الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١١

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل0%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 504

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

مؤلف: آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
تصنيف:

الصفحات: 504
المشاهدات: 170009
تحميل: 6042


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 504 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 170009 / تحميل: 6042
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء 11

مؤلف:
العربية

الآيات

( هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ (223) وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ (226) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227) )

التّفسير

النّبي ليس شاعرا :

هذه الآيات ـ محل البحث ـ هي آخر الآيات من سورة الشعراء ، تعود ثانية لتردّ على الاتهام السابق ـ من قبل الأعداء ـ بأن القرآن من إلقاء الشياطين ، تردهم ببيان أخاذ بليغ مفحم ، فتقول :( هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ) أي الكاذب المذنب ، حيث يلقون إليهم ما يسمعونه مع اضافة

٤٨١

أكاذيب كثيرة عليه( يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ ) .(1)

وملخص الكلام أن ما تلقيه الشياطين له علائم واضحة ، ويمكن معرفته بعلائمه أيضا. فالشيطان موجود موذ ومخرب ، وما يلقيه يجري في مسير الفساد والتخريب ، وأتباعه هم الكذابون المجرمون ، وليس شيء من هذه الأمور ينطبق على القرآن ، ولا على مبلّغه ، وليس فيها أي شبه بهما.

والناس في ذلك العصر ـ وذلك المحيط ـ كانوا يعرفون النّبي محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأسلوبه وطريقته ، في صدقه وأمانته وصلاحه في جميع المجالات ومحتوى القرآن ليس فيه سوى العدل والحق والإصلاح ، فكيف يمكن أن تتهموه بأنّه من إلقاء الشياطين؟!

والمراد من (الأفاك الأثيم) هو الكاهن المرتبط بالشياطين فتارة يقوم الشياطين باستراق السمع لأحاديث الملائكة ، ثمّ بعد مزجه بأباطيل كثيرة ينقلونه الى الكهنة. وهم بدورهم يضيفون عليه عشرات الأكاذيب وينقلونها إلى الناس

وبعد نزول الوحي خاصّة ، ومنع الشياطين من الصعود إلى السماء واستراق السمع. كان ما يلقيه الشياطين إلى الكهنة خفنة من الأكاذيب والأراجيف

فمع هذه الحال كيف يمكن أن يقاس محتوى القرآن بما تلقيه الشياطين

وأن يقاس النّبي الصادق الأمين بحفنة من الكهنة الأفاكين الكاذبين!

وهناك تفاسير مختلفة لجملة( يُلْقُونَ السَّمْعَ ) :

فمنها : أن الضمير في (يلقون) عائد على الشياطين و «السمع» المراد منه المسموعات ، أي أن الشياطين يلقون مسموعاتهم إلى أوليائهم وأكثرهم كاذبون «ويضيفون على ما يلقيه الشياطين أكاذيب كثيرة!»

__________________

(1) «أفّاك» من : «الإفك». والإفك هو الكذب الكبير. فمعنى الأفلاك من يكذب كثيرا أكاذيب كبيرة و «أثيم» من مادة «إثم» على وزن (اسم) ومعناه في الأصل : العمل الذي يؤخر صاحبه عن الثواب ، ويطلق عادة على الذنب ، فالأثيم هو المذنب

٤٨٢

ومنها : إن الضمير في الفعل يعود على الأفاكين ، إذ أنّهم كانوا يلقون ـ ما يسمعون من الشياطين ـ إلى عامّة الناس ، إلّا أن التّفسير الأوّل أصح ظاهرا(1) !

وفي الآية الرّابعة ـ من الآيات محل البحث ـ يردّ القرآن على اتهام آخر كان الكفار يرمون به النّبي فيدعونه شاعرا ، كما في الآية (5) من سورة الأنبياء( بَلْ هُوَ شاعِرٌ ) وربما دعوه بالشاعر المجنون ، كما جاء في الآية (36) من سورة الصافات( وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ ) .

