض ولده ليكتب عني لما خرج إلينا، يعني لما سكن دمشق، وبني له القصر بداريا. قال: ونحن نلبس الأزر، ولا نلبس السراويلات فجلست فانكشف ذكري، فرآه الغلام فقال: إستتر يا عم. قلت رأيته قال: نعم. قلت: أما إنه لا ترمد عينك أبداً إن شاء الله!

قال: فلما دخل على المتوكل ضحك، قال فسأله فأخبره بما قلت له، فقال: فأل حسن تفاءل لك به رجل من أهل العلم! احملوا إليه ألف دينار، فحملت إلي فأتتني من غير مسألة، و لا استشراف نفس. فهذه حكاية منقطعة. ولعلها جرت.

وذكر الذهبي قصته مع مالك في ص ٤٢٨ فقال:

قال أبو بكر محمد بن سليمان الربعي: حدثنا محمد بن الفيض الغساني، سمعت هشام بن عمار يقول: باع أبي بيتاً له بعشرين ديناراً، وجهزني للحج، فلما صرت إلى المدينة، أتيت مجلس مالك، ومعي مسائل أريد أن أسأله عنها. فأتيته، وهو جالس في هيئة الملوك وغلمان قيام والناس يسألونه وهو يجيبهم! فلما انقضى المجلس

٩٠

قال لي بعض أصحاب الحديث: سل عن ما معك، فقلت له: يا أبا عبد الله ما تقول في كذا وكذا؟ فقال: حصلنا على الصبيان، يا غلام احمله! فحملني كما يحمل الصبي وأنا يومئذ غلام مدرك، فضربني بدرةٍ مثل درة المعلمين سبع عشرة درة، فوقفت أبكي فقال لي: ما يبكيك أوجعتك هذه الدرة؟ قلت: إن أبي باع منزله ووجه بي أتشرف بك وبالسماع منك فضربتني! فقال: أكتب، قال: فحدثني سبعة عشر حديثاً، وسألته عما كان معي من المسائل فأجابني!

قال يعقوب بن إسحاق الهروي، عن صالح بن محمد الحافظ: سمعت هشام بن عمار، يقول: دخلت على مالك فقلت له حدثني، فقال: إقرأ، فقلت: لا بل حدثني، فقال إقرأ، فلما أكثرت عليه، قال: يا غلام تعال اذهب بهذا فاضربه خمسة عشر، فذهب بي فضربني خمس عشرة درة، ثم جاء بي إليه فقال قد ضربته، فقلت له: لم ظلمتني ضربتني خمس عشرة درة بغير جرم، لا أجعلك في حل، فقال مالك فما كفارته قلت: كفارته أن تحدثني بخمسة عشر حديثاً. قال: فحدثني بخمسة عشر حديثاً. فقلت له: زد من الضرب، وزد في الحديث، فضحك مالك، وقال: اذهب!

قال الخليلي: سمعت علي بن أحمد بن صالح المقرئ، حدثنا الحسن بن علي الطوسي، سمعت محمد بن طرخان، سمعت هشام بن عمار، يقول: قصدت باب مالك، فهجمت عليه بلا إذن فأمر غلاماً له، حتى ضربني سبعة عشر ضرب السلاطين. وأخرجت! فقعدت على بابه أبكي، ولم أبك للضرب بل بكيت حسرة، فحضر جماعة قال فقصصت عليهم، فشفعوا فيّ، فأملى عليّ سبعة عشر حديثاً...

قلت: لم يخرج له الترمذي سوى حديث سوق الجنة ثم قال عبدان: ما كان في الدنيا مثله.

قال ابن حبان البستي: كانت أذناه لاصقتين برأسه، وكان يخضب بالحناء.

وقال في هامشه: أخرجه الترمذي (٢٥٤٩) باب ما جاء في سوق الجنة، من طريق محمد بن إسماعيل، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا عبدالحميد بن حبيب بن

٩١

أبي العشرين، حدثنا الأوزاعي، حدثنا حسان بن عطية، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

ونصه بتمامه: إن أهل الجنة إذا دخلوها، نزلوا فيها بفضل أعمالهم، ثم يؤذن في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا، فيزورون ربهم، ويبرز لهم عرشه، ويتبدى لهم في روضة من رياض الجنة، فتوضع لهم منابر من نور، ومنابر من ذهب، ومنابر من فضة، ويجلس أدناهم - وما فيهم من دني - على كثبان المسك والكافور، وما يرون أن أصحاب الكراسي بأفضل منهم مجلساً. قال أبو هريرة: قلت: يا رسول الله، وهل نرى ربنا؟ قال: نعم، قال: هل تتمارون في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر قلنا: لا. قال: كذلك لا تمارون في رؤية ربكم، ولا يبقى في ذلك المجلس رجل إلا حاضره الله محاضرة، حتى يقول للرجل منهم: يا فلان ابن فلان، أتذكر يوم كذا وكذا، فيذكره ببعض غدراته في الدنيا، فيقول: يا رب، أفلم تغفر لي؟ فيقول: بلى، فسعة مغفرتي بلغت بك منزلتك هذه.

