الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٢

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 592

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 181344 / تحميل: 6372
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

القلوب المهيأة للنور ويبسط عليها خيمته!.

ونظير هذا المضمون كثير في آيات القرآن!.

إذ نقرأ في الآية (٢٧٢) من سورة البقرة قوله تعالى :( لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) .

وفي الآية (٣٧) من سورة النمل( إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُ ) .

وفي الآية (٤٣) من سورة يونس( أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ ) .

كما نقرأ أيضا في الآية (٤) من سورة إبراهيم ما هو بمثابة القانون العام( فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) .

فالآية الأخيرة تدلّ دلالة واضحة على أن المشيئة الإلهية في شأن هاتين الطائفتين «جماعة الهدى وجماعة الضلال» ليست دون حساب ، بل هي طبقا للجدارة واللياقة وسعي الأفراد أنفسهم فالله يهب توفيقه على هذا الأساس ، ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ، ويسلب الهدى ممن يشاء فيضلون السبيل.

وفي الآية الثّانية ـ من الآيتين محل البحث ـ يتحدث القرآن الكريم عن طائفة اعترفوا بالإسلام في واقعهم وأيقنت به قلوبهم ، إلّا أنّهم لم يظهروا إيمانهم بسبب منافع شخصية وملاحظات ذاتية ، حيث يقول :( وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا ) (١) .

ورد في كتب التّفسير أن الذي قال :( إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ ) إلخ هو «الحارث بن نوفل» ، حيث قال للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّنا نعرف أن ما تقوله حق ، لكن الذي يمنعنا من اتباعك والإيمان بك ، خوفنا من هجوم العرب علينا ليطردونا من

__________________

(١) كلمة «معك» في الآية الآنفة متعلقة بـ «نتبع» ، ويحتمل أن تكون كلمة «معك» متعلقة بـ «الهدى» ويكون التفاوت في المعنى يسيرا

٢٦١

أرضنا ، ولا طاقة لنا على ردّهم(١) .

هذا الكلام لا يقوله إلّا من يستضعف قدرة الله ويرى أن قدرة حفنة من العرب الجاهليين عظيمة!! وهذا الكلام لا يصدر إلّا من قلب لا يعرف عناية الله وحمايته ، ولا يعرف كيف ينصر الله أولياءه ويخذل أعداءه ، لذلك يقول القرآن ردّا على مثل هذه المزاعم( أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ (٢) وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) .

الله الذي جعل هذه الأرض المالحة والمليئة بالصخور والخالية من الأشجار والأنهار ، جعلها حرما تهفوا إليه القلوب ، ويؤتى إليه بالثمرات من مختلف نقاط العالم ، كل ذلك بيد قدرته القاهرة.

فإنّ من له هذه القدرة على اقرار «الأمن» وجبابة «النعم» إلى هذا المكان وهؤلاء يرون ذلك بأعينهم ، كيف لا يكون قادرا على أن يحفظكم من هجوم حفنة من الجاهليين عبّاد الأوثان؟!

فقد كنتم في زمان الكفر مشمولين بنعمتي الله العظيمتين «الأمن والمواهب المعاشية» فكيف يمكن أن يحرمكم الله منهما بعد الإسلام؟!

لتكن قلوبكم قوية وآمنوا بما انزل إليكم فإنّ ربّ الكعبة وربّ مكّة معكم.

هنا ، ينقدح هذا السؤال ، وهو : إن التأريخ يدل على أن حرم مكّة لم يكن آمنا للمسلمين للغاية ، ألم تعذب طائفة من المسلمين في مكّة؟ ألم يرموا النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالأحجار الكثيرة؟! ألم يقتل بعض المسلمين في مكّة؟! ألم يهاجر جماعة من المسلمين من مكّة مع جعفر بن أبي طالب رضى الله عنه وجماعة آخرون مع النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله آخر الأمر لعدم الأمن في مكّة؟!

__________________

(١) مجمع البيان ـ ذيل الآية محل البحث

(٢) «يجبى» مشتق من مادة «جباية» [«ونمكن» في الآية بمعنى نجعل] والجبابة معناها الجمع ، لذلك يطلق على الحوض الذي يجمع فيه الماء جابية ونصب كلمة «حرم» على أنّها مفعول لنمكن.

٢٦٢

فنقول جوابا على ذلك :

أوّلا : مع جميع هذه الأمور ما تزال مكّة أكثر أمنا من النقاط الأخرى وكان العرب يحترمونها ويقدسونها ، وبالرغم من أنّهم كانوا يقدمون على جرائم متعددة في أماكن أخرى ، إلّا أنّهم كانوا يحجمون عن الإتيان بمثلها في مكّة.

والخلاصة : فمع عدم الأمن العام والكلي كانت مكّة تتمتع بالأمن النسبي ولا سيما أن الأعراب خارجها كانوا يراعون أمنها وقداستها.

ثانيا : صحيح أن هذه الأرض التي جعلها الله حرما آمنا أضحت لفترة وجيزة غير آمنة على أيدي جماعة إلّا أنّها سرعان ما تحولت إلى مركز كبير للأمن وتواتر النعم الكثيرة المتعددة ، فعلى هذا لم يكن تحمل هذه الصعاب المؤقتة من أجل الوصول للنعم العظيمة ، أمرا عسيرا ومعقدا.

وعلى كل حال ، فإنّ كثيرا ممن يقلقون على منافعهم الشخصية ، كالحارث بن نوفل ، لا يسلكون سبيل الهداية والإيمان في حين أنّ الإيمان بالله والتسليم لأمره ، لا يؤمن المنافع المعنوية لهم فحسب ، بل يؤمن لهم المحيط الصحيح والمنافع المادية المشروعة وما إلى ذلك. وعدم الأمن والغارات والحروب التي نجدها في عصر التمدن ـ كما يصطلح عليه ـ وفي الدنيا البعيدة عن الإيمان والهداية ، كل هذه الأمور شاهد حي على هذا المدّعى!.

ومن الضروري الالتفات إلى هذه النقطة الأساسية ، وهي أنّ الله سبحانه أوّل ما يذكر من نعمه نعمة الأمن ، ثمّ يذكر جلب الثمرات والأرزاق وغير ذلك من جميع الأنحاء إلى مكّة ، ويمكن أن يكون هذا التعبير مبيّنا هذا الواقع ، وهو : طالما كان الأمن حاكما في بلد كان اقتصاده جيدا ، وإلّا فلا ، «قد بيّنا هذا الأمر في بحثنا للآية ٣٥ سورة إبراهيم».

كما أنّ الجدير بالذكر أنّ «يجبى» جاءت على صيغة الفعل المضارع الذي يدل على الاستمرار في الحال والاستقبال ، ونحن اليوم وبعد مرور أربعة عشر

٢٦٣

قرنا ، نرى بأم أعيننا مفهوم هذا الكلام واستمرار جباية جميع أنواع المواهب إلى هذه الأرض المباركة ، فالذين يحجّون مكّة ويزورون بيت الله الحرام ، يرون بأعينهم هذه الأرض الجرداء الحارة التي لا تنبت شيئا ، كم فيها من النعم! فكأن مكّة غارقة بها ، ولعل أية نقطة من العالم ليس فيها ما في مكّة من هذه النعم الوفيرة.

* * *

ملاحظة

إيمان أبي طالب والضجيج حوله :

هذا الموضوع يبدو عجيبا لمن كان من أهل البحث والمطالعة فكيف يصرّ جماعة من رواة الأخبار على أن يزعموا أنّ أبا طالبعليه‌السلام عم النّبي كان مشركا وغير مؤمن وأنّه مات كافرا!! وهو بإجماع المسلمين كان من الذين بذلوا تضحيات منقطعة النظير ، وحمى نبيّ الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله وضحّى من أجله؟!

ولم لا يكون هذا الإصرار بالنسبة للآخرين الذين لا حظّ لهم في تأريخ الإسلام؟!

هنا نعرف أنّ المسألة ليست مسألة عادية ثمّ بأقل ملاحظة وتدقيق نصل إلى هذه النتيجة ، وهي أنّ وراء هذه البحوث التاريخية والروائية لعبة سياسيّة خطيرة من أعداء عليعليه‌السلام ومناوئيه! فقد كانوا يصرّون على سلب كل فضيلة له ، حتى جعلوا أباه المضحّي والفادي للنبي والمؤثر له على نفسه يموت كافرا بزعمهم!!.

ومن المؤكّد أنّ بني أمية ومريديهم في عصرهم ، وقبل أن يصلوا إلى دفة الحكومة ، سعوا ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا لإثبات مدعاهم بالشواهد والحجج الواهية.

٢٦٤

ونحن بقطع النظر عن هذه الأمواج السياسية المنحرفة والملوثة ، التي هي بنفسها تستحق المطالعة من جهات متعددة نبحث المسألة على أساس أنّها مسألة بنفسها تستحق المطالعة من جهات متعددة نبحث المسألة على أساس أنّها مسألة تأريخية وتفسيرية بحتة ، بشكل موجز ومضغوط (كما يقتضيه وضع الكتاب) ليتّضح أن ليس وراء هذا الضجيج أي سند معتبر ، بل هناك شواهد حيّة ضده!.

١ ـ إن الآية محل البحث( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ) ليس لها علاقة بأبي طالب كما بيّنا ، وقلنا : إن الآيات التي جاءت قبلها تدل بصورة واضحة أنّها في شأن جماعة من أهل الكتاب المؤمنين ، في مقابل مشركي مكّة.

الطريف أن الرازي الذي يزعم أن الآية نزلت في أبي طالبعليه‌السلام بإجماع المسلمين!! يصرّح بأن الآية ليس فيها أقل دلالة على كفر أبي طالب(١) .

ولكن مع هذه الحال فلما ذا يصرون فيها على أن يكون أبو طالبعليه‌السلام مشركا؟ فهذه مسألة غريبة ومدعاة للدهشة!

٢ ـ وأهم دليل لديهم في هذا المجال أنّهم ادعوا إجماع المسلمين على أن أبا طالب مات مشركا!.

في حين أن مثل هذا الإجماع كذب محض لا أساس له ، وهو عار عن الصحة.

فالمفسّر المعروف «الآلوسي» ـ وهو من علماء السنة ـ صرح في تفسير روح المعاني أنّ هذه المسألة ليست إجماعية ، وحكاية الإجماع من قبل المسلمين أو المفسّرين على أنّ الآية المتقدمة نزلت في أبي طالب تبدو غير صحيحة لأنّ علماء الشيعة وجمع كثير من المفسّرين يعتقدون بإسلام أبي طالب ، وادّعى أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام الإجماع على ذلك ، إضافة إلى أن أكثر قصائد

__________________

(١) التّفسير الكبير للفخر الرازي ، ج ٢٥ ، ص ٣.

