الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٢

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 592

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 181266 / تحميل: 6371
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

فروع :

الأول : لو وقع الثوب النجس أو الآنية أو غيرهما في ماءً كثير أو جار ، حتى زالت عين النجاسة طهر ، سواء عصر أو لا ، ولا يشترط عدد ولا غيره وان كان في الولوغ ، خلافاً للشيخ(1) .

الثاني : اشترط أبو حنيفة في إزالة النجاسة الحكمية الثلاث(2) ، وأحمد السبع في جميع النجاسات(3) .

الثالث : بول الصبي قبل أن يطعم ، يكفي فيه صب الماء عليه ، ولا يجب غسله ، لأنّ الحسن بن عليعليهما‌السلام بال في حجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالت له لبابة بنت الحارث : أعطني إزارك لاغسله. فقال : ( إنّما يغسل من بول الاُنثى )(4) ، وقال الصادقعليه‌السلام : « يصب عليه الماء »(5) .

وقال أبو حنيفة ومالك : يجب غسله(6) ، لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إنّما يغسل الثوب من البول )(7) ـ الحديث ـ والخاص مقدم.

__________________

1 ـ المبسوط للطوسي 1 : 37.

2 ـ شرح فتح القدير 1 : 185 ، فتح العزيز 1 : 236 ، بداية المجتهد 1 : 86.

3 ـ المغني 1 : 75 ، الشرح الكبير 1 : 321 ، المبسوط للسرخسي 1 : 93 ، فتح العزيز 1 : 236 ، بداية المجتهد 1 : 86.

4 ـ مسند أحمد 6 : 339 وفي سنن أبي داود 1 : 102 / 375 وسنن ابن ماجة 1 : 174 / 522 ومستدرك الحاكم 1 : 166 وسنن البيهقي 2 : 414 وورد بدل الحسن : الحسين.

5 ـ الكافي 3 : 56 / 6 ، التهذيب : 249 / 715 ، الاستبصار 1 : 173 / 602.

6 ـ اللباب 1 : 53 ، فتح القدير 1 : 185 ، بداية المجتهد 1 : 85 ، المحلى 1 : 102 ، نيل الأوطار 1 : 58 ، فتح العزيز 1 : 253 ، سبل السلام 1 : 54 ، المجموع 2 : 590.

7 ـ سنن الدارقطني 1 : 127 / 1.

٨١

وقال الشافعي وأحمد : يكفي الرش(1) . وهو قول لنا ، فيجب فيه التعميم فلا يكفي إصابة الرش بعض مورد النجاسة ، وأكثر الشافعية على اشتراط الغلبة ، ولم يكتفوا بالبل(2) .

الرابع : بول الصبية يجب غسله كالبالغة ـ وللشافعي قولان(3) ـ لأنّ التخصيص بالصبي

الخامس : المتساقط بالعصر نجس ، والمتخلف في الثوب طاهر ، ولو جفّ من غير عصر ففي الطهارة إشكال ، ينشأ من زوال الغسالة بالجفاف ، والعدم لأنّا نظن انفصال أجزاء النجاسة في صحبة الماء بالعصر لا بالجفاف.

السادس : قد بيّنا أنّ المنيّ نجس ، ويجب غسله رطباً ويابساً ، مع استحباب تقديم الفرك في اليابس ، وبه قال مالك(4) ، لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إنّما يغسل الثوب من المني )(5) الحديث.

وقال أبو حنيفة وأحمد : يفرك يابسا(6) لأنّ عائشة كانت تفرك المني من ثوب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (7) . ولا حجة فيه.

__________________

1 ـ فتح العزيز 1 : 253 ، المغني 1 : 770 ، الشرح الكبير 1 : 330.

2 ـ فتح العزيز 1 : 258.

3 ـ فتح العزيز 1 : 259.

4 ـ بُلغة السالك 1 : 22 ، بداية المجتهد 1 : 82 ، فتح العزيز 1 : 189 ، نيل الأوطار 1 : 65 ، المجموع 2 : 554 ، المحلى 1 : 116.

5 ـ سنن الدارقطني 1 : 127 / 1.

6 ـ المبسوط للسرخسي 1 : 81 ، اللباب 1 : 51 ، الهداية للمرغيناني 1 : 35 ، شرح فتح القدير 1 : 172 ـ 173 ، المجموع : 554 ، بداية المجتهد 1 : 82 ، نيل الأوطار 1 : 65 ، 66 ، المحلى 1 : 126.

7 ـ صحيح مسلم 1 : 238 / 288 ، سنن الدارقطني 1 : 125 / 3 ، سنن ابن ماجة 1 : 179 / 537 ـ 539 ، سنن ابي داود 1 : 101 / 371.

٨٢

السابع : لو غسل نصف الثوب النجس طهر ما غسله ، وكان الباقي على نجاسته ، إنّ غسله طهر أيضاً ، وهو أحد قولي الشافعية(1) لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال عن السمن تموت فيه الفأرة : ( وإن كان جامداً فألقوها وما حولها )(2) ، حكمعليه‌السلام بنجاسة المتصل دون الجميع ، مع وجود الرطوبة ، ولأنّ الآنية تغسل بإدارة الماء فيها.

و في الآخر : لا يطهر إلّا بغسله دفعة ، لاتصال الرطوبة بالنجس ، وليس بشيء.

الثاني : الإناء ويجب غسلها من ولوغ الكلب ثلاث مرات اولاهن بالتراب ، ذهب إليه أكثر علمائنا(3) ، لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( يغسل ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً )(4) والتخيير يسقط وجوب الزائد ، وقول الصادقعليه‌السلام : « اغسله بالتراب أول مرّة ، ثم بالماء مرتين »(5) وقال المفيد : الوسطى بالتراب(6) .

وقال ابن الجنيد : يغسله سبعاً(7) وبه قال الشافعي ، وأحمد ، وهو مروي عن ابن عباس ، وأبي هريرة ، وعروة ، وطاووس(8) ، لقوله عليه

____________

1 ـ المجموع 2 : 595.

2 ـ صحيح البخاري 1 : 68 ، سنن ابي داود 3 : 364 / 3841 ، سنن الترمذي 4 : 256 / 1798 ، سنن النسائي 7 : 178 ، سنن الدارمي 1 : 188 ، مسند أحمد 2 : 233 ، 265.

3 ـ منهم الشيخ في الخلاف 1 : 178 مسألة 133 ، وابن البراج في المهذب 1 : 28 ، والمحقق في الشرائع 1 : 56.

4 ـ سنن الدارقطني 1 : 65 / 13 ، 14.

5 ـ التهذيب 1 : 225 / 646 ، الاستبصار 1 : 19 / 40.

6 ـ المقنعة : 9.

7 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 127.

8 ـ ألام 1 : 6 ، المجموع 2 : 580 ، مختصر المزني : 8 ، السراج الوهاج : 23 ، بداية المجتهد 1 : 86 ، مغني المحتاج 1 : 83 ، سنن الترمذي 1 : 92 ، نيل الأوطار : 42 و 46 ، المحلى 1 : 112.

٨٣

السلام : ( طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسله سبعاً )(1) .

وقال مالك : يستحب الغسل(2) . وعن أحمد رواية أنها ثمانية ، وبه قال الحسن البصري(3) ، لقولهعليه‌السلام : ( والثامنة عفروه بالتراب )(4) .

وأصحاب الرأي لم يعتبروا عدداً لتخييرهعليه‌السلام ، ولا ينافي ما قلناه.

وأما الخنزير ، فقال الشيخ : إنّه كالكلب لأنّه يسمى كلباً لغةً(5) ، وهو ضعيف ، وبه قال الشافعي ، وفي القديم له : يغسل مرّة واحدة(6) .

والأجود أنّه يغسل سبع مرات ، لقول الكاظمعليه‌السلام وقد سئل عن خنزير شرب من إناء ، قال : « يغسل سبع مرات »(7) .

وأما الخمر ، فقال الشيخان : يغسل منه سبعاً(8) ، لقول الصادقعليه‌السلام ـ في الإناء يشرب فيه النبيذ ـ : « يغسل سبع مرات »(9) ، وللشيخ قول : إنّه ثلاث(10) ، لقول الصادقعليه‌السلام : « ويغسله ثلاث مرات »(11) .

__________________

1 ـ صحيح مسلم 1 : 234 / 91 و 92 ، سنن أبي داود 1 : 19 / 71 ، مسند أحمد 2 : 427.

2 ـ فتح الباري 1 : 221 ، بُلغة السالك 1 : 34 ، المجموع 2 : 580 ، المبسوط للسرخسي 1 : 48 ، فتح العزيز 1 : 161 ، 261.

3 ـ المغني 1 : 74 ، الشرح الكبير 1 : 319 ، سبل السلام 1 : 30 ، نيل الأوطار 1 : 46 ، فتح الباري 1 : 222.

4 ـ نيل الأوطار 1 : 45 ، سنن الدارقطني 1 : 65 / 11 ، سنن النسائي 1 : 54 ، سنن الدارمي 1 : 188 ، سنن أبي داود 1 : 19 / 74 ، سنن ابن ماجة 1 : 130 / 365.

5 ـ المبسوط للطوسي 1 : 15 ، وورد في تاج العروس 1 : 459 ( كلب ) : الكلب كلّ سبع عقور.

6 ـ المجموع 2 : 586 ، السراج الوهاج : 23 ، فتح العزيز 1 : 261 ـ 262 ، مغني المحتاج 1 : 83.

7 ـ التهذيب 1 : 261 / 760.

8 ـ المقنعة : 10 ، المبسوط للطوسي 1 : 15 ، النهاية : 53.

9 ـ التهذيب 9 : 116 / 502.

10 ـ الخلاف 1 : 182 مسألة 138.

11 ـ التهذيب 9 : 115 / 501 ، الكافي 6 : 427 / 1.

٨٤

وأما الفأرة فللشيخ قول بالغسل سبعاً(1) ، لقول الصادقعليه‌السلام : « اغسل الإناء الذي تصيب فيه الجرذ سبعاً »(2) ، وقول : إنّه ثلاث(3) لعدم زيادته على الخنزير والكلب.

وما عدا هذه النجاسات ، قال الشيخ : يجب الثلاث(4) . والوجه عندي المرة مع حصول الإنقاء مطلقاًً ، فيما عدا الكلب والخنزير ، والتقديرات مستحبة ، وبه قال الشافعي(5) .

وقال أحمد : يجب غسل سائر النجاسات سبعاً ، إلّا الأرض إذا أصابتها النجاسة لا يجب فيها العدد(6) ، واختلف أصحابه في اعتبار التراب(7) لأنّهعليه‌السلام نبه بالكلب على سائر النجاسات ، وهو قياس في التقديرات ، مع معارضة النص ، وهو قولهعليه‌السلام : ( والغسل من البول مرّة )(8) .

فروع :

الأول : الأقرب أن التراب لا يفتقر إلى الماء ، خلافاً لابن إدريس(9) .

__________________

1 ـ المبسوط للطوسي 1 : 15.

2 ـ التهذيب 1 : 284 / 119.

3 و 4 ـ الخلاف 1 : 182 مسألة 138.

5 ـ الاُم 1 : 6 ، المجموع 2 : 592 ، مختصر المزني : 8.

6 ـ بداية المجتهد 1 : 86 ، المجموع 2 : 592 ، الأقناع 1 : 58 ، فتح العزيز 1 : 236 ، المغني 1 : 74 ، الشرح الكبير 1 : 321.

7 ـ الشرح الكبير : 321.

8 ـ سنن أبي داود 1 : 64 / 247.

9 ـ السرائر : 15.

٨٥

الثاني : يكفي عدد الواحد للاكثر ، خلافاً لبعض الشافعية(1) ، وكذا يتداخل العدد لو اختلفت أنواع النجاسة.

الثالث : لو فقد التراب أجزأ الماء ، ويجزي الاشنان وشبهه لو فقد التراب ، وهل يجزي الماء والاشنان وشبهه مع وجود التراب؟ ظاهر كلام الشيخ المنع(2) ، لعدم الاتيان بالمأمور ، ويحتمل الاجزاء ، لأنّ الماء أبلغ ، وكذا الاشنان أبلغ في الإنقاء ، وللشافعي وجهان(3) .

ولو خيف فساد المحل بالتراب فكالفاقد.

الرابع : قال الشيخ : لو وقع إناء الولوغ في الجاري أو كثير الواقف حصلت غسلة للإناء ، فإذا أخرج وجب الإكمال(4) ، وليس بجيد. وللشافعي وجهان(5) .

وعلى قوله ، لو طرح كر في إناء الولوغ كان الماء طاهراً والإناء نجساً.

الخامس : لو ولغ في إناء فيه طعام جامد ، ولم يصب الإناء ، اُلقي ماءً أصابه فمه خاصة ، ولا غسل.

السادس : لو ولغ في ماءً قليل فأصاب ذلك الماء ثوباً ، أو إناء غسل مرّة ، وقال الشافعي : يغسل سبع مرات إحداهن بالتراب(6) .

السابع : لو أدخل يده أو رجله وجب غسله مرّة ، كالنجاسات ، وكذا

__________________

1 ـ المجموع 2 : 584 ، مغني المحتاج 1 : 84.

2 ـ اُنظر المبسوط للطوسي 1 : 14.

3 ـ المجموع 2 : 583 ، فتح العزيز 1 : 263 ، السراج الوهاج : 23.

4 ـ المبسوط للطوسي 1 : 14.

5 ـ المجموع 2 : 587.

6 ـ المجموع 2 : 587.

٨٦

دمعه ، وبوله ، ودمه. وقال الشافعي : كالولوغ(1) ، وبه قال الصدوق(2) ، وقال مالك ، وداود : لا غسل ، لأنّه في الولوغ تعبد(3) .

الثامن : أواني المشركين طاهرة ، ما لم يعلم مباشرتهم لها برطوبة ، لأنّها كذلك في الأصل ، فلا يخرج عنه إلّا لموجب ، فإن علمت المباشرة نجست ـ خلافاً للشافعي ، وأبي حنيفة(4) ـ لقول الباقرعليه‌السلام : « لا تأكلوا في آنيتهم ، ولا من طعامهم الذي يطبخون »(5) .

التاسع : إن قلنا بمزج الماء والتراب ، فهل يجزي لو صار مضافا؟ إشكال ، وعلى تقديره ، هل يجوز عوض الماء ماءً الورد وشبهه؟ إشكال.

العاشر : يشترط في التراب الطهارة ، فإن النجس لا يطهر غيره.لأنّ التراب تعبد ، لا للتطهير كحصى الجمار لو كان نجساً.

الحادي عشر : أواني الخمر الصلبة كالصفر ، والنحاس ، والحجر ، والمغضور تطهر بالغسل إجماعاً ، وغيره كالفرع ، والخشب : والخزف غير المغضور كذلك ، خلافاً لابن الجنيد(7) .

