الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٠

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 550

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 550 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 215949 / تحميل: 6700
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٠

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

فهرست

الجزء الخامس من أحكام القرآن للجصاص

صفحة

صفحة

2

سورة النحل.

38

باب الجهرة بالقراءة فى الصلاة والدعا

4

باب السكر.

39

سورة الكهف

6

قوله تعالى : ضرب الله مثلا عبداً مملوكا الآية.

41

باب الاستثناء فى اليمين.

11

فى الوفا بالعهد.

44

فى الكنز ما هو.

12

باب الإستعاذة.

44

ومن سورة مريم

13

قوله تعالى: من كفر بالله من بعد إيمانه.

49

ومن سورة طه

17

سورة بنى اسرائيل.

53

سورة الأنبياء

19

باب بر الولدين.

55

سوؤة الحج

21

قوله تعالى: ولا تبذر تبزيراً

60

باب البيع أراضى مكة وإجارة بيوتها

23

قوله تعالى: ولا تقتلوا أولادكم الآية

65

باب الحج ما شيأ

٣٨١

24

قوله تعالى: ولا تقربوا الزنا الآية

66

باب التجارة فى الحج

27

قوله تعالى : وأفوا الكيل وإذا كلتم

66

باب الأيام المعلومات

28

قوله تعالى : ولا تقف ما لبس لك به علم الآية.

69

فى التسمية على الذبيحة.

30

قوله تعالى: واستفزز من اسطعت منهم بصوتك الآيه.

69

باب فى أكل لحوم الهديا.

31

قوله تعالى: أقم الصلاة لدلوك الشمس

74

باب الطواف الزيارة

33

قوله تعالى: ويسألونك عن الروح.

77

باب الشهادة الزور.

35

باب السجود على وجه.

78

باب فى ركوب البدنة.

36

باب ما يقال فى السجود.

79

باب محل الهدى

37

باب البكاء فى الصلاة

91

ومن سورة المؤمنين

94

ومن سورة النور

100

باب صفة الضرب فى الزنا.

101

باب ما يضرب من أعضا المحدود

٣٨٢

صفحة

صفحة

104

فى اقامة الحدود فى المسجد.

180

باب المكابة

104

فى الذى يعمل عمل قوم لوط.

184

باب الكتابة الحالة.

105

فى الذى يأتى البهيمة.

185

باب الكتابة من غير ذكر الحربة

106

باب التزويج الزانيه.

185

باب المكاتبة متى يعتق.

110

باب حد القذف.

189

باب لزوم الأجابة لمن دعى إلى الحاكم

115

باب الشهادة القذف.

191

باب استئذان المماليك والصبيان

130

فيمن يقيم الحد على معلومك.

196

فى اسم الصلاة العشاء.

133

باب اللعان.

120

ومن سورة الفرقان

137

باب القذف الذى يوجب اللعان

204

فصل وامالماء الذى خالطته نجاسة.

138

باب الكيفية اللعان.

209

فصل الماء المستعمل.

140

فى نفى الوالد.

214

ومن سورة الشعرا

142

باب الرجل يطلق أمراته طلاقا باثناً يقذفها.

215

ومن سورة القصص

٣٨٣

146

(فصل) اللعان لمن نفى نسب ولد زوجة

216

ومن سورة العنكبوت

147

أربعه شهدوا على أمراة بالزنا أحدهم الزوج فى أبا أحد الزوجين اللعان.

217

ومن سورة الروم

149

باب التصادق الزوجين إن الوالد ليس منه.

218

ومن سورة لقمان

150

باب الفرقة باللعان.

220

ومن سورة السجده

155

باب نكاح الملاعن للملاعنة.

221

ومن سورة الأحزاب

158

(فصل) قال ابوبكر إلخ.

228

فصل قال أبوبكر إلخ.

164

باب الإستئذان.

232

باب الطلاق قبل النكاح.

166

باب فى حد الإستئذان وكيفييتة.

236

باب ما أحل الله تعالى لرسوله من النساء.

169

باب الإستئذان على المحارم.

241

باب ذكر حجاب النساء.

171

ما يجب من غض البصر عن المحرمات

246

ومن سورة سبأ

177

باب الترغيب فى النكاح.

246

ومن سورة فاطر

٣٨٤

261

ومن سورة الزمر

248

ومن سورة يس

261

ومن سورة المؤمن

251

ومن سورة الصافات

261

ومن سورة حم سجده

253

ومن سورة ص

262

ومن سورة حمعسق

300

ومن سورة الحديد

263

ومن سورة الزخرف

301

ومن سوؤة المجادله

264

فصل فى أباخة لبس الحلى للنساء.

308

فى الظهار بغير الأم

266

ومن سورة الجاثية

310

فى ظهار المرأة من زوجها

267

ومن سورة الأحقاف

314

باب كيف يحيى أهل الكتاب

268

ومن سورة محمد صلى الله عليه وآله

316

ومن سورة الحشر

272

ومن سورة الفتح

325

ومن سورة الممتحنة

273

باب فى رمى حصون المشركين وفهيم أطفال المسلمين وأسرهم.

327

باب صلة الرحم

276

ومن سورة الحجرات

328

باب وقوع الفرقة باختلاف الدارين

278

باب الحكم خير الفاسق

331

فصل قول أبى حنيفة فى المهاجرة

279

باب قتال أهل البغى

333

ومن سورة الصف

282

باب ما يبدأ به أهل البغى

335

ومن سورة الجمعة

282

باب الأمر فيما يؤخذ من أموال اللغاة

337

فصل اتفق فقهاء الأمصار الخ

283

باب الحكم فى أسرى أهل البغى وجرحاهم

338

باب وجوب الخطبة الجمعة.

