الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٠

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 550

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 550 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 215806 / تحميل: 6686
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٠

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

الفصل الرابع

نقد وتمحيص

قد ذكرنا أهمّ ما ورد في كتب أهل السنّة ممّا هو نصّ أو ظاهر في نقص القرآن وتحريفه ثمّ عقبناه بما قاله أكابرهم في توجيهه وتأويله أو ردّه وتزييفه

لقد استمعنا القول من هؤلاء وهؤلاء فأيّهما الأحسن حتى نتّبعه؟

1 - في الآثار في خطأ القرآن

إنّ هذه الآثار تفيد أنّ اؤلئك الأصحاب نسبوا «اللحن» و «الخطأ» و «الغلط» إلى القرآن وهذه جرأة على الله تعالى، وإثبات نقص له ولكتابه، وفي ذلك خروج عن الإسلام بلا كلام.

أمّا ما كان من هذه الآثار في الصحاح فأصحابها والقائلون بصحّة جميع أحاديثها ملزمون بها، فإمّا الإلتزام بما دلّت عليه، وإمّا التأويل اللائق والحمل على بعض الوجوه المحتملة.

٢٤١

وكذا الكلام بالنسبة إلى ما روي من هذا القبيل بأسانيد صحاح عندهم في خارج الصحاح.

دليل الرادّين لهذه الآثار

وأمّا الّذين ردّوا هذه الأحاديث وهم كثيرون جدّاً، فقد اختلفت كلماتهم في كيفية الردّ، لأنّ منهم من يضعّف الرواية أو يستبعدها تنزيهاً للصحابي عن التفوّه بمثل الكلام، حتى أنّ بعضهم قال: «ومن روى عن ابن عبّاس فهو طاعن في الإسلام، ملحد في الدين، وابن عبّاس بريء من هذا القول»(1) . ومنهم من يقول: «هذا القول فيه نظر» أو: «لا يخفى ركاكة هذا القول» ونحو ذلك وظاهر هؤلاء تصحيح الحديث اعتماداً على رجاله، ثمّ الردّ على الصحابة أنفسهم.

وعلى كل حال فإنّ هذه الفئة من العلماء متّفقة على أنّ هذه الأحاديث لا يجوز تصديقها قال الزمخشري بتفسير:( أفلم ييئس الّذين آمنوا ... ) (2) : «ومعنى أفلم ييئس: أفلم يعلم ويدلّ عليه: أنّ علياً وابن عبّاس وجماعة من الصحابة والتابعين قرؤوا: أفلم يتبيّن، وهو تفسير أفلم ييئس. وقيل: إنّما كتبه الكاتب وهو ناعس مستوي السينات.

وهذا ونحوه ممّا لا يصدّق في كتاب الله، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وكيف يخفى مثل هذا حتى يبقى ثابتاً بين

__________________

(1) البحر المحيط 6: 445.

(2) سورة الرعد: 31.

٢٤٢

دفّتي الإمام، وكان متقلّباً في أيدي أولئك الأعلام المحتاطين في دين الله، المهيمنين عليه، لا يغفلون عن جلائله ودقائقه، خصوصاً عن القانون الذي إليه المرجع، والقاعدة التي عليها البناء؟!! وهذه - والله - فرية ما فيها مرية»(1) .

فهذا موقف القائلين ببطلان هذه الآثار.

أمّا الفئة الاولى الدائر أمرهم بين الالتزام بمداليل الآثار وبين التأويل المقبول لدى الأنظار، فقد اختار جمع منهم طريق التأويل:

طريق التأويل لها

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: «الطعن في الروايات الصحيحة بغير مستند لا يقبل، بل الروايات صحيحة والتأويل محتمل»(2) وقال أيضاً في الآية:( أفلم ييأس ) :

«وروى الطبري وعبد بن حميد - بإسناده صحيح كلّهم من رجال البخاري - عن ابن عبّاس: أنّه كان يقرؤها: أفلم يتبيّن: ويقول: كتبها الكاتب وهو ناعس. ومن طريق ابن جريح، قال: زعم ابن كثير وغيره أنّها القراءة الاولى: وهذه القراءة جاءت عن علي وابن عبّاس وعكرمة وابن أبي مليكة وعلي بن بديمة وشهر بن حوشب وعلي بن الحسين وابنه زيد وحفيده جعفر بن محمد، في آخرين قرؤوا كلّهم: أفلم يتبيّن.

وأمّا ما أسنده الطبري عن ابن عبّاس فقد اشتدّ إنكار جماعة ممّن لا علم له بالرجال صحّته، وبالغ الزمخشري في ذلك كعادته - إلى أن

__________________

(1) الكشّاف 2: 531.

(2) فتح الباري وعنه في الإتقان 1: 270.

٢٤٣

قال: - وهي والله فرية مافيها مرية، وتبعه جماعة بعده والله المستعان، وقد جاء عن بن عبّاس نحو ذلك في قوله تعالى:( وقضى ربّك ألاّ تعبدوا إلاّ إيّاه ) قال: (ووصّى) التزقت الواو في الصاد. أخرجه سعيد بن منصور بإسناد جيّد عنه.

وهذه الإشياء - وإن كان غيرها المعتمد - لكن تكذيب المنقول بعد صحّته ليس من دأب أهل التحصيل، فلينظر في تأويله بما يليق به»(1) .

وظاهر كلمات ابن حجر في الموردين هو العجز عن الإتيان بتأويل،يساعده اللفظ ويرضاه «أهل التحصيل»

نعم ذكر في قوله تعالى:( يا أيّها الّذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم ... ) (2) : «أخرج سعيد بن منصور والطبري والبيهقي في الشعب بسند صحيح: أنّ ابن عبّاس كان يقرأ: (حتى تستأذنوا) ويقول: أخطأ الكاتب، وكان يقرأ على قراءة اُبيّ بن كعب، ومن طريق مغيرة بن مقسم، عن إبراهيم النخعي، قال: في مصحف ابن مسعود (حتى تستأذنوا). وأخرج سعيد بن منصور من طريق مغيرة، عن إبراهيم: في مصحف عبدالله: (حتى تسلّموا على أهلها وتستأذنوا). وأخرجه إسماعيل بن إسحاق في أحكام القرآن عن ابن عبّاس واستشكله. وكذا طعن في صحّته جماعة ممّن بعده.

وأجيب: بأنّ ابن عبّاس بناها على قراءته التي تلقّاها عن ابيّ بن كعب. وأمّا اتّفاق الناس على قراءتها بالسين فلموافقة خطّ المصحف

__________________

(1) فتح الباري 8: 301.

(2) سورة النور: 27.

٢٤٤

الذي وقع الاتّفاق على عدم الخروج عمّا يوافقه. وكان قراءة ابيّ من الأحرف التي تركت القراءة بها - كما تقدّم تقريره في فضائل القرآن -. وقال البيهقي: يحتمل أن يكون ذلك كان في القراءة الاول ثمّ نسخت تلاوته. يعني: ولم يطّلع ابن عبّاس على ذلك»(1) .

مناقشة هذا التأويل

أقول: وفي هذا الجواب نظر من وجوه:

أولاً: إنّ هذا الجواب - إن تمّ - فهو توجيه لقراءة ابن عبّاس، لا لقوله في كتابة المصحف: «أخطأ الكاتب».

وثانياً: كون هذه القراءة «من الأحرف التي تركت القراءة بها» يبتني على ما رووه من أنّه «نزل القرآن على سبعة أحرف» هذا المبنى الذي اختلفوا في معناه وتطبيقه اختلافاً شديداً، وذكروا له وجوهاً كثيرة جداً لا يرجع شيء منها الى محصّل(2) .

__________________

(1) فتح الباري: 11: 6.

(2) يمكن الاطلاّع على ما ذكروه بمراجعة مقدّمات التفاسير، وكتب علوم القرآن، وفتح الباري في شرح البخاري 9: 22 - 30 وغيرها. وقد وقع القوم بالتزامهم بصحّة أحاديث نزول القرآن على سبعة أحرف في مأزق كبير جدّاً، وكان عليهم الالتزام بلوازمه الفاسدة التي منها القول بتحريف القرآن وضياع حروف نزّل عليها من السماء ولو أردنا الدخول في هذا البحث لطال بنا المقام، وقد تقدّم بعض ما يتعلّق به فيما سبق، ويكفي أن نقول بأنّ المرويّ صحيحاً عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام : «إنّ القرآن واحد نزل من عند واحد، ولكنّ الاختلاف يجيء من قبل الرواة» وفي آخر: «كذبوا أعداء الله، ولكنّه نزل على حرف واحد من عند الواحد» [ الكافي 2: 461 باب النوادر | حديث 12 و 13 ].