الثالث : ما عدا هذين القسمين ، ويجب غسله بالماء ، وإنّما يطهر

__________________

1 ـ المجموع 2 : 586 ، الوجيز 1 : 9 ، السراج الوهاج : 23 ، مغني المحتاج 1 : 83 ، فتح العزيز 1 : 261.

2 ـ المقنع : 12 ، الفقيه 1 : 8.

3 ـ المحلى 1 : 109 ، الشرح الصغير 1 : 18 و 34 ، المبسوط للسرخسي 1 : 48.

4 ـ شرح العناية 1 : 94 ، المجموع 1 : 264 ، المبسوط للسرخسي 1 : 47.

5 ـ الكافي 6 : 264 / 5 ، المحاسن : 454 / 376.

6 ـ المجموع 2 : 586 ، فتح العزيز 1 : 265 ، مغني المحتاج 1 : 84.

7 ـ حكاه عنه في المعتبر : 129.

٨٧

بالغسل إذا أمكن نزع الماء المغسول به عنه ، دون ما لا يمكن ، كالمائعات والصابون ، والكاغذ والطين ، وإن أمكن إيصال الماء إلى أجزائها بالضرب ، ما لم يطرح في كر فما زاد ، أو في جار بحيث يسري الماء إلى جميع أجزائه قبل إخراجه منه ، فلو طرح الدهن في ماءً كثير ، وحركه حتى تخلل الماء أجزاء الدهن بأسرها طهر ، وللشافعية قولان(1) . وكذا العجين بالنجس ، إذا مزج به حتى صار رقيقا ، وتخلل الماء جميع أجزائه. ويكفي في البدن الصب المزيل للعين ، ويستحب الدلك ، وكذا الجامدات.

وإنما يجب الغسل بملاقاة النجاسة مع رطوبة أحدهما ، ولو كانا يابسين لم يجب ، إلّا الميتة فانه يجب غسل الملاقي لها وإن كانا يابسين ، على إشكال ، وهل ذلك تعبد أو للنجاسة؟ ظاهر كلام علمائنا الثاني(2) ، وفيه نظر.

ويستحب رش الثوب بالماء اذا مسّه الكلب ، أو الخنزير ، ولو كان برطوبة وجب الغسل ، وفي البدن يمسح بالتراب ، ويغسل مع الرطوبة وجوباً.

مسألة 26 : إذا علم موضع النجاسة من الثوب والبدن وجب غسله ، وإن اشتبه وجب غسل كلّ ما يحصل فيه الاشتباه ، ولا يجوز التحري ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ـ وبه قال الشافعي ، ومالك ، وأحمد ، والنخعي ، وابن المنذر(3) ـ لأنّ النجاسة متيقنة فلا تزول بدونه ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « فإن خفي مكانه فاغسله كله »(4) .

__________________

1 ـ المجموع 2 : 599 ، مغني المحتاج 1 : 86 ، السراج الوهاج : 24.

2 ـ المبسوط للطوسي 1 : 37 ، النهاية : 53 ، شرائع الإسلام 1 : 52 ، الجامع للشرائع : 23 ، الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 78.

3 ـ الشرح الصغير 1 : 32 ، مغني المحتاج 1 : 189 ، المجموع 3 : 143 ، الاُم 1 : 55 ، المغني 1 : 766 ، فتح العزيز 4 : 15 ـ 16.

4 ـ الكافي 3 : 53 / 1 ، التهذيب 1 : 251 / 725.

٨٨

وقال ابن شبرمة : يتحرى كالثوب(1) ، والحكم في الأصل ممنوع.

وقال عطاء وحماد بنضح الثوب كله(2) ، لأنّ كلّ موضع يشك فيه فينضح ، والنضح غير كاف لتيقن النجاسة.

ولو نجس أحد الكمين غسلهما ، وإن قطع أحدهما غسل الباقي ، وعند الشافعية وجهان في التحري في أحد الكمين(3) ، ولو قطع أحدهما جاز التحري عندهم قولاً واحداً(4) .

ولو نجس أحد الثوبين واشتبه وجب غسلهما ، ولم يجز التحري عندنا إجماعاً ، وبه قال أحمد ، وابن الماجشون ، وأبو ثور ، والمزني ، لأنّ أحدهما نجس بيقين ، وبالتحري لا يحصل يقين البراء‌ة(5) ، وقال أبو حنيفة والشافعي : يتحرى كالاواني(6) ، والأصل ممنوع.

ولو نجس أحد الإناء‌ين واشتبه اجتنبا ، ووجب غسلهما معاً ، ولو لم يجد غير مائهما تيمم وصلّى ، ولا إعادة عليه ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، سواء كان عدد الطاهر أكثر أو أقل أو تساويا ، وسواء السفر والحضر ، وسواء اشتبه بالنجس أو بالنجاسة ـ وبه قال المزني ، وأبو ثور ، وأحمد(7) ـ لأنّ استعمال النجس محرم فيجب الاجتناب ، كالمشتبه بالاجنبية.

__________________

1 ـ المغني 1 : 766.

2 ـ المغني 1 : 766.

3 ـ المجموع 3 : 145 ، فتح العزيز 4 : 17 ـ 18 ، مغني المحتاج 1 : 189 ، المهذب للشيرازي 1 : 68.

4 ـ المجموع 3 : 145 ، فتح العزيز 4 ، 18 ، مغني المحتاج 1 : 189 ، المهذب للشيرازي 1 : 68.

5 ـ المغني 1 : 82 ، الشرح الكبير 1 : 82.

6 ـ المغني 1 : 82 ، الشرح الكبير 1 : 82 ، المجموع 3 : 144 ، فتح العزيز 1 : 274 و 4 : 21 ، مختصر المزني 1 : 18.

7 ـ المجموع 1 : 181 ، المغني 1 : 79 ، الشرح الكبير 1 : 78.

٨٩

وقال أبو حنيفة : إن كان عدد الطاهر أكثر جاز التحري ، وإلّا فلا(1) ، لأنّ الظاهر إصابة الطاهر ، وهو ممنوع ومنقوض بالثياب.

وقال الشافعي : إن كان [ في ](2) أحدهما نجاسة لم يجز التحري ، وإلّا جاز مطلقاًً كالتحري في القبلة(3) ، وحكم الأصل ممنوع.

وقال ابن الماجشون ، ومحمد بن مسلمة(4) : يتوضأ بكل واحد منهما(5) ، وهو خطأ.

فروع :

الأول : ظن النجاسة ، قال بعض علمائنا(6) : إنّه كاليقين. وهو جيد إنّ استند إلى سبب ، كقول العدل.

أما ثياب مدمني الخمر ، والقصابين ، والصبيان ، وطين الشوارع ، والمقابر المنبوشة ، فالأقرب الطهارة. وللشافعي وجهان(7) .

الثاني : شرط الشافعية للاجتهاد أن يكون للعلامة مجال للمجتهد فيه ، فيجوز في الثياب والاواني عندهم ، دون الميتة والمذكى ، والمحرم والاجنبية(8) . ويؤيده الاستصحاب ، فلا يجوز عند الاشتباه بالبول والعجز عن اليقين ، فلو وجد طاهراً بيقين لم يسغ الاجتهاد في أحد الوجهين ، لتمكنه من أداء الصلاة بيقين دون الآخر ، كالقليل يجوز استعماله مع وجود الكثير ،

__________________

1 ـ المجموع 1 : 181.

2 ـ زيادة يقتضيها السياق.

3 ـ المجموع 1 : 180 ـ 181.

4 ـ في الاصلين « محمد بن مسلم » وهو خطأ ، والصحيح ما أثبتناه ، اُنظر المصادر المشار اليها.

5 ـ المجموع 1 : 181 ، المغني 1 : 79 ، حلية العلماء 1 : 87.

6 ـ الشيخ الطوسي في النهاية : 96 ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي : 140.

7 ـ فتح العزيز 1 : 276 ـ 277 ، الوجيز 1 : 10.

8 ـ فتح العزيز 1 : 279 ـ 280 ، الوجيز 1 : 10 ، مغني المحتاج 1 : 27.

٩٠

وظهور علامة النجاسة ، كنقصان الماء في أمارة الولوغ.

الثالث : لو أداه اجتهاده إلى إناء ، وصلّى فيه صبحاً ، ثم اجتهد فأداه إلى غيره وقت الظهر ، تيمم عند الشافعي ، لأنّ الاجتهاد لا ينقض الاجتهاد ، وعنه قول : أنّه يتوضأ به بعد أن يغسل ما على بدنه من الماء الذي غلب على ظنه أنّه نجس(1) ، وليس ذلك ينقض الاجتهاد الأول ، لأنّا لا نبطل طهارته الاُولى ولا صلاته ، بل معناه يغسل ما غلب على ظنه أنّه نجس.

الرابع : قال الشيخ : يجب إراقة الإناء‌ين عند التيّمم(2) ـ وبه قال أحمد في إحدى الروايتين(3) ـ لئلّا يتيمم ومعه ماءً طاهر.

والأجود عدمه ، إذ الشرط فقدان ماءً يتمكن من استعماله ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد(4) .

وقال الشافعي : إنّ أراقهما أو صب أحدهما في الآخر لم يجب القضاء ، وإلّا وجب في أحد القولين(5) ، وعلى تعليل الشيخ ينبغي الجواز لو أراق أحدهما.

الخامس : لو كان أحد الإناء‌ين بولاً لم يجز التحري ، وبه قال الشافعي ، وأبو حنيفة(6) .

ولو كان الثالث بولاً ، لم يجز عند الشافعي ، وجاز عند أبي حنيفة(7) .

__________________

1 ـ فتح العزيز 1 : 285 و 286 ، الوجيز 1 : 10 ، مغني المحتاج 1 : 28.

2 ـ النهاية : 6 ، الخلاف 1 : 201 مسألة 163.

3 ـ المغني 1 : 80 ، المجموع 1 : 181.

4 ـ المغني 1 : 80.

5 ـ المجموع 1 : 185 ، فتح العزيز 1 : 284.

6 ـ المجموع 1 : 195 ، فتح العزيز 1 : 281 ، مغني المحتاج 1 : 27.

7 ـ المجموع 1 : 181 ، حلية العلماء 1 : 89.

٩١

ولو كان أحدهما مستعملاً ، استعمل أيهما شاء عندنا ، لأنّ المستعمل في الطهارة طاهر مطهر ، أما عند الشيخ في الكبرى فاللائق استعمال كلّ منهما منفردا(1) ، وللشافعي في التحري وجهان(2) .

ولو كان أحدهما ماءً ورد استعمل كلّ منهما إجماعاً ، أما عندنا فلعدم جواز التحري مطلقاًً ، وأما عند الشافعي فلأنّ المضاف ليس له أصل في الطهارة(3) .

ولو صب المشتبه بالنجس في الآخر ، فإن بلغ كرا لم يطهر عندنا ، خلافاً لبعض علمائنا(4) ، ويجئ على قولهم الوجوب لو علمه.

ولو أراق أحدهما لم يجز التحري في الباقي على أصلنا ، وهو أحد وجهي الشافعية(5) . وفيما يصنع حينئذ قولان :

الطهارة به ، لأنّ الأصل الطهارة ، وقد زال يقين النجاسة ، والتيمم لأنّه ممنوع من استعماله إلّا مع التحري ، وقد مُنع منه.

والآخر : التحري كما لو كان الآخر باقياً(6) .

السادس : الاعمى لا يجتهد عندنا في الإناء‌ين.

وللشافعي قولان ، فإن إدراك النجاسة قد يحصل بالمس ، كاضطراب الماء ، واعوجاج الإناء ، ولو عجز ومعه بصير اجتهد ، ففي جواز تقليده عنده.

__________________

1 ـ المبسوط للطوسي 1 : 8.

2 ـ المجموع 1 : 194 و 195 ، المهذب للشيرازي 1 : 16.

3 ـ المجموع 1 : 195 ، حلية العلماء 1 : 89.

4 ـ البعض هو السيد المرتضى في رسائله 2 : 361 ، وابن البراج في المهذب 1 : 23 ، وابن إدريس في السرائر : 8 ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : 18.

5 و 6 ـ المجموع 1 : 185 ، المهذب للشيرازي 1 : 16 ، حلية العلماء 1 : 88.

٩٢

وجهان ، ولو فقد البصير ففي أحد القولين له : أنّه يخمن ويتوضأ ، وفي الإعادة وجهان ، وفي الآخر : يتيمم(1) .

السابع : لو أخبر أعمى بوقوع بول في الإناء ، فإن قلنا : الظن كالعلم ، وحصل ، وجب القبول ، أما لو شهد عدلان أعميان قبل على ما اخترناه.

ولو شهدا بنجاسته لن يقبل إلّا بالسبب ، لجواز أن يعتقدا أن سؤر المسوخ نجس ، وكذا البصراء.

الثامن : الاشتباه مانع مع التعدد ، أما مع الاتحاد فلا.

فلو كان معه إناء من الماء الطاهر وشك في نجاسته عمل على أصل الطهارة ، إذ لا يرفع يقينها شك النجاسة ، لقول الصادقعليه‌السلام : « ولا يرفع اليقين أبداً بالشك »(2) .

وكذا لو شك في نجاسة إناء اللبن ، أو الدهن ، أو في تخمير العصير ، أو في طلاق زوجته ، أو في حيضها.

أمّا لو شك في اللبن هل هو لبن حيوان مأكول أو لا ، أو في اللحم هل هو مذكى أو لا ، أو هل النبات سم قاتل أو لا ، بنى على التحريم ، للتغليب ، وعدم أصالة الإباحة هنا.

ولو وجد مع كافر إناء فيه ماءً ولم يعلم مباشرته ، ففي جواز الاستعمال نظر.

التاسع : قال الشافعي : لو اختلف اجتهاد الاثنين ، عمل كلّ باجتهاده

__________________

1 ـ المجموع 1 : 196 ، فتح العزيز 1 : 284 ، المهذب للشيرازي 1 : 16.

2 ـ التهذيب 1 : 8 / 11.

٩٣

ولا يأتم بصاحبه ، لاعتقاده وضوء‌ه بالنجس(1) .

وقال أبو ثور : يجوز ، لأنّ كلّ واحد تصح صلاته وحده(2) ، وهذا لا يتأتى عندنا ، إلّا فيما لو عمل أحد المجتهدين بقول ابن البراج ، والآخر بما اخترناه.

فان كان الطاهر واحداً من ثلاثة ، فذهب كلّ واحد من الثلاثة إلى طهارة واحد ، وتوضأ به ، لم يجز أن يأتم واحد منهم بالآخر.

وإن كان الطاهر اثنين جاز أن يؤم بهما أحدهم ، فإذا صلّى بهما الصبح صحت صلاته وصلاتهما ، لاعتقاد كلّ منهما أنّه توضأ بالطاهر ، ولا يخطيء إمامه في اجتهاده ، ولا يقول : إنّه توضأ بالنجس ، فصحت صلاته خلفه.

