الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٠

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل14%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 550

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 550 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 216004 / تحميل: 6719
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٠

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

فقال: خلّوا له نهجاً ولا تجدوا

بأساً بتمكينه قصدي وإتياني

فجاء حتّى رقى أعواد منبره

مهمهماً بلسان الخاضع الجاني

مَن غيره بطن العلم الخفيّ؟ ومَن

سواه قال: اسألوني قبل فقداني؟

ومَن وقت نفسه نفس الرَّسول وقد

وافى الفراش ذوو كفر وطغيانِ؟

ومَن تصدَّق في حال الرّكوع ولم

يسجد كما سجدت قومٌ لأوثانِ؟

مَن كان في حرم الرَّحمن مولده

وحاطه الله من باسٍ وعدوانِ؟

مَن غيره خاطب الرَّحمن واعتضدت

به النبوَّة في سرٍّ وإعلانِ؟

مَن أُعطي الراية الغرّاء إذ ربدت

نار الوغا فتحاماها الخميسانِ؟

مَن ردّت الكفُّ إذ بانت بدعوته؟

والعين بعد ذهاب المنظر الفاني؟

مَن أنزل الوحي في أن لا يُسدّ له

بابٌ وقد سُدَّ أبوابٌ لإخوانِ؟

ومَن به بُلغت من بعد أوبتها

براءةٌ لأولي شرك وكفرانِ؟

ومَن تظلّم طفلاً وارتقى كتف

المختار خير ذوي شيب وشبّانِ؟

ومَن يقول: خذي يا نار ذا وذري

هذا وبالكأس يسقي كلَّ ظمآنِ؟

مَن غسَّل المصطفى؟ من سال في يده

أجلُّ نفس نأت عن خير جثمانِ؟

ومَن تورَّك متن الرِّيح طائعة

تجري بأمر مليك الخلق رحمانِ؟

حتّى أتى فتية الكهف الذين جرت

على مراقدهم أعصار أزمانِ

فاستيقظوا ثمَّ قالوا بعد يقظتهم

: أنت الوصيُّ على علمٍ وإيقانِ

﴿ما يتبع الشعر﴾

في هذه القصيدة إشارةٌ إلى لمة من فضائل مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه وقد بسطنا القول في جملة مهمَّة منها في الأجزاء السابقة ونذكر هنا ما أشار إليه شاعرنا بقوله:

من كان في حرم الرَّحمن مولده

وحاطه الله من باسٍ وعدوانِ؟

يريد به قصَّة ولادته صلوات الله عليه في الكعبة المعظَّمة، وقد انشقَّ جدار البيت لأُمِّه فاطمة بنت أسد فدخلته ثمَّ التأمت الفتحة، فلم تزل في البيت العتيق حتّى ولدت مشرِّف البيت بذلك الهبوط الميمون، وأكلت من ثمار الجنَّة، ولم ينفلق

٢١

صدف الكعبة عن درِّه الدريِّ إلّا وأضاء الكون بنور محيّاه الأبلج، وفاح في الأجواء شذى عنصره الأقدس، وهذه حقيقةٌ ناصعةٌ أصفق على إثباتها الفريقان، وتضافرت بها الأحاديث، وطفحت بها الكتب، فلا نعبأ بجلبة رماة القول على عواهنه بعد نصِّ جمع من أعلام الفريقين على تواتر حديث هذه الأثارة.

قال الحاكم في «المستدرك» ٣: ٤٨٣: وقد تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين عليَّ بن أبي طالب كرَّم الله وجهه في جوف الكعبة.

وحكى الحافظ الكنجي الشافعي في (الكفاية) من طريق إبن النجّار عن الحاكم النيسابوري أنَّه قال: وُلد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بمكّة في بيت الله الحرام ليلة الجمعة لثلث عشرة ليلة خلت من رجب سنة ثلثين من عام الفيل ولم يولد قبله ولا بعده مولودٌ في بيت الله الحرام سواه إكراماً له بذلك، وإجلالاً لمحلّه في التعظيم.

وتبعه أحمد بن عبد الرَّحيم الدهلوي الشهير بشاه وليّ الله والد عبد العزيز الدهلوي مصنِّف (التحفة الإثنى عشريَّة في الردِّ على الشيعة) فقال في كتابه [إزالة الخفاء]: تواترت الأخبار إنَّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين عليّاً في جوف الكعبة فإنَّه وُلد في يوم الجمعة ثالث عشر من شهر رجب بعد عام الفيل بثلثين سنة في الكعبة ولم يولد فيها أحدٌ سواه قبله ولا بعده.

قال شهاب الدين السيِّد محمود الآلوسي صاحب التفسير الكبير في [سرح الخريدة الغيبيَّة في شرح القصيدة العينيَّة] لعبد الباقي أفندي العمري ص ١٥ عند قول الناظم:

أنت العليُّ الذي فوق العلى رفعا

ببطن مكّة عند البيت إذ وضعا

وكون الأمير كرَّم الله وجهه وُلد في البيت أمرٌ مشهورٌ في الدنيا وذكر في كتب الفريقين السنَّة والشيعة - إلى أن قال -: ولم يشتهر وضع غيره كرَّم الله وجهه كما اشتهر وضعه بل لم تتَّفق الكلمة عليه، وما أحرى بإمام الأئمَّة أن يكون وضعه فيما هو قبلةٌ للمؤمنين؟ وسبحان من يضع الأشياء في مواضعها وهو أحكم الحاكمين.

وقال في ص ٧٥ عند قول العمري:

وأنت أنت الذي حطّت له قدمٌ

في موضع يده الرَّحمن قد وضعا

وقيل: أحبّ عليه الصَّلاة والسلام (يعني عليّاً) أن يكافئ الكعبة حيث وُلد

٢٢

في بطنها بوضع الصنم عن ظهرها فإنَّها كما ورد في بعض الآثار كانت تشتكي إلى الله تعالى عبادة الأصنام حولها وتقول: أي ربّ حتّى متى تُعبد هذه الأصنام حولي؟ والله تعالى يعدها بتطهيرها من ذلك. ا ه‍.

وإلى هذا المعنى أشار العلّامة السيِّد رضا الهندي بقوله:

لما دعاك الله قِدماً لأن

تولد في البيت فلبَّيته

شكرته بين قريش بأن

طهَّرتَ من أصنامهم بيته

ويجدها القارئ من المتسالم عليه من فضائل مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه في غير واحد من مصادر القوم منها:

١ - مروج الذهب ٢ ص ٢ تأليف أبي الحسن المسعودي الهذلي

٢ - تذكرة خواصّ الأُمَّة ص ٧ تأليف سبط إبن الجوزي الحنفي

٣ - الفصول المهمَّة ص ١٤ تأليف إبن الصبّاغ المالكي

٤ - السيرة النبويَّة ١ ص ١٥٠ تأليف نور الدين علي الحلبي الشافعي

٥ - شرح الشفا ج ١ ص ١٥١ تأليف الشيخ علي القاري الحنفي

٦ - مطالب السئول ص ١١ تأليف أبي سالم محمّد بن طلحة الشافعي

٧ - محاضرة الأوائل ص ١٢٠ تأليف الشيخ علاء الدين السكتواري

٨ - مفتاح النجا في مناقب آل العبا تأليف ميرزا محمّد البدخشي

٩ - المناقب تأليف الأمير محمّد صالح الترمذي

١٠ - مدارج النبوَّة تأليف الشيخ عبد الحقِّ الدهلوي

١١ - نزهة المجالس ٢ ص ٢٠٤ تأليف عبد الرَّحمن الصفوري الشافعي

١٢ - آيينه تصوّف ط ص ١٣١١ تأليف شاه محمّد حسن الجشتي

١٣ - روائح المصطفى ص ١٠ تأليف صدر الدين أحمد البردواني

١٤ - كتاب الحسين ١ ص ١٦ تأليف السيِّد علي جلال الدين

١٥ - نور الأبصار ص ٧٦ تأليف السيِّد محمّد مؤمن الشبلنجي

١٦ - كفاية الطالب ص ٣٧ تأليف الشيخ حبيب الله الشنقيطي

وأما أعلام الشيعة فقد ذكرت منهم هذه الأثارة أُمَّةٌ كبيرةٌ منها:

٢٣

١ - الحسن بن محمّد بن الحسن القمي في تاريخ قم الذي ألَّفه وقدَّمه إلى الصّاحب ابن عباد سنة ٣٧٨، وترجمه إلى الفارسيَّة الشيخ الحسن بن علي بن الحسن القمي سنة ٨٦٥، راجع ص ١٩١ من الترجمة.

٢ - الشريف الرَّضي المتوفّى ٤٠٦ [المترجم في ج ٤ ص ١٨١ – ٢٢١] ذكرها في خصائص الأئمَّة وقال: لم نعلم مولوداً في الكعبة غيره.

٣ - شيخ الأُمّة معلّم البشر أبو عبد الله المفيد المتوفّى ٤١٣ في المقنع، ومسار الشيعة ص ٥١ مصر، والإرشاد ص ٣ وقال: لم يولد قبله ولا بعده مولودٌ في بيت الله سواه، إكراماً من الله جلَّ اسمه بذلك، وإجلالاً لمحلّه في التعظيم.

٤ - الشَّريف المرتضى المتوفّى ٤٣٦ [مرّت ترجمته في ج ٤ ص ٢٦٤ – ٢٩٩] ذكرها في شرح القصيدة البائيّة للحميري ص ٥١ ط مصر وقال: لا نظير له في هذه الفضيلة.

٥ - نجم الدِّين الشريف أبو الحسن عليُّ بن أبي الغنائم محمّد المعروف بابن الصّوفي ذكرها في كتابه (المجدي) المخطوط.

٦ - الشيخ أبو الفتح الكراجكي المتوفّى ٤٤٩ في «كنز الفوائد» ص ١١٥.

٧ - الشيخ حسين بن عبد الوهّاب معاصر الشَّريف المرتضى في (عيون المعجزات).

٨ - شيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسي المتوفّى ٤٦٠ في التهذيب ج ٢، ومصباح المتهجِّد ص ٥٦٠، والأمالي ص ٨٠ - ٨٢.