284

باب فى قضايا البغاة

342

باب السفر يوم الجمعة

292

ومن سورة ق

344

ومن سورة المنافقين

294

ومن سورة الذاريات

346

باب من فرط فى زكاة ماله.

296

ومن سورة الطور

346

ومن سورة الطلاق

297

ومن سورة النجم

350

باب الإشهاد على الرجعة أو الفرقة

٣٨٥

298

ومن سورة القمر

351

باب عدة الآيسة والصغيرة

299

ومن سورة الرحمن

354

باب عدة الحامل.

300

ومن سورة الواقعة

355

باب السكنى للمطلقة.

361

ومن سورة التحريم

365

ومن سورة نون

366

ومن سورة سأل سائ

366

ومن سورة المزمل

368

ومن سورة المدثر

٣٨٦

صفحة

صفحة

370

ومن سورة القيامة

373

ومن سورة ليلة القدر

370

ومن سورة الإنسان

374

ومن سورة لم يكن الذين كفروا

370

ومن سورة المرسلات

375

ومن سورة أرايت الذين يكذب بالدين

371

ومن سورة إذا السماء انشقت

375

ومن سورة الكوثر

372

ومن سورة سبح اسم ربك الأعلى

376

ومن سورة الكافرون

372

ومن سورة البلد

377

ومن سورة إذا جاء نصر الله وتبت

372

ومن سورة الضحى

378

ومن سورة الفلق

373

ومن سورة ألم نشرح

(تم الفهرست)

٣٨٧

الفهرس

سورة النحل 2

سورة بنى إسرائيل 17

سورة الكهف 39

سورة مريم 44

سورة طه49

سورة الأنبياء53

سورة الحج 55

سورة المؤمنين 91

سورة النور94

سورة الفرقان 201

سورة الشعراء214

. سورة القصص 215

سورة العنكبوت 216

سورة الروم217

سورة لقمان 218

سورة السجدة220

سورة الأحزاب 221

سورة سبأ246

سورة فاطر246

سورة يس 248

سورة والصافات 251

٣٨٨

سورة ص 253

سورة الزمر261

سورة المؤمن 261

سورة حم السجدة261

سورة حم عسق 262

سورة الزخرف 263

سورة الجاثية266

سورة الأحقاف 267

سورة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم 268

سورة الفتح 272

سورة الحجرات 276

سورة ق 292

سورة الذاريات 294

سورة الطور296

سورة النجم 297

سورة القمر298

سورة الرحمن 299

سورة الواقعة300

سورة الحديد 300

سورة المجادلة301

سورة الحشر316

سورة الممتحنة325

سورة الصف 333

سورة الجمعة335

٣٨٩

سورة المنافقين 344

سورة الطلاق 346

سورة التحريم 361

سورة نون 365

سورة سأل سائل 366

سورة المزمل 366

سورة المدثر368

سورة القيامة370

سورة الإنسان 370

سورة المرسلات 370

سورة إذا السماء انشقت 371

سورة سبح اسم ربك الأعلى 372

سورة البلد 372

سورة الضحى 372

سورة ألم نشرح 373

سورة ليلة القدر373

سورة لم يكن الذين كفروا374

سورة أرايت الذي يكذب بالدين 375

سورة الكوثر375

سورة الكافرون 376

سورة إذا جاء نصر الله 377

سورة تبت 377

سورة الفلق 378

فهرست 381

٣٩٠

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

المعين هو الماء الجاري. ويرى البعض أنّ «المعين» مشتق من «العين» أي نبع الماء الظاهر الذي يمكن مشاهدته بالعين المجرّدة(١) .

وفي هذا إشارة مجملة إلى المكان الآمن الوارف البركات والخيرات ، الذي منّ اللهعزوجل به على هذه الامّ وابنها وجعلهما في أمان من شرّ الأعداء ، يؤدّيان واجباتهما باطمئنان.

واختلف المفسّرون في هذا المكان ، فبعض يرى أنّ مولد السيّد المسيحعليه‌السلام كان في «الناصرة» (من مدن الشام). وقد جعله الله وأمّه في مكان آمن ذي خيرات ، وحافظ عليه من شرّ الأعداء الذين أرادوا أن يكيدوا بعد علمهم بولادته ومستقبله.

ويرى آخرون أنّ هذا المكان الآمن هو «مصر» ، لأنّ مريمعليها‌السلام وابنها السيّد المسيحعليه‌السلام عاشا فترة من حياتهما في مصر طلبا للنجاة من شرّ الأعداء.

وقال غيرهم : إنّ المسيحعليه‌السلام ولد في «دمشق» ، وذهب سواهم إلى أنّه في «الرملة» في الشمال الشرقي من القدس ، حيث عاش المسيح وامّهعليهما‌السلام في كلّ من هذه المناطق فترة من حياتهما. ويحتمل أن يكون مولد السيّد المسيحعليه‌السلام في صحراء القدس ، وقد جعله الله أمنا لهذه الامّ والوليد ، وفجرّ لهما ماء معينا ورزقهم من النخل الجافّ رطبا جليّا.

وعلى كلّ حال ، فقد كانت الآية دليلا على حماية الله تعالى الدائمة لرسله ولمن يدافع عنهم. وتأكيدا على أنّ إرادة الله هي الأقوى ، فلو أراد الملأ كلّهم قتل رسوله دون إذنه لما تمكّنوا. فالوحدة وقلّة الأنصار والأتباع لا تكون سببا لهزيمتهم إطلاقا.

* * *

__________________

(١) في الحالة الأولى تكون الميم جزءا من الكلمة ، وهي على وزن «فعيل» ، وفي الثّانية الميم زائدة وهي على وزن مفعول «مثل مبيع».