فإن صلّى بهم آخر الظهر ، صحت صلاة الامام ، إذ لا يتعلق بغيره ، وصلاة إمام الصبح ، لأنّه لا يخطئ إمامه ، وأما الآخر فلا تصح صلاته للظهر لأنّه إذا لم يخطئ إمام الصبح خطأ إمام الظهر ، لأنّه لا يجوز أن يكونا جميعا توضئا بالطاهر عنده ، وقد حكمنا بصحة صلاة الصبح ، فلا تصح الظهر.

فان صلّى بهم الثالث العصر ، صحت صلاته خاصة ، لأنّ كلّ واحد منهما قد صلّى خلف الآخر فتعين النجس في حق الثالث في حقهما.

ولو كان كلّ من الاواني ، والمجتهدين أربعة فصلاة الصبح والظهر صحيحتان للجميع ، وصلاة العصر صحيحة لامام الصبح والظهر ولامامهما ، ولا تصح للآخر.

العاشر : يستحب إزالة طين الطريق بعد ثلاثة أيام ، وليس واجباً ما لم يعلم نجاسته.

__________________

1 ـ المجموع 1 : 197 ، المهذب للشيرازي 1 : 17.

2 ـ المجموع 1 : 197.

٩٤

الحادي عشر : تجب إزالة النجاسة عن البدن للصلاة الواجبة ، والطواف ، ودخول المساجد ، وعن الثوب كذلك ، لا وجوبا مستقرا إلّا مع اتحاده ، وعن الاواني للاستعمال ، لا مستقرا.

* * *

٩٥
٩٦

الباب الثاني : في الوضوء

مقدمة :

قال الكاظمعليه‌السلام : « من يتوضّأ للمغرب كان وضوؤه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في نهاره ، ما خلا الكبائر ، ومن توضأ لصلاة الصبح كان وضوؤه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في ليله إلّا الكبائر »(1) .

ويستحب للصلاة ، والطواف المندوبين ، ولدخول المساجد ، وقراء‌ة القرآن ، وحمل المصحف ، والنوم ، وصلاة الجنائز ، والسعي في حاجة ، وزيارة المقابر ، ونوم الجنب ، وجماع المحتلم ، وذكر الحائض ، والكون على طهارة ، والتجديد.

وفي هذا الباب فصول :

__________________

1 ـ الكافي 3 : 70 / 5 ، الفقيه 1 : 31 / 103.

٩٧
٩٨

الفصل الأول : في موجباته.

مسألة 27 : يجب الوضوء عندنا بامور خمسة : خروج البول والغائط والريح من المعتاد ، والنوم الغالب على الحاستين ، وما شابهه من كلّ مزيل للعقل ، والاستحاضة القليلة.

وقد أجمع المسلمون كافة على النقض بالثلاثة الأول لقوله تعالى : (أو جاء أحد منكم من الغائط )(1) وقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( لكن من بول أو غائط )(2) وقولهعليه‌السلام : ( فلا تنصرفن حتى تسمع صوتاً ، أو تجد ريحاً )(3) وقال الصادقعليه‌السلام : « لا يجب الوضوء إلّا من غائط ، أو بول ، أو ضرطة ، أو فسوة تجد ريحها »(4) .

فروع :

الأول : لو خرج البول والغائط من غير المعتاد فالأقوى عندي النقض ،

__________________

1 ـ النساء : 43.

2 ـ سنن النسائي 1 : 98 ، سنن ابن ماجة 1 : 161 / 478 ، سنن الترمذي 1 : 159 / 96 ، مسند أحمد 4 : 239 ، 240 ، نيل الأوطار 1 : 239.

3 ـ سنن النسائي 1 : 98 ، سنن الترمذي 1 : 109 / 75 ، سنن ابن ماجة 1 : 171 / 514 ، سنن ابي داود 1 : 45 / 177 ، صحيح مسلم 1 : 276 / 361.

4 ـ التهذيب 1 : 10 / 16.

٩٩

سواء قلّا أو كثرا ، وسواء انسد المخرج أو لا ، وسواء كانا من فوق المعدة أو تحتها ـ وبه قال أحمد بن حنبل(1) ـ لقوله تعالى :( أو جاء أحد منكم من الغائط ) (2) والأحاديث(3) .

وقال الشيخ : إنّ خرجا من فوق المعدة لم ينقضا ، لأنّه لا يسمى غائطاً(4) ، ولقول الباقر والصادقعليهما‌السلام وقد سئلا ما ينقض الوضوء؟ فقالا : « ما يخرج من طرفيك »(5) الحديث ، وما مستوعبة ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « لا ينقض الوضوء إلّا ما خرج من طرفيك الأسفلين »(6) الحديث.

ويمنع عدم التسمية ، والأحاديث محمولة على الاغلب.

وقال الشافعي : إنّ انسد المعتاد وانفتح من أسفل المعدة نقض ، إلّا في قول شاذ ، وإن انفتح فوقها أو عليها فقولان ، أصحهما عنده : عدم النقض ، لأنّ ما تحيله الطبيعة تلقيه إلى الأسفل ، فالخارج فوقها أو محاذيها بالقي أشبه.

وإن كان السبيل بحاله ، فإن انفتح تحت المعدة فقولان :

أحدهما : النقض ، لأنّه معتاد ، وهو بحيث يمكن انصباب الفضلات إليه.

والثاني وهو الاصح عندهم : المنع ، لأنّ غير الفرج إنّما يعطى حكمه للضرورة ، وإنّما تحصل مع الانسداد لا مع عدمه.

__________________

1 ـ بداية المجتهد 1 : 34 ، المغني 1 : 195 ، الشرح الكبير 1 : 209.

2 ـ النساء : 43.

3 ـ اُنظر على سبيل المثال ، الكافي 3 : 36 / 2 ، التهذيب 1 : 10 / 16 و 18.

4 ـ المبسوط للطوسي 1 : 27.

5 ـ التهذيب 1 : 8 / 12 ، الكافي 3 : 36 / 6 ، الفقيه 1 : 37 / 137.

6 ـ الكافي 3 : 35 / 1 ، التهذيب 1 : 16 / 36.

١٠٠

وإن انفتح فوقها ، أو عليها ، لم ينقض إن كان الخارج نادراً كالحصى وإن كان نجاسة كالعذرة فقولان : أقواهما : العدم(1) .

الثاني : لو خرج من أحد السبيلين دود ، أو غيره من الهوام ، أو حصى أو دم غير الثلاثة ، أو شعر ، أو حقنة ، أو أشياف ، أو دهن قطره في إحليله ، لم ينقض ، إلّا أن يستصحب شيئاً من النواقض ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، وبه قال مالك وداود(2) لأنّه نادر فأشبه الخارج من غير السبيلين ، وللأصل ، ولمّا تقدم من الأحاديث.

وقال أبو حنيفة ، وأصحابه ، والشافعي ، والثوري ، والأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق وأبو ثور : إنّه ناقض ، لعدم انفكاكه من البلة(3) . وهو ممنوع.

الثالث : الريح إنّ خرج من قبل المرأة نقض ، لأنّ له منفذاً إلى الجوف ، وكذا الآدر(4) أما غيرهما فإشكال ـ وبه قال الشافعي(5) ـ لعموم النقض(6) بخروج الريح.

وقال أبو حنيفة : لا ينقض خروج الريح من القبل(7) .

__________________

1 ـ المجموع 2 : 8 ، الوجيز 1 : 15 ، مغني المحتاج 1 : 33 ، فتح العزيز 2 : 13 ، 14.

2 ـ بداية المجتهد 1 : 34 ، شرح فتح القدير 1 : 33 ، المدونة الكبرى 1 : 10 ، عمدة القارئ 3 : 47 ، الشرح الصغير 1 : 52 ، 53 ، المجموع 2 : 7 ، فتح العزيز 2 : 10.

3 ـ اللباب 1 : 11 ، بدائع الصنائع 1 : 25 ، الهداية للمرغيناني 1 : 14 ، شرح فتح القدير 1 : 48 ، ألام 1 : 17 ، المجموع 2 : 4 و 6 ، مغني المحتاج 1 : 32 ، عمدة القارئ 3 : 47 ، فتح العزيز 2 : 10 ، المبسوط للسرخسي 1 : 83 ، المغني 1 : 192.

4 ـ الآدر : من يصيبه فتق في إحدى خصييه. مجمع البحرين 3 : 203.

5 ـ الاُم 1 : 17 ، المجموع 2 : 4 ، الوجيز 1 : 15 ، فتح العزيز 2 : 9.

6 ـ اُنظر على سبيل المثال : الكافي 3 : 36 / 6.

7 ـ اللباب 1 : 11 ، فتح العزيز 2 : 9 ، المجموع 2 : 8 ، المبسوط للسرخسي 1 : 83.

١٠١

الرابع : لو ظهرت مقعدته وعليها شيء من العذرة ثم خفيت ، ولم ينفصل شيء ، ففي النقض إشكال ، ينشأ من صدق الخروج ، ومن عدم الانفصال.

الخامس : الخنثى المشكل إذا بال فحكمه حكم ما لو كانت الثقبة دون المعدة ، ولم ينسد المخرج فعندنا ينقض ، وللشافعي قولان(1) لجواز أن يكون ذلك المخرج ثقبة زائدة.

مسألة 28 : النوم الغالب على السمع والبصر ناقض عند علمائنا أجمع ، وهو قول أكثر أهل العلم ، لقولهعليه‌السلام : ( العين وكاء السه ، من نام فليتوضأ )(2) وقال الصادقعليه‌السلام : « لا ينقض الضوء إلّا حدث ، والنوم حدث »(3) .

وحكي عن أبي موسى الاشعري ، وأبي مجلز ، وحميد الاعرج ، أنّه لا ينقض(4) ، وعن سعيد بن المسيب ، أنّه كان ينام مضطجعاً مراراً ينتظر الصلاة ، ثم يصلّي ولا يعيد الوضوء(5) لأنّه ليس بحدث في نفسه ، والحدث مشكوك فيه.

ونمنع الاُولى لما تقدم.

__________________

1 ـ المجموع 2 : 8 و 10 ، مغني المحتاج 1 : 32.

2 ـ سنن ابن ماجة 1 : 161 / 477 ، سنن ابي داود 1 : 52 / 203 ، مسند أحمد 1 : 111.

3 ـ التهذيب 1 : 6 / 5 ، الاستبصار 1 : 79 / 246.

4 ـ نيل الأوطار 1 : 239 ، المبسوط للسرخسي 1 : 78 ، أحكام القرآن لابن العربي 2 : 559 ، فتح الباري 1 : 251 ، تفسير القرطبي 5 : 221 ، المجموع 2 : 17 ، المغني 1 : 196.

5 ـ المغني 1 : 196.

١٠٢

فروع :

الأول : نوم المضطجع ناقض ، قلّ أو كثر عند كلّ من حكم بالنقض.

ونوم القاعد ناقض عندنا وإن قلّ ، للعموم ، وهو قول المزني ، والشافعي في أحد القولين ، وإسحاق ، وأبوعبيد(1) ، إلّا ابن بابويه منّا ، فانه قال : الرجل يرقد قاعداً لا وضوء عليه ما لم ينفرج(2) ، وهو قول الشافعي وإن كثر اذا كان ممكنا لمقعدته من الأرض ، لأنّ الصحابة كانوا ينامون ثم يقومون فيصلون من غير وضوء(3) ، وليس بحجة لإمكان السنة.

وقال مالك ، وأحمد ، والثوري ، وأصحاب الرأي : إن كان كثيراً نقض وإلّا فلا(4) .

وأما نوم القائم ، والراكع ، والساجد فعندنا أنّه ناقض ، وبه قال الشافعي في الجديد ، وأحمد في إحدى الروايتين(5) للعموم ، والثانية : أنّه لا ينقض ، وبه قال الشافعي في القديم(6) .

وقال أبو حنيفة : النوم في كلّ حال من أحوال الصلاة غير ناقض ، وإن

__________________

1 ـ مختصر المزني : 4 ، نيل الأوطار 1 : 239 ، المحلى : 223 ، عمدة القارئ 3 : 109 ، المهذب للشيرازي 1 : 30 ، فتح الباري 1 : 251.

2 ـ الفقيه 1 : 38 / 144.

3 ـ المجموع 2 : 14 ، الوجيز 1 : 16 ، الاُم 1 : 12 ، سبل السلام 1 : 96 ، مغني المحتاج 1 : 34 ، فتح العزيز 1 : 21 ، المحلى 1 : 225.

4 ـ نيل الأوطار 1 : 239 ، المبسوط للسرخسي 1 : 78 ، المحلى 1 : 225 ، المجموع 2 : 17 ، المدونة الكبرى 1 : 9 ، مسائل الامام أحمد : 13 ، مقدمات ابن رشد 1 : 44 ، فتح العزيز 2 : 25 ، فتح الباري 1 : 251 ، بداية المجتهد 1 : 37 ، القواعد في الفقه الاسلامي : 342.

5 ـ نيل الأوطار 1 : 240 ، المبسوط للسرخسي 1 : 78 ، الاُم 1 : 13 ، بداية المجتهد 1 : 36 ، بدائع الصنائع 1 : 31 ، عمدة القارئ 3 : 110 ، فتح العزيز 2 : 24 ، المغني 1 : 197.

6 ـ المجموع 2 : 18 ، فتح العزيز 2 : 24 ، المغني 1 : 198.

١٠٣

كثر ، وهو أضعف أقوال الشافعي(1) ، لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إذا نام العبد في سجوده باهى الله تعالى به ملائكته ، يقول : عبدي روحه عندي وجسده ساجد بين يدي )(2) ، ولا حجة فيه.

الثاني : السُنة ـ وهي ابتداء النعاس ـ غير ناقضة ، لأنّها لا تسمى نوماً ، ولأن نقضه مشروط بزوال العقل.

الثالث : كلّ ما أزال العقل من إغماء ، أو جنون ، أو سكر ، أو شرب مرقد ، ناقض لمشاركته للنوم في المقتضي ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا خفي الصوت فقد وجب الوضوء »(3) .

وللشافعية في السكر قولان ، أضعفهما : عدم النقض ، لأنّه كالصاحي في الحكم فينفذ طلاقه وعتقه ، وإقراره وتصرفاته(4) ، وهو ممنوع.

الرابع : ولو شك في النوم لم تنتقض طهارته ، وكذا لو تخايل له شيء ولم يعلم أنّه منام أو حديث النفس ، ولو تحقق أنّه رؤيا نقض.

مسألة 29 : دم الاستحاضة إن كان قليلاً يجب به الوضوء خاصة ، ذهب إليه علماؤنا ، إلّا ابن أبي عقيل(5) ، لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( المستحاضة تتوضأ لكلّ صلاة )(6) .

