الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٢

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل0%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 592

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

مؤلف: آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
تصنيف:

الصفحات: 592
المشاهدات: 166496
تحميل: 5277


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 166496 / تحميل: 5277
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء 12

مؤلف:
العربية

سورة

الروم

مكيّة

وعدد آياتها ستون آية

٤٦١
٤٦٢

«سورة الروم»

محتوى سورة الروم :

حيث أنّ هذه السورة جميعها نزلت بمكّة ـ كما هو المشهور ـ فإنّ محتوى السور المكية ، وروحها باد عليها أي إنّها تبحث قبل كل شيء عن المبدأ والمعاد ، لأنّ فترة مكّة هي فترة تعلم الإعتقادات الإسلامية الأصلية الأساسية ، كالتوحيد ومواجهة الشرك والتوجه ليوم المعاد ومحكمة العدل الإلهي والبعث والنشور إلخ كما تثار خلال هذه المباحث مسائل أخرى ترتبط بها.

ويمكن تلخيص مضامين هذه السورة في سبعة أقسام :

١ ـ التنبؤ بانتصار الروم على الفرس في معركة تحدث في المستقبل ، وذلك لما جرى من الحديث بين المسلمين والمشركين في هذا الصدد ، وسيأتي تفصيل ذلك في الصفحات المقبلة بإذن الله.

٢ ـ جانب من طريقة التفكير عند غير المؤمنين وكيفية أحوالهم ، ثمّ التهديدات لهم بالعذاب والجزاء (الإلهي) في يوم القيامة.

٣ ـ قسم مهم من آيات «عظمة الله» في الأرض والسماء ، وفي وجود الإنسان ، من قبيل خروج الحي من الميت ، وخروج الميت من الحيّ وخلق الإنسان من تراب ، ونظام الزوجية بالنسبة للناس ، وعلاقة المودة بين كل من الزوجين ، خلق السماوات والأرض واختلاف الألسن ، نعمة النوم في الليل

٤٦٣

والحركة في النهار ، وظهور البرق والرعد والغيث وحياة الأرض بعد موتها ، وتدبير الله لأمر السماء والأرض.

٤ ـ الكلام عن التوحيد «الفطري» بعد بيان دلائله في الآفاق وفي الأنفس لمعرفة الله سبحانه.

٥ ـ العودة إلى شرح أحوال غير المؤمنين والمذنبين وتفصيل حالاتهم ، وظهور الفساد في الأرض نتيجة لآثامهم وذنوبهم.

٦ ـ إشارة إلى مسألة التملك ، وحق ذوي القربى ، وذم الربا.

٧ ـ العودة ـ مرّة أخرى ـ إلى دلائل التوحيد ، وآيات الله وآثاره ، والمسائل المتعلقة بالمعاد.

وبشكل عام فإنّ في هذه السورة ـ كباقي سور القرآن الأخرى مسائل استدلالية وعاطفية وخطابية ممزوجة مزجا حتى غدت «مزيجا» كاملا لهداية النفوس وتربيتها.

فضيلة سورة الروم :

ورد في حديث للإمام الصادقعليه‌السلام كما أشرنا إليه من قبل ، في فضيلة هذه السورة وسورة العنكبوت ما يلي : «من قرأ سورة العنكبوت والروم في شهر رمضان ليلة ثلاث وعشرين فهو والله ـ (يا أبا محمّد) ـ من أهل الجنّة لا أستثني فيه أبدا ، ولا أخاف أن يكتب الله علي في يميني إثما ، وإن لهاتين السورتين من الله مكانا»(١) .

وفي حديث آخر عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ورد ما يلي «من قرأها كان له من الأجر عشر

__________________

(١) ثواب الأعمال للصدوق ، طبقا لنقل تفسير نور الثقلين ، ج ٤ ، ص ١٦٤.

٤٦٤

حسنات بعدد كل ملك سبح الله بين السماء والأرض ، وأدرك ما ضيع في يومه وليلته»(١) .

ومن البديهي أن من جعل محتوى هذه السورة التي هي درس عام للتوحيد ومحكمة القيامة الكبرى ، في روحه وقلبه ، وراقب الله في كل لحظة ، واعتقد بيوم الجزاء حقا ، فإن تقوى الله تملأ قلبه حتى يكون حقيقا بهذا الأجر والثواب.

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، بداية سورة الروم.

٤٦٥

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤) بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٥) وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٦) يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ (٧) )

سبب النّزول

يتفق المفسّرون الكبار على أن الآيات الأولى من هذه السورة نزلت في أعقاب الحرب التي دارت بين الروم والفرس ، وانتصر الفرس على الروم ، وكان النّبي حينئذ في مكّة ، والمؤمنون يمثلون الأقلية.

