الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٠

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 550

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 550 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 215299 / تحميل: 6659
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٠

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

التي تدور فيها » ١ .

و روي عنه عليه السلام هذا المعنى بلفظ آخر هكذا : « و إنّه و الله ليعلم أنّي أولى بها منّي بقميصي » ٢ .

قال دعبل :

حللت محلاّ يقصر الطرف دونه

و يعجز عنه الطيف أن يتجشّما

و لقد أجاد الناشى‏ء فقال فيه عليه السّلام :

و صارمه كبيعته بخم

مقاصدها من الخلق الرقاب

و لقد أجاد وفائي التستري فيه عليه السلام بالفارسية :

جز بتو آراستن سرير خلافت

نسبت افسر بمستحق فسار است

و روى الكنجي الشافعي في ( مناقبه ) عن سعيد بن المسيب قال : قلت لسعد أبن أبي وقاص : إنّي أريد أن أسألك عن شي‏ء و إنّي أتّقيك . قال : سل عمّا بذالك . فإنّما أنا ابن عمّك . قلت : مقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فيكم يوم الغدير . قال : نعم قام فينا بالظهيرة فأخذ بيد علي بن أبي طالب . فقال : « من كنت مولاه فعلي مولاه . اللهمّ وال من والاه و عاد من عاداه و انصر من نصره » فقال أبو بكر و عمر : أمسيت يا ابن أبي طالب مولى كلّ مؤمن و مؤمنة ٣ .

و روى الجزري في ( اسده ) في وهب بن حمزة مسندا عنه قال : صحبت عليا عليه السّلام من المدينة إلى مكّة . فرأيت منه بعض ما أكره . فقلت : لئن رجعت إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لأشكونك إليه . فلمّا قدمت لقيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقلت : رأيت من عليّ

ــــــــــــــــ

( ١ ) جمهرة اللغة ١ : ٣٠٨ ، مادة ( بطق )

( ٢ ) رواه المفيد في اماليه : ١٥٣ ح ٥ ، المجلس ١٩ ، و لفظه : « قد علم و الله انى اولى الناس بهم مني بقميصي » و رواه غيره أيضا .

( ٣ ) كفاية الطالب : ١٦ .

٢١

كذا و كذا . فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله : لا تقل هذا فهو أولى الناس بعدي ١ .

و في ( مروج المسعودي ) : لمّا صرف عليّ عليه السّلام قيس بن سعد بن عبادة عن مصر وجّه مكانه محمّد بن أبي بكر . فلمّا وصل إليها كتب إلى معاوية « من محمّد بن أبي بكر إلى الغاوي معاوية بن صخر إلى أن قال فكان أوّل من أجاب نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و أناب ، و آمن و صدّق ، و أسلم و سلّم أخوه و ابن عمّه عليّ بن أبي طالب صدّقه بالغيب المكتوم ، و آثره على كلّ حميم ، و وقاه بنفسه كلّ هول ، و حارب حربه و سالم سلمه ، فلم يبرح مبتذلا لنفسه في ساعات الليل و النهار ، و الخوف و الجزع حتّى برز سابقا لا نظير له في من اتّبعه ، و لا مقارب له في فعله ، و قد رأيتك تساميه ، و أنت أنت ، و هو هو أصدق الناس نيّة ، و أفضل الناس ذرّية ، و خير الناس زوجة ، و أفضل الناس ابن عم ، و أخوه الشاري بنفسه يوم موته ، و عمّه سيد الشهداء يوم احد ، و أبوه الذابّ عن رسول الله صلّى اللّه عليه و آله و عن حوزته ، و أنت اللعين أبن اللعين ، لم تزل أنت و أبوك تبغيان لرسول الله صلّى اللّه عليه و آله الغوائل ، و تجهدان في إطفاء نور الله . تجمعان على ذلك الجموع ، و تبذلان فيه المال ، و تؤلّبان عليه القبائل . على ذلك مات أبوك و عليه خلفته ، و الشهيد عليك من تدني ، و يلجأ إليك من بقيّة الأحزاب ، و رؤساء النفاق ،

و الشاهد لعلي مع فضله المبين القديم أنصاره الّذين معه الّذين ذكرهم الله و أثنى عليهم من المهاجرين و الأنصار ، و هم كتائب ، و عصائب يرون الحق في اتباعه ، و الشقاء في خلافه . فكيف يا ويلك تعدل نفسك بعليّ عليه السّلام ، و هو وارث رسول الله صلّى اللّه عليه و آله و وصيّه ، و أبو ولده أوّل الناس له اتّباعا ، و أقربهم به عهدا يخبره بسره ، و يطلعه على أمره ، و أنت عدّوه و ابن عدّوه . فتمتّع في دنياك بباطلك ، و ليمددك ابن العاص في غوايتك إلى أن قال

ــــــــــــــــ

( ١ ) اسد الغابة ٥ : ٩٤ .

٢٢

فكتب إليه معاوية : « من معاوية بن صخر إلى الزاري على أبيه محمّد بن أبي بكر . أمّا بعد ، فقد أتاني كتابك تذكر فيه ما الله أهله في عظمته و قدرته . و ما اصطفى به رسوله ، مع كلام كثير لك فيه تضعيف ، و لأبيك فيه تعنيف ، ذكرت فيه فضل ابن أبي طالب ، و قديم سوابقه ، و قرابته إلى الرسول ، و مواساته إيّاه في كلّ هول و خوف فكان احتجاجك عليّ و عيبك بفضل غيرك لا بفضلك .

فاحمد ربّا صرف هذا الفضل عنك ، و جعله لغيرك . فقد كنّا و أبوك فينا نعرف فضل ابن أبي طالب و حقّه ، لازما لنا مبروما علينا ، فلمّا اختار الله لنبيّه ما عنده ،

و أتمّ له ما وعده ، و أظهر دعوته و أفلج حجّته ، و قبضه إليه ، كان أبوك و فاروقه أوّل من ابتزه حقّه ، و خالفه على أمره . على ذلك اتفقا و اتّسقا . ثم إنّهما دعواه إلى بيعتهما فأبطا عنهما ، و تلكّأ عليهما ، فهمّا به الهموم ، و أرادا به العظيم ثمّ انّه بايع لهما ، و سلّم لهما ، و أقاما لا يشركانه في أمرهما ، و لا يطلعانه على سرّهما حتّى قبضهما إليه . ثم قام ثالثهما عثمان فهدى بهديهما ، و سار بسيرهما . فعبته أنت ، و صاحبك . حتّى طمع فيه الأقاصي من أهل المعاصي ،

فطلبتما له الغوائل ، و أظهرتما عداوتكما حتى بلغتما فيه مناكما . فخذ حذرك يا ابن أبي بكر ، و قس شبرك بفترك . تقصر أن توازي أو تساوي من يزن الجبال بحلمه ، لايلين لمن قسر قناته ، و لا يدرك ذو مقال أناته ، مهّد أبوك مهاده و بنى ملكه و شاده ، فإن يك ما نحن فيه صوابا ، فأبوك أسسّه و نحن شركاؤه ،

و لو لا ما فعل أبوك من قبل ما خالفنا ابن أبي طالب ، و لسلّمنا إليه ، و لكنّا رأينا أباك فعل ذلك به من قبلنا . فأخذنا بمثله . فعب أباك بما بدالك أو دع ذلك ١ .

و رواه نصر بن مزاحم في ( صفّينه ) ، و فيه : « فإن يكن ما نحن فيه صوابا ، فأبوك أوّله ، و إن يك جورا ، فأبوك اسّسه ، و نحن شركاؤه ، و بهديه

ــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب ٣ : ١١ ، و النقل بتصرف يسير .

٢٣

أخذنا ، و بفعله اقتدينا و لو لا ما سبقنا إليه أبوك ، ما خالفنا ابن أبي طالب و أسلمنا له ، و لكنّا رأينا أباك فعل ذلك . فاحتذينا بمثاله ، و اقتدينا بفعاله . فعب أباك ما بدا لك أو دع » ١ .

و من العجب أن الطبري قال : لم أجز نقل هذا الكتاب لعدم احتمال العامّة له ٢ . فيقال له : لا يحتمله إلاّ من انسلخ عن الإنسانية ، و جوّز التناقض و التضاد ،

و إنكار المتواترات ، و عدم بطلان الملزوم مع بطلان اللازم في دين الاسلام ،

و لازم صحّة خلافة أبي بكر و عمر و عثمان كون معاوية على الحق و هو هو و عليّ عليه السلام على الباطل و هو هو . أفّ لهم و لما يعبدون من دون اللّه .

و نقل ( طرائف ابن طاووس ) عن ( أنساب البلاذري ) : انّ الحسين عليه السلام لما قتل كتب عبد الله بن عمر إلى يزيد بن معاوية : أما بعد فقد عظمت الرزيّة ،

و جلّت المصيبة ، و حدث في الإسلام حدث عظيم ، و لا يوم كيوم الحسين .

فكتب إليه يزيد : يا أحمق فانّا جئنا إلى بيوت متخذة ، و فرش ممهّدة ، و وسائد منضّدة . فقاتلنا عليها ، فان يكن الحقّ لنا فعن حقّنا قاتلنا ، و ان يكن الحق لغيرنا فأبوك أوّل من سنّ هذا و آثر و استأثر بالحق على أهله ٣ .

و لازم صحّة خلافة أبي بكر كون قتل يزيد السكّير القمّير للحسين سيّد شباب أهل الجنّة بالتواتر عن النبيّ صلى الله عليه و آله و ابن الرسول صلى الله عليه و آله بقوله جلّ و علا و أبناءنا و أبناءكم ٤ و من أهل بيت العصمة بنصّ القرآن انّما يريد

ــــــــــــــــ

( ١ ) وقعة صفين : ١٢٠ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٣ : ٥٥٧ ، سنة ٣٦ .

( ٣ ) رواه ابن طاووس في الطرائف ١ : ٢٤٨ ح ٣٤٨ ، لكن لم يوجد في ترجمة الامام الحسين عليه السلام و لا يزيد بن معاوية من انساب الاشراف .

( ٤ ) آل عمران : ٦١ .