٤٦١

الآيات

( يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٥١) وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (٥٢) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٥٣) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (٥٤) )

التّفسير

جميع الامّة يد واحدة :

تحدّثت الآيات السابقة عن ماضي الأنبياء وأممهم ، أمّا هذه الآيات فخاطبت الجميع فقالت :( يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) .

الفرق بينكم أيّها الأنبياء وبين سواكم من البشر ، ليس في أنّكم لا تتّصفون بصفاتهم كالحاجة إلى الطعام والشراب والنوم والراحة ، وإنّما بسموّكم ، ففيما يتهافت الناس على إشباع شهواتهم بما طاب وخبث وقد جعلوا من الأكل هدفهم النهائي ، زكت أنفسكم ، واختارت الطّيبات وصالح الأعمال.

بين عبارتي( كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ ) و( اعْمَلُوا صالِحاً ) ارتباط واضح ، فلنوع

٤٦٢

الغذاء أثر في نفس الإنسان وعقله وسلوكه. وقد ذكرت الأحاديث الإسلامية أنّ تناول الغذاء الحرام يمنع استجابة الدعاء.

وروي عن الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله لرجل سأله عن استجابة دعائه «طهّر مأكلك ولا تدخل بطنك الحرام»(١) و(٢) .

وقوله تعالى :( إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) بنفسه دليل مستقبل على وجوب القيام بالعمل الصالح ، لأنّ الإنسان عند ما يعلم بأنّ الله يراقب أعماله ، ولا يخفى عليه شيء وسوف نحاسبه بدقّة على ذلك ، فلا شكّ في أنّ الالتفات إلى هذا الأمر يساعد في إصلاح عمله.

مضافا إلى أنّ تعابير الآية هذه تبعث في الإنسان الشعور بضرورة تقديم الشكر لله على ما أنعم عليه من الطيّبات ، وبذلك تؤثّر في عمله أيضا.

وبهذا بيّنت الآية ثلاثة مؤثّرات في العمل الصالح :

الأوّل : طيب الغذاء الذي يورث صفاء القلب ونقاوته.

والثّاني : شكر الله تعالى على ما أنعم به من رحمته.

الثّالث : الشعور اليقظ بمراقبة الله سبحانه للأعمال كلّها.

أمّا كلمة «الطيب» فهي كما قلنا تعني كلّ شيء نظيف وطاهر. وهي نقيض كلمة «الخبيث» قال الراغب الاصفهاني في مفرداته : الطيب يعني : كلّ ما يسرّ الإنسان حسيّا وروحيا ، أمّا من الناحية الشرعية فهو الحلال الطاهر.

والقرآن المجيد ذكر الطيب والطيبات في كثير من الموارد :

( يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ ) (٣) . ثمّ لا يقصر الأمر على الرسل ، بل :

__________________

(١) وسائل الشيعة ، المجلّد الرّابع ، الدعاء الباب (٦٧) الحديث (٤).

(٢) تناولنا شرح ذلك في تفسير الآية (١٨٦) من سورة البقرة.

(٣) المؤمنون ، ٥١.

٤٦٣

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ ) (١) بل إنّ ما يصل إلى مقام القرب هو الطيّب من الأعمال والأقوال :

( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) (٢) .

وأحد امتيازات الإنسان الكبيرة على سائر الموجودات أنّ الله تعالى رزقه من الطيّبات:( وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً ) (٣) .

كما جاء في حديث موجز ثر المعنى عن الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عرض لهذه الحقيقة «يا أيّها الناس ، إنّ الله طيّب لا يقبل إلّا طيّبا»(٤) .

ثمّ دعت الآية جميع الأنبياء وأتباعهم إلى توحيد الله والتزام تقواه( وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً ) فالاختلافات الموجودة بينكم ، وكذلك بين أنبيائكم ليست دليلا على التعدّدية إطلاقا.( وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ) .

فنحن بين يدي دعوة واعية إلى وحدة الجماعة والقضاء على ما يثير التفرقة ، ليعيش الناس أمّة واحدة ، كما أنّ الله ربّهم واحد أحد.

ولهذا يجب أن ينتهج الناس ما نهجه الأنبياءعليهم‌السلام إذ دعوا إلى اتّباع تعاليم موحدّة ، ذات أساس واحد في كلّ مكان «توحيد الله ومعرفة الحقّ ، الاهتمام بالمعاد والتكامل في الحياة ، والاستفادة من الطيّبات والقيام بالأعمال الصالحة.

والدفاع عن العدل والمبادئ الإنسانيّة».

ويرى بعض المفسّرين أنّ كلمة «أمّة» تعني هنا الدين والعقيدة. وليس المجتمع. إلّا أنّ ضمير الجمع في جملة( أَنَا رَبُّكُمْ ) دليل على أنّ (الامّة) تعني

__________________

(١) البقرة ، ١٧٢.

(٢) فاطر ، ١٠.

(٣) الإسراء ، ٧٠.

(٤) تفسير القرطبي ، المجلّد السابع ، صفحة ٤٥١٩ (حول الآية موضع البحث).

٤٦٤

الناس جميعا.

وقد وردت كلمة «الامّة» في القرآن المجيد بمعنى «الجماعة» غالبا ، وندر ورودها بمعنى «الدين» مثل( إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ ) (١) .

وممّا يلفت النظر أنّ هذا المعنى تضمّنته الآية ٩٢ من سورة الأنبياء مع فارق بسيط( إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ) . في وقت شرحت الآيات السابقة لهذه الآية حياة كثير من الأنبياء ، و «هذه» في الحقيقة إشارة إلى أمم الأنبياء السابقين ، الذين كانوا يشكّلون أمّة واحدة بحسب التعاليم الإلهيّة ، حيث تحرّكوا جميعا لتحقيق هدف واحد.

