الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٠

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل14%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 550

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 550 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 215754 / تحميل: 6681
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٠

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

في اليوم ، وتتلاشي في الفضاء الخارجي ، فإنّها كانت تصل إلى الأرض دائما وتصيبها.

إنّ هذه الأجرام الفلكيّة تتحرّك بسرعة ٦ ـ ٤٠ ميل في الثّانية! وهي تنفجر وتحترق عند اصطدامها بأي شيء ، ولو كانت سرعة هذه الأجرام أقل ممّا هي عليه ـ مثلا بسرعة الطلقة ـ فإنّها كانت تسقط على الأرض جميعا ، ويتّضح مقدار تدميرها فيما لو أنّ إنسانا تعرّض لسقوط أصغر جرم من هذه الأجرام السماوية عليه ، فإنّها كانت ستمزّقه إربا إربا وتفنيه لشدّة حرارتها ، لأنّها تتحرّك بسرعة تعادل سرعة الطلقة (٩٠) مرّة!

إنّ سمك الهواء المحيط بالأرض يبلغ مقدارا يسمح أن يمرّ من خلاله إلى الأرض المقدار اللازم من الأشعّة الكونية لنمو النباتات ، ويقتل كلّ الجراثيم المضرّة في ذلك الفضاء ، ويوجد الفيتامينات المفيدة(١) .

* * *

__________________

(١) من كتاب «سرّ خلق الإنسان» ، ص ٣٤ ـ ٣٥.

١٦١

الآيتان

( وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (٣٤) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ (٣٥) )

التّفسير

الموت يتربّص بالجميع :

قرأنا في الآيات السابقة أنّ المشركين قد تشبّثوا بمسألة كون النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشرا من أجل التشكيك بنبوّته ، وكانوا يعتقدون أنّ النّبي يجيب أن يكون ملكا وخاليا من كلّ العوارض البشريّة.

إنّ الآيات ـ محلّ البحث ـ أشارت إلى بعض إشكالات هؤلاء ، فهم يشيعون تارة أنّ انتفاضة النّبي (وفي نظرهم شاعر) لا دوام لها ، وسينتهي بموته كلّ شيء ، كما جاء في الآية (٣٠) من سورة الطور ،( أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ ) .

وكانوا يظنّون تارة أخرى أنّ هذا الرجل لمّا كان يعتقد أنّه خاتم النبيّين ، فيجب أن لا يموت أبدا ليحفظ دينه ، وبناء على هذا فإنّ موته في المستقبل

١٦٢

سيكون دليلا على بطلان ادّعائه. فيجيبهم القرآن في أوّل آية بجملة قصيرة فيقول :( وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ ) .

إنّ قانون الخلقة هذا لا يقبل التغيير ، أي أنّه لا يكتب لأحد الخلود ، وإذا كان هؤلاء يفرحون بموتك :( أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ ) .

ربّما لا نحتاج إلى توضيح أنّ بقاء الشريعة والدين لا يحتاج إلى بقاء الرسول. فإنّ شرائع إبراهيم وموسى وعيسىعليه‌السلام وإن لم تكن خالدة ، إلّا أنّها بقيت بعد وفاة هؤلاء الأنبياء العظام (وبالنسبة لعيسى فإنّ شريعته استمرت بعد صعوده إلى السّماء) لقرون طويلة. وبناء على هذا فإنّ خلود المذهب لا يحتاج إلى حراسة النّبي الدائمة له ، فمن الممكن أن يستمر خلفاؤه في إقامة دينه والسير على خطاه.

وأمّا ما تصوّره أولئك من أنّ كلّ شيء سينتهي بموت النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنّهم أخطأوا في ظنّهم ، لأنّ هذا الكلام يصحّ في المسائل التي تقوم بالشخص.

والإسلام لم يكن قائما بالنّبي ولا بأصحابه. فقد كان دينا حيّا ـ ينطلق متقدّما بحركة الذاتية الداخلية ويخترق حدود الزمان والمكان ويواصل طريقه!

ثمّ يذكر قانون الموت العامّ الذي يصيب كلّ النفوس بدون استثناء فيقول :( كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ) .

ويجب أن نذكّر بأنّ لفظة (النفس) قد استعملت في القرآن بمعان مختلفة ، فأوّل معنى للنفس هو الذات ، وهذا المعنى واسع يطلق حتّى على ذات الله المقدّسة ، كما نقرأ :( كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ) (١) .

ثمّ استعملت هذه الكلمة في الإنسان ، أي مجموع جسمه وروحه ، مثل :( مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً ) (٢) .

__________________

(١) الأنعام ، ١٢.

(٢) المائدة ، ٣٢

١٦٣

واستعملت أحيانا في خصوص روح الإنسان كما في( أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ ) (١) .

ومن الواضح أنّ المراد من النفس في الآيات التي نبحثها هو المعنى الثّاني ، وبناء على هذا فإنّ المراد هو بيان قانون الموت العام في حقّ البشر ، وبذلك لا يبقى مجال للإشكال على الآية بأنّ التعبير بالنفس يشمل الله أو الملائكة أيضا فكيف نخصّص الآية ونخرج الله والملائكة منها؟(٢) .

وبعد ذكر قانون الموت الكلّي يطرح هذا السؤال ، وهو : ما هو الهدف من هذه الحياة الزائلة؟ وأي فائدة منها؟

فيقول القرآن حول هذا الكلام :( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ ) أي إنّ مكانكم الأصلي ليس هو هذه الدنيا ، بل هو مكان آخر ، وإنّما تأتون هنا لتؤدّوا الاختبار و «الامتحان» ، وبعد اكتسابكم التكامل اللازم سترجعون إلى مكانكم الأصلي وهو الدار الآخرة.

وممّا يسترعي النظر أنّ «الشرّ» مقدّم على «الخير» من بين المواد الامتحانية ، وينبغي أن يكون كذلك ، لأنّ الامتحان الإلهي وإن كان تارة بالنعمة وأخرى بالبلاء ، إلّا أنّ من المسلّم أنّ الامتحان بالبلاء أشدّ وأصعب.

وأمّا «الشرّ» فإنّه لا يعني مطلق الشرّ ، لأنّ الفرض أنّ هذا الشرّ عبارة عن وسيلة للاختبار والتكامل ، وبناء على هذا فإنّ المراد هو الشرّ النسبي ، وأساسا لا يوجد شرّ مطلق في مجموع عالم الوجود بالنظرة التوحيديّة الصحيحة!

ولذلك نقرأ في حديث أنّ أمير المؤمنين علياعليه‌السلام مرض يوما فجاء جمع من أصحابه لعيادته ، فقالوا : كيف نجدك يا أمير المؤمنين؟ قال : «بشرّ»! قالوا : ما هذا كلام مثلك؟! قال : «إنّ الله تعالى يقول : ونبلوكم بالشرّ والخير فتنة ، فالخير الصحّة والغنى ، والشرّ المرض والفقر».

__________________

(١) الأنعام ، ٩٣.

(٢) الميزان ، الجزء ١٤ ، ص ٣١٢.

١٦٤

ويبقى هنا سؤال مهمّ ، وهو : لماذا يختبر الله عباده؟ وماذا يعني الاختبار من قبل الله؟ وقد ذكرنا جواب هذا السؤال في ذيل الآية (١٥٥) من سورة البقرة ، وقلنا : إنّ الامتحان من الله تعالى لعباده يعني تربيتهم. طالعوا التّفصيل الكامل لهذا الموضوع هناك.

* * *

١٦٥

الآيات

( وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ (٣٦) خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (٣٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٨) لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٣٩) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٤٠) )

التّفسير

خلق الإنسان من عجل!

نواجه في هذه الآيات مرّة أخرى ، بحوثا أخرى حول موقف المشركين من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث يتّضح نمط تفكيرهم المنحرف في المسائل الأصولية ، فتقول أوّلا :( وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً ) فهؤلاء لا عمل لهم إلّا السخرية والاستهزاء ، ويشيرون إليك بعدم اكتراث ويقولون :( أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ

١٦٦

آلِهَتَكُمْ (١) وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ ) .