٢٦٥

أبي طالب تشهد على إيمانه(١) .

٣ ـ التدقيق والبحث يدل على أن هذا الإجماع المزعوم هو من قبل أخبار الآحاد الذين لا اعتبار لهم ، وفي سند هذه الروايات أفراد مشكوك فيهم كذابون.

ومن هذه الرّوايات ما نقله ابن «مردويه» بسنده عن ابن عباس أن آية( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ) نزلت في شأن أبي طالب ، وقد أصرّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عليه أن يؤمن فلم يؤمن(٢) .

في حين أنّ في سند هذه الرواية «أبو سهل السري» الذي عرف بين كبار أصحاب علم الرجال بأنّه من الكذابين الوضّاع السارقين للحديث. كما أنّ في سند هذه الرّواية «عبد القدوس أبو سعيد الدمشقي» وهو من الكذابين أيضا(٣) .

وظاهر تعبير الحديث يدل على أن ابن عباس ينقل هذا الحديث من غير واسطة وكان شاهدا على ذلك ، في حين أنّنا نعرف أن ابن عباس ولد قبل الهجرة بثلاث سنوات ، فعلى هذا كان لا يزال رضيعا عند ما مات أبو طالبعليه‌السلام ومن هنا نستنتج أنّ واضعي الحديث حتى في هذا العمل كانوا مبتدئين وناشئين!!.

وهناك حديث آخر في هذا المجال ينقله «أبو هريرة» إذ يقول : حين دنت وفاة أبي طالب قال له النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عم قل : لا إله إلّا الله ، لأشهد لك يوم القيامة عند الله بالتوحيد ، فقال أبو طالب : لو لا أن قريشا تقول إن أبا طالب أظهر الإيمان حال الموت خوفا ، لكنت أشهد بالتوحيد وأقرّ عينيك ، فنزل قوله تعالى :( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ) (٤) .

ويبدو من ظاهر هذا الحديث أن أبا هريرة كان شاهدا على هذه القضية ، في حين أنّنا نعرف أن أبا هريرة أسلم سنة فتح خيبر ، بعد الهجرة بسبع سنين ، فأين

__________________

(١) روح المعاني ، ج ٢ ، ص ٨٤ ذيل الآية محل البحث.

(٢) الدر المنثور ، ج ٥ ، ص ١٣٣.

(٣) الغدير ، ج ٨ ، ص ٢٠.

(٤) الدر المنثور ، ج ٥ ، ص ١٣٣.

٢٦٦

أبو هريرة من وفاة أبي طالب التي حدثت قبل الهجرة ...؟!!

وإذا قيل أن ابن عباس وأبا هريرة لم يكونا شاهدين على هذه القضية ، وسمعا هذه القصّة من شخص آخر فإننا نسأل من هو هذا الشخص؟! فالذي نقل هذا الحديث لهذين الشخصين ـ إذا ـ مجهول ، ومثل هذا الحديث يعرف عند أهل الحديث بالمرسل ، والجميع يعلمون بأن لا اعتبار للمراسيل!

ومن المؤسف أنّ جماعة من رواة الأخبار والمفسّرين نقلوا هذا الحديث بعضهم عن بعض دون تدقيق في كتبهم ، وشيئا فشيئا كوّنوا إجماعا لهذا الحديث! ولكن أيّ إجماع هذا؟ أم أي حديث معتبر!؟!

٤ ـ وبعد هذا كلّه ، فإنّ متن هذه الأحاديث الموضوعة يدل على أن أبا طالبعليه‌السلام كان مؤمنا بحقانية النّبي ، غاية ما في الأمر لم يجر ذلك على لسانه لملاحظات خاصة ونحن نعرف أن الإيمان هو بالقلب ، وأمّا اللسان فهو طريق القلب ، وفي بعض الأحاديث الإسلامية شبه أبو طالب بأصحاب الكهف الذين كانوا مؤمنين وإن لم يقدروا على إظهار الإيمان على ألسنتهم(١) .

٥ ـ ثمّ هل يمكن القناعة برواية مرسلة عن أبي هريرة أو ابن عباس في مثل هذه المسألة المهمة ، فلم لا يؤخذ بإجماع أئمة أهل البيتعليهم‌السلام وإجماع علماء الشيعة ، وهم أعرف بحال أسرة النّبي وأهله!!

إنّنا اليوم نحتفظ بأشعار كثيرة لأبي طالب توضح إيمانه بالإسلام ورسالة النّبي (محمّد)صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد نقل هذه الأشعار طائفة من العلماء والأفاضل في كتبهم (وقد نقلنا طائفة منها في ذيل الآية ٢٦ من سورة الأنعام من مصادر سنية معروفة)!.

٦ ـ ومع غض النظر عن جميع ما تقدم ، فإنّ تأريخ حياة أبي طالب وتضحياته العظيمة للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلاقة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والمسلمين الشديدة به إلى درجة

__________________

(١) راجع في هذا الصدد تفسير الصافي وتفسير البرهان ذيل الآية محل البحث.

٢٦٧

أنّ النّبي سمى عام وفاته بـ «عام الحزن» كل ذلك يدل على أنّه كان يعشق الإسلام ، ولم يكن دفاعه عن النّبي على أنّه أحد أرحامه ، بل دفاع رجل مؤمن مخلص وعاشق نظيف وجندي مضحّ عن قائده وإمامه فمع هذه الحالة ، كم يبلغ الجهل والغفلة والظلم وعدم الشكر بطائفة أن تصرّ على أنّ هذا الرجل المخلص المؤمن الموحّد مات مشركا(١) .

* * *

__________________

(١) هناك بحث مفصل أوردناه لدى تفسير الآية ٣٦ من سورة الأنعام.

٢٦٨

الآيات

( وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ (٥٨) وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلاَّ وَأَهْلُها ظالِمُونَ (٥٩) وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٠) )

التّفسير

لا تخدعنكم علائق الدنيا :

كان الحديث في الآيات المتقدمة يدور حول ما يدعيه أهل مكّة ، وقولهم : إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا بهجوم العرب علينا ، وتتكدر حياتنا ويختل وضعنا المعاشي والاقتصادي وقد أجابت الآيات السابقة على هذا الكلام بردّ بليغ.

وفي هذه الآيات مورد البحث ردّان آخران على كلامهم :

الأوّل : يقول على فرض أنّكم لم تؤمنوا ، وحييتم في ظل الشرك مرفهين

٢٦٩

ماديّا ، ولكن لا تنسوا أن تعتبروا بحياة من قبلكم فـ( كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها ) .

أجل ، إنّ الغرور دعاهم إلى أن يبطروا من النعم ، والبطر أساس الظلم ، والظلم يجرّ حياتهم إلى النّار( ... فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً ) .

بلى بقيت بيوتهم خالية خربة متهدمة مظلمة لم يزرها ولم يسكنها أحد إلّا لفترة قليلة( وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ ) .

فيا مشركي مكّة أتريدون أن تعيشوا حياة البطر والكفر كما عاشه أولئك ، وتكون عاقبتكم كعاقبتهم ، فأي نفع في ذلك؟!

كلمة «بطرت» مشتقّة من «بطر» على زنة «بشر» ومعناه الطغيان والغرور على أثر وفرة النعم.

والتعبير بـ «تلك» التي هي اسم إشارة للبعيد ، وتستعمل غالبا للأمور التي يمكن مشاهدتها ، ويحتمل أن يكون المقصود بها أرض «عاد وثمود وقوم لوط» التي لا تبعد كثيرا عن أهل مكّة ، وهي في أرض الأحقاف بين اليمن والشام ، أو في وادي القرى ، أو في أرض سدوم ، وجميع هذه المناطق في مسير قوافل التجار العرب الذين كانوا يمضون من مكّة إلى الشام ، وكانوا يرون تلك البيوت بأم أعينهم خالية خاوية لم تسكن إلّا قليلا.

وجملة( إِلَّا قَلِيلاً ) التي جاءت بصيغة الاستثناء ، فيها ثلاثة احتمالات :

الاحتمال الأوّل : أن الاستثناء عن الساكنين.

والاحتمال الثّاني : أنّه عن المساكن.

والاحتمال الثّالث : أنّه عن السكن.

ففي الصورة الأولى يكون مفهومها أن جماعة قليلة سكنتها «أي سكنت تلك المساكن».

وفي الصورة الثّانية يكون مفهومها أن فترة قليلة كان بها السكن في هذه

٢٧٠

«المساكن» لأنّ من يسكن في هذه المساكن المشؤومة سرعان ما تنطوي فيها صفحة حياته.

وبالطبع فإنّ إرادة المعاني الثلاثة من النصّ السابق لا يوجد لنا أي مشكلة ، وإن كان المفهوم الأوّل أظهر.

كما أن بعض المفسّرين قال : إنّ المقصود من هذه الآية هو الإشارة إلى السكن المؤقت للمسافرين الذاهبين والآئبين حيث يستريحون فيها لا أكثر ، وفسرها آخرون بأنّها إشارة لسكن الحيوانات الوحشية.

والقدر المسلم به أن هذه المساكن التي كانت ملوّثة بالإثمّ والشرك أصبحت غير صالحة للسكن فهي خاوية وخالية!

والتعبير بـ( وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ ) إشارة إلى خلّوها من الساكنين ، كما هي إشارة إلى أنّ مالكها الحقيقي هو الله سبحانه المالك لكل شيء ، وإذا ما أعطى ملكا «اعتباريا» لأحد ، فإنّه لا يدوم له طويلا حتى يرثه الله أيضا.

والآية الثّانية في الحقيقة جواب عن سؤال مقدر ، وهو : إذا كان الأمر كذلك ، بأن يهلك الله الطغاة ، فلم لم يهلك المشركين من أهل مكّة والحجاز ، الذين بلغوا حدّا عظيما من الطغيان ، ولم يكن إثم ولا جهل إلّا وارتكبوه ، ولم لم يعذبهم الله بعذابه الأليم؟

يقول القرآن في هذا الصدد( وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا ) .

أجل لا يعذب الله قوما حتى يتمّ عليهم حجّته ويرسل إليهم رسله ، وحتى بعد إتمام الحجّة ، فما لم يصدر ظلم يستوجب العذاب فإنّ الله لا يعذبهم ، وهو يراقب أعمالهم ،( وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ ) .