فالقرآن يردهم هنا ببيان بليغ منطقي ، بأن منهج النّبي يختلف عن منهج الشعراء. فالشعراء يتحركون في عالم من الخيال ، وهو يتحرك على أرض الواقع والواقعيات ، لتنظيم العالم الإنساني

والشعراء يبحثون عن العيش واللذة والغزل (كما هي الحال بالنسبة لشعراء ذلك العصر في الحجاز خاصّة حيث يظهر ذلك من أشعارهم بوضوح).

ولذا فإن أتباعهم هم الضالون :( وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ ) .

ثمّ يضيف القرآن على الجملة آنفة الذكر معقّبا( أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ ) .(2) فهم غارقون في أخيلتهم وتشبيهاتهم الشعرية ، حتى أن القوافي تجرهم إلى هذا الاتجاه أو ذاك ، ويهيمون معها في كل واد

وهم غالبا ليسوا أصحاب منطق واستدلال ، وأشعارهم تنبع ممّا تهيج به عواطفهم وقرائحهم وهذه العواطف تسوقهم في كل آن من واد لآخر!

فحين يرضون عن أحد يمدحونه ويرفعونه إلى أوج السماء ، وإن كان حقه أن

__________________

(1) لأن (يلقون) في مثل هذه الموارد معناها نقل الأخبار والمطالب ، كما جاء في الآية (53) من سورة الحج( لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ) وجملة( أَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ ) تتناسب مع الشياطين ، لأن الأفّاكين كلهم كاذبون لا أكثرهم (فلاحظوا بدقة).

(2) «يهيمون» فعل مضارع من «الهيام» ، ومعناه المشي بلا هدف

٤٨٣

يكون في أسفل السافلين ، ويلبسونه ثوب الملاك الجميل وإن كان شيطانا لعينا

ومتى سخطوا على أحد هجوه هجوا مرا وأنزلوه في شعرهم الى أسفل السافلين ، وإن كان موجودا سماويّا.

ترى هل يشبه محتوى القرآن الدقيق المنطلقات الشعرية أو الفكرية للشعراء وخاصّة شعراء ذلك العصر ، الذين لم تكن منطلقاتهم إلّا وصف الخمر والجمال والعشق والمدح لقبائلهم وهجو أعدائهم

ثمّ إن الشعراء عادة هم رجال حطابة وجماهير لا أبطال قتال ، وكذلك أصحاب أقوال لا أعمال ، لذلك فإنّ الآية التالية تضيف فتقول عنهم :( وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ ) .

غير أن النّبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجل عمل من قرنه إلى قدمه ، وقد اعترف بعزمه الراسخ واستقامته العجيبة حتى أعداؤه ، فأين الشاعر من النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!

وممّا تقدم من الأوصاف التي ذكرها القرآن عن الشعراء ، يمكن أن يقال بأن القرآن وصفهم بثلاث علامات :

الأولى : أنّهم يتبعهم الغاوون الضالون ، ويفرّون من الواقع ، ويلجئون إلى الخيال.

والثّانية : أنّهم رجال لا هدف لهم ، ومتقلّبون فكريّا ، وواقعون تحت تأثير العواطف!

والثّالثة : أنّهم يقولون ما لا يفعلون وحتى في المجال الواقعي لا يطبقون كلامهم على أنفسهم

إلّا أنه لا شيء من هذه الأوصاف يصدق على النّبي ، فهو في الطرف المقابل لها تماما!

ولمّا كان بين الشعراء أناس مخلصون هادفون وأهل أعمال لا أقوال ، ودعاة نحو الحق والصدق «وإن كان مثل هؤلاء الشعراء قليلا يومئذ». فالقرآن من أجل

٤٨٤

ألّا يضيع حق هؤلاء الشعراء المؤمنين المخلصين الصادقين ، استثناهم عن بقية الشعراء ، فقال عنهم :( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) .