٢٤٥

وثالثاً: ما احتمله البيهقي يبتني على القول بنسخ التلاوة، وسيأتي البحث عنه مفصّلاً.

ورابعاً: قول ابن حجر: «يعني: ولم يطّلع ابن عبّاس» غريب جدّاً، إذ كيف يخفى على مثل ابن عبّاس نسخ تلاوة شيء من القرآن وهو حبر هذه الأمّة وإمام الأئمة في علوم القرآن؟!.

هذا النسبة إلى ما رووه عن ابن عبّاس ونصّوا على صحّته، ثمّ عجزوا عن تأويله «التأويل اللائق».

تأويل «اللحن» و «الخطأ» وجوابه

وأجابوا عمّا رووه عن عثمان بجوابين، ذكر هما السيوطي - بعد أن قال: «هذا الآثار مشكلة جدّاً» - وقد نقلنا عبارته سابقاً.

وقال الشهاب الخفاجي - بعد كلام الكشّاف: «ولا يلتفت ...» -: «وقيل عليه: لا كلام في نقل النظم تواتراً، فلا يجوز اللحن فيه أصلاً، وهل يمكن أن يقع في الخطّ لحن بأن يكتب «المقيمون» بصورة «المقيمين» بناءً على عدم تواتر صورة الكتابة؟ وما روي عن عثمان وعائشة أنّهما قالا: إنّ في المصحف لحناً وستقيمه العرب بألسنتها - على تقدير صحّة الرواية - يحمل على اللحن في الخطّ. لكنّ الحقّ: ردّ هذه الرواية وإليه أشار - أي الكشّاف - بقوله: إنّ السابقين

(قال): أقول: هذا إشارة إلى ما نقله الشاطبي في الرائية وبيّنه شرّاحه وعلماء الرسم العثماني بسند متّصل إلى عثمان أنّه لمّا فرغ من المصحف قال السخاوي: وهو ضعيف والإسناد فيه اضطراب وانقطاع وتأوّل قوم (اللحن) في كلامه على تقدير صحّته عنه بأنّ المراد الرمز والإيماء.

٢٤٦

(قال): تنبيه: قد نخلنا القول وتتبّعنا كلامهم ما بين معسول ومغسول فآل ذلك إلى أنّ قول عثمان فيه مذهبا، أحدهما: أنّ المراد باللحن ما خالف الظاهر، وهو موافق له حقيقة ليشمل الوجوه تقديراً واحتمالاً. وهذا ما ذهب إليه الداني وتابعه كثيرون. والرواية فيه صحيحة.

والثاني: ما ذهب إليه ابن الأنباري من أنّ (اللحن) على ظاهره، وأنّ الرواية غير صحيحة»(1) .

أقول: وكأن المتأوّلين التفتوا إلى كون تأويلاتهم مزيّفة، فالتجؤوا إلى القول بأنّ تلك الآثار «محرّفة» فقد جاء في الإتقان عن ابن أشتة: أنّه روى الحديث بإسناده عن عثمان وليس فيه لفظ «اللحن» بل إنّه لمّا نظر في المصحف قال: «أحسنتم وأجملتم، أرى شيئاً سنقيمه بألسنتنا». قال: «فهذا الأثر لا إشكال فيه وبه يتّضح معنى ما تقدّم ولعلّ من روى تلك الآثار السابقة عنه حرّفها ولم يتقن اللفظ الذي صدر عن عثمان، فلزم ما لزم من الإشكال. فهذا أقوى ما يجاب عن ذلك».

قال السيوطي بعد إيراد الأجوبة عن حديث عثمان: «وبعد، فهذه الأجوبة لا يصحّ منها شيء من حديث عائشة. أمّا الجواب بالتضعيف فلأنّ إسناده صحيح كما ترى ...»(2) .

أقول: هذه عمدة ما ورد في هذا الباب ممّا التزموا بصحّته، وقد عرفت أن لا تأويل صحيح له عندهم، فهم متورّطون في أمر خطره عظيم،

__________________

(1) عناية القاضي 3: 201.

(2) الإتقان 2: 320 - 326.

٢٤٧

إمّا الطعن في القرآن، وإمّا الطعن في هؤلاء الصحابة الأعيان!!!

ولا ريب في أنّ نسبة «الخطأ» إلى «الصحابة» أولى منه إلى «القرآن» وسيأتي - في الفصل الخامس - بعض التحقيق في حال الصحابة علماً وعدالة، هذا أولاً.

وثانياً: إنّ القول بعدم جواز تكذيب المنقول بعد صحّته - كما هو مذهب الحافظ ابن حجر العسقلاني - غير صحيح، إذ الحديث إذا خالف الكتاب أو السنّة القطعية أو الضروري من الدين أو الجمع عليه بين المسلمين يطرح وإن كان في الكتب المسمّاة بالصحاح كما سيأتي - في الفصل الخامس - ذكر نماذج من ذلك

ترجمة عكرمة مولى ابن عباس

أقول: والذي يهوّن الخطب في هذا المقام: أنّ كثيراً من هذه الآثار في سندها «عكرمة مولى ابن عبّاس» وخاصّة الحديث عن عثمان: «إنّ المصاحف لمّا نسخت عرضت عليه فوجد فيها حروفاً من اللحن فقال: اتركوها ...» والحديث عن ابن عبّاس في الآية:( أفلم ييئس ... ) حيث قال: «أظنّ الكتاب كتبها وهو ناعس».

«وعكرمة» من أظهر مصاديق «الزنادقة» و «أعداء الإسلام» الّذين نسب إليهم اختلاق مثل هذه الآثار، في كلام جماعة من العلماء الكبار، كالحكيم الترمذي، وأبي حيّان الأندلسي، وصاحب «المنار» ...

1 - طعنه في الدين:

لقد كان هذا الرجل طاعناً في الإسلام، مستهتراً بالدين

٢٤٨

والمسلمين، من أعلام الضلالة ودعاة السوء:

فقد نقلوا عن قوله: إنّما أنزل الله متشابه القرآن ليضلّ به.

وأنّه قال في وقت الموسم: وددت أنّي اليوم بالموسم وبيدي حربة فأعترض بها من شهد الموسم يميناً وشمالاً.

وأنّه وقف على باب مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال: ما فيه إلاّ كافر.

وأنّه قدم البصرة فأتاه أيّوب وسليمان التميمي ويونس، فبينما هو يحدّثهم سمع صوت غناء، فقال عكرمة: اسكتوا فنستمع. ثم قال: قاتله الله، لقد أجاد.

وعن أبي بكر بن أبي خيثمة: رأيت في كتاب علي بن المديني: سمعت يحيى ابن سعيد يقول: حدّثوني - والله - عن أيّوب أنّه ذكر: أنّ عكرمة لا يحسن الصلاة: قال أيّوب، أو كان يصلّي؟!

وعن سماك، قال: رأيت في يد عكرمة خاتماً من الذهب.

وعن رشدين بن كريب: رأيت عكرمة قد أقيم قائماً في لعب النرد.

2 - إنّه كان يرى رأي الخوارج:

وإنّما أخذ أهل إفريقية رأي الصفرية - وهم من غلاة الخوارج - من عكرمة وذكروا أنه نحل ذلك الرأي إلى ابن عبّاس.

وعن يحيى بن معين: إنّما لم يذكر مالك بن أنس عكرمة، لأنّ عكرمة كان ينتحل رأي الصفرية.

وقال الذهبي: قد تكلّم الناس في عكرمة، لأنّه كان يرى رأي الخوارج.

٢٤٩

ثمّ إنّه نسب تارة إلى «الإباضية» واخرى إلى «الصفرية» وثالثة إلى «نجدة الحروري» وكأنّه كان كلّما جاء فرقة جعل نفسه منهم طمعاً في دنياهم قالوا: وقد طلبه والي المدينة فتغيّب عند داود بن الحصين حتى مات عنده.

3 - إنّه كان كذّاباً:

كذب على ابن عبّاس، وقد أوثقه علي بن عبدالله بن العبّاس على باب كنيف الدار فقيل له: أتفعلون هذا بمولاكم؟ قال: إنّ هذا يكذب على أبي.

وعن سعيد بن المسيّب أنّه قال لمولاه: يا برد، إيّاك أن تكذب عليّ كما يكذب عكرمة على ابن عبّاس.