٩ - أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي المتوفّى ٥٤٨ صاحب «مجمع البيان» في (إعلام الورى) ص ٩٣ وقال: لم يولد قطُّ في بيت الله تعالى مولودٌ سواه لا قبله ولا بعده.

١٠ - إبن شهر آشوب السَّروي المتوفّى ٥٨٨ في (المناقب) ١ ص ٣٥٩، و ج ٢ ص ٥.

١١ - إبن البطريق شمس الدين أبو الحسين يحيى بن الحسن الحلّي المتوفّى ٦٠٠ في كتابه (العمدة) وقال: لم يولد قبله ولا بعده مولودٌ في بيت الله سواه.

١٢ - رضيُّ الدِّين عليُّ بن طاوس المتوفّى ٦٦٤ في كتابه «الإقبال» ص ١٤١.

٢٤

١٣ - عماد الدين الحسن الطبري الآملي صاحب «الكامل» المؤلَّف سنة ٦٧٥ في كتابه (تحفة الأبرار) في الفصل الثامن من الباب الرابع.

١٤ - بهاء الدين الأربلي المتوفّى ٦٩٢ [مرّت ترجمته في ج ٥ ص ٤٤٥] في كتابه [كشف الغمَّة] ص ١٩ وقال: لم يولد في البيت أحدٌ سواه قبله ولا بعده، وهي فضيلةٌ خصّه الله بها إجلالاً له، وإعلاءً لرتبته، وإظهاراً لتكرمته.

١٥ - أبو علي ابن الفتّال النيسابوري المترجم في كتابنا «شهداء الفضيلة» ص ٣٧ ذكرها في [روضة الواعظين] ص ٦٧.

١٦ - هندوشاه بن عبد الله الصّاحبي النخجواني في [تجارب السّلف] ص ٣٧.

١٧ - العلّامة الحسن بن يوسف الحلّي المتوفّى ٧٢٦ في كتابيه: كشف الحقّ، وكشف اليقين ص ٥ ونصَّ على أنّه لم يولد أحدٌ سواه فيها لا قبله ولا بعده.

١٨ - جمال الدِّين ابن عنبة المتوفّى ٨٢٨ في «عمدة الطالب» ص ٤١.

١٩ - الشيخ عليُّ بن يونس العاملي البياضي المتوفّى ٨٧٧ في «الصِّراط المستقيم».

٢٠ - السيِّد محمّد بن أحمد بن عميد الدِّين علي الحسيني، في «المشجَّر الكشّاف للسّادة الأشراف» ص ٢٣٠ ط مصر.

٢١ - الشيخ تقيُّ الدين الكفعمي الآتي ترجمته في هذا الجزء إنشاء الله، في المصباح ص ٥١٢.

٢٢ - أحمد بن محمّد بن عبد الغفّار الغفاري القزويني في «تاريخ نكارستان» المؤلَّف سنة ٩٤٩ ص ١٠ ط سنة ١٢٤٥.

٢٣ - القاضي نور الله المرعشي المستشهد ١٠١٩، المترجم في كتابنا «شهداء الفضيلة» ص ١٧١ في كتابه: إحقاق الحقِّ.

٢٤ - الشيخ عبد النبيِّ الجزائري المتوفّى ١٠٢١ في «حاوي الأقوال».

٢٥ - الشيخ محمّد بن الشيخ علي اللاهيجي في «محبوب القلوب».

٢٦ - المولى المحسن الكاشاني المتوفّى ١٠٩١ في كتابه «تقويم المحسنين»

٢٧ - الشيخ نظام الدين محمّد بن الحسين التفرشي السَّاوجي تلميذ شيخنا البهائي في تأليفه «تكملة الجامع العبّاسي» لشيخه المذكور.

٢٥

٢٨ - الشيخ أبو الحسن الشّريف المتوفّى ١١٠٠ في كتابه الضخم الفخم القيِّم «ضياء العالمين» وقال: كانت مشهورةً في الصّدر الأوَّل.

٢٩ - السيِّد هاشم التوبلي البحراني صاحب التآليف القيِّمة المتوفّى ١١٠٧ في «غاية المرام» وقال: بلغت حدَّ التواتر معلومة في كتب العامّة والخاصّة.

٣٠ - العلّامة المجلسي المتوفّى ١١١٠/١١ في جلاء العيون ص ٨٠ فقال ما معناه: مشهورٌ بين المحدِّثين والمؤرِّخين من الخاصّة والعامّة.

٣١ - السيِّد نعمة الله الجزائري المتوفّى ١١١٢ في «الأنوار النعمانيّة».

٣٢ - السيِّد علي خان الشيرازي ١١١٨/٢٠ في «الحدائق النديّة في شرح الفوائد الصمديّة».

٣٣ - السيِّد محمّد الطباطبائي جدّ آية الله بحر العلوم الفارغ عن بعض تآليفه سنة ١١٢٦ في رسالته الموضوعة لتواريخ مواليد الأئمّة ووفياتهم.

٣٤ - السيِّد عبّاس بن عليّ بن نور الدين الموسوي الحسيني المكّي المتوفّى ١١٧٩ في كتابه «نزهة الجليس» ج ١ ص ٦٨.

٣٥ - أبو علي الحائري المتوفّى ١٢١٥ في رجاله الدائر «منتهى المقال» ص ٤٦.

٣٦ - السيِّد محسن الأعرجي المتوفّى ١٢٢٧ في «عمدة الرجال».

٣٧ - الشيخ خضر بن شلّال العفكاوي النجفي المتوفّى ١٢٥٥ في مزاره المسمّى بأبواب الجنان وبشائر الرِّضوان.

٣٨ - السيِّد حيدر الحسني الحسيني الكاظمي المتوفّى ١٢٦٥ في «عمدة الزائر» ص ٥٤.

٣٩ - السيِّد مهدي القزويني المتوفّى ١٣٠٠ في «فلك النجاة» ص ٣٢٦.

٤٠ - المولى السيِّد محمود بن محمّد علي بن محمّد باقر في «تحفة السّلاطين» ج ٢ فقال ما معناه: مشهورٌ كالشمس في رائعة النهار.

٤١ - المولى السلطان محمّد بن تاج الدين حسن في «تحفة المجالس» ص ٨٨ ط سنة ١٢٧٤.

٤٢ - السيِّد ميرزا حسن الزنوزي نزيل خوي في كتابه الضخم «بحر العلوم».

٢٦

٤٣ - الحاج المولى شريف الشرواني من تلمذة السيِّد العظيم صاحب الرِّياض في كتابه: الشهاب الثاقب في مناقب عليّ بن أبي طالب.

٤٤ - المولى علي أصغر البروجردي في عقائد الشيعة ص ٣١ ط سنة ١٢٦٣.

٤٥ - الحاج ميرزا حبيب الخوئي في كتابه الكبير: شرح نهج البلاغة ج ١ ص ٧١.

٤٦ - أبو عبد الله جعفر بن محمّد بن جعفر الحسيني الأعرجي في «مناهل الضرب في أنساب العرب».

٤٧ - الحاج الشيخ عبّاس القمّي المتوفّى ١٣٥٩ في [سفينة البحار] ج ٢ ص ٢٢٩.

٤٨ - السيِّد محسن الأمين الحسيني العاملي في [أعيان الشيعة] ج ٣: ٣.

٤٩ - الشيخ جعفر نقدي في كتابه [نزهة المحبّين في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام] ص ٢ - ٨.

٥٠ - شيخنا الأوردبادي ألَّف في الموضوع كتاباً فخما، وقد أغرق نزعاً في التحقيق ولم يبق في القوس منزعاً، وإليك فهرست عناوينه.

١ - حديث المولد الشريف وتواتره.

٢ - حديث الولادة الشريفة مشهورٌ بين الأُمَّة.

٣ - نبأ الولادة والمحدِّثون.

٤ - حديث الولادة والنسّابون.

٥ - حديث الولادة والمؤرِّخون.

٦ - حديث الولادة والشَّعراء.

٧ - حديث الولادة والإجماع عليه.

ألَّف القاضي أبو البحتري كتاباً في مولد أمير المؤمنين عليه السلام كما ذكره النجاشي و شيخ الطايفة، ورواه أبو محمّد العلوي الحسن بن محمّد عن حجر بن محمّد السّامي عن رجاء بن سهل الصنعاني عن أبي البحتري كما في تاريخ الخطيب البغدادي ٧ ص ٤١٩.

وذكر النجاشي في فهرسته ص ٢٧٩ كتاب مولد أمير المؤمنين لشيخنا إبن بابويه الصَّدوق].

وقد نظم هذه الأثارة كثيرون من أعلام الشيعة الفطاحل وشعرائها الأفذاذ نظراء:

٢٧

١ - السيِّد الحميري المتوفّى ١٧٣، وقد مرَّت ترجمته في ج ٢ ص ٢٣١ - ٢٧٨ قال:

ولدته في حرم الإله وأمنه

والبيت حيث فناؤه والمسجد

بيضاء طاهرة الثياب كريمة

طابت وطاب وليدها والمولد

في ليلة غابت نحوس نجومها

وبدت مع القمر المنير الأسعد

ما لُفَّ في خرق القوابل مثله

إلّا ابن آمنة النبيِّ «محمّد»

٢ - محمّد بن منصور السَّرخسي، ذكرها في أبيات توجد في مناقب ابن شهر آشوب ج ١ ص ٣٦٠.

٣ - خواجه معين الدين الجشتي الأجميري المتوفّى ٦٣٢.

٤ - المولي الرومي العارف الشهير المتوفّى ٦٧٢.

٥ - المولى محمّد بن عبد الله الكاتبي النيسابوري المتوفّى ٨٨٩، المترجم في مجالس المؤمنين.

٦ - المولى أهلي الشيرازي المتوفّى ٩٤٢.

٧ - ميرزا محمّد علي التبريزي المتخلّص في شعره ب‍ «صائب» من شعراء عهد السّلطان سليمان المتوفّى ٩٧٤ له قصيدةٌ يمدح بها الكعبة المشرَّفة ويذكر مزاياها و عدَّ منها ولادة أمير المؤمنين بها توجد في كتاب [الخزانة العامرة] صحيفة ٢٩١.