٢٤

اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا ١ حقّا ، و كفاهم بذلك خزيا .

و في ( الطبري ) : لما كتب عبيد اللّه بن زياد مع مالك بن النسير البديّ الكندي إلى الحرّ « جعجع بالحسين حين يبلغك كتابي » نظر إليه أبو الشعثاء الكندي من أصحاب الحسين عليه السلام و قال له : ثكلتك أمّك ماذا جئت فيه ؟ قال :

أطعت إمامي و وفيت بيعتي . قال له أبو الشعثاء : كسبت العار و النار ، قال الله عزّ و جلّ : و جعلناهم أئمّة يدعون إلى النار و يوم القيامة لا ينصرون ٢ .

و في ( الطبري ) : أن الشيعة الّذين كانوا أصحاب جعفر بن محمّد قالوا لزيد بن عليّ لمّا أراد الخروج : ما قولك في أبي بكر و عمر ؟ قال : إنّ أشدّ ما أقول إنّا كنّا أحقّ بسلطان رسول الله صلى الله عليه و آله من الناس أجمعين ، و إنّ القوم استأثروا علينا ، و دفعونا عنه ، و لم يبلغ ذلك عندنا بهم كفرا قالوا : فلم يظلمك هؤلاء إذا كان اولئك لم يظلموك فلم تدعو إلى قتال قوم ليسوا لك بظالمين ؟ ٣ و قولهم عين الحق . فإنّ المؤسس لبني اميّة هم الثلاثة أليس الثاني أحدث شورى لاختيار الثالث ؟ أليست خلافة الثالث عين سلطنة بني اميّة ؟

ثم الظاهر انّ زيدا اتّقى باقي أصحابه ، فروى عنه أيضا انّه سأله رجل عن الرجلين ، فلم يجبه . فلمّا وقع السهم في جبينه دعا الرجل ، و قال : لم يرمني بهذا السهم إلاّ الرجلان ٤ .

و روى محمّد بن الحسن الصفار في ( بصائره ) عن الباقر عليه السلام في قوله جلّ و علا : انّا عرضنا الأمانة على السموات و الأرض و الجبال فأبين أن

ــــــــــــــــ

( ١ ) الاحزاب : ٣٣ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٤ : ٣٠٨ ، سنة ٦١ ، و النقل بتلخيص . و الآية ٤١ من سورة القصص .

( ٣ ) تاريخ الطبري ١٥ : ٤٩٨ ، سنة ١٢٢ ، و النقل بتلخيص .

( ٤ ) روى هذا المعنى الهمداني في الالفاظ الكتابية : ١٤٣ .

٢٥

يحملنها و أشفقن منها و حملها الإنسان انّه كان ظلوما جهولا ١ : الأمانة :

الولاية حملها أبو فلان ، و أبت السماوات و الأرض و الجبال حملها ٢ .

و قال الزبير بن بكار : روى محمد بن اسحق انّ أبا بكر لمّا بويع افتخرت تيم بن مرّة ، و كان عامّة المهاجرين ، و جلّ الأنصار لا يشكّون أن عليّا عليه السّلام هو صاحب الأمر بعد الرسول صلّى اللّه عليه و آله . فقال الفضل بن العباس : يا معشر قريش ،

و خصوصا يا بنى تيم إنّكم إنّما أخذتم الخلافة بالنبوّة ، و نحن أهلها دونكم إلى أن قال و انّا لنعلم انّ عند صاحبنا عهدا هو ينتهي إليه ٣ .

و روى الواقدي في ( شوراه ) كما نقله ابن أبي الحديد عند قوله عليه السّلام :

« و من كلام له عليه السّلام و قد وقع بينه و بين عثمان مشاجرة » عن ابن عباس قال :

شهدت عتاب عثمان لعليّ عليه السّلام إلى أن قال قال عثمان لعلي عليه السّلام : فإن كنت تزعم انّ هذا الأمر جعله رسول الله صلّى اللّه عليه و آله لك ، فقد رأيناك حين توفي نازعت ثم أقررت إلى أن قال فقال له عليّ عليه السّلام : و امّا عتيق و ابن الخطاب . فإن كانا أخذا ما جعله رسول الله صلّى اللّه عليه و آله لي . فأنت أعلم بذلك و المسلمون ٤ .

و روى الزبير بن بكار في ( موفقياته ) و ( الطبري في تاريخه ) في سيرة عمر ، عن عبد الله بن عمر قال : كنت عند أبي يوما ، و عنده نفر من الناس . فجرى ذكر الشعر فقال : من أشعر العرب ؟ فقالوا : فلان و فلان . فطلع ابن عباس . فقال عمر : جاء الخبير . من أشعر الناس يا عبد الله ؟ قال : زهير ابن أبي سلمى . قال :

فأنشدني مما تستجيده له . فقال : انّه مدح قوما من غطفان يقال لهم بنوسنان .

فقال فيهم :

ــــــــــــــــ

( ١ ) الاحزاب : ٧٢ .

( ٢ ) بصائر الدرجات : ٩٦ ح ٣ ، و النقل بالمعنى .

( ٣ ) رواه عنه ابن أبي الحديد في شرحه ٢ : ٨ ، شرح الخطبة ٦٥ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٣٧٧ ، شرح الخطبة ١٣٣ .

٢٦

لو كان يقعد فوق الشمس من كرم

قوم بأوّلهم أو مجدهم قعدوا

قوم سنان ابوهم حين تنسبهم

طابوا و طاب من الأولاد ما ولدوا

انس اذا آمنوا جنّ اذا فزعو

مرزؤن بها ليل إذا جهدوا

محسّدون على ما كان من نعم

لا ينزع اللّه عنهم ماله حسدوا

فقال عمر : قاتله اللّه لقد أحسن ، و لا أرى هذا المدح يصلح إلاّ لهذا البيت من هاشم لقرابتهم من رسول اللّه . فقال له ابن عباس : و فّقك اللّه . فلم تزل موفّقا .

قال : يا ابن عباس أتدري ما منع الناس منكم ؟ قال : لا . قال : لكنّي أدري . قال :

ما هو ؟ قال : كرهت قريش أن تجتمع لكم النبوّة و الخلافة فتجحفوا الناس جحفا ، فنظرت قريش لأنفسها فاختارت ، و وفّقت فأصابت . فقال ابن عباس :

أتميط عنيّ غضبك فأقول ؟ قال : قل ما تشاء . قال : أمّا قولك إن قريشا كرهت فإن الله تعالى قال لقوم ذلك بأنّهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم ١ ،

و اما قولك إنّا كنّا نجحف بالخلافة فلو جحفنا بالقرابة ، و لكنّا قوم أخلاقنا مشتقّة من خلق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الّذي قال تعالى له : و انّك لعلى خلق عظيم ٢ و قال تعالى له صلّى اللّه عليه و آله : و اخفض جناحك لمن اتّبعك من المؤمنين ٣ و اما قولك : انّ قريشا اختارت فإن الله تعالى يقول : و ربّك يخلق ما يشاء و يختار ما كان لهم الخيرة ٤ ، و قد علمت انّ اللّه تعالى اختار من خلقه لذلك من اختار . فلو نظرت قريش لنفسها من حيث نظر الله لها لوفّقت و أصابت . فقال عمر : « على رسلك يا ابن عباس . أبت قلوبكم يا بنى هاشم إلاّ غشّا في أمر قريش لا يزول و حقدا عليها لا يحول » .

ــــــــــــــــ

( ١ ) محمد : ٩ .

( ٢ ) القلم : ٤ .

( ٣ ) الشعراء : ٢١٥ .

( ٤ ) القصص : ٦٨ .

٢٧

فقال ابن عباس : « مهلا ، لا تنسب قلوب بني هاشم إلى الغشّ . فإنّ قلوبهم من قلب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الّذي طهّره اللّه ، و زكّاه ، و هم أهل البيت الّذين قال تعالى فيهم إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا ١ و أما قولك : حقدا ، فكيف لا يحقد من غصب شيئه ، و يراه في يد غيره . فقال عمر : « أما أنت يا ابن عباس فقد بلغني عنك كلام أكره أن أخبرك به فتزول منزلتك عندي » قال : و ما هو ؟ اخبرني . فإن يك باطلا فمثلي يميط الباطل عن نفسه ، و إن يك حقّا فإنّ منزلتي عندك لا تزول به . قال عمر : بلغني أنّك لا تزال تقول اخذ هذا الأمر منّا حسدا و ظلما . قال : أمّا قولك حسدا فقد حسد إبليس آدم فأخرجه من الجنّة . فنحن بنو آدم المحسود ، و امّا قولك ظلما فأنت تعلم صاحب الحقّ من هو . ثم قال : ألم تحتجّ العرب على العجم بحقّ رسول اللّه ، و احتجّت قريش على سائر العرب بحقّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ؟ فنحن أحقّ برسول اللّه من سائر قريش . فقال عمر : قم الآن فارجع إلى منزلك . فقام ، فلمّا ولى هتف به عمر أيّها المنصرف إنّي على ما كان منك لراع حقّك . فالتفت ابن عباس فقال : انّ لي عليك ، و على كلّ المسلمين حقّا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فمن حفظه فحقّ نفسه حفظ ، و من أضاعه فحقّ نفسه أضاع . ثم مضى . فقال عمر لجلسائه : و اها لابن عباس ما رأيته لاحى أحدا قط إلاّ خصمه ٢ .

و أقول : لله در ابن عباس أدّى حقّ الكلام ، و هل ما قاله لعمر إلاّ عين ما تقوله الإمامية للسنّة من أنّ قريشا ، و في رأسهم صدّيقهم و فاروقهم ، كرهوا ما أنزل اللّه تعالى من استخلاف أمير المؤمنين عليه السّلام فأحبط اللّه أعمالهم ، و أنّهم

ــــــــــــــــ

( ١ ) الاحزاب : ٣٣ .

( ٢ ) رواه الزبير بن بكار في الموفقيات ، و عنه شرح ابن أبي الحديد ٣ : ١٠٦ ، شرح الخطبة ٢٢٦ ، و الطبري في تاريخه ٣ : ٢٨٨ ، سنة ٢٣ ، و النقل بتصرف يسير .