وعن القاسم: إنّ عكرمة كذّاب، يحدّث غدوة ويخالفة عشيّة.

وقال ابن عمر لنافع: إتّق الله - ويحك يا نافع - لا تكذب عليّ كما كذب عكرمة على ابن عبّاس.

وعن ابن سيرين ويحيى بن معين ومالك بن أنس: كذّاب.

وعن ابن ذويب: رأيت عكرمة مولى ابن عبّاس وكان غير ثقة.

وقال طاوس: لو أنّ عبد ابن عبّاس إتّقى الله وأمسك عن بعض حديثه لشدّت إليه المطايا.

وقد اشتهر تكذيب الناس إيّاه وطعنهم فيه حتى أنه كان يقول: «هؤلاء يكذّبون من خلفي، أفلا يكذّبوني في وجهي»(1) .

__________________

(1) حاول ابن حجر العسقلاني [ مقدّمة فتح الباري: 427 ] توجيه الكلام، ولكن لا ينفعه ذلك، فحال عكرمة تشبه حال أبي هريرة الذي قال للناس:

٢٥٠

4 - عكوفه على أبواب الامراء للدنيا:

قال موسى بن يسار: رأيت عكرمة جائياً من سمرقند وهو على حمار تحته جوالقان - أو خرجان - حرير أجازه بذلك عامل سمرقند ومعه غلام. قال: وسمعت عكرمة بسمرقند وقيل له: ما جاء بك إلى هذه البلاد؟ قال: الحاجة.

وقال عبد المؤمن بن خالد الحنفي: قدم علينا عكرمة خراسان فقلت له: ما أقدمك إلى بلادنا؟ قال: قدمت آخذ من دنانير ولاتكم ودراهمهم.

وقال عبدالعزيز بن أبي رواد: قلت لعكرمة: تركت الحرمين وجئت إلى خراسان! قال: أسعى على بناتي.

وقال أبو نعيم: قدم على الوالي بأصبهان فأجازه بثلاثة آلاف درهم.

وقال عمران بن حدير: رأيت عكرمة وعمامته منخرقة فقلت: ألا اعطيك عمامتي؟ فقال: إنّا لا نقبل إلاّ من الامراء.

أبو طالب: سمعت أحمد بن حنبل يقول: كان عكرمة من أعلم الناس ولكنّه كان يرى رأي الصفرية ولم يدع موضعاً إلاّ خرج إليه، خراسان والشام واليمن ومصر وإفريقية، كان يأتي الامراء فيطلب جوائزهم، وأتى الجند إلى طاووس فأعطاه ناقة.

ومن الطبيعي أن يستجيب هكذا رجل لرغبات الولاة والامراء

__________________

أتزعمون أنّي أكذب على الله ورسوله وأحرق نفسي بالنار ...؟!

٢٥١

فيضع كل ما تقتضيه السياسة ويدعم الحكومات الجائرة

5 - ترك الناس جنازته:

ومن الطبيعي أيضاً سقوط هكذا إنسان في المجتمع الإسلامي، فلا تبقى قيمة لا له ولا لأحاديثه حتى إذا مات فلا تشيّع جنازته ولا يصلّى عليه كما ذكر المؤرّخون في ترجمة عكرمة وأضافوا أنّه قد اتّفق موت عكرمة وكثير عزّة الشاعر الشيعي في يوم واحد فشهد الناس جنازة كثير وتركوا جنازة عكرمة. قيل: فما حلمه أحد واكتروا له أربعة رجال من السودان.

6 - قدح الأكابر فيه وتكذيبه:

ولهذه الأور وغيرها كذّب عكرمة كبار الأئمّة الأعلام - الّذين طالما اكتفى علماء الجرح والتعديل بطعن واحدٍ منهم - منهم: ابن عمر، ومجاهد، وعطاء، وابن سيرين، ومالك بن أنس، والشافعي - حيث حكى كلام مالك وقرّره - وسعيد بن المسيّب، والقاسم، ويحيى بن سعيد.

وحرّم مالك الرواية عنه، وأعرض عنه مسلم، وقال مسلم محمد بن سعد: ليس يحتجّ بحديثه، وقال غيره: غير ثقة(1) .

__________________

(1) المصادر المنقول ترجمة عنها عكرمة هي: تهذيب الكمال، تهذيب التهذيب 7: 273 - 263، طبقات ابن سعد 5: 287، وفيات الأعيان 1: 319 ميزان الاعتدال 3: 93، المغني في الضعفاء 2: 84، سير أعلام النبلاء 5: 9، الضعفاء الكبير 3: 373.

٢٥٢

ومع هذا كلّه فإنّ البخاري يروي عنه!! ولكن لا عجب إذ «كلّ يعمل على شاكلته» بل العجب من ابن حجر، حيث ينبري للدفاع عن «عكرمة البربري» والمقصود هو الدفاع عن «صحيح البخاري» فكيف يدافع عمّن تجرّأ على الله، واستهزأ بشعائره، واستخفّ بأحكامه، وطعن في القرآن، واستحلّ دماء المسلمين ...؟ وكيف يدافع عمّن كذّبه الأئمة الثقات حتى ضربوا بكذبه المثل لاشتهاره بهذه الصفة؟ وكيف يدافع عمّن امتنع الناس من حمل جنازته والصلاة عليها؟!

خلاصة البحث

ويتلخّص البحث في هذه الناحية في النقاط التالية:

1 - إنّ الآثار المشتملة على وقوع «الخطأ» في القرآن الكريم باطلة وإن كانت مخرّجة في الصحاح وفي غيرها بأسانيد صحيحة وفاقاً لمن قال بهذا من أعلام المحقّقين من أهل السنّة كما عرفت ووجود الأحاديث الباطلة في الصحاح الستّة أم ثابت، وعدد الاحاديث من هذا القبيل فيها ليس بقليل كما ستعرف.

2 - إنّ التأويلات التي ذكرت من قبل القائلين بصحّة هذه الآثار لا تحلّ المشكلة كما عرفت، ولذا اضطرّ بعضهم إلى القول بأنّها محرّمة، والتزم بالإشكال بعض آخر، ومنه قول ابن قتيبة: «ليست تخلو من أن تكون على مذهب من مذاهب أهل الإعراب أو تكون غلطاً من الكاتب كما ذكرت عائشة، فإن كانت على مذاهب النحو والنحويّين فليس ها هنا لحن والحمدالله، وإن كانت على خطأ في الكتاب فليس

٢٥٣

 على الله ولا على رسوله جنابة الكاتب في الخطّ»(1) .

3 - إنّ مصادرة كتاب «الفرقان» - إن كانت لأجل إثبات «اللحن» في الكتاب - لا تحلّ المشكلة بشكل من الأشكال، فإنّ صاحب هذا الكتاب ينقل الآثار المتضمّنة لهذا المعنى عن الكتب المعتبرة والتي اخرجت فيها تلك الآثار بأسانيد صحيحة على شرط الشيخين، ثمّ يؤكّدها بقوله: «ليس ما قدّمناه من لحن الكتاب في المصحف بضائرة أو بمشكّك في حفظ الله تعالى له، بل إنّ ما قاله ابن عبّاس وعائشة وغيرهما من فضلاء الصحابة وأجلاًء التابعين أدعى لحفظه وعدم تغييره وتبديله. وممّا لا شكّ فيه أنّ كتّاب المصحف من البشر يجوز عليهم ما يجوز على سائرهم من السهو والغفلة والنسيان. والعصمة لله وحده

ومثل لحن الكتّاب كلحن المطابع ...»(2) .

وعلى هذا الأساس يدعو هذا المؤلف إلى تغيير الرسم العثماني وجعل الألفاظ كما ينطق بها اللسان وتسمعها الآذان، بل ينقل عن العزّ ابن عبد السلام أنّه قال بعدم جواز كتابه المصحف بالرسم الأول(3) .

أقول: إنّ مسألة الرسم والخطّ هي أيضاً من المشاكل المترتّبة على القول بصحّة هذه الآثار عن الصحابة والالتزام بصدورها عنهم - فإن لم تكن مترتّبة عليه فلا أقلّ من أن يكون القول بصحّة تلك الآثار سنداً ومتناً مؤيّداً لمن يدعو إلى تغيير الرسم والكتابة - ونحن هنا لا نتعرّض لهذه المسألة، بل نقول بأنّ استدلال مؤلف كتاب «الفرقان» أو استشهاده

__________________

(1) مشكل القرآن: 40.