هؤلاء المستثنون من الشعراء لم يكن هدفهم الشعر فحسب ، بل يهدفون في شعرهم أهدافا الهية وانسانية ، ولا يغرقون في الأشعار فيغفلون عن ذكر الله ، بل كما يقول القرآن :( وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً ) .

وأشعارهم تذكر الناس بالله أيضا وإذا ما ظلموا كان شعرهم انتصارا للحق( وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا ) .

فإذا هجوا جماعة هجوهم من أجل الحق ودفاعا عن الحق الذي يهجوه أولئك فيذبون عنه

وهكذا فقد بيّن القرآن أربع صفات للشعراء الهادفين ، وهي الإيمان ، والعمل الصالح ، وذكر الله كثيرا ، والإنتصار للحق من بعد ما ظلموا ، مستعينين بشعرهم في الذب عنه

وحيث أن معظم آيات هذه السورة هو للتسلية عن قلب النّبي ، والتسرية عنه ، وعن المؤمنين القلّة في ذلك اليوم في قبال كثرة الأعداء ، وحيث أن كثيرا من آيات هذه السورة في مقام الدفاع عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضد التهم الموجهة إليه من قبل أعدائه ، وغير اللائقة به ـ فإن السورة تختتم بجملة ذات معنى غزير ، وفيها تهديد لأولئك الأعداء الألدّاء ، إذ تقول :( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) .

وبالرغم من أن بعض المفسّرين أرادوا أن يحصروا هذا الانقلاب والعاقبة المرة للظالمين بنار جهنّم إلّا أنه لا دليل على تقييد ذلك وتحديده بها بل لعله إشارة إلى هزائمهم المتتابعة والمتلاحقة في المعارك الإسلامية ، كمعركة بدر وغيرها ، وما أصابهم من ضعف وذلة في دنياهم ، فمفهوم هذه الآية عام ، بالإضافة إلى ذلك عذابهم وانقلابهم إلى النار في آخر المطاف.

* * *

٤٨٥

بحوث

1 ـ لم كانوا يتهمون النّبي بالشعر

إن واحدة من التهم التي كانت توجه للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هي الشعر ، وأنّه شاعر ، فالآيات ـ آنفة الذكر ـ كانت ردا على هذا الاتهام أيضا

لقد كانوا يعرفون جيدا أن القرآن ليس له أقل شبه بالشعر ، لا من حيث الشكل والظاهر ولا من حيث المحتوى ، فالشعر فيه وزن وقافية وأبيات مشطرة ، وليس كذلك القرآن. والشعر فيه تخيّل وتشبيهات كثيرة وغزل ممّا ليس في القرآن أيضا.

إلّا أنّهم حيث كانوا يرون أثر القرآن الكبير في جذب أفكار الناس وإيقاعه الخاص في قلوبهم ، فلإلقاء الستار على هذا النور الإلهي ، سموه «سحرا» تارة ، لأنّه كان ذا نفوذ وتأثير «خفي» في الأفكار. ودعوة «شعرا» تارة أخرى لأنّه كان يهزّ القلوب ويأخذها معه!

لقد أرادوا أن يذموا القرآن فمدحوه بهذا الكلام ، وكان كلامهم سندا ودليلا حيا على نفوذ القرآن الخارق للعادة في أفكار الناس وفي قلوبهم.

يقول القرآن في تنزيه النّبي عن الشعر :( وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ ) (1) .

2 ـ الشعر والشاعرية في الإسلام

لا شك أن الذوق الشعري والفن الشاعري كسائر رؤوس الأموال ، له قيمته في صورة ما لو استعمل استعمالا صحيحا وله أثر إيجابي إلّا أنّه إذا صار وسيلة تخريب وهدم للبناء العقائدي والأخلاقي في المجتمع ، فلا قيمة له ، بل يعتبر وسيلة

__________________

(1) يس ، الآية 69.