ممّا يثير العجب هو إنّه لو ازدرى أحد هذه الأصنام الخشبية والحجرية (وما هو بمزدر لها ، بل يفصح عن حقيقتها) فيقول : إنّ هذه موجودات لا روح فيها ولا شعور ولا قيمة لها ، لتعجبوا منه ، أمّا إذا جحد أحدهم ربّه الرحمن الرحيم الذي عمّت آثار رحمته وعظمته الأرض والسّماء وما من شيء إلّا وفيه دليل على عظمته ورحمته ، لما أثار إعجابهم!!

نعم ، إنّ الإنسان إذا إعتاد أمرا وتطبّع عليه وتعصّب له فإنّه سيتقدّس في نظره وإن كان أسوء الأمور ، وإذا عادى شيئا فسيبدو سيّئا في نظره تدريجيّا وإن كان أجمل الأمور وأحبّها.

ثمّ تشير إلى أمر آخر من الأمور القبيحة لدى هذا الإنسان المتحلّل ، فتقول :( خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ ) . وبالرغم من اختلاف المفسّرين في تفسير كلمتي (إنسان) و (عجل) ، ولكن من المعلوم أنّ المراد من الإنسان هنا نوع الإنسان ـ طبعا الإنسان المتحلّل والخارج عن هداية القادة الإلهيين وحكومتهم ـ والمراد من «عجل» هي العجلة والتعجيل ، كما تشهد الآيات التالية على هذا المعنى ، وكما نقرأ في مكان آخر من القرآن :( وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً ) (٢) .

إنّ تعبير( خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ ) في الحقيقة نوع من التأكيد ، أي إنّ الإنسان عجول إلى درجة كأنّه خلق من العجلة ، وتشكّلت أنسجته ووجوده منها! وفي الواقع ، فإنّ كثيرا من البشر العاديين هم على هذه الشاكلة ، فهم عجولون في الخير وفي الشرّ ، وحتّى حين يقال لهم : إذا ارتكبتم المعاصي وكفرتم سيأخذكم العذاب الإلهي ، فإنّهم يقولون : فلما ذا لا يأتي هذا العذاب أسرع؟!

__________________

(١) العجيب هنا أنّ هؤلاء كانوا يقولون( أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ) ولم يرضوا أن يذكروا في عبارتهم كلمة (سوء) فيقولون : يذكر آلهتكم بسوء!

(٢) الإسراء ، ١١.

١٦٧

وتضيف الآية في النهاية :( سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ ) .

التعبير بـ (آياتي) هنا يمكن أن يكون إشارة إلى آيات العذاب وعلاماته والبلاء الذي كان يهدّد به النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مخالفيه ، ولكن هؤلاء الحمقى كانوا يقولون مرارا : فأين تلك الابتلاءات والمصائب التي تخوّفنا بها؟ فالقرآن الكريم يقول : لا تعجلوا فلا يمضي زمن طويل حتّى تحيط بكم.

وقد يكون إشارة إلى المعجزات التي تؤيّد صدق نبي الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أي أنّكم لو صبرتم قليلا فستظهر لكم معجزات كافية.

ولا منافاة بين هذين التّفسيرين ، لأنّ المشركين كانوا عجولين في كليهما ، وقد أراهم الله كليهما ، وإن كان التّفسير بالأوّل يبدو هو الأقرب والأنسب مع الآيات التالية.

ثمّ يشير القرآن إلى إحدى مطالب أولئك المستعجلين فيقول :( وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) فهؤلاء كانوا ينتظرون قيام القيامة بفارغ الصبر ، وهم غافلون عن أنّ قيام القيامة يعني تعاستهم وشقاءهم المرير ، ولكن ماذا يمكن فعله؟ فإنّ الإنسان العجول يعجّل حتّى في قضيّة تعاسته وفنائه؟

والتعبير بـ( إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) بصيغة الجمع مع أنّ المخاطب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، من أجل أنّهم أشركوا أنصاره وأتباعه الحقيقيّين في الخطاب ، فكأنّهم أرادوا أن يقولوا: إنّ عدم قيام القيامة دليل على أنّكم كاذبون جميعا.

وتجيبهم الآية التالية فتقول :( لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ ) .

إنّ التعبير بـ «الوجوه» و «الظهور» في الآية محلّ البحث إشارة إلى أنّ جهنّم ليست نارا تحرقهم من جهة واحدة ، بل إنّ وجوه هؤلاء وظهورهم في النّار ، فكأنّهم غرقوا ودفنوا في وسط النّار!

وجملة( وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ ) إشارة إلى أنّ هذه الأصنام التي يظنّون أنّها

١٦٨

ستكون شفيعة لهم وناصرة ، لا تقدر على أي شيء.

ممّا يلفت النظر أنّ العقوبة الإلهيّة لا يعيّن وقتها دائما( بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها ) وحتّى إذا استمهلوا ، وطلبوا التأخير على خلاف ما كانوا يستعجلون به إلى الآن ، فلا يجابون( وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ ) .

* * *

ملاحظتان

١ ـ بملاحظة الآيات آنفات الذكر يثار هذا السؤال ، وهو : إذا كان الإنسان عجولا بطبيعته ، فلما ذا ينهى الله ـ سبحانه عن العجلة ويقول :( فَلا تَسْتَعْجِلُونِ ) ؟

أليس هذا تناقضا بين الإثنين؟

ونقول في الجواب : إنّنا إذا لا حظنا أصل إختيار وحرية إرادة الإنسان ، وكون صفاته ومعنوياته وخصائصه الأخلاقيّة قابلة للتغيير ، فسيتّضح أن لا تضادّ في الأمر ، حيث يمكن تغيير هذه الحالة بالتربية وتزكية النفس.

٢ ـ جملة( بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ ) قد تشير إلى أنّ عذاب القيامة وعقوباتها تختلف جميعها عن عذاب الدنيا ، فنقرأ مثلا حول النّار :( نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ ) (١) ، أو نقرأ في شأن وقود النّار :( وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ ) (٢) .

ومثل هذه التعبيرات توحي بأنّ نار جهنّم تأتي على حين غفلة فتبهت الناس.

* * *

__________________

(١) سورة الهمزة ، ٧.

(٢) البقرة ، ٢٤.

١٦٩

الآيات

( وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٤١) قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (٤٢) أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (٤٣) بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ (٤٤) قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ (٤٥) )

التّفسير

لا حظنا في الآيات السابقة أنّ المشركين والكفّار كانوا يستهزءون برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا دأب كلّ الجهّال المغرورين ، إنّهم يأخذون الحقائق المهمّة الجديّة مأخذ الهزل والاستهزاء.

فتقول الآية الأولى تسلية للنّبي : لست الوحيد الذي يستهزأ به( وَلَقَدِ

١٧٠

اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ ) ولكن في النهاية نزل بهم العذاب الذي كانوا يستهزؤن به( فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ ) وبناء على هذا فلا تدع للغمّ والحزن إلى نفسك طريقا ، وينبغي أن لا تترك مثل أعمال الجاهلين هذه أدنى أثر في روحك الكبيرة ، أو تخلّ بإرادتك الحديديّة الصلبة.

وتقول الآية التالية : قل لهم إنّ أحدا لا يدافع عنكم أمام عذاب الله في القيامة ، بل وفي هذه الدنيا :( قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ ) أي من عذابه ، فلو أنّ الله سبحانه لم يجعل السّماء ـ أي الجوّ المحيط بالأرض سقفا محفوظا كما مرّ في الآيات السابقة ـ لكان هذا وحده كافيا أن تتهاوى النيازك وتمطركم الأجرام السماوية بأحجارها ليل نهار.

إنّ الله الرحمن قد أولاكم من محبّته أن جعل جنودا متعدّدين لحفظكم وحراستكم ، بحيث لو غفلوا عنكم لحظة واحدة لصبّ عليكم سيل البلاء.