(2) الفرقان: 41 - 46.

(3) الفرقان: 58.

٢٥٤

بهذه الآثار تامّ، وأنّه لا يلام على إيراده تلك الآثار في كتابه، بل اللوم على من يرويها ويصحّح أسانيدها ويخرجها في كتابه وأنّ طريق الجواب هو ردّها وإبطالها على ما ذكرناه بالتفصيل ...

2 - في أحاديث جمع القرآن

لقد وعد الله سبحانه نبيّه بحفظ القرآن وبيانه، وضمن له عدم ضياعه ونسيانه.

وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كلّما نزل من القرآن شيء أمر بكتابته ويقول في مفرقات الآيات: ضعوا هذا في سورة كذا(1) .

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يعرضه على جبرئيل في شهر رمضان في كل عام مرّة، وعرضه عليه عام وفاته مرّتين(2) .

وحفظه في حياته جماعة من أصحابه، وكل قطعة كان يحفظها جماعة كبيرة أقلّهم بالغون حدّ التواتر هذا هو الحقّ والأمر الواقع

وقد أوردنا أحاديث القوم في قضية جمع القرآن ووجدناها متناقضة وعقّبناها بذكر ما قيل أو يمكن أن يقال في معناها ووجه الجمع فيما بينها فهل ترتفع المشكلة بهذا الاسلوب؟

إعراض القوم عن علي في جمع القرآن

لابدّ قبل الورود في البحث من أن نقول:

لقد كان أمير المؤمنين عليعليه‌السلام أعلم الناس بكتاب الله

__________________

(1) مسند أحمد 1: 57، الترمذي 11: 225، أبو داود 1: 290، المستدرك 2: 230.

(2) صحيح البخاري 1: 101 وغيره.

٢٥٥

- عزّ وجلّ - عند المخالف والمؤالف، وهو القائل: «والله ما نزلت آية إلاّ وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت»(1) والقائل: «سلوني عن كتاب الله، فإنّه ليس آية إلاّ وقد عرفت أبليل نزلت أن بنهار، في سهل أو جبل»(2) .

وهو الذي قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حقّه:

«علي أعلم الناس بالكتاب والسنّة»(3) .

وقال: «علي مع القرآن والقرآن مع علي»(4) .

وناهيك بحديث: «أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها»(5) .

وعليعليه‌السلام استاذ ابن عبّاس في التفسير، وقد ذكر القوم أنّ «أعلم الناس بالتفسير أهل مكّة لأنّهم أصحاب ابن عبّاس»(6) .

فلماذا لم يعدّه أنس بن مالك - ولا غيره - من حفّاظ القرآن، ومن الّذين أم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بتعلّمه منهم والرجوع إليهم فيه، فيما رواه البخاري في صحيحه؟!

ثمّ إنّهعليه‌السلام رتّب القرآن الكريم ودوّنه بعيد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من القراطيس التي كان مكتوباً عليها،

__________________

(1) حلية الأولياء 1: 67، أنساب الأشراف 1: 99.

(2) أنساب الأشراف 1: 99، الاستيعاب 3: 1107.

(3) المعيار والموازنة: 102.

(4) المستدرك 3: 124، الصواعق: 76 و 77، كفاية الطاب: 254.

(5) من الأحاديث المتواترة بين المسلمين. بحثنا عنه سنداً ودلالةً في الجزء العاشر وتالييه من أجزاء كتابنا (نفحات الازهار في خلاصة عبقات الأنوار).

(6) الإتقان 2: 385.

٢٥٦

فكان له مصحف تامّ مرتّب يختصّ به كما لعدّة من الصحابة في الأيام اللاحقة، وهذا من الامور المسلّمة تاريخياً عند جميع المسلمين(1) ومن جلائل فضائل سيّدنا أمير المؤمنين فلما ذا لم يستفيدوا منه؟!

ولعلّ إعراض القوم عن مصحف علي هو السبب في قدح ابن حجر العسقلاني(2) ومن تبعه كالآلوسي(3) في الخبر الحاكي له مع أنّ هذا الأمر من الامور الثابتة الضرورية المستغنية عن أيّ خبر مسند لكنّ هؤلاء يحاولون توجيه ما فعله القوم أو تركوه كلّما وجدوا إلى ذلك سبيلاً ..!!

ثمّ إنّه لماذا لم يدعوا الإمامعليه‌السلام ولم يشركوه في جمع القرآن؟! فإنّا لا نجد ذكراً له فيمن عهد إليهم أمر جمع القرآن في شيء من أخبار القضية، لا في عهد أبي بكر ولا في عهد عثمان فلماذا؟! ألا، إنّ هذه امور توجب الحيرة وتستوقف الفكر!!

حصرهم الجامعين على عهد النبوة في عدد!!

وبعد فإنّ التحقيق - كما عليه أهله من عامّة المسلمين - أنّ القرآن قد كتب كلّه في عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بعده، وجمع في الصدور والسطور معاً من قبل جماعة من أصحابهصلى‌الله‌عليه‌وآله غير أنّ الجامعين له - أي: الحافظين في

__________________

(1) انظر: فتح الباري 9: 9، الاستيعاب - ترجمة أبي بكر -، الصواعق: 78، الإتقان 1: 99، حلية الأولياء 1: 67، التسهيل لعلوم التنزيل 1: 4 المصنّف لابن أبي شيب 1: 545، طبقات ابن سعد 2: 338.

(2) فتح الباري 9: 9.

(3) روح المعاني 1: 21.

٢٥٧

صدورهم - أكثر ممّن كتبه، كما أنّ من كتبه بتمامه فكان ذا مصحف يختصّ به أقلّ ممّن كان عنده سور من القرآن كتبها واحتفظ بها لنفسه فهل كان الجامعون له بتمامه أربعة كما عن أنس بن مالك(1) وعبدالله بن عمرو(2) أو خمسة كما عن محمد بن كعب القرظي(3) أو ستّه كما عن الشعبي(4) أو تسعة كما عن النديم(5) ؟!

إنّ الجامعين للقرآن أكثر من هذه الأعداد وأمّا حديث الحصر في الأربعة وأنّ كلّهم من الأنصار - كما عن أنس بن مالك - فنحن نستنكره تبعاً لجماعة من الأئمّة كما ذكر الحافظ السيوطي ولا نتكلّف تأويله ولا ننظر في سنده ..

كلمة حول أنس بن مالك

بل الكلام في أنس بن مالك نفسه لأنّا قد وجدناه رجلاً كاذباً كاتماً للحقّ، آبياً عن الشهادة به، في قضية مناشدة أمير المؤمنين بحديث الغدير فإنّ أنس بن مالك كان في الناس الّذين نشدهم أمير المؤمنينعليه‌السلام وطلب منهم الشهادة بما سمعوا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم غدير خم فقام القوم فشهدوا إلاّ ثلاثة منهم لم يقوموا فدعا عليهم فأصابتهم دعوته، منهم أنس بن مالك إذا قال له الإمام: «يا أنس، ما يمنعك أن تقوم فتشهد ولقد حضرتها؟

__________________

(1) صحيح البخاري 6: 102.

(2) صحيح البخاري 6: 102، صحيح مسلم 7: 149.

(3) الإتقان 1: 72، منتخب كنز العمّال 2: 47.

(4) الإتقان 1: 72، البرهان 1: 241.

(5) الفهرست: 30.

٢٥٨

فقال: يا أمير المؤمنين كبرت ونسيت، فقال: اللّهم إن كان كاذباً فارمه بيضاء لا تواريها العمامة، فكان عليه البرص»(1) .

ووجدناه كاذباً في قضية حديث الطائر فإنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا اتي إليه طائر مشوي ليأكل منه وقال: «اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك وإليّ يأكل معي من هذا الطائر» كان يترقّب دخول عليعليه‌السلام عليه، وكان أنس كلّما جاء علي ليدخل ردّه قائلاً: «إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على حاجة» حتى كانت المرة الأخيرة، فرفع علي يده فوكز في صدر أنس ثمّ دخل فلما نظر إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قام قائماً فضمّه إليه وقال: ما أبطأ بك يا علي؟! قال: يا رسول الله، قد جئت ثلاثاً كل ذلك يردّني أنس، قال أنس: فرأيت الغضب في وجه رسول الله وقال: يا أنس، ما حملك على ردّه؟! قلت: يا رسول الله سمعتك تدعو، فأحببت أن تكون الدعوة في الأنصار، قال: «لست بأوّل رجل أحبّ قومه، أبي الله يا أنس إلاّ أن يكون ابن أبي طالب»(2) .