فبينما هم على ذلك، غشيتهم سحابة من فوقهم، فأمطرت عليهم طيباً لم يجدوا مثل ريحه شيئاً قط. ويقول ربنا، تبارك وتعالى: قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة، فخذوا ما اشتهيتم. فنأتي سوقاً قد حفت به الملائكة، وفيه ما لم تنظر العيون إلى مثله ولم تسمع الآذان ولم يخطر على القلوب، فيحمل لنا ما اشتهينا، ليس يباع فيها ولا يشتري. وفي ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضا. قال: فيقبل الرجل ذو المنزلة المرتفعة، فيلقى من هو دونه - وما فيهم دني - فيروعه ما يرى عليه من اللباس، فما ينقضي آخر حديثه حتى يتخيل إليه ما هو أحسن منه، وذلك أنه ما ينبغي لأحد أن يحزن فيها.

ثم ننصرف إلى منازلنا، فيتلقانا أزواجنا، فيقلن: مرحباً وأهلاً، لقد جئت وإن بك من الجمال أفضل مما فارقتنا عليه، فيقول: إنا جالسنا اليوم ربنا الجبار، ويحقنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا. وأخرجه ابن ماجة (٤٣٣٦) عن هشام بن عمار به.

٩٢

وقالوا جنّة عدن مسكن الله تعالى وعرشه فيها

وقد تقدمت أحاديثها في الفصل الخامس عن عمر وكعب وأبي موسى الأشعري، ومنها ما رواه السيوطي في الدر المنثور ج ٤ ص ٢٥٤

وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الفردوس مقصورة الرحمن فيها خيار الأنهار والأثمار.

- تفسير الطبري ج ١٥ ص ٩٤

عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله (ص): إن الله يفتح الذكر في ثلاث ساعات يبقين من الليل، في الساعة الأولى منهن ينظر في الكتاب الذي لاينظر فيه أحد غيره، فيمحو ما يشاء ويثبت، ثم ينزل في الساعة الثانية إلى جنة عدن وهو داره التي لم ترها عين.. وهي مسكنه ولا يسكن معه من بني آدم غير ثلاثة: النبيين والصديقين والشهداء.. ثم ينزل في الساعة الثالثة إلى السماء الدنيا بروحه وملائكته..

- وروى الهيثمي في مجمع الزوائد ج ١٠ ص ١٥٤

وعن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ينزل الله تبارك وتعالى في آخر ثلاث ساعات بقين من الليل فينظر في الساعة الأولى في الكتاب الذي لا ينظر فيه غيره فيمحو ما يشاء ويثبت، وينظر في الساعة الثانية في جنة عدن وهي مسكنه التي لا يكون فيها معه إلا الأنبياء والشهداء والصديقون، وفيها ما لم يره أحد ولا خطر على قلب بشر، ثم يهبط آخر ساعة من الليل فيقول ألا مستغفر يستغفرني فأغفر له، ألا سائل يسئلني فأعطيه، ألا داع يدعوني. ولذلك قال الله:وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ، فيشهده الله والملائكة. رواه الطبراني في الكبير والأوسط والبزاز بنحوه. وفيه زيادة بن محمد الأنصاري، وهو منكر الحديث.

وروينا ورووا أنّ الفردوس مسكن إبراهيم وآله ومحمد وآله

- روى النسائي في سننه ج ٤ ص ١٢ عن فاطمة الزهراءعليها‌السلام أن الفردوس مسكن

٩٣

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم، ولم يذكر أنها مسكن الله تعالى. قال: عن أنس أن فاطمة بكت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مات فقالت: يا أبتاه من ربه ما أدناه، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه، يا أبتاه جنة الفردوس مأواه. وروى ذلك غيره أيضاً.