وقد حذّرت الآية التالية البشر من الفرقة والاختلاف ، بعد أن تمّت في الآية السابقة دعوتهم إلى التمسّك بالواحدة فقالت :( فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً ) وممّا يثير الدهشة أنّ( كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) .

«الزبر» جمع «زبرة» على وزن «لقمة» تعني بعض شعر الحيوان خلف رأسه.

يجمعه الراعي ليفصله عن باقي الشعر. ثمّ أطلقت هذه الكلمة على كلّ شيء ينفصل عن أصله ، فتقول الآية :( فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً ) . إشارة منها إلى تفرّق الامّة إلى مجموعات وفئات مختلفة.

واحتمل البعض الآخر أنّ الزبر جمع «زبور» بمعنى كتاب ، وتعني أنّ كلّ فئة منهم كانت تمسك بكتاب منزل وتنفي ما عداه من الكتب السماوية ، مع أنّ مصدرها واحد. ولكن عبارة( كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) تدعم التّفسير الأوّل ، فكلّ حزب يتحدّث بما تشتهي نفسه ، ويصرّ على رأيه.

تستعرض الآية حقيقة نفسيّة واجتماعية هي أنّ التعصّب الجاهلي للأحزاب

__________________

(١) الزخرف ، ٢٣.

٤٦٥

والفئات يمنع وصولها إلى الحقيقة! لأنّ كلّا منها قد اتّخذ سبيلا خاصّا به ، وأصبح في قوقعة لا تسمح لنور جديد بالدخول إلى قلبه ، ولا بنسيم معنوي يهبّ على روحه ليكشف لها حقيقة من الحقائق.

وهذه الحالة نتجت عن حبّ الذات المفرط والعناد ، وهما أكبر عدوّ للحقيقة ، ولوحدة الامّة. إنّ الاعتزاز بالنمط الذي تعيشه كلّ فئة واحتقار سواه يجعل الإنسان يصمّ أذنيه عن كلّ صوت يخالف ما اعتقده. ويغطّي رأسه بثوبه ، أو يلجأ إلى الفرار خوفا من تجلّي حقيقة على خلاف ما اعتاد عليه كما يذكر القرآن المجيد عن حال المشركون زمن نوحعليه‌السلام وعلى لسان هذا النّبي المرسل :( وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً ) (١) .

ولا يمكن للإنسان النجاة بنفسه والوصول إلى الحقّ إلّا بالتخلّص من هذه الحالة وإنهاء عناده.

ولهذا تقول الآية الأخيرة هنا :( فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ ) أي اتركهم على حالهم حتّى يأتي أجلهم ، أو يأتيهم الله بعذاب منه ، فليس لهم سوى هذا ، لأنّهم أصرّوا على البقاء في جهلهم ومتاهتهم.

وكلمة «حين» قد تكون إشارة إلى وقت الموت ، أو نزول العذاب ، أو كليهما.

وأمّا «الغمرة» على وزن «ضربة» فهي بالأصل من «غمر» أي إتلاف كلّ شيء. ثمّ أطلق غمر وغامر على الماء الكثير الذي يزيل كلّ شيء يواجهه ويواصل جريانه ، ثمّ أطلق على الجهل والبلايا التي يغرق فيها الإنسان. كما استعملته الآية السابقة بمعنى الغفلة والضياع والجهل والضلال.

* * *

__________________

(١) سورة نوح ، ٧.

٤٦٦

الآيات

( أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ (٥٦) إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (٥٨) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (٥٩) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (٦٠) أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ (٦١) )

التّفسير

المسارعون في الخيرات :

تعرّض ما سبق من الآيات المباركة للأحزاب والمجموعات المعاندة التي غلب عليها التعصّب وحبّ الذات ، وتمسّكوا بأفكارهم الضالّة وفرحوا بما لديهم.

بينما أشارت الآيات موضع البحث إلى بعض تصوراتهم الأنانيّة :( أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ ) هو من أجل أنّنا :( نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ ) .

فهل يتصوّرون أنّ أموالهم الوافرة وكثرة أولادهم دليل على أنّهم على حقّ ،

٤٦٧

ودليل على قرب منزلتهم من الله؟( بَلْ لا يَشْعُرُونَ ) أنّ كثرة أموالهم وأولادهم نوع من العذاب ، أو مقدّمة للعذاب ولعقاب الله ، إنّهم لا يدركون أنّ ما أغدق عليهم ربّهم من نعم إنّما هو من أجل أن يتورّطوا في العقاب الإلهي. ويمسي عقابهم أشدّ ألما ، لأنّ الإنسان إذا أغلقت دونه أبواب النعمة ثمّ حلّ به العذاب ، فقد لا يكون بتلك الدرجة موجعا ومؤلما أمّا الذين يعيشون في أوساط مرفّهة ثمّ يلقى بهم في دهاليز السجون والزنزانات المرعبة ، فسيكون ألم ذلك شديدا عليهم جدّا.

كما أنّ زيادة النعمة من شأنها أن تزيد حجب الغفلة والغرور عليهم فتمنعهم من العودة إلى طريق الصواب.

وهذا هو ما أشارت إليه معظم آيات القرآن في قضيّة (الاستدراج في النعم)(١) .

وكلمة «نمدّ» مشتقة من «الإمداد» وهو إتمام النقص والحيلولة دون القطع ، وإيصال الشيء إلى نهايته.