إنّه يكذب غير مرّة، ويمنع أحبّ الناس إلى الله ورسوله من الدخول، ويتسبّب في تأخير استجابة دعوة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و كما يحصر حفّاظ القرآن في أربعة من الأنصار حبّاً لهم ..!!.

إنّ الباعث له على ما فعل في قصّة الطائر ليس «حبّ الأنصار»

____________

(1) انظر: نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار | قسم حديث الغدير، والغدير 1: - 191: 195.

(2) حديث الطير من الأحاديث المتواترة، تجده في جلّ كتب الحديث والفضائل، وله طرق كثيرة جدّاً حتى أفرده بعضهم بالتأليف وكلّها تشتمل على صنيع أنس بن مالك وهذا الحديث أيضاً من الأحاديث المبحوث عنها بالتفصيل في كتابنا (نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار) في الجزئين: 13 - 14.

٢٥٩

بل «بغض الأمير» هذه الحقيقة التي كشف عنها بكتمان الشهادة بحديث «الغدير» ...

رفض أحاديث جمع القرآن على عهدي أبي بكر وعمر

وعلى كلّ حال، فإن القرآن كان مجموعاً على عهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وإنّ الجامعين له - حفظاً وكتابة - على عهده كثيرون

وإذا كان القرآن مكتوباً على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان الأصحاب يؤلّفونه بأمره - كما يقول زيد بن ثابت -(1) فلا وزن لما رووه عن زيد أنّه قال: قبض رسول الله ولم يكن القرآن جمع في شيء»(2) لأنّ «التأليف» هو «الجمع» قال ابن حجر: «تأليف القرآن: أي جمع آيات السورة الواحدة أو جمع السور مرتّبة في المصحف»(3) .

وعلى هذا الأساس، يجب رفض ما رووه من الأحاديث في أنّ «أوّل من جمع القرآن أبوبكر» أو «عمر» أو غيرهما من الأصحاب بأمرهما لأنّ الجمع في المصحف قد حصل قبل أبي بكر فلا وجه لقبول هذه الأحاديث - حتى لو كانت صحيحة سنداً - كي نلتجئ إلى حمل «فكان [ عمر ] أوّل من جمعه في المصحف»(1) مثلاً على أنّ المراد:

__________________

(1) المستدرك 2: 662.

(2) الإتقان 1: 202.

(3) فتح الباري 9: 8.

(4) الإتقان 1: 204.

٢٦٠

والشقاء أن يعزل نفسه عن تيار نهر عالم الخلقة العظيم ، والذي يسير كلّه ببرنامج منظّم؟

ألا تجعلنا مشاهدة الوضع العام للعالم نفكّر في أنّ البشر أيضا يجب أن يخضعوا لنظام عالم الوجود ، شاؤوا أم أبوا ، ويقبلوا القوانين المنتظمة العادلة ، ويعودوا إلى مسيرهم الأصيل ويكونوا منسجمين وهذا النظام.

إذا ألقينا نظرة على بناء أجهزة بدن الإنسان المختلفة المعقّدة ، ابتداء من القلب والمخ إلى العين والاذن واللسان ، إلى بصيلة الشعر ، سنراها جميعا خاضعة لقوانين وأنظمة وحسابات دقيقة ، وإذا كان الأمر كذلك في البدن ، فكيف تقدر البشرية أن تستقرّ بدون اتّباع ضوابط ومقرّرات ونظام صحيح وعادل؟

إنّنا نريد بقاء البشرية ، ونسعى لذلك ، غاية ما في الأمر أنّ مستوى وعي مجتمعنا لم يصل إلى ذلك الحدّ بحيث نعلم أنّ استمرارنا في هذا الطريق الحالي سينتهي إلى فنائنا ، ولكن سنثوب إلى عقولنا تدريجيّا ، ويحصل لنا هذا الإدراك والرشد الفكري.

نحن نريد منافعنا ومصالحنا ، ولكنّنا إلى الآن لا نعلم أنّ استمرار الوضع الحالي سيدمّر مصالحنا ويجعلها هباء منثورا ، ولكنّا نضع نصب أعيننا الأرقام والإحصائيات الحيّة الناطقة عن سباق التسلّح مثلا ، وسنرى أنّ نصف القوى الفكرية والجسمية للمجتمع البشري ، ونصف الثروات ورؤوس الأموال الضخمة تهدر في هذا المجال! ولا تهدر فحسب ، بل إنّها تسعى إلى فناء وإتلاف النصف الثّاني!

وتزامنا مع ارتفاع سطح وعينا سنرى بوضوح أنّنا يجب أن نعود إلى نظام عالم الوجود العام ، ونضمّ صوتنا إليه ، ونتّحد معه.

وكما أنّنا جزء من هذا الكلّ فعلا ، فيجب أن نكون كذلك من الناحية العملية

٢٦١

حتّى نستطيع أن نصل إلى أهدافنا في جميع المجالات.

والنتيجة هي : إنّ نظام الخلقة سيكون دليلا واضحا على قبول نظام اجتماعي صحيح في المستقبل ، في عالم الإنسانية ، وهذا هو الذي يستفاد من الآية مورد البحث ، والأحاديث المرتبطة بقيام المصلح العالمي العظيم ، المهدي الموعود(١) .

* * *

__________________

(١) ممّا يستحقّ الانتباه أنّ هذا البحث قد كتب في ليلة الخامس عشر من شعبان سنة ١٤٠٢ ، والمصادف للميلاد السعيد للإمام المهدي صاحب الزمانعليه‌السلام ، فالحمد لله على هذا التقارن.

٢٦٢

الآيات

( وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (١٠٧) قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٨) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ (١٠٩) إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ (١١٠) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (١١١) قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (١١٢) )

التّفسير

النّبي رحمة للعالمين :

لمّا كانت الآيات السابقة قد بشّرت العباد الصّالحين بوراثة الأرض وحكمها ، ومثل هذه الحكومة أساس الرحمة لكلّ البشر ، فإنّ الآية الأولى أشارت إلى رحمة وجود النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العامّة ، فقالت :( وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ ) فإنّ عامّة البشر في الدنيا ، سواء الكافر منهم والمؤمن ، مشمولون لرحمتك ، لأنّك تكفّلت بنشر الدين الذي ينقذ الجميع ، فإذا كان جماعة قد انتفعوا به وآخرون لم ينتفعوا ، فإنّ

٢٦٣

ذلك يتعلّق بهم أنفسهم ، ولا يخدش في عموميّة الرحمة.

وهذا يشبه تماما أن يؤسّس جماعة مستشفى مجّهزة لعلاج كلّ الأمراض ، وفيها الأطباء المهرة ، وأنواع الأدوية ، ويفتحوا أبوابها بوجه كلّ الناس بدون تمييز ، أليست هذه المستشفى رحمة لكلّ أفراد المجتمع؟ فإذا امتنع بعض المرضى العنودين من قبول هذا الفيض العام ، فسوف لا يؤثّر في كون تلك المستشفى عامّة.

وبتعبير آخر فإنّ كون وجود النّبي رحمة للعالمين له صفة المقتضى وفاعلية الفاعل ، ومن المسلّم أنّ فعلية النتيجة لها علاقة بقابلية القابل.

إنّ التعبير بـ «العالمين» له إطار واسع يشمل كلّ البشر وعلى امتداد الأعصار والقرون ، ولهذا يعتبرون هذه الآية إشارة إلى خاتمية نبي الإسلام ، لأنّ وجوده رحمة وإمام وقدوة لكلّ الناس إلى نهاية الدنيا ، حتّى أنّ هذه الرحمة تشمل الملائكة أيضا :

ففي حديث شريف مروي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يؤيّد هذه العمومية ، إذ نلاحظ فيه إنّ هذه الآية لمّا نزلت سأل النّبي جبرئيل فقال : «هل أصابك من هذه الرحمة شيء؟» فقال جبريل : «نعم إنّي كنت أخشى عاقبة الأمر ، فآمنت بك لمّا أثنى الله عليّ بقوله : عند ذي العرش مكين»(١) .