٢٨

علموا من اختاره اللّه تعالى فتركوه عمدا ، و أنه ما كان لهم اختيار الإمام بل لله تعالى كاختيار النبيّ ، و أن أمير المؤمنين ، و أهل بيته عليه السّلام هم الّذين أذهب اللّه عنهم الرجس ، و طهّرهم تطهيرا ، و أن أخلاقهم كأخلاق النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و قلوبهم كقلبه و أنهم حسدوهم ، و ظلموهم .

و أقول لعمر ، زيادة على ما قال ابن عباس : لم لا تقول : « أصابت قريش و وفّقت في اختيارها » و لو لم يكن فعلها لما كنت أنت و صاحبك تؤمّران على العالم .

و يا للّه من عرّ عمر . تارة ينسب إلى بني هاشم و مغزى كلامه و مرماه أمير المؤمنين عليه السّلام الغشّ ، و قد أخذه عنه معاوية ، و اخرى العجب و الجحف ،

و قد أخذ ذلك عنه ابن الزبير ، فكان لا يصلّى على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في صلاته و خطبته و يقول : لئلا يشمخ أهله بآنافهم . و ثالثة الحرص و أخذه عنه ابن عوف يوم الشورى ، و رابعة الدعابة أخذه ابن النابغة . فكان يزعم ذلك لأهل الشام .

و روى الجوهري في ( سقيفته ) عن ابن عباس قال : تفرّق الناس ليلة الجابية عن عمر . فسار كلّ واحد مع إلفه . ثم صادفت عمر تلك الليلة في مسيرنا فحادثته فشكا إليّ تخلّف عليّ عليه السلام عنه إلى أن قال قال عمر : يا ابن عباس أوّل من ريّثكم عن هذا الأمر أبو بكر أنّ قومكم كرهوا أن يجمعوا لكم الخلافة و النبوّة ، قلت : لم ذاك ألم تنلهم خيرا ؟ قال : بلى ، و لكنّهم لو فعلوا لكنتم عليهم جحفا ١ .

قلت : سبحان اللّه إعتقد عمر أنّ خلافة الإسلام بيد جمع أنكروا نبوّة نبي الإسلام حتّى قهرهم بالسيف ، فأسرّوا كفرهم به و أظهروه بعد وفاته .

و روى الزبير بن بكار في ( موفقياته ) عن ابن عباس قال : إني لأماشي

ــــــــــــــــ

( ١ ) السقيفة : ٥٢ ، و النقل بتلخيص .

٢٩

عمر بن الخطاب في سكّة من سكك المدينة إذ قال لي : يا ابن عباس ما أرى صاحبك إلاّ مظلوما . فقلت في نفسي : و اللّه لا يسبقني بها . فقلت : فاردد إليه ظلامته . فانتزع يده من يدي ، و مضى يهمهم ساعة . ثم وقف فلحقته . فقال : يا ابن عباس ما أظنّ منعهم عنه إلاّ انّه استصغره قومه . فقلت في نفسي : هذه شرّ من الاولى . فقلت : و اللّه ما استصغره اللّه و رسوله حين أمراه أن يأخذ براءة من صاحبك . فأعرض عنّي و أسرع . فرجعت عنه ١ .

و في ( فهرست ابن النديم ) : قال هشام بن الحكم : ما رأيت مثل مخالفينا عمدوا إلى من ولاّه اللّه من سمائه فعزلوه ، و إلى من عزله من سمائه فولّوه ٢ .

و روى الزبير بن بكار أيضا في ( الموفّقيات ) : عن ابن عباس قال : كنت عند عمر . فتنفّس نفسا ظننت أنّ أضلاعه قد انفرجت . فقلت له : ما أخرج هذا النفس منك إلاّ هم شديد . فقال أي : و الله يا ابن عباس إنّي افتكرت فلم أدر في من أجعل هذا الأمر من بعدي . ثم قال : لعلّك ترى صاحبك لها أهلا قلت : و ما يمنعه من ذلك مع جهاده و سابقته و قرابته و علمه ، قال : صدقت و لكنّه امرؤ فيه دعابة إلى أن قال قال عمر : من ان وليها يحملهم على كتاب ربّهم و سنّة نبيّهم لصاحبك أما ان ولي أمرهم حملهم على المحجّة البيضاء و الصراط المستقيم ٣ .

قلت : سبحان اللّه مع اعترافه بأنّ أمير المؤمنين عليه السلام لو ولي الأمر يحملهم على كتاب ربّهم و سنّة نبيّهم ، و على المحجّة البيضاء و الصراط المستقيم كيف دبّر الأمر لعثمان الّذي كان يعرف أنّه لو ولي يردّهم إلى

ــــــــــــــــ

( ١ ) رواه عنه ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ١٠٥ ، شرح الخطبة ٢٢٦ .

( ٢ ) تكملة الفهرس : ٢٢٤ .

( ٣ ) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ١٠٦ ، شرح الخطبة ٢٢٦ ، لكن لا عن الزبير بن بكار بل روى حديثا آخر قبل هذا عن موفقيات الزبير بن بكار و النقل بتصرف يسير .

٣٠

الجاهلية الاولى ؟ و كيف لا و ساعة جلوسه في الخلافة جاهر أبو سفيان في محضره : يا بني اميّة تداولوها تداول الكرة فلا جنّة و لا نار .

و أمّا رميه له عليه السلام بالدعابة ، فإنّما كان لأنّه عليه السلام لم يكن مثله عبوسا بصفة الجبّارين ، بل كان بشره في وجهه الّذي هو صفة المؤمنين .

و روى ابو عمر في ( استيعابه ) عن ابن عمر . قال : قال عمر لأهل الشورى : لله درّهم إن ولّوها الأصيلع كيف يحملهم على الحقّ ، و لو كان السيف على عنقه . فقلت : أتعلم ذلك منه و لا تولّيه . قال : إن لم أستخلف فأتركهم ، فقد تركهم من هو خير منّي ١ .

قلت : يالله للجواب ، و لحمق أتباعه ، لكن لا غرو . قال تعالى في فرعون :

فاستخفّ قومه فأطاعوه ٢ ، و لو كان الأمر كما ذكروا من عدم لزوم تعيين النبي لخليفته و تكون بيعة الناس تجعل انسانا إماما يكون من خالفه خارجيا مباح الدم يلزم أن يصير ولي اللّه عدّوا لله ، و بالعكس لو بايع الناس مخالف الأول مع كون عملهما مع اللّه تعالى بعد ذلك عملهما معه جلّ و علا قبل بلا تغيير و لا تبديل ، و لا زيادة و لا نقصان .

و لمّا حارب المهلب مع الخوارج بسولاف من قبل مصعب بن الزبير ثمانية أشهر ثم قتل مصعب بلغ ذلك الخوارج ، و لم يبلغ المهلّب و أصحابه فناداهم الخوارج ألا تخبروننا ما قولكم في مصعب ؟ قالوا : إمام هدى . قالوا :

فهو وليّكم في الدنيا و الآخرة . قالوا : نعم . قالوا : فما قولكم في عبد الملك بن مروان ؟ قالوا : ذلك اللعين ابن اللعين نحن إلى اللّه منه براء ، و هو عندنا أحلّ دما منكم . قالوا : فأنتم منه براء في الدنيا و الآخرة ، قالوا : نعم . كبراءتنا منكم . قالوا :

ــــــــــــــــ

( ١ ) الاستيعاب ٣ : ٦٤ .

( ٢ ) الزخرف : ٥٤ .

٣١

و أنتم له أعداء أحياء و أمواتا . قالوا : نعم . نحن له أعداء كعداوتنا لكم . قالوا : فإنّ إمامكم مصعبا قد قتله عبد الملك ، و نراكم ستجعلون غدا عبد الملك إمامكم و أنتم لا تتبرّؤون منه و تلعنون أباه . قالوا : كذبتم يا أعداء اللّه . فلّما كان من الغد تبيّن لهم قتل مصعب . فبايع المهلّب الناس لعبد الملك . فأتتهم الخوارج فقالوا :

ما تقولون في مصعب ؟ قالوا : يا أعداء اللّه لا نخبركم ما قولنا فيه ، و كرهوا أن يكذّبوا أنفسهم عندهم قالوا : فقد أخبرتمونا أمس أنّه وليّكم في الدنيا و الآخرة ، و أنّكم أولياؤه أحياء و أمواتا ، فأخبرونا ما قولكم في عبد الملك ؟

قالوا : ذاك إمامنا و خليفتنا و لم يجدوا إذ بايعوه بدّا من أن يقولوا هذا القول .

فقالت لهم الأزارقة : يا أعداء اللّه أنتم أمس تتبرؤون منه في الدنيا و الآخرة ،

و تزعمون أنّكم له أعداء أحياء و أمواتا . و هو اليوم إمامكم و خليفتكم ، و قد قتل إمامكم الّذي كنتم تتولّونه ، فأيهما المحق و أيهما المبطل ؟ و أيّهما المهتدي ،

و أيّهما الضالّ ؟ قالوا لهم : يا أعداء اللّه رضينا بذلك إذ كان وليّ أمورنا ،

و نرضى بهذا كما رضينا بذالك . قالوا لهم : لا و الله ، و لكنّكم إخوان الشياطين ،

و أولياء الظالمين ، و عبيد الدنيا .

و أقول للخوارج : إنّ ذلك يلزم عليكم بعد إقراركم بإمامة صديقكم و فاروقكم ، و خروجكم عن الإلتزام بلازمه لكونه واضح البطلان التزام بالتضاد و التناقض ، و خلاف المعقول . فمن أقرّ بملزوم لابد أن يقرّ بلازمه .

و أقول لفاروقهم قولك : « إن لم أستخلفهم فأتركهم فقد تركهم من هو خير منّي » مضحك للثكى . فكيف تركهم فقد أراد كتابة وصيّة و تعيين وصيّه كتابة حتّى لا يمكنك إنكاره ، و كنت تعرف ذلك كما أقررت به في اعتذارك عن منعه . فقلت : ان الرجل ليهجر حسبنا كتاب الله ، مع عدم معرفتك بشي‏ء منه حتّى سخط و أخرجك من عنده .