وبعد نفي تصورات هؤلاء الغافلين ، تستعرض هذه الآيات وضع المؤمنين والمسارعين في الخيرات ، وتبيّن صفاتهم الرئيسيّة ، فتقول :( إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ ) . والخشية لا تعني مطلقا الخوف ، بل تعني الخوف المقترن بالتعظيم والتقديس.

وكلمة «المشفق» مشتقّة من «الإشفاق» ومن أصل : الشفق ، أي : الضياء المخالط للظلمة ، وتعني الخوف الممزوج بالمحبّة والإجلال.

ولكون الخشية ذات جانب عاطفي ، والإشفاق ذا جانب عملي ، ذكرا معا إيضاحا للعلّة والمعلول في الآية. فهي تعني أنّ الخوف المخلوط بتعظيم الله قد استقرّ في قلوبهم ، وقد بدت علائمه في أعمالهم والتزامهم بالتعاليم الإلهيّة. أي أنّ

__________________

(١) للاطلاع بشكل أوسع على موضوع الاستدراج يراجع تفسير الآية ١٨٢ من سورة الأعراف.

٤٦٨

الإشفاق مرحلة تكاملية للخشية ، وهوما يؤثّر في عمل الإنسان فيجنّبه ارتكاب الذنوب ، ويدفعه إلى القيام بمسؤولياته.

ثمّ تضيف الآية( وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ ) .

وتأتي بعد مرحلة الإيمان بآيات الله ، مرحلة تنزيهه عن كلّ شبهة وشريك ، فتقول الآية :( وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ ) .

ونفي الشرك جاء نتيجة للإيمان بآيات الله تعالى ، وهو معلول الإيمان ، أي أنّ الإيمان بالله يشير إلى صفاته تعالى الثبوتية ، ونفي الشرك يشير إلى صفاته تعالى السلبية. وعلى كلّ حال فقد تضمّنت هذه العبارة نفي أنواع الشرك ، سواء كانت جليّة أم خفيّة.

بعد هذا تأتي مرحلة الإيمان بالمعاد والبعث ، والاهتمام الخاص الذي يوليه المؤمنون الحقيقيّون لهذه القضيّة ، التي تساعدهم عمليّا في السيطرة على أعمالهم وأقوالهم ، فتقول الآية :( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ ) .

إنّهم ليسوا كالشخص الكسول الدنيء الهمّة الذي يأتي بأقلّ الأعمال ثمّ يتصوّر انّه من المقرّبين عند الله. ويتملّكه العجب والغرور بحيث يرى الآخرين صغار وحقراء ، بل إنّ هؤلاء لا يطمئنّون ولا يبتهجون بأكبر عمل مهما زكا وسما ، بل وينجزون الأعمال الصالحة التي تعادل عبادة الثقلين. ومع كلّ هذا يقولون : آه من قلّة الزاد وبعد السفر!

وبعد شرح الآيات السابقة لهذه الصفات الأربعة تقول الآية :( أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ ) والأعمال الحسنة ، والسعادة الحقيقيّة ليست كما يتصوّرها المترفون الغافلون المغرورون بالحياة الدنيا. إنّما هي في إنجاز الأعمال الصالحة قربة إلى الله كما يفعل المؤمنون الصادقون ، المتّصفون بالخصائص الإيمانيّة والأخلاقية السالفة الذكر الذين يسارعون في الخيرات.

٤٦٩

وقد رسمت الآيات السابقة صورة واضحة لصفات هذه القدوة من المؤمنين ، فبدأت أوّلا بالخوف الممتزج بتعظيم الله ، وهو الدافع إلى الإيمان به ونفي الشرك عنه. وانتهت بالإيمان بالمعاد حيث محكمة العدل الإلهي ، الذي يشكّل الشعور بالمسؤولية. ويدفع الإنسان إلى كلّ عمل طيّب. فهي تبيّن أربع خصال للمؤمنين ونتيجة واحدة. (فتأمّلوا جيدا).

قوله «يسارعون» من باب «مفاعلة» وتعني «التسابق» ، وهو تعبير جميل يصوّر حال المؤمنين وهم يتسابقون إلى هدف كبير سام. كما يبيّن تنافسهم في إنجاز الأعمال الصالحة دون ملل وكلل.

* * *

٤٧٠

الآيات

( وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٦٢) بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ (٦٣) حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ (٦٤) لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ (٦٥) قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ (٦٦) )

( مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ (٦٧) )

التّفسير

قلوب في الجهل مغمورة! :

بما أنّ خصال المؤمنين هي سبب القيام بالأعمال الخيّرة التي أشارت إليها الآيات السابقة ، فهنا يثار هذا التساؤل بأنّ هذه الخصال والقيام بهذه الأعمال لا تتيسّر لكلّ أحد.

فتجيب أوّل آية ـ من الآيات موضع البحث ـ عن ذلك فتقول :( وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ) وكلّ إنسان يكلّف حسب عقله وطاقته.

٤٧١

وهذه إشارة إلى أنّ الواجبات الشرعيّة هي في حدود طاقة الإنسان. وأنّها تسقط عنه إذا تجاوزت هذه الحدود ، وكما يقول علماء أصول الفقه : إنّ هذه القاعدة حاكمة على جميع الواجبات الشرعيّة ومقدّمة عليها.

وقد يسأل : كيف يحاسب كلّ البشر على أعمالهم كلّها صغيرها وكبيرها؟

فتجيب الآية( وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) فهناك صحيفة أعمال الإنسان المحفوظة لدى الله العلي القدير. وهي تنطق بالحقّ عمّا اقترفه الإنسان من ذنوب ، فلا يمكنه إنكارها(١) .

وربّما كان القصد من الكتاب الذي لدى الله هو اللوح المحفوظ. ولفظ «لدينا» يؤكّد هذا التّفسير.

