الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٢

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 592

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 181399 / تحميل: 6374
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

الآيات

( فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٥٦) فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ (٥٧) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (٥٨) قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (٥٩) )

التّفسير

عند ما تعدّ الطهارة عيبا كبيرا!

لاحظنا ـ في ما سبق من البحوث ـ منطق نبي الله العظيم «لوط» ، ذلك المنطق المتين أمام المنحرفين الملوثين ، وبيانه الاستدلالي الذي كان يعنّفهم على عملهم القبيح ، ويكشف لهم نتيجة جهلهم وعدم معرفتهم بقانون الخلق وبجميع القيم الإنسانية.

والآن ، لنستمع الى جواب هؤلاء المنحرفين بماذا أجابوا منطق «لوط»؟!

يقول القرآن :( فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ ) .

١٠١

فجوابهم كاشف عن انحطاطهم الفكري والسقوط الأخلاقي البعيد!.

أجل إنّ الطهارة تعدّ عيبا ونقصا في المحيط الموبوء ، وينبغي أن يلقى أمثال يوسف المتعفف في السجن ، وأن يطرد آل لوط نبيّ الله العظيم ويبعدوا ـ لأنّهم يتطهرون ـ خارج المدينة ، وأن يبقى أمثال «زليخا» أحرارا أولي مقام كما ينبغي أن يتمتع قوم لوط في مدينتهم دون حرج!.

وهذا هو المصداق الجلي لكلام القرآن في الضالين ، إذ يقول :( خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ ) بسبب أعمالهم السيئة المخزية.

ويحتمل في جملة( إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ ) أن قوم لوط لانحرافهم وغرقهم في الفساد ، وتطبعهم وتعودهم على التلوّث ، كانوا يقولون مثل هذا الكلام من باب السخرية والاستهزاء أي إنّهم يتصورون أن أعمالنا قبيحة وغير طاهرة! وأن تقواهم من التطهر ، فما أعجب هذا الكلام! إنه لمهزلة!.

وليس هذا غريبا أن يتبدل إحساس الإنسان ـ نتيجة تطبعه بعمل قبيح ـ فيتغير سلوكه ونظرته فقد سمعنا بقصّة الدباغ المعروفة ، إذ ورد أن رجلا كان يدبغ الجلود المتعفنة دائما ، وتطبعت «شامّته» برائحة الجلود «العفنة» فمرّ ذات يوم في سوق العطارين ، فاضطرب حاله وأغمي عليه ، لأنّ العطور لا تناسب «شامّته» فأمر رجل حكيم أن يؤخذ إلى سوق الدباغين لانقاذه من الموت فهذا مثال حسيّ طريف لهذا الموضوع المنطقي.

جاء في الرّوايات أن لوطا كان يبلغ قومه حوالي ثلاثين عاما وينصحهم ، إلّا أنّه لم يؤمن به إلّا أسرته وأهله باستثناء زوجته فإنّها كانت من المشركين وعلى عقيدتهم(١) .

بديهي أن مثل هؤلاء القوم لا أمل في إصلاحهم في عالم الدنيا ، فينبغي أن يطوى «طومار» حياتهم ، لذلك تقول الآية التالية في هذا الشأن( فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٢ ، ص ٣٨٢.

١٠٢

إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ ) (١) .

وبعد أن خرج آل لوط في الموعد المعين «سحر ليلة كانت المدينة غارقة فيها بالفساد» فلمّا أصبح الصباح نزلت عليهم الحجارة من السماء ، وتزلزلت الأرض بهم ، فدفنوا جميعا تحت الحجارة والأنقاض ، والى هذا تشير الآية الكريمة التالية( وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ ) .

وكان لنا بحث مفصل في قوم لوط وعاقبتهم الوخيمة وآثار الانحراف الجنسي ، في ذيل الآيات ٧٧ ـ ٨٣ من سورة هود ، ولا حاجة إلى تكراره.

إن قانون الخلق عيّن لنا مسيرا لو سلكناه لكان ذلك مدعاة لتكاملنا وحياتنا ، ولو انحرفنا عنه لكان باعثا على سقوطنا وهلاكنا.

فقانون الخلق جعل الجاذبية الجنسية بين الجنسين المتخالفين عاملا لبقاء نسل الإنسان واطمئنان روحه. وتغيير المسير نحو الانحراف الجنسي «اللواط أو السحاق» يذهب بالاطمئنان الروحي والنظام الاجتماعي.

وحيث أن لهذه القوانين الاجتماعية جذرا في الفطرة ، فالتخلف «أو الانحراف» يسبب الاضطراب وعدم الانسجام في نظام وجود الإنسان!.

فلوط نبيّ الله العظيم نبّه قومه المنحرفين إلى هذا الأساس «الفطري» فقال لهم :( أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ) ؟! فالجهل وعدم معرفتكم بقانون الحياة والسفاهة هو الذي يقودكم إلى الضلال والتيه!.

فلا عجب أن تتغير سائر قوانين الخلق في شأن هؤلاء القوم الضالين ، فبدلا من أن يغاثوا بماء من السماء يهب الحياة يمطرون بالحجارة وبدلا من أن تكون الأرض مهادا وثيرا لهم تضطرب وتتزلزل ويقلب عاليها سافلها ، لئلا يقتصر الحال على هلاكهم فحسب ، بل لتمحى آثارهم!.

وفي آخر آية من الآيات محل البحث ، وبعد بيان ما جرى على لوط وقومه

__________________

(١) «الغابرين» جمع الغابر ومعناه هنا الباقي من الذاهبين من المكان.

١٠٣

المنحرفين ، يتوجه الخطاب إلى النّبي الكريم «محمّد»صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليستنتج ممّا سبق ، فيقول له :( قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ) .

الحمد والثناء الخاص لله ، لأنّه أهلك أمما مفسدين كقوم لوط ، لئلا تتلوث الأرض من وجودهم!.

الحمد لله الذي أبار قوم صالح ثمود ، وفرعون وقومه المفسدين ، وجعل آثارهم عبرة للمعتبرين.

وأخيرا فالحمد لله الذي أنعم وتفضل على عباده المؤمنين كداود وسليمان وأمثالهما ، وأولاهم القوّة والقدرة ، وهدى القوم الضالين كقوم سبأ.

ثمّ يضيف قائلا :( وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى ) .

سلام على موسى وصالح ولوط وسليمان وداود ، وسلام على جميع الأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين ، ومن والاهم بإحسان.

ثمّ يقول :( آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ) (١) !!

رأينا في قصص هؤلاء الأنبياء أن الأصنام لم تستطع عند نزول البلاء أن تسعف اتباعها ، أو تقوم بأدنى مساعدة لهم! غير أن الله سبحانه لم يترك عباده وحدهم في هذه الخطوب ، بل أعانهم بلطفه الذي لا ينفذ!

* * *

__________________

(١) (آلله) أصلها (أالله) فانقلبت إحدى الهمزتين ألفا ثمّ صارت مدة كما هي عليه الآن وجملة (أمّا يشركون) أصلها (أم ما يشركون) إذ أدغمت (أم) المعادلة الاستفهامية بما الموصولة فصارت (أمّا).

١٠٤

الآيات

( أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (٦٠) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٦١) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٦٢) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ تَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٣) أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٦٤) )

التّفسير

أمع كلّ هذه الأدلة ما تزالون مشركين؟!

في آخر آية من آيات البحث السابق ، وبعد ذكر جوانب مثيرة من حياة

١٠٥

خمسة أنبياء عظام ، ألقي هذا السؤال الوجيز المتين( آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ) ؟!

أمّا في الآيات محل البحث فتفصّل السؤال وتوجه للمشركين خمس آيات تبدأ بخمسة أسئلة ، لتناقش المشركين وتحاكمهم ، وتكشف دلائل التوحيد في الآيات الخمس في اثني عشر مثلا!

فالآية الأولى من هذه الآيات تتحدث عن خلق السماوات والأرض ، ونزول الماء من السماء والبركات الناشئة عنه ، فتقول : هل أن معبوداتكم أفضل( أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ) .(١) (٢)

«الحدائق» جمع «الحديقة» ، وهي كما يقول كثير من المفسرين : البستان الذي يحيطه الجدار أو الحائط ، ومحفوظ من جميع الجهات ، ومنها سمّيت حدقة العين حدقة لأنّها محفوظة بين الجفنين والهدب ، أمّا الراغب فيقول في المفردات : إنّ الحديقة تطلق في الأصل على الأرض المجتمع فيها الماء ، كما أنّ حدقة العين فيها الماء دائما.