وعلى كلّ حال ، ففي دنيا اليوم حيث ينتشر الفساد والظلم والاستبداد في كلّ جانب ، ونيران الحروب مستعرة في كلّ جهة ، وأخذت قبضات الجبّارين العتاة بأنفاس المستضعفين المظلومين في الدنيا الغارقة في الجهل وفساد الأخلاق والخيانة والظلم والجور أجل في مثل هذه الدنيا سيتّضح أكثر فأكثر معنى كون النّبي رحمة للعالمين ، وأي رحمة أسمى من أنّه أتى بدين إذا عمل به فإنّه يعني نهاية كلّ المآسي والنكبات والأيّام السوداء؟

__________________

(١) مجمع البيان ، ذيل الآية محل البحث.

٢٦٤

أجل ، إنّه هو وأوامره ، ودينه وأخلاقه كلّها رحمة ، رحمة للجميع ، وستكون عاقبة استمرار هذه الرحمة حكم الصالحين المؤمنين في كلّ أرجاء المعمورة.

ولمّا كان أهمّ مظهر من مظاهر الرحمة ، وأثبت دعامة لذلك هي مسألة التوحيد وتجليّاته ، فإنّ الآية التالية تقول :( قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) ؟

وهذه الآية في الواقع تشير إلى ثلاث نقاط مهمّة :

الأولى : إنّ التوحيد هو الدعامة الأساسيّة للرحمة ، وحقّا كلّما فكّرنا أكثر فستتّضح هذه العلاقة أقوى ، التوحيد في الإعتقاد ، وفي العمل ، والتوحيد في الكلمة ، وتوحيد الصفوف ، وفي القانون وفي كلّ شيء.

الثّانية : إنّه بمقتضى كلمة (أنّما) الدالّة على الحصر ، فإنّ كلّ دعوات الأنبياء تتلخّص في أصل التوحيد ، والمطالعات الدقيقة تبيّن أيضا أنّ الأصول ، بل وحتّى الفروع والأحكام ترجع أخيرا إلى أصل التوحيد ، ولذلك فإنّ التوحيد ـ وكما قلنا سابقا ـ ليس أصلا من الأصول وحسب ، بل إنّه كالخيط القوي الذي يربط خرز المسبحة ، أو الأصحّ أنّه كالروح السارية في البدن.

والنقطة الثّالثة : إنّ المشكلة الأساسيّة في جميع المجتمعات هي التلوّث بالشرك بأشكال مختلفة ، لأنّ جملة( فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) توحي بأنّ المشكلة الأساسيّة هي الخروج من الشرك ومظاهره ، ورفع اليد عن الأصنام وتحطيمها ، ليس الأصنام الحجرية والخشبية فحسب ، بل كلّ الأصنام ، وفي أي شكل كانت ، وخاصّة طواغيت البشر!

ثمّ تقول الآية التالية : إنّهم إذا لم يذعنوا ويهتّموا لدعوتنا ونداءاتنا هذه( فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ ) .

«آذنت» من مادّة الإيذان ، أي الإعلان المقترن بالتهديد ، وجاء أحيانا بمعنى إعلان الحرب ، لكن لمّا كانت هذه السورة قد نزلت في مكّة ، ولم تكن هناك أرضية

٢٦٥

للجهاد ، ولم يكن حكم الجهاد قد نزل ، فيبدو من البعيد جدّا أن يكون معنى هذه الجملة هنا إعلان الحرب ، والظاهر أنّ النّبي أراد بهذا الكلام أن يعلن تنفّره وابتعاده عن أولئك ، ويبيّن بأنّه قد يئس منهم تماما.

وتعبير «على سواء» إمّا أن يكون إشارة إلى أنّي قد أنذرتكم جميعا وحذّرتكم من العذاب الإلهي على حدّ سواء ، لئلّا يتصوّروا أنّ أهل مكّة أو قريشا يختلفون عن الآخرين ، وأنّ لهم عند الله فضلا أو كرامة. أو أنّه إشارة إلى أنّ النّبي قد بلّغهم جميعا وبدون استثناء.

ثمّ يبيّن هذا التهديد بصورة أوضح ، فيقول بأنّي لا أعلم هل أنّ موعد عذابكم قريب أم بعيد :( وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ ) فلا تظنّوا أنّ هذا الوعيد بعيد ، فربّما كان قريبا وقريبا جدّا.

قد يكون المراد من العذاب والعقوبة هنا عذاب القيامة ، أو عذاب الدنيا ، أو كليهما ، ففي الصورة الأولى هو مختص بعلم الله ، ولا يعلم أي أحد تاريخ وقوع القيامة بدقّة حتّى أنبياء الله ، وفي الصورة الثّانية والثّالثة يمكن أن يكون إشارة إلى جزئياته وزمانه ، وأنا لا أعلم بجزئياته ، لأنّ علم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمثل هذه الحوادث ليس له صفة فعليّة دائما ، بل له صفة إرادية أحيانا ، أي ما دام لم يرد فهو لا يعلم(١) .

ثمّ إنّكم لا ينبغي أن تتوهّموا أنّ عقوبتكم إذا تأخّرت فهذا يعني أنّ الله غير مطّلع على أعمالكم وأقوالكم ، فهو يعلم كلّ شيء ، فـ( إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ ) فإنّ الجهر والإخفاء له معنى بالنسبة لكم حيث أنّ علمكم محدود عادة ، أمّا بالنسبة لمن لا حدود لعلمه ، فإنّ الغيب والشهادة ، والسرّ والعلن سواء لديه.

__________________

(١) كما ورد في كتاب الكافي في باب يتعلّق بهذا الشأن أيضا.

٢٦٦

وكذلك إذا رأيتم أنّ العقوبة الإلهيّة لا تحيط بكم فورا ، فلا تظنّوا أنّ الله سبحانه غير عالم بعملكم ، فلا أعلم لعلّه إمتحان لكم :( وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ ) ثمّ يأخذكم أشدّ مأخذ ويعاقبكم أشدّ عقاب!

لقد أوضحت الآية في الواقع حكمتين لتأخير العذاب الإلهي :

الأولى : مسألة الامتحان والاختبار ، فإنّ الله سبحانه لا يعجّل في العذاب أبدا حتّى يمتحن الخلق بالقدر الكافي ، ويتمّ الحجّة عليهم.

والثّانية : إنّ هناك أفرادا قد تمّ اختبارهم وحقّت عليهم كلمة العذاب حتما ، إلّا أنّ الله سبحانه يوسّع عليهم النعمة ليشدّد عليهم العذاب ، فإذا ما غرقوا في النعمة تماما ، وغاصوا في اللذائذ ، أهوى عليهم بسوط العذاب ليكون أشدّ وآلم ، وليحسّوا جيدا بألم وعذاب المحرومين والمضطهدين.

وتتحدّث آخر آية هنا ـ وهي آخر آية من سورة الأنبياء ـ كالآية الأولى من هذه السورة عن غفلة الناس الجهّال ، فتقول حكاية عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عبارة تشبه اللعن ، وتعكس معاناتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كلّ هذا الغرور والغفلة ، وتقول : إنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد مشاهدة كلّ هذا الإعراض( قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِ ) (١) . وفي الجملة الثّانية يوجّه الخطاب إلى المخالفين ويقول :( وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ ) .

إنّه في الحقيقة ينبّه هؤلاء بكلمة (ربّنا) إلى هذه الحقيقة ، وهي أنّنا جميعا مربوبون ومخلوقون ، وهو ربّنا وخالقنا جميعا.

والتعبير بـ «الرحمن» ، والذي يشير إلى الرحمة العامّة ، يعيد إلى أسماع هؤلاء أنّ الرحمة الإلهية قد عمّت كلّ وجودنا ، فلما ذا لا تفكّروا لحظة في خالق كلّ هذه النعمة والرحمة؟

وتعبير( الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ ) يحذّر هؤلاء بأن لا تظنّوا أنّا وحيدون أمام

__________________

(١) لا شكّ أنّ حكم الله سبحانه بالحقّ دائما ، وعلى هذا فإنّ ذكر كلمة (بالحقّ) هنا له صبغة التوضيح.

٢٦٧

جمعكم وكثرته ، ولا تتصوّروا أنّ كلّ اتهاماتكم وأكاذيبكم ، سواء كانت على ذات الله المقدّسة أو علينا ، ستبقى بدون جواب وجزاء ، كلّا مطلقا ، فإنّه تعالى سندنا ومعتمدنا جميعا ، وهو قادر على أن يدافع عن عباده المؤمنين أمام كلّ أشكال الكذب والافتراء والاتّهام.