والخلاصة أنّ الآية المذكورة آنفا تؤكّد حفظ الأعمال على أهلها من خير أو شرّ ، فهي مسجّلة بدقّة ، والإيمان بهذه الحقيقة يشجّع الصالحين على القيام بأعمال الخير ، واجتناب الأعمال السيّئة.

وتعبير( يَنْطِقُ بِالْحَقِ ) الذي وصف صحيفة أعمال البشر تشبه القول : إنّ الرسالة الفلانية ذات تعبير واضح ، أي : لا يحتاج إلى شرح. وكأنّها ناطقة بذاتها ، فهي تجلّي الحقيقة.

وعبارة( وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) تبيّن أنّه لا ظلم ولا جور ولا غفلة يوم الحساب ، فكلّ شيء في سجلّ معلوم.

ولكون هذه الحقائق مؤثّرة في الواعين من الناس فحسب ، أضافت الآية التالية بأنّ هؤلاء الكفّار المعاندين غارقون في دوّامة الجهل والغفلة لدرجة أنّهم غافلون عمّا ينتظرهم من الوعيد :( بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا ) (٢) .

__________________

(١) لقد شرحنا بإسهاب صحيفة أعمال الإنسان وحقيقتها في التّفسير الأمثل حين تفسير الآية (١٣) من سورة الإسراء وكذلك حين تفسير الآية (٤٩) من سورة الكهف.

(٢) يمكن أن تكون كلمة «هذا» إشارة إلى صحيفة الأعمال ويوم الحساب ، أو القرآن المجيد ، أو أعمال الصالحين التي أشارت

٤٧٢

وهذا الانغمار في الجهل لا يسمح بمعرفة هذه الحقائق ، ويمنع الضالّين من العودة إلى أنفسهم وإلى الله تعالى.

وتضيف هذه الآية( وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ ) ، وقد أورد المفسّرون تفاسير لقوله سبحانه :( وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ ) فبعضهم قال : إنّها تعني الأعمال السيّئة التي يقترفها الناس عن جهالة (فعلى هذا تكون «ذلك» إشارة إلى جهلهم) ، والأعمال هي الذنوب التي يرتكبها الإنسان عن غير علم ووعي وقال آخرون : إنّ المراد هو أنّهم إضافة إلى كفرهم ارتكبوا أنواعا من الأعمال السيّئة.

واحتمل آخرون اختلاف برنامج الكفرة عن برنامج المؤمنين اختلافا كبيرا.

ونحن نرى عدم اختلاف هذه التفاسير فيما بينها في نهاية الأمر ، ويمكن الجمع بينها ، المهمّ هو الانتباه إلى أنّ مصدر الأعمال الشريرة يكمن في انغمار القلوب في الجهالة.

ولكن هؤلاء المترفين يبقون في هذه الغفلة ما داموا في نعيمهم ، فإذا جاءهم العذاب فهم يصرخون كالوحوش من شدّة العذاب الإلهي ، كما تقول الآية :( حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ ) .

فيخاطبون( لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ ) .

أمّا لماذا ورد ذكر «المترفين» هنا فحسب مع أنّ المذنبين لا يختصّون بهم؟

السبب هو إمّا لكونهم قادة للضالّين ، أو لأنّ عذابهم شديد جدّا.

ثمّ إنّ هذا العذاب يحتمل أن يكون دنيويّا أو اخرويّا أو كليهما. حيث يصيبهم العذاب في هذه الدنيا أو في الآخرة فيرتفع صراخهم ، ويستغيثون فلا يغاثون.

وتكشف الآية التالية عن سبب هذا المصير المشؤوم( قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى

__________________

الآيات السابقة إليها.

٤٧٣

عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ ) بدلا من الاستفادة منها والانتباه للواقع.

كلمة «تنكصون» مشتقّة من النكوص ، بمعنى السير بشكل معاكس.

و «أعقاب» جمع «عقب» على وزن «فعل» وتعني عقب القدم.

وهذه الجملة كناية عن شخص يسمع كلاما غير مرغوب فيه ، فيرتعب لدرجة يسير فيها القهقرى على عقبي قدميه.

ثمّ إنّه لا يرجع إلى الوراء لمجرد سماعه آيات الله ، وإنّما يصبح ممّن وصفتهم الآية( مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ ) (١) .

وإضافة إلى ذلك( سامِراً تَهْجُرُونَ ) أي يتسامرون في لياليهم ويتحدّثون عن النّبي والقرآن بالباطل.

وكلمة «سامرا» مشتقّة من «سمر» على وزن «نصر» بمعنى التحدّث ليلا.

وقال البعض : إنّها تعني ظلّ القمر في الليل حيث يختلط السواد مع البياض فيه ، وبما أنّ المشركين من العرب كانوا يتسامرون حول الكعبة في الليالي المقمرة ، وجلّ حديثهم يتناول النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالباطل ، فوردت هذه الكلمة لهذا الغرض. ويقال «سمراء» لمن اختلط بياضها بشيء من السواد.

و( تَهْجُرُونَ ) مشتقة من «هجر» وتعني بالأصل الابتعاد والانفصال ، وقد وردت بمعنى الهذيان الصادر من المريض. لأنّ كلامه في تلك الحالة غير سليم.

ويبعث على النفور. كما أنّ الهجر (على وزن كفر) يعني السباب ، وهو أيضا يبعث على الابتعاد والقطيعة.