ويستفاد من مجموع هذين الرأيين أن الحديقة بستان له جدار وماء كاف.

و «البهجة» على وزن (لهجة) معناها الجمال وحسن الظاهر الذي يسر الناظرين.

ويتوجه الخطاب نحو العباد في ختام الآية فيقول :( ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها ) .

__________________

(١) كلمة (ذات) في «ذات بهجة» جاءت مفردة ، مع أن حدائق جمع وهي موصوفها ، وذلك لأنّ الحدائق جمع تكسير ، وجمع التكسير قد يأتي أحيانا بمعنى الجماعة ، وهي ـ أي لفظة الجماعة ـ مفرد وصفتها مفردة أيضا

(٢) هذه الآية في الحقيقة فيها حذف وتقديره : ما يشركون خير أم من خلق السماوات والأرض؟ وفي الحقيقة إن السؤال في الآية السابقة كان هكذا : الله خير أم الشركاء؟ وهنا يبدأ السؤال بالعكس : ما يشركون خير أم من خلق السماوات والأرض.

١٠٦

فأنتم تستطيعون أن تنثروا البذور وتسقوا الأرض ، لكن الذي جعل الحياة في قلب البذرة ، وأمر الشمس أن تشرق على الأرض ، والماء ينزل من السماء حتى تنبت البذرة فتكون شجرا ، هو الله فحسب.

فهذه حقائق لا يمكن إنكارها ، ولا أن تنسب لغير الله فهو الذي خلق السماوات والأرض ، وهو الذي أنزل الغيث من السماء ، وهو مبدأ هذه البهجة والحسن والجمال في عالم الحياة!.

إن مجرّد التأمل في لون الزهرة الجميلة ، وأوراقها اللطيفة المنظمة التي تشكل حلقة رائعة كاف أن يجعل الإنسان عارفا بعظمة الخالق وقدرته وحكمته فهذه الأمور تهز قلب الإنسان وتدعوه إلى الله.

وبتعبير آخر فإن التوحيد في الخلق يؤدي الى «توحيد الخالق» ، والتوحيد في الربوبيّة «توحيد مدبّر هذا العالم» باعث على «توحيد العبادة»!.

ولذلك فالقرآن يقول في نهاية الآية :( أَإِلهٌ مَعَ اللهِ ) ولكن هؤلاء جهلة عدلوا عن الله وعبدوا ما لا ينفعهم ولا يضرهم( بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ) (١) .

والسؤال الثّاني بحث عن موهبة استقرار الأرض وثباتها ، وأنّها مقر الإنسان في هذا العالم ، فيقول : هل أنّ أصنامكم أفضل ،( أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ ) (٢) كما تحافظ على القشرة الارضية من الزلازل ، كما( وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً ) ومانعا من اختلاط البحر المالح بالبحر العذب.

وهكذا فقد ورد في هذه الآية ذكر أربع نعم عظيمة ، ثلاث منها تتحدث عن استقرار الأرض! فتقول :

إن استقرار الأرض في الوقت الذي تتحرك بسرعة وتدور حول نفسها

__________________

(١) قد يكون (يعدلون) من مادة (العدول) أي الانحراف والرجوع من الحق إلى الباطل ، أو أنّه مادة (عدل) على وزن (قشر) ومعناه المعادل والنظير ففي الصورة الأولى مفهوم الآية أنّهم ينحرفون عن الله الواحد إلى غيره ، وفي الصورة الثّانية مفهومها أنّهم يجعلون له عديلا.

(٢) «الخلال» في الأصل معناه الشق بين الشيئين. و «الرواسي» جمع «راسية» ، وهي الثابتة.

١٠٧

وحول الشمس ، وتتحرك في المنظومة الشمسية وحركة هادئة وفي وتيرة واحدة ، إلى درجة أن سكّانها لا يحسّون بحركتها أبدا فكأنّها أوتدت في مكان واحد! وبقيت ثابتة فلا يرى فيها أقلّ حركة.

والنعمة الأخرى وجود الجبال ، التي قلنا عنها سابقا أنّها تحيط بالأرض ، وجذورها متصلة بعضها ببعض كالحاجر القوي الذي يقاوم الضغوط الداخلية للأرض ، وحركات الجزر والمدّ الذين يحصلان بسبب جاذبية القمر ، كما أنّها تعبر مانعا امام الأعاصير والسيول من أن تدمّر الأرض بطغيانها!

والنعمة الأخرى الحجاب الحاجز بين البحرين ، والحائل الطبيعي الذي يحول بين الماء المالح والماء العذب ، وهذا الحجاب ـ غير المرئي ـ هو الاختلاف في درجة الغلظة بين الماء العذب والماء المالح ، أو كما يصطلح عليه اختلاف «الوزن النوعي» الخاص الذي يسبب عدم انحلال مياه الأنهار العظيمة العذبة التي تنصب في البحار المالحة لمدّة طويلة ، وعند حالة «المدّ» تتمدد هذه المياه العذبة على السواحل الصالحة للزراعة فتسقيها (وقد بيّنا تفصيل هذا الموضوع ذيل الآية ٥٣ من سورة الفرقان).

وفي الوقت ذاته جعل الله خلال أجزاء الأرض المختلفة أنهارا تسقي المزارع والأحياء فتخضرّ البساتين وتثمّر الأشجار وبعض مصادر هذه المياه تكمن في قمم الجبال وبعضها بين الطبقات الأرضيّة!.

ترى هل يمكن أن يكون هذا النظام قد ولد عن طريق الصدفة العمياء الصمّاء ، والمبدأ الفاقد للعقل والحكمة؟! وهل للأصنام تأثير في هذا النظام البديع المثير للدهشة؟!

حتى عبدة الأصنام لا يدعون مثل هذا الادعاء! لذلك يكرر القرآن في ختام الآية هذا السؤال :( أَإِلهٌ مَعَ اللهِ ) ؟! حاش لله( بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) .

السؤال الثّالث من هذه الأسئلة الخمسة التي تحكي عن محاورة ومحاكمة

١٠٨

المعنوية يتحدث عن حلّ المشكلات ، وفتح الطرق الموصدة ، وإجابة الدعاء ، إذ تقول الآية التالية :( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ) .

أجل عند ما تغلق جميع أبواب عالم الأسباب بوجه الإنسان ، ويبلغ النصل إلى العظم ، ويغدو مضطرا حيرانا لا حيلة له ، فإنّ الذي يحلّ المعضلة ، ويفتح الأقفال ، ويزيل السدود عن الطرق ، وينثر في القلوب نور الأمل ، ويفتح أبواب الرحمة بوجه الناس المتحيرين ، هو الله لا غير!.

وحيث أنّ الناس يدركون هذه الحقيقة بالفطرة في اعماق نفوسهم جميعا ، فإنّ المشركين حين يقعون بين أمواج البحر المتلاطمة ينسون جميع معبوديهم ويتوجهون نحو لطف الله ، كما يقول القرآن :( فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) (١)

لذلك تضيف الآية قائلة : إنّه لا ينقذكم من هذه المآزق والشدائد فحسب ، بل :( وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ ) ولكنكم لا تتعضون بهذه الدلائل( قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ ) (٢) .

وحول مفهوم المضطر ، ومسألة استجابه الدعاء وشروطها ، بحوث ستأتي في نهاية هذه الآيات!

والمراد من( خُلَفاءَ الْأَرْضِ ) لعله بمعنى «سكنة الأرض» وأصحابها لأنّ الله جعل الإنسان حاكما على هذه الأرض ، مبسوط اليد فيها بما أولاه من النعم وأسباب الرفاه والدعة والاطمئنان!.

ولا سيما حين يقع الإنسان في شدّة ، فيغدو مضطرا ويتجه نحو خالقه الكريم ـ فيرفع بكرمه البلايا والموانع ـ فتستحكم أسس هذه الخلافة وهنا

__________________

(١) العنكبوت ، الآية ٦٥.

(٢) (ما) في قوله تعالى :( قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ ) زائدة ظاهرا ، ونعرف أن الحروف الزائدة في كثير من المواطن للتأكيد ، و (قليلا) صفة لمصدر محذوف وتقديره : تتذكرون تذكرا قليلا.

١٠٩

تتجلى العلاقة بين شطري الآية.

كما قد يكون المراد بهذا المعنى ، وهو أنّ الله جعل ناموس الحياة أن يخلف قوم قوما على الدوام ، بحيث لو لم يكن هذا التناوب لم تغد الصورة متكاملة(١) !.