فاعتبر المشركون هذا الإنتصار للفرس فألا حسنا ، وعدّوه دليلا على حقانية المشركين و «الشرك» ، وقالوا : إن الفرس مجوس مشركون ، وأمّا الروم فهم مسيحيون «نصارى» ومن أهل الكتاب فكما أن الفرس غلبوا «الروم» فإن

٤٦٦

الغلبة النهائية للشرك أيضا ، وستنطوي صفحة الإسلام بسرعة ويكون النصر حليفنا.

وبالرغم من أن مثل هذا الاستنتاج عار من أي أساس ، إلّا أنّه لم يكن خاليا من التأثير في ذلك الجوّ والمحيط للتبليغ بين الناس الجهلة ، لذلك كان هذا الأمر عسيرا على المسلمين.

فنزلت الآيات الآنفة وقالت بشكل قاطع : لئن غلب الفرس الروم ليأتينّ النصر والغلبة للروم خلال فترة قصيرة. وقد حدّدت الفترة لانتصار الروم على الفرس في( بِضْعِ سِنِينَ ) .

وهذا الكلام السابق لأوانه ، هو من جهة دليل على إعجاز القرآن ، هذا الكتاب السماوي الذي يستند علمه إلى الخالق غير المحدود ، ومن جهة أخرى كان فألا حسنا للمسلمين في مقابل فأل المشركين ، حتى أن بعض المسلمين عقدوا مع المشركين رهانا على هذه المسألة المهمّة ، ولم يكن في ذلك الحين قد نزل الحكم بتحريم مثل هذا الشرط(١) .

التّفسير

تنبؤ عجيب!

هذه السورة ضمن مجموع تسع وعشرين سورة تبدأ بالحروف المقطعة( الم ) .

وقد بحثنا مرارا في تفسير هذه الحروف المقطعة «وخاصة في بداية سورة البقرة وآل عمران والأعراف».

__________________

(١) جاء سبب النّزول هذا في كتب التفاسير المختلفة بشيء من الاختلاف البسيط في التعابير ، فراجع مجمع البيان والميزان ونور الثقلين وتفسير الفخر الرازي وأبو الفتوح الرازي ، وتفسير الآلوسي وفي ظلال القرآن والتفاسير الأخرى.

٤٦٧

والفارق الوحيد الذي نلاحظه هنا عن بقية السور ، ويلفت النظر ، هو أنّه خلافا لكثير من السور التي تبدأ بالحروف المقطعة ، التي يأتي الحديث بعدها على عظمة القرآن الكريم ، بل بحثا عن اندحار الروم وانتصارهم في المستقبل ، ولكن مع التدقيق يتّضح أن هذا البحث يتحدث عن عظمة القرآن الكريم أيضا لأنّ هذا الخبر الغيبي المرتبط بالمستقبل هو من دلائل إعجاز القرآن ، وعظمة هذا الكتاب السماوي!.

يقول القرآن بعد الحروف المقطعة( غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ ) وهم قريب منكم يا أهل مكّة ، إذ أنّهم في شمال جزيرة العرب ، في أراضي الشام في منطقة بين «بصرى» و «أذرعات».

ومن هنا يعلم بأنّ المراد من الروم هنا هم الروم الشرقيون ، لا الروم الغربيون.

ويرى بعض المفسّرين كالشيخ الطوسي في تفسير «التبيان» ـ أن من المحتمل أن يكون المراد بأدنى الأرض المكان القريب من بلاد فارس ، أي إن المعركة وقعت في أقرب نقطة بين الفرس والروم.(١)

وصحيح أن التّفسير الأوّل معه الألف واللام للعهد ـ في الأرض» مناسب أكثر ، ولكن ومن جهات متعددة ـ كما سنذكرها ـ يبدوا أن التّفسير الثّاني أصحّ من الأول!

ويوجد هنا تفسير ثالث ، ولعلّه لا يختلف من حيث النتيجة مع التّفسير الثاني ، هو أنّ المراد من هذه الأرض ـ هي أرض الروم ، أي إنّهم غلبوا في أقرب حدودهم مع بلاد فارس ، وهذا يشير إلى أهمية هذا الاندحار وعمقه ، لأنّ الاندحار في المناطق البعيدة والحدود المترامية البعد ليس له أهمية بالغة ، بل المهم أن تندحر دولة في أقرب نقاطها من حدودها مع العدو ، إذ هي فيها أقوى وأشدّ من غيرها.

__________________

(١) تفسير التبيان ، ج ٨ ، ص ٢٠٦.

٤٦٨

فعلى هذا سيكون ذكر جملة( فِي أَدْنَى الْأَرْضِ ) إشارة إلى أهمية هذا الاندحار.