ممّا يستحقّ الانتباه أنّ كلمة «الرحمن» قد استعملت مكان (الله) في هذه الآية ، أي انظروا إلى أنفسكم كم اقترفتم من الذنوب حتّى أغضبتم الله الذي هو مصدر الرحمة العامّة؟!

ثمّ تضيف :( بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ ) فلا هم يصغون إلى مواعظ الأنبياء ونصحهم ، ولا تهزّ قلوبهم نعم الله وذكره ، ولا يستعملون عقولهم لحظة في هذا السبيل.

ثمّ يسأل القرآن الكريم : أي شيء يعتمد عليه هؤلاء الكافرين الظالمين والمجرمين في مقابل العقوبات الإلهيّة؟( أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ ) (١) فهذه الأصنام لا تستطيع أن تنقذ نفسها من

__________________

(١) «يصحبون» من باب الأفعال ، وفي الأصل يعني أن يجعلوا شيئا تحت تصرّفهم بعنوان المساعدة والحماية ، وهو هنا يعني أنّ هذه الأصنام لا تملك الدفاع ذاتيا ، ولا وضعت تحت تصرفها مثل هذه القوّة من قبل الله تعالى ، ونحن نعلم أنّ أيّة قوّة دفاعية في عالم الوجود إمّا أن تنبع من ذات الشيء ، أو تمنح له من قبل الله تعالى. أي أنّها إمّا ذاتية أو عرضية.

١٧١

العذاب ، ولا تكون مصحوبة بتأييدنا ورحمتنا.

ثمّ أشارت الآية التالية إلى أحد علل تمرّد وعصيان الكافرين المهمّة ، فتقول :( بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ ) إلّا أنّ هذا العمر الطويل والنعم الوفيرة بدل أن تحرّك فيهم حسّ الشكر والحمد ، ويطأطئوا رؤوسهم لعبودية الله ، فإنّها أصبحت سبب غرورهم وطغيانهم.

ولكن ألا يرى هؤلاء أنّ هذا العالم ونعمه زائلة؟( أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها ) ؟ فإنّ الأقوام والقبائل تأتي الواحدة تلو الاخرى وتذهب ، وليس للأفراد الصغار والكبار عمر خالد ، والجميع سيصيبهم الفناء ، والأقوام الذين كانوا أشدّ منهم وأقوى وأكثر تمرّدا وعصيانا أودعوا تحت التراب ، وفي ظلام القبور ، وحتّى العلماء والعظماء الذين كان بهم قوام الأرض قد أغمضوا أعينهم وودّعوا الدنيا! ومع هذا الحال( أَفَهُمُ الْغالِبُونَ ) ؟

وقد اختلف المفسّرون في المراد من جملة( أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها ) :

١ ـ فقال بعضهم : إنّ المراد هو أنّ الله ينقص تدريجيّا من أراضي المشركين ويضيفها على بلاد المسلمين. إلّا أنّه بملاحظة كون هذه السورة نزلت في مكّة ، ولم يكن للمسلمين تلك الفتوحات ، فإنّ هذا التّفسير يبدو غير مناسب.

٢ ـ وقال بعض آخر : إنّ المقصود هو خراب وانهدام الأراضي بصورة تدريجيّة.

٣ ـ وبعض يعتبرونها إشارة إلى سكّان الأرض.

٤ ـ وذكر بعض أنّ المراد من أطراف الأرض هو العلماء خاصّة.

إلّا أنّ الأنسب من كلّ ذلك ، أنّ المراد من الأرض هو شعوب بلدان العالم المختلفة ، والأقوام والأفراد الذين يسيرون نحو ديار العدم بصورة تدريجيّة ودائمة ، ويودعون الحياة الدنيا ، وبهذا فإنّه ينقص دائما من أطراف الأرض.

١٧٢

وقد فسّرت هذه الآية في بعض الرّوايات التي رويت عن أهل البيتعليهم‌السلام بموت العلماء ، فيقول الإمام الصادقعليه‌السلام : «نقصانها ذهاب عالمها».

ومن المعلوم أنّ هذه الرّوايات ـ عادة ـ تبيّن مصاديق واضحة ، لا أنّها تحصر مفهوم الآية في أفراد معينين. وبهذا فإنّ الآية تريد أن تبيّن أنّ موت الكبار والعظماء والأقوام درس وعبرة للكافرين المغرورين الجاهلين ليعلموا أنّ محاربة الله تعالى لا تنتج سوى الاندحار.

ثمّ تقرّر الآية حقيقة أنّ وظيفة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هي إنذار الناس عن طريق الوحي الإلهي ، فتوجّه الخطاب إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فتقول :( قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ ) وإذا لم يؤثّر في قلوبكم القاسية ، فلا عجب من ذلك ، وليس ذلك دليلا على نقص الوحي الإلهي ، بل السبب هو( وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ ) .

إنّ الاذن السميعة يلزمها أن تسمع كلام الله ، أمّا الآذان التي أصمّتها حجب الذنوب والغفلة والغرور فلا تسمع الحقّ مطلقا.

* * *

١٧٣

الآيتان

( وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٤٦) وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ (٤٧) )

التّفسير

موازين العدل في القيامة :

بعد أن كانت الآيات السابقة تعكس حالة غرور وغفلة الأفراد الكافرين ، تقول الآية الأولى أعلاه : إنّ هؤلاء المغرورين لم يذكروا الله يوما في الرخاء ، ولكن :( وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ ) .

كلمة (نفحة) تعني برأي المفسّرين وأرباب اللغة : الشيء القليل ، أو النسيم اللطيف ، وبالرغم من أنّ هذه الكلمة تستعمل غالبا في نسمات الرحمة والنعمة غالبا ، إلّا أنّها تستعمل في مورد العذاب أيضا(١) .

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ، تفسير في ظلال القرآن ، ومفردات الراغب ذيل الآية مادّة (نفحة).

١٧٤

وعلى قول تفسير الكشّاف فإنّ جملة( وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ ) تتضمّن ثلاثة تعابير كلّها تشير إلى القلّة : التعبير بالمسّ ، والتعبير بالنفحة ، من ناحية اللغة ، ومن ناحية الوزن والصيغة أيضا(١) .

والخلاصة : إنّ ما يريد أن يقوله القرآن الكريم هو : إنّ هؤلاء الذين عميت قلوبهم يسمعون كلام النّبي ومنطق الوحي سنين طويلة ، ولا يؤثّر فيهم أدنى تأثير ، إلّا أنّهم عند ما تلهب ظهورهم سياط العذاب ـ وإن كانت خفيفة يسيرة ـ سيصرخون( إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ ) ألا ينبغي لهؤلاء أن ينتبهوا قبل أن تصيبهم سياط العذاب؟

ولو انتبهوا حينئذ ، فما الفائدة؟ فإنّ هذه اليقظة الاضطرارية لا تنفعهم ، وإذا ما هدأت فورة العذاب واطمأنّوا فإنّهم سيعودون إلى ما كانوا عليه!

أمّا الآية الأخيرة التي نبحثها فتشير إلى حساب القيامة الدقيق ، وجزائها العادل ، ليعلم الكافرون والظالمون أنّ العذاب على فرض أنّه لم يعمّهم في هذه الدنيا ، فإنّ عذاب الآخرة حتمي ، وسيحاسبون على جميع أعمالهم بدقّة ، فتقول :( وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ ) .

«القسط» يعني أحيانا عدم التبعيض ، وأحيانا يأتي بمعنى العدالة بصورة مطلقة ، وما يناسب المقام هو المعنى الثّاني.

وممّا يلفت النظر أنّ «القسط» هنا ذكر كصفة للموازين ، وهذه الموازين دقيقة ومنظّمة إلى الحدّ الذي تبدو وكأنّها عين العدالة(٢) .

ولهذا تضيف مباشرة :( فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً ) فلا ينقص من ثواب المحسنين شيء ، ولا يضاف إلى عقاب المسيئين شيء.