والتعبير بـ( ما كُنَّا ) أو( وَما كانَ رَبُّكَ ) دليل على أن سنة الله الدائمة والأبدية التي كانت ولا زالت ، هي أن لا يعذب أحدا إلّا بعد إتمام الحجة الكافية.

٢٧١

والتعبير بـ( حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً ) إشارة إلى عدم لزوم إرسال الرسل إلى جميع المدن ، بل يكفي أن يبعث في مركز كبير من مراكزها التي تنشر العلوم والأخبار رسولا يبلغهم رسالاته! لأنّ أهل تلك المناطق في ذهاب وإياب مستمر إلى المركز الرئيسي ، لحاجتهم الماسة ، وما أسرع أن ينتشر الخبر الذي يقع في المركز إلى بقية الأنحاء القريبة والبعيدة ، كما انتشرت أصداء بعثة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله التي كانت في مكّة ـ وبلغت جميع أنحاء الجزيرة العربية في فترة قصيرة! لأنّ مكّة كانت أم القرى ، وكانت مركزا روحانيا في الحجاز ، كما كانت مركزا تجاريا أيضا فانتشرت أخبار النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ووصلت جميع المراكز المهمّة في ذلك الحين وفي فترة قصيرة جدّا.

فعلى هذا تبيّن الآية حكما كليا وعامّا ، وما يدّعيه بعض المفسّرين من أنّها إشارة إلى «مكّة» لا دليل عليه ، والتعبير بـ( فِي أُمِّها ) هو تعبير عام كلي أيضا لأنّ كلمة «أم» تعني المركز الأصلي ، ولا يختص هذا بمكّة فحسب(١) .

وأخر آية من هذا المقطع محل البحث تحمل الردّ الثّالث على أصحاب الحجج الواهية ، الذين كانوا يقولون للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :( إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا ) ويبعدنا العرب من ديارنا ، وهو قوله تعالى :( وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى ) ممّا عندكم من النعيم الفاني إذ أنّ نعم الدنيا تشوبها الأكدار والمشاكل المختلفة ، ولس من نعمة مادية خالية من الضرر والخطر أبدا.

إضافة إلى ذلك فإنّ النعم التي عند الله «الباقية» لا تقاس مع النعم الدنيوية الزائلة ، فنعم الله ـ إذن ـ خير وأبقى!.

فبموازنة بسيطة يعرف كل إنسان عاقل أنّه لا ينبغي أن يضحي بنعم الآخرة

__________________

(١) في أن الآية هل تشمل المستقلات العقلية أم لا ، بحثنا في ذلك بحثا مناسبا في ذيل الآية (١٥) من سورة الإسراء.

٢٧٢

من أجل نعم الدنيا ، ولذلك تختتم الآية بالقول :( أَفَلا تَعْقِلُونَ ) ؟.

يقول «الفخر الرازي» نقلا عن أحد الفقهاء أنّه قال : لو أوصى أحد بثلث ماله إلى أعقل الناس ، فإني أفتي أن يعطى هذا المال لمن يطيع أمر الله ، لأن أعقل الناس من يعطي المتاع القليل ، (الفاني) ليأخذ الكثير (الباقي) ولا يصدق هذا ، إلّا في من يطيع الله.

ثمّ يضيف الفخر الرازي قائلا : فكأنّما استفاد هذا الحكم من الآية محل البحث(١) .

* * *

__________________

(١) التّفسير الكبير للفخر الرازي ، ج ٢٥ ، ص ٦.

٢٧٣

الآيات

( أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٦١) وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٦٢) قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ (٦٣) وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذابَ لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ (٦٤) )

التّفسير

أنّهم عبدة الهوى :

كان الحديث في الآيات المتقدمة عن الذين فضّلوا الكفر على الإيمان بسبب منافعهم الشخصيّة ـ ورجّحوا الشرك على التوحيد ، وفي الآيات التي بين أيدينا يبيّن القرآن حال هذه الجماعة يوم القيامة قبال المؤمنين الصادقين.

ففي بداية هذه الآيات يلقي القرآن سؤالا يقارن فيه بين المؤمنين

٢٧٤

والكافرين ، ويثير الوجدان ويجعله حكما فيقول :( أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ) .

ولا شك أن وجدان يقظ يرجّح وعود الله ومواهبه العظيمة الخالدة ، على نعم الدنيا التي لا تطول إلّا أيّاما وتتبعها آلام وشقاء خالد؟!

جملة( فَهُوَ لاقِيهِ ) تأكيد على أن وعد الله لا يتخلف أبدا ولا بدّ أن يكون كذلك ، لأنّ تخلف الوعد إمّا ناشئ عن الجهل أو العجز ، وكلاهما مستحيل على ذات الله المقدسة.

وجملة( هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ) إشارة إلى الإحضار في محضر الله يوم القيامة للحساب ، وفسرها البعض بالإحضار في نار جهنّم ، ولكن التّفسير الأوّل أنسب كما يبدو ، وعلى كل حال فإنّ هذا التعبير يدل بصورة واضحة على أنّ المجرمين يساقون مكرهين ، وعلى غير رغبة منهم إلى تلك العرصات المخوفة ، وينبغي أن يكون الأمر كذلك لأنّ وحشة الحساب والقضاء يوم القيامة ومشاهدها تغمر وجودهم هناك!.

والتعبير بـ( الْحَياةِ الدُّنْيا ) التي تكررت في سور مختلفة من القرآن الكريم ، إشارة إلى حقارة هذه الحياة بالنسبة للحياة الأخرى والخلود فيها وعدم الزوال والاضمحلال ، لأنّ كلمة «دنيا» في الأصل مأخوذة من «دنو» على زنة «غلو» ومعناها القرب في المكان أو الزمان أو المنزلة والمقام ، ثمّ توسّع هذا المفهوم ليطلق بلفظ «دنيا أو أدنى» على الموجودات الصغيرة التي تحت اليد في مقابل الموجودات الكبيرة ، وقد يطلق هذا اللفظ على الموضوعات التي لا قيمة لها في مقابل الأشياء ذات القيمة العالية ، وربّما استعمل في القرب في مقابل البعد.

وحيث أن هذه «الحياة» في مقابل العالم الآخر صغيرة ولا قيمة لها وقريبة أيضا ، فإنّ تسميتها بالحياة الدنيا تسمية مناسبة جدّا.

٢٧٥

بعد هذا ، يأتي الكلام عن عرصات يوم القيامة ومشاهدها ليجسّده أمام الكفار ، مشاهد يقشعر منها البدن حين يتصورها الإنسان ، فيقول القرآن :( وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ) .

وبديهي أنّ هذا السؤال سؤال توبيخ وإهانة ، لأنّ يوم القيامة يوم كشف الحجب والأستار ، فلا مفهوم للشرك ، ولا المشركون في ذلك اليوم باقون على عقيدتهم و «شركهم».

فهذا السؤال في الحقيقة فيه نوع من الإهانة والتوبيخ والعقوبة!

ولكنّهم بدلا من أن يجيبوا بأنفسهم ، فإنّ معبوديهم هم الذين يردّون الجواب ، ويتبرءون منهم ، ويتنفرون من عبادة المشركين إيّاهم.

ونعرف أن معبودات المشركين وآلهتهم على ثلاثة أنواع : فإمّا أن يكونوا أصناما «وأحجارا وخشبا» أو من المقدسين كالملائكة والمسيح ، وإمّا أن يكونوا من الشياطين والجنّ. فالذين يردّون على السؤال ويجيبون هم النوع الثالث ، كما حكى عنهم القرآن( قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ ) .

فعلى هذا تكون الآية السابقة شبيهة بالآية (٢٨) من سورة يونس إذ تقول :

( وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ ) .

فعلى هذا يرد المعبودون الغواة على عبدتهم ويتبرءون منهم ، كما يبرأ فرعون ونمرود والشياطين والجن من عبدتهم وقومهم ويتنفرون منهم ، ويدافعون عن أنفسهم ، حتى أنّهم ينسبون الضلالة لمن تبعهم ويقولون : إنّهم تبعونا طوعا إلخ.

ولكن ـ من البديهي ـ ليس لهذا النفي أثر ، ولا تنفع البراءة منهم ، فالعابد

٢٧٦

والمعبود معا شريكان «في النّار»(١) .

الطريف الذي يستلفت النظر ، هو أنّ كل واحد من المنحرفين يتبرأ في ذلك اليوم من الآخر وكل يسعى لأن يلقي تبعة ذنبه على صاحبه.

وهذا يشبه تماما ما قد نراه في هذه «الدنيا» من اجتماع رهط على أمر ما حتى إذا وقعوا في مخالفة القانون ، وألقي القبض عليهم ، وأحضروا إلى المحكمة ، يتبرأ كلّ واحد من الآخر ويلقي بعضهم الجريمة على صاحبه ، فهكذا هي عاقبة المنحرفين والضالين في الدنيا والآخرة!

كما نجد مثل هذا في الآية (٢٢) من سورة إبراهيم( وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ) .

ونقرأ في الآية (٣٠) من سورة الصافات في شأن المشركين الذين يتحاجون في يوم القيامة مع أتباعهم فيقولون :( وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ ) .

وعلى كل حال ، فتعقيبا على السؤال عن آلهتهم. وعجز المشركين عن الجواب. يطلب أن يدعوهم لنصرتهم( وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ) (٢) .

وحيث يعلم المشركون أن دعاءهم غير نافع ، وأن المعبودين «الشركاء» لا يمكن أن يفعلوا شيئا من شدّة الهلع والوحشة ، أو استجابة لأمر الله الذي يريد

__________________

(١) ويحتمل في الآية الآنفة ـ أيضا ـ أنّ القائلين جوابا على سؤال الله هم رؤوساء المشركين «أي جماعة من عبدة الأصنام» فهم من أجل أن يفروا عن الجواب يتحدثون عن أتباعهم ، ويقولون : ربّنا إنّنا غوينا فمضينا في طريق الشرك ، وهؤلاء اتبعونا طوعا فأغويناهم ، ولكنّهم لم يطيعونا «العبادة في الآية الآنفة معناها الطاعة» وإنّما أطاعوا هواهم ، ولكن التّفسير السابق أظهر.