٣٢

ثم كيف تركتهم ، و قد استخلفت بني امية الشجرة الملعونة في القرآن ١ .

و في ( إيضاح الفضل بن شاذان ) : روى يزيد بن هارون ، عن العوام بن حوشب عن إبراهيم التيمي قال : قال ابن عباس : لقي رجل من أهل الشام أبي بالجابية فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ، فقال : لست للمؤمنين بأمير و هو ذاك و أشار إلى عمر و كان بالقرب و انا و اللّه أحقّ بها منه ، فسمعها عمر . فقال له : أحقّ بها منّي و منك رجل خلّفناه في المدينة يعني عليّا عليه السّلام ٢ .

قلت : نقلنا قصصا عن عمر في قوله عليه السّلام : « و إنّه ليعلم أنّ محلي منها محلّ القطب من الرحى » مع كون المراد به أبا بكر لأنّهما كانا كنفس واحدة ،

و لأنّه إنّما كان هو الناصب لأبي بكر كما اعترف به النظام ، نصبه ليردّ الأمر إليه كما صرّح به أمير المؤمنين عليه السلام مع انّه كان أيّام خلافة أبي بكر شريكه في الخلافة أيضا كما لا يخفى عند من كان له إلمام بالتاريخ .

ثم إنّه كما علم أبو بكر أوّل من تقمّص بها بكونه عليه السلام أولى بها من كلّ أحد كذلك كلّ من تصدّى لها إلى الآخر إلاّ أنّهم تبعوا الأول و تظاهروا به لكونه أسّس لهم رياسة و دنيا عظيمة . فخطب داود بن علي لمّا بويع السفّاح ، و قال :

« لم يصعد هذا المنبر بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله حقّا إلاّ عليّ بن أبي طالب و السفّاح » .

و روى الطبري في أحوال المهدي : أنّ أبا عون عبد الملك بن يزيد مرض فعاده المهدي و سأله حاجته . فقال : حاجتي أن ترضى عن عبد الله بن أبي عون و تدعو به . فقد طالت موجدتك عليه . فقال : يا أبا عون إنّه على غير الطريق و على خلاف رأينا و رأيك ، إنّه يقع في الشيخين أبي بكر و عمر و يسيى‏ء القول

ــــــــــــــــ

( ١ ) بالنظر الى قوله تعالى في الاسراء : ٦٠ .

( ٢ ) الايضاح : ٩٠ ، و النقل بتصرف يسير .

٣٣
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الخامس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

فيهما . فقال أبو عون : هو و اللّه على الأمر الّذي خرجنا عليه ، و دعونا إليه . فإن كان قد بدا لكم فمروا بما أحببتم حتى نطيعكم ١ .

و في ( الأغاني ) عن أبي سليمان الناجي قال : جلس المهدي يوما يعطي قريشا صلات أمر لهم بها و هو ولي عهد . فبدا ببني هاشم ثم بسائر قريش .

فجاء السيّد الحميري ، و دفع إلى الربيع رقعة مختومة و إذا فيها :

قل لابن عباس سميّ محمّد

لا تعطينّ بني عديّ درهما

و احرم بني تيم بن مرّة إنّهم

شرّ البرية آخرا و مقدما

إن تعطهم لا يشكروا لك نعمة

و يكافئوك بأن تذمّ و تشتما

و لئن منعتهم لقد بدؤوكم

بالمنع إذ ملكوا فكانوا أظلما

منعوا تراث محمّد أعمامه

و بنيه و ابنيه عديلة مريما

و تأمّروا من غير أن يستخلفوا

و كفى بما فعلوا هنالك مأثما

لم يشكروا لمحمّد إنعامه

أفيشكرون لغيره ان أنعما

و اللّه منّ عليهم بمحمّد

و كسا الجنوب و أطعما

ثم انبروا لوصيّه و وليّه

بالمنكرات فجرّعوه العلقما

فرمى بها إلى عبيد اللّه الوزير ثم أمر بقطع العطاء فانصرف الناس و أدخل السيّد عليه . فلمّا رآه ضحك ، و قال : قد قبلنا نصيحتك يا إسماعيل . . .

و يأتي كلام الناصر العباسي ٢ .

و أمّا قول أبي بكر في إظهاره الشكّ في احتضاره . فقد قال كما في ( خلفاء ابن قتيبة ) : « ليتني سألته ( أي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ) لمن هذا الأمر من بعده فلا ينازعه فيه أحد » ٣ فيقال له في قوله « ليتني سألته لمن هذا الأمر من بعده » ليت

ــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٦ : ٤٠٠ ، سنة ١٦٩ ، و النقل بتلخيص .

( ٢ ) الأغاني ٧ : ٢٤٣ ، و النقل بتلخيص .

( ٣ ) رواه ابن قتيبة في الإمامة و السياسة ١ : ١٩ ، و الطبري في تاريخه ٢ : ٦٢٠ ، سنة ١٣ ، و غيرهما .

٣٤

صاحبك خلاّه يقول ذلك ، لكن الرزية كلّ الرزية كما قال ابن عباس و كان كلّما ذكر ذلك قال ذلك و يبكي بكاء الثكلى منع صاحبك له عن ذلك مع أنّه يكفي في خزي اتباعه شكّ متبوعهم في أمر نفسه .

و روى محمّد بن يعقوب الكليني عن الأصبغ قال : قال أمير المؤمنين عليه السّلام : ما بال أقوام غيّروا سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ، و عدلوا عن وصيّه لا يتخوّفون أن ينزل بهم العذاب ؟ ثم تلا هذه الآية : ألم تر إلى الذين بدّلوا نعمة اللّه كفرا و أحلّوا قومهم دار البوار جهنّم ١ ثم قال : نحن النعمة الّتي أنعم اللّه بها على عباده ، و بنا يفوز من فاز يوم القيامة ٢ .

هذا . و في ( روضة المناظر ) : اتّفق الملك العادل أبو بكر أخو السلطان صلاح الدين ، و الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين على أخذ دمشق من الملك الأفضل علي بن صلاح الدين ، و حاصراه . فدخل أبو بكر من باب توما ،

و عثمان من باب العرج ، فسار علي إلى صرخد ، و كتب إلى الخليفة الناصر العباسي يشكو من عمّه و أخيه :

مولاي إنّ أبا بكر و صاحبه

عثمان قد أخذا بالجور حقّ علي

فانظر إلى حظّ هذا الأسم كيف لقي

من الأواخر ما لقى من الاوّل

فأجابه الخليفة الناصر العباسي :

غصبوا عليّا حقّه إذ لم يكن

بعد النبّي له بيثرب ناصر

فاصبر فإنّ غدا عليه حسابهم

و ابشر فناصرك الإمام الناصر ٣

« ينحدر » أي : ينهبط .

ــــــــــــــــ

( ١ ) إبراهيم : ٢٨ و ٢٩ .

( ٢ ) الكافي ١ : ٢١٧ ح ١ .

( ٣ ) روضة المناظر ٢ : ١٠٦ ، و النقل بتصرف في اللفظ .

٣٥

« عنّي السيل » من سال الماء .

« و لا يرقى » أي : لا يصعد .

« إلى الطير » شبّه عليه السّلام علوه المعنوي بجبل عال لا يقدر الطير من كثرة علوه أن يصعد إليه ، و قال الشاعر

« عال يقصّر دونه اليعقوب »

و اليعقوب ذكر الحجل ، و قال الأعشى :

في مجدل شيّد بنيانه

يزلّ عنه ظفر الطائر

و قال امرؤ القيس :

نيافا تزلّ الطير عن قذفاته

هذا ، و قال كعب الأشقري في فتح يزيد بن المهلّب قلعة نيزك بباد غيس و كانت في غاية الإرتفاع ، و كان نيزك يعظّمها حتّى إذا رآها سجد لها :

نفى نيزكا عن باد غيس و نيزك

بمنزلة أعيى الملوك أغتصابها

محلّقة دون السماء كأنّها

غمامة صيف زلّ عنها سحابها

و لا يبلغ الأروى شماريخها العلى

و لا الطير إلاّ نسرها و عقابها

و ما خوّفت بالذئب ولدان أهلها

و لا نبحت إلاّ النجوم كلابها

نقل الصدوق في ( معاني أخباره ) عن أبي أحمد العسكري قال : معنى قوله عليه السّلام « ينحدر عنّي السيل و لا يرقى إليّ الطير » أنّ الخلافة ممتنعة على غيري ، و لا يتمكّن منها ، و لا تصلح له ١ .

قلت : ما قاله إنّما هو معنى قوله عليه السلام قبل ذلك : « انّ محلي منها محلّ القطب من الرحى » و امّا هذا الكلام فمعناه علوّ مقامه بحيث لا يمكن لأحد أن يناله .

و علو مقامه هو أحد أسباب إعراض الناس عنه عليه السّلام ، قال أبو زيد

ــــــــــــــــ

( ١ ) معانى الاخبار : ٣٦٢ ، و علل الشرائع ١ : ١٥٢ .

٣٦

النحوي : قلت للخليل العروضي : لم هجر الناس عليّا عليه السّلام و قرباه ، من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قرباه ، و موضعه من الإسلام موضعه ؟ فقال : « و اللّه بهر نوره أنوارهم ، و غلبهم على صفو كلّ منهل ، و الناس إلى أشكالهم أميل . أما سمعت قول الأوّل :

و كلّ شكل لشكله ألف

أما ترى الفيل يألف الفيلا ؟ ١

و قال يونس النحوي أيضا قلت للخليل : ما بال أصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كأنّهم بنو أمّ واحدة ، و علي كأنّه ابن علّة ؟ قال : تقدّمهم إسلاما ، و بذّهم شرفا و فاقهم علما ، و رجحهم حلما و كثرهم هدى فحسدوه ، و الناس إلى أمثالهم و أشكالهم أميل ٢ .