إلّا أنّ نفي الظلم والجور هذا لا يعني عدم الدقّة في الحساب ، بل( وَإِنْ كانَ

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) مع أن «موازين» جمع ، و «قسط» مفرد ، إلا أن (القسط) مصدر ، والمصدر لا يجمع ، فليس هنا إشكال.

١٧٥

مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ ) .

«الخردل» نبات له حبّة صغيرة جدّا يضرب المثل بها في الصغر والحقارة.

وجاء نظير هذا التعبير في موضع آخر من القرآن بتعبير( مِثْقالَ ذَرَّةٍ ) (١) .

وممّا يستحقّ الانتباه أنّه قد عبّر في ستّ مواضع من القرآن بـ( مِثْقالَ ذَرَّةٍ ) وفي موضعين بـ( مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ ) . وفي الحقيقة فإنّ الآية آنفة الذكر مع التعابير الست المختلفة تأكيد على مسألة المحاسبة الدقيقة في يوم القيامة.

إنّ كلمة «موازين» ، وبصيغة الجمع ، وبعدها ذكر وصف «القسط» ، وبعده التأكيد على نفي الظلم( فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً ) وبعد ذلك ذكر كلمة «شيئا» ثمّ التمثيل بحبّة الخردل ، وأخيرا جملة( وَكَفى بِنا حاسِبِينَ ) كلّ هذه أدلّة على أنّ حساب يوم القيامة دقيق جدّا ، وخال من أي نوع من الظلم والجور.

أمّا ما المراد من الموازين؟

بعض المفسّرين ظنّوا أنّ هناك موازين كموازين هذه الدنيا تنصب ، ثمّ فرضوا بعد ذلك أنّ لأعمال الإنسان هناك وزنا وثقلا ليمكن وزنها بتلك الموازين.

إلّا أنّ الصحيح هو أنّ الميزان هنا يعني وسيلة قياس الوزن ، ومن المعلوم أنّ لكلّ شيء مقياس وزن متناسب معه ، كميزان الحرارة ، وميزان الهواء ، والموازين الاخرى الذي يتناسب كلّ منها مع الموضوع الذي يريدون قياسه بها.

ونقرأ في الرّوايات الإسلامية أنّ موازين الحساب في القيامة هم الأنبياء والأئمّة والصالحون الذين لا توجد نقطة سوداء في صحيفة أعمالهم(٢) . فنقرأ : «السلام على ميزان الأعمال»! وتجد التوضيح والتفصيل بصورة أوسع حول هذا الموضوع ذيل الآية (٨) من سورة الأعراف.

إنّ ذكر الموازين بصيغة الجمع لعلّه إشارة إلى هذا المعنى أيضا ، لأنّ رجال

__________________

(١) الزلزال ، ٧.

(٢) بحار الأنوار ، ج ٧ ، ص ٢٥٢.

١٧٦

الحقّ كلّ منهم ميزان لأعمال البشر ، فمضافا إلى أنّ جميعهم ممتازون ، فإنّ لكلّ منهم امتيازا خاصّا بحيث يعتبر في تلك المرتبة مقياسا ومثلا. وبتعبير آخر : فإنّ كلّ من يشبه هؤلاء إلى حدّ ما ، وتنسجم صفاته وأعماله وصفات وأعمال العظماء ، فإنّ وزنه سيثقل بذلك المقدار ، وكلّما ابتعدت واختلفت فسيخفّ وزنه.

* * *

١٧٧

الآيات

( وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ (٤٨) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (٤٩) وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٠) )

التّفسير

لمحة من قصص الأنبياء :

ذكرت هذه الآيات وما بعدها جوانب من حياة الأنبياء المشفوعة بأمور تربوية بالغة الأثر ، وتوضّح البحوث السابقة حول نبوّة الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومواجهته المخالفين بصورة أجلى مع ملاحظة الأصول المشتركة الحاكمة عليها.

تقول الآية الأولى :( وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ ) .

«الفرقان» يعني في الأصل الشيء الذي يميّز الحقّ عن الباطل ، وهو وسيلة لمعرفة الإثنين. وقد ذكروا هنا تفاسير متعدّدة في المراد من الفرقان في هذه الآية.

فقال بعضهم : إنّ المراد التوراة.

والبعض اعتبره انشقاق البحر لبني إسرائيل ، والذي كان علامة واضحة على

١٧٨

عظمة الحقّ وأحقيّة موسى. في حين أنّ البعض اعتبره إشارة إلى سائر المعجزات والدلائل التي كانت بيد موسى وهارونعليهما‌السلام .

غير أنّ هذه التفاسير لا منافاة بينها مطلقا ، لأنّ من الممكن أن يكون الفرقان إشارة إلى التوراة ، وإلى سائر معجزات ودلائل موسىعليه‌السلام .

وقد أطلق الفرقان في سائر الآيات على نفس القرآن أيضا ، مثل :( تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً ) (١)

وأحيانا يعبّر عن الإنتصار الإعجازي الذي ناله النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما قال في شأن معركة بدر :( يَوْمَ الْفُرْقانِ ) (٢)

أمّا كلمة «الضياء» فتعني النور الذي ينبع من ذات الشيء ، ومن المسلّم أنّ القرآن والتوراة ومعجزات الأنبياء كانت كذلك(٣) .

«الذكر» هو كلّ موضوع يبعد الإنسان عن الغفلة ، وهذا أيضا من آثار الكتب السماوية والمعجزات الإلهيّة الواضحة.

إنّ ذكر هذه التعابير الثلاثة متعاقبة ربّما كان إشارة إلى أنّ الإنسان من أجل أن يصل إلى هدفه يحتاج أوّلا إلى الفرقان ، أي أن يشخّص الطريق الأصلي عند مفترق الطرق ، فإذا شخّص طريقه يحتاج إلى ضياء ونور ليتحرّك في ذلك الطريق ويستمرّ فيه ، وقد تعترضه موانع أهمّها الغفلة ، فيحتاج إلى ما يذكره ويحذّره دائما.

وممّا ينبغي الالتفات إليه ورود لفظ «الفرقان» معرفة ، وورود كلمتي [ضياء وذكرا] نكرتين في الآية محلّ البحث ، وعدّ أثرهما خاصّا بالمتّقين ، ولعلّ هذا التفاوت إشارة إلى أنّ المعجزات والخطابات السماوية تضيء الطريق للجميع ، إلّا أنّ من ينتفع من الضياء والذكر ليس جميع الناس ، بل الذين يحسّون بالمسؤولية ،

__________________

(١) الفرقان ، ١.

(٢) الأنفال ، ٤١.

(٣) لقد أوضحنا الفرق بين «الضياء» و «النور» بصورة أكثر تفصيلا في ذيل الآية (٥) من سورة يونس.

١٧٩

وعلى جانب من التقوى.

ثمّ تعرف الآية التالية المتّقين بأنّهم( الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ ) .

ولكلمة «الغيب» هنا تفسيران : الأوّل : إنّه إشارة إلى ذات الله المقدّسة ، أي مع أنّ الله سبحانه غائب عن الأنظار ، فإنّ هؤلاء آمنوا به بدليل العقل ، ويحسّون بالمسؤولية أمام ذاته المقدّسة.

والآخر : إنّ المتّقين لا يخافون الله في العلانية وبين المجتمع فقط ، بل يعلمون أنّه حاضر وناظر إليهم حتّى في خلواتهم.

وممّا يلفت النظر ، أنّه عبّر عن الخوف أمام الله بالخشية ، وفي شأن القيامة بالإشفاق ، إنّ هذين اللفظين وإن كان كلاهما بمعنى الخوف ، إلّا أنّ «الخشية» ـ على قول الراغب في المفردات ـ تقال في موضع يمتزج فيه الخوف بالاحترام والتعظيم ، كخوف الابن من أبيه الموقّر ، وبناء على هذا فإنّ خوف المتّقين ممتزج بالمعرفة.