(٢) التعبير بـ «شركاءكم» مع أن هؤلاء الشركاء كانوا قد جعلوا شركاء الله سبحانه ، هو اشارة إلى أنّ هؤلاء الشركاء من صنعكم وهم متعلقون بكم لا بالله

٢٧٧

أن يفضح المشركين والشركاء أمام أعين الخلق ، يتوجهون إلى الشركاء ويدعونهم كما يقول القرآن الكريم :( فَدَعَوْهُمْ ) .

ومن الواضح أنّه لا أثر لهذا النداء والطلب ، ولا يقال لهم «لبيك»( فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ ) .

فحينئذ لا ينفعهم شيء( وَرَأَوُا الْعَذابَ ) .

ويتمنون( لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ! ) .(١)

* * *

__________________

(١) بحث المفسّرون في الآية( لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ ) بحوثا شتى ، فكثير منهم قالوا بأن «لو» حرف شرط هنا ، فبحثوا عن الجزاء ، فقالوا : يستفاد من جملة( رَأَوُا الْعَذابَ) وتقدير الجملة يكون هكذا : «لو أنّهم كانوا يهتدون لرأوا العذاب في الدنيا بعين اليقين». وهذا يشبه قوله تعالى( لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ) في سورة التكاثر الآية السادسة. كما يرى البعض أن التقدير هكذا لو أنهم كانوا يهتدون في الدنيا لما رأوا العذاب في الآخرة. وزعم بعضهم أن الجزاء غير ما تقدم «يطول بها البحث هنا». لكنّ بعضهم يعتقد أن جواب الشرط «الجزاء» غير محذوف أساسا ، وجملة( وَرَأَوُا الْعَذابَ ) هي الجواب المتقدم ، وما بعده جملة الشرط ، فيكون المعنى هكذا : لو كانوا يرون ويهتدون لرأوا العذاب لكنهم لم يهتدوا! لكن وراء كل هذه المعاني معنى آخر ذكرناه في بيان الآية آنفا ، وهو أن نفسر معنى لو بـ «تمنّوا ، فلا بأس بمراجعة الكتب اللغوية والأدبية «كمغني اللبيب» وغيره!.

٢٧٨

الآيات

( وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (٦٥) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ (٦٦) فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (٦٧) وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٨) وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (٦٩) وَهُوَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٧٠) )

التّفسير

تعقب الآيات محل البحث ، على ما كان في الآيات السابقة في شأن المشركين وما يسألون يوم القيامة.

فبعد أن يسألوا عن شركائهم ومعبوديهم ، يسألون عن مواقفهم وما أبدوه من عمل إزاء أنبيائهم( وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ ) .

ومن المسلم به أنّ هؤلاء «المشركين» لا يملكون جوابا لهذا السؤال ، كما لم يملكوا للسؤال السابق جوابا.

٢٧٩

ترى : أيقولون بأنّنا لبيّنا دعوة المرسلين؟ فهذا كذب محض! والكاذب خاسر في ذلك اليوم ، أم يقولون بأنّنا كذّبناهم ، واتهمناهم ، وقلنا لهم بأنّكم سحرة ومجانين وحاربناهم وقتلناهم مع اتباعهم؟

ما عسى أن يقولوا هناك؟! فكلّ ما يقولون كاشف عن فضيحتهم وشقائهم!.

حتى أنّ الأنبياء والمرسلين في ذلك اليوم يجيبون ربّهم حين يسألون( ما ذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ) .(١)

ما الذي يقوله في ذلك اليوم وفي ذلك المكان عمي القلوب من المشركين؟! لذلك يكشف القرآن عن حالهم هناك فيقول :( فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ ) أي يسأل بعضهم بعضا ولا يعرفون جوابا!.

والذي يستلفت النظر أن العمى نسب في الآية للأنباء لا للمشركين فلا يقول عمي المشركون هناك بل يقول : «عميت عليهم الأنباء» لأنّه كثيرا ما يحدث أن يكون الإنسان غير عالم بالخبر ، لكنّه يصله بانتشاره على أفواه الناس ، كما يتفق لنا أن نكون جاهلين بالشيء أحيانا فنعرف به حين ينتشر بين المجتمع ، لكن في يوم القيامة ، لا الناس مطّلعون ، ولا الأخبار تنتشر!.

فعلى هذا تعمى الأخبار ، فلا يملكون جوابا هناك على قوله تعالى :( ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ ) فيحيط بهم الصمت من قرنهم إلى أقدامهم.

وحيث أنّ أسلوب القرآن هو ترك الأبواب مفتوحة بوجه الكافرين والآثمين دائما ، لعلهم يتوبون ويرجعون إلى الحق في أي مرحلة كانوا من الإثم ، فإنّه يضيف في الآية التي بعدها :( فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ ) .

فسبيل النجاة ـ حسب ما يوضحه القرآن ـ يتلخّص في ثلاث جمل هي العودة والتوبة إلى الله ، والإيمان ، والعمل الصالح ، وعاقبتهما النجاة والفلاح حتما.

__________________

(١) المائدة ، الآية ١٠٩.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

يعقوب بن إسحق بن إبراهيم، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة هنا.

١٠٧ ـ وفي كتاب المناقب لابن شهر آشوب عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حديث طويل في فضل على وفاطمةعليهما‌السلام وفيه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : وارزقهما ذرية طاهرة طيبة مباركة واجعل في ذريتهما البركة، واجعلهم أئمة يهدون بأمرك إلى طاعتك ويأمران بما يرضيك.

١٠٨ ـ في أصول الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد ومحمد بن الحسين عن محمد بن يحيى عن طلحة بن زيد عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال: إنّ الائمة في كتاب اللهعزوجل إمامان: قال الله تبارك وتعالى:( وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا ) لا بأمر الناس، يقدمون ما امر الله قبل أمرهم وحكم الله قبل حكمهم، قال:( وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إلى النَّارِ ) يقدمون أمرهم قبل امر الله وحكمهم قبل حكم الله ويأخذون بأهوائهم خلاف ما في كتاب الله.

١٠٩ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم وقوله: ونجيناه يعنى لوطا من القرية التي كانت تعمل الخبائث قال: كانوا ينكحون الرجال.

١١٠ ـ في الكافي عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن بعض أصحابنا عن المعلى أبي عثمان عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول اللهعزوجل :( وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ ) فقال: لا يكون النفش إلّا بالليل، ان على صاحب الحرث ان يحفظ الحرث بالنهار، وليس على صاحب الماشية حفظها بالنهار، إنّما رعاها بالنهار وأرزاقها، فما أفسدت فليس عليها، وعلى صاحب الماشية حفظ الماشية بالليل عن حرث الناس، فما أفسدت بالليل فقد ضمنوا وهو النفش، وان داودعليه‌السلام حكم للذي أصاب زرعه رقاب الغنم وحكم سليمانعليه‌السلام الرسل والثلاثة وهو اللبن والصوف في ذلك العام.

١١١ ـ أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن عبد الله بن بحر عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قلت له قول اللهعزوجل :

٤٤١

( وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ ) قلت: حين حكما في الحرث كان قضية واحدة؟ فقال: إنّه كان أوحى اللهعزوجل إلى النبيين قبل داود إلى أن بعث الله داود: أي غنم نفشت في الحرث فلصاحب الحرث رقاب الغنم، ولا يكون النقش إلّا بالليل، فان على صاحب الزرع أن يحفظ بالنهار، وعلى صاحب الغنم حفظ الغنم بالليل، فحكم داود بما حكمت به الأنبياءعليهم‌السلام من قبله، وأوحى اللهعزوجل إلى سليمان (ع): واى غنم نفشت في زرع فليس لصاحب الزرع إلّا ما خرج من بطونها، وكذلك جرت السنة بعد سليمان (ع) وهو قول اللهعزوجل :( وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً ) فحكم كل واحد منهما بحكم اللهعزوجل .

١١٢ ـ محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن يزيد بن إسحق شعر عن هارون ابن حمزة قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن البقر والإبل والغنم يكون في الرعي فتفسد شيئا هل عليها ضمان؟ فقال: إنْ أفسدت نهارا فليس عليها ضمان من أجل ان أصحابه يحفظونه، وان أفسدت ليلا فانه عليها ضمان.

١١٣ ـ في أصول الكافي الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن محمد بن جمهور عن حماد بن عيسى عن منهال عن عمرو بن صالح عن محمد بن سليمان عن عيثم بن أسلم عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال: إنّ الامامة عهد من اللهعزوجل معهود لرجال مسمين، ليس للإمام ان يزويها عن الذي يكون من بعده، ان الله تبارك وتعالى اوحى إلى داود (ع) ان اتخذ وصيا من أهلك، فانه قد سبق في علمي أن لا ابعث نبيا إلّا وله وصيّ من اهله، وكان لداودعليه‌السلام أولاد عدة، وفيهم غلام كانت امه عند داود وكان لها محبا، فدخل داود حين أتاه الوحي فقال لها: إنّ اللهعزوجل اوحى إلى يأمرني ان أتخذ وصيا من أهلي، فقالت له امرأته: فليكن إبني، قال: ذاك أريد وكان السابق في علم الله المحتوم عنده أنّه سليمان، فأوحى الله تبارك وتعالى إلى داود: أنْ لا تجعل دون أن يأتيك أمري، فلم يلبث داود ان ورد عليه رجلان يختصمان في الغنم والكرم، فأوحى اللهعزوجل إلى داود: أنْ أجمع ولدك فمن قضى بهذه القضية فأصاب

٤٤٢

فهو وصيّك من بعدك، فجمع داودعليه‌السلام ولده فلما ان قصَّ الخصمان قال سليمانعليه‌السلام : يا صاحب الكرم متى دخلت غنم هذا الرجل كرمك؟ قال: دخلته ليلا، قال: قد قضيت عليك يا صاحب الغنم بأولاد غنمك وأصوافها في عامك هذا، ثم قال له داود: فكيف لم تقض برقاب الغنم وقد قوم ذلك علماء بنى إسرائيل فكان ثمن الكرم قيمة الغنم؟ فقال سليمان: إنّ الكرم لم تجتث من أصله وانما أكل حمله(١) وهو عائد في قابل، فأوحى اللهعزوجل إلى داود: إنّ القضاء في هذه القضية ما قضى سليمان به. يا داود أردت امرا وأردنا امرا غيره، فدخل داود على امرأته فقال: أردنا أمرا وأراد الله أمرا غيره، ولم يكن إلّا ما أراد اللهعزوجل ، فقد رضينا بأمر اللهعزوجل وسلمنا، وكذلك الأوصياء ليس لهم ان يتعدوا بهذا الأمر فيجاوزن صاحبه إلى غيره.