ويثير القرآن في السؤال الرّابع مسألة الهداية فيقول : هل أن الأصنام أفضل ،( أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ) بواسطة النجوم( وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ) ؟!!.

فالرياح التي تدل على نزول الغيث ، وكأنّها رسل البشرى تتحرك قبل نزول الغيث ، إنّها في الحقيقة تهدي الناس إلى الغيث أيضا.

والتعبير بـ( بُشْراً ) في شأن الرياح ، والتعبير بـ( بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ) في شأن الغيث ، كلاهما تعبيران طريفان لأنّ الرياح هي التي تحمل الرطوبة في الجو وتنقل أبخرة الماء من على وجه المحيطات بشكل قطعات من السحب على متونها ، إلى النقاط اليابسة ، وتخبر عن قدوم الغيث!

وكذلك الغيث الذي ينشد نغمة الحياة على وجه البسيطة ، وحيثما نزل حلت البركة والرحمة(٢) .

(ذكرنا شرحا مفصلا في تأثير الرياح في نزول الغيث في ذيل الآية ٥٧ من سورة الأعراف).

ويخاطب القرآن في ختام الآية المشركين مرّة أخرى فيقول :( أَإِلهٌ مَعَ اللهِ ) ؟! ثمّ يضيف دون أن ينتظر الجواب قائلا( تَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) .

أمّا في آخر آية من الآيات محل البحث ، فيثير القرآن السؤال الخامس في

__________________

(١) فبناء على هذا المعنى يكون (خلفاء الأرض) بمعنى : خلفاء في الأرض.

(٢) «بشر» على وزن «عشر» ـ كما ذكرنا آنفا ـ مخفف بشر على وزن «كتب» ، وهي جمع «بشور» على وزن «قبول» ومعناه المبشر.

١١٠

شأن المبدأ والمعاد بهذه الصورة ، فيقول : هل أنّ أصنامكم أفضل ،( أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ ) فهل بعد ذلك تعتقدون بوجود معبود غير الله( قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) ؟!

وفي الواقع فإن الآيات المتقدمة كلها كانت تتكلم على المبدأ ، وايات عظمة الله في عالم الخلق والوجود ، ومواهبه ونعمه ، إلّا أنّه في الآية الأخيرة ينتقل البحث من معبر ظريف إلى مسألة المعاد ، لأنّ بداية الخلق نفسها دليل على تحققها ، والقدرة على بداية الخلق تعد دليلا واضحا على المعاد.

ومن هنا يتّضح الجواب على السؤال الذي يثيره كثير من المفسّرين ، وهو أن المشركين المخاطبين بهذه الآيات أغلبهم لم يعتقدوا بالمعاد «المعاد الجسماني» فكيف يمكن أن يوجه إليهم هذا السؤال مع هذه الحال ويطلب منهم الإقرار.

فالجواب عليه أن هذا السؤال مقرون بدليل يسوق الطرف الآخر للإقرار ، لأنّه باعترافهم أن بداية الخلق من الله ، وهذه المواهب والنعم كلّها منه ، لكي تقبل عقولهم إمكان المعاد والرجوع الى الحياة في يوم القيامة مرّة أخرى.

والمراد من (الرزق السماوي) هو الغيث ونور الشمس وأمثال ذلك ، أمّا (الرزق الارضي) فالنباتات والمواد الغذائية المختلفة التي تنمو على الأرض مباشرة ، أو عن طريق غير مباشر كالأنعام والمعادن والمواد المختلفة التي يتمتع بها الإنسان في حياته!.

* * *

بحوث

١ ـ من المضطر الذي يجاب إذا دعاه؟

مع أنّ الله ـ يجيب دعاء الجميع عند تحقق شروط الدعاء ، إلّا أنّ في الآيات آنفة الذكر اهتماما بالمضطر ، وذلك لأنّ من شروط إجابة الدعاء أن يغمض

١١١

الإنسان عينيه عن عالم الأسباب كليّا ، وأن يجعل قلبه وروحه بين يدي رحمة الله ، وأن يرى كل شيء منه وله! وأن حل كل معضلة بيده ، وهذه النظرة وهذا الإدراك إنّما يتحققان في حال الاضطرار.

وصحيح أنّ العالم هو عالم الأسباب والمسببات ، والمؤمن يبذل منتهى سعيه وجهده في هذا الشأن إلّا أنّه لا يضيع في عالم الأسباب أبدا ويرى كل شيء من بركات ذاته المقدسة ، ويرى من وراء الحجاب ببصره النافذ «مسبب الأسباب» فيطلب منه ما شاء!.

أجل ، إذا وصل الإنسان إلى هذه المرحلة ، فإنه يوفّر لنفسه أهم شرط لإجابة الدعاء.

الطريف أنّه قد ورد في بعض الرّوايات تفسير هذه الآية بقيام المهدي صلوات الله وسلامه عليه!

ففي رواية عن الإمام الباقرعليه‌السلام أنّه قال : «والله لكأنّي أنظر إلى القائم وقد أسند ظهره إلى الحجر ثمّ ينشد الله حقّه قال والله هو المضطر في كتاب الله في قوله :( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ ) »(١) !

وفي حديث آخر عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : «نزلت في القائم من آل محمّدعليهم‌السلام هو والله المضطر إذا صلى في المقام ركعتين ودعا اللهعزوجل فأجابه ويكشف السوء ويجعله خليفة في الأرض»(٢) .

ولا شك أن هذا التّفسير ـ كما رأينا نظائره الكثيرة ـ لا يحصر المراد من هذه الآية بالمهديعليه‌السلام ، بل مفهوم الآية واسع ، والمهديعليه‌السلام واحد من مصاديقها الجليّة إذ الأبواب في زمانه موصدة ، والفساد عمّ البسيطة ، والبشرية في طريق

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٤ ، ص ٩٤.

(٢) تفسير نور الثقلين ، ج ٤ ، ص ٩٤.

١١٢

مسدود ، وحالة الاضطرار ظاهرة في جميع العالم فعندئذ يظهر الإمام في أقدس بقعة فيطلب كشف السوء ، فيلبي الله دعوته ، ويجعله بداية «الظهور» المبارك في العالم ، ويستخلفه في الأرض هو وأصحابه ، فيكون مصداقا لقوله تعالى( وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ ) .

«كان لنا بحث في شروط إجابة الدعاء وأهميته ، وفي سبب عدم الإجابة ، فصّلناه في ذيل الآية (١٨٦) من سورة البقرة»

٢ ـ الاستدلال المنطقي في كلّ مكان

نقرأ في آيات القرآن ـ مرارا ـ أنّه يطالب المخالفين بالدليل ، وخاصة بقوله :( هاتُوا بُرْهانَكُمْ ) وقد جاء هذا النص في أربعة مواضع البقرة : الآية ١١٥ ، الأنبياء :الآية ٢٤ ، النمل : الآية ٦٤ ، والقصص : الآية ٧٥ كما أنّه أكّد في مواضع أخرى على البرهان خاصة «والمراد من البرهان : أصدق دليل».

وهذا المنطق (المطالبة بالبرهان) للإسلام يحكي عن محتواه الغني والقوي ، لأنّه يسعى لأن يواجه مخالفيه مواجهة منطقية ، فكيف يطالب الآخرين بالبرهان وهو لا يكترث به؟! فآيات القرآن المجيد مملوءة بالاستدلالات المنطقية والبراهين العلمية في المسائل المتعددة!.

وهذا الأمر على خلاف ما حرفته المسيحية اليوم ـ وعوّلت عليه ، وترى أن الدين هو ما يوحيه القلب!! وتفصل العقل عنه إذ تراه أجنبيا عنه حتى أنّها تؤمن بالتناقضات العقلية كالتوحيد في التثليث ، ومن هنا فقد سمحت للخرافات أن تدخل في الدين ، مع أن الدين لو خلا من العقل والاستدلال العقلي فسوف لا يقوم دليل عليه ، ويكون ذلك الدين وما يضادّه سواء!.

وتبرز عظمة هذا المنهج (وهو الاهتمام بالبرهان ودعوة المخالفين إلى الاستدلال المنطقي) حين نلتفت إلى أن الإسلام ظهر في محيط يعيش الخرافات

١١٣

التي لا أساس لها والمسائل غير المنطقية في جميع مفاصل منظومته الفكرية والمعرفية!!