وأمّا «الإشفاق» فيعني الاهتمام والحبّ المقترن بالخوف ، وهذا التعبير يستعمل أحيانا في شأن الأولاد أو الأصدقاء الذين يحبّهم الإنسان ، إلّا أنّه يخاف عليهم في الوقت نفسه من تعرّضهم للبلايا والأمراض مثلا. وفي الواقع فإنّ المتّقين يحبّون يوم القيامة ، لأنّه مكان الثواب والرحمة ، إلّا أنّهم في الوقت نفسه مشفقون من حساب الله فيه.

ويمكن أن تستعمل هاتان الكلمتان أيضا في معنى واحد.

وقارنت الآية الأخيرة بين القرآن وباقي الكتب السابقة :( وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ) ؟ ولماذا الإنكار؟ لأنّه ذكر لكم ومصدر وعيكم ويقظتكم وتذكيرهم؟ ألأنّه مصدر البركة وفيه خير الدنيا وخير الآخرة ، ومنبع الانتصارات والسعادات؟ فهل ينكر مثل هذا الكتاب الذي يستبطن أدلّة أحقيّته

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

بنود الصّلح

٢٢١
٢٢٢

واختلف المؤرخون اختلافا كثيرا فيمن بادر لطلب الصلح فأبن خالدون وجماعة من المؤرخين ذهبوا الى أن المبادر لذلك هو الامام الحسنعليه‌السلام بعد ما آل أمره الى الانحلال(1) ، وذهب فريق آخر الى أن معاوية هو الذي بادر لطلب الصلح بعد ما بعث إليه برسائل أصحابه المتضمنة للغدر والفتك به متى شاء معاوية أو أراد(2) ، وذكر السبط ابن الجوزي أن معاوية قد راسل الامام سرا يدعوه الى الصلح فلم يجبه ، ثم أجابه بعد ذلك(3) ، وأكبر الظن ان معاوية هو الذي استعجل الصلح وبادر إليه وذلك خوفا من العراقيين أن ترجع إليهم أحلامهم ، ويثوب إليهم رشدهم وذلك لما عرفوا به من سرعة الانقلاب وعدم الاستقامة على رأي ، ومما يدل على ان معاوية هو الذي ابتدأ في طلب الصلح ، خطاب الامام الحسن الذي ألقاه في المدائن فقد جاء فيه « ألا وإن معاوية دعانا لأمر ليس فيه عز ولا نصفة ».

__________________

(1) تاريخ ابن خالدون 2 / 186 ، وفي الاصابة انه لما طعن الامام بخنجر دعا عمرو بن سلمة الأرحبى وأرسله الى معاوية يشترط عليه ، وفي الكامل 3 / 205 قال لما رأى الامام الحسن تفرق الأمر عنه كتب الى معاوية ، وذكر ذلك ابن أبي الحديد 4 / 8.

(2) الارشاد ص 170 ، كشف الغمة ص 154 ، مقاتل الطالبيين ص 26

(3) تذكرة الخواص ص 206 ، وذكر الحاج احمد افندي في فضائل الأصحاب ص 157 انه يمكن الجمع بين الأخبار بأن معاوية أرسل له أولا في الصلح فكتب الحسن إليه ثانيا يطلب ما ذكر ، وأجملت بعض المصادر الأمر ، فقال اليعقوبي في تأريخه 2 / 192 : لما رأى الحسن أن لا قوة به وأن أصحابه قد افترقوا عنه فلم يقوموا له صالح معاوية ، وكذا ذكر غيره.

٢٢٣

ومهما يكن من شيء فان تحقيق ذلك ليس بذي أهمية ، لأن الامام إن كان هو الذي استعجل الصلح فلا ضير عليه نظرا للمحن الشاقة التي أحاطت به حتى ألجأته الى المسالمة ، وإن كان معاوية هو الذي استعجل الصلح فلا ضير على الامام أيضا لما أوضحناه في أسباب الصلح ، والمهم البحث عن الشروط التي اشترطها الإمام على خصمه.

فقد اختلف التأريخ فيها اختلافا فاحشا ، واضطربت كلمات المؤرخين فى ذلك ، وفيما يلي بعض تلك الاقوال.

1 ـ ذكر بعض المؤرخين ان الامام أرسل سفيرين الى معاوية ، هما عمرو بن سلمة الهمداني ، ومحمد بن الأشعث الكندي ليستوثقا من معاوية ويعلما ما عنده. فأعطاهما معاوية هذا الكتاب وهذا نصه :

« بسم الله الرحمن الرحيم : هذا كتاب للحسن بن علي من معاوية بن أبي سفيان ، إني صالحتك على ان لك الأمر من بعدي ، ولك عهد الله وميثاقه وذمته ، وذمة رسوله محمد (ص) ، وأشد ما أخذه الله على أحد من خلقه من عهد وعقد ، لا أبغيك غائلة ولا مكروها ، وعلى أن أعطيك في كل سنة ألف ألف درهم من بيت المال ، وعلى أن لك خراج پسا ودارابجرد ، تبعث إليهما عمالك ، وتصنع بهما ما بدا لك ». شهد بها عبد الله بن عامر ، وعمرو بن سلمة الكندي ، وعبد الرحمن بن سمرة ، ومحمد ابن الأشعث الكندي ، كتب في شهر ربيع الآخر سنة إحدى واربعين هجرية.

وتنص هذه الوثيقة على اعطاء معاوية للحسن ثلاثة أشياء :

1 ـ جعله ولي عهده.

2 ـ للإمام من بيت المال راتب سنوي ألف ألف درهم.

3 ـ منحه كورتين من كور فارس يرسل إليهما عماله ، ويصنع بهما ما شاء.

٢٢٤

واحتفظ الامام برسالة معاوية ، فأرسل إليه رجلا من بني عبد المطلب وهو عبد الله بن الحارث بن نوفل وأمّه اخت معاوية فقال له : ائت خالك وقل له إن أمنت الناس بايعتك.

ولما انتهى عبد الله الى معاوية وعرض عليه مهمة الامام وهي طلب الأمن العام لعموم الناس ، استجاب له وأعطاه طومارا وختم في أسفله وقال له : فليكتب الحسن فيه ما شاء ، فجاء عبد الله بن الحارث بهذا التفويض المطلق الى الامام ، فكتب (ع) ما رامه من الشروط ، وسنذكر نص ما كتبه عند التعرض لبعض الروايات ، لأنه لا يختلف عنها ، وقد عول على هذه الرواية الدكتور طه حسين(1) .

2 ـ وروى كل من الطبري وابن الأثير صورة غير هذه وخلاصتها ان الامام راسل معاوية فى الصلح واشترط عليه امورا فان التزم بها ونفذها أجرى الصلح وإلا فلا يبرمه ، فلما وصلت رسالة الامام الى معاوية أمسكها واحتفظ بها ، وكان معاوية قبل ورود هذه الرسالة عليه قد بعث للامام صحيفة بيضاء مختوما في أسفلها ، وكتب إليه أن اشترط في هذه الصحيفة ما شئت وقد وصلت هذه الصحيفة الى الامام بعد ما بعث الى معاوية الوثيقة التي سجل فيها ما أراده ، وسجل الامام في تلك الصحيفة البيضاء اضعاف الشروط التي اشترطها أولا ثم أمسكها ، فلما سلم له الأمر طلب منه الوفاء بالشروط التي اشترطها أخيرا ، فلم يف له بها وقال له : « لك ما كنت كتبت إليّ أولا تسألني أن أعطيكه فاني قد أعطيتك حين جاءني كتابك ، فقال له الحسن (ع) : وأنا قد اشترطت حين جاءني كتابك وأعطيتني العهد على

__________________

(1) الفتنة الكبرى 2 / 200.

٢٢٥

الوفاء بما فيه ، فاختلفا في ذلك ، فلم ينفذ للحسن من الشروط شيئا »(1) .

وهذه الرواية لم تذكر لنا الشروط التي اشترطها الامام « أولا » ولا ما سجله. « ثانيا » في الصحيفة البيضاء التي بعث بها معاوية إليه إلا أن أبا الفداء في تأريخه نص على الشروط الاولى التي اشترطها الامام فقال : « وكتب الحسن الى معاوية واشترط عليه شروطا وقال : إن أجبت إليها فأنا سامع مطيع ، فأجاب معاوية إليها ، وكان الذي طلبه الحسن أن يعطيه ما في بيت مال الكوفة ، وخراج دارابجرد من فارس ، وأن لا يسب عليا ، فلم يجبه الى الكف عن سب علي فطلب الحسن أن لا يشتم عليا وهو يسمع فأجابه الى ذلك ، ثم لم يف له به »(2) .