١١٤ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم حدثني أبي عن عبد الله بن يحيى عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: كان في بنى إسرائيل رجل وكان له كرم ونفشت فيه الغنم بالليل وقضمته(٢) وأفسدته، فجاء صاحب الكرم إلى داود فاستعدى على صاحب الغنم. فقال داودعليه‌السلام : اذهبا إلى سليمانعليه‌السلام ليحكم بينكما، فذهبا إليه فقال سليمانعليه‌السلام : إنْ كان الغنم أكلت الأصل والفرع فعلى صاحب الغنم ان يدفع إلى صاحب الكرم الغنم وما في بطنها، وان كانت ذهبت بالفرع ولم تذهب بالأصل فانه يدفع ولدها إلى صاحب الكرم، وكان هذا حكم داود، وانما أراد ان يعرف بنى إسرائيل ان سليمان وصيه بعده ولم يختلفا في الحكم، ولو اختلف حكمهما لقال: كنا لحكمهما شاهدين.

١١٥ ـ في من لا يحضره الفقيه روى جميل بن دراج عن زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ ) قال لم يحكما إنّما كانا يتناظران ففهمها سليمان.

١١٦ ـ وروى الوشاء عن أحمد بن عمر الحلبي قال: سألت أبا الحسن

__________________

(١) الجث: انتزاع لشجرة من أصله والحمل ـ بالكسر ـ ما يحمله الشجر من الثمرة.

(٢) أي أكلته.

٤٤٣

عليه‌السلام عن قول اللهعزوجل :( وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ ) قال: كان حكم داود رقاب الغنم، والذي فهم اللهعزوجل سليمان ان الحكم لصاحب الحرث باللبن والصوف ذلك العام كله.

١١٧ ـ في مجمع البيان واختلف في الحكم الذي حكما به، فقيل إنّه كان كرما قد بدت عناقيده(١) فحكم داود بالغنم لصاحب الكرم، فقال سليمان عن هذا يا نبي الله أرفق(٢) قال: وما ذاك؟ قال: تدفع الكرم إلى صاحب الغنم فيقوم عليه حتّى يعود كما كان، وتدفع الغنم إلى صاحب الكرم فيصيب منها حتّى إذا عاد الكرم كما كان، ثم دفع كل واحد منهما إلى صاحبه ماله وروى ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليهما‌السلام .

١١٨ ـ وروى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ان سليمان قضى بحفظ المواشي على أربابها ليلا وقضى بحفظ الحرث على أربابه نهارا. قال عز من قائل:( وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ ) .

١١٩ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى هشام بن سالم عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال في حديث يذكر فيه قصة داودعليه‌السلام أنّه خرج يقرء الزبور، وكان إذا قرأ الزبور لا يبقى جبل ولا حجر ولا طائر إلّا جاوبه.

١٢٠ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسي رحمه‌الله روى عن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن عليّعليهم‌السلام قال: إنّ يهوديا من يهود الشام وأحبارهم قال لأمير المؤمنينعليه‌السلام : فان هذا داود بكى على خطيئته حتّى سارت الجبال معه لخوفه؟ قال له عليٌّعليه‌السلام : لقد كان كذلك ومحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله أعطى ما هو أفضل من

__________________

(١) العناقيد جمع العنقود وهو من العنب وغيره: ما تعقد وتراكم من حبه في عرق واحد وبالفارسية «خوشه».

(٢) كذا في النسخ وفي المصدر «فقال سليمان: غير هذا يا نبي الله».

٤٤٤

هذا، إنّه كان إذا قام إلى الصلوة سمع لصدره وجوفه أزيز كأزيز المرجل على الأثافي(١) من شدة البكاء، وقد امنه اللهعزوجل من عذابه، فأراد ان يتخشع لربه ببكائه ويكون إماما لمن اقتدى به، ولئن سارت الجبال وسبحت معه لقد عمل لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ما هو أفضل من هذا، إذ كنا معه على جبل حراء إذ تحرك له الجبل فقال له: قر فليس عليك إلّا نبي أو صديق شهيد، فقر الجبل مجيبا لأمره، منتهيا إلى طاعته ولقد مررنا معه بجبل، وإذا الدموع تخرج من بعضه، فقال له: ما يبكيك يا جبل؟ فقال: يا رسول الله كان المسيح مر بي وهو يخوف الناس بنار وقودها الناس والحجارة فأنا أخاف ان أكون من تلك الحجارة، قال: لا تخف تلك الحجارة الكبريت، فقر الجبل وسكن وهدأ(٢) وأجاب لقوله.

١٢١ ـ في كتاب المناقب لابن شهر آشوب كتاب الإرشاد للزهري قال سعيد ابن المسيب: كان الناس لا يخرجون إلى مكة حتّى يخرج علي بن الحسينعليه‌السلام فخرج وخرجت معه فنزل في بعض المنازل فصلى ركعتين فسبح في سجوده، فلم يبق شجر ولا مدر إلّا سبحوا معه، ففزعت منه فرفع رأسه فقال: يا سعيد أفزعت؟ قلت: نعم يا ابن رسول الله، فقال: هذا التسبيح الأعظم.

وفي رواية سعيد بن المسيب قال: كان القراء لا يحجون حتّى يحج زين العابدينعليه‌السلام ، وكان يتخذ لهم السويق الحلو والحامض، ويمنع نفسه، فسبق يوما إلى الرحل فألفيته وهو ساجد، فو الذي نفس سعيد بيده لقد رأيت الشجر والمدر والرحل والراحلة يردون عليه مثل كلامه.

١٢٢ ـ في الكافي أحمد بن أبي عبد الله عن شريف بن سابق عن الفضل بن أبي

__________________

(١) قال الجزري وفيه «انه كان يصلى ولجوفه أزيز كأريز المرجل من البكاء» أي خنين من الجوف بالخاء المعجمة وهو صوت البكاء وقيل هو ان يجيش جوفه ويغلي بالبكاء «انتهى» والمرجل ـ كمنبر ـ: القدر. والأثافي: الأحجار التي يوضع عليها القدر.

(٢) هدأ بمعنى سكن أيضا.

٤٤٥

قرة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ان أمير المؤمنين صلى الله عليه قال: اوحى اللهعزوجل إلى داودعليه‌السلام انك نعم العبد لو لا انك تأكل من بيت المال، ولا تعمل بيدك شيئا قال: فبكى داودعليه‌السلام أربعين صباحا فأوحى اللهعزوجل إلى الحديد ان: لن لعبدي داود، فالان اللهعزوجل له الحديد فكان يعمل في كل يوم درعا فيبيعها بألف درهم، فعمل ثلاثمائة وستين درعا فباعها بثلاثمأة وستين ألفا، واستغنى عن بيت المال.

١٢٣ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم وقولهعزوجل :( وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً ) قال: تجري من كل جانب إلى الأرض التي باركنا فيها قال: إلى بيت المقدس والشام.

١٢٤ ـ في كتاب الخصال عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قام رجل إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام في الجامع بالكوفة فقال: يا أمير المؤمنين أخبرنى عن يوم الأربعاء والتطير منه وثقله وأى أربعاء هو؟ فقالعليه‌السلام : آخر أربعاء في الشهر وهو المحاق، وفيه قتل قابيل هابيل أخاه، ويوم الأربعاء القى إبراهيم في النار، ويوم الأربعاء ابتلى أيوبعليه‌السلام بذهاب ما له وولده.

١٢٥ ـ عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: ابتلى أيوب سبع سنين بلا ذنب.

١٢٦ ـ عن جعفر بن محمد عن أبيهعليهما‌السلام قال: إنّ أيوبعليه‌السلام ابتلى بغير ذنب، وان الأنبياء معصومون لا يذنبون ولا يزيغون ولا يرتكبون ذنبا صغيرا ولا كبيرا وقالعليه‌السلام : إنّ أيوب مع جميع ما ابتلى به لم تنتن له رائحة، ولا قبحت له صورة ولا خرجت منه مدة من دم ولا قيح، ولا استقذره أحد رآه، ولا استوحش منه أحد شاهده ولا تدود شيء من جسده، وهكذا يصنع اللهعزوجل بجميع من يبليه من أنبيائه وأوليائه المكرمين عليه وانما اجتنبه الناس لفقره وضعفه في ظاهر أمره، لجهلهم بما له عند ربه تعالى ذكره من التأييد والفرح، وقد قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أعظم الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، وانما ابتلاه الله بالبلاء العظيم الذي يهون معه على جميع الناس، لئلا يدعوا له معه الربوبية إذا شاهدوا ما أراد الله تعالى ذكره ان يوصله

٤٤٦

اليه من عظائم نعمه متى شاهدوه، ليستدلوا بذلك على ان الثواب من الله تعالى على ضربين: استحقاق واختصاص، ولئلا يحقروا ضعيفا لضعفه، ولا فقيرا لفقره، ولا مريضا لمرضه، وليعلموا أنّه يسقم من يشاء ويشفى من يشاء، متى شاء كيف شاء بأيّ شيء شاء، ويجعل ذلك عبرة لمن يشاء، وشقاوة لمن يشاء، وهوعزوجل في جميع ذلك عدل في قضاءه، وحكيم في أفعاله، لا يفعل بعباده إلّا الأصلح لهم ولا قوة إلّا بالله.

١٢٧ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده إلى أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّما كانت بلية أيوب التي ابتلى بها في الدنيا لنعمة أنعم الله بها عليه فأدى شكرها، وكان إبليس في ذلك الزمان لا يحجب دون العرش، فلما صعد عمل أيوب بأداء شكر النعمة حسده إبليس، فقال: يا رب ان أيوب لم يؤد شكر هذه النعمة إلّا بما أعطيته من الدنيا فلو حلت بينه وبين دنياه ما أدى إليك شكر نعمة، فقال: قد سلطتك على دنياه، فلم يدع له دنيا ولا ولدا إلّا أهلك كل شيء له، وهو يحمد اللهعزوجل ثم رجع إليه فقال: يا رب ان أيوب يعلم أنك سترد إليه دنياه التي أخذتها منه، فسلطني على بدنه تعلم أنّه لا يؤدي شكر نعمة، قال اللهعزوجل : قد سلطتك على بدنه ما عدا عينه وقلبه ولسانه وسمعه، فقال أبو بصير: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : فانقض مبادرا خشية أن تدركه رحمة اللهعزوجل فتحول بينه وبينه، فنفخ في منخريه من نار السموم فصار جسده نقطا نقطا.

