الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٠

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 550

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 550 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 215318 / تحميل: 6659
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٠

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

والسنّة أو نقلوه باعتباره تفسير لها(١) .

وكلمتا «ركّع» وهي جمع للراكع ، و «السجود» وهي جمع ساجد ، لم يرد بينهما واو العطف ، بل ذكرتا وصفا لتقارب هاتان العبادتان.

وبعد إعداد البيت للعبادة ، أمر الله تعالى إبراهيمعليه‌السلام :( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ) .

كلمة «أذّن» مشتقة من «الأذان» أي «الإعلان». و «رجال» جمع «راجل» أي «ماشي». و «الضامر» تعني الحيوان الضعيف. و «الفجّ» في الأصل تعني المسافة بين جبلين ، ثمّ أطلقت على الطرق الواسعة و «العميق» تعني هنا «البعيد».

جاء في حديث رواه علي بن إبراهيم في تفسيره : عند ما تسلّم إبراهيمعليه‌السلام هذا الأمر الربّاني قال : إنّ أذاني لا يصل إلى أسماع الناس ، فأجابه سبحانه وتعالى (عليك الأذان وعليّ البلاغ)! فصعد إبراهيمعليه‌السلام موضع المقام ووضع إصبعيه في أذنيه وقال : يا أيّها الناس كتب عليكم الحجّ إلى البيت العتيق فأجيبوا ربّكم. وأبلغ اللهعزوجل نداءه أسماع جميع الناس حتّى الذين في أصلاب آبائهم وأرحام أمّهاتهم ، فردّوا : لبيّك اللهمّ لبّيك! وإنّ جميع الذين يشاركون في مراسم الحجّ منذ ذلك اليوم وحتّى يوم القيامة ، هم من الذين لبّوا دعوة إبراهيمعليه‌السلام (٢) .

وقد ذكرت الآية هنا الحجّاج المشاة أوّلا ، ثمّ الراكبين ، لأنّهم أفضل منزلة عند الله ، بسبب ما يتحمّلون من صعاب السفر أكثر من غيرهم ، ولهذا السبب قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «للحاج الراكب بكلّ خطوة تخطوها راحلته سبعون حسنة ، وللحاج الماشي بكلّ خطوة يخطوها سبعمائة حسنة»(٣) .

__________________

(١) يراجع تفسير الآية موضع البحث في تفاسير الميزان ، وفي ظلال القرآن ، والتبيان ، ومجمع البيان ، والتّفسير الكبير للفخر الرازي.

(٢) بتلخيص ، عن تفسير علي بن إبراهيم حسبما نقله تفسير نور الثقلين ، المجلّد الثّالث ، ٤٨٨. والآلوسي في روح المعاني ، والفخر الرازي ، في التّفسير الكبير في تفسير الآية موضع البحث مع بعض الفارق.

(٣) تفسير «روح المعاني» ، و «مجمع البيان» ، و «الفخر الرازي».

٣٢١

أو أنّ هذه المنزلة جاءت لتحديد أهميّة حجّ بيت الله الحرام ، الذي يجب أن يتمّ بأي أسلوب وبأيّة إمكانات. وأن لا ينتظر الحاج مركبا له.

أمّا عبارة «ضامر» فتعني الحيوان الضعيف ، إشارة إلى أنّ هذا الطريق يجعل الحيوان هزيلا ، لأنّه يجتاز صحاري جافة محرقة لا زرع فيها ولا ماء ، واستعدادا لتحمل الصعاب في هذا الطريق.

أو يكون المراد أنّ على الحاج إختيار جواد قوي سريع صابر ، رشيق ضامر ، متدرّب على السير في مثل هذه الطرق ، ولا فائدة ترجى من الحيوان المنعم في هذا الطريق. (مثلما لا يمكن للرجال المترفين اجتياز هذا الطريق).

أمّا عبارة( مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ) فهي إشارة إلى توجّه الحجاج إلى الكعبة ، ليس فقط من الأماكن القريبة ، بل يشمل ذلك الحجّاج من الأماكن البعيدة أيضا. كلمة «كلّ» لا تعني هنا الاستغراق والشمول ، بل الكثرة.

ويذكر المفسّر المشهور أبو الفتوح الرازي في تفسيره لهذه الآية حياة مثيرة لرجل يدعى «أبو القاسم بشر بن محمّد» فيقول : رأيت حين الطواف شيخا هزيلا بدت عليه آثار السفر ، ورسم التعب علائمه على جبينه. تقدّمت إليه وسألته من أين أنت؟ أجاب : من فجّ عميق طال قطعه خمسة أعوام! فأصبحت شيخا هزيلا من شدّة تعب السفر وآلامه ، فقلت : والله لهي مشقّة ، إلّا أنّها طاعة خالصة وحبّ عميق لله تعالى.

فسّره ذلك ثمّ أنشد :

زر من هويت وإن شطّت بك الدار

وحال من دونه حجب وأستار!

لا يمنعنّك بعد من زيارته

إنّ المحبّ لمن يهواه زوّار!

حقّا إنّ جاذبية بيت الله هي بدرجة تجعل القلوب الطافحة بالإيمان تهوى

٣٢٢

إليه من جميع الأنحاء ، قربت أم بعدت ، تجذب الشاب والشيخ والصغير والكبير ، من كلّ أمّة ومكان ، بعيدا أم قريبا ، الكل يلبّون الله يأتونه عشّاقا ليروا مظاهر ذات الله الطاهرة في تلك الأرض المقدّسة بأعينهم ، ويشعروا برحمته التي لا حدود لها من أعماق وجودهم(١) .

وتناولت الآية التالية فلسفة الحجّ في عبارة موجزة ذات دلالات عديدة فقالت :( لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ ) . أي أنّ على الناس الحجّ إلى هذه الأرض المقدّسة ، ليروا منافع لهم بأم أعينهم.

وقد ذكر المفسّرون لكلمة المنافع الواردة في الآية عدّة معان ، إلّا أنّه لا تحديد لمعناها كما يبدو من ظاهر الآية ، فهي تشمل جميع المنافع والبركات المعنوية والمكاسب المادية ، وكلّ عائد فردي واجتماعي وفلسفة سياسيّة واقتصادية وأخلاقية. فما أحرى المسلمين أن يتوجّهوا من أنحاء العالم إلى مكّة ليشهدوا هذه المنافع! إنّها لعبارة جميلة! ما أولاهم أن يجعلهم الله شهودا على منافعهم! ليروا بأعينهم ما سمعوه بآذانهم!

وعلى هذا ذكر في كتاب الكافي حديثا عن الإمام الصادقعليه‌السلام في الردّ على استفسار ربيع بن خيثم عن كلمة المنافع ، منافع الدنيا أو منافع الآخرة؟ فقال : «الكل»(٢) .

وسنتناول بإسهاب شرح هذه المنافع في ملاحظاتنا على هذه الآية إن شاء الله.

ثمّ تضيف الآية :( وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ

__________________

(١) يقول العالم الفاضل العلامة الشعراني رضى الله عنه : إن ذلك ليس عجيبا بالنسبة للذين يأتون إلى مكة من الأندلس أو المغرب أو من أنحاء نائية في الصين أو من استرالية. حيث يستغرق سفرهم زمنا طويلا يصل إلى عدة أشهر نظرا لوسائط النقل التي كانت تستعمل آنذاك وافتقاد الطرق للأمن (إضافة إلى ذلك كان البعض من المتولهين ببيت الله يتعرضون إلى السرقة في الطريق فيضطرون إلى العمل من أجل إعداد مؤنة باقي الطريق إلى بيت الله الحرام).

(٢) تفسير نور الثقلين ، المجلد الثالث ، الصفحة ٤٨٨ نقلا عن كتاب الكافي.

٣٢٣

الْأَنْعامِ ) أي أنّه على المسلمين أن يحجّوا إلى البيت ويقدّموا القرابين من المواشي التي رزقهم الله ، وأن يذكروا اسم الله عليها حين الذبح في أيّام محدّدة معروفة. وبما أنّ الاهتمام الأساس في مراسم الحجّ ، ينصب على الحالات التي يرتبط فيها الإنسان بربّه ليعكس جوهر هذه العبادة العظيمة ، تقيّد الآية المذكورة تقديم القربان بذكر اسم الله على الاضحية فقط ، وهو أحد الشروط لقبولها من لدن العلي القدير. وهذا الذكر إشارة إلى توجّه الحاج إلى الله كلّ التوجّه عند تقديم الأضحية ، وهمّه كسب رضى الله وقبوله القربان ، كما أنّ الاستفادة من لحم الضحية تقع ضمن هذا التوجّه.

وفي الحقيقة يعتبر تقديم الأضاحي رمزا لإعلان الحاج استعداده للتضحية بنفسه في سبيل الله ، على نحو ما ذكر من قصّة إبراهيمعليه‌السلام ومحاولة التضحية بابنه إسماعيلعليه‌السلام . إنّ الحجّاج بعملهم هذا يعلنون استعدادهم للإيثار والتضحية في سبيل الله حتّى بأنفسهم.

وعلى كلّ حال فإنّ القرآن بهذا الكلام ينفي أسلوب المشركين الذين كانوا يذكرون أسماء الأصنام التي يعبدونها على أضاحيهم ، ليحيلوا هذه المراسم التوحيديّة إلى شرك بالله. وجاء في ختام الآية :( فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ ) .

كما يمكن أنّ تفسّر هذه الآية بأنّ القصد من ذكر اسم الله في( أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ ) هو التكبير والحمد لله ربّ العالمين لما أنعم علينا من نعم لا تعدّ ولا تحصى.

خاصة بما رزقنا من بهيمة الأنعام التي نستفيد في حياتنا من جميع أجزاء أبدانها(١) .

* * *

__________________

(١) في التّفسير الأوّل (أي ذكر اسم الله على الأضحية) تكون «على» هنا للاستعلاء ، أمّا في التّفسير الثّاني (أي الذكر المطلق لاسم الله تعالى في هذه الأيّام) فإنّ «على» تعني «من أجل» فالفرق بين هذين التّفسيرين كبير ، سنشير إليه في الملاحظات.