وعندي ان ما ذكره ابن الأثير والطبري بعيد عن الصحة كل البعد وذلك لأن الشروط التي اشترطها الامام أخيرا إن كانت ذات أهمية بالغة فلما ذا أهملها ولم ينص عليها في بداية الأمر؟ ولو اغمضنا النظر عن ذلك فأي فائدة فى تسجيلها مع عدم اطلاع معاوية عليها وإقراره لها ، مضافا لذلك ان معاوية في تلك المرحلة لو سأله الإمام أي شيء لأجابه إليه.

3 ـ وروى ابن عبد البر : « ان الإمام كتب الى معاوية يخبره أنه يصيّر الأمر إليه على أن يشترط عليه أن لا يطلب أحدا من أهل المدينة والحجاز ولا أهل العراق بشيء كان في أيام أبيه ، فأجابه معاوية وكاد يطير فرحا إلا أنه قال : أما عشرة انفس فلا أؤمنهم ، فراجعه الحسن فيهم فكتب إليه يقول : إني قد آليت متى ظفرت بقيس بن سعد أن أقطع لسانه ويده ، فراجعه الحسن إني لا أبايعك أبدا وأنت تطلب قيسا

__________________

(1) الكامل 3 / 205 ، الطبري 6 / 93.

(2) تأريخ ابي الفداء 1 / 192.

٢٢٦

أو غيره بتبعة ، قلت : أو كثرت! فبعث إليه معاوية حينئذ برق أبيض وقال : اكتب ما شئت فيه وأنا التزمه ، فاصطلحا على ذلك ، واشترط عليه الحسن أن يكون له الأمر من بعده ، فالتزم ذلك كله معاوية »(1) .

وقد احتوت هذه الرواية على أن أهم ما طلبه الامام الأمن العام لعموم اصحابه واصحاب أبيه ، ولا شك ان هذا الشرط من أوليات الشروط وأهمها عند الامام أما ان الصلح جرى بهذا اللون فأنا أشك في ذلك.

4 ـ وذكر جماعة من المؤرخين ان الإمام ومعاوية اصطلحا وارتضيا بما احتوته الوثيقة الآتية وقد وقّع عليها كل منهما وهذا نصها :

بسم الله الرحمن الرحيم

« هذا ما صالح عليه الحسن بن علي بن أبي طالب ، معاوية بن أبي سفيان ، صالحه على أن يسلم إليه ولاية أمر المسلمين على ان يعمل فيهم بكتاب الله ، وسنّة رسوله ، وسيرة الخلفاء الصالحين ، وليس لمعاوية بن ابي سفيان ان يعهد الى احد من بعده عهدا ، بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين ، وعلى ان الناس آمنون حيث كانوا من ارض الله فى شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم ، وعلى ان اصحاب علي وشيعته آمنون على انفسهم واموالهم ونسائهم واولادهم ، وعلى معاوية بن ابي سفيان بذلك عهد الله وميثاقه ، وما أخذ الله على احد من خلقه بالوفاء ، وبما اعطى الله من نفسه ، وعلى ان لا يبغي للحسن بن علي ، ولا لأخيه الحسين ، ولا لأحد من اهل بيت رسول الله (ص) غائلة سرا ولا جهرا ، ولا يخيف احدا منهم في افق من الآفاق ، شهد عليه فلان ابن فلان بذلك ، وكفى

__________________

(1) الاستيعاب 1 / 370.

٢٢٧

بالله شهيدا »(1) .

وهذه الصورة افضل صورة وردت مبينة لكيفية الصلح فقد احتوت على امور مهمة يعود صالح الأكثر منها الى عموم المسلمين إلا انا نشك في ان ما احتوت عليه هذه الوثيقة هو مجموع ما طلبه الإمام واراده ، ونذكر فيما يلي مجموع الشروط التي ذكرها رواة الأثر وإن كان كل واحد منهم لم يذكرها بأسرها إلا ان بعضهم نص على طائفة منها ، والبعض الآخر ذكر طائفة اخرى ، وقد اعترف الفريقان ان ما ذكره كل واحد من الشروط ليس جميع ما اشترطه الإمام وإنما هي جزء من كل ، وها هي :

1 ـ تسليم الأمر الى معاوية على ان يعمل بكتاب الله ، وسنة نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله (2) وسيرة الخلفاء الصالحين(3) .

2 ـ ليس لمعاوية ان يعهد بالأمر الى احد من بعده والأمر بعده للحسن(4)

__________________

(1) الفصول المهمة لابن الصباغ ص 145 ، كشف الغمة للإربلي ص 170 البحار 10 / 115 ، فضائل الأصحاب ص 157 ، الصواعق المحرقة ص 81.

(2) ذكرت هذه المادة في صورة المعاهدة التي ذكرناها ، وذكرها ابن ابي الحديد في شرح النهج 4 / 8.

(3) البحار 10 / 115 ، النصائح الكافية ص 159 ( الطبعة الثانية ) اخذه عن فتح الباري ، وصحيح البخاري.

(4) الاصابة 1 / 329 ، الطبقات الكبرى للشعراني ص 23 ، حياة الحيوان للدميري 1 / 57 ، تهذيب 2 / 229 ، تهذيب الأسماء واللغات للنووي 1 / 199 ، ذخائر العقبى ص 139 ، الامامة والسياسة 1 / 171 ، ينابيع المودة ص 293 ، وجاء فيه ان يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين.

٢٢٨

فان حدث به حدث فالأمر للحسين(1) .

3 ـ الأمن العام لعموم الناس الأسود والأحمر منهم سواء فيه ، وان يحتمل عنهم معاوية ما يكون من هفواتهم ، وان لا يتبع احدا بما مضى ، وان لا يأخذ اهل العراق بإحنة(2) .

4 ـ ان لا يسميه امير المؤمنين(3) .

5 ـ ان لا يقيم عنده الشهادة(4) .

6 ـ ان يترك سب امير المؤمنين(5) وان لا يذكره إلا بخير(6) .

7 ـ ان يوصل الى كل ذي حق حقه(7) .

8 ـ الأمن لشيعة امير المؤمنين وعدم التعرض لهم بمكروه(8) .

9 ـ يفرق في أولاد من قتل مع ابيه في يوم الجمل وصفين الف الف درهم ، ويجعل ذلك من خراج دارابجرد(9) .

__________________

(1) عمدة الطالب في انساب آل ابي طالب لجمال الحسني ص 52.

(2) الدينوري ص 200 ، مقاتل الطالبيين ص 26.

(3) تذكرة الخواص لابن الجوزي ص 206.

(4) اعيان الشيعة 4 / 43.

(5) نفس المصدر.

(6) مقاتل الطالبيين ص 26 ، شرح النهج 4 / 15.

(7) الفصول المهمة لابن الصباغ ص 144 ، ومناقب ابن شهر اشوب 2 / 167.

(8) اعيان الشيعة 4 / 43 ، الطبري 6 / 97 ، علل الشرائع ص 81.

(9) البحار 10 / 101 ، تأريخ دول الإسلام 1 / 52 ، الامامة والسياسة ص 200 ، تاريخ ابن عساكر 4 / 221 ، وجاء فيه ان يعطيه خراج پسا ودارابجرد.

٢٢٩

10 ـ ان يعطيه ما في بيت مال الكوفة(1) ويقضي عنه ديونه ويدفع إليه في كل عام مائة الف(2) .

11 ـ ان لا يبغي للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين ولا لأهل بيت رسول الله (ص) غائلة سرا ولا جهرا ولا يخيف احدا منهم في افق من الآفاق(3) .