٨ - السيِّد محمّد باقر بن محمّد الحسيني الأسترابادي الشهير بداماد المتوفّى ١٠٤١.

٩ - المولى محمّد مسيح المعروف بمسيحا الفسوي الشيرازي المتوفّى ١١٢٧ الآتي شعره وترجمته في شعراء القرن الثاني عشر.

١٠ - السيِّد نصر الله المدرِّس الحائري الشهيد سنة ١١٦٠، أحد شعراء الغدير يأتي في شعراء القرن الثاني عشر.

١١ - المولى رضا الرَّشتي المتخلّص في شعره ب‍ «المحزون» في مثنوىٍّ له.

١٢ - ميرزا نصر الله المتخلّص ب‍ «شهاب».

١٣ - الشَّريف محمّد بن فلاح الكاظمي أحد شعراء الغدير يأتي شعره وترجمته في محلّهما، ذكرها في قصيدته الكرّاريَّة.

١٤ - الشيخ محمّد رضا النحوي المتوفّى ١٢٢٦، أحد شعراء الغدير تأتي ترجمته

٢٨

في محلّها.

١٥ - الشيخ حسين نجف المتوفّى ١٢٥٢، أحد شعراء الغدير يأتي شعره وترجمته في شعراء القرن الثالث عشر قال في قصيدته الكبيرة.

جعل الله بيته لعليّ

مولداً ياله علاً لا يُضاهى

لم يشاركه في الولادة فيه

سيّد الرُّسل لا ولا أنبياها

علم الله شوقها لعليٍّ

علمه بالذي به من هواها

إذ تمنّت لقاءه وتمنّى

فأراها حبيبه ورآها

ما ادَّعى مدَّعٍ لذلك كلّا

من ترى في الورى يروم ادَّعاها؟

فاكتست مكّة بذاك افتخاراً

وكذا المشعران بعد مناها

بل به الأرض قد علت إذ حوته

فغدت أرضها مَطاف سماها؟

أوَ ما تنظر الكواكب ليلاً

ونهاراً تطوف حول حماها؟

وإلى الحشر في الطَّواف عليه

وبذاك الطَّواف دام بقاها

١٦ - ميرزا عبّاس الدامغاني المتخلص ب‍ «نشاط» الهزار جريبي المتوفّى ١٢٦٢.

١٧ السيِّد محمّد تقي القزويني المتوفّى ١٢٧٠، أحد شعراء الغدير تأتي ترجمته في شعراء القرن الثالث عشر.

١٨ - الشيخ حسين بن علي الفتوني الهمداني العاملي الحائري، من شعراء الغدير يأتي ذكره في القرن الثالث عشر.

١٩ - الحاج محمّد خان المولود سنة ١٢٤٦ المتخلّص ب‍ «دشتي» في ديوانه المطبوع.

٢٠ - الحاج ميرزا إسماعيل الشيرازي المتوفّى ١٣٠٥، أحد شعراء الغدير من حجج الطائفة يأتي ذكره في شعراء القرن الرّابع عشر له قصيدةٌ موشّحةٌ في المولود المقدَّس ألا وهي:

رغد العيش فزده رغدا

بسلافٍ منه تشفي سقمي

طرب الصبُّ على وصل الحبيبْ

وهنى العيش على بُعد الرقيبْ

وفّني من أكؤس الراح النصيبْ

وائتني توماً بها لا مفردا

فالهنا كلّ الهنا في التّوئمِ

٢٩

آتني الصهباء ناراً ذائبه

كلّلتها قبساتٌ لاهبه

واسقنيها والنّدامى قاطبه

فلعمري إنَّها ريُّ الصَّدى

لفؤادٍ بالتصابي مضرمِ

ما أحيلي الراح من كفِّ الملاح

هي روح هي رَوح هي راحْ

فأدرها في غدوٍّ ورواحْ

كذكاءٍ تتجلّى صرخدا

رصّعتها حببٌ كالأنجمِ

حبّذا آناء أُنس أقبلتْ

أدركت نفسي بهاما أمّلتْ

وضعت أُمُّ العُلى ما حُملتْ

طاب أصلاً وتعالى محتدا

مالكاً ثقل ولاء الأُممِ

آنست نفسي من الكعبة نورْ

مثل ما آنس موسى نار طورْ

يوم غشّي الملأ الأعلى سرورْ

قرع السّمع نداءٌ كندا

شاطئ الوادي طوى من حرمِ

ولدت شمس الضحى بدر التمامْ

فانجلت عنّاديا جير الظّلامْ

نادِ: يا بشراكمُ هذا غلامْ

وجهه فلقة بدرٍ يهتدى

بسنا أنواره في الظّلمِ

هذه فاطمةُ بنت أسدْ

أقبلت تحملُ لاهوت الأبدْ

فاسجدواُ ذّلاً له فيمن سجدْ

فله الأملاك خرّت سُجّدا

إذ تجلّى نوره في آدمِ

كُشف الستر عن الحقِّ المبين

وتجلّى وجه ربِّ العالمينْ

وبدا مصباح مشكاة اليقينْ

وبدت مشرقةً شمس الهدى

فانجلى ليل الضّلال المظلمِ

نُسخ التأبد من نفي ترى

فأرانا وجهه ربُّ الورى

ليت موسى كان فينا فيرى

ما تمنّاه بطورٍ مُجهدا

فانثني عنه بكفِّي مُعدمِ

هل درت أُمّ العلى ما وضعتْ؟

أم درت ثدي الهدى ما أرضعتْ؟

٣٠

أم درت كفُّ النّهي ما رفعتْ؟

أم درى ربُّ الحجى ما ولدا؟

جلَّ معناه فلمّا يُعلمِ

سيِّدٌ فاق عُلاً كلّ الأنامْ

كان إذ لا كائنٌ وهو إمامْ

شرَّف الله به البيت الحرامْ

حين أضحى لعُلاه مولدا

فوطا تربته بالقدمِ

إن يكن يُجعل لله البنونْ

وتعالى الله عمّا يصفونْ

فوليد البيت أحرى أن يكونْ

لوليِّ البيت حقّاً ولدا

لا عزيزٌ لا ولا ابن مريمِ

هو بعد المصطفى خير الورى

من ذرى العرش إلى تحت الثرى

قد كست عليائه أُمّ القرى

غرَّةً تحمي حماها أبدا

حيث لا يدنوه من لم يحرمِ

سبق الكون جميعاً في الوجودْ

وطوى عالم غيبٍ وشهودْ

كلّما في الكون من يمناه جودْ

إذ هو الكائن لله يدا

ويد الله مدرُّ الأنعمِ

سيِّدٌ حازت به الفضل مضرْ

بفخارٍ فسما كلّ البشرْ

وجهه في فلك العليا قمرْ

فبه لا بالنجوم يُهتدى

نحو مغناه لنيل المغنمِ

هو بدرٌ وذراريه بدورْ

عقمت عن مثلهم أُمُّ الدُّهور

كعبة الوفّاد في كلِّ الشّهورْ

فاز من نحو فناها وفدا

بمطافٍ منه أو مُستلمِ

ورثوا العلياء قدماً من قُصيّْ

ونزار ثمَّ فهرٍ ولويّْ

لا يباري حيّهم قطُّ بحيّْ

وهمُ أزكى البرايا محتدا

وإليهم كلُّ فخر ينتمي

أيّها المرجى لقاهُ في المماتْ

كلُّ موت فيه لقياك حياةْ

ليتما عجّل بي ما هو آتْ

علّني ألقى حياتي في الرَّدى

٣١

فايزاً منه بأوفى النِّعمِ

٢١ - ميرزا أبو القاسم الحسيني الشيرازي.

٢٢ - سراج الدِّين محمّد بن الحسن القرشي التميمي العدويّ الأمويّ المعروف بفدا حسين الهندي، نظم مكرمة الولادة الشريفة في قصيدته العلويَّة الكبيرة المطبوعة البالغة ١٤١١ بيتاً المسمّاة بالنفحة القدسيَّة ص ٦٨، ١٧٨.

٢٣ - ميرزا محمّد تقي الشهير بحجَّة الإسلام المتوفّى ١٣١٢، في ديوانه المطبوع ص ١٩٦، ٢٠٠.

٢٤ - الشاعر المفلق محمّد اليزدي المتخلّص في شعره ب‍ (جيحون) المتوفّى حدود ١٣١٨ في ديوانه المطبوع.

٢٥ - السيِّد مصطفى بن الحسين الكاشاني النجفي دفين الكاظميَّة المتوفّى ١٣٣٦ أحد شعراء الغدير، يأتي شعره وترجمته في شعراء القرن الرّابع عشر.

٢٦ - الحاج ميرزا حبيب الخراساني المترجم في كتابنا (شهداء الفضيلة) ص ٢٨٢.

٢٧ - الشيخ علي الملقَّب بالشيخ الرئيس الخراساني المتوفّى حدود ١٣٢٠ في منظومته المسمَّاة ب‍ [تنبيه الخاطر في أحوال المسافر] ص ٤.

٢٨ - الشيخ محمود عبّاس العاملي المتوفّى ١٣٥٣، أحد شعراء الغدير يأتي.

٢٩ - السيِّد حسن آل بحر العلوم المتوفّى ١٣٥٥، من شعراء الغدير يأتي ذكره في شعراء القرن الرّابع عشر.

٣٠ - الحاج الشيخ محمّد الحسين الإصبهاني المتوفّى ١٣٦١، أحد شعراء الغدير الآتي ذكره في شعراء القرن الرّابع عشر.

٣١ - السيِّد مير علي أبو طبيخ النجفي المتوفّى ١٣٦١، أحد شعراء الغدير يأتي شعره وترجمته.

٣٢ - السيِّد رضا الهندي النجفي المتوفّى ١٣٦٢، من شعراء الغدير يأتي ذكره في شعراء القرن الرّابع عشر.

٣٣ - السيِّد المحسن الأمين العاملي، أحد شعراء الغدير يأتي ذكره.