٣٢٤

بحوث

١ ـ ما هي الأيّام المعلومات؟

يأمرنا الله سبحانه وتعالى ـ في الآيات السابقة ـ أن نذكره في( أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ ) . وجاء ذلك أيضا في سورة البقرة الآية (٢٠٣) بشكل آخر( وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ ) . فما هي الأيّام المعلومات؟ وهل تطابق في معناها الأيّام المعدودات ، أمّ لا؟

اختلف المفسّرون في هذه الأيّام ، كما اختلفت الرّوايات التي ذكرت بهذا الصدد : حيث يرى بعض المفسّرين ـ ويستندون إلى بعض الأحاديث الإسلامية ـ أنّه يقصد بـ «الأيّام المعلومات» الأيّام العشرة الأولى من ذي الحجّة ، وأمّا «الأيّام المعدودات» فهي «أيّام التشريق» أي اليوم الحادي عشر والثّاني عشر والثّالث عشر من ذي الحجّة. الأيّام التي تشرق فيها القلوب.

أمّا المجموعة الثّانية من المفسّرين فقد استندوا إلى أحاديث أخرى فقالوا : إنّ العبارتين تشيران إلى أيّام التشريق التي تعتبر هي الأيّام الثلاثة ذاتها ، وأحيانا يضاف إليها اليوم العاشر أي عيد الأضحى.

وعبارة( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) التي جاءت في سورة البقرة ، تدلّ على أنّ أيّام التشريق ليست أكثر من ثلاثة أيّام ، لأنّ التعجيل فيها يحدث نقصا في أيّامها فتصبح يومين.

ومع ملاحظة أنّ التضحية جاءت في الآيات ـ موضع البحث ـ بعد ذكر الأيّام المعلومات. ونعلم أنّ تقديم الأضاحي يتمّ في اليوم العاشر من ذي الحجّة ، فإنّ ذلك يؤكّد أنّ الأيّام المعلومات هي الأيّام العشرة الأولى من ذي الحجّة التي تنتهي بيوم الأضحى. وعلى هذا يقوى دليل التّفسير الأوّل القائل باختلاف معنى الأيّام المعلومات والأيّام المعدودات.

٣٢٥

ومع الأخذ بوحدة المعاني التي تضمنّتها الآيتان ، يبدو أنّ الأرجح في هذه القضيّة القول بأنّ الآيتين تشيران إلى موضوع واحد ، وهدفهما الاهتمام بذكر الله في أيّام معيّنة تبدأ من العاشر من ذي الحجّة وتنتهي بالثّالث عشر منه. ومن الطبيعي أن تكون إحدى الحالات التي يجب ذكر اسم الله فيها ، هي حين تقديم الأضاحي(١) .

٢ ـ ذكر الله في أرض «منى»

جاء في روايات عديدة أنّ ذكر الله في هذه الأيّام تكبير خاص يذكر بعد إتمام صلاة ظهر يوم عيد الأضحى ، ويستمر ذكر هذا التكبير في خمس عشرة صلاة (أي ينتهي بعد صلاة صبح اليوم الثّالث عشر) وهو كما يلي :

«الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلّا الله والله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد ، الله أكبر على ما هدانا ، والله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام»(٢) .

كما نصّت بعض الأحاديث على أنّ التكبير في المرّات الخمسة عشر خاص بالذين هم بأرض «منى» في أيّام الحجّ ، أمّا من كانوا في المناطق الاخرى فعليهم ذكر هذا التكبير عقب عشر صلوات (يبدأ من بعد صلاة الظهر من يوم العيد ، وينتهي بصلاة صبح اليوم الثّاني عشر)(٣) والأحاديث الخاصّة بالتكبير دليل آخر على أنّ الذكر في الآيات السابقة عامّ وليس محدّدا بتقديم الأضاحي. رغم أنّ هذا المفهوم الكلّي يشمل هذا المصداق أيضا.

__________________

(١) وعليه يزول الخلاف بين هاتين المجموعتين من المفسّرين في تفسير عبارة «ويذكر اسم الله» حيث خصّصت أولاها ذكر اسم الله بتقديم الأضاحي ، والأخرى جعلت مفهومه عامّا ، وبهذا يكون التّفسير الأوّل مصداقا للتفسير الثّاني ، ويكون التّفسير الثّاني ذا مفهوم واسع وعام.

(٢) ورد الحديث السابق عن الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام وقد ذكر في بحار الأنوار ، المجلّد ٩٩ ، صفحة ٣٠٦.

(٣) بحار الأنوار ، المجلّد ٩٩ ، صفحة ٣٠٧.

٣٢٦

٣ ـ فلسفة الحجّ وأسراره العميقة!

إنّ لشعائر الحجّ ـ كما هو الحال بالنسبة للعبادات الاخرى ـ بركات كثيرة جدّا في نفسيّة الفرد والمجتمع الإسلامي. ويمكنها ـ إن أجريت وفق أسلوب صحيح ـ أن تحدث في المجتمعات الإسلامية تبدّلا جديدا كلّ عام.

وتمتاز هذه المناسك بأربعة أبعاد مهمّة :

١ ـ البعد الأخلاقي للحج :

أهمّ جانب في فلسفة الحجّ التغيّر الأخلاقي نحو الأحسن الذي يحصل عند الناس ، فمراسم الإحرام تبعد الإنسان بشكل تامّ عن الأمور المادية والامتيازات الظاهرية والألبسة الفاخرة ، ومع تحريم الملذّات ، وبناء الذات الذي يعتبر من واجبات المحرم يبتعد الفرد عن عالم المادّة ، ويدخل إلى عالم النور والصفاء والتسامي الروحي. وترى الإنسان قد ارتاح فجأة من عبء الامتيازات الموهومة ، والدرجات والرتب والنياشين.

ثمّ تلي عمليّة الإحرام مراسم الحجّ الاخرى تباعا ، وفيها تتوطّد علاقة الإنسان الروحيّة مع خالقه ـ لحظة بعد أخرى ـ وتتوثّق. فينقطع عن ماضيه الأسود المملوء آثاما وذنوبا ، ويتّصل بمستقبل واضح كلّه نور وصفاء. خاصّة أنّ مراسم الحجّ تثير في الإنسان اهتماما كبيرا ـ في كلّ خطوة يخطوها ـ بإبراهيمعليه‌السلام محطّم الأصنام ، وإسماعيلعليه‌السلام ذبيح الله. وأمّه هاجرعليها‌السلام . ويتجلّى للحجّاج جهادهم وتضحياتهم ، إضافة إلى كون أرض مكّة عامّة ، والمسجد الحرام وبيت الكعبة ومحلّ الطواف حولها خاصّة ، تذكر الحاجّ بالرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقادة الإسلام العظام وجهاد المسلمين في صدر الإسلام ، فيتعمّق أثر هذه الثورة الأخلاقية بدرجة يشاهد فيها الحاج في كلّ زاوية من زوايا المسجد الحرام وأرض مكّة المقدّسة وجه النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعليعليه‌السلام ، وسائر قادة المسلمين ، ويسمع قعقعة سيوفهم وصهيل خيولهم.

أجل ، إنّ هذه الأمور كلّها تتّحد وتتضامن لتمهّد لثورة أخلاقية في القلوب

٣٢٧

المستعدّة. وبشكل لا يمكن وصفه تفتح في حياة الفرد صفحة جديدة. ولهذا نصّت الأحاديث الإسلامية على أنّ الذي يؤدّي الحجّ تامّا صحيحا «يخرج من ذنوبه كهيئته يوم ولدته أمّه»(١) !

فالحجّ ولادة ثانية للمسلم. يستهلّ بها حياة إنسانية جديدة ، ولا حاجة هناك لإعادة القول بأنّ هذه البركات وتأثيرها وما نشير إليه بعد هذا ليست نصيب من اقتنع من مكاسب الحجّ بقشرته ورمي اللب جانبا. كما أنّها ليست نصيب من يعتبر الحجّ سياحة للتنفيس عن الخاطر ، أو للتظاهر والرياء ، أو طريقا للحصول على متاع شخصي دنيوي ، وهو في الحقيقة لم يتوصّل إلى معنى الحج الحقيقي ، فكان نصيبه ما يستحقّه!

٢ ـ البعد السياسي للحجّ

ذكر أحد كبار فقهاء المسلمين أنّ مراسم الحجّ في الوقت الذي تستبطن أخلص وأعمق العبادات ، هي أكثر الوسائل أثرا في التقدّم نحو الأهداف السياسيّة الإسلامية. فجوهر العبادة التوجّه إلى الله ، وجوهر السياسة التوجّه إلى خلق الله ، وهذان الأمران امتزجا في الحجّ بدرجة أصبحا كنسيج واحد.

إنّ الحجّ عامل مؤثّر في وحدة صفوف المسلمين.

الحجّ عامل مهمّ في مكافحة التعصّب القومي والعنصري والتقوقع في حدود جغرافية.

والحجّ وسيلة لتحطيم الرقابة التي تفرضها الأنظمة الظالمة ، وتدمير هذه الأنظمة المتسلّطة على رقاب الشعوب الإسلامية.

والحجّ وسيلة لنقل الأنباء السياسية للبلدان الإسلامية من نقطة إلى أخرى.

__________________

(١) بحار الأنوار ، المجلّد ٩٩ ، الصفحة ٢٦.

٣٢٨

وأخيرا الحجّ عامل مؤثّر في تحطيم قيود العبودية والاستعمار وتحرير المسلمين.

ولهذا السبب كان موسم الحجّ زمن الجبابرة كبني أميّة وبني العبّاس الذين كانوا يسيطرون على الأراضي الإسلامية المقدّسة ، ويراقبون كلّ تحرّك تحرّري إسلامي ليقمعوه بقوّة ، كان الموسم متنفّسا للحرية ولاتّصال فئات المجتمع الإسلامي الكبير بعضها مع بعض ، لطرح القضايا السياسيّة المختلفة التي تهمّ كلّ مسلم.

وعلى هذا الأساس قال أمير المؤمنين عليعليه‌السلام في معرض حديثه عن فلسفة الفرائض والعبادات «الحجّ تقوية للدّين»(١) .

كما أنّ أحد السياسيين الأجانب المشهورين قال : «الويل للمسلمين إن لم يعرفوا معنى الحجّ ، والويل لأعدائهم إذا أدرك المسلمون معنى الحجّ»!