هذه بنود الصلح ومواده التي ذكرها رواة الأثر اما ان الإمام قد اشترطها كلها او بعضها فسوف نذكر ذلك عند دراسة الشروط وتحليلها ، وقبل ان نلقي الستار على هذا الفصل لا بد لنا من التعرض الى انه فى اي مكان جرى الصلح وفى اي زمان نفذ؟

مكان الصلح :

اما المكان الذي جرى فيه الصلح فقد كان في مسكن حسب ما ذكرته اوثق المصادر ، ففي تلك البقعة ابرم الصلح ونفذ امام جمع حاشد من الجيش العراقي والشامى ، وذهب بعض المؤرخين إلى انه وقع في بيت المقدس(4) ، وذهب بعض آخر إلى انه وقع بأذرح من ارض الشام(5) وهذان القولان من الشذوذ بمكان فلا يعول عليهما.

__________________

(1) تأريخ دول الإسلام 1 / 53.

(2) جوهرة الكلام في مدح السادة الأعلام ص 112.

(3) البحار 10 / 115 ، النصائح الكافية ص 160.

(4) تأريخ الخميس 2 / 323 ، دائرة المعارف للبستاني 7 / 38.

(5) تذكرة الخواص ص 206.

٢٣٠

عام الصلح :

وكما اختلف المؤرخون في المكان الذي وقع فيه الصلح فقد اختلفوا في الزمان أيضا ، فقد قيل : إنه كان سنة 41 هجرية فى ربيع الأول ، وقيل : فى ربيع الآخر ، وقيل : في جمادى الأولى ، وعلى الأول تكون خلافته خمسة أشهر ونصف ، وعلى الثاني فستة أشهر وأيام ، وعلى الثالث فسبعة أشهر وايام(1) ، وقيل : وقع الصلح سنة اربعين من الهجرة فى ربيع الأول(2) ، وقيل غير ذلك ، والأصح ان مدة خلافته كانت ستة اشهر حسب ما ذكره اكثر المؤرخين.

وعلى أي حال فقد اصطلح بعض المؤرخين على تسمية ذلك العام ـ الخالد في دنيا الأحزان ـ بتسميته بعام الجماعة ، نظرا لاجتماع كلمة المسلمين بعد الفرقة ، ووحدتهم بعد الاختلاف ، ولكن الحق ان هذه التسمية من باب تسمية الضد باسم ضده لأن المسلمين منذ ذلك العام قد وقعوا في شر عظيم ، وانصبت عليهم الفتن كقطع الليل المظلم ، حتى تغيرت معالم الدين ، وتبدلت سنن الإسلام ، وآلت الخلافة الإسلامية الى المصير المؤلم تنتقل بالوراثة من ظالم الى ظالم حتى اغرقت البلاد فى الدماء والماسي والشجون ، يقول الجاحظ : « فعندها استوى معاوية على الملك واستبد على بقية

__________________

(1) تأريخ أبي الفداء 1 / 193.

(2) تهذيب التهذيب 2 / 299 ، وجاء فى الاستيعاب ان الإمام سلم الأمر الى معاوية فى النصف من جمادى الاولى سنة 41 ه‍ وكل من قال : إنه كان سنة اربعين فقد توهم ، وفي تأريخ سينا ان الامام تنازل عن الخلافة في 26 ربيع الثاني سنة 41 ه‍.

٢٣١

الشورى ، وعلى جماعة المسلمين من الأنصار والمهاجرين في العام الذي سموه ( عام الجماعة ) وما كان عام جماعة بل كان عام فرقة وقهر وجبرية وغلبة ، والعام الذي تحولت فيه الإمامة ملكا كسرويا ، والخلافة منصبا قيصريا »(1) .

لقد انفتح باب الجور على مصراعيه منذ ذلك العام الذي تم فيه الملك الى ( كسرى العرب ) فقد لا فى المسلمون وخصوصا شيعة آل محمد (ص) من العناء والظلم والإرهاق ما لم يشاهد له التاريخ نظيرا فى فظاعته وقسوته يقول ابن أبي الحديد عما جرى على المسلمين بعد عام الصلح : « ولم يبق أحد من المؤمنين إلا وهو خائف على دمه أو مشرد في الأرض ، يطلب الأمن فلا يجده » ، وبعد هذا الظلم الشامل والجور المرهق هل يصح أن يسمى ذلك العام عام الجماعة والألفة؟

دراسة وتحليل :

ولا بد لنا من وقفة قصيرة للنظر فى تحقيق الشروط التي اشترطها الإمام على معاوية ، كما لا بد من دراستها والإحاطة بها ـ ولو إجمالا ـ لأنها قد احتوت على امور بالغة الأهمية ، فقد الغمت نصر معاوية ببارود ، وعادت عليه بالخزي ، واخرجته من حكام العدل الى حكام الجور والظالمين.

اما الشروط التي ذكرت فانا نؤمن بجميعها سوى شرطين ، وهما : ان يكون للإمام ما في بيت مال الكوفة ، ومنحه راتب سنوي له ، ولأخيه

اما ( الاول ) فهو بعيد لأن ما في خزانة الكوفة من الأمتعة والأموال قد كانت تحت قبضة الإمام وبيده ، يتصرف فيها حيثما اراد ، ولم تكن

__________________

(1) الغدير 10 / 227.

٢٣٢

محجوبة عنه أو ممنوعة عليه حتى يشترط على معاوية أن يمكنه منها ، على أنا نشك ان خزانة الدولة قد احتوت على أموال كثيرة لأن سياسة أهل البيت تقضي بصرف المال فورا على ما خصصه الإسلام لها.

وأما ( الثاني ) فهو بعيد لأن الإمام كان في غنى عن أموال معاوية ، وليس بحاجة لها ، ولو سلمنا ذلك فانه لا ضير على الإمام من أخذها ، لأن انقاذ أموال المسلمين من حكام الجور أمر لازم كما سنوضحه عند التعرض لسفر الإمام الى دمشق ، والذي أراه أن معاوية قد أعطى الامام فى بداية الأمر هذين الشرطين ، فتوهم بعض المؤرخين أنهما من جملة الشروط التي اشترطها الإمام عليه.

وعلى أي حال ، فان تلك الشروط كانت تهدف الى طلب الأمن العام ، والسلم الشامل لجميع المسلمين ، وتدعوهم في نفس الوقت الى اليقظة والتحرر من الاستعباد الأموي ، كما دلت على براعة الإمام في الاحتفاظ بحقه الشرعي ، والتدليل على غصب معاوية له ، وإنه لم يتنازل له عن حقه ، اما محتويات الشروط فهي كما يلي :

1 ـ العمل بكتاب الله :

ولم يخل الإمام بين معاوية وبين المسلمين يتصرف في شئونهم حيثما شاء ، فقد أخذ عليه أن لا يعدو الكتاب والسنة في سياسته وسياسة عماله ، ولو كان يراه يسير على ضوء القرآن ، ويسير على منهج الإسلام لما شرط عليه ذلك ، وجعله من أهم الشروط الأساسية التي ألزمه بها.

٢٣٣

2 ـ ولاية العهد :

وعالج الإمام نقطة مهمة في تلك المعاهدة ، وهي مصير الخلافة الاسلامية بعد هلاك معاوية ، فقد شرط عليه أن تكون الخلافة له ولأخيه من بعده ، وصرحت بعض المصادر ان الامام اشترط عليه أن يكون الأمر شورى بين المسلمين بعد هلاك معاوية ، وعلى كلا القولين فقد أرجع الامام الخلافة الى كيانها الرفيع ، وإنما شرط عليه ذلك لعلمه باتجاهاته السيئة ، وانه لا بد أن ينقل الخلافة الاسلامية من واقعها الى الملك العضوض ، ويجعلها في عقبه من شذاذ الآفاق والمجرمين ، فأراد الامام ايقاظ المجتمع ، وبعثه الى مناجزته إن قدم على ذلك.