- وفي كنز العمّال ج ٢ ص ٢٧٤

عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت علياً يقول: ألا إن لكل شيء ذروة، وإن ذورتنا جبال الفردوس في بطنان الفردوس قصراً من لؤلؤة بيضاء وصفراء من عرق واحد، وإن في البيضاء سبعين ألف قصر، منازل إبراهيم وآل إبراهيم، فإذا صليتم على محمد فصلوا على إبراهيم وآل إبراهيم. خط في تلخيص المتشابه.

- وقال القسطلاني في إرشاد الساري ج ٥ ص ٣٨

فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة أي أفضلها، قال: وفوقه عرش الرحمن. انتهى.

- وروى الديلمي في فردوس الاخبار ج ٣ ص ١٦٢ حديثاً غريباً طريفاً لطيفا، قال: عمر بن الخطاب: فاطمة وعلي والحسن والحسين في حظيرة القدس في قبة بيضاء سقفها عرش الرحمن عز وجل.

وقالوا أرواح الشهداء في حواصل طيور في قناديل معلّقة بالعرش

- صحيح مسلم ج ٦ ص ٣٨

عن مسروق قال سألنا عبد الله عن هذه الآية: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون، قال: أما إنا قد سألناه عن ذلك فقال: أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم اطلاعةً فقال هل تشتهون شيئاً؟ قالوا أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا، ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما

٩٤

رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا، قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة، تركوا.

- وروى الدميري في حياة الحيوان ج ١ ص ٦٥٧

أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر ترعى في الجنة وتأوى إلىقناديل معلقة تحت العرش. قال شيخنا: أولئك شهداء السيوف، وأما شهداء الصفوة فأجسادهم أرواح!

- وقال الدارمي في سننه ج ٢ ص ٢٠٦

عن مسروق قال سألنا عبد الله عن أرواح الشهداء ولو لا عبد الله لم يحدثنا أحد، قال: أرواح الشهداء عند الله يوم القيامة في حواصل طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش (ترعى) أي الجنة حيث شاءت، ثم ترجع إلى قناديلها فيشرف عليهم ربهم فيقول: ألكم حاجة تريدون شيئاً، فيقولون لا، إلا أن نرجع إلى الدنيا فنقتل مرة أخرى. انتهى. وروى نحوه ابن ماجة في ج ١ ص ٤٦٦ و ج ٢ ص ٩٣٦ وأبو داود ج ١ ص٥٦٦ والترمذي في ج ٤ ص ٢٩٩ وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأحمد ج ١ ص ٢٦٥ وص ٣٨٦ والحاكم ج٢ ص ٨٨ وص ٢٩٧ وابن منصور في سننه ج ٢ ص ٢١٦ والبيهقي في سننه ج ٩ ص ١٦٣ والهيثمي في مجمع الزوائد ج ٦ ص ٣٢٨ والهيثمي في ج ٥ ص ٢٩٨ والهندي في كنز العمّال ج ٤ ص ٣٠٨ وص ٤٠٣ وص ٤١٣ وص ٤١٤ وج ١٣ ص ٤٨١

وردّ أهل البيتعليهم‌السلام حديث القناديل وحواصل الطيور

- الكافي ج ٣ ص ٢٤٤

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن أبي ولاد الحناط عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت له: جعلت فداك يروون أن أرواح المؤمنين في حواصل طيور خضر حول العرش؟ فقال: لا، المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حوصلة طير، ولكن في أبدان كأبدانهم.

٩٥

- الكافي ج ٣ ص ٢٤٥

محمد، عن أحمد، عن الحسين بن سعيد، عن أخيه الحسن، عن زرعة، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إنا نتحدث عن أرواح المؤمنين أنها في حواصل طيور خضر ترعى في الجنة وتأوي إلى قناديل تحت العرش، فقال: لا، ما هي في حواصل طير، قلت: فأين هي قال: في روضة كهيئة الأجساد في الجنة. انتهى. وروى نحوه الطوسي في تهذيب الأحكام ج ١ ص ٤٦٦

واختلفت رواياتهم فيما هو مكتوب على العرش

- تاريخ بغداد ج ١١ ص ١٧٣

عن أنس بن مالك قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: لما عرج بي رأيت على ساق العرش مكتوباً لا إله إلا الله محمد رسول الله، أيدته بعلي، نصرته بعلي.

- لسان الميزان ج ٢ ص ٤٨٤

وحدثنا محمد بن عثمان ثنا زكريا بن يحيى الكسائي ثنا يحيي بن سالم ثنا أشعث بن عم الحسن بن صالح ثنا مسعر عن عطية العوفي عن جابررضي‌الله‌عنه مرفوعاً: مكتوب على باب الجنة لا إله إلا الله، محمد رسول الله، أيدته بعلي.