واعتبرت الأحاديث الإسلامية الحجّ جهاد الضعفاء ، إذ يمكن للشيوخ والنساء الضعيفات المشاركة في الحجّ ليظهروا عظمة الامّة الإسلامية. وليدخلوا الرعب في قلوب أعداء الإسلام بمشاركتهم في صفوف المصلّين المتراصّة في دوائر تحيط ببيت الله الحرام. وهي توحّد الله وتكبّره.

٣ ـ البعد الثقافي للحجّ

يمكن أن يؤدّي التقاء المسلمين أيّام الحجّ دورا فعّالا في التبادل الثقافي في المجتمع الإسلامي ، خاصّة إذا لا حظنا أنّ اجتماع الحجّ العظيم يمثّل بشكل حقيقي فئات المسلمين من أنحاء العالم ، حيث لا تصنّع في المشاركة في حجّ بيت الله الحرام ، فالحجّاج جاؤوا من شتّى المجموعات والعناصر والقوميات ، وقد اجتمعوا رغم اختلاف ألسنتهم.

__________________

(١) نهج البلاغة ، الكلمات القصار ، رقم ٢٥٢.

٣٢٩

لهذا ذكرت الأحاديث الإسلامية أنّ من فوائد الحجّ نشر أخبار آثار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أنحاء العالم الإسلامي ، يقول «هشام بن الحكم» أحد أصحاب الإمام الصادقعليه‌السلام المخلصين نقلا عن هذا الإمام العظيمعليه‌السلام أنّه قال حول فلسفة الحجّ والطواف حول الكعبة : «إنّ الله خلق الخلق وأمرهم بما يكون من أمر الطاعة في الدين ، ومصلحتهم من أمر دنياهم ، فجعل فيه الاجتماع من الشرق والغرب ، وليتعارفوا ولينزع كلّ قوم من التجارات من بلد إلى بلد ، ولتعرف آثار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتعرف أخباره ويذكر لا ينسى»(١) .

ولهذا السبب كان المسلمون يجدون في الحجّ متنفّسا من جور الخلفاء والسلاطين الظلمة الذين منعوا المسلمين من نشر هذه الأحكام ، لحلّ مشاكلهم بالاجتماع بأئمّة الهدىعليهم‌السلام في المدينة المنوّرة ومكّة المكرّمة ، وبكبار علماء المسلمين ، لينهلوا من مناهل القرآن النقيّة والسنّة النبويّة الشريفة.

ومن جهة ثانية يمكن أن يكون الحجّ مؤتمرا ثقافيا إسلاميا يحضره مفكّرو العالم الإسلامي في أيّام الحجّ في مكّة المكرّمة ، ليتحاوروا فيما بينهم ويعرضوا نظرياتهم وأفكارهم على الآخرين.

وقد أصبحت الحدود بين البلدان الإسلامية ـ الآن ـ سببا لتشتّت ثقافتهم الأصيلة ، واقتصار تفكير مسلمي كلّ بلد بأنفسهم فقط ، حتّى تقطّعت أواصر المجتمع الإسلامي الموحّد. بينما يستطيع الحجّ أن يغيّر هذا الوضع.

وما أجمل ما قاله الإمام الصادقعليه‌السلام في ختام الحديث السابق الذي رواه هشام بن الحكم : «ولو كان كلّ قوم إنّما يتكلّمون على بلادهم وما فيها هلكوا ، وخربت البلاد ، وسقطت الجلب والأرباح ، وعميت الأخبار»(٢) .

__________________

(١) وسائل الشيعة ، المجلّد الثامن ، الصفحة ٩.

(٢) المصدر السابق.

٣٣٠

٤ ـ البعد الاقتصادي للحجّ

خلافا لما يراه البعض ، فإنّ مؤتمر الحجّ العظيم يمكن أن يستفاد منه في تقوية أسس الإقتصاد في البلدان الإسلامية. بل إنّه وفق أحاديث إسلامية معتبرة يشكّل البعد الاقتصادي جزءا مهمّا من فلسفة الحجّ.

فما المانع من وضع أسس سوق مشتركة إسلامية خلال اجتماع الحجّ العظيم ، ليوسّع المسلمون مجال التبادل التجاري فيما بينهم بشكل تعود منافعهم إليهم لا إلى أعدائهم. ومن أجل تحرير اقتصادهم من التبعية الأجنبية ، وهذا العمل عبادة وجهاد في سبيل الله ، ولا يمكن أن يكون حبّا للدنيا وطمعا فيها.

ولذا أشار الإمام الصادقعليه‌السلام في الحديث السابق خلال شرحه فلسفة الحجّ ، إلى هذا الموضوع بصراحة باعتبار أنّ أحد أهداف الحجّ ، تقوية العلاقات التجارية بين المسلمين.

وجاء في حديث آخر للإمام الصادقعليه‌السلام في تفسير الآية (١٩٨) من سورة البقرة( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ ) . قالعليه‌السلام : «فإذا أحلّ الرجل من إحرامه وقضى فليشتر وليبيع في الموسم»(١) .

وكما يبدو فإنّ هذا العمل لا إشكال فيه ، بل فيه ثواب وأجر.

وبهذا المعنى جاء في نهاية حديث عن الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام لبيان فلسفة الحجّ بشكل مسهب : (ليشهدوا منافع لهم)(٢) إشارة إلى المنافع المعنوية والماديّة. والأخيرة على رأي بعضهم معنوية أيضا.

فالحجّ باختصار عبادة عظيمة لو أستفيد منها بشكل صحيح في تشكيل مؤتمرات متعدّدة سياسيّة وثقافية واقتصادية ، لحلّ مشاكل العالم الإسلامي ، ومفتاحا لحلّ معضلات المسلمين ، وقد يكون هو المراد من حديث الإمام الصادق

__________________

(١) تفسير العياشي ، حسبما جاء في تفسير الميزان ، المجلّد الثّاني ، ص ٨٦.

(٢) بحار الأنوار ، ج ٩٩ ، ص ٣٢.

٣٣١

عليه‌السلام حيث قال : «لا يزال الدين قائما ما قامت الكعبة»(١) .

كما قال الإمام عليعليه‌السلام «الله الله في بيت ربّكم ، لا تخلوه ما بقيتم فإنّه إن ترك لم تناظروا»(٢) أي لا يمهلكم الله إن تركتم بيت ربّكم خاليا.

ولأهميّة هذا الموضوع الذي خصّص له باب في الأحاديث الإسلامية تحت عنوان «وجوب إجبار الوالي الناس على الحجّ» فإذا أراد المسلمون تعطيل الحجّ في عام من الأعوام ، فعلى الحكومات الإسلامية أن ترسلهم بالقوّة إلى مكّة(٣) .

٤ ـ ما هو مصير لحوم الأضاحي في عصرنا؟

يستفاد من الآية السالفة الذكر أنّ الهدف من تقديم الأضحية ، إضافة إلى الجوانب المعنوية والروحية والتقرّب إلى الله تعالى ، يشمل الاستفادة من لحومها ومنح قسم منها إلى الفقراء والمحتاجين.

وتحريم الإسراف في الإسلام ليس خافيا على أحد ، فقد أكدّه القرآن والحديث والدليل العقلي. ومن هذا كلّه نستنتج عدم جواز ترك اللحوم على الأرض في «منى» ولا يجوز دفنها ، إذ أنّ وجوب تقديم الأضاحي لا يقصد به هذه الأعمال فيجب نقل لحومها إلى مناطق أخرى بحاجة إليها إن لم نجد محتاجين في «منى» ليستفاد منها على أفضل وجه ، وهذا هو مقتضى الجمع بين الأدلّة والبراهين.

ولكنّنا نجد ـ ومع الأسف ـ أنّ الكثير من المسلمين عملوا بالحكم الأوّل ، ونسوا العمل بالحكم الثّاني ، ولذا نشهد في كلّ عام تلف الآلاف المؤلّفة من لحوم الأضاحي التي بإمكانها أن تكون منبع غذائي مهمّ لشرائح المحرومين في

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ٨ ، ص ١٤.

(٢) نهج البلاغة ، الوصيّة ، ٤٧.

(٣) وسائل الشيعة ، ج ٨ ، ص ١٥.

٣٣٢

المجتمعات الإسلامية ، ولكنّها تترك في تلك الأرض المقدّسة بحالة سلبية ومزعجة جدّا. وقد تحدّث لحدّ الآن الكثير من المفكّرين وعلماء المسلمين حول هذا الموضوع مع المسؤولين في المملكة العربية السعودية ، وحتّى أنّهم تبرّعوا بتكاليف حفظها ونقلها إلى المؤسّسات المختصّة ، ولكن جمود وتحجّر رجال الدين الوهّابيين من جهة ، وعدم اهتمام المسؤولين في الحكومة السعودية من جهة أخرى كانت مانعا لتنفيذ هذا المشروع.

ومع غضّ النظر عن مسألة حرمة الإسراف التي هي من الثوابت في التفكير الإسلامي ، فإنّ منظر المذابح يوم عيد الأضحى في الحجّ حاليا بشع وغير منطقي إلى درجة يثير علامات الاستفهام لدى كلّ ضعيف الإيمان حول شعيرة الحجّ بالكامل ، ويعطي للأعداء مبرّرا قويّا للطعن والتقبيح غافلين عن أنّ هذه المسألة هي نتيجة جهل وإهمال رجال الدين الوهّابيين والسلطات السعودية ، فعلى هذا ، فإنّ عظمة الإسلام وأصالة مناسك الحجّ توجب على المسلمين من جميع مناطق العالم أن يمارسوا الضغط على المسؤولين في تلك الدولة لإنهاء هذه الحالة الموحشة ، وتنفيذ الحكم الإسلامي في هذه المسألة.

وإذا وردت أحاديث إسلامية في حرمة إخراج لحوم الأضاحي من أرض «منى» أو من «حرم مكّة» فإنّ ذلك يعود إلى زمن كان فيه في مكّة المكرّمة عدد كاف من المستهلكين والمستحقّين.

ولهذا ورد في حديث صحيح الإسناد عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّ أحد أصحابه سأله عن هذا الموضوع ، فأجاب : «كنّا نقول لا يخرج منها بشيء لحاجة الناس إليه ، فأمّا اليوم فقد كثر الناس فلا بأس بإخراجه»(١) .

* * *

__________________

(١) وسائل الشيعة ، المجلّد العاشر ، الصفحة ١٥٠ (أبواب الذبح الباب ٤٢ الحديث ٥).