٣٤ - الشيخ محمّد صالح المازندراني، أحد شعراء الغدير يأتي ذكره.

٣٢

٣٥ - الشيخ ميرزا محمّد علي الأوردبادي، أحد شعراء الغدير يأتي ذكره، نظمها في غير واحدة من قصائده، وممّا قال فيها قوله يمدح به أمير المؤمنين عليه السلام:

سبق الكرام فها همُ لم يلحقوا

في حلبة العلياء شأو كميتهِ

إذ خصَّه المولى بفضل باهرٍ

فيه يميّز حيّه من ميتهِ

لم يتَّخذ ولداً وما إن يتَّخذ

إلّا وكان ولاده في بيتهِ

في البيت مولده يحقِّق إنَّه

دون الأنام ذبالة في زيتهِ

خمَّسها النطاسيُّ المحنَّك ميرزا محمّد الخليلي صاحب [معجم أُدباء الأطبّاء].

٣٦ - الشيخ محمّد السَّماوي النجفي، أحد شعراء الغدير يأتي ذكره.

٣٧ - الشيخ محمّد علي يعقوب النجفي، أحد شعراء الغدير يأتي ذكره.

٣٨ - الشيخ جعفر نقدي، أحد شعراء الغدير يأتي ذكره.

٣٩ - ميرزا محمّد الخليلي النجفي، أحد شعراء الغدير يأتي ذكره.

٤٠ - السيِّد علي النقي اللكهنوي الهندي، أحد شعراء الغدير يأتي ذكره، له موشّحةٌ في الميلاد الشريف يهنِّي بها سيِّدنا الحجَّة السيِّد ميرزا علي آغا الشيرازي وهي:

من بدا فاز دهر البيت الحرامْ

وزهت منه ليالي رجبِ؟

طرب الكون لبشر وهنا

إذ بدا الفخر بنور وسنا

وأتى الوحي ينادي معلناً

: قد أتاكم حجَّة الله الإمام

وأبو الغرِّ الهُداة النّجبِ

خصَّه الرَّحمن بالفضل الصّراحْ

ومزايا أشرقت غرّاً وضاحْ

وسما منزله هام الضّراحْ

فغدا مولده خير مقامْ

طأطأت فيه رؤس الشّهبِ

إنَّه أوَّل بيت وُضعا

للورى طرّاً فأضحوا خضَّعا

وعلى الحاضر والبادي معا

حجَّةٌ أصبح فرضاً ولزامْ

طاعةٌ تتبع أقصى القربِ

وهو القبلة في كلِّ صلاةْ

وملاذٌ يُرتجى فيه النَّجاةْ

وقد استخلصه الله حماهْ

فلأن يأت إليه مستهامْ

٣٣

في ملمّ داعياً يُستجبِ

تلكمُ فاطمة بنت أسدْ

أمَّت البيت بكرب وكمدْ

ودعت خالقها الباري الصّمدْ

بحشاً فيه من الوجد الضّرامْ

قد علته قبسات اللّهبِ

نادت: اللهمّ ربَّ العالمينْ

قاضي الحاجات للمستصرخينْ

كاشف الكرب مجيب السائلينْ

إنّني جئتك من دون الأنامْ

أبتغي عندك كشف الكربِ

بينما كانت تناجي ربَّها

وإلى الرَّحمن تشكوا كربها

وإذا بالبشر غشّى قلبها

من جدار البيت إذ لاح ابتسامْ

عن سنا ثغرٍ له ذي شنبِ

فتق الزّهر؟ أم انشقَّ القمرْ؟

أم عمود الصّبح بالليل انفجرْ؟

أم أضاء البرق فالكون ازدهر؟

أم بدا في الأُفق خرقُ والتئامْ؟

فغدا برهان معراج النبي

أم أشار البيت بالكفّ ادخلي؟

واطمئنّي بالإله المفضلِ

فهنا يولد ذو العليا «علي»

من به يحظى حطيمي والمقامْ

وينال الرُّكن أعلا الرُّتبِ

دخلت فاطم فارتدّ الجدارْ

مثلما كان ولم يكشف ستارْ

إذ تجلّى النور وانجاب السرارْ

عن سنا بدرٍ به يجلو الظلامْ

والورى ينجو به من عطبِ

وُلد الطاهر ذاك ابن جَلا

من سما العرش جلالاً وعُلا

فله الأملاك يعنو ذلّلا

وبه قد بشَّر الرُّسل العظامْ

قومهم فيها خلا من حُقبِ

عرف الله ولا أرضٌ ولا

رفعت سبع طباق ظللا

فلذا خرَّ سجوداً وتلا

كلّما جاء إلى الرُّسل الكرامْ

قبله من صحفٍ أو كتبِ

٣٤

إن يك البيت مطافاً للأنامْ

فعليٌّ قد رقى أعلا سنامْ

إذ به يطَّوف البيت الحرامْ

وسعى الرُّكن إليه لاستلامْ

فغدا يزهو به من طربِ

لم يكن في البيت مولودٌ سواهْ

إذ تعالى عن مثيل في علاهْ

أوتي العلم بتعليم الإله

فغذاه درّه قبل الفطامْ

يرتوي منه بأهنى مشربِ

صغر الكون على سوددهِ

وانتمى الوحي إلى محتدهِ

بشِّر الشيعة في مولدهِ

واقصدوا العلّامة الحَبر الإمام

منبع العلم مناط الأدبِ

(القصيدة)

وله قصيدة أخرى ميلاديّة بارى بها قصيدة [إيليا أبي ماضي] الإلحاديّة المقفّاة ب‍ «لست أدري» وهي:

طرب الكون من البشر وقد عمَّ السّرورْ

وغدا القمريُّ يشدو في ابتسام للزُّهورْ

وتهانت ساجعات في ذرى الأيك الطيورْ

لِمَ ذا البشرْ؟ وما هذا التهاني؟ لستُ أدري

تلعب الرِّيح وفيها الدَّوح قامت راقصاتْ

وبها الأُوراق تزهو بالأكفِّ الصّافقاتْ

ضارباً سجع هزار الغصن أوتار الحياةْ

مِمَ هذي الدوح أضحت راقصات؟ لستُ أدري

قد كسى وجه الثرى من سندس وشي الرَّبيعْ

فتهادى مائساً في حُلل الخصب المريعْ

وغدا يختال بالأرياش والشأن البديعْ

قائلاً: هل أحدٌ يوجد مثلي؟ لستُ أدري

والنّسيم الغضّ قد تهمس في سمع الاقاحْ

فترى باسمه الثّغر نشاطاً وارتياحْ

٣٥

وهزيز الغصن يُبدي شان زهوٍ ومراحْ

ما الذي قالت فردّت بابتسام؟ لستُ أدري

طبّق الأرض لهيباً نار محمرِّ الشقيقْ

فغدا البلبل مرتاع الحشا خوف الحريقْ

صارخاً: هل لنجاتي عن لظاها من طريقْ؟

هذه النّار أتتني كيف أُطفي؟ لستُ أدري

أشرقت طلعة نور عمّت الكون ضياءا

لا أرى بدراً على الأُفق ولم أبصر ذكاءا

وتفحَّصت فلم أدرك هناك الكهرباءا

فبماذا ضاء هذا الكون نوراً؟ لستُ أدري

كان هذا الرَّوض قبل اليوم رهناً للذّبولْ

ساحبات فوقها الأرواح قدماً للذّيولْ

تعصف النكباء فيها دون أنفاس البليلْ

كيف عاد اليوم يزهو في شذاه؟ لستُ أدري

قمت أستكشف عنه سائلاً هذا وذاكْ

فرأيت الكلَّ مثلي في اضطرابٍ وارتباكْ

وإذا الآراء طرّاً في اصطدامٍ واصطكاكْ

وأخيراً عمّها العجز فقالت: لستُ أدري

وإذا نبّهني عاطفة الحبِّ الدفينْ

وتظنَّنت وظنُّ الألمعي عين اليقينْ

إنّه ميلاد مولانا أمير المؤمنينْ

فدع الجاهل والقول: بأنِّي لستُ أدري

لم يكن في كعبة الرَّحمن مولودٌ سواهْ

إذ تعالى في البرايا عن مثيل في عُلاه

وتولّى ذكره في محكم الذكر الإلهْ

٣٦

أيقول الغرُّ فيه بعد هذا: لستُ أدري

أقبلتْ فاطمة حاملة خير جنينْ

جاءَ مخلوقاً بنور القدس لا الماء المهينْ

وتردّى منظر اللّاهوت بين العالمينْ

كيف قد أودع في جنبٍ وصدرٍ؟ لستُ أدري

أقبلت تدعو وقد جاء بها داءُ المخاضْ

نحو جذع النخل من ألطاف ذي اللطف المفاضْ

فدعت خالقها الباري بأحشاءٍ مراضْ

كيف ضجّت؟ كيف عجّت؟ كيف ناحت؟ لستُ أدري

لستُ أدري غير أنَّ البيت قد ردَّ الجوابْ

بابتسامٍ في جدار البيت أضحى منه بابْ

دخلت فانجاب فيه البشر عن محض اللبابْ

إنَّما أدري بهذا غير هذا لستُ أدري

كيف أدري وهو سرٌّ فيه قد حار العقولْ

حادثٌ في اليوم لكن لم يزل أصل الأُصولْ

مظهرٌ لله لكن لا اتّحاد لا حلولْ

غاية الإدارك أن أدري بأنّي لستُ أدري

وُلد الطّهر «عليٌّ» من تسامى في عُلاهْ؟

فاهتدى فيه فريقٌ وفريقٌ فيه تاهْ

ضلَّ أقوامٌ فظنّوا: إنَّه حقّاً إلهْ

أم جنون العشق هذا لا يجازى؟ لستُ أدري

ونظمها الشاعر المفلق الأستاذ المسيحي «بولس سلامة» في أوّل ملحمته العربيَّة «عيد الغدير» فقال في ص ٥٦:

سمع الليل في الظلام المديد

همسة مثل أنَّه المفقودِ

من خفيِّ الآلام والكبت فيها

ومن البشر والرَّجاء السعيدِ

٣٧

حرَّة لزّها المخاض فلاذت

بستار البيت العتيق الوطيدِ

كعبة الله في الشدائد تُرجى

فهي جسر العبيد للمعبودِ

لا نساءٌ ولا قوابل حفَّت

بابنة المجد والعُلى والجودِ

يذر الفقر أشرف الناس فرداً

والغنيُّ الخليج غير فريدِ

أينما سار واكبته جباهٌ

وظهورٌ مخلوقةٌ للسّجودِ

* * *

صبرت فاطم على الضيم حتّى

لهث الليل لهثة المكدودِ

وإذا نجمةٌ من الأُفق خفَّت

تطعن الليل بالشعاع الجديدِ

وتدانت من الحطيم وقرَّت

وتدلّت تدلّيَ العنقودِ

تسكب الضوء في الأثير دفيقا

فعلى الأرض وابلٌ من سعودِ

واستفاق الحمام يسجع سجعاً

فتهشُّ الأركان للتغريدِ

بسم المسجد الحرام حبوراً

وتنادت حجاره للنَّشيدِ

كان فجران ذلك اليوم فجرٌ

لنهارٍ وآخرٌ للوليدِ

هالت الأُمّ صرخةٌ جال فيها

بعض شئ من همهمات الأُسودِ

دعت الشبل حيدراً وتمنَّت

وأكبَّت على الرَّجاء المديدِ

- أسداً - سمّت ابنها كأبيها

لبدة الجدّ اُهديت للحفيدِ

بل - عليّاً - ندعوه قال أبوه

فاستقزَّ السّماء للتأكيدِ

ذلك اسمٌ تناقلته الفيافي

ورواه الجلمود للجلمودِ

يهرم الدَّهر وهو كالصّبح باقٍ

كلُّ يومٍ يأتي بفجرٍ جديدِ

﴿الشاعر﴾

السيّد عبد العزيز بن محمّد بن الحسن بن أبي نصر الحسيني السّريجي الأوالي. ترجمة العلّامة السّماوي في [الطليعة من شعراء الشيعة] فقال: كان فاضلاً أديباً جامعاً، وشاعراً ظريفاً بارعاً، توفّي في البصرة سنة ٧٥٠ تقريباً.

٣٨

القرن الثامن

٦٨

صفي الدين الحلي

المولود: ٦٧٧

المتوفى: ٧٥٢

خمدت لفضل ولادك النيرانُ

وانشقَّ من فرحٍ بك الايوانُ

وتزلزل النادي وأوجس خيفةً

من هول رؤياه أنو شروانُ

فتأوَّل الرؤيا سطيح(١) وبشّرت

بظهورك الرّهبان والكهّانُ

وعليك رميّا وشعيا أثنيا

وهما وحزقيلٌ لفضلك دانوا(٢)

بفضائل شهدت بهنَّ الصحف والـ

ـتوراة والإنجيل والفرقانُ

فوضعت لله المهيمن ساجداً

واستبشرت بظهورك الأكوانُ

متكمِّلاً لم تنقطع لك سرَّةٌ

شرفاً ولم يطلق عليك ختانُ(٣)

فرأت قصور الشام آمنةٌ وقد

وضعتك لا تخفى لها أركانُ(٤)

وأتت حليمة وهي تنظر في ابنها(٥)

سرّاً تحار لوصفه الأذهانُ

____________________

١ - توجد قصة الرؤيا وتأويل سطيح إيّاها في كتب السير النبويّة ودلائلها ومعاجم التاريخ، وسطيح هو ربيع بن ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذئب بن عدي بن مازن غسان.

٢ - أرميا بن حلقيا من سبط لاوي بن يعقوب من أنبياء بني إسرائيل، شعيا بن امصيا ممّن بشر بالنبي الأعظم من أنبياء بني إسرائيل، حزقيل بن بوذي ابن العجوز، الذي دعا الله فأحيا الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله: موتورا.

٣ - أشار إلى ما أخرجه الحفاظ البيهقي والحاكم وابن عساكر وغيرهم من أنه صلّى الله عليه وآله ولد مختوناً مسروراً.

٤ - يوجد حديث رؤية آمنة أم النبي الأعظم قصور النام حين وضعته صلّى الله عليه وآله في تاريخ ابن كثير ٢ ص ٢٦٤.

٥ - حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية مرضعة رسول الله أقام صلّى الله عليه وآله عندها نحواً من أربع سنين «إمتاع الأسماع ص ٢٧».

٣٩

وغدا ابن ذي يزن ببعثك مؤمناً(١)

سرّاً ليشهد جدّك الديّانُ

شرح الإله الصَّدر منك لأربع(٢)

فرأى الملائك حولك الأخوانُ

وحييت في خمس بظلّ غمامة

لك في الهواجر جرمها صيوانُ

ومررت في سبع بدير فانحنى

منه الجدار وأسلم المطرانُ

وكذاك في خمس وعشرين انثنى

نسطور منك وقلبه ملآنُ

حتّى كملت الأربعين وأشرقت

شمس النبوَّة وانجلى التبيانُ

فرمت رجوم النيِّرات رجيمها

وتساقطت من خوفك الأوثانُ

والأرض فاحت بالسَّلام عليك

والأشجارُ والأحجارُ والكثبانُ

وأتت مفاتيح الكنوز بأسرها

فنهاك عنها الزهد والعرفانُ

ونظرت خلفك كالإمام بخاتمٍ

أضحى لديه الشكّ وهو عيانُ

وغدت لك الأرض البسيطة مسجداً

فالكلُّ منها للصَّلاة مكانُ

ونصرت بالرّعب الشَّديد على العدى

ولك الملائك في الوغى أعوانُ

وسعى إليك فتى(٣) سلامٍ مسلماً

طوعاً وجاء مسلِّماً سلمانُ

وغدت تكلِّمك الأباعر والظبى

والضبُّ والثعبانُ والسرحانُ

والجزع حنَّ إلى علاك مسلِّماً

وببطن كفّك سبَّح الصوَّانُ(٤)

وهوى إليك العذق ثمَّ رددته

في نخلة تزهى به وتزانُ

والدوحتان وقد دعوت فاقبلا

حتّى تلاقت منهما الأغصانُ

وشكا إليك الجيش من ظمأ به

فتفجّرت بالماء منك بنانُ

ورددت عين قتادةِ من بعد ما

ذهبت فلم ينظر بها إنسانُ

وحكى ذراع الشاة مودع سمِّه

حتّى كأنَّ العضو منه لسانُ

____________________

١ - سيف بن ذي يزن الحميري له بشارة بالنبي الأعظم أخرج حديثها الحافظ أبو بكر الخرائطي في كتابه «هواتف الجان» وحكى عنه جمع من الحفاظ والمؤرخين في تآليفهم.

٢ - في هذا البيت وما يليه من الأبيات إشارة إلى قضايا من دلائل النبوة توجد جمعاء في كتب الدلائل والسيرة النبوية ومعاجم التاريخ.

٣ - هو عبد الله بن سلام يوجد حديث إسلامه في سيرة ابن هشام ٢ ص ١٣٨.

٤ - الصوّان جمع الصوانة: حجر شديد يقدح به.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

الآيات

( وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٢٣) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (٢٤) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (٢٥) )

التّفسير

منطق الجبناء المغرورين :

تحدّثت الآيات السابقة عن التوحيد ومعرفة الله وأسباب عظمته في عالم الخليقة ، أمّا الآيات ـ موضوع البحث والآيات المقبلة ـ فقد تناولت نفس الموضوع على لسان كبار الأنبياء ومن خلال تاريخ حياتهم.

حيث بدأت بأوّل الأنبياء أولي العزم والمنادي بالتوحيد «نوح»عليه‌السلام ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ ) و( أَفَلا تَتَّقُونَ ) أي مع هذا البيان الواضح كيف لا تجتنبون عبادة الأوثان؟

أمّا الأشراف الأثرياء والمغرورون والملأ من الناس ، وهم اللذين يملأون

٤٤١

العين في ظاهرهم ، والفارغون في واقعهم من قوم نوحعليه‌السلام ( فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ ) .

وبهذا اعتبروا أوّل عيب له كونه إنسانا فاتّهموه بالسلطوية ، وحديثه عن الله والتوحيد والدين والعقيدة مؤامرة لتحقيق أهدافه ، ثمّ أضافوا( وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ) ولإتمام هذا الاستدلال الخاوي قالوا :( ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ ) .

إلّا أنّ هذا الكلام الفارغ لم يؤثرّ في معنويات هذا النّبي الكبير ، حيث واصل دعوته إلى الله ، ولم يكن في عمله دليل على رغبته في الحصول على امتياز على الآخرين ، أو أن يتسلّط عليهم ، لهذا لجأوا إلى توجيه تهمة أخرى إليه ، هي الجنون الذي كان يتّهم به جميع أنبياء الله عبر التاريخ ، حيث قالوا :

( إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ ) .

واستخدم المشركون تعبير( بِهِ جِنَّةٌ ) ضدّ هذا النّبي المرسل أي به (نوع من أنواع الجنون) ليغطّوا على حقيقة واضحة ، فكلام نوحعليه‌السلام خير دليل على رجحان علمه وعقله ، وكانوا يبغون ـ في الحقيقة ـ أن يقولوا : كلّ هذه الأمور صحيحة ، إلّا أنّ الجنون فنون له صورا متباينة قد يقترن أحدها بالعقل!!

أمّا عبارة( فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ ) فقد تكون إشارة إلى انتظار موت نوحعليه‌السلام من قبل المخالفين الذين ترقّبوا موته لحظة بعد أخرى ليريحوا أنفسهم ، ويمكن أن تعني تأكيدا منهم لجنونه ، فقالوا : انتظروا حتّى يشفى من هذا المرض(١) .

وعلى كلّ حال فإنّ المخالفين وجّهوا إلى نوحعليه‌السلام ثلاثة اتّهامات واهية متناقضة ، واعتبروا كلّ واحد منها دليلا ينفي رسالته :

الأوّل : إنّ ادّعاء البشر بأنّهم رسل الله ادّعاء كاذب ، حيث لم يحدث مثل هذا في السابق ، ولو شاء الله ذلك لبعث ملائكته رسلا إلى الناس!