١٢٨ ـ حدّثنا أبي رضى الله عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عن عبد الله بن يحيى البصري عن عبد الله بن مسكان عن أبي بصير قال: سألت أبا الحسن الماضيعليه‌السلام عن بلية أيوب التي ابتلى بها في الدنيا لأيِّ علّة كانت؟ قال: لنعمة أنعم الله عليه بها فأدى شكرها، وذكر كالسابق إلى قوله: فتحول بينه وبينه، ويتصل بذلك فلما اشتد به البلاء وكان في آخر بليته جاءه أصحابه فقالوا: يا أيّوب ما نعلم أحدا ابتلى بمثل هذه البلية إلّا لسريرة سوء، فلعلّك أسررت سوءا في الذي تبدي لنا قال: فعند ذلك ناجى أيّوب ربّهعزوجل : ربّ ابتليتني بهذه البليّة وأنت تعلم

٤٤٧

أنّه لم يعرض لي أمران قطُّ إلّا لزمت أخشنهما على بدني ولم آكل أكلة قطُّ إلّا وعلى خوانى يتيم، فلو أنَّ لي منك مقعد الخصم لأدليت بحجّتي(١) قال: فعرضت سحابة فنطق فيها ناطق فقال: يا أيّوب أدل بحجّتك، قال: فشدّ عليه منزره وجثا على ركبتيه وقال: ابتليتني وأنت تعلم أنّه لم يعرض لي أمران قط إلّا ألزمت أخشنهما على بدني، ولم آكل أكلة من طعام إلّا وعلى خوانى يتيم. قال: فقيل له: يا أيوب من حبب إليك الطاعة؟ قال: فأخذ كفا من تراب فوضعه في فيه ثم قال: أنت يا رب.

١٢٩ ـ وباسناده إلى الحسن الربيع عمن ذكره عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ الله تبارك وتعالى ابتلى أيوبعليه‌السلام بلا ذنب فصبر حتّى عير، وان الأنبياء لا يصبرون على التعيير.

١٣٠ ـ في الكافي عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمد بن سنان عن عثمان النوا عمن ذكره عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ اللهعزوجل يبتلى المؤمن بكل بلية، ويميته بكل ميتة، ولا يبتليه بذهاب عقله أما ترى أيوبعليه‌السلام كيف سلط إبليس على ماله وعلى أهله، وكل شيء منه، ولم يسلط على عقله، ترك له يوحد اللهعزوجل به.

١٣١ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم حدّثنا محمد بن جعفر قال: حدّثنا محمد ابن عيسى بن زياد عن الحسن بن علي بن فضال عن عبد الله بن بكير وغيره عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ ) قال: أحيى اللهعزوجل له أهله الذين كانوا قبل البلية، وأحيى له الذين ماتوا وهو في البلية.

١٣٢ ـ في روضة الكافي يحيى بن عمران عن هارون بن خارجة عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ ) قلت: ولده كيف أوتى مثلهم معهم؟ قال: أحيى الله له من ولده الذين كانوا ماتوا قبل ذلك بآجالهم مثل الذين هلكوا يومئذ.

١٣٣ ـ علي بن محمد عن علي بن العباس عن الحسن بن عبد الرحمن عن منصور ابن يونس عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قلت له :

__________________

(١) أدلى بحجته: أصغرها واحتج بها.

٤٤٨

( فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) فقال: يا أبا محمد يسلط والله من المؤمن على بدنه، ولا يسلط على دينه، قد سلط على أيوبعليه‌السلام فشوه خلقه، ولم يسلط على دينه، وقد يسلط من المؤمنين على أبدانهم ولا يسلط على دينهم.

١٣٤ ـ في إرشاد المفيد رحمه‌الله عن أمير المؤمنين حديث طويل يقول فيهعليه‌السلام : انا سيد الشيب، وفي سنة من أيوب.

١٣٥ ـ في كتاب المناقب لابن شهر آشوب في حديث أبي حمزة الثمالي ان علي بن الحسينعليهما‌السلام دعا حوت يونس بن متى، فاطلع الحوت رأسه من البحر مثل الجبل العظيم، وهو يقول: لبيك لبيك يا ولى الله، فقال: من أنت؟ قال: حوت يونس يا سيدي، قال: ايتنا بالخبر، قال: يا سيدي ان الله تعالى لم يبعث نبيا من آدم إلى ان صار جدك محمد، إلّا وقد عرض عليه ولايتكم أهل البيت، فمن قبلها من الأنبياء سلم وتخلص، ومن توقف عنها وتتعتع في حملها لقى ما لقى آدم من المصيبة، وما لقى نوح من الغرق، وما لقى إبراهيم من النار، وما لقى يوسف من الجب، وما لقى أيوب من البلاء، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٣٦ ـ في عيون الاخبار في باب ذكر مجلس الرضاعليه‌السلام عند المأمون مع أهل الملل والمقالات وما أجاب به علي بن جهم في عصمة الأنبياء باسناده إلى أبي الصلت الهروي قال: لما جمع المأمون لعليِّ بن موسى الرضاعليه‌السلام إلى أن حكى قولهعليه‌السلام : واما قوله:( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ) إنّما طن بمعنى استيقن ان الله لن يضيق عليه رزقه، ألا تسمع قول اللهعزوجل :( وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ) أي ضيق عليه رزقه، ولو ظن ان الله لا يقدر عليه لكان قد كفر.

١٣٧ ـ وباسناده إلى علي بن محمد الجهم قال: حضرت مجلس المأمون وعنده الرضاعليه‌السلام فقال له المأمون: يا ابن رسول الله أليس من قولك ان الأنبياء معصومون؟ قال: بلى، قال فما معنى قول اللهعزوجل :( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً

٤٤٩

فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ) ؟ فقال الرضاعليه‌السلام ، ذاك يونس بن متىعليه‌السلام ، ذهب مغاضبا لقومه فظن بمعنى استيقن( أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ) أي لن نضيق عليه رزقه ومنه قول اللهعزوجل :( وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ) أي ضيق عليه وقتر( فَنادى فِي الظُّلُماتِ ) : ظلمة الليلة وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت( أَنْ لا إله إلّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) بتركى مثل هذه لعبادة التي فرغتني لها في بطن الحوت، فاستجاب الله وقالعزوجل :( فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن.

١٣٨ ـ في الكافي أحمد بن محمد العاصمي عن علي بن الحسن التيملي عن عمرو بن عثمان عن أبي جميلة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال له رجل من أهل خراسان بالربذة: جعلت فداك لم أرزق ولدا، فقال له: إذا رجعت إلى بلادك فأردت ان تأتى أهلك فاقرأ إذا أردت ذلك:( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إله إلّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) إلى ثلاث آيات فانك سترزق ولدا إنشاء الله.

١٣٩ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم وقوله:( فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ) قال: أنزله الله على أشد الأمرين، وظن به أشد الظن وقال: إنّ جبرئيل استثنى في هلاك قوم يونس ولم يسمعه يونس، قلت: ما كان حال يونس لما ظن ان الله لن يقدر عليه؟ قال: كان من أمر شديد، قلت: وما كان سببه حتّى ظن ان الله لن يقدر عليه؟ قال: وكله الله إلى نفسه طرفة عين.

١٤٠ ـ قال: وحدثني أبي عن ابن أبي عمير عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في بيت أم سلمة في ليلتها ففقدته من الفراش، فدخلها من ذلك ما يدخل النساء، فقامت تطلبه في جوانب البيت حتّى انتهت إليه وهو في جانب من البيت قائم، رافع يديه يبكى وهو يقول: أللهمّ لا تنزع منى صالح ما أعطيتنى أبدا، أللهمّ لا تشمت بي عدوى ولا حاسدا أبدا، أللهمّ لا تردني في سوء استنقذتني منه

٤٥٠

أبدا، أللهمّ ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا، قال: وانصرفت أم سلمة تبكي حتّى انصرف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لبكائها، فقال لها: ما يبكيك يا أم سلمة؟ قالت بأبي أنت وأمّي يا رسول الله ولم لا أبكى وأنت بالمكان الذي أنت به من الله، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، تسأله ان لا يشمت بك عدوا أبدا، وان لا يردك في سوء استنقذك منه أبدا، وان لا ينزع منك صالح ما أعطاك أبدا، وان لا يكلك إلى نفسك طرفة عين أبدا؟ فقال: يا أم سلمة وما يؤمنني وانما وكل الله يونس بن متى إلى نفسه طرفة عين، فكان منه ما كان.

١٤١ ـ وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله: و( ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً ) يقول: من اعمال قومه( فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ) يقول: ظن أن لن يعاقب بما صنع.

١٤٢ ـ حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن جميل قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : ما رد الله العذاب إلّا عن قوم يونس، فكان يونس يدعوهم إلى الإسلام فيأبون ذلك، فهم أن يدعو عليهم وكان فيهم رجلان: عابد وعالم، وكان اسم أحدهما مليخا والاخر اسمه روبيل، وكان العابد يشير على يونس بالدعاء عليهم، وكان العالم ينهاه ويقول: لا تدعن عليهم فان الله يستجيب لك، ولا يحب هلاك عباده فتقبل قول العابد ولم يقبل من العالم، فدعا عليهم فأوحى الله اليه: يأتيهم العذاب في سنة كذا في شهر كذا في يوم كذا، فلما قرب الوقت خرج يونس من بينهم مع العابد وبقي العالم فيها، فلما كان اليوم الذي نزل العذاب قال العالم لهم: يا قوم أفزعوا إلى الله فلعله يرحمكم فيرد العذاب عنكم، فقالوا: كيف نصنع؟ فقال: اجتمعوا واخرجوا إلى المفازة وفرقوا بين النساء والأولاد، وبين الإبل وأولادها، وبين البقر وأولادها، وبين الغنم وأولادها، ثم ابكوا وادعوا، فذهبوا وفعلوا ذلك وضجوا وبكوا، فرحمهم‌الله وصرف عنهم العذاب وفرق العذاب على الجبال، وقد كان نزل وقرب منهم، فأقبل يونس لينظر كيف أهلكهم الله فرأى الزارعين يزرعون في أرضهم فقال لهم: ما فعل قوم يونس؟ قالوا ـ ولم يعرفوه ـ: إنّ يونس دعا عليهم