3 ـ الأمن العام :

وأهم ما ينشده الإمام من تلكم الشروط هو بسط الأمن ، ونشر العافية بين جميع المسلمين سواء الأسود منهم والأحمر ، وقد دلّ ذلك على مدى حنانه وعطفه على جميع المسلمين ، كما نصت هذه المادة على أن لا يتبع أحدا بما مضى ، وأن لا يأخذ أهل العراق بإحنة مما قد مضى ، وإنما شرط عليه ذلك لعلمه بما سيعاملهم به من الارهاق والتنكيل انتقاما لما صدر منهم فى أيام صفين.

4 ـ عدم تسميته بأمير المؤمنين :

وفي رفض الامام (ع) تسمية معاوية بأمير المؤمنين تجربد له من

٢٣٤

السلطة الدينية عليه وعلى سائر المسلمين ، ولم يلتفت معاوية الى هذه الطعنة النجلاء ، فانه إذا لم يكن على الحسن أميرا لم تكن له بالطبع على المسلمين امرة أو سلطان ، وكان بذلك حاكم جور وبغي ، وقد جرده بذلك من منصب الامامة والخلافة ، وأثبت له الغصب لهذا المركز العظيم.

5 ـ عدم اقامة الشهادة :

وهذه المادة قد فضحت معاوية وأخزته ، ودلت على أنه من حكام الجور ، فان اقامة الشهادة حسب ما ذكره الفقهاء إنما تقام عند الحاكم الشرعي ، فهي من الوظائف المختصة به ، وإذا لم تصح إقامة الشهادة عند معاوية فهو ليس بحاكم عدل وإنما هو حاكم جور ، وحكام الجور لا يكون حكمهم نافذا ، ولا تصرفهم ماضيا عند الشرع ، ويجب على الأمّة أن تزيلهم عن هذا المنصب الذي انيط به حفظ الدماء ، وصيانة الاعراض ، وحفظ الأموال ، وفى هذا الشرط بيّن الامام أنه صاحب الحق ، وان معاوية غاصب له ،

6 ـ ترك سب أمير المؤمنين :

وأظهر (ع) بهذا الشرط تمادي معاوية فى الاثم ، فقد علم أنه لا يترك سبّ أمير المؤمنين والحطّ من كرامته ، فأراد (ع) أن يبيّن للمجتمع الاسلامى مدى استهتاره ، وعدم اعتنائه بشئون الإسلام وتعاليمه ، فان سب المسلم وانتقاصه قد حرّمه الاسلام ، ولكن ابن هند لم يقم للإسلام وزنا ، فقد أخذ بعد إبرام الصلح يسب أمير المؤمنين على رءوس الأشهاد

٢٣٥

كما سنبين ذلك عند التعرض لخرقه شروط الصلح. ولا يخفى أن الامام قد فضحه بهذا الشرط وأماط عنه الستر الصفيق الذي تستر به باسم الدين.

7 ـ الامن العام للشيعة :

كان الامام (ع) حريصا أشد الحرص على شيعته وشيعة أبيه ، فقد صالح معاوية حقنا لدمائهم ، وحفظا عليهم ، وقد اشترط على معاوية أن لا يتعرض لهم بمكروه وسوء ، وهذا الشرط عنده من أهم الشروط وأعظمها قال سماحة المغفور له آل ياسين : « واعتصم فيها ـ أي في المعاهدة ـ بالأمان لشيعته وشيعة أبيه وإنعاش أيتامهم ليجزيهم بذلك على ثباتهم معه ، ووفائهم مع أبيه ، وليحتفظ بهم امناء على مبدئه ، وانصارا مخلصين لتمكين مركزه ومركز أخيه يوم يعود الحق الى نصابه »(1) .

إن أغلب الشروط التي اشترطها الامام كانت تهدف لصالح شيعته وضمان حقوقهم وعدم التعرض لهم بأذى أو مكروه.

8 ـ خراج دارابجرد :

واشترط الامام على معاوية أموالا خاصة ينفقها على شيعته وشيعة أبيه وهي خراج دارابجرد(2) والوجه في هذا التخصيص إن الذي يجلب الى الدولة من الأموال يسمى بعضه بالفيء ، وهو المال المأخوذ من الأراضي

__________________

(1) صلح الحسن ص 258.

(2) دارابجرد : اراض واسعة بفارس على حدود الأهواز قد فتحها المسلمون عنوة.

٢٣٦

المفتوحة عنوة ، وهذا يصرف على المصالح العامة ، وعلى الشؤون الاجتماعية وذلك كتحسين الجيش ، وإنشاء المؤسسات وما شاكل ذلك من المشاريع الحيوية ، وقسم من الأموال يسمى ( بالصدقة ) وهي الضرائب المالية التي فرضها الاسلام في اموال مخصوصة وانواع من الواردات يدور عليها رحى سوق التجارة في العالم فرضها على الأغنياء تجلب منهم وتدفع الى الفقراء لمكافحة الفقر وقلع بذور البؤس ، فقد قال (ص) : « أمرت في الصدقة ان آخذها من اغنيائكم واردها فى فقرائكم » ، وقد كره الحسن ان يأخذ من هذه الأموال لنفسه أو لشيعته ، اما له فانها محرمة عليه لأن الصدقة حرام على آل البيت ، واما كراهة اخذها لشيعته فلأن اموال الصدقة لا تخلو من حزازة عليهم لأنها اوساخ الناس ، وقد كره (ع) ان يأخذ منها لشيعته ، وخصّ ما يأخذه لهم من دارابجرد ، لأنها قد فتحت عنوة ، وما فتح عنوة فهو ليس بصدقة ، وبذلك قد اختار لشيعته من الأموال ما هو ابعد عن الشبهة الشرعية وهي خراج دارابجرد التي هي للمسلمين وعلى الامام أن ينفقها على صالحهم.

9 ـ عدم البغى عليهم :

ومن مواد المعاهدة أن لا يبغي معاوية للحسن والحسين ، ولا لأهل بيت النبي (ص) غائلة ، ولا يخيف أحدا منهم ، وإنما شرط عليه ذلك لعلمه بما سيبغيه لهم من الشر والمكر ، فكان من غوائله لهم أنه دس السم للإمام ـ كما سنبينه ـ فأراد الإمام بهذا الشرط وبغيره من بنود الصلح أن يكشف الستار عن معاوية ، ويبدي عاره وعياره ، وانه لا ذمة ولا حريجة له في الدين.

٢٣٧

هذه بعض بنود الصلح ، وقد حفلت بعناصر ذات أهمية بالغة دلت على براعة الإمام ، وقابلياته الفذة فى التغلب على خصمه ، يقول سماحة المغفور له آل ياسين فى هذه المعاهدة :

« ومن الحق أن نعترف للحسن بن علي على ضوء ما أثر عنه من تدابير ودساتير هي خير ما تتوصل إليه اللباقة الدبلوماسية لمثل ظروفه من زمانه وأهل زمانه بالقابليات السياسية الرائعة التي لو قدر لها أن تلي الحكم في ظرف غير هذا الظرف ، وفي شعب أو بلاد رتيبة بحوافزها ودوافعها لجاءت بصاحبها على رأس القائمة من السياسيين المحنكين ، وحكام الاسلام اللامعين ، ولن يكون الحرمان يوما من الأيام ، ولا الفشل في ميدان من الميادين بدوافعه القائمة على طبيعة الزمان دليلا على ضعف أو منفذا الى نقد ، ما دامت الشواهد على بعد النظر وقوة التدبير ، وسمو الرأي ، كثيرة متضافرة تكبر على الريب وتنبو عن النقاش.

وللقابليات الشخصية مضاؤها الذي لا يعدم مجال العمل ، مهما حدّ من تيارها الحرمان أو ثنى من عنانها الفشل ، وها هي من لدن هذا الرجل تستجد ـ منذ الآن ـ ميدانها البكر القائم على الفكرة الجديدة القائمة على صيانة حياة أمّة بكاملها في حاضرها ومستقبلها ، بما تضعه المعاهدة من خطوط وبما تستقبل به خصومها من شروط »(1) .

__________________

(1) صلح الحسن ص 257.

٢٣٨

موقف الإمام الحسين

٢٣٩
٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550