٤٨٦

ضارة عندئذ

فالشعر ينبغي أن يؤدي دورة في وجود الإنسان ليكون ذا قيمة كبرى ، وأن لا يسوق الناس نحو الخيال أو الضياع أو الإشغال دون جدوى ، لأنّه سيكون وسيلة للضرر والإضرار.

ويتّضح بهذا الجواب على السؤال التالي :

ماذا يفهم من الآيات المتقدمة ، هل الشاعريّة أمر حسن أو غير حسن ، وهل يوافق الإسلام الشعر أو يخالفه؟!

فالجواب على ذلك أن تقويم(1) الإسلام في هذا المجال قائم على الأهداف والوجوه والنتائج وكما قال الإمام عليعليه‌السلام حين كان بعض أصحابه يتكلمون على مائدة الإفطار في إحدى ليالي شهر رمضان ، وجرى كلامهم في الشعر والشعراء ، فخاطبهم أمير المؤمنين عليعليه‌السلام قائلا : «اعلموا أن ملاك أمركم الدين ، وعصمتكم التقوى ، وزينتكم الأدب وحصون أعراضكم الحلم».(2)

فكلام الإمام عليعليه‌السلام إشارة إلى أن الشعر وسيلة ومعيار تقويمه الهدف الذي قيل من أجله!

إلّا أنّه ـ وللأسف ـ استغلّ الشعر على امتداد تاريخ آداب الأمم والملل لأغراض سيئة ، وتلوّث هذا الذوق الإلهي اللطيف ، فسقط في الوحل بسبب البيئة الفاسدة ، وبلغ الشعر أحيانا درجة من الانحطاط بحيث صار من أهم عوامل الفساد والتخريب ، ولا سيما في العصر الجاهلي الذي كان عصر انحطاط الفكر العربي وأخلاقه!. فكان الشعر والشراب والغارات بعضها إلى جنب بعض ممّا مميزات ذلك العصر!

__________________

(1) «التقويم» له معان متعددة منها تقويم الأود أي إقامة الاعوجاج ، وتقويم الشيء إعطاء قيمته أو معرفتها ، وهو هنا بهذا المعنى. وما يجري على السنة الكتاب وأقلامهم بلفظ (تقييم) خطأ مشهور وغير صحيح (المصحح).

(2) شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد ج 20 ، ص 461.

٤٨٧

ولكن من يستطيع أن ينكر هذه الحقيقة ، وهي أن الأشعار البنّاءة والهادفة على امتداد التاريخ ، خلقت طاقات كثيرة وحماسة قصوى ، وربّما عبأت امة مغلوبة بوجه أعدائها ، فشدتها على العدوّ فهزمته وانتصرت «بهذه الأشعار».

وفي فترة نضوج الثورة الإسلامية رأينا بأم أعيننا كيف أثرت الأشعار الحماسية في نفوس الناس ، فحركتهم وأثارتهم حتى جرت دماء الثورة في مفاصلهم ، وجعلتهم صفا واحدا وزلزلت قصور الأعداء وهزمتهم

كما نسأل : من يستطيع أن ينكر أن شعرا أخلاقيا ينفذ في أعماق الإنسان ويغيّر محتواه لدرجة لا يبلغها كتاب علمي غزير المحتوى

أجل ، إن الشعر كما قال عنه النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «إن من الشعر لحكمة وإنّ من البيان لسحرا».(1)

وللكلمات الموزونة وإيقاعها ـ أحيانا ـ مضاء السيف ونفوذ السهم في قلب العدو

ففي بعض أحاديث الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ في مثل هذه الأشعار ـ أنه قال : «... والذي نفس محمد بيده فكأنّما تنضحونهم بالنبل».(2)

أجل قال النّبي ذلك حين كان العدو يهجو المسلمين ليضعف معنوياتهم وروحيّاتهم ، فأمر النّبي شعراء المسلمين أن يردّوا عليهم بالهجاء المقذع ، لذمهم وتقوية روحيّة المسلمين.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شأن أحد الشعراء المدافعين عن الإسلام «أهجهم فإنّ جبرئيل معك».(3)

وخاصّة حين سأل كعب بن مالك «الشاعر المؤمن» الذي كان ينشد قصائد

__________________

(1) نقل حديث الرّسول هذا جماعة كثيرة من علماء الشيعة والسنة في كتبهم «يراجع كتاب الغدير ، ج 2 ، ص 9».