٤٥١

فاستجاب الله له ونزل العذاب عليهم فاجتمعوا وبكوا ودعوا فرحمهم‌الله وصرف ذلك عنهم، وفرق العذاب على الجبال، فهم إذا يطلبون يونس ليؤمنوا به، فغضب ومر على وجهه مغاضبا لله كما حكى الله عنه والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٤٣ ـ وفيه أيضا وسئل بعض اليهود أمير المؤمنين صلوات الله عليه عن سجن طاف أقطار الأرض بصاحبه فقال: يا يهودي أما السجن الذي طاف أقطار الأرض بصاحبه فانه الحوت الذي حبس يونس في بطنه، فدخل في بحر القلزم، ثم خرج إلى بحر مصر ثم دخل بحر طبرستان، ثم خرج في دجلة الغور، قال: ثم مرت به تحت الأرض حتّى لحقت بقارون، وكان قارون هلك في أيام موسى، ووكل الله به ملكا يدخله في الأرض كل يوم قامة، وكان يونس في بطن الحوت يسبح الله ويستغفره، فسمع قارون صوته فقال للملك الموكل به: أنظرنى فانى اسمع كلام آدمي، فأوحى الله إلى الملك: أنظره فأنظره، ثم قال قارون: من أنت؟ قال: أنا المذنب العاصي الخاطئ يونس بن متى، قال: فما فعل الشديد الغضب لله موسى بن عمران؟ قال: هيهات هلك، قال: فما فعل الرءوف الرحيم على قومه هارون بن عمران؟ قال: هلك، قال: فما فعلت كلثم بنت عمران التي كانت سميت لي؟ قال: هيهات ما بقي من آل عمران أحد، فقال قارون: وا أسفا على آل عمران، فشكر الله له ذلك فأمر الملك الموكل به أن يرفع عنه العذاب أيام الدنيا، فرفع عنه، فلما راى يونس ذلك نادى في الظلمات( أَنْ لا إله إلّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) فاستجاب الله له، وأمر الحوت أن يلفظه(١) ، فلفظه على ساحل البحر، وقد ذهب جلده ولحمه وأنبت الله( عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ ) ، وهي الدباء فأظلته من الشمس فسكن.

١٤٤ ـ وفيه أيضا وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: لبث يونس في بطن الحوت ثلاثة أيام، ونادى في الظلمات ظلمة بطن الحوت، وظلمة الليل، وظلمة البحر،( أَنْ لا إله إلّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) فاستجاب له ربه ،

__________________

(١) لفظ فلان الشيء من فيه: رمى به.

٤٥٢

فأخرجته الحوت إلى الساحل، ثم قذفه فألقاه بالساحل، وأنبت الله عليه شجرة من يقطين وهو القرع. والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٤٥ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسي رحمه‌الله عن أمير المؤمنين حديث طويل يقول فيهعليه‌السلام مجيبا لبعض الزنادقة وقد قال: وأجده قد شهر هفوات أنبياءه بحبسه يونس في بطن الحوت، حيث ذهب مغاضبا مذنبا: وأما هفوات الأنبياءعليهم‌السلام وما بينه الله في كتابه، فان ذلك من أدل الدلائل على حكمة اللهعزوجل الباهرة، وقدرته القاهرة، وعزته الظاهرة، لأنه علم ان براهين الأنبياءعليهم‌السلام تكبر في صدور أممهم، وان يتخذ بعضهم إلها كالذي كان من النصارى في ابن مريم، فذكرها دلالة على تخلفهم عن الكمال الذي انفرد بهعزوجل .

١٤٦ ـ في تفسير العيّاشي عن أبي عبيدة الحذاء عن أبي جعفرعليه‌السلام كتب أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: حدثني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ان جبرئيل حدثه ان يونس بن متىعليه‌السلام بعثه الله إلى قومه، وذكر حديثا طويلا يذكر فيه ما فعل قوم يونس وخروج يونس وتنوخا العابد من بينهم، ونزول العذاب عليهم وكشفه عنهم وفيه: فلما راى قوم يونس ان العذاب قد صرف عنهم هبطوا إلى منازلهم من رؤس الجبال، وضموا إليهم نساءهم وأولادهم وأموالهم، وحمدوا الله على ما صرف عنهم، وأصبح يونس وتنوخا يوم الخميس في موضعهما الذي كانا فيه، لا يشكان ان العذاب قد نزل بهم وأهلكهم جميعا، لما خفيت أصواتهم عنهما، فأقبلا ناحية القرية يوم الخميس مع الشمس ينظران إلى ما صار إليه القوم، فلما دنوا من القوم واستقبلتهم الحطابون والحمارة والرعاة بأعناقهم، ونظرا إلى أهل القرية مطمئنين، قال يونس لتنوخا: يا تنوخا كذبني الوحي وكذبت وعدي لقومي، لا وعزة ربي لا يرون لي وجها أبدا بعد ما كذبني الوحي، فانطلق يونس هاربا على وجهه مغاضبا لربه ناحية بحرايلة(١) مستنكرا فرارا من أن يراه أحد من قومه، فيقول له: يا كذاب! فلذلك قال :

__________________

(١) مر في الجزء الثاني صفحة ٣٢٦ بيان للحديث وشرح بعض اللغات فراجع.

٤٥٣

( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ) الآية ورجع تنوخا إلى القرية.

١٤٧ ـ عن الثمالي عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إنّ يونس لما آذاه قومه دعا الله عليهم فأصبحوا أول يوم، ووجوههم صفر، وأصبحوا اليوم الثاني ووجوههم سود، قال وكان الله وأعدهم ان يأتيهم العذاب حتّى نالوه برماحهم، ففرقوا بين النساء وأولادهن والبقر وأولادها، ولبسوا المسوح(١) والصوف ووضعوا الحبال في أعناقهم، والرماد على رؤسهم، وضجوا ضجة واحدة إلى ربهم، وقالوا: آمنا باله يونس، قال: فصرف الله عنهم العذاب إلى جبال آمد(٢) قال: وأصبح يونس وهو يظن انهم هلكوا، فوجدهم في عافية فغضب وحرج كما قال الله:( مُغاضِباً ) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٤٨ ـ عن معمر قال: قال أبو الحسن الرضاعليه‌السلام : إنّ يونس لما أمره اللهعزوجل بما أمره فأعلم قومه فأظلهم العذاب ففرقوا بينهم وبين أولادهم، وبين البهائم وأولادها ثم عجوا إلى الله وضجوا، فكف الله العذاب عنهم، فذهب يونس مغاضبا والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٤٩ ـ في كتاب المناقب لابن شهر آشوب وفي حديث أبي حمزة الثمالي أنّه دخل عبد الله بن عمر على زين العابدينعليه‌السلام وقال له: يا ابن الحسين أنت الذي تقول: إنّ يونس بن متى إنّما لقى من الحوت ما لقى لأنّه عرضت عليه ولاية جدّي فتوقّف عندها؟ قال: بلى ثكلتك أمّك، قال: فأرني آية ذلك إنْ كنت من الصادقين، فأمر بشدّ عينه بعصابة وعيني بعصابة، ثمّ أمر بعد ساعة بفتح أعيننا، فاذا نحن على شاطئ يضرب أمواجه بها، فقال ابن عمر: يا سيّدي دمي في رقبتك الله الله في نفسي، قال هنيئة وأريه ان كنت من الصادقين، ثمّ قال: يا أيتها الحوت قال: فاطلع الحوت رأسه من البحر مثل الجبل العظيم، وهو يقول: لبيك لبيك يا وليّ الله، فقال: من أنت؟ قال: حوت يونس يا

__________________

(١) المسوح جمع المسح ـ بالكسر ـ: الكساء من شعر.

(٢) قال الحموي: آمد ـ بكسر الميم ـ أعظم ديار بكر.

٤٥٤

سيّدي، قال: إيتنا بالخبر، قال: يا سيّدي إنَّ الله تعالى لم يبعث نبيّا من آدم إلى أن صار جدّك محمّد إلّا وقد عرض عليه ولايتكم أهل البيت، فمن قبلها من الأنبياء سلِّم وتخلَّص، ومَن توقّف عنها وتتعتع في حملها لقى ما لقى آدم من المصيبة، وما لقى نوح من الغرق، وما لقى إبراهيم من النار، وما لقى يوسف من الجب، وما لقى أيّوب من البلاء، وما لقى داود من الخطيئة، إلى ان بعث الله يونس فأوحى الله إليه أن يا يونس: توّل أمير المؤمنين عليّا والائمّة الراشدين من صلبه في كلام له.

قال: فكيف أتوّلى من لم أره ولم أعرفه؟ وذهب مغتاظا فأوحى الله تعالى إليَّ: أنْ التقمي يونس ولا توهني له عظما، فمكث في بطني أربعين صباحا يطوف معى في البحار في ظلمات ثلاث، ينادى أنّه لا إله إلّا أنت سبحانك إنّي كنت من الظالمين، قد قبلت ولاية عليّ بن أبي طالب والائمّة الراشدين من ولدهعليهم‌السلام ، فلمّا ان آمن بولايتكم أمرني ربي فقذفته على ساحل البحر، فقال زين العابدينعليه‌السلام : إرجع أيها الحوت إلى وكرك(١) فرجع الحوت واستوى الماء.

١٥٠ ـ في مصباح شيخ الطائفة قدس‌سره في دعاء يوم الأربعاء: يا من سمع الهمس من ذي النون في بطن الحوت في الظلمات الثلاث: ظلمة الليل، وظلمة قعر البحر وظلمة بطن الحوت.

١٥١ ـ في تهذيب الأحكام باسناده إلى الحسن بن علي بن عبد الملك الزيات عن رجل عن كرام عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: أربع لأربع، إلى قوله: والرابعة للغم واللهم( لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) قال الله سبحانه:( فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ) .

١٥٢ ـ في كتاب الخصال عن الصادق جعفر بن محمدعليهما‌السلام قال: عجبت لمن يفزع من اربع كيف لا يفزع إلى اربع، إلى قولهعليه‌السلام وعجبت لمن اغتم كيف لا يفزع إلى قوله تعالى:( لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) فانى سمعت

__________________

(١) الوكر: عش الطائر.

٤٥٥

الله يقول بعقبها:( فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ) .

١٥٣ ـ في أمالي شيخ الطائفة قدس‌سره باسناده إلى علي بن محمد الصيمري الكاتب قال: تزوجت ابنة جعفر بن محمد الكاتب فأحببتها حبا لم يحب أحد أحدا مثله، وابطأ على الولد فصرت إلى أبي الحسن عليّ بن محمّد بن الرضا (ع) فذكرت ذلك له فتبسم، وقال: اتخذ خاتما فضة فيروزج واكتب عليه:( رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ ) قال: ففعلت فما أتى على حول حتّى رزقت منها ولدا ذكرا.