و في ( عيون المفيد ) : اتفق الناس على النقل عن أمير المؤمنين عليه السّلام رجزه في صفّين :

أنا علي صاحب الصمصامة

و صاحب الحوض لدى القيامة

أخو نبي اللّه ذي العلامة

قد قال إذ عمّمني العمامة

أنت أخي و معدن الكرامة

و من له من بعدي الإمامة ٣

و كيف لا يكون مقامه عليه السلام بذالك الشموخ ، و كتاب اللّه تعالى في تنزيله جعله نفس النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و النبي صلّى اللّه عليه و آله جعل في المتواتر عنه يوم احد لمّا قال جبرئيل عليه السلام له صلّى اللّه عليه و آله تعجبا من حمايته عليه السّلام عنه صلّى اللّه عليه و آله نفسه منه عليه السّلام فقال صلّى اللّه عليه و آله لجبرئيل : « كيف لا يواسيني علي ، و هو منّي و أنا منه » كما جعل جبرئيل نفسه منه عليه السّلام كما جعلها منه صلّى اللّه عليه و آله فقال للنبي صلّى اللّه عليه و آله بعد

ــــــــــــــــ

( ١ ) رواه الصدوق في علل الشرائع ١ : ١٤٥ ح ١ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) رواه السروي في مناقبه ٣ : ٢١٣ ، و السائل هنا ايضا ابو زيد .

( ٣ ) رواه عنه الشريف المرتضى في الفصول المختاره ٢ : ٢٣٤ .

٣٧

كلامه ذاك « و أنا منكما » ١ .

« فسدلت » أي : أرخيت .

« دونها » أي : دون الخلافة .

« ثوابا » و الكلام كناية عن إعراضه عنها ، كمن يضرب الحجاب بينه و بين من يعرض عنه .

و في ( إيضاح الفضل ) : قال المأمون لفقهاء العامة : قال عليّ عليه السّلام : قبض النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ، و أنا أولى بمجلسه مني بقميصي ، و لكنّي أشفقت أن يرجع الناس كفّارا ٢ .

« و طويت عنها كشحا » قال ابن أبي الحديد : أي : حرمتها قالوا : لأنّ من كان إلى جانبك الأيمن مثلا فطويت كشحك الأيسر فقد ملت عنه و الكشح ما بين الخاصرة و الجنب . و عندي انّهم أرادوا غير ذلك ، و هو أنّ من أجاع نفسه . فقد طوى كشحه كما أنّ من أكل و شبع فقد ملأ كشحه ، فكانّه أراد انّي اجعت نفسي عنها و لم ألتهمها ٣ .

قلت : إنّما يجي‏ء « طوى بطنه » بمعنى الجوع كما في الخبر « و اترك أهل الصفّة تطوى بطونهم » ٤ و أما « طوى كشحه » فلا يجي‏ء إلاّ بمعنى الإعراض إذا عدي بعن كما في كلامه عليه السّلام ، أو بتقديرها كما في قول الشاعر :

أخ قد طوى كشحا

و أبّ ليذهبا

و قال آخر :

و صاحب لي طوى كشحا فقلت له

إنّ انطواءك هذا عنك يطويني

ــــــــــــــــ

( ١ ) رواه جمع كثير منهم ابن هشام في السيرة ٣ : ٤٣ ، و الكليني في الكافي ٨ : ١١٠ ح ٩٠ ، غيرهما .

( ٢ ) لم يوجد في الايضاح ، بل رواه الصدوق في عيون الاخبار ٢ : ١٨٦ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٥٠ .

( ٤ ) النهاية ٣ : ١٤٦ ، مادة ( طوي ) .

٣٨

و أمّا إذا عدّي بعلى فبمعنى الإخفاء كما قال زهير في حصين بن ضمضم في حرب داحس و الغبراء .

و كان طوى كشحا على مستكنّة

فلا هو أبداها و لم يتجمجم

و في ( اللسان ) : أراد « بالمستكنّة » عداوة أكنّها في ضميره ١ .

و بالجملة قوله عليه السّلام : « و طويت عنها كشحا » كقوله عليه السّلام : « و سدلت دونها ثوبا » ، كناية عن إعراضه عليه السلام عن الخلافة و تصدّي الأمر ، و ابن أبي الحديد خلط بين طيّ البطن و طيّ الكشح .

ثم طيّ الكشح لا يختصّ بمن كان على أيمنك فطويت أيسرك عنه كما قال ابن أبي الحديد بل يجي‏ء للعكس أيضا بل قوله : فطويت أيسرك عنه غير صحيح . فمن كان على أيمنك تطوى أيمنك أولا عنه إذا أعرضت عنه ، و بطيّ الأيمن يحصل طي الأيسر .

ثم انّه عليه السّلام أعرض عن الخلافة ، و سدل دونها ثوبا ، و طوى عنها كشحا لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أخبره بكيفيّة معاملة الناس معه عليه السّلام بعده فقال له « انّ الامّة ستغدر بك بعدي » ٢ .

و روي انّ الأشعث بن قيس قاله له : ما منعك يا ابن أبي طالب حين بويع أخو بني تيم ، و أخو بني عدي ، و أخو بني أميّة أن تقاتل و تضرب بسيفك ، و أنت لم تخطبنا خطبة مذ كنت قدمت العراق إلاّ قلت فيها قبل أن تنزل عن المنبر « و الله إنّي لأولى الناس ، و ما زلت مظلوما مذ قبض رسول الله » فما يمنعك أن تضرب بسيفك دون مظلمتك ؟

قال : يا ابن قيس إسمع الجواب . لم يمنعني من ذلك الجبن ، و لا كراهة

ــــــــــــــــ

( ١ ) لسان العرب ١٥ : ١٩ ، مادة ( طوي )

( ٢ ) أخرجه الحاكم في المستدرك ٣ : ١٤٠ و ١٤٢ ، و الثقفي ، و عنه تلخيص الشافي ٣ : ٥٠ ٥١ ، و جمع آخر غيرهما .

٣٩

للقاء ربيّ ، و لكن منعني من ذلك أمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و عهده إليّ . أخبرني بما الامّة صانعة بعده . فلم أك بما صنعوا حين عاينته بأعلم به ، و لا أشدّ استيقانا منّي به قبل ذلك . فقلت : يا رسول الله ، فما تعهد إليّ إذا كان ذلك ؟ قال : إن وجدت أعوانا فانبذ إليهم و جاهدهم ، و إن لم تجد أعوانا . فكفّ يدك ، و احقن دمك حتى تجد على إقامة الدين و كتاب الله و سنّتي أعوانا ، و أخبرني أنّ الامة ستخذلني و تبايع غيري ، و أخبرني أنّي منه بمنزلة هارون من موسى ، و أنّ الامّة سيصيرون بعده بمنزلة هارون ، و من تبعه ، و العجل و من تبعه إذ قال له موسى : يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلّوا ألاّ تتّبعن أفعصيت أمري قال يا ابن ام لا تأخذ بلحيتي و لا برأسي إنّي خشيت أن تقول فرّقت بين بني إسرائيل و لم ترقب قولي ١ الخبر ٢ .

و لم يحضر عليه السّلام السقيفة كما حضروا لأمرين :

أحدهما : انّه كان مشتغلا بدفن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فكانوا يقولون له عليه السّلام بعد سماع احتجاجه عليهم : « لو سمعت الأنصار كلامك قبل بيعتها لأبي بكر ما اختلفت عليك » فكان عليه السّلام يقول : « أ فكنت أدع رسول الله صلّى اللّه عليه و آله في بيته لم أدفنه ،

و أخرج أنازع الناس بسلطانه » ٣ .

و الثاني : أنّ الإمام بمنزلة الكعبة يجب على الناس أن يأتوها لا أن تأتيهم هي .

« و طفقت » طفق : من أفعال الشروع قال تعالى : و طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنّة ٤ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) طه : ٩٢ .

( ٢ ) رواه سليم بن قيس في كتابه : ١٢٦ و ١٢٧ .

( ٣ ) رواه الجوهري في السقيفة : ١ ، و ابن قتيبة في الامامة و السياسة ١ : ١٢ ، و النقل بالمعنى .

( ٤ ) الاعراف : ٢٢ .

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

في اليوم ، وتتلاشي في الفضاء الخارجي ، فإنّها كانت تصل إلى الأرض دائما وتصيبها.

إنّ هذه الأجرام الفلكيّة تتحرّك بسرعة ٦ ـ ٤٠ ميل في الثّانية! وهي تنفجر وتحترق عند اصطدامها بأي شيء ، ولو كانت سرعة هذه الأجرام أقل ممّا هي عليه ـ مثلا بسرعة الطلقة ـ فإنّها كانت تسقط على الأرض جميعا ، ويتّضح مقدار تدميرها فيما لو أنّ إنسانا تعرّض لسقوط أصغر جرم من هذه الأجرام السماوية عليه ، فإنّها كانت ستمزّقه إربا إربا وتفنيه لشدّة حرارتها ، لأنّها تتحرّك بسرعة تعادل سرعة الطلقة (٩٠) مرّة!

إنّ سمك الهواء المحيط بالأرض يبلغ مقدارا يسمح أن يمرّ من خلاله إلى الأرض المقدار اللازم من الأشعّة الكونية لنمو النباتات ، ويقتل كلّ الجراثيم المضرّة في ذلك الفضاء ، ويوجد الفيتامينات المفيدة(١) .

* * *

__________________

(١) من كتاب «سرّ خلق الإنسان» ، ص ٣٤ ـ ٣٥.

١٦١

الآيتان

( وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (٣٤) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ (٣٥) )

التّفسير

الموت يتربّص بالجميع :

قرأنا في الآيات السابقة أنّ المشركين قد تشبّثوا بمسألة كون النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشرا من أجل التشكيك بنبوّته ، وكانوا يعتقدون أنّ النّبي يجيب أن يكون ملكا وخاليا من كلّ العوارض البشريّة.

إنّ الآيات ـ محلّ البحث ـ أشارت إلى بعض إشكالات هؤلاء ، فهم يشيعون تارة أنّ انتفاضة النّبي (وفي نظرهم شاعر) لا دوام لها ، وسينتهي بموته كلّ شيء ، كما جاء في الآية (٣٠) من سورة الطور ،( أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ ) .