وقول الصادقعليه‌السلام : « وإن كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت

__________________

1 ـ المبسوط للسرخسي 1 : 78 ، فتح العزيز 2 : 24 و 28 ، نيل الأوطار 1 : 240 ، المجموع 2 : 14 و 18 ، المحلى 1 : 224 ، اللباب 1 : 13 ، شرح فتح القدير 1 : 43.

2 ـ تلخيص الحبير 2 : 26.

3 ـ الكافي 3 : 37 / 14 ، التهذيب 1 : 9 / 14 ، وفيهما عن أبي الحسن (ع).

4 ـ المجموع 2 : 21 ، فتح العزيز 2 : 19.

5 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 28.

6 ـ سنن ابي داود 1 : 81 / 300 ، سنن البيهقي 1 : 348.

١٠٤

وصلت كلّ صلاة بوضوء »(1) .

وقال ابن أبي عقيل : ما لم يظهر على القطنة فلا غسل ولا وضوء(2) وقال مالك : ليس على المستحاضة وضوء(3) .

مسألة 30 : لا يجب الوضوء بشيء سوى ما ذكرناه ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، وقد خالف الجمهور في أشياء نحن نذكرها.

الأول : المذي والوذي ـ وهو ما يخرج بعد البول ثخين كدر ـ لا ينقضان الوضوء ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، للأصل ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « إنّ علياًعليه‌السلام كان مذاء ، فاستحى أن يسأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمكان فاطمةعليها‌السلام ، فأمر المقداد أن يسأله ، فقال : ليس بشيء »(4) .

وقال الجمهور : إنّهما ناقضان(5) إلّا مالكاً فإنه قال : المذي إذا استدام به لا يوجب الوضوء(6) ، لأنّ علياًعليه‌السلام قال : « كنت اكثر الغسل من المذي حتى تشقق ظهري ، فسألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : إنّما يكفيك أن تنضح على فرجك ، وتتوضأ للصلاة »(7) وهو بعد

__________________

1 ـ الكافي : 89 / 2 ، التهذيب 1 : 107 / 277.

2 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 28.

3 ـ بداية المجتهد 1 : 60 ، المغني 1 : 389 ، المحلى 1 : 253 ، المنتقى للباجي 1 : 127.

4 ـ التهذيب 1 : 17 / 39 ، الاستبصار 1 : 91 / 292.

5 ـ المبسوط للسرخسي 1 : 67 ، الاُم 1 : 39 ، الشرح الصغير 1 : 52 ، المحلى 1 : 232 ، المجموع 2 : 6 ، سبل السلام 1 : 101 ، المدونة الكبرى 1 : 10 ـ 12 ، بداية المجتهد 1 : 34 ، المغني 1 : 194 ـ 195 ، نيل الأوطار 1 : 237 ، عمدة القارئ 3 : 217 ، فتح الباري 1 : 302.

6 ـ بداية المجتهد 1 : 34 ، المجموع 2 : 7 ، المنتقى للباجي 1 : 89.

7 ـ سنن ابي داود 1 : 53 / 206 ، 207 ، سنن النسائي 1 : 111 ، صحيح مسلم 1 : 247 / 303 ، الموطأ 1 : 40 / 53.

١٠٥

التسليم محمول على الاستحباب.

الثاني : القيء لا ينقض الوضوء ، سواء قل أو كثر ، وكذا ما يخرج من غير السبيلين ، كالدم والبصاق والرعاف وغير ذلك ، ذهب إليه علماؤنا ، وبه قال في الصحابة عليعليه‌السلام ، وعبدالله بن عباس ، وعبدالله بن عمر ، وعبدالله بن أبي أوفى ، ومن التابعين سعيد بن المسيب ، والقاسم بن محمد ، وعطاء ، وطاووس ، وسالم بن عبد الله بن عمر ، ومكحول ، وهو مذهب ربيعة ، ومالك ، والشافعي ، وأبو ثور ، وداود ،(1) للأصل ، ولقولهمعليهم‌السلام : « لا ينقض إلّا ما خرج من طرفيك الأسفلين ، أو النوم »(2) .

و قال أبو حنيفة : القيء إن كان مل‌ء الفم أوجب الوضوء وإلّا فلا ، وغيره إن كان نجساً خرج من البدن وسال أوجب الوضوء ، وإن وقف على رأس المخرج لم يوجب الوضوء ، وبه قال الأوزاعي ، والثوري ، وأحمد ، وإسحاق ، إلّا أن أحمد يقول : إن كان الدم قطرة أو قطرتين لم يوجب الوضوء(3) .

وعنه رواية اُخرى : أنّه إنّ خرج قدر ما يعفى عن غسله ـ وهو قدر الشبر ـ لم يجب الوضوء(4) ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( من قاء أو قلس فلينصرف وليتوضأ ، وليبن على صلاته ما لم يتكلم )(5) .

____________

1 ـ الاُم 1 : 18 ، المبسوط للسرخسي 1 : 75 ، سنن الترمذي 1 : 145 ، ذيل الحديث 87 ، المغني 1 : 208 ، المجموع 2 : 54 ، فتح العزيز 2 : 2 ، سبل السلام 1 : 106 ، نيل الأوطار 1 : 237 ، الهداية للمرغيناني 1 : 14 ، مقدمات ابن رشد 1 : 70 ، المدونة الكبرى 1 : 18.

2 ـ الكافي 3 : 36 / 6 ، الفقيه 1 : 37 / 137 ، التهذيب 1 : 8 / 12 ، الاستبصار 1 : 79 / 244.

3 ـ المبسوط للسرخسي 1 : 75 ، شرح فتح القدير 1 : 34 ، اللباب 1 : 11 ـ 12 ، المغني 1 : 209 ، المجموع 2 : 54 ، فتح العزيز 2 : 2 ، نيل الأوطار 1 : 235 و 237 ، رحمة الامة 1 : 15 ، المحلى 1 : 257.

4 ـ المغني 1 : 209 ، الشرح الكبير 1 : 211.

5 ـ سنن الدارقطني 1 : 153 / 11 و 154 / 12.

١٠٦

وهو محمول على غسل الفم ، والاستحباب ، ولأنّه متروك(1) ، لأنّه فعل كثير.

الثالث : مسّ الذكر والدبر لا يوجب الوضوء ، سواء مسّ الباطنين أو الظاهرين ، وكذا لو مسّت المرأة قبلها أو دبرها سواء كان بباطن الكف أو ظاهره ، وسواء مسّ بشهوة أو غيرها ، وسواء كان الفرجان منه أو من غيره ، ذهب إليه أكثر علمائنا(2) ، وبه قال عليعليه‌السلام ، وعمار بن ياسر ، وعبدالله بن مسعود ، وابن عباس في إحدى الروايتين ، وحذيفة ، وعمران بن الحصين ، وأبو الدرداء ، وسعد بن أبي وقاص في إحدى الروايتين ، والحسن البصري ، وقتادة ، والثوري ، وأبو حنيفة وأصحابه(3) ، للأصل ، ولقولهعليه‌السلام وقد سئل عن مسّ الرجل ذكره بعد الوضوء : ( هل هو إلّا بضعة منه؟ )(4) ، ولقول الصادقعليه‌السلام ـ وقد سئل عن الرجل يعبث بذكره في الصلاة المكتوبة ـ : « لا بأس »(5) ، وما تقدم.

و قال الصدوق : من مسّ باطن ذكره بإصبعه أو باطن دبره انتقض وضوؤه(6) .

وقال ابن الجنيد : من مسّ ما انضم عليه الثقبان نقض وضوؤه ، ومن

____________

1 ـ لم ترد في نسخة ( م ).

2 ـ منهم المفيد في المقنعة : 3 ، والشيخ الطوسي في النهاية : 19 ، والمبسوط 1 : 26 ، والخلاف 1 : 112 مسألة 55 ، وسلار في المراسم : 31 ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي : 126 ، والمحقق الحلّي في المعتبر : 29.

3 ـ المجموع 2 : 42 ، بداية المجتهد 1 : 39 ، نيل الأوطار 1 : 249 ، المبسوط للسرخسي 1 : 66 ، شرح فتح القدير 1 : 48 و 49 ، بدائع الصنائع 1 : 30 ، المحلى 1 : 237.

4 ـ سنن ابي داود 1 : 46 / 182 ، سنن النسائي 1 : 101 ، سنن الدارقطني 1 : 149 / 17.

5 ـ التهذيب 1 : 346 / 1014 ، الاستبصار : 88 / 282.

6 ـ الفقيه 1 : 39 ذيل الحديث 148.

١٠٧

مس ظاهر الفرج من غيره بشهوة تطهّر إن كان محرّماً ، ومن مسّ باطن الفرجين فعليه الوضوء من المحرم والمحلل(1) ، لأنّ عمارا سأل الصادقعليه‌السلام عن الرجل يتوضأ ثم يمس باطن دبره ، قال : « نقض وضوء‌ه »(2) ، والطريق ضعيف ، ومحمول على استصحاب نجاسته.

وقال الشافعي : من مسّ ذكراً ببطن كفه وجب عليه الوضوء.

وحكاه ابن المنذر ، عن عمر ، وابن عمر ، وسعد بن أبي وقاص ، وعائشة ، وأبي هريرة ، وابن عباس.

ومن التابعين عطاء بن أبي رباح ، وسعيد بن المسيب ، وأبان بن عثمان ، وعروة بن الزبير ، وسليمان بن يسار ، والزهري ، وأبو العالية ، ومجاهد.

وبه قال مالك ، والأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، والمزني(3) ، لأنّ بسرة بنت صفوان روت أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( إذا مسّ أحدكم ذكره فليتوضأ )(4) ، ومع التسليم يحمل على المس للغسل من البول لأنّه الغالب.

وقال داود : إنّ مسّ ذكر نفسه انتقض ، وان مسّ ذكر غيره لم ينتقض(5) ، لأنّ الخبر ورد فيمن مسّ ذكره.

__________________

1 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 29.

2 ـ التهذيب 1 : 348 / 1023 ، الاستبصار 1 : 88 / 284.

3 ـ ألام 1 : 19 ، المجموع 2 : 41 ، مقدمات ابن رشد 1 : 69 ، المبسوط للسرخسي 1 : 66 ، المحلى 1 : 237 ، بداية المجتهد 1 : 39 ، المدونة الكبرى 1 : 8 ، الوجيز 1 : 16 ، كفاية الأخيار 1 : 22 ، فتح العزيز 2 : 37 ـ 38 ، مختصر المزني : 3 ـ 4 ، بدائع الصنائع 1 : 30.

4 ـ الموطأ 1 : 42 / 58 ، سنن ابن ماجة 1 : 161 / 479 ، سنن الدارقطني 1 : 147 / 3 ، سنن البيهقي 1 : 128.

5 ـ المحلى 1 : 235 ، المغني 1 : 204 ، الشرح الكبير 1 : 217.

١٠٨

قال الشافعي : ولو مسّ بغير بطن كفه من ظهر كفه ، أو ساعده ، أو غير ذلك من أعضائه لم ينتقض الوضوء(1) ، للاصل.

وحكي عن عطاء ، والأوزاعي ، وأحمد في إحدى الروايتين : النقض بظهر الكف والساعد ، لأنّه من جملة يده(2) .

قال الشافعي : ولو مسّه بحرف يده ، أو بما بين الاصابع لم ينتقض(3) .

ولو مسّ الذكر بعد قطعه فوجهان عنده(4) ، ولو مسّه من ميّت انتقضت(5) ، وقال إسحاق : لا ينتقض(6) ولا فرق بين الذكر الصغير والكبير(7) .

وقال الزهري ، والأوزاعي ، ومالك : لا يجب بمس الصغير(8) ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسّ زبيبة الحسنعليه‌السلام ولم يتوضأ(9) .

قال الشافعي : ولو مسّ الانثيين أو الالية أو العانة لم ينتقض(10) . وعن عروة بن الزبير النقض(11) .

__________________

1 ـ المجموع 2 : 37 و 40 ، الاُم 1 : 20 ، المحلى 1 : 237.

2 ـ المجموع 2 : 41 ، فتح العزيز 2 : 38 ، المحلى 1 : 237 ، المغني 1 : 203 ـ 204.

3 ـ المجموع 2 : 37 ، الوجيز 1 : 16 ، فتح العزيز 1 : 67 ـ 68.

4 ـ المجموع 2 : 38 ، الوجيز 1 : 16 ، فتح العزيز 2 : 63.

5 ـ المجموع 2 : 37 ، الوجيز 1 : 16 ، الاُم 1 : 19 ، مختصر المزني : 4 ، فتح العزيز 2 : 59 ، المغني 1 : 205 الشرح الكبير 1 : 218.

6 ـ المغني 1 : 205 ، الشرح الكبير 1 : 218.

7 ـ المجموع 2 : 37 ، مختصر المزني : 4 ، الاُم 1 : 19 ، فتح العزيز 2 : 60 ، الوجيز 1 : 16.

8 ـ المغني 1 : 204 ، الشرح الكبير 1 : 217 ، الشرح الصغير 1 : 55.

9 ـ فتح العزيز 2 : 60 ، سنن البيهقي 1 : 137.

10 ـ المجموع 2 : 40 ، مغني المحتاج 1 : 35 ، الاُم 1 : 19.

11 ـ المجموع 2 : 40 ، واُنظر سنن البيهقي 1 : 137.

١٠٩

ولو مسّ حلقة دبره أو دبر غيره ، قال الشافعي : انتقض(1) ، وفي القديم : لا ينتقض ، كما ذهبنا إليه ، وبه قال مالك ، وداود ، لأنّه لا يقصد مسّه(2) .

ولو مسّت المرأة فرجها انتقض وضوؤها عند الشافعي(3) ، خلافاً لمالك(4) .

والخنثى المشكل إذا مسّ فرج نفسه ، أو مسّه غيره إنتقض وضوؤه ، إذا تيقنا أن الذي مسّه فرج ، أو لمس من رجل وامرأة ، ومتى جوّزنا غير ذلك فلا نقض ، وإن مسّ نفسه ، فإن مسّ ذكره أو فرجه فلا نقض ، وإن جمع نقض.

وإن مسّه رجل ، فإن مسّ ذكره انتقض ، لأنّه إن كان رجلاً فقد مسّ فرجه ، وإن كان امرأة فقد مسّ موضعا من بدنها ، فإن الزيادة لا تخرجه عن كونه من بدنها ، وإن مسّ الفرج فلا نقض ، لجواز أن يكون رجلاً فقد مسّ خلقة زائدة من بدنه.

وإن مسّه امرأة ، فإن مسّت ذكره فلا نقض ، لجواز أن تكون امرأة فتكون قد مسّت خلقة زائدة من بدنها ، وإن مسّت فرجه انتقض ، لأنّها إنّ كانت امرأة فقد مسّت فرجها ، وإن كان رجلاً فقد مسّت بدنه.