قال أبو نعيم الحافظ حدثنا أبو علي بن الصواف ومحمد بن علي بن سهل وسليمان الطبراني والحسن بن علي بن الخطاب قالوا: ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة فساقه بنحوه، لكن لفظه على باب الجنة لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أخو رسول الله قبل أن يخلق الله السموات بألفي عام، ساقه الخطيب عن أبي نعيم في ترجمة الحسن هذا، وقد روى الكسائي عن ابن فضيل وجماعة، وقال النسائي والدارقطني متروك. انتهى. وقد تقدم في ترجمة أشعث ابن عم الحسن بن صالح لهذا الرجل ذكر بالتشيع، وسيأتي كلام ابن عداء فيه في ترجمة علي بن القاسم.

٩٦

- الجواهر الحسان للثعالبي ج ١ ص ٦٧

وقالت طائفة إن آدم رأى مكتوباً على ساق العرش: محمد رسول الله، فتشفع به، فهي الكلمات..

- لسان الميزان ج ٣ ص ٢٣٧

ومن أباطيله عن خالد بن أبي عمرو الأزدي عن الكلبي عن أبي صالح عن أبي هريرةرضي‌الله‌عنه قال: مكتوب على العرش لاإله إلا الله، محمد عبدي ورسولي أيدته بعلي.

- ميزان الإعتدال ج ٣ ص ١٨٢

عمر بن إسماعيل بن مجالد بن سعيد الهمداني. عن أبيه وغيره. كذبه ابن معين. وقال النسائي والدارقطني: متروك. وقال ابن عدي: يسرق الحديث... وقال ابن جرير الطبري: حدثنا عمر بن إسماعيل، حدثنا ابن فضيل، عن ابن جريج، عن عطاء، عن أبي الدرداء مرفوعاً: رأيت ليلة الإسراء جريدة خضراء فيها مكتوب بنور: لا إله إلا الله، أبو بكر الصديق، عمر الفاروق. تابعه السري بن عاصم.

- فردوس الأخبار للديلمي ج ٤ ص ٤١٠

البراء بن عازب: مكتوب على العرش لا إله إلا الله، محمد رسول الله، أبي بكر الصديق، عمر الفاروق، عثمان الشهيد، علي الرضا.

- فردوس الأخبار للديلمي ج ٥ ص ٤٦٨

تحشر ابنتي فاطمة ومعها ثياب مصبوغة بدم، فتتعلق بقائمة من قوائم العرش فتقول: يا عدل، أحكم بيني وبين قاتل ولدي، فيحكم لابنتي ورب الكعبة.

- لسان الميزان ج ٣ ص ٤٢٣

عبد الرحمن بن عفان... قال ابن الجنيد سمعت يحيى بن معين وذكر أبابكر بن عفان ختن مهدي بن حفص فقال: كذاب مكذب رأيت له حديثاً حدث به عن أبي إسحاق الفزاري كذباً.

٩٧

قلت: وله خبر آخر عن محمد بن محمد بن الصائغ عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده مرفوعاً: لما أسرى بي رأيت على العرش مكتوباً لا إله إلا الله محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، عمر الفاروق، عثمان ذو النورين، يقتل ظلماً. رواه الختلي في الديباج عنه، والمتهم به صاحب الترجمة.

- الموضوعات ج ١ ص ٣٢٧

أنبأنا عبد الرحمن بن محمد قال أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرني أحمد بن عمر بن علي القاضي قال: أنبأنا أحمد بن علي بن محمد بن الجهم قال: حدثنا محمد بن جرير الطبري قال: حدثني عمر بن إسماعيل بن مجالد قال: حدثنا ابن فضيل عن ابن جريج، عن عطاء، عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رأيت ليلة أسري بي في العرش فرندة خضراء فيها مكتوب بنور أبيض: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، عمر الفاروق. هذا حديث لا يصح، والمتهم به عمر بن إسماعيل، قال يحيى: ليس بشيء كذاب دجال سوء خبيث، وقال النسائي والدارقطني: متروك الحديث.

- الموضوعات ج ١ ص ٣٣٦

أنبأنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال: أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أنبأنا القاضي أبوالفرج محمد بن أحمد بن الحسن الشافعي قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن مالك القطيعي قال: حدثنا أحمد ابن محمد القاضي قال: حدثنا الإحتياطي قال: حدثنا علي بن جميل، عن جرير بن عبدالحميد، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما في الجنة شجرة إلا مكتوب على ورقة محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، عمر الفاروق، عثمان ذو النورين. اسم الإحتياطي الحسن بن عبد الرحمن بن عباد أبو علي.