٣ ـ خلاصة عامّة ومرور على الآيات السابقة

في الآيات السابقة كان اهتمام القرآن منصبا لإثبات «توحيد المعبود» على «توحيد الخالق» ، و «توحيد الرب» اي (توحيد الخلق وتوحيد التدبير) وتحدّث عن اثنتي عشرة آية وعلامة لله العظيم في عالم الوجود :

١ ـ السماء والأرض.

٢ ـ نزول الغيث.

٣ ـ بركاته في الحياة.

٤ ـ قرار الأرض.

٥ ـ الأنهار.

٦ ـ الجبال الرواسي.

٧ ـ الحاجز بين البحرين (العذب والمالح).

٨ ـ إجابة دعوة العباد.

٩ ـ هدايتهم في ظلمات البر والبحر.

١٠ ـ إرسال الرياح بشرا بين يدي رحمته.

١١ ـ بدء الخلق وإعادته.

١٢ ـ رزق الإنسان «وسائر الخلق» من السماء والأرض.

هذه المواهب «والنعم» الاثنتا عشرة بيّنت في خمس آيات وضمن خمسة أسئلة!. وكانت تعالج الأمور الخمسة التالية على التوالي :

١ ـ الخلق.

٢ ـ والاستقرار.

١١٤

٣ ـ كشف الضرّ.

٤ ـ الهداية.

٥ ـ إعادة الحياة (بعد الموت).

وقد عقّب ذيل كل واحد من الأسئلة الخمسة ، بقوله تعالى :( أَإِلهٌ مَعَ اللهِ ) ؟! وقد أوضح القرآن في نهاية كل سؤال أمورا ، فأشار في نهاية الآية الأولى إلى انحراف المخالفين عن الحق.

وأشار في الآية الثّانية إلى جهلهم.

وأشار في الآية الثّالثة إلى عدم تفكيرهم!

وأشار في الآية الرابعة إلى انحطاط أفكارهم.

وطالبهم في نهاية الآية الخامسة بالاستدلال!

وقد أبدى القرآن بشكل عام مجموعة من الأسئلة الجامعة والمنسجمة بعضها مع بعض.

* * *

١١٥

الآيات

( قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللهُ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٦٥) بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ (٦٦) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ (٦٧) لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٦٨) )

التّفسير

لمّا كان البحث في آخر الآيات السابقة عن القيامة والبعث ، فإن الآيات ـ محل البحث ـ تعالج هذه المسألة من جوانب شتى ، فتجيب أولا على السؤال الذي يثيره المشركون دائما ، وهو قولهم : متى تقوم القيامة؟ و «متى هذا الوعد»؟! فتقول :( قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ) !

لا شك أن علم الغيب ـ ومنه تاريخ وقوع القيامة ـ خاص بالله ، إلّا أنّه لا منافاة في أن يجعل الله بعض ذلك العلم عند من يشاء من عباده ، كما نقرأ في الآيتين (٢٦) و (٢٧) من سورة الجن( عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا

١١٦

مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ ) .

وبتعبير آخر فإنّ علم الغيب بالذات ، وبصورته المستقلة والمطلقة غير المحدودة ، خاصّ بالله سبحانه ، وكل علوم الآخرين مسترفدة من علمه تعالى. ولكن مسألة تاريخ وقوع القيامة مستثناة من هذا الأمر أيضا ، ولا يعلم بها أحد «إلّا الله»(١) .

ثمّ يتكلم القرآن عن عدم علم المشركين بيوم القيامة وشكهم وجهلهم ، فيقول :( بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ ) .

«ادّارك» في الأصل «تدارك» ومعناه التتابع أو لحوق الآخر بالأوّل ، فمفهوم جملة :( بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ ) أنّهم لم يصلوا إلى شيء بالرغم ممّا بذلوه من تفكير ، وجمعوا المعلومات في هذا الشأن ، لذلك فإنّ القرآن يضيف مباشرة بعد هذه الجملة( بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ ) . لأنّ دلائل الآخرة ظاهرة في هذه الدنيا ، فعودة الأرض الميتة إلى الحياة في فصل الربيع ، وإزهار الأشجار وإثمارها مع أنّها كانت في فصل الشتاء جرداء! ومشاهدة عظمة قدرة الخالق في مجموعة الخلق والوجود ، كلها دلائل على إمكان الحياة بعد الموت ، إلّا أنّهم كالعمي الذين لا يبصرون كل شيء!

وبالطبع فإنّ هناك تفاسير أخر للجملة أعلاه ، منها أنّ المراد من( ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ ) أن أسباب التوصل للعلم في شأن الآخرة متوافرة ومتتابعة ، إلّا أنّهم عمي عنها.

وقال بعضهم : إنّ المراد منها أنّهم عند ما تكشف الحجب في يوم الآخرة ، فإنّهم سيعرفون حقائق الآخرة بشكل كاف.

__________________

(١) كان لنا بحوث مفصلة في علم الغيب في الأجزاء السابقة في هذا التّفسير.

١١٧

إلّا أنّ الأنسب من بين هذه التفاسير الثلاثة هو التّفسير الأوّل حيث يناسب بقية الجمل في الآية ، والبحوث الواردة في الآيات الأخر!.

وهكذا فقد ذكرت ثلاث مراحل لجهل المنكرين (للآخرة).

الأولى : أنّ إنكارهم وإشكالهم هو لأنّهم يجهلون خصوصيّات الآخرة «وحيث أنّهم لم يروها فهم يظنون الحقيقة خيالا».

الثّانية : أنّهم في شك من الآخرة أساسا ، وسؤالهم عن زمان تحققها ناشئ من أنّهم في شك منها!.

الثّالثة : أن جهلهم وشكهم ليس منشؤهما أنّهم لا يملكون دليلا أو دلائل كافية على الآخرة ، بل الأدلة متوفرة إلّا أن أعينهم عمي عنها!

والآية التالية : توجز منطق منكري القيامة والبعث في جملة واحدة ، فتقول :( وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ ) ؟!

فهم مقتنعون بهذا المقدار ، أنّ هذه المسألة بعيدة (أن يتحول الإنسان إلى تراب ثمّ يعود إلى الحياة)! مع أنّهم كانوا أوّل الأمر ترابا وخلقوا من التراب ، فما يمنع أن يعودوا إلى التراب ، ثمّ يرجعون أحياء بعد أن كانوا ترابا!

الطريف أنّنا نواجه مثل هذا الاستبعاد في ثمانية مواضع من القرآن ، فهم يشكون في مسألة القيامة في المواضع آنفة الذكر بمجرّد استبعاد عودتهم إلى الحياة من «التراب» ثانية!.

ثمّ يحكي القرآن عمّا يضيفه المشركون من قول :( لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ ) ولكن لم نجد أثرا لهذا الوعد ولن يوجد( إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ) .

فما هي سوى خرافات وخزعبلات القدماء.

فبناء على هذا فإنّهم يبدأون من الاستبعاد ثمّ يجعلونه أساسا للإنكار المطلق فكأنّهم كانوا ينتظرون أن تتحقق القيامة عاجلا ، وحيث أنّهم لم يشهدوا

١١٨

ذلك في حياتهم فهم ينكرونه.

وعلى كل حال ، فهذه التعبيرات جميعها تدل على غفلتهم وغرورهم!.

ويستفاد ـ ضمنا من هذا التعبير ـ أنّهم أرادوا أن يسخروا من كلام النّبي في شأن يوم القيامة ، ويطعنوا عليه ، فيقولوا : إن هذه الوعود الباطلة سبقت لأسلافنا ، فلا جديد فيها يستحق بذل التفكير والمراجعة!.

* * *

١١٩

الآيات

( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٦٩) وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (٧٠) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٧١) قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (٧٢) وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (٧٣) وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (٧٤) وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٧٥) )

التّفسير

لا يضيق صدرك بمؤامراتهم :

كان الكلام في الآيات السابقة عن إنكار المعاندين الكفار للمعاد ، واستهزائهم وتكذيبهم باليوم الآخر.

ولما كان البحث المنطقي غير مجد لهؤلاء القوم المعاندين والأعداء الألدّاء ، بالإضافة إلى ما أقامته الآيات الأخر من الدلائل الوافرة على المعاد ممّا يرى كلّ يوم في عالم النباتات وفي عالم الأجنّة ، وما إلى ذلك ، فإنّ الآيات محل البحث

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

غريبة في باب معراجه

( 910 ) عن انس : « و ثم دخلت بيت المقدس ، فجمع لي الانبياءعليهم‌السلام فقدّمني جبرئيل حتّى أممتهم ثم صعد بي إلى السماء الدنيا فاذا فيها وآدمعليه‌السلام »(1) .