وإن مسّه خنثى ، فإن مسّ ذكره فلا نقض ، لجواز أن يكونا امرأتين ، فتكون إحداهما مسّت بدن الاُخرى ، وإن مسّ فرجه لم ينتقض ، لجواز أن

__________________

1 ـ المجموع 2 : 38 ، الوجيز 1 : 16 ، فتح العزيز 2 : 58 ، مغني المحتاج 1 : 36.

2 ـ فتح العزيز 2 : 56 ـ 57 ، المدونة الكبرى 1 : 8 ، مقدمات ابن رشد 1. 70 ، الشرح الصغير 1 : 55 ، المجموع 2 : 43 ، المحلى 1 : 237.

3 ـ المجموع 2 : 43 ، الاُم 1 : 20 ، الوجيز 1 : 16 ، المهذب للشيرازي 1 : 31 ، فتح العزيز 2 : 74.

4 ـ المدونة الكبرى 1 : 9 ، المجموع 2 : 43.

١١٠

يكونا رجلين ، فيكون أحدهما مسّ بدن الآخر ، وإن مسّ فرجه وذكره انتقض ، لأنّه لا بدّ وأن يكون أحدهما فرجاً.

وهذا كله ساقط عنّا.

ولو مسّ فرج البهيمة فللشافعي قولان ، أحدهما : النقض ، وبه قال الليث ابن سعد(1) .

ا لرابع : مسّ المرأة لا يوجب الوضوء ، بشهوة كان أو بغيرها ، أي موضع كان من بدنها ، بأي موضع كان من بدنه ، سوى الفرجين ، وبه قال عليعليه‌السلام ، وابن عباس ، وعطاء ، وطاووس ، وأبو حنيفة ، وأصحابه(2) للأصل ، وللاحاديث السابقة ، ولمّا روت عائشة أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل امرأة من نسائه وخرج إلى الصلاة ولم يتوضأ(3) .

وقال الشافعي : لمس النساء يوجب الوضوء ، بشهوة كان أو بغير شهوة ، أي موضع كان من بدنه بأي موضع كان من بدنها ، سوى الشعر ، وبه قال ابن مسعود ، وابن عمر ، والزهري ، وربيعة ، ومكحول ، والأوزاعي(4) لقوله تعالى :( أو لمستم النساء ) (5) وحقيقة اللمس باليد ،

____________

1 ـ الاُم 1 : 19 ، المجموع 2 : 38 و 43 ، مغني المحتاج 1 : 36 ، الوجيز 1 : 16 ، فتح العزيز 2 : 58 ـ 59.

2 ـ المبسوط للسرخسي 1 : 67 ، نيل الأوطار 1 : 244 ، بداية المجتهد 1 : 38 ، المجموع 2 : 30 ، أحكام القرآن للجصاص 2 : 369 ، بدائع الصنائع 1 : 30 ، التفسير الكبير 11 : 168 ، تفسير القرطبي 5 : 223 ـ 224.

3 ـ سنن ابن ماجة 1 : 168 / 502 ، سنن ابي داود 1 : 46 / 179 ، سنن النسائي 1 : 104 ، سنن الدارقطني 1 : 135 / 5.

4 ـ المجموع 2 : 26 و 30 ، الاُم 1 : 15 ، بداية المجتهد 1 : 37 ، المبسوط للسرخسي 1 : 67 ، أحكام القرآن للجصاص 2 : 369 ، تفسير القرطبي 5 : 224 ، التفسير الكبير 11 : 168 ، الوجيز 1 : 16 ، فتح العزيز 2 : 29 ، المغني 1 : 220 ، الشرح الكبير 1 : 219.

5 ـ النساء : 43 ، المائدة : 6.

١١١

وهو ممنوع عرفاً.

وقال مالك ، وأحمد ، وإسحاق : إنّ لمسها بشهوة انتقض وضوؤه وإلّا فلا ، وحكاه ابن المنذر عن النخعي ، والشعبي ، والحكم ، وحماد ، لأنّ اللمس بغير شهوة لا يحرم في الاحرام ، والصوم ، فكان كالشعر(1) ، وقال داود : إنّ قصد لمسها انتقض ، وإلّا فلا(2) .

ولمس الشعر ، أو من وراء حائل لا ينقض عند الشافعي(3) ، وقال مالك : ينقضان إن كان بشهوة وإلّا فلا(4) .

وفي لمس ذات المحارم كالام والاُخت عند الشافعي قولان(5) ، وفي الكبار والصغار وجهان(6) .

وتنتقض طهارة اللامس في صور النقص كلها ، وفي الملموس قولان(7) .

ولو لمس يداً مقطوعة أو عضواً فلا نقض(8) ، ولو مسّ ميتة فلاصحابه قولان(9) .

__________________

1 ـ المبسوط للسرخسي 1 : 67 ، مقدمات ابن رشد 1 : 66 ، المجموع 2 : 30 ، المحلى 1 : 248 ، تفسير القرطبي 5 : 224 ، بدائع الصنائع 1 : 30 ، أحكام القرآن للجصاص 2 : 369 ، المغني 1 : 219.

2 ـ المحلى 1 : 244 ، المجموع 2 : 30.

3 ـ المجموع 2 : 27 ، الاُم 1 : 16 ، تفسير القرطبي 5 : 225.

4 ـ الشرح الصغير 1 : 54 ، المجموع 2 : 30 ـ 31 ، تفسير القرطبي 5 : 226 ، مقدمات ابن رشد 1 : 66 ـ 67.

5 ـ المجموع 2 : 27 ، فتح العزيز 2 : 32 ، بداية المجتهد 1 : 37 ، تفسير القرطبي 5 : 226.

6 ـ تفسير القرطبي 5 : 226 ، الوجيز 1 : 16 ، فتح العزيز 2 : 32.

7 ـ المجموع 2 : 26 ، الوجيز 1 : 16 ، بداية المجتهد 1 : 37 ، فتح العزيز 2 : 33.

8 ـ المجموع 2 : 29 ، فتح العزيز 2 : 31.

9 ـ الوجيز 1 : 16 ، فتح العزيز 2 : 32.

١١٢

ا لخامس : القهقهة لا تنقض الوضوء ، وإن وقعت في الصلاة لكن تبطلها ، ذهب إليه أكثر علمائنا(1) ـ وبه قال جابر وأبو موسى الاشعري ، ومن التابعين القاسم بن محمد ، وعروة ، وعطاء ، والزهري ، ومكحول ، ومالك ، وبه قال الشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور(2) ـ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( الضحك ينقض الصلاة ، ولا ينقض الوضوء )(3) ، وقول الصادقعليه‌السلام : « ليس ينقض الوضوء إلّا ما خرج من طرفيك »(4) الحديث.

وقال ابن الجنيد منّا : من قهقه في صلاته متعمّداً لنظر أو سماع ما أضحكه قطع صلاته ، وأعاد وضوء‌ه(5) ، لرواية سماعة ، قال : سألته عما ينقض الوضوء ، إلى أن قال : « والضحك في الصلاة »(6) ، وهي مقطوعة ضعيفة السند.

وقال أبو حنيفة : يجب الوضوء بالقهقهة في الصلاة ، وهو مروي عن الحسن ، والنخعي ، وبه قال الثوري ، وعن الأوزاعي روايتان(7) لأنّ أبا العالية الرياحي روى أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلّي ، فجاء ضرير

____________

1 ـ منهم المحقق الحلّي في المعتبر : 30 ، وابن حمزة في الوسيلة : 53 ، وسلار في المراسم : 40 ، وابن البراج في المهذب 1 : 49 ، والشيخ في الخلاف 1 : 126 مسألة 62.

2 ـ المجموع 2 : 60 ، الوجيز 1 : 15 ، بدائع الصنائع 1 : 32 ، المغني 1 : 201 ، الشرح الكبير 1 : 226 ، الهداية للمرغيناني 1 : 15 ، المنتقى للباجي 1 : 65 ، مسائل أحمد : 13.

3 ـ سنن الدارقطني 1 : 173 / 58.

4 ـ التهذيب 1 : 16 / 36.

5 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 30.

6 ـ التهذيب 1 : 12 / 23 ، الاستبصار 1 : 83 / 262.

7 ـ المبسوط للسرخسي 1 : 77 ، بداية المجتهد 1 : 40 ، الهداية للمرغيناني 1 : 15 ، المجموع 2 : 61 ، المغني 1 : 201 ، بدائع الصنائع 1 : 32 ، اللباب 1 : 13 ، فتح العزيز 2 : 3.

١١٣

فتردّى في بئر فضحك طوائف من القوم فأمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذين ضحكوا أن يعيدوا الوضوء والصلاة(1) ، وهو مرسل ، قال ابن سيرين : لا تأخذوا بمراسيل الحسن وأبي العالية فانهما لا يباليان عمّن أخذا(2) .

ا لسادس : لا وضوء من أكل ما مسته النار ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، وبه قال عليعليه‌السلام ، وجماعة من الصحابة ، وعامة الفقهاء(3) .

وحكي عن عمر بن عبد العزيز ، وأبي قلابة ، وأبي مجلز ، والزهري ، والحسن البصري أنهم كانوا يتوضؤون منه(4) ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( توضؤوا مما مسته النار )(5) ، وهو منسوخ ، لأنّ جابر بن عبد الله قال : كان آخر الأمرين من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ترك الوضوء مما مسّت النار(6) .

ا لسابع : أكل لحم الجزور لا يوجب الوضوء ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ـ وهو قول أكثر العلماء(7) ـ للأصل ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

____________

1 ـ سنن الدارقطني 1 : 163 / 5 و 6 ، سنن البيهقي 1 : 146.

2 ـ سنن الدارقطني 1 : 171 / 44 ـ 45 ، سنن البيهقي 1 : 146.

3 ـ الاُم 1 : 21 ، المبسوط للسرخسي 1 : 79 ، بداية المجتهد 1 : 40 ، المجموع 2 : 57 ، فتح العزيز 2 : 4 ، نيل الأوطار 1 : 262 ، المحلى 1 : 241 ، الوجيز 1 : 15 ، مسائل الامام أحمد : 15 ، عمدة القارئ 3 : 104 ، مجمع الزوائد 1 : 251 ، الموطأ 1 : 26 / 22 ، سنن الترمذي 1 : 116 / 79.

4 ـ المجموع 2 : 57 ، المحلى 1 : 243 ، نيل الأوطار 1 : 253 ، عمدة القارئ 3 : 104. المغني 1 : 216 ـ 217.

5 ـ صحيح مسلم 1 : 273 / 352 و 353 ، سنن البيهقي 1 : 155 و 157 ، سنن النسائي 1 : 105 ، سنن ابن ماجة 1 : 164 / 486 ـ 487.

6 ـ سنن ابي داود 1 : 49 / 192 ، سنن النسائي 1 : 108 ، سنن البيهقي 1 : 155 ـ 156.

7 ـ المجموع 2 : 57 ، المبسوط للسرخسي 1 : 79 ، نيل الأوطار 1 : 252 ، سنن الترمذي 1 : 125 ذيل الحديث 81 ، المغني 1 : 211 ، الشرح الكبير 1 : 222.

١١٤

قال : ( الوضوء مما يخرج لا مما يدخل )(1) .

و للشافعي قولان ، القديم : النقض ـ وبه قال أحمد(2) ـ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل أيتوضأ من لحوم الإبل؟ فقال : ( نعم )(3) ، ولو سلم حمل على غسل اليد.

الثامن : الردة لا تبطل الوضوء ، للأصل ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « لا ينقض الوضوء إلّا ما خرج من طرفيك »(4) ، الحديث.

وقال أحمد : ينقض(5) لقوله تعلى :( لئن أشركت ليحبطن عملك ) (6) وهو مقيد بالموافاة.

التاسع : حكي عن مجاهد ، والحكم ، وحماد ، أن في قص الشارب وتقليم الأظفار ، ونتف الإبط الوضوء ، بغير حجة ، وأنكره جمهور العلماء(7) .

تنبيه : كلّ ما أوجب الوضوء فهو بالعمد والسهو سواء بلا خلاف.

____________

1 ـ سنن الدارقطني 1 : 151 / 1 ، سنن البيهقي 1 : 116.

2 ـ المجموع 2 : 57 ، بداية المجتهد 1 : 40 ، نيل الأوطار 1 : 252 ، سبل السلام 1 : 107 ، كشاف القناع 1 : 130 ، مسائل الامام أحمد : 15 ، عمدة القارئ 3 : 104 ، المغني 1 : 211 ، الشرح الكبير 1 : 222.

3 ـ صحيح مسلم 1 : 275 / 360 ، سنن البيهقي 1 : 158.

4 ـ الكافي 3 : 35 / 1 ، التهذيب 1 : 10 / 17 و 16 / 36 ، الاستبصار 1 : 86 / 271.

5 ـ المجموع 2 : 61 ، المغني 1 : 200 ، الشرح الكبير 1 : 225.

6 ـ الزمر : 65.

7 ـ المغني 1 : 229 ، الشرح الكبير 1 : 228.

١١٥
١١٦

الفصل الثاني : في آداب الخلوة

يستحب الاستتار عن العيون ، لأنّ جابراً قال : خرجت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سفر ، فإذا هو بشجرتين بينهما أربعة أذرع ، فقال : ( يا جابر انطلق إلى هذه الشجرة فقل : يقول لك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الحقي بصاحبتك حتى أجلس خلفكما ) فجلس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خلفهما ، ثم رجعتا إلى مكانهما(1) .

ويجب ستر العورة لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( احفظ عورتك ، إلّا من زوجتك أو ما ملكت يمينك )(2) ، وقول الصادقعليه‌السلام : « لا ينظر الرجل إلى عورة أخيه »(3) .

و العورة هي القُبل والدبر ، لقول الكاظمعليه‌السلام : « العورة عورتان : القُبل والدبر »(4) .

مسألة 31 : المشهور بين علمائنا تحريم استقبال القبلة واستدبارها حالة

__________________

1 ـ سنن البيهقي 1 : 93.

2 ـ سنن الترمذي 5 : 110 / 2794 ، مسند أحمد 5 : 3 ، مستدرك الحاكم 4 : 180 ، سنن البيهقي 1 : 199.

3 ـ التهذيب 1 : 374 / 1149.

4 ـ الكافي 6 : 501 / 26 ، التهذيب 1 : 374 / 1151.

١١٧

البول والغائط ، في الصحارى والبنيان ، ويجب الانحراف في موضع قد بني على ذلك ـ وبه قال الثوري ، وأبو حنيفة ، وأحمد في إحدى الروايتين(1) ـ لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها )(2) ، وقولهعليه‌السلام : ( إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يولها ظهره ، شرقوا أو غربوا )(3) .

وعن عليعليه‌السلام : « أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة ولا تستدبرها »(4) ولمّا فيه من الاحترام والتعظيم لشعائر الله تعالى.