(2) مسند أحمد ، ج 2 ، ص 260.

(3) مسند أحمد ، ج 4 ، ص 299.

٤٨٨

في تقوية الإسلام ـ وكانت الآيات قد نزلت في ذم الشعراء ـ فقال يا رسول الله : ما أصنع؟! فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «إنّ المؤمن يجاهد بنفسه وسيفه ولسانه».(1)

وقد ورد عن أئمة أهل البيتعليهم‌السلام وصف كثير في الشعر والشعراء الهادفين والدعاء لهم وإيصال الجوائز إليهم ، بحيث يطول الكلام في ذلك «إن أردنا نقل الروايات عنهم».

إلّا أنّه من المؤسف أنه على طول التاريخ أسقط جماعة هذه المنحة الإلهية والذوق اللطيف ، الذي هو من أجمل مظاهر الخلق ، فأنزلوه من أوجه إلى الحضيض ، وكذبوا فيه كثيرا حتى قيل في المثل المعروف : «أعذبه أكذبه».

وربّما سخّروه في خدمة الجبابرة والظالمين وتملّقوا لهم ، رجاء صلة محتقرة رخيصة

أو أنّهم أفرطوا في وصف الشراب والفجور والفسق أحيانا ، إلى درجة يخجل القلم عن ذكرها!

وربّما أشعلوا الحروب بنيران أشعارهم ، وجروا الناس إلى القتل والغارات ، ولطخوا الأرض بدماء الأبرياء.

إلّا أن في الطرف الآخر ـ وفي قبالهم ـ الشعراء الذين آمنوا بمبدئهم ، واشتدت همتهم ، فسخّروا هذه القريحة الملكوتية في سبيل حرية الناس والتقوى ، ومواجهة اللصوص والمستكبرين والجبابرة ، فبلغوا أوج الفخر!

وربّما دافعوا عن الحق فاشتروا بكل بيت من أبيات شعرهم بيتا في الجنّة.(2)

ربما وقفوا في وجوه حكام الظلم والجور كبني أمية وبني العباس الذين كانوا يحبسون الأنفاس في الصدور ، فتجلى القلوب بقصيدة كقصيدة دعبل «مدارس

__________________

(1) تفسير القرطبي ، ج 7 ، ص 869.

(2) جاء عن الإمام الصادق أنّه قال : «من قال فينا بيت شعر بنى الله له بيتا في الجنة» ، «الغدير ، ج 2 ، ص 3».

٤٨٩

آيات خلت من تلاوة» وأماطوا عن الحقّ لثام الباطل ، فكأنّما كان يجري على لسانهم روح القدس.(1)

وربّما أنشدوا الأشعار لإنهاض المضطهدين الذين كانوا يحسّون في أنفسهم الاحتقار والازدراء من قبل الظلمة فهاجوهم وأثاروهم بتلك الأشعار

والقرآن يقول في شأن هؤلاء :( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا ) .

ممّا يلفت النظر أن هؤلاء الشعراء قد يتركون شعرا خالدا مؤثرا بليغا حتى أن أئمّة الإسلام الكرام ـ كما تقول بعض الرّوايات ـ أوصوا شيعتهم وأصحابهم بحفظ أشعارهم كما ورد ذلك في شأن «أشعار العبدي». إذ ورد عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : «يا معشر الشيعة ، علموا أولادكم شعر العبدي ، فإنّه على دين الله».(2)

ونختتم هذا البحث بقصيدة للعبدي ، وهي من قصائده المعروفة ، في شأن خلافة الإمام عليعليه‌السلام وصيّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ قال :