وكانوا يظنّون تارة أخرى أنّ هذا الرجل لمّا كان يعتقد أنّه خاتم النبيّين ، فيجب أن لا يموت أبدا ليحفظ دينه ، وبناء على هذا فإنّ موته في المستقبل

١٦٢

سيكون دليلا على بطلان ادّعائه. فيجيبهم القرآن في أوّل آية بجملة قصيرة فيقول :( وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ ) .

إنّ قانون الخلقة هذا لا يقبل التغيير ، أي أنّه لا يكتب لأحد الخلود ، وإذا كان هؤلاء يفرحون بموتك :( أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ ) .

ربّما لا نحتاج إلى توضيح أنّ بقاء الشريعة والدين لا يحتاج إلى بقاء الرسول. فإنّ شرائع إبراهيم وموسى وعيسىعليه‌السلام وإن لم تكن خالدة ، إلّا أنّها بقيت بعد وفاة هؤلاء الأنبياء العظام (وبالنسبة لعيسى فإنّ شريعته استمرت بعد صعوده إلى السّماء) لقرون طويلة. وبناء على هذا فإنّ خلود المذهب لا يحتاج إلى حراسة النّبي الدائمة له ، فمن الممكن أن يستمر خلفاؤه في إقامة دينه والسير على خطاه.

وأمّا ما تصوّره أولئك من أنّ كلّ شيء سينتهي بموت النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنّهم أخطأوا في ظنّهم ، لأنّ هذا الكلام يصحّ في المسائل التي تقوم بالشخص.

والإسلام لم يكن قائما بالنّبي ولا بأصحابه. فقد كان دينا حيّا ـ ينطلق متقدّما بحركة الذاتية الداخلية ويخترق حدود الزمان والمكان ويواصل طريقه!

ثمّ يذكر قانون الموت العامّ الذي يصيب كلّ النفوس بدون استثناء فيقول :( كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ) .

ويجب أن نذكّر بأنّ لفظة (النفس) قد استعملت في القرآن بمعان مختلفة ، فأوّل معنى للنفس هو الذات ، وهذا المعنى واسع يطلق حتّى على ذات الله المقدّسة ، كما نقرأ :( كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ) (١) .

ثمّ استعملت هذه الكلمة في الإنسان ، أي مجموع جسمه وروحه ، مثل :( مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً ) (٢) .

__________________

(١) الأنعام ، ١٢.

(٢) المائدة ، ٣٢

١٦٣

واستعملت أحيانا في خصوص روح الإنسان كما في( أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ ) (١) .

ومن الواضح أنّ المراد من النفس في الآيات التي نبحثها هو المعنى الثّاني ، وبناء على هذا فإنّ المراد هو بيان قانون الموت العام في حقّ البشر ، وبذلك لا يبقى مجال للإشكال على الآية بأنّ التعبير بالنفس يشمل الله أو الملائكة أيضا فكيف نخصّص الآية ونخرج الله والملائكة منها؟(٢) .

وبعد ذكر قانون الموت الكلّي يطرح هذا السؤال ، وهو : ما هو الهدف من هذه الحياة الزائلة؟ وأي فائدة منها؟

فيقول القرآن حول هذا الكلام :( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ ) أي إنّ مكانكم الأصلي ليس هو هذه الدنيا ، بل هو مكان آخر ، وإنّما تأتون هنا لتؤدّوا الاختبار و «الامتحان» ، وبعد اكتسابكم التكامل اللازم سترجعون إلى مكانكم الأصلي وهو الدار الآخرة.

وممّا يسترعي النظر أنّ «الشرّ» مقدّم على «الخير» من بين المواد الامتحانية ، وينبغي أن يكون كذلك ، لأنّ الامتحان الإلهي وإن كان تارة بالنعمة وأخرى بالبلاء ، إلّا أنّ من المسلّم أنّ الامتحان بالبلاء أشدّ وأصعب.

وأمّا «الشرّ» فإنّه لا يعني مطلق الشرّ ، لأنّ الفرض أنّ هذا الشرّ عبارة عن وسيلة للاختبار والتكامل ، وبناء على هذا فإنّ المراد هو الشرّ النسبي ، وأساسا لا يوجد شرّ مطلق في مجموع عالم الوجود بالنظرة التوحيديّة الصحيحة!

ولذلك نقرأ في حديث أنّ أمير المؤمنين علياعليه‌السلام مرض يوما فجاء جمع من أصحابه لعيادته ، فقالوا : كيف نجدك يا أمير المؤمنين؟ قال : «بشرّ»! قالوا : ما هذا كلام مثلك؟! قال : «إنّ الله تعالى يقول : ونبلوكم بالشرّ والخير فتنة ، فالخير الصحّة والغنى ، والشرّ المرض والفقر».

__________________

(١) الأنعام ، ٩٣.

(٢) الميزان ، الجزء ١٤ ، ص ٣١٢.

١٦٤

ويبقى هنا سؤال مهمّ ، وهو : لماذا يختبر الله عباده؟ وماذا يعني الاختبار من قبل الله؟ وقد ذكرنا جواب هذا السؤال في ذيل الآية (١٥٥) من سورة البقرة ، وقلنا : إنّ الامتحان من الله تعالى لعباده يعني تربيتهم. طالعوا التّفصيل الكامل لهذا الموضوع هناك.

* * *

١٦٥

الآيات

( وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ (٣٦) خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (٣٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٨) لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٣٩) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٤٠) )

التّفسير

خلق الإنسان من عجل!

نواجه في هذه الآيات مرّة أخرى ، بحوثا أخرى حول موقف المشركين من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث يتّضح نمط تفكيرهم المنحرف في المسائل الأصولية ، فتقول أوّلا :( وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً ) فهؤلاء لا عمل لهم إلّا السخرية والاستهزاء ، ويشيرون إليك بعدم اكتراث ويقولون :( أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ

١٦٦

آلِهَتَكُمْ (١) وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ ) .

ممّا يثير العجب هو إنّه لو ازدرى أحد هذه الأصنام الخشبية والحجرية (وما هو بمزدر لها ، بل يفصح عن حقيقتها) فيقول : إنّ هذه موجودات لا روح فيها ولا شعور ولا قيمة لها ، لتعجبوا منه ، أمّا إذا جحد أحدهم ربّه الرحمن الرحيم الذي عمّت آثار رحمته وعظمته الأرض والسّماء وما من شيء إلّا وفيه دليل على عظمته ورحمته ، لما أثار إعجابهم!!

نعم ، إنّ الإنسان إذا إعتاد أمرا وتطبّع عليه وتعصّب له فإنّه سيتقدّس في نظره وإن كان أسوء الأمور ، وإذا عادى شيئا فسيبدو سيّئا في نظره تدريجيّا وإن كان أجمل الأمور وأحبّها.

ثمّ تشير إلى أمر آخر من الأمور القبيحة لدى هذا الإنسان المتحلّل ، فتقول :( خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ ) . وبالرغم من اختلاف المفسّرين في تفسير كلمتي (إنسان) و (عجل) ، ولكن من المعلوم أنّ المراد من الإنسان هنا نوع الإنسان ـ طبعا الإنسان المتحلّل والخارج عن هداية القادة الإلهيين وحكومتهم ـ والمراد من «عجل» هي العجلة والتعجيل ، كما تشهد الآيات التالية على هذا المعنى ، وكما نقرأ في مكان آخر من القرآن :( وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً ) (٢) .

إنّ تعبير( خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ ) في الحقيقة نوع من التأكيد ، أي إنّ الإنسان عجول إلى درجة كأنّه خلق من العجلة ، وتشكّلت أنسجته ووجوده منها! وفي الواقع ، فإنّ كثيرا من البشر العاديين هم على هذه الشاكلة ، فهم عجولون في الخير وفي الشرّ ، وحتّى حين يقال لهم : إذا ارتكبتم المعاصي وكفرتم سيأخذكم العذاب الإلهي ، فإنّهم يقولون : فلما ذا لا يأتي هذا العذاب أسرع؟!

__________________

(١) العجيب هنا أنّ هؤلاء كانوا يقولون( أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ) ولم يرضوا أن يذكروا في عبارتهم كلمة (سوء) فيقولون : يذكر آلهتكم بسوء!

(٢) الإسراء ، ١١.

١٦٧

وتضيف الآية في النهاية :( سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ ) .

التعبير بـ (آياتي) هنا يمكن أن يكون إشارة إلى آيات العذاب وعلاماته والبلاء الذي كان يهدّد به النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مخالفيه ، ولكن هؤلاء الحمقى كانوا يقولون مرارا : فأين تلك الابتلاءات والمصائب التي تخوّفنا بها؟ فالقرآن الكريم يقول : لا تعجلوا فلا يمضي زمن طويل حتّى تحيط بكم.

وقد يكون إشارة إلى المعجزات التي تؤيّد صدق نبي الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أي أنّكم لو صبرتم قليلا فستظهر لكم معجزات كافية.

ولا منافاة بين هذين التّفسيرين ، لأنّ المشركين كانوا عجولين في كليهما ، وقد أراهم الله كليهما ، وإن كان التّفسير بالأوّل يبدو هو الأقرب والأنسب مع الآيات التالية.

ثمّ يشير القرآن إلى إحدى مطالب أولئك المستعجلين فيقول :( وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) فهؤلاء كانوا ينتظرون قيام القيامة بفارغ الصبر ، وهم غافلون عن أنّ قيام القيامة يعني تعاستهم وشقاءهم المرير ، ولكن ماذا يمكن فعله؟ فإنّ الإنسان العجول يعجّل حتّى في قضيّة تعاسته وفنائه؟

والتعبير بـ( إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) بصيغة الجمع مع أنّ المخاطب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، من أجل أنّهم أشركوا أنصاره وأتباعه الحقيقيّين في الخطاب ، فكأنّهم أرادوا أن يقولوا: إنّ عدم قيام القيامة دليل على أنّكم كاذبون جميعا.

وتجيبهم الآية التالية فتقول :( لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ ) .

إنّ التعبير بـ «الوجوه» و «الظهور» في الآية محلّ البحث إشارة إلى أنّ جهنّم ليست نارا تحرقهم من جهة واحدة ، بل إنّ وجوه هؤلاء وظهورهم في النّار ، فكأنّهم غرقوا ودفنوا في وسط النّار!