٣٣٣

الآيتان

( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٢٩) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلاَّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (٣٠) )

التّفسير

تتابع هذه الآيات البحث السابق عن مناسك الحجّ مشيرة إلى جانب آخر من هذه المناسك ، فتقول أوّلا :( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ) أي ليطّهروا أجسامهم من الأوساخ والتلوّث ، ثمّ ليوفوا ما عليهم من نذور. و( لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) أي يطوفوا بذلك البيت الذي صانه الله عن المصائب والكوارث وحرّره.

وكلمة «تفث» تعني ـ كما قال كبار اللغويين والمفسّرين ـ القذارة وما يلتصق بالجسم وزوائده كالأظافر والشعر. ويقول البعض : إنّ أصلها يعني القذارة التي تحت الأظافر وأمثالها(١) . ورغم إنكار بعض اللغويين لوجود مثل هذا الاشتقاق

__________________

(١) عن قاموس اللغة ، ومفردات الراغب الاصفهاني ، وكنز العرفان ، وتفسير مجمع البيان ، وتفاسير أخرى.

٣٣٤

في اللغة العربية ، إلّا أنّ الراغب الاصفهاني نقل كلام بدويّ قاله بحقّ أحد الأشخاص القذرين : «ما أتفثك وأدرنك» دليلا على عربية هذه الكلمة ووجود اشتقاق لها في اللغة العربية.

وقد فسّرت( لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) في الأحاديث الإسلامية بتقليم الأظافر وتطهير البدن ونزع الإحرام. وبتعبير آخر : تشير هذه العبارة إلى برنامج «التقصير» الذي يعدّ من مناسك الحجّ. وجاء في أحاديث إسلامية أخرى بمعنى حلاقة الرأس التي تعتبر أحد أساليب «التقصير».

كما جاء في «كنز العرفان» حديث رواه ابن عبّاس في تفسير هذه الآية : «القصد إنجاز مشاعر الحجّ كلّها»(١) إلّا أنّه لا سند لدينا لحديث ابن عبّاس هذا.

والذي يلفت النظر في حديث عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه فسّر عبارة( لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) بلقاء الإمام ، وعند ما سأله الراوي عبد الله بن سنان عن توضيح لهذه المسألة قال: «إنّ للقرآن ظاهرا وباطنا»(٢) .

وهذا الحديث ربّما كان إشارة إلى ملاحظة تستحقّ الاهتمام. وهي أنّ حجّاج بيت الله الحرام يتطهّرون عقب مناسك الحجّ ليزيلوا الأوساخ عن أبدانهم ، فعليهم أن يطهّروا أرواحهم أيضا بلقاء الإمامعليه‌السلام ، خاصّة وأنّ الخلفاء الجبابرة كانوا يمنعون لقاء المسلمين لإمامهم في الظروف العادية. لهذا تكون أيّام الحجّ خير فرصة للقاء الإمام ، وبهذا المعنى نقرأ حديثا للإمام الباقرعليه‌السلام قال فيه : «تمام الحجّ لقاء الإمام»(٣) .

وكلاهما ـ في الحقيقة ـ تطهير ، أحدهما تطهير لظاهر البدن من القذارة والأوساخ ، والآخر تطهير باطني من الجهل والمفاسد الأخلاقية.

__________________

(١) كنز العرفان ، المجلّد الأوّل ، ص ٢٧٠.

(٢) نور الثقلين ، المجلّد الثّالث ، صفحة ٤٩٢.

(٣) وسائل الشيعة المجلّد ، العاشر ، الصفحة ٢٥٥ (أبواب المزار الباب الثّاني الحديث الثّاني عشر).

٣٣٥

أمّا «الوفاء بالنذر» فيعني أنّ كثيرا من الناس ينذرون تقديم أضاحي إضافيّة في الحجّ ، أو التصدّق بمال ، أو القيام بعمل خيري في أيّام الحجّ ، ولكنّهم ينسون ويغفلون عن كلّ ذلك عند وصولهم إلى مكّة ، لهذا أكّد القرآن عليهم الوفاء بالنذور ، وإلّا يقصّروا في ذلك(١) .

أمّا لماذا سمّيت الكعبة بالبيت العتيق؟

«العتيق» مشتقّة من «العتق» أي التحرّر من قيود العبودية ، وربّما كان ذلك لأنّ الكعبة تحرّرت من قيود ملكية عباد الله ، ولم يكن لها مالك إلّا الله ، كما حرّرت من قيد سيطرة الجبابرة كأبرهة.

ومن معاني «العتيق» أيضا الشيء الكريم الثمين ، وهذا المعنى يتجسّد في الكعبة بوضوح. ومن المعاني الاخرى للعتيق «القديم» يقول الراغب الاصفهاني : العتيق المتقدّم في الزمان أو المكان أو الرتبة. وهذا المعنى أيضا واضح بالنسبة للكعبة ، فهي أقدم مكان يوحّد فيه الله. وبحسب ما جاء في القرآن( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ ) (٢) وعلى كلّ حال فلا مانع من إطلاق العتيق على بيت الله بعد ملاحظة ما تتضمّنه هذه الكلمة من معان ، أشار كلّ مفسّر إلى جانب منها. أو ذكرت الأحاديث المختلفة جوانب أخرى من معانيها.

أمّا المراد من «الطواف» الوارد في آخر الآية المذكور أعلاه فهناك بحث بين المفسّرين (هناك طوفان ـ بعد مراسم عيد الأضحى في منى ـ على الحجّاج أن يقوموا بهما ، الطواف الأوّل يدعي «طواف الزيارة» ، والثّاني «طواف النساء»).

يرى بعض الفقهاء والمفسّرين أنّ مفهوم الطواف عام هنا ، لأنّ الآية لم تتضمّن

__________________

(١) احتمل بعض المفسّرين القصد من النذور القيام بمشاعر الحجّ ، إلّا أنّه بمراجعة حالات استعمال كلمة النذر في القرآن المجيد ، يتّضح لنا أنّه يقصد المعنى المتداول من كلمة النذر ، لهذا فإنّ استخدامها في مناسك الحجّ دون دليل ، خلافا لمعناها الظاهر.

(٢) آل عمران ، ٩٦.

٣٣٦

قيودا أو شرطا ما ، فهي تضمّ طواف الحجّ وطواف النساء ، حتّى أنّها تشمل طواف العمرة أيضا(١) .

في وقت يرى مفسّرون آخرون أنّ الآية تقصد طواف الزيارة فقط ، الذي يجب على الحاج بعد إحلاله من إحرام الحجّ(٢) .

إلّا أنّ الأحاديث الواردة عن أهل البيتعليهم‌السلام تفيد أنّ القصد هنا طواف النساء ، ففي حديث عن الإمام الصادقعليه‌السلام في تفسير( وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) قال : «طواف النساء»(٣) .

كما روي عن الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام حديث بهذا المعنى(٤) .

وهذا الطواف يسمّى عند أهل السنّة طواف الوداع.

ومع ملاحظة هذه الأحاديث يبدو التّفسير الأخير هو الأقوى ، خاصّة إذا عبّر بهذا المعنى أيضا في تفسير( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) . حيث يجب إضافة إلى تطهير البدن من القذارة والشعر الزائد ، استعمال العطر أيضا. ومن المعلوم أنّه لا يجوز استعمال العطور في الحجّ إلّا بعد إتمام الطواف والسعي ، أو عند ما لا يكون طواف بذمّة الحاج إلّا طواف النساء.

وأشارت الآية الأخيرة إلى خلاصة ما بحثته الآيات السالفة الذكر ، حيث تبدأ بكلمة «ذلك» التي لها جملة محذوفة تقديرها «كذلك أمر الحجّ والمناسك» ثمّ تضيف تأكيدا لأهميّة الواجبات التي شرحت( وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ) .

والمقصود هنا بـ «الحرمات» ـ طبعا ـ أعمال ومناسك الحجّ ، ويمكن أن

__________________

(١) كنز العرفان ، المجلّد الأوّل ، الصفحة ٢٧١.

(٢) مجمع البيان نقلها في تفسير الآية ـ موضع البحث ـ عن بعض المفسّرين لم يذكر أسماءهم.

(٣) وسائل الشيعة المجلّد التاسع الصفحة ٣٩٠ أبواب الطواف الباب الثّاني.

(٤) المصدر السابق.

٣٣٧

يضاف إليها احترام الكعبة خاصة والحرم المكّي عامّة. وعلى هذا فإنّ تفسير هذه الآية باختصاصها بالمحرّمات ـ أي كلّ ما نهى الله عنه ـ أو جميع الواجبات ، مخالف لظاهر الآية. كما يجب الانتباه إلى أنّ «حرمات» جمع «حرمة» وهي في الأصل الشيء الذي يجب أن تحفظ حرمته ، وألّا تنتهك هذه الحرمة أبدا.

ثمّ تشير هذه الآية وتناسبا مع أحكام الإحرام إلى حليّة المواشي ، حيث تقول :( وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ ) .

عبارة( إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ ) يمكن أن تكون إشارة إلى تحريم الصيد على المحرم الذي شرع في سورة المائدة الآية (٩٥) حيث تقول :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ) .

كما قد تكون إشارة إلى عبارة جاءت في نهاية الآية ـ موضع البحث ـ تخصّ تحريم الأضحية التي تذبح للأصنام التي كانت متداولة زمن الجاهلية. لأنّ تذكية الحيوان يشترط فيها ذكر اسم الله عليه عند الذبح ، ولا يجوز ذكر اسم الصنم أو أي اسم آخر عليه.

وفي ختام هذه الآية ورد أمران يخصّان مراسم الحجّ ومكافحة العادات الجاهلية :

الأوّل يقول :( فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ ) و «الأوثان» جمع «وثن» على وكن «كفن» وتعني الأحجار التي كانت تعبد زمن الجاهلية ، وهنا جاءت كلمة الأوثان إيضاحا لكلمة «رجس» التي ذكرت في الآية ، حيث تقول :( فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ ) . ثمّ تليها عبارة( مِنَ الْأَوْثانِ ) أي الرجس هو ذاته الأوثان.

كما تجب ملاحظة أنّ عبدة الأوثان زمن الجاهلية كانوا يلطّخونها بدماء الأضاحي ، فيحصل مشهد تقشّعر الأبدان من بشاعته ، وقد يكون التعبير السابق إشارة إلى هذا المعنى أيضا.