وقال ابن الجنيد : يستحب ترك الاستقبال والاستدبار(5) ، وبه قال عروة ، وربيعة ، وداود(6) ، لقول جابر : نهى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يستقبل القبلة ببول ، ورأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها(7) ، ويحمل مع التسليم على الاستقبال حالة التنظيف ، إذ لا أقل من الكراهة.

وقال المفيد منّا وسلار : يجوز في البنيان الاستقبال والاستدبار(8) ـ وبه قال ابن عباس ، وابن عمرو ، ومالك ، والشافعي ، وابن المنذر ، وأصح

__________________

1 ـ المجموع 2 : 81 ، المغني 1 : 185 ، نيل الأوطار 1 : 94 ، المحلى 1 : 194 ، فتح الباري 1 : 198 ، عمدة القارئ 2 : 277.

2 ـ صحيح مسلم 1 : 224 / 265.

3 ـ صحيح البخاري 1 : 48.

4 ـ التهذيب 1 : 25 / 64 ، الاستبصار 1 : 47 / 130.

5 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 31.

6 ـ المجموع 2 : 81 ، المغني 1 : 184 ، عمدة القارى 2 : 278 ، فتح الباري 1 : 198 ، نيل الأوطار 1 : 94.

7 ـ سنن ابي داود 1 : 4 / 13 ، سنن ابن ماجة 1 : 117 / 325 ، سنن الترمذي 1 : 15 / 9.

8 ـ المقنعة : 4 ، المراسم : 32.

١١٨

الروايتين عن أحمد(1) ـ لأنّ الكاظمعليه‌السلام كان في داره مستراح إلى القبلة(2) ، ولا حجة فيه لاحتمال شرائها كذلك ، وكانعليه‌السلام ينحرف أو له غيره.

ورواية عائشة ـ ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( استقبلوا بمقعدتي القبلة )(3) ـ ضعيفة ، لبرائتهعليه‌السلام من الأمر بالمكروه ، أو المحرم.

وعن أحمد رواية أنّه يجوز استدبار الكعبة في الصحارى والبنيان(4) ، لأنّ ابن عمر قال : رأيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حاجته مستقبل الشام مستدبر القبلة(5) ، ويضعف بما تقدم.

مسألة 32 : يكره له أشياء.

الأول : استقبال الشمس والقمر بفرجيه ، لقول الباقر.عليه‌السلام عن آبائهعليهم‌السلام : « إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى أن يستقبل الرجل الشمس والقمر بفرجه وهو يبول »(6) .

الثاني : استقبال الريح بالبول ، لقول الحسن بن عليعليهما‌السلام : « ولا تستقبل الريح »(7) ، ولئلا ترّده الريح إليه.

الثالث : البول في الأرض الصلبة ، لئلا يترشش عليه ، ولقول الصادق

__________________

1 ـ المجموع 2 : 78 ـ 79 ، المغني 1 : 185 ، المدونة الكبرى 1 : 7 ، عمدة القارئ 2 : 278 و 281 ، مقدمات ابن رشد 1 : 64 ، بُلغة السالك 1 : 37.

2 ـ التهذيب 1 : 26 / 66 ، الاستبصار 1 : 47 / 132. وفيهما عن ابي الحسن الرضاعليه‌السلام .

3 ـ سنن ابن ماجة 1 : 117 / 324 ، سنن الدارقطني 1 : 60 / 7 ، مسند أحمد 6 : 137.

4 ـ المجموع 2 : 81 ، الإنصاف 1 : 101 ، نيل الأوطار 1 : 94.

5 ـ صحيح مسلم 1 : 225 / 62 ، سنن الترمذي 1 : 16 / 11.

6 ـ التهذيب 1 : 34 / 91.

7 ـ الفقيه 1 : 18 / 47 ، التهذيب 1 : 33 / 88 ، الاستبصار 1 : 47 / 131.

١١٩

عليه‌السلام : « كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أشد الناس توقيا للبول ، حتى أنّه كان إذا أراد البول يعمد إلى مكان مرتفع من الأرض ، أو إلى مكان يكون فيه التراب الكثير ، كراهية أن ينضح عليه البول »(1) .

الرابع : البول في جحرة الحيوان ، لئلا يؤذيه.

الخامس : البول في الماء الجاري والراكد ، لأنّ علياًعليه‌السلام نهى أن يبول الرجل في الماء الجاري ، إلّا من ضرورة ، وقال : « إنّ للماء أهلاً »(2) ، وقال الصادقعليه‌السلام : « يكره أن يبول في الراكد »(3) .

السادس : الجلوس في المشارع والشوارع ، وتحت الأشجار المثمرة ، فيضمن على إشكال ، وأفنية الدور ، ومواطن النزال ، ومواضع اللعن وهي : أبواب الدور.

وقال الصادقعليه‌السلام : « قال رجل لعلي بن الحسينعليهما‌السلام : أين يتوضأ الغرباء؟ قال : يتّقى شطوط الأنهار ، والطرق النافذة ، وتحت الأشجار المثمرة ، ومواضع اللعن »(4) .

وسأل أبو حنيفة من الكاظمعليه‌السلام أين يضع الغريب ببلدكم؟ فقال : « اجتنب أفنية المساجد ، وشطوط الأنهار ، ومساقط الثمار ، وفيء النزال ، ولا تستقبل القبلة ببول ولا غائط ، وارفع ثوبك ، وضع حيث شئت »(5) .

__________________

1 ـ الفقيه 1 : 16 / 36 ، التهذيب 1 : 33 / 87 ، علل الشرائع : 278 باب 186.

2 ـ التهذيب 1 : 34 / 90 ، الاستبصار 1 : 13 / 25 وفيهما ، عن عليعليه‌السلام ، قال : نهى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

3 ـ التهذيب 1 : 31 / 81 ، الاستبصار 1 : 13 / 23.

4 ـ الكافي 3 : 15 / 2 ، الفقيه 1 : 18 / 44 ، التهذيب 1 : 30 / 78 ، معاني الأخبار : 368 / 1.

5 ـ الكافي 3 : 16 / 5 ، التهذيب 1 : 30 / 79 ، تحف العقول : 411 ، الاحتجاج 2 : 387 ـ 388.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

بحوث

١ ـ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأمي

صحيح أن القراءة والكتابة تعدّان ـ لكل إنسان ـ كمالا إلّا أنّه يتفق أحيانا ـ وفي ظروف معينة ـ أن يكون من الكمال في عدم القراءة والكتابة ويصدق هذا الموضوع في شأن الأنبياء ، وخاصة في نبوّة خاتم الأنبياء «محمّد»صلى‌الله‌عليه‌وآله .

إذ يمكن أن يوجد عالم قدير وفيلسوف مطّلع ، فيدّعي النبوّة ويظهر كتابا عنده على أنّه من السماء ، ففي مثل هذه الظروف قد تثار الشكوك والاحتمالات أو الوساوس في أنّ هذا الكتاب ـ أو هذا الدين ـ هو من عنده لا من السماء!.

إلّا أنّنا إذا رأينا إنسانا ينهض من بين أمّة متخلفة ، ولم يتعلم على يد أي أستاذ ، ولم يقرأ كتابا ولم يكتب ورقة ـ فيأتي بكتاب عظيم عظمة عالم الوجود ، بمحتوى عال جدا فهنا يمكن معرفة أن هذا الكتاب ليس من نسج فكره وعقله ، بل هو وحي السماء وتعليم إلهي ، ويدرك هذا بصورة جيدة!.

كما أنّ هناك تأكيدا على أمية النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في آيات القرآن الأخرى ، وكما أشرنا آنفا في الآية (١٥٧) من سورة الأعراف إلى أن هناك ثلاثة تفاسير لمعنى «الأميّ» ، وأوضحها وأحسنها هو أنّه من لا يقرأ ولا يكتب.

ولم يكن في محيط الحجاز وبيئته ـ أساسا ـ درس ليقرأ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا معلم ليحضر عنده ويستفيد منه ، وقلنا : إنّ عدد المثقفين الذين كانوا يقرءون ويكتبون في مكّة لم يتجاوز سبعة عشر نفرا فحسب ، ويقال أن من النساء كانت امرأة واحدة تجيد القراءة والكتابة(١) .

وطبيعي في مثل هذا المحيط الذي تندر فيه أدنى مرحلة للعلم وهي القراءة والكتابة ، لا يوجد شخص يعرف القراءة والكتابة ولا يعرف عنه الناس شيئا وإذا ظهر مدع وقال ـ بضرس قاطع ـ إنّني لم أقرأ ولم أكتب ، لم ينكر عليه أحد

__________________

(١) فتوح البلدان للبلاذري طبع مصر ، ص ٤٥٩.

٤٢١

دعاءه ، فيكون عدم الإنكار دليلا جليّا على صدق مدّعاه ، وعلى كل حال فإنّ هذه الكيفية الخاصة للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله التي نوهت عنها الآيات المتقدمة ، إنّما هي لإكمال إعجاز القرآن ، ولقطع السبيل أمام حجج المتذرعين بالأباطيل الواهية ، وفيها تأثير بالغ ونافع جدّا.

أجل ، إنّه عالم منقطع النظير ، لكنّه لم يدرس في مدرسة ، بل تعلّم من وحي السماء!.

تبقى هناك ذريعة واحدة يحتج بها المتذرعون ، وهي أنّ النّبي سافر إلى الشام مرّة أو مرتين «لفترة وجيزة ولغرض التجارة» قبل نبوته ، فيقولون : ربّما اتصل في بعض هاتين السفرتين بعلماء أهل الكتاب وتعلّم منهم هذه المسائل!.

والدليل على ضعف هذا الادّعاء منطو في نفسه ، فكيف يمكن أن يسمع إنسان جميع هذه الدروس وتواريخ الأنبياء والأحكام والمعارف الجليلة ، وهو لم يمض إلى مدرسة ولم يقرأ شيئا ، فيحفظ كل ذلك بهذه السرعة ، ويودعه في ذهنه ، ثمّ يبيّنه ويفصله خلال مدّة ثلاث وعشرين سنة؟! وأن يبدي موقفا مناسبا للحوادث غير المتوقعة والتي لم يسبق لها مثيل.

وهذا يشبه تماما أن نقول مثلا : إنّ فلانا تعلم قائمة العلوم والفنون الطبية كلّها في عدّة أيّام ، وأنّه كان مشرفا على معالجة المرضى في المستشفى الفلاني ، ومستشارا للأطباء ، هذا كلام أقرب إلى المزاح والهزل منه إلى الجد.

وينبغي الالتفات إلى هذه المسألة ، هي أن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد أن بلغ مرحلة النبوّة ، يحتمل أن يكون قادرا على القراءة والكتابة ، حينئذ وذلك بواسطة التعليم الالهي وإن لم يرد في التواريخ أنّه استفاد من هذه الطريقة! ولم يقرأ شيئا بنفسه أو يكتب شيئا بيده ، ولعل النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تجنب كل ذلك في طول عمره لئلا يتذرع المتذرعون فيثيروا الشكوك بنبوّته! الشيء الوحيد الذي جاء في كتب التأريخ أن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كتبه بنفسه ، هو صلح الحديبية الذي جاء في مسند أحمد أن «النّبي أمسك القلم

٤٢٢

بيده وكتب معاهدة الصلح»(١) .

إلّا أنّ جماعة من علماء الإسلام أنكروا هذا الحديث ، وقالوا : إنّ هذا مخالف لصريح الآيات ، وإن اعتقد البعض بأنّه ليس في الآيات صراحة ، لأنّ الآيات ناظرة لحال النّبي قبل بعثته ، فما يمنع أن يكتب النّبي على وجه الاستثناء بعد أن نال مقام النبوّة في مورد واحد ويكون ذلك بنفسه معجزة أخرى من معاجزه!.

إلّا أن الاعتماد في مثل هذه المسألة على خبر الواحد مجانب للحزم والاحتياط ، ومخالف لما ثبتت في علم الأصول حتى لو قلنا أنّ هذا الخبر لا اشكال فيه.(٢)

٢ ـ طريق النفوذ في الآخرين

لا يكفي الاستدلال القوي المتين للنفوذ إلى قلوب الآخرين واكتسابهم بالكلام الحق ، فانّ أسلوب التعامل مع الطرف الآخر وطريقة البحث والمناظرة تترك أعمق الأثر في هذه المرحلة فكثيرا ما يتفق أن يوجد أناس مطّلعون ولهم يد طولى في البحوث العلمية الدقيقة ، إلّا أنّهم قلّما يوفقون للنفوذ إلى قلوب الآخرين ، بسبب عدم معرفتهم بكيفية المجادلة بالتي هي أحسن ، وعدم معرفتهم بالبحوث البنّاءة!.

وبتعبير آخر فإنّ النفوذ الى مرحلة الوعي ـ في المخاطب ـ غير كاف وحده ، بل ينبغي الدخول إلى مرحلة عدم الوعي الذي يمثل القسم الأكبر لروح الإنسان أيضا.

ويستفاد من مطالعة أحوال الأنبياء ، ولا سيما حال النّبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وأئمّة الهدىعليهم‌السلام ـ بصورة جيدة أن هؤلاء العظام سلكوا أحسن سبل الأخلاق

__________________

(١) مسند أحمد ، ج ٤ ، ص ٢٩٨.

(٢) ورد في صدد «النّبي الأمي» شرح مفصل آخر ذيل الآية (١٥٧) من سورة الأعراف.

٤٢٣

الاجتماعية وأسس المعارف النفسية والإنسانية ، لأجل تحقيق أهدافهم التبليغية والتربوية!.

وكانت طريقة تعاملهم مع الناس أن يكتسبوهم إليهم بشكل سريع فينجذبوا إليهم ، وإن كان بعض الناس يميل إلى أن يضفي على مثل هذه الأمور ثوب الإعجاز دائما ، إلّا أنّه ليس كذلك ، فلو اتبعنا سنتهم وطريقتهم لاستطعنا بسرعة أن نترك في الناس عظيم الأثر ، وأن ننفذ إلى أعماق قلوبهم.

والقرآن يخاطب نبيّ الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله بصراحة فيقول :( وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) (١) أو كثيرا ما يرى أنّ بعضهم بعد ساعات من الجدال والمناظرة ، لا أنه لا يحصل على تقدم في مناقشاته فحسب ، بل على العكس يجعل الطرف الآخر متعصبا ومتشددا في عقيدته الباطلة بصورة أكثر وذلك دليل على أنّه لم يتبع أسلوب المجادلة بالتي هي أحسن.

فالخشونة في البحث ، وطلب الاستعلاء ، وتحقير الطرف المقابل ، وإظهار التكبر والغرور ، وعدم احترام أفكار الآخرين ، وعدم الجدية في المناقشات والبحوث ، كلها من الأمور التي تبعث على انهزام الإنسان في بحثه ، وعدم انتصاره على الطرف الآخر. لذلك فإنّنا نرى في مباحث الأخلاق الإسلامية بحثا تحت عنوان «تحريم الجدال والمراء» والمراد منه الأبحاث التي لا يطلب من ورائها الحق ، بل المراد منها الاستعلاء وإبراز العضلات لا غير!.