وجملة( وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ ) إشارة إلى أنّ هذه الأصنام التي يظنّون أنّها

١٦٨

ستكون شفيعة لهم وناصرة ، لا تقدر على أي شيء.

ممّا يلفت النظر أنّ العقوبة الإلهيّة لا يعيّن وقتها دائما( بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها ) وحتّى إذا استمهلوا ، وطلبوا التأخير على خلاف ما كانوا يستعجلون به إلى الآن ، فلا يجابون( وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ ) .

* * *

ملاحظتان

١ ـ بملاحظة الآيات آنفات الذكر يثار هذا السؤال ، وهو : إذا كان الإنسان عجولا بطبيعته ، فلما ذا ينهى الله ـ سبحانه عن العجلة ويقول :( فَلا تَسْتَعْجِلُونِ ) ؟

أليس هذا تناقضا بين الإثنين؟

ونقول في الجواب : إنّنا إذا لا حظنا أصل إختيار وحرية إرادة الإنسان ، وكون صفاته ومعنوياته وخصائصه الأخلاقيّة قابلة للتغيير ، فسيتّضح أن لا تضادّ في الأمر ، حيث يمكن تغيير هذه الحالة بالتربية وتزكية النفس.

٢ ـ جملة( بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ ) قد تشير إلى أنّ عذاب القيامة وعقوباتها تختلف جميعها عن عذاب الدنيا ، فنقرأ مثلا حول النّار :( نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ ) (١) ، أو نقرأ في شأن وقود النّار :( وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ ) (٢) .

ومثل هذه التعبيرات توحي بأنّ نار جهنّم تأتي على حين غفلة فتبهت الناس.

* * *

__________________

(١) سورة الهمزة ، ٧.

(٢) البقرة ، ٢٤.

١٦٩

الآيات

( وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٤١) قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (٤٢) أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (٤٣) بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ (٤٤) قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ (٤٥) )

التّفسير

لا حظنا في الآيات السابقة أنّ المشركين والكفّار كانوا يستهزءون برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا دأب كلّ الجهّال المغرورين ، إنّهم يأخذون الحقائق المهمّة الجديّة مأخذ الهزل والاستهزاء.

فتقول الآية الأولى تسلية للنّبي : لست الوحيد الذي يستهزأ به( وَلَقَدِ

١٧٠

اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ ) ولكن في النهاية نزل بهم العذاب الذي كانوا يستهزؤن به( فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ ) وبناء على هذا فلا تدع للغمّ والحزن إلى نفسك طريقا ، وينبغي أن لا تترك مثل أعمال الجاهلين هذه أدنى أثر في روحك الكبيرة ، أو تخلّ بإرادتك الحديديّة الصلبة.

وتقول الآية التالية : قل لهم إنّ أحدا لا يدافع عنكم أمام عذاب الله في القيامة ، بل وفي هذه الدنيا :( قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ ) أي من عذابه ، فلو أنّ الله سبحانه لم يجعل السّماء ـ أي الجوّ المحيط بالأرض سقفا محفوظا كما مرّ في الآيات السابقة ـ لكان هذا وحده كافيا أن تتهاوى النيازك وتمطركم الأجرام السماوية بأحجارها ليل نهار.

إنّ الله الرحمن قد أولاكم من محبّته أن جعل جنودا متعدّدين لحفظكم وحراستكم ، بحيث لو غفلوا عنكم لحظة واحدة لصبّ عليكم سيل البلاء.

ممّا يستحقّ الانتباه أنّ كلمة «الرحمن» قد استعملت مكان (الله) في هذه الآية ، أي انظروا إلى أنفسكم كم اقترفتم من الذنوب حتّى أغضبتم الله الذي هو مصدر الرحمة العامّة؟!

ثمّ تضيف :( بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ ) فلا هم يصغون إلى مواعظ الأنبياء ونصحهم ، ولا تهزّ قلوبهم نعم الله وذكره ، ولا يستعملون عقولهم لحظة في هذا السبيل.

ثمّ يسأل القرآن الكريم : أي شيء يعتمد عليه هؤلاء الكافرين الظالمين والمجرمين في مقابل العقوبات الإلهيّة؟( أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ ) (١) فهذه الأصنام لا تستطيع أن تنقذ نفسها من

__________________

(١) «يصحبون» من باب الأفعال ، وفي الأصل يعني أن يجعلوا شيئا تحت تصرّفهم بعنوان المساعدة والحماية ، وهو هنا يعني أنّ هذه الأصنام لا تملك الدفاع ذاتيا ، ولا وضعت تحت تصرفها مثل هذه القوّة من قبل الله تعالى ، ونحن نعلم أنّ أيّة قوّة دفاعية في عالم الوجود إمّا أن تنبع من ذات الشيء ، أو تمنح له من قبل الله تعالى. أي أنّها إمّا ذاتية أو عرضية.

١٧١

العذاب ، ولا تكون مصحوبة بتأييدنا ورحمتنا.

ثمّ أشارت الآية التالية إلى أحد علل تمرّد وعصيان الكافرين المهمّة ، فتقول :( بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ ) إلّا أنّ هذا العمر الطويل والنعم الوفيرة بدل أن تحرّك فيهم حسّ الشكر والحمد ، ويطأطئوا رؤوسهم لعبودية الله ، فإنّها أصبحت سبب غرورهم وطغيانهم.

ولكن ألا يرى هؤلاء أنّ هذا العالم ونعمه زائلة؟( أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها ) ؟ فإنّ الأقوام والقبائل تأتي الواحدة تلو الاخرى وتذهب ، وليس للأفراد الصغار والكبار عمر خالد ، والجميع سيصيبهم الفناء ، والأقوام الذين كانوا أشدّ منهم وأقوى وأكثر تمرّدا وعصيانا أودعوا تحت التراب ، وفي ظلام القبور ، وحتّى العلماء والعظماء الذين كان بهم قوام الأرض قد أغمضوا أعينهم وودّعوا الدنيا! ومع هذا الحال( أَفَهُمُ الْغالِبُونَ ) ؟

وقد اختلف المفسّرون في المراد من جملة( أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها ) :

١ ـ فقال بعضهم : إنّ المراد هو أنّ الله ينقص تدريجيّا من أراضي المشركين ويضيفها على بلاد المسلمين. إلّا أنّه بملاحظة كون هذه السورة نزلت في مكّة ، ولم يكن للمسلمين تلك الفتوحات ، فإنّ هذا التّفسير يبدو غير مناسب.

٢ ـ وقال بعض آخر : إنّ المقصود هو خراب وانهدام الأراضي بصورة تدريجيّة.

٣ ـ وبعض يعتبرونها إشارة إلى سكّان الأرض.

٤ ـ وذكر بعض أنّ المراد من أطراف الأرض هو العلماء خاصّة.

إلّا أنّ الأنسب من كلّ ذلك ، أنّ المراد من الأرض هو شعوب بلدان العالم المختلفة ، والأقوام والأفراد الذين يسيرون نحو ديار العدم بصورة تدريجيّة ودائمة ، ويودعون الحياة الدنيا ، وبهذا فإنّه ينقص دائما من أطراف الأرض.

١٧٢

وقد فسّرت هذه الآية في بعض الرّوايات التي رويت عن أهل البيتعليهم‌السلام بموت العلماء ، فيقول الإمام الصادقعليه‌السلام : «نقصانها ذهاب عالمها».

ومن المعلوم أنّ هذه الرّوايات ـ عادة ـ تبيّن مصاديق واضحة ، لا أنّها تحصر مفهوم الآية في أفراد معينين. وبهذا فإنّ الآية تريد أن تبيّن أنّ موت الكبار والعظماء والأقوام درس وعبرة للكافرين المغرورين الجاهلين ليعلموا أنّ محاربة الله تعالى لا تنتج سوى الاندحار.

ثمّ تقرّر الآية حقيقة أنّ وظيفة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هي إنذار الناس عن طريق الوحي الإلهي ، فتوجّه الخطاب إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فتقول :( قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ ) وإذا لم يؤثّر في قلوبكم القاسية ، فلا عجب من ذلك ، وليس ذلك دليلا على نقص الوحي الإلهي ، بل السبب هو( وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ ) .

إنّ الاذن السميعة يلزمها أن تسمع كلام الله ، أمّا الآذان التي أصمّتها حجب الذنوب والغفلة والغرور فلا تسمع الحقّ مطلقا.

* * *

١٧٣

الآيتان

( وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٤٦) وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ (٤٧) )

التّفسير

موازين العدل في القيامة :

بعد أن كانت الآيات السابقة تعكس حالة غرور وغفلة الأفراد الكافرين ، تقول الآية الأولى أعلاه : إنّ هؤلاء المغرورين لم يذكروا الله يوما في الرخاء ، ولكن :( وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ ) .

كلمة (نفحة) تعني برأي المفسّرين وأرباب اللغة : الشيء القليل ، أو النسيم اللطيف ، وبالرغم من أنّ هذه الكلمة تستعمل غالبا في نسمات الرحمة والنعمة غالبا ، إلّا أنّها تستعمل في مورد العذاب أيضا(١) .

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ، تفسير في ظلال القرآن ، ومفردات الراغب ذيل الآية مادّة (نفحة).

١٧٤

وعلى قول تفسير الكشّاف فإنّ جملة( وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ ) تتضمّن ثلاثة تعابير كلّها تشير إلى القلّة : التعبير بالمسّ ، والتعبير بالنفحة ، من ناحية اللغة ، ومن ناحية الوزن والصيغة أيضا(١) .

والخلاصة : إنّ ما يريد أن يقوله القرآن الكريم هو : إنّ هؤلاء الذين عميت قلوبهم يسمعون كلام النّبي ومنطق الوحي سنين طويلة ، ولا يؤثّر فيهم أدنى تأثير ، إلّا أنّهم عند ما تلهب ظهورهم سياط العذاب ـ وإن كانت خفيفة يسيرة ـ سيصرخون( إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ ) ألا ينبغي لهؤلاء أن ينتبهوا قبل أن تصيبهم سياط العذاب؟

ولو انتبهوا حينئذ ، فما الفائدة؟ فإنّ هذه اليقظة الاضطرارية لا تنفعهم ، وإذا ما هدأت فورة العذاب واطمأنّوا فإنّهم سيعودون إلى ما كانوا عليه!