وقد جاءت كلمة «تهجرون» في الآية بالمعنى الأخير. فتقول : إنّ المشركين

__________________

(١) هناك اختلاف بين المفسّرين في من يعود إليه الضمير في (به). فذهب بعض أنّه يعود إلى المسجد الحرام والحرم المكّي ، لأنّ سدنة الكعبة استكبروا لاعتبارهم أنفسهم أصحاب الحرم المكّي ، وهذا الاحتمال ضعيف لأنّ الآيات السابقة لم تتناول الكعبة والحرم. ويبدو أنّ هذا الضمير يعود إلى القرآن المجيد والنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيكون معنى الآية : إنّكم استكبرتم إزاء القرآن ونبي الإسلام. أو أنّها تشير إلى سيرهم المعاكس ، فهم استكبروا ولم يهتموا به.

٤٧٤

من العرب كانوا يتسامرون حتّى ساعات متأخّرة من الليل ، وهم يهذون ويكيلون السباب والشتائم كالمرضى.

وهذا الأسلوب أسلوب الجبناء وضعاف النفوس ، الذين يلجأون إلى ظلمة الليل ، ليكيلوا السباب ، حيث يفتقدون المنطق السليم الذي يمكنهم من التحدّث برجولة في وضح النهار. إنّهم اختاروا ظلام الليل بعيدين عن أنظار الناس ، ليصلوا إلى أهدافهم المشئومة ، فلجأوا إلى السباب والباطل من أجل التنفيس عن أحقادهم الجاهلية. يقول القرآن الكريم : إنّ سبب تعاستكم وما ستنالون من عذاب الله الأليم هو أنّكم استكبرتم عن قبول الحقّ. ولم ترضخوا بتواضع لآيات الله. كما لم يكن تعاملكم مع النّبي بشكل منطقي صحيح. ولولا ذلك لاهتديتم إلى طريق الحقّ والسعادة.

* * *

٤٧٥

الآيات

( أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (٦٨) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٦٩) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (٧٠) وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (٧١) أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٧٢) وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٣) وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ (٧٤) )

التّفسير

أعذار المنكرين المختلفة :

تحدّثت الآيات السابقة عن إعراض الكفّار واستكبارهم إزاء الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وتناولت هذه الآيات أعذارهم في هذا المجال والرّد عليهم ، وشرحت الدوافع الحقيقيّة لإعراض المشركين عن القرآن والرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،

٤٧٦

ويمكن تلخيصها في خمس مراحل :

الأول :( أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ ) .

فأوّل سبب لتعاستهم هو تعطيل التفكّر في مضمون دعوة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولو تفكّروا مليّا لما بقيت مشكلة لديهم.

وفي المرحلة الثّانية تقول الآية :( أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ ) . سألت الآية مستنكرة : أكانت الدعوة إلى التوحيد والمعاد ، والهدى إلى الأعمال الصالحة مختصّة بهم دون آبائهم الأوّلين ، ليحتجّوا بأنّها بدعوة ، ويقولوا : لماذا لم يبعثه الله للأوّلين ، وهو لطيف بعباده؟

ليس لهم ذلك ، لأنّ الإسلام من حيث المبادئ له مضمون سائر الرسالات التي حملها الأنبياءعليهم‌السلام فهذا التبرير غير منطقي ولا معنى له!

وفي المرحلة الثّالثة تقول الآية :( أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ) .

أي إذا كانت هذه الدعوة صادرة من شخص مجهول ومشكوك ، فيحتمل أن يقولوا بأنّ كلامه حقّ ، إلّا أنّ هذا الرجل مشكوك وغير معروف لدينا ، نخدع بكلامه. ولكنّهم يعرفون ماضيك جيدا ، وكانوا يدعونك محمّدا الأمين ، ويعترفون بعقلك وعلمك وأمانك ، ويعرفون جيدا والديك وقبيلتك ، فلا حجّة لهم!

وفي المرحلة الرّابعة تقول الآية :( أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ ) أي انّه مجنون ، فبعد اعترافهم بأنّك لست مجهولا بالنسبة لهم ، إلّا أنّهم يشكّكون في سلامة عقلك وينسبونك إلى الجنون ، لأنّ ما تدعو إليه لا ينسجم مع عقائدهم ، فلذلك اتّخذوا هذا دليلا على جنونك.

يقول القرآن المجيد لنفي هذه الحجّة :( بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِ ) وكلامه شاهد على هذه الحقيقة ، ويضيف( وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ ) .

أجل ، إنّ كلمات الرّسول راشدة حكيمة ، إلّا أنّهم ينكرونها لعدم انسجامها مع أهوائهم النفسيّة. فألصقوا به تهمة الجنون! في الوقت الذي لا ضرورة في توافق

٤٧٧

الحقّ مع رغبات الناس( وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَ ) .

لأنّه لا يوجد مقياس يحدّد أهواء الناس ، مضافا إلى أنّها تميل إلى الشرّ والفساد غالبا ، ولو اتّبعتها قوانين الوجود لعمّت الفوضى في الكون ولفسد العالم.

وتأكيدا لذلك تقول الآية :( بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ ) (١) أي منحناهم القرآن الذي هو أساس للذكر والتوجّه إلى الله ، وسبب لرفعتهم وشرفهم ، إلّا أنّهم أعرضوا عن هذا المنار الذي يضيء لهم درب السعادة والشرف.

وفي المرحلة الخامسة تقول الآية : هل أنّ عذرهم في فرارهم من الحقّ هو أنّك تريد منهم أجرا على دعوتك :( أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) (٢) .

فلو طلب قائد ديني أجرا من الناس مقابل وعظهم ودعوتهم إلى الحقّ لأعطى المتعذّرين ذريعة للإعراض عنه والطعن عليه ، فيعرضون عنه بحجّة عدم قدرتهم المالية ، ويتّهمونه بأنّه ما دعاهم إلّا ابتغاء منافع خاصّة به.