قال أبوحاتم بن حبان: هذا باطل موضوع، وعلي بن جميل كان يضع الحديث لا تحل الرواية عنه بحال...

٩٨

أنبأنا أبو منصور القزاز قال: أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي ابن ثابت قال: أنبأنا محمد بن عبيدالله الحنائي قال: أنبأنا عثمان بن أحمد الدقاق قال: أنبأنا إسحاق بن إبراهيم الختلي قال: حدثنا أبو بكر عبد الرحمن بن عنان الصوفي قال: حدثنا محمد بن مجيب الصائغ قال: حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليلة أسري بي رأيت على العرش مكتوباً لا إله إلا الله، محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، عمر الفاروق، عثمان ذو النورين يقتل مظلوماً. هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأبو بكر الصوفي ومحمد بن مجيب كذابان، قاله يحيى بن معين.

- لسان الميزان ج ٢ ص ٢٩٥

وقال الهيثم بن خلف حدثنا الحسن بن عبد الرحمن الإحتياطي، ثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباسرضي‌الله‌عنهما قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم ليس في الجنه شجرة إلا على كل ورقة منها مكتوب لا إله إلا الله، محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، عمر الفاروق، عثمان ذوالنورين. قلت: هذا باطل والمتهم به الحسين. انتهى. وكذا في ميزان الإعتدال ج ١ ص ٥٤٠ ونحوه في لسان الميزان ج ٦ ص ٦١ وميزان الإعتدال ج ٤ ص ١٤٥ وفي كتاب المجروحين ج ١ ص ١١٦ وقال أخبرناه الحسن بن عبد الله بن يزيد القطان بالرقة قال: حدثنا على بن جميل. وهذان خبران باطلان موضوعان لا شك فيه، وله مثل هذا أشياء كثيرة يطول الكتاب بذكرها. ومات علي بن جميل بالرقة سنة تسع وأربعين ومائتين. ونحوه في المجروحين ج ١ ص ٣٦٦

- نهج الحق للعلاّمة الحلّي ص ٢٥٢

وقد ذكرت في كتاب: كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين: أن الفضائل إما قبل ولادته، مثل ما روى أخطب خوارزم، من علماء الجمهور، عن ابن مسعود، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم: لما خلق الله آدم ونفخ فيه من روحه عطس آدم، فقال: الحمد لله، فأوحى الله تعالى إليه حمدني عبدي، وعزتي وجلالي لو لا عبدان أريد أن

٩٩

أخلقهما في دار الدنيا ما خلقتك، قال: إلهي فيكونان مني قال: نعم يا آدم، ارفع رأسك، وانظر، فرفع رأسه، فإذا مكتوب على العرش: لا إله إلا الله، محمد نبي الرحمة، وعلي مقيم الحجة، من عرف حق علي زكا وطاب، ومن أنكر حقه لعن وخاب، أقسمت بعزتي وجلالي: أن أدخل الجنة من أطاعه، وإن عصاني، وأقسمت بعزتي: أن أدخل النار من عصاه وإن أطاعني. والأخبار في ذلك كثيرة.

وقال في هامشه: رواه في المناقب، بسنده عن الأعمش، عن أبي وائل، عن ابن مسعود، كما في ينابيع المودّة ص ١١.

وقالوا إنّه تعالى أثقل من الحديد

- الدر المنثور ج ٦ ص ٣

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبوالشيخ والحاكم وصححه عن ابن عباسرضي‌الله‌عنهما :تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ ، قال: من الثقل. انتهى. أي من ثقل الله تعالى! وستأتي بقية رواياتهم عن أطيط العرش وحريره في تفسير آيات الإستواء على العرش.

وقالوا يرى بالعين في الآخرة ويناقش رجلاً ويضحك عليه

- صحيح البخاري ج ١ ص ١٩٥

(عن أبي هريرة) أن الناس قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟

قال: هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟

قالوا: لا يا رسول الله.

قال: فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب؟

قالوا: لا.

قال: فإنكم ترونه كذلك. يحشر الناس يوم القيامة فيقول: من كان يعبد شيئاً فليتبع، فمنهم من يتبع الشمس ومنهم من يتبع القمر، ومنهم من يتبع الطواغيت،

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496