أمّا الآية الأخيرة التي نبحثها فتشير إلى حساب القيامة الدقيق ، وجزائها العادل ، ليعلم الكافرون والظالمون أنّ العذاب على فرض أنّه لم يعمّهم في هذه الدنيا ، فإنّ عذاب الآخرة حتمي ، وسيحاسبون على جميع أعمالهم بدقّة ، فتقول :( وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ ) .

«القسط» يعني أحيانا عدم التبعيض ، وأحيانا يأتي بمعنى العدالة بصورة مطلقة ، وما يناسب المقام هو المعنى الثّاني.

وممّا يلفت النظر أنّ «القسط» هنا ذكر كصفة للموازين ، وهذه الموازين دقيقة ومنظّمة إلى الحدّ الذي تبدو وكأنّها عين العدالة(٢) .

ولهذا تضيف مباشرة :( فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً ) فلا ينقص من ثواب المحسنين شيء ، ولا يضاف إلى عقاب المسيئين شيء.

إلّا أنّ نفي الظلم والجور هذا لا يعني عدم الدقّة في الحساب ، بل( وَإِنْ كانَ

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) مع أن «موازين» جمع ، و «قسط» مفرد ، إلا أن (القسط) مصدر ، والمصدر لا يجمع ، فليس هنا إشكال.

١٧٥

مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ ) .

«الخردل» نبات له حبّة صغيرة جدّا يضرب المثل بها في الصغر والحقارة.

وجاء نظير هذا التعبير في موضع آخر من القرآن بتعبير( مِثْقالَ ذَرَّةٍ ) (١) .

وممّا يستحقّ الانتباه أنّه قد عبّر في ستّ مواضع من القرآن بـ( مِثْقالَ ذَرَّةٍ ) وفي موضعين بـ( مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ ) . وفي الحقيقة فإنّ الآية آنفة الذكر مع التعابير الست المختلفة تأكيد على مسألة المحاسبة الدقيقة في يوم القيامة.

إنّ كلمة «موازين» ، وبصيغة الجمع ، وبعدها ذكر وصف «القسط» ، وبعده التأكيد على نفي الظلم( فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً ) وبعد ذلك ذكر كلمة «شيئا» ثمّ التمثيل بحبّة الخردل ، وأخيرا جملة( وَكَفى بِنا حاسِبِينَ ) كلّ هذه أدلّة على أنّ حساب يوم القيامة دقيق جدّا ، وخال من أي نوع من الظلم والجور.

أمّا ما المراد من الموازين؟

بعض المفسّرين ظنّوا أنّ هناك موازين كموازين هذه الدنيا تنصب ، ثمّ فرضوا بعد ذلك أنّ لأعمال الإنسان هناك وزنا وثقلا ليمكن وزنها بتلك الموازين.

إلّا أنّ الصحيح هو أنّ الميزان هنا يعني وسيلة قياس الوزن ، ومن المعلوم أنّ لكلّ شيء مقياس وزن متناسب معه ، كميزان الحرارة ، وميزان الهواء ، والموازين الاخرى الذي يتناسب كلّ منها مع الموضوع الذي يريدون قياسه بها.

ونقرأ في الرّوايات الإسلامية أنّ موازين الحساب في القيامة هم الأنبياء والأئمّة والصالحون الذين لا توجد نقطة سوداء في صحيفة أعمالهم(٢) . فنقرأ : «السلام على ميزان الأعمال»! وتجد التوضيح والتفصيل بصورة أوسع حول هذا الموضوع ذيل الآية (٨) من سورة الأعراف.

إنّ ذكر الموازين بصيغة الجمع لعلّه إشارة إلى هذا المعنى أيضا ، لأنّ رجال

__________________

(١) الزلزال ، ٧.

(٢) بحار الأنوار ، ج ٧ ، ص ٢٥٢.

١٧٦

الحقّ كلّ منهم ميزان لأعمال البشر ، فمضافا إلى أنّ جميعهم ممتازون ، فإنّ لكلّ منهم امتيازا خاصّا بحيث يعتبر في تلك المرتبة مقياسا ومثلا. وبتعبير آخر : فإنّ كلّ من يشبه هؤلاء إلى حدّ ما ، وتنسجم صفاته وأعماله وصفات وأعمال العظماء ، فإنّ وزنه سيثقل بذلك المقدار ، وكلّما ابتعدت واختلفت فسيخفّ وزنه.

* * *

١٧٧

الآيات

( وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ (٤٨) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (٤٩) وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٠) )

التّفسير

لمحة من قصص الأنبياء :

ذكرت هذه الآيات وما بعدها جوانب من حياة الأنبياء المشفوعة بأمور تربوية بالغة الأثر ، وتوضّح البحوث السابقة حول نبوّة الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومواجهته المخالفين بصورة أجلى مع ملاحظة الأصول المشتركة الحاكمة عليها.

تقول الآية الأولى :( وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ ) .

«الفرقان» يعني في الأصل الشيء الذي يميّز الحقّ عن الباطل ، وهو وسيلة لمعرفة الإثنين. وقد ذكروا هنا تفاسير متعدّدة في المراد من الفرقان في هذه الآية.

فقال بعضهم : إنّ المراد التوراة.

والبعض اعتبره انشقاق البحر لبني إسرائيل ، والذي كان علامة واضحة على

١٧٨

عظمة الحقّ وأحقيّة موسى. في حين أنّ البعض اعتبره إشارة إلى سائر المعجزات والدلائل التي كانت بيد موسى وهارونعليهما‌السلام .

غير أنّ هذه التفاسير لا منافاة بينها مطلقا ، لأنّ من الممكن أن يكون الفرقان إشارة إلى التوراة ، وإلى سائر معجزات ودلائل موسىعليه‌السلام .

وقد أطلق الفرقان في سائر الآيات على نفس القرآن أيضا ، مثل :( تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً ) (١)

وأحيانا يعبّر عن الإنتصار الإعجازي الذي ناله النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما قال في شأن معركة بدر :( يَوْمَ الْفُرْقانِ ) (٢)

أمّا كلمة «الضياء» فتعني النور الذي ينبع من ذات الشيء ، ومن المسلّم أنّ القرآن والتوراة ومعجزات الأنبياء كانت كذلك(٣) .

«الذكر» هو كلّ موضوع يبعد الإنسان عن الغفلة ، وهذا أيضا من آثار الكتب السماوية والمعجزات الإلهيّة الواضحة.

إنّ ذكر هذه التعابير الثلاثة متعاقبة ربّما كان إشارة إلى أنّ الإنسان من أجل أن يصل إلى هدفه يحتاج أوّلا إلى الفرقان ، أي أن يشخّص الطريق الأصلي عند مفترق الطرق ، فإذا شخّص طريقه يحتاج إلى ضياء ونور ليتحرّك في ذلك الطريق ويستمرّ فيه ، وقد تعترضه موانع أهمّها الغفلة ، فيحتاج إلى ما يذكره ويحذّره دائما.

وممّا ينبغي الالتفات إليه ورود لفظ «الفرقان» معرفة ، وورود كلمتي [ضياء وذكرا] نكرتين في الآية محلّ البحث ، وعدّ أثرهما خاصّا بالمتّقين ، ولعلّ هذا التفاوت إشارة إلى أنّ المعجزات والخطابات السماوية تضيء الطريق للجميع ، إلّا أنّ من ينتفع من الضياء والذكر ليس جميع الناس ، بل الذين يحسّون بالمسؤولية ،

__________________

(١) الفرقان ، ١.

(٢) الأنفال ، ٤١.

(٣) لقد أوضحنا الفرق بين «الضياء» و «النور» بصورة أكثر تفصيلا في ذيل الآية (٥) من سورة يونس.

١٧٩

وعلى جانب من التقوى.

ثمّ تعرف الآية التالية المتّقين بأنّهم( الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ ) .

ولكلمة «الغيب» هنا تفسيران : الأوّل : إنّه إشارة إلى ذات الله المقدّسة ، أي مع أنّ الله سبحانه غائب عن الأنظار ، فإنّ هؤلاء آمنوا به بدليل العقل ، ويحسّون بالمسؤولية أمام ذاته المقدّسة.

والآخر : إنّ المتّقين لا يخافون الله في العلانية وبين المجتمع فقط ، بل يعلمون أنّه حاضر وناظر إليهم حتّى في خلواتهم.

وممّا يلفت النظر ، أنّه عبّر عن الخوف أمام الله بالخشية ، وفي شأن القيامة بالإشفاق ، إنّ هذين اللفظين وإن كان كلاهما بمعنى الخوف ، إلّا أنّ «الخشية» ـ على قول الراغب في المفردات ـ تقال في موضع يمتزج فيه الخوف بالاحترام والتعظيم ، كخوف الابن من أبيه الموقّر ، وبناء على هذا فإنّ خوف المتّقين ممتزج بالمعرفة.

وأمّا «الإشفاق» فيعني الاهتمام والحبّ المقترن بالخوف ، وهذا التعبير يستعمل أحيانا في شأن الأولاد أو الأصدقاء الذين يحبّهم الإنسان ، إلّا أنّه يخاف عليهم في الوقت نفسه من تعرّضهم للبلايا والأمراض مثلا. وفي الواقع فإنّ المتّقين يحبّون يوم القيامة ، لأنّه مكان الثواب والرحمة ، إلّا أنّهم في الوقت نفسه مشفقون من حساب الله فيه.

ويمكن أن تستعمل هاتان الكلمتان أيضا في معنى واحد.

وقارنت الآية الأخيرة بين القرآن وباقي الكتب السابقة :( وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ) ؟ ولماذا الإنكار؟ لأنّه ذكر لكم ومصدر وعيكم ويقظتكم وتذكيرهم؟ ألأنّه مصدر البركة وفيه خير الدنيا وخير الآخرة ، ومنبع الانتصارات والسعادات؟ فهل ينكر مثل هذا الكتاب الذي يستبطن أدلّة أحقيّته

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550