٣٣٨

والأمر الثّاني هو( وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ) أي الكلام الباطل الذي لا أساس له من الصحّة.

مسألة : ما معنى( قَوْلَ الزُّورِ ) ؟

يرى بعض المفسّرين أنّه إشارة إلى كيفيّة تلبية المشركين في مراسم الحجّ في زمن الجاهلية ، لأنّهم يلبّون بشكل يتضمّن الشرك بعينه ، ويبعدونه من صورته التوحيديّة ، فقد كانوا يردّدون : «لبّيك لا شريك لك ، إلّا شريكا هو لك! تملكه وما ملك!».

حقّا إنّه كلام باطل ودليل على( قَوْلَ الزُّورِ ) الذي يعني في الأصل : الكلام الكاذب ، والباطل ، والبعيد عن حدود الاعتدال.

ومع هذا فإنّ اهتمام الآية المذكورة بأعمال المشركين في مراسم الحجّ على زمن الجاهلية ، لا يمنع من تعميمها على بطلان أيّة عبادة للأصنام بأيّة صورة كانت ، واجتناب أي قول باطل مهما كانت صورته.

ولهذا فسّرت بعض الأحاديث الأوثان بلعبة الشطرنج ، وقول الزور بالغناء ، والشهادة بالباطل. وفي الحقيقة فإنّ ذلك بيان لبعض أفراد ذلك الكلّي ، وليس القصد منه حصر معنى الآية بهذه المصاديق فقط. وجاء في حديث للرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خطبة ألقاها على المسلمين «أيّها الناس ، عدلت شهادة الزور بالشرك بالله ، ثمّ قرأ( فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ) .

إنّ هذا الحديث أيضا إشارة إلى سعة مفهوم هذه الآية.

* * *

٣٣٩

الآيات

( حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (٣١) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (٣٢) لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٣٣) )

التّفسير

تعظيم شعائر الله دليل على تقوى القلوب :

عقّبت الآيات هنا المسألة التي أكدّها آخر الآيات السابقة ، وهي مسألة التوحيد ، واجتناب أي صنم وعبادة الأوثان. حيث تقول( حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ) (١) أي أقيموا مراسم الحجّ والتلبية في حالة تخلصون فيها النيّة لله وحده لا يخالطها أي شرك أبدا.

«حنفاء» جمع «حنيف» أي الذي استقام وابتعد عن الضلال والانحراف ، أو

__________________

(١) «حنفاء» و «غير مشركين». كلاهما حال لضمير «فاجتنبوا» ، و «اجتنبوا» في الآية السابقة.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

- مجمع الزوائد ج ٧ ص ١٢٨

قوله تعالى:يوم يكشف عن ساق ، عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم: يوم يكشف عن ساق، قال عن نور عظيم يخرون له سجداً. رواه أبو يعلى وفيه روح بن جناح وثقه دحيم وقال فيه ليس بالقوي، وبقية رجاله ثقات.

- وقال في مجمع الزوائد ج ٦ ص ٣٠٣، ونحوه في ج ٩ ص ٢٧٧

وعن الضحاك بن مزاحم الهلالي قال: خرج نافع بن الأزرق ونجدة بن عويمر في نفر من رؤوس الخوارج ينقرون عن العلم ويطلبونه، حتى قدموا مكة فإذا هم بعبد الله بن عباس قاعداً قريباً من زمزم وعليه رداء له أحمر وقميص، فإذا أناس قيام يسألونه عن التفسير يقولون يا أبا عباس ما تقول في كذا وكذا، فيقول هو كذا وكذا، فقال له نافع به الأزرق: ما أجرأك يا ابن عباس على ما تخبر به منذ اليوم!

فقال له ابن عباس: ثكلتك أمك يا نافع وعدمتك! ألا أخبرك من هو أجرأ مني؟

قال: من هو يا ابن عباس؟

قال: رجل تكلم بما ليس له به علم، أو كتم علماً عنده.

قال صدقت يا ابن عباس، أتيتك لأسألك.

قال: هات يا ابن الأزرق فسل.

قال: فأخبرني عن قول الله عز وجل:(يرسل عليكما شواظ من نار) ما الشواظ؟

قال: اللهب الذي لا دخان فيه.

قال: وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد صلى الله عليه وسلم؟

قال: نعم، أما سمعت قول أمية بن أبي الصلت:

ألا من مبلغ حسان عني

مغلغلةً تدبُّ إلى عُكاظِ

أليس أبوك قيناً كان فينا

إلى الفتيات فَسْلاً في الحفاظ

يمانياً يظل يشب كيراً

وينفخ دائباً لهب الشواظ

٣٨١

قال: صدقت فأخبرني عن قوله:ونحاس فلا تنتصران ، ما النحاس؟

قال: الدخان الذي لا لهب فيه.

قال: وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد صلى الله عليه وسلم.

قال: نعم، قال أما سمعت نابغة بني ذبيان يقول:

يضيء كضوء سراج السليط

لم يجعل الله فيه نحاسا

يعني دخاناً.

قال: صدقت فأخبرني عن قول الله:أمشاج نبتليه ؟

قال: ماء الرجل وماء المرأة إذا اجتمعا في الرحم كانا مشجاً.

قال: وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد صلى الله عليه وسلم؟

قال: نعم أما سمعت قول أبي ذؤيب الهذلي وهو يقول:

كأن النصل والفوقين فيه

خلاف الريش سيط به مشيج

قال: صدقت، فأخبرني عن قول الله عز وجل:والتفت الساق بالساق ، ما الساق بالساق؟

قال: الحرب.

قال: هل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد صلى الله عليه وسلم؟

قال: نعم أما سمعت قول أبي ذؤيب:

أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها

وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا

- الدر المنثور ج ٦ ص ٢٥٤

وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن منده والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق إبراهيم النخعي في قوله:يوم يكشف عن ساق ، قال قال ابن عباس: يكشف عن أمر عظيم، ثم قال: قد قامت الحرب على ساق.

٣٨٢

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق عكرمة عن ابن عباس أنه سئل عن قوله:يوم يكشف عن ساق ، قال: إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر فإنه ديوان العرب. وقامت الحرب بنا على ساق، قال ابن عباس: هذا يوم كرب وشدة.

وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله:يوم يكشف عن ساق ....

وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس....

وأخرج ابن منده عن ابن عباس....

وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مندة عن مجاهد في قوله:يوم يكشف عن ساق ....

وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس أنه قرأ:يوم يكشف عن ساق ، قال: يريد القيامة والساعة لشدتها.

وأخرج البيهقي عن ابن عباس في قوله:يوم يكشف عن ساق ، قال: حين يكشف الأمر وتبدو الأعمال، وكشفه دخول الآخرة وكشف الأمر عنه.

وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن مندة من طريق عمرو ابن دينار قال كان ابن عباس يقرأ: يوم تكشف عن ساق بفتح التاء، قال أبو حاتم السجستاني: أي تكشف الآخرة عن ساقها يستبين منها ما كان غائباً.

وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ: يوم يكشف عن ساق، بالياء ورفع الياء.

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن عكرمة أنه سئل عن قوله: يوم يكشف عن ساق....

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن سعيد بن جبير أنه سئل عن قوله: يوم يكشف عن ساق، فغضب غضباً شديداً وقال: إن أقواماً يزعمون أن الله يكشف عن ساقه، وإنما يكشف عن الأمر الشديد. انتهى. ورواه أيضاً عن مجاهد والنخعي. ورواه في ج ٦ ص ٢٩٢ عن قتادة.

٣٨٣

- الأحاديث القدسية للمجلس الأعلى المصري ج ١ ص ٩٨

قوله: فيكشف عن ساق، فسر ابن عباس وجمهور أهل اللغة الساق هنا بالشدة، أي يكشف عن الشدة. انتهى.

وقد تقدمت رواياتهم التي فيها تجسيم، في الفصل الثالث في بازار الأحاديث، وهي كثيرة. وقد تبنى علماء الوهابية تفسيرها بساق اللّه تعالى عما يصفون!

* *

تفسير آيات الإستواء على العرش

قال الله تعالى:إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ . الأعراف - ٥٤

إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلاّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ . يونس - ٣

اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ . الرعد - ٢

طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلاّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى . طه ١ - ٦

الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا . الفرقان - ٥٩

٣٨٤

اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ . السجدة - ٤

هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ . الحديد - ٤ - ٥

وقد تقدم قسم من تفسير إخواننا للاستواء على العرش تحت عنوان (بازار الأحاديث والآراء في الرؤية )

تفسير أهل البيتعليهم‌السلام

الإستواء على العرش: استواء نسبة الله إلى العالم

- روى الكليني في الكافي ج ١ ص ١٢٧

علي بن محمد، ومحمد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن موسى الخشاب عن بعض رجاله، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه سئل عن قول الله عز وجل: الرحمن على العرش استوى، فقال استوى على كل شيء، فليس شيء أقرب إليه من شيء.

وعنه، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله تعالى: الرحمن على العرش استوى، فقال: استوى في كل شيء فليس شيء أقرب إليه من شيء، لم يبعد منه بعيد، ولم يقرب منه قريب، استوى في كل شيء.

وعنه، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: من زعم أن الله من شيء، أو في شيء، أو على شيء، فقد كفر، قلت:

٣٨٥

فسر لي، قال: أعني بالحواية من الشيء له أو بإمساك له أو من شيء سبقه.

وفي رواية أخرى: من زعم أن الله من شيء فقد جعله محدثاً، ومن زعم أنه في شيء فقد جعله محصوراً، ومن زعم أنه على شيء فقد جعله محمولاً.

- وروى في الكافي ج ١ ص ١٢٨

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد البرقي رفعه، قال: سأل الجاثليق أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال: أخبرني عن الله عز وجل يحمل العرش أو العرش يحمله فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : الله عز وجل حامل العرش والسماوات والأرض وما فيهما وما بينهما، وذلك قول الله عز وجل: إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا، ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليماً غفورا.