__________________

(١) كما قال البعض : إنّ هذه العبارة تشير إلى قولهم : ارموه في السجن زمنا وقال آخرون : إنّهم قصدوا أن يتركوه لحاله الآن. إلّا أنّ هذين التّفسيرين لا يبدوان صحيحين.

٤٤٢

والثّاني : إنّه رجل سلطوي ، وكلامه ادّعاء لتحقيق هدفه!

والثّالث : إنّه لا يملك عقلا سليما ، وكلّ ما يقوله هو كلام عابر!

وبما أنّ جواب هذه الاتّهامات الواهية أمر واضح جدّا ، وقد جاء في آيات قرآنية أخرى ، لهذا لم يتطرّق إلى ردّها في هذه الآيات. لأنّه من المؤكّد ـ من جهة ـ أن يكون قائد الناس أحدهم ومن جنسهم ، ليكون على علم بمشاكلهم ويحسّ بآلامهم ، إضافة إلى ذلك فإنّ جميع الأنبياء كانوا من البشر. ومن جهة أخرى يتّضح لنا خلال تصفّح تأريخ الأنبياء واستعراض حياتهم ، أنّ قضيّة الاخوّة والتواضع ، تنفي أيّة صفة سلطوية عنهم ، كما ثبت رجحان عقلهم وتدبيرهم حتّى عند أعدائهم ، حيث نجدهم يعترفون بذلك خلال أقوالهم.

* * *

٤٤٣

الآيات

( قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (٢٦) فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٢٧) فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٨) وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٢٩) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (٣٠) )

التّفسير

خاتمة حياة قوم معاندين :

أطّلعنا من الآيات السابقة على التهم التي وجّهها أعداء نوحعليه‌السلام إليه. إلّا أنّه يستدلّ من آيات قرآنية أخرى ـ بشكل واضح ـ أن أذى القوم المعاندين لنوحعليه‌السلام لم يتحدّد بهذه الأمور ، بل شمل كلّ وسيلة يمكن بها إيذاؤه ، في حين بذل ـ سلام الله عليه ـ جميع ما في وسعه في سبيل هدايتهم وإنقاذهم من براثن الشرك والكفر.

٤٤٤

وعند ما يئس منهم حيث لم يؤمن بما جاء به إلّا مجموعة صغيرة ، دعا الله ليعينه ، حيث نقرأ في الآية الأولى( قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ ) (١) .

هنا نزل الوحي الإلهي ، من أجل التمهيد لإنقاذ نوحعليه‌السلام وأصحابه القلّة وهلاك المشركين المعاندين( فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا ) .

إنّ عبارة «بأعيننا» إشارة إلى أنّ سعيك في هذا السبيل سيكون تحت حمايتنا ، فاعمل باطمئنان وراحة بال ولا تخف من أي شيء.

واستعمال عبارة «وحينا» يكشف لنا أنّ نوحاعليه‌السلام تعلّم صنع السفينة بالوحي الإلهي ، لأنّ التأريخ لم يذكر أنّ الإنسان استطاع صنع مثل هذه الوسيلة حتّى ذلك الوقت. ولهذا السبب صنع نوحعليه‌السلام السفينة بشكل يناسب غايته في صنعها ، ولتكون في غاية الكمال!

ثمّ تواصل الآية بأنّه إذا جاء أمر الله ، وعلامة ذلك فوران الماء في التنور ، فاعلم أنّه قد اقترب وقت الطوفان ، فاختر من كلّ نوع من الحيوانات زوجا (ذكر وأنثى) واصعد به إلى السفينة :( فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ ) إشارة إلى زوج نوحعليه‌السلام وأحد أبنائه ، ثمّ أضافت الآية :

( وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ ) وهذا التحذير جاء حتّى لا يقع نوحعليه‌السلام تحت تأثير العاطفة الإنسانية ، عاطفة الابوّة ، أو عاطفته نحو زوجته ليشفع لهما ، في وقت افتقدا فيه لحقّ الشفاعة.

وتقول الآية التالية :( فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) .

وبعد الحمد والثناء عليه تعالى على هذه النعمة العظيمة ، نعمة النجاة من مخالب الظلمة ، ادعوه هكذا( وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ ) .

__________________

(١) الباء في «بما كذّبون» ربّما كانت سببيّة أو للمقابلة. وأمّا «ما» فيمكن أن تكون مصدرية أو موصولة ، ويختلف معنى كلّ منهما. إلّا أنّ هذا الاختلاف ليس مهمّا (فتأمّلوا جيدا).

٤٤٥

كلمة «منزل» ربّما كانت اسم مكان ، أي : بعد الطوفان ندعو الله لينزلنا في أرض ذات خيرات واسعة ، لنحيا فيها بسعادة وهدوء.

كما يمكن أن تكون مصدرا ميميّا أي : أنزلنا بشكل لائق ، لأنّ هناك أخطارا تهدّد ركّاب هذه السفينة بعد رسوها في ختام الطوفان ، كعدم مكان للسكن ، أو النقص في الغذاء ، أو التعرّض للأمراض ، لهذا دعا نوحعليه‌السلام ربّه لينزله منزلا مباركا.

وقد أشارت الآية الأخيرة ـ من الآيات موضع البحث ـ إلى مجمل هذه القصّة فقالت :( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ ) ففي هذه الحوادث التي جرت على نوحعليه‌السلام وانتصاره على أعدائه الظالمين ، ونزول أشدّ أنواع العقاب عليهم ـ آيات ودلائل لأصحاب العقول السليمة.

( وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ) أي إنّنا نمتحن الجميع بشكل قاطع. وقد تكون هذه الجملة إشارة إلى إمتحان الله لقوم نوح مرارا ، وعند ما أخفقوا في الامتحان أهلكهم إلّا المؤمنين.

كما قد تكون إشارة إلى امتحان الله لجميع البشر في كلّ زمان ومكان ، وما جاء في هذه الآيات لم يكن خاصّا بالناس في زمن نوحعليه‌السلام ، بل يشمل الناس في جميع الدهور. فيهلك من كان عائقا في طريق تكامل البشرية وليواصل الأخيار سيرهم الطبيعي.

واكتفت الآيات هنا بقضيّة بناء السفينة ودخول نوحعليه‌السلام وأصحابه إليها ، إلّا أنّها لم تشر إلى مصير المذنبين ، ولم تتحدّث عنهم بالتفصيل ، وإنّما اكتفت بالقول بأنّهم لقوا ما وعدهم الله( إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ ) لأنّ هذا الوعد مؤكّد لا يقبل النقض.

ولا بدّ من القول بأنّ هناك حديثا واسعا عن قوم نوح وموقفهم إزاء هذا النّبي الكبير ، ومصيرهم المؤلم ، وقصّة السفينة ، وفوران الماء من التنور ، وحدوث الطوفان ، وغرق ابن نوحعليه‌السلام . وقد بيّنا قسما كبيرا منه في تفسير سورة هود ، وسنذكر قسما آخر في تفسير سورة نوح إن شاء الله.

* * *

٤٤٦

الآيات

( ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (٣١) فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٣٢) وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (٣٣) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (٣٤) أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (٣٥) هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ (٣٦) إِنْ هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (٣٧) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (٣٨) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (٣٩) قالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ (٤٠) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤١) )

٤٤٧

التّفسير

المصير المؤلم لقوم ثمود :

تحدّثت هذه الآيات عن أقوام آخرين جاؤوا بعد قوم نوحعليه‌السلام . ومنطقهم يتناغم ومنطق الكفّار السابقين ، كما شرحت مصيرهم الأليم ، فأكملت بذلك ما بحثته الآيات السابقة.

فهي تقول أوّلا :( ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ ) .

«القرن» مشتقّ من الاقتران ، بمعنى القرب ، لهذا يطلق على الجماعة التي تعيش في عصر واحد ، كما تطلق هذه الكلمة على عصر هؤلاء ، وقياس زمن القرن بثلاثين أو مائة سنة يتّبع ما تعارفته الأقوام المختلفة.

وبما أنّ البشر لا يمكن أن يعيشوا دون قائد ربّاني ، فقد بعث الله أنبياءه يدعون إلى توحيده ويقيمون عدالته بين الناس ، حيث تقول الآية التالية :( فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ ) .

وهذه هي الركيزة الأساسيّة لدعوة الأنبياء ، إنّها نداء التوحيد ، اسّ جميع الإصلاحات الفردية والاجتماعية ، وبعدها أكّد رسل الله لهم القول : إنّكم وبعد هذه الدعوة الصريحة ألا تتركون الشرك وعبادة الأوثان :( أَفَلا تَتَّقُونَ ) .

أمّا أيّ قوم كان هؤلاء؟ ومن هو نبيّهم؟

قال المفسّرون بعد دراسة الآيات المشابهة لهذه الآية : هناك احتمالان :

الأوّل : أنّهم قوم ثمود الذين عاشوا شمال الحجاز ، وبعث الله النّبي «صالح»عليه‌السلام لهدايتهم ، إلّا أنّهم كفروا وطغوا فأهلكهم الله بالصيحة السماوية (الصاعقة القاتلة) وشاهد هذا التّفسير ودليله هو الصيحة التي ذكرت في ختام الآيات موضع البحث ، والتي جاءت في سورة هود الآية (٦٧) حيث خصّت قوم صالحعليه‌السلام .

والاحتمال الثّاني : خصها بقوم «عاد» الذين كان نبيّهم «هود»عليه‌السلام ، وقد

٤٤٨

ذكرتهم آيات قرآنية مباشرة بعد سرد قصّة نوحعليه‌السلام ، وهذا دليل على صحّة هذا التّفسير(١) ، إلّا أنّ عقاب قوم عاد كما جاء في الآيتين السادسة والسابعة من سورة «الحاقة» ، كان ريحا شديدا استمرّ سبعة أيّام فدمّرهم عن بكرة أبيهم ، إذن فالتّفسير الأوّل هو الأصحّ.