١٥٤ ـ في عوالي اللئالى روى عن سيد العابدينعليه‌السلام أنّه قال لبعض أصحابه: قل لطلب الولد:( رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ ) واجعل لي من لدنك وليا يرثني» في حيوتى ويستغفر لي بعد وفاتي واجعله خلقا سويا ولا تجعل للشيطان فيه نصيبا أللهمّ إنّي أستغفرك وأتوب إليك انك أنت التواب الرحيم سبعين مرة.

١٥٥ ـ في الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن رجل عن محمد بن مسلم عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: من أراد أن يحبل له فليصل ركعتين بعد الجمعة يطيل فيهما الركوع والسجود، ثم يقول: أللهمّ إنّي أسئلك بما سئلك به زكريا إذ قال:( رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ ) ، أللهمّ هب لي ذرية طيبة انك سميع الدعاء أللهمّ باسمك استحللتها، وفي أمانتك أخذتها، فان قضيت في رحمها ولدا فاجعله غلاما مباركا زكيا، ولا تجعل للشيطان فيه نصيبا ولا شركا.

١٥٦ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمي عن الحارث النضري قال قلت لابي عبد اللهعليه‌السلام : إنّي من أهل بيت قد انقرضوا وليس لي ولد؟ فقال: ادع وأنت ساجد: رب هب لي من لدنك وليا( رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ ) قال: ففعلت فولد لي على والحسين.

١٥٧ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم وفي رواية عليّ بن إبراهيم في قوله:( وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ ) قال: كانت لا تحيض فحاضت.

٤٥٦

١٥٨ ـ في كتاب الخصال عن يونس بن ظبيان قال: قال الصادق جعفر بن محمدعليهما‌السلام : إنّ الناس يعبدون الله تعالى على ثلثة أوجه، فطبقة يعبدونه رغبة في ثوابه فتلك عبادة الحرصاء وهي الطمع، وآخرون يعبدونه فرقا من النار فتلك عبادة العبيد وهي الرهبة، ولكني أعبده حبا له فتلك عبادة الكرام.

١٥٩ ـ في كتاب معاني الأخبار باسناده إلى علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفرعليهما‌السلام قال: الرغبة ان تستقبل براحتيك السماء وتستقبل بهما وجهك والرهبة أن تلقى كفيك وترفعهما إلى الوجه.

١٦٠ ـ في أصول الكافي عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن إسماعيل بن مهران عن سيف بن عميرة عن أبي إسحاق عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: الرغبة ان تستقبل ببطن كفيك إلى السماء، والرهبة ان تجعل ظهر كفيك إلى السماء.

١٦١ ـ وباسناده إلى مروك بياع اللؤلؤ عمن ذكره عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: ذكر الرغبة وأبرز باطن راحتيه إلى السماء، وهكذا الرهبة وجعل ظهر كفيه إلى السماء.

١٦٢ ـ عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن فضالة عن العلا عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: مر بي رجل وانا ادعو في صلوتى بيساري فقال: يا عبد الله بيمينك! فقلت: يا عبد الله ان الله تبارك وتعالى حقه على هذه كحقه على هذه، وقال: الرغبة تبسط يديك وتظهر باطنهما والرهبة تظهر ظهرهما والأحاديث الثلاث طوال أخذنا منها موضع الحاجة.

١٦٣ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم : ( وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً ) قال: راغبين راهبين، وقوله:( الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها ) قال: مريم لم ينظر إليها شيء وقوله:( فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا ) قال: روح مخلوقة يعنى من أمرنا.

١٦٤ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسي رحمه‌الله عن أمير المؤمنينعليه‌السلام حديث أجاب فيه بعض الزنادقة وقد قال معترضا: وأجده يقول:( وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ

٤٥٧

مُؤْمِنٌ ) فلا كفران لسعيه ويقول:( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى ) اعلم في الآية الاولى ان الأعمال الصالحة لا تكفر، واعلم في الثانية ان الايمان والأعمال الصالحة لا تنفع إلّا بعد الاهتداء قالعليه‌السلام : واما قوله:( وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) فلا كفران لسعيه» وقوله:( إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى ) فان ذلك كله لا يغني إلّا مع الاهتداء وليس كل من وقع عليه اسم الايمان كان حقيقا بالنجاة مما هلك به الغواة ولو كان ذلك كذلك لنجت اليهود مع اعترافها بالتوحيد وإقرارها بالله، ونجى ساير المقرين بالوحدانية من إبليس فمن دونه في الكفر، وقد بين الله ذلك بقوله:( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ) وبقوله:( الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ ) .

١٦٥ ـ في مجمع البيان و( حَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ ) وروى محمد بن مسلم عن أبي جعفرعليه‌السلام أنّه قال: كل قرية أهلكها الله بعذاب فإنهم لا يرجعون.

١٦٦ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم وقولهعزوجل :( وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ ) فانه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن ابن سنان عن أبي بصير عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله وأبى جعفرعليهما‌السلام قالا: كل قرية أهلك اللهعزوجل أهلها بالعذاب لا يرجعون في الرجعة، فهذه الآية من أعظم الدلالة في الرجعة لان أحدا من أهل الإسلام لا ينكران الناس كلهم يرجعون إلى القيامة، من هلك ومن لم يهلك «انتهى كلامه».

١٦٧ ـ وفيه أيضا قال الصادقعليه‌السلام : كل قرية أهلك الله أهلها بالعذاب لا يرجعون في الرجعة، فاما إلى القيامة فيرجعون ومحضوا الايمان محضا وغيرهم ممن لم يهلكوا بالعذاب ومحضوا الكفر محضا يرجعون. وقولهعزوجل :( حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ) قال: إذا كان في آخر الزمان خرج يأجوج ومأجوج إلى الدنيا ويأكلون ثم احتجعزوجل على عبدة الأوثان فقال:( إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ

٤٥٨

جَهَنَّمَ ) إلى قوله:( وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ ) .

١٦٩ ـ وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: لما نزلت هذه الآية وجد منها أهل مكة وجدا شديدا، فدخل عليهم عبد الله بن الزبعرى وكفار قريش يخوضون في هذه الآية فقال ابن الزبعرى: أمحمد تكلم بهذه الاية؟ فقالوا: نعم، قال ابن الزبعرى: لئن اعترف بها لأخصمنه فجمع بينهما فقال: يا محمّد أرأيت الآية التي قرأت آنفا، فينا وفي آلهتنا خاصة أم الأمم وآلهتهم؟ فقال: بل فيكم وفي آلهتكم وفي الأمم وفي آلهتهم، إلّا من استثنى الله فقال ابن الزبعرى: خصمتك والله ألست تثنى على عيسى خيرا وقد عرفت ان النصارى يعبدون عيسى وامه، وان طائفة من الناس يعبدون الملائكة؟ أفليس هؤلاء مع الآلهة في النار؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا، فضحت قريش وضحكوا، قالت قريش: خصمك ابن الزبعرى، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : قلتم الباطل اما قلت: إلّا من استثنى الله وهو قوله تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ ) وقوله:( حَصَبُ جَهَنَّمَ ) يقول: يقذفون فيها قذفا وقوله:( أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ ) يعنى الملائكة وعيسى بن مريمعليهما‌السلام .

١٧٠ ـ في مجمع البيان وقراءة عليٍّعليه‌السلام «حطب» بالطاء.

١٧١ ـ في كتاب علل الشرائع أبيرحمه‌الله قال: حدّثنا سعد بن عبد الله عن إبراهيم بن مهزيار عن أخيه عن أحمد بن محمد عن حماد بن عيسى عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إذا كان يوم القيمة أتى بالشمس والقمر في صورة ثورين عقيرين(١) فيقذفان بهما وبمن يعبدهما في النار، وذلك انهما عبدا فرضيا.

١٧٢ ـ في قرب الاسناد للحميري باسناده إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام عن أبيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: إنّ الله تبارك وتعالى يأتى يوم القيامة بكل شيء يعبد من دونه من شمس أو قمر أو غير ذلك، ثم يسأل كل إنسان عما كان يعبد، فيقول كل من عبد غير

__________________

(١) العقير: المقطوع القوائم.

٤٥٩

الله: ربنا انا كنا نعبدها لتقربنا إليك زلفى، قال: فيقول الله تبارك وتعالى للملائكة: اذهبوا بهم وبما كانوا يعبدون إلى النار ما خلا من استثنيت، فأولئك عنها مبعدون.

١٧٣ ـ في محاسن البرقي وروى ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ الله يأتى بكل شيء يعبد من دونه شمس أو قمر أو تمثال أو صورة؟ فيقال: اذهبوا بهم وبما كانوا يعبدون إلى النار.

١٧٤ ـ عنه عن أبيه عن حمزة بن عبد الله الجعفري الدهني أو عن جميل بن دراج عن أبان بن تغلب قال: قال: إنّ الله يبعث بشيعتنا يوم القيامة على ما فيهم من الذنوب أو غيره مبيضة وجوههم، مستورة عوراتهم، آمنة روعتهم، قد سهلت لهم الموارد، وذهبت عنهم الشدائد، يركبون نوقا من ياقوت، فلا يزالون يدورون خلال الجنة عليهم شرك من نور يتلالأ، توضع لهم الموائد فلا يزالون يطعمون والناس في الحساب وهو قول الله تبارك وتعالى:( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ ) .

١٧٥ ـ في أمالي الصدوق رحمه‌الله عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حديث طويل وفيه يقول لعليٍّعليه‌السلام : يا عليُّ أنت وشيعتك على الحوض تسقون من أحببتم وتمنعون من كرهتم، وأنتم الآمنون يوم الفزع الأكبر في ظل العرش، يفزع الناس ولا تفزعون ويحزن الناس ولا تحزنون. فيكم نزلت هذه الاية:( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ ) وفيكم نزلت:( لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ) .

١٧٦ ـ في نهج البلاغة فبادروا بأعمالكم تكونوا مع جيران الله في داره رافق بهم رسله، وأزارهم ملائكته، وأكرم أسماعهم عن أن تسمع حسيس نار أبدا، وصان أجسادهم ان تلقى لغوبا ونصبا، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

١٧٧ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم وقوله:( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا ) يعنى في البحار إذا

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592