وقالوا رسول الله ما اختار بعده

إماما ولكنّا لأنفسنا اخترنا

أقمنا إماما إن أقام على الهدى

أطعنا وإن ضل الهداية قوّمنا

فقلنا : إذا أنتم إمام إمامكم

بحمد من الرحمن تهتم ولا تهنا

ولكننا اخترنا الذي اختار ربّنا

لنا يوم خم ما اعتدينا ولا حلنا

ونحن على نور من الله واضح

فيا ربّ زدنا منك نورا وثبتنا(3)

__________________

(1) في حديث آخر عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنه قال : «ما قال فينا قائل بيت شعر حتى يؤيد بروح القدس» «عيون أخبار الرضا»

(2) نور الثقلين ، ج 4 ، ص 71.

(3) الكنى والألقاب ، ج 2 ، ص 455.

٤٩٠

3 ـ ذكر الله :

قرأنا في الآيات ـ آنفة الذكر ـ أن من خصائص الشعراء الهادفين هو أنّهم يذكرون الله كثيرا

ونقرأ في بعض الأحاديث المرويّة عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنه يقول : قول اللهعزوجل :( وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً ) ما هذا الذكر الكثير؟ قال : «من سبح تسبيح فاطمة الزهراءعليها‌السلام فقد ذكر الله الذكر الكثير».(1)

كما جاء عنهعليه‌السلام أنه قال : من أشدّ ما قرض الله على خلقه ذكر الله كثيرا ثمّ قالعليه‌السلام : «لا أعني سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر ، وإن كان منه ، ولكن ذكر الله عند ما أحلّ وحرّم! فإن كان طاعة عمل بها ، وإن كان معصية تركها!».(2)

ربّنا ، أملأ قلوبنا بذكرك ، لنختار ما يرضيك ، ونترك ما يسخطك

ربّنا ، اجعل ألسنتنا بليغة ، وأقلامنا سيّالة ، وقلوبنا مليئة بالإخلاص ، لنستعمل ذلك في سبيلك وابتغاء رضوانك ، آمين ربّ العالمين.

* * *

انتهاء سورة الشعراء

ونهاية المجلد الحادي عشر

__________________

(1) تفسير نور الثقلين ، ج 4 ، ص 73.

(2) تفسير نور الثقلين ، ج 4 ، ص 73 ، نقلا عن اصول الكافي.