مضافا إلى أنّ البشر ما يملك من شيء ليمنحه؟ أليس الله سبحانه وتعالى رزّاق العباد؟

والقرآن الكريم بإيضاحه هذه المراحل الخمس برهن على أنّ هؤلاء الحمقى (المشركين) لا يرضخون للحقّ ، وأنّ أعذارهم في إنكار الحقّ أعذار واهية.

وجاءت الآية التالية باستنتاج عام لكلّ ما مضى :( وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) صراط مستقيم دلائله واضحة واستقامته معلومة ، فالطريق

__________________

(١) يمكن أن تفسّر عبارة «ذكرهم» بمعنى تذكّرهم وتوقظهم ، ويمكن أن تفسر بمعنى شرفهم وحيثيّتهم في المجتمع البشري ، وفي الوقت ذاته لا تناقض بين هذين المفهومين ، وقد استفدنا من كليهما في تفسير الآية.

(٢) الخرج والخراج مشتق من الخروج ، ويعني الشيء الذي يستخرج من المال أو من حاصل الأرض الزراعية. إلّا أنّ الخرج ذو معنى أوسع من الخراج. وكما يقول الراغب الاصفهاني في مفرداته : الخرج أعمّ من الخراج ، وجعل الخرج بإزاء الدخل ، وقال تعالى :( فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً ) والخرج مختّص في الغالب بالضريبة على الأرض أو أجرتها.

٤٧٨

المستقيم أقصر الطرق بين نقطتين ، وهو طريق واحد ، والطريق الملتوية على يساره ويمينه غير متناهية.

ورغم أنّ الرّوايات الإسلامية تفسّر الصراط المستقيم بولاية عليعليه‌السلام (١) إلّا أنّها تكشف ـ كما قلنا مرارا ـ عن المصداق الأكمل لذلك ، ولا تتنافى مع المصاديق الاخرى كالقرآن والإيمان بالمبدأ والمعاد والتقوى والجهاد والعدل.

وتستعرض الآية التالية النتيجة الطبيعيّة لهذا الموضوع ، فتقول :( وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ ) .

كلمة «ناكب» مشتقّة من «النكب» و «النكوب» أي الانحراف عن الطريق. و «نكبت الدنيا» تقع في مقابل إقبال الدنيا ، وتعني إدبار الدنيا وإعراضها عن المرء.

ومن الواضح أنّ الصراط يقصد به هنا ما في الآية السابقة ، وبديهي أنّ الذي ينحرف عنه في الآخرة فمكانه النّار وبئس المصير ، لأنّ المرء يثاب في الآخرة على أعماله في هذه الدنيا.

وعدم إيمان المرء بالآخرة مرتبط بانحرافه عن طريق الحقّ الناجم عن عدم شعوره بالمسؤولية ، فقد روي عن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام : «إنّ الله جعلنا أبوابه وصراطه وسبيله والوجه الذي يؤتى منه ، فمن عدل عن ولايتنا أو فضل علينا غيرنا فإنّهم عن الصراط لناكبون»(٢) .

* * *

بحوث

١ ـ التمسّك بالحقّ أو بالأهواء النفسيّة

أشارت الآيات السابقة ـ بشكل عابر ـ إلى التناقض بين التمسّك بالحقّ وبين الأهواء النفسيّة ، وهي إشارة ذات مدلول كبير ، حيث تقول :( وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، المجلد الثالث صفحة ٥٤٨.

(٢) أصول الكافي (وفق ما نقله تفسير نور الثقلين ، المجلد الثالث ، صفحة ٥٤٩).

٤٧٩

أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَ ) . وتفسير هذه المسألة ليس صعبا للأسباب الآتية :

الف ـ لا شكّ في أنّ أهواء الناس متفاوتة ، وقد ينقض بعضها بعضا ، حتّى بالنسبة لشخص واحد فقد تتناقض أهواؤه.

ولو استسلم الحقّ لهذه الأهواء لنتج عن ذلك الفساد وعمّت الفوضى. لماذا؟

لأنّ كلّ فرد له صنم ومعبود ، فلو حكمت هذه الآلهة الكثيرة والمتضادّة هذا العالم المترامي الأطراف ، لظهر الفساد وتعمّ الفوضى من جرّاء ذلك ، وهذا لا يخفى على أحد.

ب ـ إنّ أهواء الناس مع قطع النظر عن تناقضها ، فهي تميل نحو الفساد والشرّ ولو سادت الوجود والمجتمع البشري ، فالنتيجة لا تكون سوى الفساد والشرّ.

ج ـ إنّ الميول والأهواء ذات بعد واحد ، ولا تنظر إلى الأمور إلّا من زاوية واحدة وتغفل عن بقيّة الأبعاد ، ومن المعلوم أنّ أحد العوامل المهمّة في الفساد والخراب هو المنهج ذو البعد الواحد الذي يغفل عن الأبعاد الاخرى.

والآية محلّ البحث تشبه من بعض جوانبها ما ورد في الآية الثّانية والعشرين من سورة الأنبياء( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا ) .

وبديهي أنّ الحقّ كالصراط المستقيم واحد لا نظير له ، بينما الأهواء النفسية متعدّدة كأوثان المشركين. فأيّما نتّبع الحقّ أم الهوى؟ أنتّبع الهوى الذي هو مصدر الفساد في السّماء والأرض وفي جميع الموجودات ، أم الحقّ الذي هو رمز الواحدة ، والتوحيد والنظام والانسجام؟

الجواب في غاية الوضوح والإشراق.

٢ ـ صفات القائد

أوضحت الآيات السابقة عددا من صفات القادة إلى طريق الحقّ ، فهم

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550