وتحريم الجدال والمراء ـ بالإضافة إلى الجوانب المعنوية والأخلاقية ـ إنّما هو لأنّه لا يحصل من ورائهما على نتيجة فكرية ملحوظة.

والجدال والمراء في حرمتهما متقاربان ، إلّا أن العلماء من المسلمين جعلوا فرقا بين كلّ منهما «فالمراء» معناه إظهار الفضل والكمال ، «والجدال» يراد منه تحقير الطرف المقابل!.

__________________

(١) آل عمران ـ الآية ١٥٩.

٤٢٤

وقالوا : إنّ الجدال هي المراحل الهجومية الأولى في البحث وأمّا المراء فيراد منه الصدّ الدفاعي في الكلام.

كما أنّ هناك قولا بأن الجدال في المسائل العلمية ، أمّا المراء فهو في الأعم منها «وبالطبع فإنه لا تضادّ بين هذه التفاسير جميعا».

وعلى كل حال ، فإنّ الجدال أو البحث مع الآخرين ، تارة يقع بالتي هي أحسن ، وذلك ما بيّناه بالشرائط المتقدمة آنفا ، وينبغي رعايتها بدقّة. وتارة يكون بغير الأحسن ، وذلك في ما لو أهملت الأمور التي ذكرناها في مستهل كلامنا على الجدال ، وجعلت في طيّ النسيان.

ونختتم هذا الكلام بعدة روايات بليغة ونافعة لنتعلم منها :

ففي حديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «لا يستكمل عبد حقيقة الإيمان حتى يدع المراء وإن كان محقا»(١) .

ونقرأ في حديث آخر أن سليمان النّبيعليه‌السلام قال لولده «يا بني إيّاك والمراء ، فإنّه ليست فيه منفعة ، وهو يهيج بين الأخوان العداوة»(٢) .

٣ ـ الكافرون والظالمون

نواجه في الآيات المتقدمة آنفا هذا التعبير( وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ ) ومرّة أخرى نواجه المضمون ذاته مع شيء من التفاوت فبدلا من كلمة «الكافرون» جاءت كلمة «الظالمون»( وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ ) .

والموازنة بين التعبيرين تدلّ على أن المسألة ليست من قبيل التكرار ، بل هي لبيان موضوعين ، أحدهما يشير إلى جانب عقائدي «الكافرون» والآخر يشير إلى جانب عملي «الظالمون».

__________________

(١) سفينة البحار مادة مرأ.

(٢) إحياء العلوم.

٤٢٥

فالآية الأولى تقول : إنّ الذين اختاروا الشرك والكفر بأحكامهم المسبّقة الباطلة وتقليدهم الأعمى لأسلافهم ، لا يرون آية من آيات الله إلّا أنكروها وإن تقبلتها عقولهم»!

أمّا التعبير الثّاني فيقول : إنّ الذين اختاروا بظلمهم أنفسهم ومجتمعهم طريقا يرون فيه منافعهم الشخصية ، وعزموا على الاستمرار في هذه الطريق ، لا يذعنون لآياتنا. لأنّ آياتنا كما أنّها لا تنسجم مع خطهم الفكري ، فهي لا تنسجم مع خطهم العملي أيضا.

* * *

٤٢٦

الآيات

( وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥١) قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٥٢) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٥٣) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (٥٤) يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٥) )

التّفسير

أليس القرآن كافيا في إعجازه؟!

الأشخاص الذين لم يذعنوا ويسلّموا للبيان الاستدلالي والمنطقي الذي جاء به القرآن بسبب عنادهم وإصرارهم على الباطل ، ولم يقبلوا بكتاب كالقرآن

٤٢٧

الذي جاء به إنسان أمي كالنّبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله دليلا جليّا على حقانية دعوته تذرعوا بحجّة أخرى على سبيل الاستهزاء والسخرية ، وهي أنّه لم لا تأت ـ يا محمّد ـ بمعجزة من المعاجز التي جاء بها موسى وعيسى( وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ ) .

ولم لم يكن لديه مثل عصى موسى ويده البيضاء ونفخة المسيح؟!

ولم لا يهلك أعداءه بمعاجزه ، كما فعل موسى وشعيب وهود ونوح بأممهم المعاندين؟!.

أو كما يعبر على لسانهم القرآن في الآيات ٩٠ ـ ٩٣ من سورة الإسراء( وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً ، أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً ، أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً ، أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً ) .

ومن دون شك فإنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كانت لديه معاجز غير القرآن الكريم ، كما أن التواريخ تصرح بذلك أيضا إلّا أن أولئك لم يكن قصدهم من وراء كلامهم الحصول على معجزة ، بل كان قصدهم ـ من جهة ـ أن لا يعتبروا القرآن شيئا مهما وكتابا إعجازيا ، ومن جهة أخرى كانوا يريدون معجزات مقترحة «والمراد من المعجزات المقترحة هو أن يأتي النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله طبقا لرغبات هذا وذاك بمعاجز خارقة للعادة يقترحونها عليه ، فمثلا يريد منه بعضهم أن يفجّر له الأرض ينابيع من الماء الزلال ، ويريد الآخر منه أن يقلب له الجبال التي في مكّة ذهبا ، ويتذرع الثّالث بأن هذا لا يكفي أيضا بل ينبغي أن يصعد إلى السماء ، وهكذا يجعلون المعجزة على شكل ألعوبة لا قيمة لها ، وآخر الأمر وبعد رؤية كل هذه الأمور يتهمونه بأنه ساحر».

٤٢٨

لذلك فإن القرآن يقول في الآية (١١١) من سورة الأنعام( وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا ) .

وعلى كل حال فإنّ القرآن ، للرد على ذرائع هؤلاء المحتالين ذوي الحجج الواهية ، يدخل من طريقين :

فيقول أوّلا في خطابه لنبيه( قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ ) أي قل لأولئك المعاندين أن الله يدري أية معجزة تناسب أي زمان وأي قوم ، وهو يعلم أي الأفراد هم أتباع الحق ، وينبغي أن يريهم المعاجز الخارقة للعادة ، وأي الأفراد المتذرعون وأتباع هوى النفس؟!

ثمّ يضيف القرآن معقبا أن قل( وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ) فمسؤوليتي الإنذار ـ فحسب ـ والإبلاغ وبيان كلام الله ، أمّا المعاجز والأمور الخارقة للعادة فهي بأمر الله.

والجواب الآخر هو قوله تعالى :( أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ ) .

فهم يطلبون معاجز مادية «جسمانية» ، والقرآن بحد ذاته أعظم معجزة معنوية

وهم يريدون معجزة عابرة لا تمكث طويلا ، في حين أن القرآن معجزة خالدة تتلى آياته ليل نهار عليهم وعلى الأجيال من بعدهم.

ترى هل يعقل أن يأتي إنسان أمي وحتى لو كان يقرأ ويكتب فرضا بكتاب بهذا المحتوى العظيم والجاذبية العجيبة ، التي هي فوق قدرة الإنسان والبشر ، ثمّ يدعوا أهل العلم متحديا لهم للإتيان بمثله فيعجزون عن الإتيان بمثله؟!

فلو كانوا حقا طلاب معجزة ، فقد آتيناهم بنزول القرآن أكثر ممّا طلبوه إلّا أنّهم لم يكونوا طلاب معجزة ، بل هم متذرعون بالأباطيل!.

وينبغي الالتفات إلى أن التعبير( أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ ) إنّما يستعمل ـ غالبا ـ في

٤٢٩

موارد يكون الإنسان قد أدّى عملا فوق ما ينتظره الطرف الآخر ، وهو غافل عنه أو يتغافل عنه ، كأن يقول مثلا : لم أحصل على الخدمة الفلانيّة ، في حين أن الخدمة التي قدمت إليه ـ كما في هذه الحال ـ أكبر خدمة ، إلّا أنّه لا يعتبرها شيئا ، ونقول له : أو لم يكفك ما قدمناه؟!

ثمّ بعد هذا كله ينبغي أن تكون المعجزة منسجمة مع ظروف «الزمان والمكان وكيفية دعوة النّبي» فالنّبي الذي يدعوا إلى مبدأ خالد ، ينبغي أن تكون معجزته خالدة أيضا.

والنّبي الذي تستوعب دعوته العالم وتستوعب القرون والأعصار المقبلة ، لا بدّ له من أن يأتي بمعجزة نيّرة «روحية وعقلانية» ليجلب إليه أفكار جميع العلماء والمفكرين ، ومن المسلّم به أن مثل هذا الهدف يتناسب مع القرآن ، لا عصى موسى ولا يده البيضاء.

وفي نهاية الآية يضيف القرآن للتأكيد والتوضيح بصورة أجلى ، فيقول :( إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) .

«ذلك» هنا إشارة إلى الكتاب المنزل من السماء ، وهو القرآن.

أجل ، إن القرآن رحمة «وسيلة» للذكرى والتذكر أيضا ، فهو للمؤمنين الذين فتحوا قلوبهم بوجه الحقيقة ، والذين يبتغون النور والطريق السويّ هو لهم رحمة إلهية يحسونها بكل وجودهم ، ويشعرون بالاطمئنان والدعة عنده وكلّما قرءوا آياته تذكروا ، فهي لهم ذكرى وأية ذكرى؟!

ولعل الفرق بين «الرحمة» و «الذكرى» أنّ القرآن ليس معجزة وذكرى فحسب ، بل هو إضافة إلى كل ذلك يحتوي على القوانين التي تمنح الرحمة والمناهج التربوية والإنسانية.

فمثلا كانت عصى موسى معجزة فحسب ، إلّا أنّها لم يكن لها أثر في حياة الناس اليومية ، غير أن القرآن معجزة ، هو في الوقت ذاته منهج كامل الحياة ورحمة أيضا.

٤٣٠

أيضا.

ولمّا كان كل مدع بحاجة إلى الشاهد ، فالقرآن يبيّن في الآية الأخرى أن خير شاهد هو الله( قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً ) .

وبديهي أنّه كلّما كان اطلاع الشاهد وشهادته أكثر ، فإنّ قيمة الشهادة تكون أهم ، لذلك يضيف القرآن بعدئذ قائلا :( يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) .

والآن لنعرف كيف شهد الله على حقانية نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

يحتمل أن تكون هذه الشهادة شهادة عملية ، لأنّه حين يؤتي الله نبيّه معجزة كبرى كالقرآن ، فقد وقع على سند حقانيته وأمضاه.

ترى هل يمكن أن يأتي الله الحكيم العادل بمعجزة على يد كذّاب ، والعياذ بالله! فعلى هذا كانت طريقة إعطاء المعجزة لشخص النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ بنفسها ـ أعظم شهادة على نبوته من قبل الله.

وإضافة للشهادة العملية المتقدمة ، نقرأ في آيات كثيرة من القرآن شهادة قولية في نبوة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما في الآية (٤٠) من سورة الأحزاب( ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ ) ، وفي الآية (٢٩) من سورة الفتح أيضا( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ )

قال بعض المفسّرين : إنّ هذه الآية كانت جوابا على ما قاله بعض رؤوساء اليهود من أهل المدينة ، أمثال «كعب بن الأشرف» وأتباعه ، إذ قالوا : يا محمّد ، من يشهد على أنّك مرسل من قبل الله ، فنزلت هذه الآية( قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً ) !

كما يمكن أن تفسّر الآية المتقدمة بتفسير آخر وبيان ثان ، وذلك أنّ المراد من شهادة الله في الآية هي ما سبق من الوعد والذكر في كتب الله السابقة «كالتّوراة والإنجيل» ويعلم بذلك علماء أهل الكتاب بصورة جيدة!.

وفي الوقت ذاته لا منافاة بين التّفسيرات الثلاثة الآنفة الذكر ، ومن الممكن

٤٣١

أن تجتمع هذه التفاسير في معنى الآية أيضا.

وتختتم الآية بنحو من الوعيد والتهديد لأولئك الكفار بالله ، فيقول :( وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ ) .

وأي خسران أعظم من أن يعطي الإنسان جميع وجوده في سبيل لا شيء؟! كما فعله المشركون ، فقد أعطوا قلوبهم وأرواحهم للأوثان والأصنام ووظّفوا جميع قواهم الجسمانية والإمكانات الاجتماعية والفردية في سبيل الإعلام والتبليغ لمذهبهم الوثني وأهملوا ذكر الله ، فلم يعد عليهم هذا إلّا بالضرر والخسران!.

وغالبا ما يشير القرآن إلى هذا الخسران في آياته ، وفي بعض الآيات يرد التعبير بكلمة «أخسر» وهي إشارة إلى أنّه ليس فوق هذا الخسران من خسارة ولا أعظم منه! (راجع آيات السور «هود ٢٢ والنمل ٥ والكهف ١٠٣»).

والمثل الأهمّ هو أنّه قد يتفق للإنسان أحيانا أن يتضرر في معاملته ويخسر رأس ماله ويغلب على أمره ، وقد تتسع هذه الدائرة أحيانا فيقل كاهله بالديون ، وهذه الحالة أسوأ الحالات والمشركون هم في مثل هذه الحالة ، بل قد يكونون سببا لضلال الآخرين وخسرانهم ، وكما يصطلح عليه : «الفشل سلسلة متصلة»(١) .

في الآيات المتقدمة عرض قسمان من ذرائع الكفار قبال دعوة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد أجيب عنهما :

الأوّل : كان قولهم : لم لا يأتي بمعجزة؟!

فأجاب القرآن : إن هذا الكتاب المنزل من السماء هو أعظم معجزة.

والثّاني : سؤالهم : من الشاهد على صدق دعواك وحقانية النبوة عندك؟

فأجاب القرآن : كفى بالله شهيدا بيني وبينكم يعلم ما في السماوات

__________________

(١) لنا في هذا الصدد بحث مفصل بيناه في ذيل الآية (١٠٣) من سورة الكهف.

٤٣٢

والأرض.

أمّا في الآية التالية فإشارة إلى الذريعة الثّالثة إذ تقول :( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ ) إذ يقولون : لو كان عذاب الله حقا على الكافرين فلم لا يأتينا!؟

فيجيب القرآن على هذه الذريعة بثلاثة أجوبة.

الأوّل :( وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ ) .

وهذا الزمان المعين «الأجل» إنّما هو لهدف أصلي ، للارعواء عن باطلهم وتيقظهم ، أو إتمام الحجة عليهم ، فالله لا يستعجل أبدا في أمره ، لأنّ العجلة خلاف حكمته.

والثّاني : إن أولئك الذين يتذرعون بهذا القول ما يدريهم لعل العذاب يأخذهم على حين غرة من أنفسهم( وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) (١) .