يبعد كلّ البعد حضور الانبياء في بيت المقدس ثم وصولهم إلى السموات اسرع منهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا يبعد كونه زيادة من بعض الرواة.

حبس النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه عن الصلوات

( 911 ) عن عبدالله بن مسعود قال : كنّا في غزوة فحبسنا المشركون عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، فلمّا انصرف المشركون أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منادياً فأقام لصلاة الظهر و(2)

أقول : لكن في رواية جابر انّهم حبسوا عن صلاة العصر وحدها ، وثانياً انّ الصلاة لا تسقط بحال فانّ لها مراتب آخرها الاشارة كما صلّى كذلك ابن عمر ، فهذه رواية موضوعة.

صلاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الحرير

( 912 ) عن عقبة قال : اُهدي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فروج حرير فلبسه ثم صلّى فيه! ثم انصرف فنزعه نزعاً شديداً كالكاره له ثم قال : « لا ينبغي هذا للمتقين »(3) .

ومن يحكم بوضع الحديث لا أراه ملوماً.

والفروج : القباء المشقوق.

__________________

(1) سنن النسائي 1 : 222 فرض الصلاة.

(2) سنن النسائي 2 : 18.

(3) سنن النسائي 2 : 72.

٤٤١

مبالغة كاذبة

( 913 ) عن عبدالله قال : لمّا قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قالت الانصار : منّا أمير ومنكم أمير ، فأتاهم عمر فقال : ألستم تعلمون انّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أمر أبا بكر أن يصلّي بالناس ، فأيّكم تطيب نفسه أن يتقدّم أبا بكر؟ قالوا : نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر(1) .

أقول : كلّ من وقف على التأريخ وما جرى في السقيفة يعلم كذب هذا الحديث. على انّ أبا بكر ليس هو الامام وحده في حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مع أنّ في امامته كلاماً صعباً مرّ عليك سابقاً.

ترك السجدة الواجبة

( 914 ) عن زيد انه زعم انه قرأ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والنجم إذا هوى. فلم يسجد(2) .

التناقض في الالتفات في الصلاة

( 915 ) عن أبي ذر : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يزال الله عزّ وجلّ مقبلاً على العبد في صلاته ما لم يلتفت ، فاذا صرف وجهه انصرف عنه »(3) .

( 916 ) عن عائشة : سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الالتفات في الصلاة ، فقال : « اختلاس يختلسه الشيطان من الصلاة ».

( 917 ) عن ابن عباس : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يلتفت في صلاته يميناً وشمالاً ولا يلوي عنقه خلف ظهره(4) . أقول : اعوذ بالله من اهانة النبي

__________________

(1) سنن النسائي 2 : 75.

(2) سنن النسائي 2 : 160.

(3) سنن النسائي 3 : 8.

(4) سنن النسائي 3 : 9.

٤٤٢

الخاشع الخاضع والكذب على ابن عباس.

الكلام في الصلاة

( 918 ) عن أبي الدرداء : قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يصلّي فسمعناه يقول : « اعوذ بالله منك » ثم قال : « ألعنك بلعنة الله ثلاثاً » وبسط يده كأنّه يتناول شيئاً قال : « انّ عدو الله ابليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي فقلت »(1) .

أقول : الكلام مع غير الله مبطل للصلاة وابليس لا يقدر على مجيئه بالنار ، مع انّها لو كانت لكانت محسوسة لغيرهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

منزلة علي من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

( 919 ) عن علي : كانت لي منزلة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم تكن لاَحد من الخلائق ، فكنت آتيه كلّ سحر فاقول : السلام عليك يا نبي الله ، فان تنحنح انصرفت إلى أهلي وإلاّ دخلت عليه(2) .

الصلاة على محمّد وعلى آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله

( 920 ) عن أبي مسعود الانصاري : ثم قال : « فقولوا : اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد كما صلّيت على آل ابراهيم ، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على آل ابراهيم في العالمين »(3) .

( 921 ) وعن كعب بن عجرة : قلنا يا رسول الله فكيف الصلاة عليك؟ قال : « قولوا : اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم انّك حميد مجيد ، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد

__________________

(1) سنن النسائي 3 : 13.

(2) سنن النسائي 3 : 12.

(3) سنن النسائي 3 : 45.

٤٤٣

كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم انّك حميد مجيد ».

( 922 ) وعن طلحة : قلنا يا رسول الله كيف الصلاة عليك؟ قال : قولوا : « اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم انّك حميد مجيد ، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم انّك حميد مجيد ».

( 923 ) عن زيد بن خارجة قال : أنا سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : « صلّوا عليَّ ، واجتهدوا في الدعاء ، وقولوا : اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد »(1) .

عذاب القبر

( 924 ) عن عائشة : دخلت عليَّ امرأة من اليهود فقالت : انّ عذاب القبر من البول.

فقلت : كذبت.

فقال : انّا لنقرض منه الجلد والثوب.

فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الصلاة وقد ارتفعت اصواتنا فقال : « ما هذا » فأخبرته بما قالت ، فقال : « صدقت » فما صلّى بعد يومئذ صلاة إلاّ قال في دبر الصلاة : « ربّ جبرئيل وميكائيل واسرافيل اعذني من حر النار وعذاب القبر »(2) .

أقول : هذه صورة أخرى من صور القصة المتعارضة المتضاربة ، على أنّ اخبار عائشة عن دعائهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد كلّ صلاة غير قابلة للتصديق ، لعدم علمها بذلك ، وهو رجم بالغيب ، مضافاً إلى دلالة الحديث على انّ توجههصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى

__________________

(1) سنن النسائي 3 : 49 وانظر سائر الاَسانيد والمتون هناك.

(2) سنن النسائي 3 : 72.

٤٤٤

وهو رجم بالغيب ، مضافاً إلى دلالة الحديث على انّ توجههصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الاستعاذة من عذاب القبر انّما نشأ من اخبار اليهودية ، واليك بعض صورها الاُخرى من هذه السيدة.

( 925 ) عنها : دخل عليَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعندي امرأة من اليهود وهي تقول : انّكم تفتنون في القبور ، فارتاع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : « انّما تفتن يهود ».

وقالت عائشة : فلبثنا ليالي ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « انّه اُوحي اليَّ انّكم تفتنون في القبور »(1) .

أقول : الحديث ـ مضافاً إلى تناقضه مع السابق ـ يدل على جهل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما علمته يهودية ، نعوذ بالله من هذه الفضيحة للاسلام والمسلمين.

( 926 ) وعنها : دخلت يهودية فقالت : أجارك الله من عذاب القبر.

قالت عائشة : فوقع في نفسي من ذلك حتّى جاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فذكرت ذلك له ، فقال : « انّهم ليعذّبون في قبورهم عذاباً تسمعه البهائم »(2) .

( 927 ) وعنها : دخلت عليَّ عجوزتان من عَجُز يهود المدينة فقالتا : انّ أهل القبور يعذّبون في قبورهم ، فكذبتهما ولم انعم ان اصدقهما...

أقول : هنا كلمة جامعة وهي : انّ المسلم العاقل مخير في ترك عقله وفكره وتديّنه وقبول أحاديث عائشة وأمثالها اغتراراً بعظمة الصحابة والزوجات ، وترجيح عقله ودينه بترك قبول كلّ ما رواه الصحابة ، وتحكيم عقله في قبول الاَحاديث وردّها من دون العصبية والغلو.

__________________

(1) سنن النسائي 4 : 104.

(2) سنن النسائي 4 : 105.

٤٤٥

فلسفة الكسوف

( 928 ) عن النعمان : قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « انّ الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ، ولكنّهما آيتان من آيات الله عزّ وجلّ ، إنّ الله عزّ وجلّ إذا بدا لشيء من خلقه خشع له »(1) .

عيد عائشة

( 929 ) عن عائشة : جاء السودان يلعبون بين يدي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في يوم عيد ، فدعاني ، فكنت أطّلع اليهم من فوق عاتقه ، فما زلت انظر اليهم حتّى كنت أنا التي انصرفت(2) .

أقول : هل يقبل عقل المسلم نسبة هذا إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ وهل يجوز نظر المرأة إلى الرجال حتّى يمكّنها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من النظر اليهم؟ ولدفع هذا الاشكال قد تأوّل بعضهم تأويلات باردة مضحكة كاحتمال عدم بلوغ عائشة!! أو احتمال نظرها إلى آلاتهم لا إلى وجوهم!! وان وقع اليهم بلا قصد امكن ان تصرفه في الحال! ولاحظ بقية أحاديث عيدها(3) .