نهاية سورة الأنبياء

اللهمّ لا تدعنا وحدنا قبال الشرق والغرب اللذين صمّما جميعا على إبادتنا ، بل نسألك أن تنصرنا كما نصرت نبيّكصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه وهم قلّة ولم تدعهم وحدهم قبال كثرة الأعداء.

اللهمّ إنّك قد بيّنت في هذه السورة المباركة رحمتك الخاصّة على الأنبياء في الشدائد والأزمات وعند تقلّبات الحياة ومصاعبها.

اللهم وإنّنا مبتلون في عصرنا وزماننا بمثل تلك الشدائد والأزمات ، وانّا لنرجو رحمتك التي خصّصت بها أنبياءك وعبادك الصالحين ، فارحمنا وفرّج عنّا

آمين ربّ العالمين

* * *

٢٦٨

سورة الحجّ

مدنيّة

وعدد آياتها ثمان وسبعون آية

٢٦٩
٢٧٠

«سورة الحجّ»

مضمون سورة الحجّ :

سمّيت هذه السورة بـ «سورة الحجّ» لأنّ جزءا من آياتها تحدّث عن الحجّ.

وهناك اختلاف بين المفسّرين وكتّاب تأريخ القرآن حول مكّيتها أو مدنيّتها.

فالبعض يرى أنّها مكيّة باستثناء عدد من آياتها. في الوقت الذي يرى آخرون أنّها مدنية عدا بعض آياتها. وآخرون يرون أنّها مزيجا من الآيات المكيّة والمدنيّة. إلّا أنّنا لو أخذنا بنظر الإعتبار استنتاجاتنا من السور المكية والمدنيّة ، أو بتعبير آخر : أجواء هاتين المدينتين وحاجات المسلمين وكيفية صدور تعاليم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليهم في كلّ من هاتين المنطقتين ، لوجدنا أنّ آيات هذه السورة تشبه السور المدنيّة ، فالتعاليم الخاصّة بالحجّ ، وكذلك التعاليم الخاصة بالجهاد تناسب أوضاع المسلمين في المدينة ، مع أنّ تأكيد آيات في هذه السورة للمبدأ والمعاد لا تستبعد ملاءمتها للسور المكيّة.

يقول مؤلّف «تأريخ القرآن» استنادا إلى «فهرست ابن النديم ونظم الدرر» :

إنّ سورة الحجّ نزلت في المدينة ، باستثناء آيات منها والتي نزلت بين مكّة والمدينة ، ويضيف : إنّها السورة السادسة بعد المائة التي نزلت على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وتقع بعد سورة النور. وقبل سورة المنافقين.

وعلى أي حال فإنّ كون هذه السورة مدنيّة أقوى.

هذا ويمكن تقسيم مواضيعها إلى عدّة أقسام هي :

٢٧١

١ ـ تضمّنت آيات منها موضوع «المعاد» وأدلّته المنطقية ، وإنذار الغافلين عن يوم القيامة ونظائر ذلك التي تبدأ هذه السورة بها لتضمّ جزءا كبيرا منها.

٢ ـ يتضمّن جزء ملحوظ من هذه الآيات جهاد الشرك والمشركين ، وجلب انتباه الناس إلى عظمة الخالق بواسطة معاجز الخلق في عالم الوجود.

٣ ـ دعا جزء آخر من هذه السورة الناس إلى الإعتبار بمصير الأقوام البائدة ، وما لاقت من عذاب إلهي ، ومن هذه الأقوام قوم نوح ، وعاد وثمود ، وقوم إبراهيم ولوط ، وقوم شعيب وموسى.

٤ ـ وتناول جزء آخر منها مسألة الحجّ وتاريخه منذ عهد إبراهيمعليه‌السلام ، ومسألة القربان والطواف وأمثالها.

٥ ـ وتضمّن الجزء الآخر مقاومة الظالمين والتصدّي لأعداء الإسلام المحاربين.

٦ ـ واحتوى قسم آخر نصائح في مجالات الحياة المختلفة.

٧ ـ التشجيع على أعمال الصلاة والزكاة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والتوكّل والتوجّه إلى الله (سبحانه وتعالى).

فضيلة تلاوة سورة الحجّ :

جاء في حديث للرسول الأكرم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «من قرأ سورة الحجّ اعطي من الأجر كحجّة حجّها ، وعمرة اعتمرها ، بعدد من حجّ واعتمر فيما مضى وفيما بقي»(١) !

وهذا الثواب والفضل العظيم ليس لمجرد التلاوة اللفظيّة فقط ، وإنّما لتلاوة تنير الفكر ، وتفكّر يتبعه عمل وتطبيق.

__________________

(١) مجمع البيان بداية سورة الحجّ.

٢٧٢

ومن يجعل هذه السورة ومضمونها من مبدأ ومعاد وتعليمات تعبّدية أخلاقية ومسائل خاصّة بالجهاد ومقارعة الظالمين ، مصباحا لبصيرته ومنهاجا لحياته ، سيجد نفسه قد ارتبط بجميع المؤمنين السابقين واللاحقين ـ معنويا وروحيّا ـ ارتباطا يشعره بأنّه شريك في أعمالهم ، وهم شركاء في أعماله ، دون أن ينقص من أجرهم. وأنّه سيكون همزة وصل بين جميع المؤمنين عبر التاريخ.

وعلى هذا ، فلا عجب من مقدار الثواب والأجر الذي نصّ عليه هذا الحديث.

* * *

٢٧٣

الآيتان

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ )

( يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (١) يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ (٢) )

التّفسير

زلزلة البعث العظيمة :

تبدأ هذه السورة بآيتين تشيران إلى يوم البعث ومقدّماته ، وهما آيتان تبعدان الإنسان ـ دون إرادته ـ عن هذه الحياة المادية العابرة ، ليفكّر بالمستقبل المخيف الذي ينتظره المستقبل الذي سيكون جميلا وسعيدا إن فكّرت فيه اليوم ، ولكنّه مخيف حقّا إن لم تعدّ العدّة له ، والآية المباركة :( يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ) . خطاب للناس جميعا بلا استثناء ، فقوله تعالى :( يا أَيُّهَا النَّاسُ ) دليل واضح على عدم التفريق بينهم من ناحية العنصر ، واللغة ، والزمان ، والأماكن الجغرافية ، والطوائف ، والقبائل. فهو موجّه للجميع : المؤمن والكافر ،

٢٧٤

والكبير والصغير ، والشيخ والشابّ ، والرجل والمرأة ، على امتداد العصور.

وعبارة( اتَّقُوا رَبَّكُمْ ) خلاصة لجميع برامج السعادة ، فهي تبيّن التوحيد في «ربّكم» من جهة والتّقوى من جهة أخرى. وبهذا جمعت البرامج الاعتقادية والعمليّة.

وجملة( إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ) التي جاءت في عدد من الآيات القرآنية ، تكرّر هنا الحديث عنها بشكل مختصر ، هو أنّ البعث يحدث ثورة وتبدّلا حادّا في عالم الوجود ، الجبال تقتلع من مكانها ، وتموج البحار ، وتنطبق السّماء على الأرض ، ثمّ يبدأ عالم جديد وحياة جديدة ، ويسيطر ذعر شديد على الناس يفقدهم صوابهم.

ثمّ بيّنت الآية التالية في عدّة جمل انعكاس هذا الذعر الشديد ، فقالت :( يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ ) من شدّة الوحشة والرعب.

( وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها ) .

وثالث انعكاس لهذا الذعر الشديد :( تَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى ) وعلّة ذلك هو شدّة العذاب في ذلك اليوم( وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ ) هذا العذاب الذي أرعب الناس وأفقدهم صوابهم.

مسائل مهمّة

١ ـ تحدث هذه الظواهر المذكورة آنفا بشكل يسير في الزلازل الدنيويّة والأحداث المرعبة ، حيث تنسى الامّهات أطفالهنّ ، وتسقط الحوامل حملهنّ ، وترى آخرين كالسكارى قد فقدوا صوابهم ، إلّا أنّ هذا لا يتّخذ طابعا عاما. أمّا زلزال البعث فإنّه يصيب الناس جميعا دون استثناء.

٢ ـ قد تكون هذه الآيات إشارة إلى خاتمة العالم التي تعتبر مقدّمة للبعث ، وفي هذه الحالة ستأخذ عبارة «كلّ ذات حمل وتذهل كلّ مرضعة» مفهومها

٢٧٥

الحقيقي ، إلّا أنّه يحتمل أنّها تشير إلى زلزال يوم البعث ، بدلالة قوله سبحانه :( لكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ ) والعبارات السابقة تكون كأمثلة. أي إنّ الموقف مرعب لدرجة أنّه لو فرض وجود ذات حمل لوضعت حملها ، وتغفل الامّهات عن أطفالهنّ ـ تماما ـ إن شهدن هذا الموقف.