وبالرغم من أن موعد العذاب ـ في الواقع ـ معين ومقرّر إلّا أن المصلحة تقتضي ألّا يطّلعوا عليه ، وأن يأتيهم دون مقدمات ، لأنّه لو عرف وقته لكان باعثا على تجرؤ الكفار والمذنبين وجسارتهم وكانوا يواصلون الذنب والكفر إلى آخر لحظة وحين يأزف الوعد بالعذاب فإنهم سيتجهون بالتوبة ـ جميعا ـ الى الله وينيبون إليه.

والحكمة التربوية لمثل هذا العقاب تقتضي أن يكتم موعده ، لتكون كل لحظة ذات أثر بنفسها ، ويكون الخوف والاستيحاش منها عاملا على الردع ، ويتّضح ممّا قلناه ـ ضمنا ـ أنّ المراد من جملة( وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) لا تعني أنّهم لا يدركون أصل وجود العذاب. وإلّا فإنّ فلسفة العذاب والحكمة منه لا يكون لها أثر ، بل المراد أنّهم لا يعرفون اللحظة التي ينزل فيها العذاب ولا مقدماته ، وبتعبير آخر : إنّ العذاب ينزل عليهم كالصاعقة وهم غافلون.

ويظهر من آيات متعددة من القرآن أن التذرع بالحجج الواهية لم يكن

__________________

(١) «البغتة» مشتقة من «البغت» على زنة «وقت» ومعناه التحقق المفاجئ وغير المنتظر لأمر.

٤٣٣

منحصرا بأهل مكّة ، بل كثير من الأمم السابقين يلتجئون إلى مثل هذه الذريعة ، ويصرون على تعجيل العقوبة والعذاب!.

وأخيرا فإنّ الجواب القرآني الثّالث يتبيّن في الآية إذ يقول :( يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ ) .

فإذا تأخر عنهم عذاب الدنيا ، فإن عذاب الآخرة واقع لا محالة ، ومحيط بهم تماما وسيصيبهم حتما بحيث أنّ القرآن يذكره بصورة أمر فعليّ (وكأن جهنّم الآن محيطة بهم).

ويوجد تفسير آخر أكثر دقّة لهذه الآية ، وهو أنّ جهنم محيطة ، الآن فعلا بالكافرين ، من جهتين ـ بالمعنى الواقعي للكلمة.

الجهة الأولى : إنّها جهنم الدنيا ، إذ هم على أثر شركهم وتلوثهم بالذنب يحترقون بجهنم التي أعدّوها لأنفسهم ، جهنم الحرب وسفك الدماء ، جهنم النزاع والشقاق والاختلافات ، جهنم القلق والفزع ، جهنم الظلم ، وجهنم الهوى والهوس والعناد.

والجهة الثّانية : طبقا لظاهر الآيات في القرآن فإنّ جهنم موجودة فعلا ، وكما تقدم سابقا فإنّ جهنّم موجودة في باطن الدنيا ، وبهذا فهي محيطة بهم على نحو الحقيقة وفي سورة التكاثر إشارة لها أيضا( كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ ) الآيات ٥ ـ ٧ من سورة التكاثر(١) .

ثمّ يضيف القرآن( يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) (٢) .

يمكن أن تكون هذه الآية توضيحا لإحاطة عذاب جهنّم في يوم القيامة بالكفار ، ويمكن أن تكون بيانا مستقلا لذلك العذاب الأليم لهم الذي يحيط بهم

__________________

(١) لمزيد الإيضاح يراجع ـ في هذا الصدد تفسير الآية (١٢٣) من سورة آل عمران.

(٢) يرى بعض المفسّرين أن كلمة «يوم» متعلقة بفعل محذوف مقدر ، وقال بعضهم : هو متعلق بـ «محيطة».

٤٣٤

اليوم على أثر أعمالهم ، وفي غد يتجلى هذا العذاب بوضوح ويكون محسوسا ظاهرا.

وعلى كل حال فذكره لإحاطة العذاب( مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ) وعدم ذكره لبقية الجهات ـ في الحقيقة ـ هو لوضوح المطلب ، وإضافة إلى ذلك فإن نار العذاب إذا امتدت ألسنتها من تحت الأرجل ونزلت على الرؤوس ، فإنها تحيط بجميع البدن أيضا وتغشى جميع أطرافه وجوانبه.

وأساسا فإنّ هذا التعبير مستعمل في اللغة العربية ، إذ يقال مثلا : إن فلانا غارق من قرنه إلى قدمه في مستنقع الفسق وعدم العفة ، أى إن جميع وجوده غارق في هذا الذنب ، وبهذا يرتفع الإشكال عند المفسّرين في ذكر القرآن للجهة العليا «من فوقهم» والجهة السفلى «من تحتهم» والسكوت عن الجهات الأربع الأخرى ، ويتّضح المراد منه بالتقرير الذي بيّناه!

أمّا جملة( ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) التي يظهر أن قائلها هو الله تعالى ، فهي بالإضافة إلى أنّها نوع من العقوبة النفسية لمثل هؤلاء الأشخاص ، فهي كاشفة عن هذه الحقيقة ، وهي أن عذاب الله ليس إلّا انعكاسا للأعمال التي يقوم بها الإنسان نفسه في النشأة الآخرة!.

* * *

ملاحظات

١ ـ دلائل إعجاز القرآن :

لا شك أنّ القرآن أعظم معجزة للإسلام معجزة بليغة ، خالدة وباقية ، مناسبة لكل عصر وزمان ولجميع الطبقات الاجتماعية ، وقد ذكرنا بحثا مفصلا عن إعجاز القرآن في ذيل الآية ٢٣ من سورة البقرة ، ولا حاجة إلى إعادته هنا.

٤٣٥

٢ ـ التشبث بالحيل لإنكار المعجزات :

يصرّ بعض العلماء المتأثرين بالغرب ـ الذين يميلون إلى أن لا يعتدّوا بظواهر الأنبياء الخارقة للعادة ـ أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ليس له معجزة غير القرآن ، وربّما يرون القرآن ليس معجزا ، في حين أنّ مثل هذا الكلام مخالف لآيات القرآن ، وللرّوايات المتواترة ، وللتأريخ الإسلامي أيضا.

«وقد بيّنا تفصيل هذا الكلام في ذيل الآيات ٩٠ ـ ٩٣ من سورة الإسراء».

٣ ـ المعجزات الاقتراحيّة :

كانت أساليب المخالفين للأنبياء دائما هي اقتراحهم المعجزات التي يرتؤونها ، وكانوا بعملهم هذا يحاولون أن يحطّوا من قيمة المعجزات وعظمتها ويجروها إلى الابتذال من جهة ، وأن تكون في أيديهم ذريعة إلى عدم قبول دعوة الأنبياء من جهة أخرى ، لكن الأنبياء لم يستسلموا لهذه المؤامرات أبدا وكما رأينا في إجابتهم آنفا ، فإن المعجزة ليست باختيارهم لتكون مطابقة «لميلكم وهوسكم» كل يوم وكل ساعة نأتي بمعجزة كما تريدون بل المعاجز هي بأمر الله فحسب ، وهي خارجة عن أمرنا.

«وقد ذكرنا شرحا حول المعجزة الاقتراحية في ذيل الآية ٢٠ من سورة يونس».

* * *

٤٣٦

الآيات

( يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (٥٦) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (٥٨) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٥٩) وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٠) )

سبب النّزول

يعتقد كثير من المفسّرين أنّ الآية ـ من هذا المقطع ـ نزلت في شأن المؤمنين الذين كانوا تحت ضغط الكفار الشديد ، حتى أنّهم لم يستطيعوا أن يؤدوا وظائفهم الإسلامية ، فجاءت هذه الآية لتأمرهم بالهجرة من هذه الأرض.

كما يعتقد بعض المفسّرين أيضا أنّ الآية( وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا ) وهي الآية الأخيرة ـ من المقطع محل البحث نزلت في شأن بعض المؤمنين الذين كانوا يتعرضون لأذى أعدائهم في مكّة! وكانوا يقولون لو هاجرنا إلى المدينة فليست لدينا دار ولا أرض ، من يطعمنا ويسقينا هناك؟ فنزلت الآية( وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ ).

٤٣٧

التّفسير

لا بدّ من الهجرة :

حيث أنّ الآيات السابقة كانت تتحدث عن مواقف المشركين المختلفة من الإسلام والمسلمين ، ففي الآيات محل البحث يقع الكلام عن حال المسلمين ومسئولياتهم قبال المشاكل المختلفة ، أي مشاكل أذى الكفار وضغوطهم وقلّة عدد المسلمين وما إلى ذلك ، فتقول الآية الأولى :( يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ ) .

وبديهي أنّ هذا ليس قانونا خاصا بمؤمني أهل مكّة ، ولا يحدد سبب النّزول مفهوم الآية الواسع المنسجم مع الآيات الأخرى فعلى هذا لو سلب الإنسان حريته في أي عصر أو زمان ومكان بشكل كامل ، فإنّ بقاءه هناك لا يجلب عليه إلّا الذل «والخسران والضرر» والابتعاد عن أداء المناسك الإلهية ، فوظيفة الإنسان المسلم عندئذ الهجرة إلى منطقة «حرّة» يستطيع أن يؤدي فيها وظائفه الإسلامية بحرية تامّة أو حرية نسبية.

وبتعبير آخر : إنّ الهدف من خلق الإنسان أن يكون عبدا لله ، عبودية هي في الواقع سبب للحرية والكرامة والإنتصار في جميع الجهات وجملة( فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ ) إشارة إلى هذا المعنى ، كما ورد هذا التعبير في الآية (٥٦) من سورة الذاريات( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) .

فمتى ما أصبح هذا الهدف الأساسي والنهائي مستحيلا ، فلا سبيل عندئذ إلّا الهجرة ، فأرض الله واسعة ، وينبغي أن يهاجر الفرد نحو منطقة أخرى ، ولا يكون أسيرا لمفاهيم «القبلية والقومية والوطنية والبيت والأهل» في مثل هذه الموارد ، ولا يذل الإنسان نفسه من أجلها ، فإنّ احترام هذه الأمور هو فيما لو كان الهدف الأصلي قائما غير مخاطر به ، أمّا إذا أصبح الهدف الأصلي «عبادة الله» مخاطرا به فلا سبيل إلّا الهجرة!

٤٣٨

وفي مثل هذه الموارد يقول الإمام أمير المؤمنين عليعليه‌السلام : «ليس بلد بأحق بك من بلدك ، خير البلاد ما حملك»(١) .

صحيح أنّ حب الوطن والعلاقة بمسقط الرأس جزء من طبيعة كل إنسان ، ولكن قد يتفق أن تحدث في حياة الإنسان مسائل أهم من تلك الأمور ، فتجعلها تحت شعاعها وتكون أولى منها.

وفي مجال موقف الإسلام ونظرته من مسألة الهجرة والرّوايات الواردة في هذا الصدد ، كان لنا بحث مفصل في ذيل الآية (١٠٠) من سورة النساء.

والتعبير بـ( يا عِبادِيَ ) هو أكثر التعابير رأفة وحبّا للناس من قبل خالقهم.

وتاج للفخر أعلى حتى من مقام الرسالة والخلافة ، كما نذكر ذلك في التشهد حيث نقدم العبودية على الرسالة دائما «أشهد أن محمّدا عبده ورسوله».

من الطريف أنّه حين خلق الله آدم لقبه بـ «خليفة الله» ، وهو فخر لآدم ، إلّا أن الشيطان لم ييأس من التسويل والوسوسة له ، فكان ما كان ، ولكن حين بوأه مقام العبودية أذعن الشيطان له ويئس من إغوائه وقال :( فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) .(٢)

والله سبحانه ضمن هذا الأمر فقال :( إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ ) .(٣)

ويتّضح ممّا ذكرناه ـ بصورة جيدة ـ أنّ المراد بالعباد ليس جميع الناس ـ في الآية محل البحث ـ بل هم المؤمنون منهم فحسب ، وجملة( الَّذِينَ آمَنُوا ) جاءت للتأكيد والتوضيح(٤) .

وحيث أنّ البعض بقوا في ديار الشرك ، ولم يرغبوا بالهجرة بذريعة أنّهم

__________________

(١) الكلمات القصار ، رقم ٤٤٢.

(٢) سورة ص الآيتان ٨٢ ، ٨٣.

(٣) سورة الحجر ، الآية ٤٢.

(٤) جملة «فإياي فاعبدون» عطف على جزاء جملة الشرط المحذوف والتقدير «إن ضاقت بكم الأرض فهاجروا منها إلى غيرها وإيّاي فاعبدون».

٤٣٩

يخشون الخروج من ديارهم ويخافون أن يحدق بهم الموت بسبب الأعداء أو الجوع أو العوامل الأخرى التي تهددهم إضافة إلى فراق الأحبّة والمتعلقين والأبناء والأصدقاء ، فإنّ القرآن يردّهم بجواب جامع قائلا :( كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ ) .

فهذه الدنيا ليست بدار بقاء لأي أحد ، فبعض يمضي عاجلا ، وبعض يتأخر ، ولا بدّ أن يذهبوا جميعا ، وعلى كل حال ففراق الأحبة والأبناء والأقارب لا بدّ أن يقع ويتحقق ، فعلام يبقى الإنسان في ديار الشرك من أجل المسائل العابرة وأن يحمل عبء الذل والأسر على كاهله ، أكلّ ذلك من أجل أن يبقى بضعة أيّام أو أكثر؟!

ثمّ بعد هذا كلّه ينبغي أن تخافوا أن يدرككم الموت في ديار الكفر والشرك قبل أن تبلغوا دار الإسلام ، فما أشد ألم مثل هذا الموت وما أتعسه!

ثمّ لا تظنوا أن الموت نهاية كل شيء ، فالموت بداية لحياة الإنسان الأصلية ، لأنّكم جميعا( إِلَيْنا تُرْجَعُونَ ) إلى الله العظيم ، وإلى نعمه التي لا حدّ لها ولا انتهاء لأمدها.

والآية التالية تبيّن جانبا من هذه النعم فتقول :( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ) (١) .

فهم في قصور تحيط بها أشجار الجنّة من كلّ جانب ، الأنهار المختلفة التي لكلّ منها طعمه ولونه ، طبقا لآيات القرآن الاخر ، وهي ما بين الأشجار وتحت تلك القصور جارية أبدا (لاحظوا أن «غرف» جمع غرفة ، ومعناها البناء المرتفع المشرف على أطرافه).

والامتياز الآخر لغرف الجنّة أنّها ليست كغرف الدنيا وقصورها ومنازلها التي ما أن يضع الإنسان فيها قدمه حتى يسمع نداء «الرحيل» ، فغرف الجنّة دائمة

__________________

(١) «لنبوئنهم» من مادة «تبوئة» على زنة «تذكرة» معناها إعطاء السكنى للإقامة والبقاء الدائم.

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592