واليك حديث من سنن الترمذي :

( 930 ) عن محمّد بن الحاطب : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « فصل ما بين الحرام والحلال : الدف والصوت »(4) .

في صلاة علي

( 931 ) عن علي : دخل علَيَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى فاطمة من الليل

__________________

(1) سنن النسائي 3 : 141.

(2) سنن النسائي 3 : 195.

(3) سنن النسائي 3 : 196 و197.

(4) صحيح جامع الترمذي 1 : 316.

٤٤٦

فأيقظنا للصلاة ثم رجع إلى بيته فصلّى هويّاً(1) من الليل ، فلم يسمع لنا حسّاً ، فرجع الينا فأيقظنا ، فقال : « قوما فصلّيا ».

قال : فجلست وأنا أعرك عيني وأقول : إنّا والله ما نصلّي إلاّ ما كتب الله لنا ، انّما انفسنا بيد الله ، فان شاء أن يبعثنا بعثنا ، قال : فولّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقول ـ ويضرب بيده على فخذه ـ : ما نصلّي إلاّ ما كتب الله لنا :( وكان الاِنسان أكثرَ شيءٍ جدلاً ) (2) (3) .

أقول : لا يحتمل مقابلة علي لهصلى‌الله‌عليه‌وآله بمثل هذا الجواب ، والظاهر انّ عبادة علي كانت مشهورة عند المسلمين ، فأراد بنو اُميّة الفجرة من وضع هذه الاَحاديث إهانته.

أحاديث عائشة في صلاة الليل

اختلفت أحاديث عائشة في صلاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في الليل ، فكأنها تقول وتحدّث ما تهوى ، فلاحظ أبواب صلاة الليل في سنن النسائي وغيره.

البكاء على الميت

( 932 ) عن أبي هريرة : مات ميت من آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاجتمع النساء يبكين عليه ، فقام عمر ينهاهنَّ ويطردهن ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « دعهنَّ يا عمر ، فانّ العين دامعة ، والقلب مصاب ، والعهد قريب »(4) .

أقول : الرواية صريحة في ابطال عذاب الميت ببكاء أهله ، لكن عمر يرى خلاف ذلك كما سبق.

__________________

(1) الهَويّ ـ بالفتح ـ : الحين الطويل من الزمان. وقيل : هو مختص بالليل. « النهاية لابن الاثير 5 : 285 ».

(2) الكهف 18 : 54.

(3) سنن النسائي 3 : 206.

(4) سنن النسائي 4 : 19.

٤٤٧

وضع اموي في حق فاطمة

( 933 ) عن عبدالله بن عمر : قالصلى‌الله‌عليه‌وآله لها : « ما اخرجك من بيتك يا فاطمة »؟

قالت : أتيت أهل هذا الميت فترحّمت اليهم وعزّيتهم بميّتهم.

قال : « لعلّك بلغت معهم الكدى »(1) .

قالت : معاذ الله أن أكون بلغتها ، وقد سمعتك تذكر في ذلك ما تذكر.

فقال لها : « لو بلغتها معهم ما رأيت الجنّة حتّى يراها جدّ أبيك »(2) .

أقول : وقريب منه ما في بعض الكتب الستة غير سنن النسائي.

والظاهر انّ الرواية وضعها بعض أعداء أهل البيت ، فانّ النبي لم يعهد منه أن يتكلّم مع ابنته ( سيدة نساء أهل الجنة ) بهذه الخشونة ، ولا سيّما بعد أن ذكرت له عدم مجيئها إلى المقبرة.

وثانياً : انّ الذهاب إلى المقبرة ـ على فرض حرمته ـ لا يوجب الكفر حتّى لا ترى به الجنة ، بل تضافرت الاَحاديث في أنّ أصحاب الكبائر الموبقة يدخلون الجنة إذا كان في قلوبهم ذرة من الايمان.

وثالثاً : انّ عبد المطلب كان موحّداً مؤمناً بالله تعالى ، فأيّ مانع له من رؤية الجنة ودخولها ، لعن الله العصبية الحمقى.

ثم أنَّ النسائي أنصف في الجملة ، وقال بعد ذكر الحديث المذكور : ربيعة ـ أحد رواة الحديث ـ ضعيف.

__________________

(1) في النهاية لابن الاثير ـ 4 : 156 ـ : « لعلَّكِ بغلتِ معهم الكُدَى » أراد المقابر ، وذلك لاَنّها كانت مقابرهم في مواضع صلبة ، وهي جمع كُدية.

(2) سنن النسائي 4 : 28.

٤٤٨

تناقض في القيام عند مرور الجنازة

( 934 ) عن ابن سيرين : مرّ بجنازة على الحسن بن علي وابن عباس فقام الحسن ولم يقم ابن عباس ، فقال الحسن لابن عباس : أما قام لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال ابن عباس : قام لها ثم قعد(1) .

( 935 ) عن محمّد بن علي : انّ الحسن بن علي كان جالساً فمرّ عليه بجنازة فقام الناس حتّى جاوزت الجنازة ، فقال الحسن : انّما مرّ بجنازة يهودي وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على طريقها جالساً فكره ان تعلو رأسه جنازة يهودي فقام. المصدر.

أقول انظروا إلى التناقض الفاضح فيما نقل عن الحسن ، وهل يرضى العاقل أن يحكم بصحة ما في الكتب الستة بدعوى صدق رواتها؟!

تحدّث عائشة عمّا قام على خلافه الاجماع

( 936 ) عن عائشة : اُتي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بصبيّ من صبيان الاَنصار فصلّى عليه ، قالت عائشة : فقلت : طوبى لهذا ، عصفور من عصافير الجنة لم يعمل سوءاً ولم يدركه ، قال أوَ غير ذلك يا عائشة ، خلق الله عزّ وجلّ الجنة وخلق لها أهلاً ، وخلق النار وخلق لها أهلاً ، وخلقهم في اصلاب آبائهم »(2) .

أقول : ينقل السيوطي عن النووي في شرحه : أجمع من يعتد به من علماء المسلمين على أنّ من مات من اطفال المسلمين فهو من أهل الجنة.

الردّ على الوهابية

( 937 ) عن بريدة : انّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا اتى على المقابر فقال :

__________________

(1) سنن النسائي 4 : 47.

(2) سنن النسائي 4 : 57.

٤٤٩

« السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، وانّا إن شاء الله بكم لاحقون ، انتم لنا فرط ونحن لكم تبع ، اسأل الله العافية لنا ولكم »(1) .

أقول : فقد خاطب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الاَموات خمس مرات في هذا الدعاء ، ولولا استماعهم أو علمهم بالخطاب لكان لغواً.

أرواح المؤمنين

( 938 ) عن ابن مالك ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « انّما نسمة المؤمن طائر في شجر الجنة حتّى يبعثه الله إلى جسده يوم القيامة »(2) .

أقول : وفي روايات : انّ الروح يدخل في بدن طائر.

ويقول السندي في حاشيته على المقام : قال السيوطي في حاشية أبي داود : إذا فسّرنا الحديث بانّ الروح يتشكّل طيراً ، فالاشبه أنّ ذلك في القدرة على الطيران فقط لا في صورة الخلقة؛ لانّ شكل الانسان أفضل الاشكال.

قلت : هذا إذا كان الروح الانساني له شكل في نفسه ويكون على شكل الانسان ، وأمّا إذا كان في نفسه لا شكل له ، بل يكون مجرداً واراد الله أن يتشكّل ذلك المجرد لحكمة ما ، فلا يبعد أن يتشكّل أول الاَمر على شكل الطائر ، وأمّا على الثاني : فقد أورد عليه الشيخ علم الدين العراقي : انّه لا يخلوا إمّا ان يحصل للطير الحياة بتلك الاَرواح أو لا؟ والاَول : عين ما تقوله التناسخية ، والثاني : مجرد حبس للارواح وتسجن...

أقول : انّما نقلت هذا المقدار من شرح السندي توضيحاً ، ولكنّه غير صحيح ، وتحقيق المقام في محلّه. والروايات لا بدّ من تأويلها.

__________________

(1) سنن النسائي 4 : 94.

(2) سنن النسائي 4 : 108.

٤٥٠

 ( 939 ) عن كعب ، عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « انّ أرواح الشهداء في طير خضر تعلق من ثمر ( شجر ) الجنة »(1) .

الصوم في السفر

( 940 ) عن جابر ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ليس من البرّ الصيام في السفر ، عليكم برخصة الله عزّ وجلّ فاقبلوها »(2) .