ولننظر الآن ماذا كان ردّ فعل هؤلاء القوم المعاندين إزاء التوحيد الذي أعلنه هذا النّبي الكبير؟

يقول القرآن في الآية التالية :( وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ) .

أجل إنّ القوم الذين عاشوا في رفاه مطلق دعاهم القرآن باسم الملأ (ترى ظاهرهم يملأ العين ، إلّا أنّ باطنهم خاو من النور).

وبما أنّهم كانوا يرون في دعوة نبي الله خلافا لأهوائهم ومنافسة لمصالحهم العدوانية وتسلّطهم الذي لا مبرّر له ، وقد أترفوا فبعدوا عن ذكر الله ، وأنكروا الآخرة ، فجادلوا نبيّهم بنفس منطق المعاندين من قوم نوح ، فقد رأوا في بشرية القادة الربانيّين وتناولهم الطعام كباقي الناس دليلا على بطلان نبوّة هؤلاء ، في حين أنّ هذا الأمر بحدّ ذاته مؤيّد على كون هؤلاء الرجال العظام حملة رسالة من الله إلى الناس ، ولأنّهم نهضوا من بين جماهير الناس بعد أن شعروا بآلامهم وعملوا بما يحتاجونه بشكل جيّد.

ثمّ قال بعضهم للبعض الآخر :( وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ ) .

هؤلاء الحمقى لم يلتفتوا إلى هذه الحقيقة ، وهي أنّهم يريدون من الناس بهذه الوساوس الشيطانية أن ينقادوا له في محاربة الأنبياء ، في الوقت الذي يعيبون فيه

__________________

(١) يراجع في ذلك سورة هود الآية (٥٠) وسورة الأعراف الآية (٦٥) وسورة الشعراء الآية (١٢٣)

٤٤٩

على الذين يتّبعون من كان يستمدّ العون من مركز الوحي وقد مليء قلبه نورا وعلما إلهيّا. ويرون في هذا العمل تقييد لحريّة الإنسان.

ومن ثمّ أنكروا المعاد ، الذي كان دوما سدّا منيعا لاتّباع الشهوات وأرباب اللّذّات ، وقالوا :( أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ ) لتعيشون حياة جديدة( هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ ) فقد تسائل الكفّار : هل يمكن البعث والناس قد أصبحوا ترابا وتبعثرت ذرّاتهم هنا وهناك؟ إنّ ذلك مستحيل!!

وبهذا الكلام ازدادوا إصرارا على إنكار المعاد قائلين : إنّنا نشاهد باستمرار موت مجموعة وولادة مجموعة أخرى لتحلّ محلّهم ، ولا حياة بعد الموت( إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ) .

وأخيرا لخصّوا التهم التي وجّهوها إلى نبيّهم فقالوا :( إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ ) فلا رسالة إلهيّة ، ولا بعث ، ولا برنامج سماوي ، وعليه لا يتسنّى لعاقل الإيمان به.

وعند ما طغى عناد الكفّار ، وزالت آخر قطرة من الحياء منهم ، فتجاسروا على الله ، وأنكروا رسالته إليهم ، وأنكروا معاجز أنبيائه بكلّ صلافة ، وقد أتمّ الله حجّته عليهم ، عندها توجّه هذا النّبي الكبير إلى الله سبحانه وتعالى و( قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ ) ربّاه: انصرني فقد هتكوا الحرمات ، واتّهموني بما شاؤوا وكذّبوا دعوتي.

فأجابه اللهعزوجل كما ذكرت الآية( قالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ ) ألا إنّهم سيندمون يوم لا ينفع الندم.

وهكذا جرى( فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِ ) حيث نزلت عليهم صاعقة الموت برعبها الهائل ودمارها الماحق ، وقلبت مساكنهم ونثرتها حطاما ، وكانت سريعة خاطفة إلى درجة لم تسمح لهم بالفرار ، فدفنوا في منازلهم كما بيّنت الآية

٤٥٠

الكريمة( فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً ) أي جعلناهم كهشيم النبات يحمله السيل( فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) .

تعليقات :

١ ـ الحياة المترفة وأثرها المشؤوم

بيّنت الآيات السابقة العلاقة بين «الترف» (حياة الأشراف المنّعمين) وبين «الكفر وإنكار لقاء الله» وهذه هي الحقيقة بعينها. فالذين يعيشون مترفين يطلقون العنان لشهواتهم الحيوانية. فمن الواضح أنّهم لا يقبلون برقابة إلهيّة ، ولا يعترفون بيوم البعث حيث تنتظرهم محكمة العدل الإلهي ، والإقرار بذلك يؤنّب ضمائرهم ويثير الناس عليهم ، لهذا فانّ هؤلاء الأشخاص لا يقرّون بالعبودية لله ، وينكرون المبدأ والمعاد ، ويرون الحياة كما ذكرت الآيات السابقة( إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ) .

هذا هو شعارهم المعبّر عن فتنتهم وضلالهم الصارخ : فلنغتنم هذه الفرصة فلا خبر جاء ولا وحي نزل ، ومن يدّعي ذلك فهو كاذب! وعصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة هكذا كانوا يبرّرون إنكارهم ليوم البعث.

إضافة إلى ذلك فتحقيق مثل هذه الحياة المترفة لا تتمّ بدأ إلّا بسلب حقوق الآخرين وظلمهم ، وهذا لا يكون إلّا بإنكار رسالة الأنبياء والقيامة ولهذا نرى الذين عاشوا في بذخ مترف يحتقرون كلّ القيم السماوية وينكرون كلّ شيء إلهي.

هؤلاء الحمقى أصبحوا أسرى لأهوائهم النفسيّة ، فخرجوا عن طاعة الله وأصبحوا عبيدا لأهوائهم وشهواتهم ، بل أصبحوا عبيدا لعبيد آخرين ، بنفسيّة وضيعة ، وقلوب سوداء قاتمة ، ومستقبل موحش ، على الرغم من أنّ البعض يتصوّر أنّهم متنّعمون وسيبقون كذلك ، غير أنّ القلق الذي يسيطر عليهم من عقاب الله وزوال نعمته والخوف من الموت لا يدع لهم راحة.

٤٥١

٢ ـ «التراب» و «العظام»

يتفسّخ جسم الإنسان بعد موته حتّى يتحوّل إلى تراب ، إلّا أنّ الآية السابقة قدّمت التراب على العظام ، لماذا؟

قد يكون ذلك إشارة إلى القسمين المهمّين من مكوّنات الجسم (اللحم والعظم) فاللحم يتفسّخ أوّلا ويصبح ترابا ، وتبقى العظام لسنين عديدة ثمّ تبلى أخيرا وتصبح ترابا أيضا.

وربّما كان التراب هنا إشارة إلى الأجداد القدماء جدّا الذين أصبحوا ترابا ، والعظام إشارة إلى الآباء الذين تفسّخت أجسامهم ، وبقيت العظام لم تتحوّل إلى تراب(١) .

٣ ـ ما معنى الغثاء؟

اطّلعنا على مصير قوم ثمود وهو ـ كما ذكرته الآيات السابقة ـ أنّهم قد أصبحوا «غثاء». والغثاء ، يعني النباتات الجافّة المتراكمة ، والطافية على مياه السيول ، كما يطلق الغثاء على الزبد المتراكم على ماء القدر حين الغليان ، وتشبيه الأجسام الميتة بالغثاء دليل على منتهى ضعفها وانكسارها وتفاهتها ، لأنّ هشيم النبات فوق مياه السيل تافه لا قيمة له ، ولا أثر له بعد انتهاء السيل (وقد شرحنا بإسهاب الصيحة السماوية في تفسير الآية ٦٧ من سورة هود) هذا ولم يكن هذا العقاب خاصّا ـ فقط ـ بقوم ثمود ، حيث هناك أقوام أخرى أهلكت به. وقد تمّ شرحه في حينه.

__________________

(١) تفسير روح المعاني حول الآيات موضع البحث.

٤٥٢

٤ ـ مصير عام

وممّا يلفت النظر أنّ آخر عبارة في الآيات ـ موضع البحث ـ أخرجت القضيّة من إطارها وجعلتها قانونا عامّا ، حيث تقول :( فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) وهذا استنتاج نهائي من كلّ هذه الآيات ، فما قيل بصدد إنكار وتكذيب الآيات الإلهيّة والمعاد والعاقبة المؤلمة والنهاية السيّئة لا تختّص بجماعة معيّنة ، بل تشمل جميع الظلمة عبر التاريخ.

* * *

٤٥٣

الآيات

( ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ (٤٢) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٤٣) ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (٤٤) )

التّفسير

هلاك الأقوام المعاندين الواحد بعد الآخر :

بعد أن تحدّث القرآن عن قصّة قوم نوح ، أشار إلى أقوام أخرى جاءت بعدهم ، وقبل النّبي موسىعليه‌السلام حيث يقول :( ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ ) لأنّ هذا أمر الله وسنّته في خلقه ، فالفيض الإلهي لا ينقطع عن عباده فلو سعى جماعة للوقوف في وجه مسيرة التكامل الإنساني للبشرية لمحقهم ودفع هذه المسيرة إلى أمام.

ولهذه الأقوام تأريخ معيّن وأجل محدود( ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ ) فلو صدر الأمر الحتمي بنهاية حياتهم فسيهلكوا فورا ، دون تأخير لحظة أو تقديم لحظة.

٤٥٤

«الأجل» بمعنى العمر ومدّة الشيء ، كأن نقول : أجل هذا الصكّ ثلاثة أشهر ، أي أنّ مدّته تنتهي بعد ثلاثة أشهر ، أو إلى أجل مسمّى أي إلى تاريخ محدّد.

وكما قلنا سابقا فالأجل نوعان : «المحتّم» و «المشروط» ، فالأجل المحتّم انتهاء عمر الإنسان أو عمر قوم ما ، ولا تغيير فيه. أمّا الأجل المشروط فيمكن أن يتغيّر حسب تغيّر الظروف فيزداد أو ينقص ، وقد تحدّثنا عن ذلك سابقا بإسهاب(١) .