قال: فأخبرني عن قوله: ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية، فكيف قال ذلك وقلت إنه يحمل العرش والسماوات والأرض؟

فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إن العرش خلقه الله تعالى من أنوار أربعة: نور أحمر، منه احمرت الحمرة، ونور أخضر منه اخضرت الخضرة، ونور أصفر منه اصفرت الصفرة، ونور أبيض منه ابيض البياض، وهو العلم الذي حمله الله الحملة وذلك نور من عظمته، فبعظمته ونوره أبصرت قلوب المؤمنين، وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون، وبعظمته ونوره ابتغى من في السماوات والأرض من جميع خلائقه إليه الوسيلة، بالأعمال المختلفة والأديان المشتبهة، فكل محمول يحمله الله بنوره وعظمته وقدرته لا يستطيع لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشورا، فكل شيء محمول، والله تبارك وتعالى الممسك لهما أن تزولا، والمحيط بهما من شيء وحياة كل شيء ونور كل شيء، سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً.

قال له: فأخبرني عن الله عز وجل أين هو؟

فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : هو هاهنا وهاهنا وفوق وتحت ومحيط بنا ومعنا وهو قوله: ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من

٣٨٦

ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا، فالكرسي محيط بالسماوات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى، وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى، وذلك قوله تعالى: وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم.

فالذين يحملون العرش هم العلماء الذين حملهم الله علمه، وليس يخرج عن هذه الأربعة شيء خلق الله في ملكوته الذي أراه الله أصفياءه وأراه خليلهعليه‌السلام فقال: وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين، وكيف يحمل حملة العرش الله، وبحياته حييت قلوبهم، وبنوره اهتدوا إلى معرفته!

- التوحيد للصدوق ص ٢٤٧ من حديث عن الإمام الصادقعليه‌السلام :

قال السائل: فله كيفية؟

قال: لا، لأن الكيفية جهة الصفة والإحاطة، ولكن لابد من الخروج من جهة التعطيل والتشبيه، لأن من نفاه أنكره ورفع ربوبيته وأبطله، ومن شبهه بغيره فقد أثبته بصفة المخلوقين المصنوعين الذين لا يستحقون الربوبية، ولكن لابد من إثبات ذات بلا كيفية لا يستحقها غيره، ولا يشارك فيها، ولا يحاط بها، ولا يعلمها غيره.

قال السائل: فيعاني الأشياء بنفسه؟

قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : هو أجل من أن يعاني الأشياء بمباشرة ومعالجة، لأن ذلك صفة المخلوق الذي لا تجيء الأشياء له إلا بالمباشرة والمعالجة، وهو تعالى نافذ الإرادة والمشية، فعال لما يشاء.

قال السائل: فله رضى وسخط؟

قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : نعم، وليس ذلك على ما يوجد في المخلوقين، وذلك أن الرضا والسخط دَخَالٌ يدخل عليه فينقله من حال إلى حال، وذلك صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين، وهو تبارك وتعالى العزيز الرحيم لا حاجة به إلى شيء مما خلق، وخلقه جميعاً محتاجون إليه، وإنما خلق الأشياء من غير حاجة ولا سبب، اختراعاً وابتداعاً.

٣٨٧

قال السائل فقوله: الرحمن على العرش استوى؟

قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : بذلك وصف نفسه، وكذلك هو مستول على العرش بائن من خلقه من غير أن يكون العرش حاملاً له ولا أن يكون العرش حاوياً له، ولا أن العرش محتاز له، ولكنا نقول: هو حامل العرش وممسك العرش، ونقول من ذلك ما قال: وسع كرسيه السموات والأرض، فثبتنا من العرش والكرسي ما ثبته، ونفينا أن يكون العرش والكرسي حاوياً له، أو يكون عز وجل محتاجاً إلى مكان، أو إلى شيء مما خلق، بل خلقه محتاجون إليه.

قال السائل: فما الفرق بين أن ترفعوا أيديكم إلى السماء وبين أن تخفضوها نحو الأرض؟

قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : ذلك في علمه وإحاطته وقدرته سواء، ولكنه عز وجل أمر أولياءه وعباده برفع أيديهم إلى السماء نحو العرش، لأنه جعله معدن الرزق، فثبتنا ما ثبته القرآن والإخبار عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله حين قال: إرفعوا أيديكم إلى الله عز وجل، وهذا يجمع عليه فرق الأمة كلها.

- التوحيد للصدوق ص ٣١٥

روى الحديثين المتقدمين في لكافي ثم قال:

استعمل الإستواء في معان: استقرار شيء على شيء، وهذا ممتنع عليه تعالى كما نفاه الإمامعليه‌السلام في أخبار من هذا الباب، لأنه من خواص الجسم. والعناية إلى الشيء ليعمل فيه، وعليه فسر في بعض الأقوال قوله تعالى: ثم استوى إلى السماء. والإستيلاء على الشيء، كقول الشاعر:

فلما علونا واستوينا عليهم

تركناههم صرعى لِنِسْرٍ وكاسرِ

والآية التي نحن فيها فسرت به في بعض الأقوال، وفي الحديث الأول من الباب الخمسين.

والإستقامة، وفسر بها قوله تعالى: فاستوى على سوقه، وهذا قريب من المعنى

٣٨٨

الأول. والإعتدال في شيء وبه، فسر قوله تعالى: ولما بلغ أشده واستوى. والمساواة في النسبة، وهي نفيت في الآيات عن أشياء كثيرة كقوله تعالى: وما يستوي الإحياء ولا الأموات. وفسر الإمامعليه‌السلام الآية بها في هذا الباب، وظاهره مساواة النسبة من حيث المكان، لأنه تعالى في كل مكان وليس في شيء من المكان بمحدود، ولكنه تعالى تساوت نسبته إلى الجميع من جميع الحيثيات، وإنما الإختلاف من قبل حدود الممكنات، ولا تبعد الروايات من حيث الظهور عن هذا المعنى.

حدثنا أبوالحسين محمد بن إبراهيم بن إسحاق الفارسي قال: حدثنا أحمد بن محمد أبو سعيد النسوي قال: حدثنا أبو نصر أحمد بن محمد بن عبد الله الصغدي بمرو قال: حدثنا محمد بن يعقوب بن الحكم العسكري وأخوه معاذ بن يعقوب قالا: حدثنا محمد بن سنان الحنظلي قال: حدثنا عبد الله بن عاصم قال: حدثنا عبد الرحمن بن قيس، عن أبي هاشم الرماني، عن زاذان، عن سلمان الفارسي في حديث طويل يذكر فيه قدوم الجاثليق المدينة مع مائة من النصارى بعد قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسؤاله أبا بكر عن مسائل لم يجبه عنها، ثم أرشد إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام فسأله عنها فأجابه، وكان فيما سأله أن قال له: أخبرني عن الرب أين هو وأين كان؟

فقال عليعليه‌السلام : لا يوصف الرب جل جلاله بمكان، هو كما كان، وكان كما هو، لم يكن في مكان، ولم يزل من مكان إلى مكان، ولا أحاط به مكان، بل كان لم يزل بلا حد ولا كيف.

قال: صدقت، فأخبرني عن الرب أفي الدنيا هو أو في الآخرة؟

قال عليعليه‌السلام : لم يزل ربنا قبل الدنيا، ولا يزال أبداً، هو مدبر الدنيا، وعالم بالآخرة، فأما أن تحيط به الدنيا والآخرة فلا، ولكن يعلم ما في الدنيا والآخرة.

قال: صدقت يرحمك الله، ثم قال: أخبرني عن ربك أيحمل أو يحمل؟

فقال عليعليه‌السلام : إن ربنا جل جلاله يحمل ولا يحمل.

٣٨٩

قال النصراني: فكيف ذاك ونحن نجد في الإنجيل (كذا): ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية؟

فقال عليعليه‌السلام : إن الملائكة تحمل العرش، وليس العرش كما تظن كهيئة السرير، ولكنه شيء محدود مخلوق مدبر، وربك عز وجل مالكه، لا أنه عليه ككون الشيء على الشيء. وأمر الملائكة بحمله فهم يحملون العرش بما أقدرهم عليه.

قال النصراني: صدقت رحمك الله.. والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة، وقد أخرجته بتمامه في آخر كتاب النبوة....

حدثنا محمد بن علي ماجيلويهرحمه‌الله ، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن أحمد ابن أبي عبد الله، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: من زعم أن الله عز وجل من شيء أو في شيء أو على شيء فقد أشرك، ثم قال: من زعم أن الله من شيء فقد جعله محدثاً، ومن زعم أنه في شيء فقد زعم أنه محصور، ومن زعم أنه على شيء فقد جعله محمولاً.

قال مصنف هذا الكتاب: إن المشبهة تتعلق بقوله عز وجل: إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً. ولا حجة لها في ذلك لأنه عز وجل عنى بقوله: ثم استوى على العرش، أي ثم نقل إلى فوق السماوات وهو مستول عليه ومالك له، وقوله عز وجل (ثم) إنما لرفع العرش إلى مكانه الذي هو فيه ونقله للإستواء، فلا يجوز أن يكون معنى قوله استوى استولى لأن استيلاء الله تبارك وتعالى على الملك وعلى الأشياء ليس هو بأمر حادث، بل لم يزل مالكاً لكل شيء ومستولياً على كل شيء، وإنما ذكر عز وجل الإستواء بعد قوله ثم وهو يعني الرفع مجازاً، وهو كقوله: ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين، فذكر (نعلم) مع قوله (حتى) وهو عز وجل يعني حتى يجاهد المجاهدون ونحن نعلم ذلك، لأن حتى لا يقع إلا على فعل حادث، وعلم الله عز وجل بالأشياء لا يكون حادثاً. وكذلك ذكر قوله عز وجل: استوى على

٣٩٠

العرش، بعد قوله (ثم) وهو يعني بذلك ثم رفع العرش لإستيلائه عليه، ولم يعن بذلك الجلوس واعتدال البدن لأن الله لا يجوز أن يكون جسماً ولا ذا بدن، تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا.

- الإقتصاد للشيخ الطوسي ص ٣٧

وقوله: الرحمن على العرش استوى، معناه استولى عليه لما خلقه، كما قال الشاعر:

قد استوى بشرٌ على العراق

من غير سيف ودمٍ مُهْرَاق

وقوله: لما خلقت بيدي، معناه أنه تولى خلقه بنفسه، كما يقول القائل هذا ما عملت يداك، أي أنت فعلته. وقيل: معناه لما خلقت لنعمتي الدينية والدنيوية وقوله: في جنب الله معناه في ذات الله وفي طاعته.