( 941 ) وعنه : خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى مكّة عام الفتح في رمضان فصام حتّى بلغ كراع الغميم ، فصام الناس ، فبلغه انّ الناس قد شقّ عليهم الصيام ، فدعا بقدح من الماء بعد العصر فشرب فبلغه أنّ ناساً صاموا فقال : « اولئك العصاة »(3) .

( 942 ) عن عمرو بن اُميّة الضمري قال : قدمت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من سفر فقال : « ادن مني حتّى أخبرك عن المسافر ، إنّ الله عزّ وجلّ وضع عنه الصيام ونصف الصلاة »(4) .

( 943 ) عن أنس ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : قال : « انّ الله وضع عن المسافر نصف الصلاة والصوم ، وعن الحبلى والمرضع »(5) .

( 944 ) وعن رجل قال اتيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ان الله وضع عن المسافر نصف الصلاة والصوم ، ورخّص للحبلى والمرضع »(6) .

أقول : هذا الحديث نص في أنّ افطار المسافر في السفر عزيمة ،

__________________

(1) صحيح جامع الترمذي 2 : 127.

(2) سنن النسائي 4 : 176.

(3) سنن النسائي 4 : 177.

(4) سنن النسائي 4 : 178 وللحديث اسانيد اخرى.

(5) سنن النسائي 4 : 180.

(6) سنن النسائي 4 : 181.

٤٥١

فيقع التعارض بينه وبين ما دلّ على الجواز ، فبعد التساقط بالتعارض يرجع إلى اطلاق الآية الكريمة الدالة على لزوم صيام عدة من أيام اُخر سواء صام المسافر في رمضان أم لا ، فيستفاد منه بطلانه وعدم مشروعيته ، ويؤكده الحديث الاَول : « عليكم برخصة الله » فانّ كلمّة « عليك » تدلّ على الوجوب. وتفصيل المقال في كتب الفقه.

نية الصوم قبل الفجر

هل تعتبر نية الصوم قبل الفجر في صحة الصيام أم لا؟ الاَحاديث فيها متعارضة(1) .

الصوم من طلوع الشمس لا من طلوع الفجر!

( 945 ) عن زر قال : قلنا لحذيفة : أي ساعة تسحّرت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال : هو النهار إلاّ أنّ الشمس لم تطلع!!(2) .

جهالة الناس بالاحكام

( 946 ) عن الحسن : قال ابن عباس ـ وهو أمير البصرة ـ : في آخر الشهر أخرجوا زكاة صومكم ، فنظر الناس بعضهم إلى بعض ، فقال : مَن هاهنا من أهل المدينة قوموا فعلِّموا اخوانكم ، فانّهم لا يعلمون أنّ هذه الزكاة فرضها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على كلّ ذكر وانثى(3) .

هدية عائشة

( 947 ) عنها : انّ أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله اجتمعن عنده فقلن : أيَّتنا بك أسرع

__________________

(1) سنن النسائي 4 : 196.

(2) سنن النسائي 4 : 142. المترجم بلغة غير عربية. ويظهر من المترجم انّ بعض العلماء قائل به!!

(3) سنن النسائي 5 : 50.

٤٥٢

لحوقاً؟ قال : « أطولكنَّ يداً » فأخذن قصبة فجعلن يذرعنها ، فكانت سودة أسرعهنّ به لحوقاً ، فكانت أطولهنَّ يداً ، فكان ذلك من كثرة الصدقة(1) .

أقول : كثرة صدقة سودة ( رض ) هي هبتها حقّها لعائشة ( رض ) ، فأهدت لها هذه الهدية ، وإلاّ فمن المعلوم انّ الاَسرع به لحوقاً هي زينب بنت جحش ( رض ) حيث ماتت في امارة عمر ، وأمّا سودة فماتت في امارة معاوية سنة 54 هـ.

طيب المحرم

( 948 ) عن عائشة : كأنّي انظر إلى وبيص الطّيب في راس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو محرم(2) .

الوبيص : كالبريق لفظاً ومعنىً كما قيل.

ولها أحاديث متنوعة في ذلك. لكنّ الطّيب حرام للمحرم ، وذهب غلاة المتأوّلين إلى انّه من خصائصهصلى‌الله‌عليه‌وآله !! دون أن يردّوا هذه الاَحاديث الضعيفة.

صلابة عمر في تأويل الكتاب والسنّة

( 949 ) عن ابن شهاب ، عن محمّد : انّه حدّثه انّه سمع سعد بن أبي وقاص والضحاك بن قيس عام حجَّ معاوية بن أبي سفيان وهما يذكران أنّ التمتع بالعمرة إلى الحج ، فقال الضحاك : لا يصنع ذلك إلاّ من جهل أمر الله تعالى.

فقال سعد : بئس ما قلت يا ابن أخي.

قال الضحاك : فانّ عمر بن الخطاب نهى عن ذلك.

__________________

(1) سنن النسائي 5 : 66 ـ 67.

(2) سنن النسائي 5 : 139.

٤٥٣

قال سعد : قد صنعها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وصنعناها معه(1) .

( 950 ) عن ابن عباس : سمعت عمر يقول : والله انّي لاَنهاكم عن المتعة ، وانّها لفي كتاب الله ، ولقد فعلها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ يعني العمرة في الحج ـ المصدر.

كذب معاوية وانكاره الحق

( 951 ) عن طاوس : قال معاوية لابن عباس : أعلمت أنّي قصَّرت من رأس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عند المروة؟ قال : لا ، يقول ابن عباس : هذا معاوية ينهى الناس عن المتعة وقد تمتع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (2) .

يقول السندي : والصحيح الذي لا يشكّ فيه والذي نقله الكواف انّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يقصر من شعره شيئاً ولا أحلّ من شيء من احرامه إلى أن حلق بمنى يوم النحر. إلى آخر كلامه في تحكيم بطلان ادعاء معاوية.

( 952 ) عن عطاء ، عن معاوية : أخذت من اطراف شعر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بمشقص كان معي بعدما طاف بالبيت وبالصفا والمروة في ايام العشر.

قال قيس : والناس ينكرون هذا على معاوية(3) .

( 953 ) عن مسلم بن يسار وعبدالله بن عبيد قالا : جمع المنزل بين عبادة بن الصامت وبين معاوية ، فقال عبادة : نهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن نبيع الذهب بالذهب والورق بالورق فبلغ هذا الحديث معاوية فقام فقال : ما بال رجال يحدّثون أحاديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد صحبناه ولم نسمعه منه!!

فبلغ ذلك عبادة بن الصامت فقام فأعاد الحديث فقال : لنحدّثنَّ بما

__________________

(1) سنن النسائي 5 : 253.

(2) سنن النسائي 5 : 154.

(3) سنن النسائي 5 : 245.

٤٥٤

سمعناه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإن رُغِمَ معاوية(1) .

يقول السندي ردّاً على كلام معاوية : استدلال بالنفي على ردّ الحديث الصحيح بعد ثبوته مع اتفاق العقلاء على بطلان الاستدلال بالنفي وظهور بطلانه بأدنى نظر بل بديهة ، فهذا جرأة عظيمة.

أقول : مدلول الحديث حكم ثابت قطعي ، ولا اظنّ جهل معاوية به.

متعارضان

( 954 ) قال سراقة : تمتّع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتمتّعنا معه ، فقلنا ألنا خاصة أم لاَبد؟ قال : « بل لابد »(2) .

( 955 ) عن أبي ذر قال في متعة الحجّ : ليست لكم ولستم منها في شيء ، انّما كانت رخصة لنا أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فهما متعارضان : إلاّ أن تحمل الاولى على متعة النساء.

متعارضة أيضاً

تعارضت الاَحاديث فيما يجوز للمحرم أكله من الصيد(3) ، كما تعارضت الروايات في نكاح المحرم(4) .

سلطة معاوية

( 956 ) عن سعيد بن جبير قال : كنت مع ابن عباس بعرفات ، فقال : ما لي لا أسمع الناس يلبون؟ قلت : يخافون معاوية.

فخرج ابن عباس من فسطاطه ، فقال : لبيك اللّهمّ لبيك لبيك ، فانّهم

__________________

(1) سنن النسائي 7 : 275 ـ 276.

(2) سنن النسائي 5 : 179.

(3) سنن النسائي 5 : 182.

(4) انظر سنن النسائي 5 : 191.

٤٥٥

قد تركوا السنّة من بغض علي(1) .