وعلى كلّ حال ، فإنّ الآية السابقة تشير إلى «الأجل المحتّم».

وتكشف الآية التالية حقيقة استمرار بعث الأنبياء عبر التاريخ بالدعوة إلى الله حيث تقول :( ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا ) .

كلمة «تترا» مشتقّة من «الوتر» بمعنى التعاقب ، و «تواتر الأخبار» تعني وصولها الواحد بعد الآخر ، ومن مجموعها يتيقّن الإنسان بصدقها ، وهذه الكلمة مشتقّة في الأصل من «الوتر» بمعنى حبل القوس حيث يتّصل الحبل بالقوس من جهتيه ويقع خلفه ليقرب رأس القوس (ومن حيث التركيب فإنّ كلمة «تترا» في الأصل «وترا» تبدّلت الواو فيه تاء).

وعلى كلّ حال فإنّ معلّمي السّماء ، كانوا يتعاقبون في إرشاد الناس ، إلّا أنّ الأقوام المعاندة كانوا يواصلون الكفر والإنكار ، فإنّه :( كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ ) .

وعند ما تجاوز هذا الكفر والتكذيب حدّه وتمّت الحجّة عليهم.( فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً ) .

أي أهلكنا الأمم المعاندة الواحدة بعد الاخرى ومحوناهم من الوجود.

وقد تمّ محوهم بحيث لم يبق منهم سوى أخبارهم يتداول الناس( وَجَعَلْناهُمْ

__________________

(١) للاستزادة يراجع تفسير الآية الثانية من سورة الأنعام.

٤٥٥

أَحادِيثَ ) . إشارة إلى أنّ كلّ أمّة تتعرّض للهلاك ، ويبقى منهم بعض الأفراد والآثار هنا وهناك ، وأحيانا لا يبقى منهم أي أثر. وهذه الأمم المعاندة والطاغية كانت ضمن المجموعة الثّانية(١) .

وتقول الآية في الختام ، كما ذكرت الآيات السابقة( فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ ) أجل ، إنّ هذا المصير نتيجة لعدم الإيمان بالله ، فكلّ مجموعة لا إيمان لها ، معاندة وظالمة ، تبتلى بهذا المصير ، فتمحق بشكل لا يبقى إلّا ذكرها في التاريخ وأحاديث الناس.

وهؤلاء لم يكونوا بعيدين عن رحمة الله في هذه الدنيا فحسب ، بل بعيدون عن هذه الرحمة في الآخرة أيضا ، لأنّ تعبير الآية جاء عامّا يشمل الجميع.

* * *

__________________

(١) «الأحاديث» جمع حديث ، وتفسيرها كما مرّ أعلاه ، إلّا أن البعض احتمل أن تكون جمع «أحدوثة» وتعني الأخبار المدهشة التي يتحدّث الناس عنها. (تفسير الفخر الرازي حول الآية موضع البحث).

٤٥٦

الآيات

( ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٤٥) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ (٤٦) فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ (٤٧) فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (٤٨) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٤٩) )

التّفسير

قيام موسى وهلاك الفراعنة :

كان الحديث حتّى الآن عن أقوام بعث الله لهم رسلا قبل موسىعليه‌السلام ، وهلكوا.

أمّا الآيات موضع البحث فقد تحدّثت باختصار جدّا عن انتفاضة موسى وهارون على الفراعنة ، ومصير هؤلاء القوم المستكبرين فقالت :( ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ ) .

وهناك تفاسير عديدة لما تقصده كلمة «الآيات» وعبارة( سُلْطانٍ مُبِينٍ ) وما الفرق بينهما؟

١ ـ قال بعض المفسّرين : إنّ «الآيات» تعني المعجزات التي أعطاها الله

٤٥٧

لموسى بن عمران (الآيات التسع). وتقصد عبارة «سلطان مبين» المنطق القوي والبرهان الدافع لموسىعليه‌السلام أمام الفراعنة.

٢ ـ التّفسير الثّاني أنّ «الآيات» تعني جميع معاجز موسىعليه‌السلام ، ويقصد بعبارة( سُلْطانٍ مُبِينٍ ) بعض معاجز موسى المهمّة كعصاه واليد البيضاء ، لأنّ لهما خصائص ساعدت موسى على الإنتصار على الفراعنة.

٣ ـ واحتمل البعض أنّ كلمة «الآيات» أشارت إلى آيات «التوراة» ، وبيان التعاليم وما شاكل ذلك ، وعبارة «سلطان مبين» إشارة إلى معجزات موسىعليه‌السلام .

إلّا أنّه لو لا حظنا استعمالات عبارة «سلطان مبين» في القرآن المجيد لوجدنا التّفسير الأوّل أقرب إلى الصواب ، لأنّ كلمة «سلطان» أو «سلطان مبين» وردت في القرآن بمعنى الدليل والمنطق الواضح(١) .

أجل بعثنا موسى وأخاه هارون بهذه الآيات وسلطان مبين( إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ ) . لماذا تتحدّث الآية فقط عن الملأ (المجتمع المترف المعاند أو ما يسمّى بطبقة الأشراف). ولم تقل أنّ رسالتهما إلى شعب مصر كلّه.

لعلّ ذلك إشارة إلى أنّ الفراعنة هم أساس الفساد ، وإن صلحوا فالباقون أمرهم سهل. إضافة إلى كونهم قادة البلد ، ولا يصلح أي بلد إلّا بصلاح قادته. إلّا أنّهم( فَاسْتَكْبَرُوا ) لأنّهم لم يرضوا لآيات الحقّ والسلطان المبين والفراعنة كانوا ـ أساسا ـ مستكبرين طاغين ، كما تقول الآية( وَكانُوا قَوْماً عالِينَ ) . والفرق بين العبارتين( فَاسْتَكْبَرُوا ) و( كانُوا قَوْماً عالِينَ ) أنّ العبارة الأولى قد تكون إشارة إلى استكبارهم عن دعوة موسىعليه‌السلام ، والعبارة الثّانية تشير إلى أنّ الاستكبار يشكل دوما برنامجهم وبناءهم الفكري والروحي.

ويحتمل أيضا أن تكون العبارة الأولى إشارة إلى تكبّر الفراعنة ، والثّانية إلى أنّهم كانوا يتمتّعون بقدرة متعالية وحياة متميّزة. وهذا سبب استكبارهم.

__________________

(١) نقرأ في سورة النمل الآية (٢١) :( لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ ) وفي الآية (٢٣) من سورة النجم نقرأ( إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ ) .

٤٥٨

ومن الدلائل الواضحة على إحساسهم بالاستعلاء ، قولهم :( فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ ) (١) فلم يكتفوا بالقول إنّنا لا ينبغي لنا اتّباع موسى وهارون ، بل لا بدّ أن يكون موسى وهارون عبدين دائمين لهم. فهؤلاء الذين اتّهموا الأنبياءعليهم‌السلام بالتسلّط في وقت هم أسوأ من كلّ متسلّط ، وكلامهم يشهد على ذلك.

وعلى كلّ حال فقد تصدّوا لموسى وأخيه هارون بهذه الأدلّة الخاوية ، مخالفة منهم للحقّ( فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ ) .

وهكذا انتهى أعداء بني إسرائيل الذين كانوا سدّا مانعا لدعوة موسى وهارون إلى الله سبحانه.

وبدأت بعدها مرحلة تعليم وتربية بني إسرائيل ، فأنزل الله في هذه المرحلة «التوراة» على موسى ، الذي دعا بني إسرائيل للاهتداء بهذا الكتاب وتطبيقه على ما ذكرته الآية الأخيرة هنا( وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ) .

والآيات السابقة تحدّثت في مرحلة موسى وهارون عن الفراعنة مستعملة الضمير المثنّى ، وهنا تكلّمت عن نزول الكتاب السماوي (التوراة) فخصّصت الحديث بموسىعليه‌السلام . لأنّه النّبي المرسل وصاحب الكتاب والشريعة. إضافة إلى أنّ (موسى) كان يتعبّد في جبل الطور حين نزول التوراة ، بينما كان هارون بين جموع بني إسرائيل(٢) .

* * *

__________________

(١) يطلق على الإنسان «البشر» ، لأنّ بشرته وجلده عارية. خلافا لما عليه الحيوانات من لباس طبيعي خاص بكلّ نوع منهما. وذلك لعدم قدرتها على إعداد وسائل الحياة فمنح الله ذلك لها بشكل طبيعي. أمّا بالنسبة للإنسان فقد أوكل ذلك إلى ذكائه وعقله.

(٢) بحثنا بالتفصيل حول موسى عليه‌السلام وكيفية مبعثه وجهاده مع الفراعنة في تفسير الآيات (١٠٣) إلى (١٦٢) من سورة الأعراف وفي تفسير الآيات (٨) إلى (٩٧) من سورة طه.

٤٥٩

الآيات

( وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ (٥٠) )

التّفسير

آية أخرى من آيات الله :

أشارت الآية في آخر مرحلة من شرحها لحياة الأنبياء إلى السيّد المسيحعليه‌السلام وأمّه مريم ، فقالت :( وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً ) . وقد استعملت «الآية» عبارة «ابن مريم» بدلا من ذكر اسم عيسىعليه‌السلام ، لجلب الانتباه إلى حقيقة ولادته من أمّ دون أب بأمر من الله ، وهذه الولادة هي بذاتها من آيات الله الكبيرة.

وحمل مريمعليهما‌السلام من غير أن يمسّها بشر ، وانجابها عيسىعليه‌السلام وجهان لحقيقة واحدة تشهد بعظمة الله سبحانه المبدعة وقدرته.

ثمّ أشارت الآية إلى الأنعم الكبيرة التي أسبغها الله على هذه الامّ الزكيّة وابنها فتقول :( وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ ) .

«الربوة» مشتقّة من «الربا» بمعنى الزيادة والنمو. وتعني هنا المكان المرتفع.

و «المعين» مشتقّ من «المعن» على وزن «شأن» بمعنى جريان الماء ، فالماء

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550