٤٩١

فهرس الموضوعات

سورة النّور

فضل سورة النور 7

محتوى سورة النّور 7

تفسير الآيات : 1 ـ 3 10

حد الزاني والزانية 10

ملاحظات

1 ـ الحالات التي يعدم فيها الزاني 15

2 ـ لماذا ذكرت الزانية أولا 15

3 ـ لماذا تكون العقوبة علنية 16

4 ـ ماذا كان حدّ الزاني سابقا 17

5 ـ منع الإفراط والتفريط عند تنفيذ الحدّ 17

6 ـ شروط تحريم الزواج بالزانية والزاني 18

7 ـ فلسفة تحريم الزنا 18

تفسير الآيتان : 4 ـ 5 20

عقوبة البهتان 20

بحوث

1 ـ المراد من كلمة «رمى» 22

2 ـ لماذا أربعة شهود 23

3 ـ الشّرط المهم في قبول التوبة 24

٤٩٢

4 ـ أحكام القذف 25

تفسير ال آیات : 6 ـ 10 27

سبب النّزول 27

عقاب توجيه التهمة إلى الزوجة 29

ملاحظات

1 ـ لماذا استثني الزوجان من حكم القذف 31

2 ـ كيفية اللعان 32

3 ـ العقاب المحذوف في الآية 32

تفسير ال آیات : 12 ـ 16 34

سبب النّزول 34

تحقيق المسألة 40

حديث الافك المثير 42

تفسير ال آیات : 17 ـ 20 48

حرمة إشاعة الفحشاء 48

بحوث

1 ـ ما معنى إشاعة الفحشاء 51

2 ـ هل هذا حكم تكويني أم تشريعي 53

3 ـ استصغار الذنب 54

تفسير ال آیات : 21 ـ 26 55

للعقوبات حساب 56

بحوث

1 ـ من هم الخبیثات ومن هم الخبیثون 62

2 ـ هل ه ذا حكم تكويني أم تشريعي 64

٤٩٣

3 ـ جواب استفسار 65

تفسير ال آیات : 27 ـ 29 67

لا تدخلوا بيوت الناس حتّى يؤذن لكم 67

بحوث

1 ـ الأمن والحرية في حريم المنزل 69

2 ـ ما المقصود بالبيوت غير المسكونة 72

3 ـ عقاب من يتلصّص على منازل الناس 72

تفسیر الآيتان : 30 ـ 31 74

سبب النّزول 74

مكافحة السفور وخائنة الأعين 75

بحوث

1 ـ فلسفة الحجاب 80

الإشكال الذي يورده معارضو الحجاب 83

2 ـ استثناء الوجه والكفلين 86

3 ـ ما المقصود من نسائهنّ 87

4 ـ تفسير عبارة( أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَ ) 88

5 ـ تفسير( أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ ) 88

6 ـ أي طفل مستثنى من هذا الحكم 89

7 ـ لماذا لم يذكر العم والخال ضمن المحارم 90

8 ـ تحريم سبل الإثارة 90

تفسیر ال آیات : 32 ـ 34 91

الترغيب في زواج يسير التكاليف 91

مسائل مهمّة 97

1 ـ الزواج سنّة إلهية 97

٤٩٤

2 ـ المراد من عبارة( وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ ) 99

3 ـ ما هو عقد المكاتبة 100

تفسیر ال آیات : 35 ـ 38 101

آية النور 101

ملاحظات

تفسیر الآيتان : 39 ـ 40 116

أعمال سرابية 116

تفسیر ال آیتان : 41 ـ 42 121

الجميع يسبّح لله 121

مسائل مهمة

1 ـ ماذا تعني عبارة( أَلَمْ تَرَ ) 122

2 ـ التسبيح العامّ لجميع المخلوقات 123

3 ـ التسبيح الخاصّ بالطيور 124

4 ـ عبارة( كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ) 125

5 ـ ما المقصود بالصلاة 125

تفسیر الآيات : 43 ـ 45 127

جانب آخر من الخلق العجيب 127

ردّ على استفسار 129

بحوث

1 ـ ماذا يعني الماء هنا 132

2 ـ جواب على استفسار 133

3 ـ صورة الحياة المختلفة 134

تفسیر الآيات : 46 ـ 50 136

٤٩٥

سبب النّزول 136

الإيمان وقبول حكم الله 137

مسائل مهمة

1 ـ مرض النفاق 140

2 ـ الحكومة العادلة هي الحكومة الإلهية فقط 141

تفسير ال آیات : 51 ـ 54 142

الإيمان والتسليم التام إزاء الحقّ 142

تفسير ال آی ة : 55 147

سبب النّزول 147

حكومة المستضعفين العالمية 148

بحوث

1 ـ تفسير عبارة( كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) 149