قال السندي في شرحه : اي هو كان يتقيّد بالسنن فهؤلاء تركوها بغضاً له.

أقول : قد ترك معاوية من دينه ما هو أعظم وأكبر من السنن بغضاً لعلي ، فقد قتل كثيراً من الاَبرياء وحارب علياً في صفين ، وقد ثبت انّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعلي : « حربك حربي ».

عقل عبدالله بن عمر

( 957 ) عن سالم بن عبدالله : انّ عبدالله بن عمر جاء إلى الحجاج بن يوسف يوم عرفة حين زلت الشمس وأنا معه فقال : الرّواح إن كنت تريد السنّة.

فقال : هذه الساعة.

قال : نعم.

قال سالم : فقلت للحجاج : إن كنت تريد أن تصيب اليوم السنّة فاقصر الخطبة وعجلّ الصلاة.

فقال عبدالله بن عمر : صدق(2) .

أقول : هذا الزنديق الذي يفضّل عبد الملك على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بدعوى أنّ خليفة الرجل أفضل من رسوله يتقرّب عبدالله منه ليصيب من دنياه ويؤيد شرعية ولايته ، فيوصّيه بالسنن وصلاته في أول الوقت! فهذا عقل عبدالله الذي لم يحسن طلاق زوجته ، وقد قال الله تعالى :( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار ) (3) .

__________________

(1) سنن النسائي 5 : 253.

(2) سنن النسائي 5 : 254.

(3) هود 11 : 113.

٤٥٦

 ( 958 ) عن هشام بن حسان : أحصوا ما قتل الحجاج صبراً فبلغ مائة ألف وعشرين ألف قتيل(1) .

عبد الرحمن بن عوف واصحابه

( 959 ) عن ابن عباس : انّ عبد الرحمن بن عوف وأصحاباً له أتوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بمكة قالوا : يا رسول الله انّا كنّا في عزّ ونحن مشركون ، فلمّا آمنّا صرنا أذلّة.

فقال : « انّي أمرت بالعفو فلا تقاتلوا ».

فلمّا حوّلنا الله إلى المدينة أمرنا بالقتال فكفُّوا ، فأنزل الله عزّ وجلّ :( ألم ترَ إلى الذين قيل لهم كفّوا أيديكم وأقيموا الصلاة ) (2) (3) .

رضاعة الكبير!!!

( 960 ) عن عائشة : جاءت سهلة بنت سهيل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت : انّي أرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم عليَّ.

قال : « فأرضعيه ».

قالت : وكيف أرضعه وهو رجل كبير.

فقال : « ألستُ أعلم أنّه رجل كبير »(4) .

( 961 ) وعن عروة قال أبى سائر أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يدخل عليهنَّ بتلك الرضعة أحد من الناس يريد رضاعة الكبير(5)

أقول : ولعائشة ( رض ) أقوال غريبة عجيبة تنسبها إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومنها رضاعة الكبير التي لم توافق عليها واحدة من الزوجات الطاهرات ،

__________________

(1) صحيح جامع الترمذي 2 : 244.

(2) النساء 4 : 77.

(3) صحيح جامع الترمذي 3 : 6.

(4) سنن النسائي 6 : 105.

(5) سنن النسائي 6 : 106.

٤٥٧

لكنّ عائشة تأذن للكبار أن يدخلوا عليها بمثل هذه الرضاعة كما مرّ.

ثم انّ رضاعة الكبير إن أُريد بها امتصاص اللبن من ثدي المرأة فهي حرام قطعاً؛ لاَنّ مس شفتي الرجل بثدي المرأة الاجنبية حرام في دين الاسلام ، وإن اُريد بها مجرد شرب لبنها ولو من الاناء فهذا ممّا لا تحصل به الرضاعة المحرّمة. وعلى هذه الاحاديث اعتمد سلمان رشدي الملحد.

( 962 ) عن اُمّ سلمة : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يحرم من الرضاعة إلاّ ما فتق الاَمعاء في الثدي وكان قبل الفطام »(1) .

وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وغيرهم انّ الرضاعة لا تحرم إلاّ ما كان دون الحولين ، وما كان بعد الحولين الكاملين فانّه لا يحرم شيئاً.

ثلاث تطليقات

( 963 ) عن محمود بن لبيد قال : اُخبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن رجل طلّق امرأته ثلاث تطليقات جميعاً ، فقام غضباناً ثم قال : « أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم » حتّى قام رجل وقال : يا رسول الله ألا أقتله(2)؟

( 964 ) عن طاوس : انّ أبا الصهباء جاء إلى ابن عباس فقال : يا ابن عباس ألم تعلم انّ الثلاث كانت على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأبي بكر وصدراً من خلافة عمر ـ رضي الله عنهما ـ ترد إلى الواحدة؟ قال : نعم(3) .

عائشة عصبية تفلق الصحفة

( 965 ) عن اُمّ سلمة : انّها يعني أتت بطعام في صحفة لها إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله واصحابه ، فجاءت عائشة متَّزرة بكساء ومعها فهر ففلقت به

__________________

(1) صحيح جامع الترمذي 1 : 338.

(2) سنن النسائي 6 : 142.

(3) سنن النسائي 6 : 145.

٤٥٨

الصحفة ، فجمع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بين فلقتي الصحفة ويقول : « كلوا غارت اُمّكم مرتين » ثم أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صحفة عائشة فبعث بها إلى اُمّ سلمة واعطى صحفة اُمّ سلمة عائشة(1) .

الفهر ـ بالكسر ـ : حجر قدر ما يدق به الجوز.

( 966 ) عن جسرة بنت دجاجة ، عن عائشة : ما رأيت صانعة طعام مثل صفية أهدت إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله اناء فيه طعام ، فما ملكت نفسي أن كسرتها ، فسألت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن كفّارته فقال : « اناء كاناء وطعام كطعام »(2) .

أقول : المعاوضة تنفي الضمان ولا تنفي حرمة التصرف في مال الغير واتلافه بغير اذنه ، فقد ارتكبت عائشة حراماً في كسر الاناء مرتين ، ثم أنَّ جرأتها في الخروج إلى محضر الرجال ـ في مورد الحديث الاَول ـ وكسر الاناء بمحضر من الاَصحاب شيء اختصت هي به وضعفت عنه أكثر نساء الناس ـ مسلمات وغير مسلمات ـ حتى في القرن العشرين!

وفي حديث : انّها ضربت يد الرسول فسقطت القصعة وانكسرت!

غاية القتال

( 967 ) عن أنس ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « اُمرت أن اقاتل الناس حتّى يشهدوا »(3) .

أقول الاَحاديث في بيان الغاية ومدخول كلمة حتّى مختلفة جداً في كلّ الصحاح(4) .

من خرج من الطاعة

( 968 ) عن أبي هريرة : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من خرج من الطاعة وفارق

__________________

(1) سنن النسائي 7 : 70 ـ 71.

(2) سنن النسائي 7 : 71.

(3) سنن النسائي 7 : 75.

(4) انظر سنن النسائي : 7 : 75 وما بعدها إلى 81.

٤٥٩

الجماعة فمات مات ميتة جاهلية ، ومن خرج على اُمّتي يضرب برَّها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهدها فليس منّي ، ومن قاتل تحت راية عمِّيَّة يدعو إلى عصبية أو يغضب لعصبيّة فقُتل فقتلة جاهلية »(1) .

سهم ذي القربى

لاحظ أحاديثه في ص128 وص129 ج7 عن قول ابن عباس ، وانّه لقربى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وانَّ عمر عرض عليهم شيئاً رأوه دون حقّهم فلم يقبلوا منه.

الحكومة الجائرة

( 969 ) عن كعب : خرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونحن تسعة فقال : « انّه ستكون بعدي اُمراء من صدّقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس منّي ولست منه ، وليس بوارد عليَّ الحوض »(2) .

( 970 ) عن طارق : انّ رجلاً سأل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وقد وضع رجله في الغرز ـ أي الجهاد أفضل؟ قال : « كلمة حقٍّ عند سلطان جائر »(3) .

ريح الجنة

( 971 ) عن أبي هريرة ، عن رسول الله : « وانّ ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عاماً »(4) .

( 972 ) عن عبدالله بن عمر ، عن رسول الله : « وانّ ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً ». المصدر.

أقول : كلا الحديثين في موضوع واحد عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

__________________

(1) سنن النسائي 7 : 123.

(2) سنن النسائي 7 : 160.

(3) سنن النسائي 7 : 161.

(4) سنن النسائي 8 : 25.

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592