وقوله: والسماوات مطويات بيمينه، أي بقدرته، كما قال الشاعر:

إذا ما رايةٌ رفعت لمجد

تلقاها عَرَابةُ باليمين

وقوله: تجري بأعيننا، أي ونحن عالمون.

ولا يجوز أن يكون تعالى بصفة شيء من الأعراض، لأنه قد ثبت حدوث الأعراض أجمع، فلو كان بصفة شيء من الأعراض لكان محدثاً، وقد بينا قدمه. ولأنه لو كان بصفة شيء من الأعراض لم يخل من أن يكون بصفة ما يحتاج إلى محل أو بصفة ما لا يحتاج إلى المحل كالغني وإرادة القديم تعالى وكراهته، فإن كان بصفة القسم الأول أدى إلى قدم المحال وقد بينا حدوثها، ولو كان بصفة القسم الثاني لاستحال وجوده وقتين كاستحالة ذلك على هذه الأشياء. وأيضاً لو كان بصفة الغني لاستحال وجود الأجسام معه، وذلك باطل....

ولا يجوز أن يكون تعالى في جهة من غير أن يكون شاغلاً لها، لأنه ليس في الفعل ما يدل على أنه في جهة لا بنفسه ولا بواسطة، وقد بينا أنه لا يجوز وصفه بما يدل عليه الفعل لا بنفسه ولا بواسطة.

٣٩١

ولا يجوز عليه تعالى الحاجة، لأن الحاجة لا تجوز إلا على من يجوز عليه المنافع والمضار، والمنافع والمضار لا يجوزان إلا على من تجوز عليه الشهوة والنفار، وهما يستحيلان عليه تعالى. والذي يدل على أنه يستحيل عليه الشهوة والنفار أنه ليس في الفعل لا بنفسه ولا بواسطة ما يدل على كونه مشتهياً ونافراً، وقد بينا أنه لا يجوز إثباته على صفة لا يقتضيها الفعل لا بنفسه ولا بواسطة.

وأيضاً فالشهوة والنفار لا يجوزان إلا على الأجسام، لأن الشهوة تجوز على من إذا أدرك المشتهي صلح عليه جسمه وإذا أدرك ما ينفر عنه فسد عليه جسمه، وهما يقتضيان كون من وجدا فيه جسماً، وقد بينا أنه ليس بجسم، فيجب إذا نفي الشهوة والنفار عنه. وإذا انتفيا عنه انتفت عنه المنافع والمضار، وإذا انتفيا عنه انتفت عنه الحاجة ووجب كونه غنياً، لأن الغني هو الحي الذي ليس بمحتاج.

- تفسير التبيان ج ٤ ص ٣٤

والإستواء على أربعة اقسام: استواء في المقدار، واستواء في المكان، واستواء في الذهاب، واستواء في الإنفاق. والإستواء بمعنى الإستيلاء راجع إلى الإستواء في المكان، لأنه تمكن واقتدار.

- تفسير التبيان ج ٧ ص ١٥٩

الرحمن على العرش استوى، قيل في معناه قولان: أحدهما، أنه استولى عليه، وقد ذكرنا فيما مضى شواهد ذلك. الثاني، قال الحسن: استوى لطفه وتدبيره، وقد ذكرنا ذلك أيضاً فيما مضى وأوردنا شواهده في سورة البقرة، فأما الإستواء بمعنى الجلوس على الشيء فلا يجوز عليه تعالى، لأنه من صفة الأجسام والأجسام كلها محدثة. ويقال: استوى فلان على مال فلان وعلى جميع ملكه أي احتوى عليه، قال الفراء: يقال كان الأمر في بني فلان ثم استوى في بني فلان، أي قصد إليهم وأنشد:

أقول وقد قَطَعْنَ بنا شرورى

ثواني واستويْنَ من النُّجوعِ

أي خرجن وأقبلن.

٣٩٢

- كتاب العين ج ٧ ص ٣٢٦

والمساواة والإستواء واحد، فأما يسوى فإنها نادرة.... ويقال: هما على سوية من الأمر أي: على سواء وتسوية واستواء.

- مفردات الراغب ص ٢٥١

واستوى يقال على وجهين، أحدهما: يسند إليه فاعلان فصاعداً نحو استوى زيد وعمرو في كذا أي تساويا، وقال: لا يستوون عند الله. والثاني أن يقال لاعتدال الشيء في ذاته نحو: ذو مرة فاستوى، وقال: فإذا استويت أنت. لتستووا على ظهوره. فاستوى على سوقه. واستوى فلان على عمالته واستوى أمر فلان.

ومتى عدي بعلى اقتضى معنى الإستيلاء كقوله: الرحمن على العرش استوى، وقيل معناه استوى له ما في السموات وما في الأرض، أي استقام الكل على مراده بتسوية الله تعالى إياه، كقوله: ثم استوى إلى السماء فسواهن. وقيل معناه استوى كل شيء في النسبة إليه فلا شيء أقرب إليه من شيء، إذ كان تعالى ليس كالأجسام الحالة في مكان دون مكان.

وإذا عدي بإلى اقتضى معنى الإنتهاء إليه إما بالذات أو بالتدبير، وعلى الثاني قوله: ثم استوى إلى السماء وهي دخان.

معنى العرش والكرسي عند أهل البيتعليهم‌السلام

- الكافي للكليني ج ١ ص ١٣٠

أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبدالجبار، عن صفوان بن يحيى قال: سألني أبو قرة المحدث أن أدخله على أبي الحسن الرضاعليه‌السلام فأستأذنته فأذن لي، فدخل فسأله عن الحلال والحرام ثم قال له: أفتقرُّ أن الله محمول؟ فقال أبو الحسنعليه‌السلام : كل محمول للمفعول مضاف، إلى غيره محتاج، والمحمول اسم نقص في اللفظ والحامل فاعل وهو في اللفظ مدحة، وكذلك قول القائل: فوق وتحت وأعلا

٣٩٣

وأسفل، وقد قال الله:وله الأسماء الحسنى فادعوه بها ، ولم يقل في كتبه إنه المحمول، بل قال: إنه الحامل في البر وبالبحر والممسك السماوات والأرض أن تزولا، والمحمول ما سوى الله، ولم يسمع أحد آمن بالله وعظمته قط قال في دعائه: يا محمول!

قال أبوقرة: فإنه قال:ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ، وقال: الذين يحملون العرش.

فقال أبو الحسنعليه‌السلام : العرش ليس هو الله والعرش اسم علم وقدرة، وعرش فيه كل شيء، ثم أضاف الحمل إلى غيره خلق من خلقه، لأنه استعبد خلقه بحمل عرشه، وهم حملة علمه، وخلقاً يسبحون حول عرشه وهم يعملون بعلمه، وملائكة يكتبون أعمال عباده، واستعبد أهل الأرض بالطواف حول بيته، والله على العرش استوى كما قال، والعرش ومن يحمله ومن حول العرش، الله الحامل لهم الحافظ لهم الممسك القائم على كل نفس وفوق كل شيء وعلى كل شيء، ولا يقال محمول ولا أسفل، قولاً مفرداً لا يوصل بشيء فيفسد اللفظ والمعنى.

قال أبوقرة: فتكذب بالرواية التي جاءت أن الله إذا غضب إنما يعرف غضبه أن الملائكة الذين يحملون العرش يجدون ثقله على كواهلهم فيخرون سجداً، فإذا ذهب الغضب خف ورجعوا إلى مواقفهم؟

فقال أبوالحسنعليه‌السلام : أخبرني عن الله تبارك وتعالى منذ لعن إبليس إلى يومك هذا هو غضبان عليه فمتى رضي، وهو في صفتك لم يزل غضبان عليه وعلى أوليائه وعلى أتباعه! كيف تجتريء أن تصف ربك بالتغير من حال إلى حال وأنه يجري عليه ما يجري على المخلوقين! سبحانه وتعالى لم يزل مع الزائلين ولم يتغير مع المتغيرين ولم يتبدل مع المتبدلين، وَمَنْ دونَه يدُه وتدبيره، وكلهم إليه محتاج وهو غني عمن سواه!

محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حماد بن عيسى، عن ربعي ابن

٣٩٤

عبد الله، عن الفضيل بن يسار قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عز وجل:وسع كرسيه السماوات والأرض ، فقال: يا فضيل كل شيء في الكرسي، السماوات والأرض وكل شيء في الكرسي.

محمد بن يحيى، عن أحمد بن عيسى، عن الحجال، عن ثعلبة بن ميمون، عن زرارة بن أعين قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عز وجل:وسع كرسيه السماوات والأرض ، السماوات والأرض وسعن الكرسي أم الكرسي وسع السماوات والأرض؟ فقال: بل الكرسي وسع السماوات والأرض والعرش، وكل شيء وسع الكرسي.

محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن عبد الله بن بكير، عن زرارة بن أعين قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عز وجل:وسع كرسيه السماوات والأرض ، السماوات والأرض وسعن الكرسي أو الكرسي وسع السماوات والأرض؟ فقال: إن كل شيء في الكرسي.

- التوحيد للصدوق ص ١٠٨

- حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريسرحمه‌الله ، عن أبيه، عن محمد بن عبدالجبار، عن صفوان بن يحيى، عن عاصم بن حميد، قال: ذاكرت أبا عبد اللهعليه‌السلام فيما يروون من الرؤية، فقال: الشمس جزء من سبعين جزء من نور الكرسي، والكرسي جزء من سبعين جزء من نور العرش، والعرش جزء من سبعين جزء من نور الحجاب، والحجاب جزء من سبعين جزء من نور الستر، فإن كانوا صادقين فليملؤوا أعينهم من الشمس ليس دونها سحاب.

- التوحيد للصدوق ص ٣١٩

باب معنى قوله عز وجل: وكان عرشه على الماء.

حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق؛، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي قال: حدثنا جذعان بن نصر

٣٩٥

أبونصر الكندي قال: حدثني سهل بن زياد الآدمي، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الرحمن بن كثير عن داود الرقي قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قوله عز وجل:وكان عرشه على الماء ، فقال لي: ما يقولون في ذلك. قلت: يقولون إن العرش كان على الماء والرب فوقه. فقال: كذبوا، من زعم هذا فقد صير الله محمولاً ووصفه بصفة المخلوقين، ولزمه أن الشيء الذي يحمله أقوى منه! قلت: بين لي جعلت فداك.فقال: إن الله عز وجل حمل علمه ودينه الماء قبل أن تكون أرض أو سماء أو جن أو إنس أو شمس أو قمر، فلما أراد أن يخلق الخلق نثرهم بين يديه فقال لهم: من ربكم فكان أول من نطق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنينعليه‌السلام والأئمة صلوات الله عليهم، فقالوا: أنت ربنا، فحملهم العلم والدين، ثم قال للملائكة: هؤلاء حملة علمي وديني وأمنائي في خلقي وهم المسؤولون، ثم قيل لبني آدم: أقروا لله بالربوبية ولهؤلاء النفر بالطاعة، فقالوا: نعم ربنا أقررنا، فقال للملائكة: إشهدوا، فقالت الملائكة شهدنا على أن لا يقولوا إنا كنا عن هذا غافلين، أو يقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون. يا داود ولايتنا مؤكدة عليهم في الميثاق.

حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي قال: حدثنا أبي، عن أحمد بن علي الأنصاري، عن أبي الصلت عبدالسلام بن صالح الهروي قال: سأل المأمون أبا الحسن علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام عن قول الله عز وجل: وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملاً، فقال: إن الله تبارك وتعالى خلق العرش والماء والملائكة قبل خلق السموات والأرض، وكانت الملائكة تستدل بأنفسها وبالعرش والماء على الله عز وجل، ثم جعل عرشه على الماء ليظهر بذلك قدرته للملائكة فيعلموا أنه على كل شيء قدير، ثم رفع العرش بقدرته ونقله فجعله فوق السموات السبع، وخلق السموات والأرض في ستة أيام، وهو مستول على عرشه، وكان قادراً على أن يخلقها في طرفة عين، ولكنه عز وجل

٣٩٦

خلقها في ستة أيام ليظهر للملائكة ما يخلقه منها شيئاً بعد شيء، وتستدل بحدوث ما يحدث على الله تعالى ذكره مرة بعد مرة، ولم يخلق الله العرش لحاجة به إليه، لأنه غني عن العرش وعن جميع ما خلق، لا يوصف بالكون على العرش لأنه ليس بجسم، تعالى الله عن صفة خلقه علواً كبيرا.

وأما قوله عز وجل:ليبلوكم أيكم أحسن عملاً ، فإنه عز وجل خلق خلقه ليبلوهم بتكليف طاعته وعبادته لا على سبيل الإمتحان والتجربة، لأنه لم يزل عليماً بكل شيء.

فقال المأمون: فرجت عني يا أبا الحسن فرج الله عنك.

- التوحيد للصدوق ص ٣٢١

باب العرش وصفاته.

حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاقرحمه‌الله قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا الحسين بن الحسن قال: حدثني أبي، عن حنان بن سدير قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن العرش والكرسي فقال: إن للعرش صفات كثيرة مختلفة، له في كل سبب وضع في القرآن صفة على حدة. فقوله: رب العرش العظيم، يقول: الملك العظيم، وقوله:الرحمن على العرش استوى ، يقول: على الملك احتوى، وهذا ملك لكيفوفية الأشياء.

ثم العرش في الوصل متفرد من الكرسي، لأنهما بابان من أكبر أبواب الغيوب، وهما جميعاً غيبان، وهما في الغيب مقرونان، لأن الكرسي هو الباب الظاهر من الغيب الذي منه مطلع البدع ومنه الأشياء كلها، والعرش هو الباب الباطن الذي يوجد فيه علم الكيف والكون والقدر والحد والأين والمشية وصفة الإرادة، وعلم الألفاظ والحركات والترك، وعلم العود والبدء، فهما في العلم بابان مقرونان، لأن ملك العرش سوى ملك الكرسي وعلمه أغيب من علم الكرسي، فمن ذلك قال: رب العرش العظيم، أي صفته أعظم من صفة الكرسي، وهما في ذلك مقرونان.

٣٩٧

قلت: جعلت فداك فلم صار في الفضل جار الكرسي؟

قال: إنه صار جاره لأن علم الكيفوفية فيه، وفيه الظاهر من أبواب البداء وأينيتها وحد رتقها وفتقها، فهذان جاران أحدهما حمل صاحبه في الصرف وبمثل صرف العلماء (كذا) وليستدلوا على صدق دعواهما لأنه يختص برحمته من يشاء وهو القوي العزيز.

فمن اختلاف صفات العرش أنه قال تبارك وتعالى: رب العرش عما يصفون، وهو وصف عرش الوحدانية لأن قوماً أشركوا كما قلت لك، قال تبارك وتعالى: رب العرش، رب الواحدانية عما يصفون. وقوماً وصفوه بيدين فقالوا: يد الله مغلولة. وقوماً وصفوه بالرجلين فقالوا: وضع رجله على صخرة بيت المقدس فمنها ارتقى إلى السماء. وقوماً وصفوه بالأنامل فقالوا: إن محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: إني وجدت برد أنامله على قلبي!

فلمثل هذه الصفات قال: رب العرش عما يصفون، يقول رب المثل الأعلى عما به مثلوه، ولله المثل الأعلى الذي لا يشبهه شيء ولا يوصف ولا يتوهم، فذلك المثل الأعلى، ووصف الذين لم يؤتوا من الله فوائد العلم فوصفوا ربهم بأدنى الأمثال وشبهوه بالمتشابه منهم فيما جهلوا به، فلذلك قال: وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً، فليس له شبه ولا مثل ولا عدل، وله الأسماء الحسنى التي لا يسمى بها غيره، وهي التي وصفها في الكتاب فقال: فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه، جهلاً بغير علم، فالذي يلحد في أسمائه بغير علم يشرك وهو لا يعلم، ويكفر به وهو يظن أنه يحسن، فلذلك قال: وما يومن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون، فهم الذين يلحدون في أسمائه بغير علم فيضعونها غير مواضعها.

يا حنان إن الله تبارك وتعالى أمر أن يتخذ قوم أولياء، فهم الذين أعطاهم الله الفضل وخصهم بما لم يخص به غيرهم، فأرسل محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله فكان الدليل على الله بإذن الله عز وجل، حتى مضى دليلاً هادياً، فقام من بعده وصيهعليه‌السلام دليلاً هادياً على ما كان هو دل عليه من أمر ربه من ظاهر علمه، ثم الأئمة الراشدونعليهم‌السلام .

٣٩٨

- التوحيد للصدوق ص ٣٢٤

باب أن العرش خلق أرباعاً.

حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليدرحمه‌الله قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن علي بن إسماعيل، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي الطفيل، عن أبي جعفر، عن علي بن الحسينعليهم‌السلام قال: إن الله عز وجل خلق العرش أرباعاً، لم يخلق قبله إلا ثلاثة أشياء: الهواء والقلم والنور، ثم خلقه من أنوار مختلفة: فمن ذلك النور نور أخضر اخضرت منه الخضرة، ونور أصفر اصفرت منه الصفرة، ونور أحمر احمرت منه الحمرة، ونور أبيض وهو نور الأنوار ومنه ضوء النهار، ثم جعله سبعين ألف طبق، غلظ كل طبق كأول العرش إلى أسفل السافلين، ليس من ذلك طبق إلا يسبح بحمد ربه ويقدسه بأصوات مختلفة وألسنة غير مشتبهة، ولو أذن للسانٍ منها فأسمع شيئاً مما تحته لهدم الجبال والمدائن والحصون، ولخسف البحار ولأهلك ما دونه.

له ثمانية أركان على كل ركن منها من الملائكة ما لا يحصى عددهم إلا الله عز وجل، يسبحون الليل والنهار لا يفترون، ولو أحس شيء مما فوقه ما قام لذلك طرفة عين. بينه وبين الإحساس الجبروت والكبرياء والعظمة والقدس والرحمة ثم العلم، وليس وراء هذا مقال.

حدثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عز وجل:وسع كرسيه السموات والأرض فقال: السماوات والأرض وما بينهما في الكرسي، والعرش هو العلم الذي لا يقدر أحد قدره.

- أخبار مكة للازرقي ج ١ ص ٥٠

عن أبي الطفيل قال: شهدت علياًرضي‌الله‌عنه وهو يخطب وهو يقول: سلوني فوالله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلا حدثتكم به. وسلوني عن كتاب الله فوالله

٣٩٩

ما منه آية إلا وأنا أعلم أنها بليل نزلت أم بنهار، أم بسهل نزلت أم بجبل. فقام ابن الكواء وأنا بينه وبين عليرضي‌الله‌عنه وهو خلفي قال: أفرأيت البيت المعمور ما هو قال: ذاك الضراح فوق سبع سموات، تحت العرش، يدخله كل يوم سبعون الف ملك لا يعودون فيه إلى يوم القيامة.

تفسير إخواننا الموافق لمذهبنا

- تفسير البيضاوي ج ٣ ص ١٢

ثم استوى على العرش: استوى أمره أو استولى، وعن أصحابنا أن الإستواء على العرش صفة لله بلا كيف، والمعنى: أن له تعالى استواء على العرض على الوجه الذي عناه، منزهاً عن الإستقرار والتمكن.

والعرش الجسم المحيط بسائر الأجسام، سمي به لإرتفاعه أو للتشبيه بسرير الملك، فإن الأمور والتدابير تنزل منه، وقيل الملك.

- سير أعلام النبلاء ج ٢٠ ص ٨٧

قال أبو موسى المديني: سألت إسماعيل يوماً (إسماعيل بن محمد الحافظ): أليس قد روي عن ابن عباس في قوله استوى، قعد قال: نعم. قلت له: إسحاق بن راهويه يقول: إنما يوصف بالقعود من يمل القيام. قال: لا أدري أيش يقول إسحاق.

وسمعته يقول: أخطأ ابن خزيمة في حديث الصورة، ولا يطعن عليه بذلك، بل لا يؤخذ عنه هذا فحسب.

قال أبوموسى: أشار بهذا إلى أنه قل إمام إلا وله زلة، فإذا ترك لأجل زلته، ترك كثير من الأئمة، وهذا لا ينبغي أن يفعل.

- إرشاد الساري ج ٣ ص ٢٤

إضافة الظل إليه سبحانه وتعالى إضافة تشريف.... والله تعالى منزه عن الظل لأنه من خواص الأجسام، فالمراد ظل عرشه، كما في حديث سلمان.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550