2 ـ الذين وعدهم الله باستخلاف الأرض 150

3 ـ الهدف النهائي عبادة خالصة 152

تفسیر الآيتان : 56 ـ 57 154

استحالة الفرار من حكومته تعالى 156

تفسیر الآيات : 58 ـ 60 156

آداب الدخول إلى المكان الخاصّ بالوالدين 156

بحثان

1 ـ فلسفة الاستئذان والمفاسد المترتبة على عدم الالتزام به 161

2 ـ حكم الحجاب بالنسبة للنساء العجائز 163

تفسیر ال آی ة : 61 165

البيوت التي يسمح بالأكل فيها 165

٤٩٦

بحوث

1 ـ هل أن تناول غذاء الآخرين غير منوط بإذنهم 169

2 ـ فلسفة هذا الحكم الإسلامي 171

3 ـ من هو الصديق 172

4 ـ تفسير عبارة( ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ ) 173

5 ـ السّلام والتحية 174

تفسیر ال آیات : 62 ـ 64 175

سبب النّزول 175

لا تتركوا النبيّ وحده 177

سورة الفرقان

محتوى سورة الفرقان 185

فضيلة سورة الفرقان 186

تفسیر ال آیتان : 1 ـ 2 187

المقياس الأعلى للمعرفة 187

بحث

تقدير الموجودات بدقة 190

تفسیر ال آیات: 3 ـ 6 194

الاتهامات المتعددة الألوان 194

تفسیر ال آیات : 7 ـ 10 201

سبب النّزول 201

لم لا يملك هذا الرّسول كنوزا وجنات 202

تفسیر ال آیات : 11 ـ 16 208

مقارنة بين الجنة والنار 208

٤٩٧

ملاحظات

تفسیر الآيات : 17 ـ 19 214

المحاكمة بين المعبودين وعبدتهم الضالين 214

بحثان

1 ـ من هم المقصودون بالمعبودين هنا 216

2 ـ دافع الانحراف عن أصل التوحيد 217

3 ـ كلمة «بور» 219

تفسیر ال آی ة : 20 220

سبب النّزول 220

هكذا كان جميع الأنبياء 221

سؤال 222

والجواب 223

تفسیر الآيات : 21 ـ 24 224

الادعاءات الكبيرة 224

آفات العمل الصالح 229

تفسير الآيتان : 25 ـ 26 232

تشقق السماء بالغمام 232

تفسیر الآيات : 27 ـ 29 236

سبب النّزول 236

أضلني صديق السوء 237

بحث

أثر الصديق في مصير الإنسان 239

تفسیر الآيات : 30 ـ 34 242

إلهي ، إنّ الناس قد هجروا القرآن 242

٤٩٨

بحوث

1 ـ تفسير( جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا ) 245

2 ـ الآثار العميقة لنزول القرآن التدريجي 247

3 ـ معنى الترتيل في القرآن 249

4 ـ تفسير( يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ ) 250

تفسير ال آیات : 35 ـ 40 252

مع كل هذه الدروس والعبر ، ولكن 252

بحثان

1 ـ من هم «أصحاب الرس» 255

2 ـ مجموعة من الدروس المؤثرة...............................................

تفسير ال آیات : 41 ـ 44 260

أضلُّ من الأنعام 260

بحثان

1 ـ اتباع الهوى وعواقبة الأليمة 264

2 ـ لماذا أضلّ من الأنعام 267

تفسير ال آیات : 45 ـ 50 270

حركة الظلال 270

ملاحظات

وهنا ملاحظات مهمّة 276

تفسیر ال آیات : 51 ـ 55 279

بحران متجاوران : عذب فرات وملح أجاج 279

٤٩٩

سألتان

1 ـ وحدة القيادة 287

2 ـ القرآن وسيلة الجهاد الكبير 287

تفسير ال آیات : 56 ـ 59 290

أجري هو هدايتكم 290

مسألتان 294

1 ـ أجر الرسالة 294

2 ـ على من يجب التوكل 295

تفسير ال آیات : 60 ـ 62 297

البروج السماوية 297

تفسير ال آیات : 63 ـ 67 302

الصفات الخاصّة لعباد الرحمن 302

مسألتان

1 ـ طريقة مشي المؤمنين 307

2 ـ البخل والإسراف 308

تفسير ال آیات : 68 ـ 71 310

بحث آخر في صفات عباد الرحمن 310

تبديل السيئات حسنات 314

تفسير ال آیات : 72 ـ 76 317

جزاء «عباد الرحمن» 317

تفسیر الآية : 77 325

لو لا دعاؤكم ، لما كانت لكم قيمة 325

بحث

الدعاء طريق إصلاح النفس ومعرفة الله 327

٥٠٠