٣ ـ نعلم أنّ كلمة «المرضع» تطلق في اللغة العربية على المرأة التي ترضع ولدها(١) ، إلّا أنّ مجموعة من المفسّرين وبعض اللغويين يقولون : إنّ هذه الكلمة تستخدم بصيغة مؤنثة «مرضعة» لتشير إلى لحظة الإرضاع ، أي يطلق على المرأة التي يمكنها إرضاع طفلها كلمة المرضع ، وكلمة المرضعة خاصة بالمرأة التي هي في حالة إرضاع طفلها(٢) .

ولهذا التعبير في الآية أهميّة خاصّة ، فشدّة زلزال البعث ، ورعبه بدرجة كبيرة ، يدفعان المرضعة إلى سحب ثديها من فم رضيعها ونسيانه دون وعي منها.

٤ ـ إنّ عبارة( تَرَى النَّاسَ سُكارى ) إشارة إلى أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو المخاطب فيها فيقول له : سترى الناس هكذا ، أمّا أنت فلست مثلهم ، ويحتمل أن يكون الخطاب للمؤمنين الراسخين في الإيمان الذين ساروا على خطى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بأنّهم في أمان من هذا الخوف الشديد.

٥ ـ نقل كثير من المفسّرين ورواة الحديث في خاتمة هذه الآيات حديثا عن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو أنّ الآيتان من بداية السورة نزلتا ليلا في غزاة بني المصطلق(٣) ـ وهم حي من خزاعة ـ والناس يسيرون ، فنادى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فحثّوا المطي حتّى كانوا حولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقرأها عليهم. فلم ير أكثر باكيا من تلك الليلة ، فلمّا

__________________

(١) يؤتى بعلامة التأنيث في حالة أن يكون للكلمة تذكير وتأنيث ، إلّا أنّ الحمل والإرضاع خاصين بالنساء ، لهذا لا حاجة لهما بتاء التأنيث وأمثالها.

(٢) يراجع قاموس اللغة ، وتفسير الكشّاف ، والتّفسير الكبير للفخر الرازي ، وتفسير الميزان.

(٣) وقعت هذه الغزوة في شهر شعبان في السنة السادسة للهجرة.

٢٧٦

أصبحوا لم يحطّوا السرج عن الدواب ولم يضربوا الخيام ، والناس بين باك حزين أو جالس يتفكّر ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أتدرون أي يوم ذاك؟» قالوا : الله ورسوله أعلم. قال : «ذاك يوم يدخل الناس من كلّ ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النّار ، وواحد إلى الجنّة»! فكبر ذلك على المسلمين وبكوا بشدّة! وقالوا : فمن ينجو يا رسول الله؟ فأجابهم بأنّ المذنبين الذين يشكّلون الأكثرية هم غيركم. ثمّ قال : «إنّي لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنّة» فكبّروا ، ثمّ قال : «إنّي لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنّة» فكبّروا ، ثمّ قال : «إنّي لأرجو أن تكونوا ثلثي أهل الجنّة ، وإنّ أهل الجنّة مائة وعشرون صفّا ، ثمانون منها أمّتي»(١) .

* * *

__________________

(١) بتلخيص عن تفسير مجمع البيان ، وتفسير نور الثقلين ، وتفاسير أخرى.

٢٧٧

الآيتان

( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ (٣) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (٤) )

التّفسير

أتباع الشيطان!

بعد أن أعطت الآيات السابقة صورة لرعب الناس حين وقوع زلزلة القيامة ، أوضحت الآيات اللاحقة حالة أولئك الذين نسوا الله ، وكيف غفلوا عن مثل هذا الحدث العظيم ، فقالت :( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) .

نجد هؤلاء الناس يجادلون مرّة في أساس التوحيد ووحدانيّة الحقّ تبارك وتعالى ، وفي إنكار وجود شريك له. ومرّة يجادلون في قدرة الله على إحياء الموتى ، وفي البعث والنشور ، ولا دليل لهم على ما يقولون.

قال بعض المفسّرين : إنّ هذه الآية نزلت في «النضر بن الحارث» الذي كان من المشركين المعاندين ، وكان يصرّ على القول بأنّ الملائكة بنات الله ، وأنّ القرآن مجموعة من أساطير السلف تنسب إلى الله ، كما كان ينكر الحياة بعد الموت.

٢٧٨

والبعض الآخر من المفسّرين يعتقد أنّ هذه الآية إشارة إلى جميع المشركين الذين يجادلون في التوحيد وفي قدرة الله.

إلّا أنّ سبب النّزول لا يمكنه أن يضيّق مفهوم هذه الآية ، فهذان القولان يصبّان في معنى واحد ، يشمل جميع الذين يشتركون في جدال مع الله تعالى ، إمّا عن تقليد أعمى ، وإمّا عن عصبية ، أو لإتّباع الخرافات ، أو الأهواء النفسية.

ثمّ تضيف هذه الآية( وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ ) فهؤلاء الأشخاص الذين لا يتّبعون منطقا أو علما ، وإنّما يتّبعون كلّ شيطان عنيد ومتمرّد ، ولا يخضعون لشيطان واحد ، بل لجميع الشياطين! شياطين الإنس والجنّ ، الذين لكلّ منهم برنامجه وأحابيله وشراكه.

وكلمة «مريد» مشقّة من «مرد» وأصلها الأرض المرتفعة التي لا نبت فيها.

وتطلق أيضا كلمة «أمرد» على الشجرة الجرداء ، ولهذا تطلق أيضا على كلّ صبي لم ينبت الشعر في وجهه ، وهنا يقصد بـ «المريد» الشخص الذي خلا من أي خير وسعادة. وطبيعي أن يكون مثل هذا الشخص عنيدا وظالما وعاصيا. وبهذا يتّضح مصير الإنسان الذي يتّبع الشيطان الخالي من كلّ خير!!

ومن هنا كانت الآية اللاحقة( كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ ) (١) .

* * *

ملاحظات

١ ـ الجدال في الحقّ والباطل

رغم أنّ كلمة «المجادلة» تعني في عرف الناس البحث غير المنطقي ، فإنّ

__________________

(١) «السعير» مشتقّة من «سعر» بمعنى لهب النّار ، وتعني هنا نار جهنّم الحارقة. التي تمتاز بأنّها أكثر حرقا من أي نار.

٢٧٩

أصلها اللغوي ليس كذلك. بل تعني أي نقاش كان. لهذا نرى القرآن يوصي النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله :( وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) (١) أي جادل مخالفيك بأفضل أسلوب.

٢ ـ جدال الباطل سبيل الشيطان

يرى بعض كبار المفسّرين أنّ عبارة( يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) إشارة إلى أقوال المشركين التي تفتقد السند والدليل. وعبارة( وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ ) إشارة إلى أفعال المشركين الخاطئة.

ويرى آخرون أنّ العبارة الأولى تشير إلى اعتقاداتهم الفاسدة والخرافية. أمّا العبارة الثّانية فتشير إلى سلوكياتهم الخاطئة والمنحرفة.

وبما أنّ الآية السابقة والتالية هذه الآية ، تناولتا الأسس الاعتقادية ، فلا يستبعد أن تشير هاتان الجملتان إلى حقيقة واحدة ، أو بتعبير آخر : تتضمنّان طرفي موضوع واحد ـ نفيه وإثباته ـ فالعبارة الأولى تقول :( يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) أي يجادل في الله وقدرته تقليدا لأحد ، أو عصبيّة ، أو هوى نفس ، والعبارة الثّانية تشير إلى أن من لا يتّبع العلم والمعرفة ، فمن الطبيعي أنّه يتّبع كلّ شيطان طاغ عنيد.

٣ ـ لماذا أي شيطان كان؟

إنّه ممّا يلفت النظر أنّ القرآن لم يقل أنّ هذا الشخص يتّبع الشيطان ، بل ذكر.

أنّه يتّبع أي شيطان عنيد كان ، وهذا يشير إلى تعدّد مناهج ومكائد الشياطين ، فكلّ منهم اختار لنفسه مكيدة خاصّة ، وهذه المكائد والفخاخ متنوّعة ومتكثّرة إلى حدّ

__________________

(١) النحل ، ١٢٥.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550