وبالطبع فإن التنبؤ عن انتصار البلد المغلوب خلال بضع سنين في المستقبل ، له أهمية أكبر ، إذ لا يمكن التوقع له إلّا عن طريق الإعجاز.

ثمّ يضيف القرآن :( وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ) وهم أيّ الروم. ومع أن جملة «سيغلبون» كافية لبيان المقصود ، ولكن جاء التعبير( مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ ) بشكل خاص لتتّضح أهمية هذا الإنتصار أكثر ، لأنّه لا ينتظر أن تغلب جماعة مغلوبة وفي أقرب حدودها وأقواها في ظرف قصير ، لكن القرآن يخبر بصراحة عن هذه الحادثة غير المتوقعة.

ثمّ يبيّن الفترة القصيرة من هذه السنين بهذا التعبير( فِي بِضْعِ سِنِينَ ) (١) والمعلوم أن «بضع» ما يكون أقله الثلاث وأكثره التسع.

وإذا أخبر الله عن المستقبل ، فلأنّه( لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ) .

وبديهيّ أن كون الأشياء جميعها بيد الله ـ وبأمره وإرادته ـ لا يمنع من اختيارنا في الإرادة وحريتنا وسعينا وجهادنا في مسير الأهداف المنظورة.

وبتعبير آخر : إن هذه العبارة لا تريد سلب الإختيار من الآخرين ، بل تريد أن توضح هذه اللطيفة ، وهي أن القادر بالذات والمالك على الإطلاق هو الله ، وكل من لديه شيء فهو منه!.

ثمّ يضيف القرآن ، أنّه إذا فرح المشركون اليوم بانتصار الفرس على الروم فإنه ستغلب الروم( وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ) .

أجل ، يفرحون( بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) .

ولكن ما المراد من فرح المؤمنون؟!

__________________

(١) توجد احتمالات كثيرة في معنى «بضع» فقيل : إنّها تتراوح بين ثلاث وعشر ، أو أنّها تتراوح بين واحدة وتسع ، وقيل : أقلّها ست وأكثرها تسع. إلّا أن ما ذكرناه في المتن هو المشهور.

٤٦٩

قال جماعة : المراد منه فرحهم بانتصار الروم ، وإن كانوا في صفوف الكفار أيضا ، إلّا أنّهم لكونهم لديهم كتاب سماوي فانتصارهم على المجوس يعدّ مرحلة من انتصار «التوحيد» على «الشرك».

وأضاف آخرون : إن المؤمنين إنّما فرحوا لأنّهم تفألوا من هذه الحادثة فألا حسنا ، وجعلوها دليلا على انتصارهم على المشركين.

أو أن فرحهم كان لأنّ عظمة القرآن وصدق كلامه المسبق القاطع ـ بنفسه ـ انتصار معنوي للمسلمين وظهر في ذلك اليوم.

ولا يبعد هذا الاحتمال وهو أن انتصار الروم كان مقارنا مع بعض انتصارات المسلمين على المشركين ، وخاصة أن بعض المفسّرين أشار إلى أن هذا الإنتصار كان مقارنا لانتصار بدر أو مقارنا لصلح الحديبية. وهو بنفسه يعدّ انتصارا كبيرا ، وخاصة إن التعبير بنصر الله أيضا يناسب هذا المعنى.

والخلاصة : إنّ المسلمين «المؤمنين» فرحوا في ذلك اليوم لجهات متعددة :

١ ـ من انتصار أهل الكتاب على المجوس ، لأنّه ساحة لانتصار الموحدين على المشركين.

٢ ـ من الإنتصار المعنوي لظهور إعجاز القرآن.

٣ ـ ومن الإنتصار المقارن لذلك الإنتصار ، ويحتمل أن يكون صلح الحديبية ، أو بعض فتوحات المسلمين الأخر!.

ولزيادة التأكيد يضيف أيضا( وَعْدَ اللهِ (١) لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) والسبب في عدم علم الناس ، هو عدم معرفتهم بالله وقدرته ، فهم لم يعرفوا الله حق معرفته ، فهم لا يعلمون هذه الحقيقة ، وهي أن الله محال عليه أن يتخلف عن وعده ، لأنّ التخلف عن الوعد إمّا للجهل ، أو لأنّ الأمر كان مكتوما

__________________

(١) نصب «وعد الله» على أنّه مفعول مطلق وعامله محذوف ، ويعلم من الجملة التي قبله أي «سيغلبون» التي هي مصداق الوعد الإلهي ، ويكون تقديره : وعد الله ذلك وعدا!.

٤٧٠

ثمّ اتضح وصار سببا لتغيير العقيدة ، أو للضعف وعدم القدرة ، إذ لم يرجع الذي وعد عن عقيدته لكنّه غير قادر ، لكن الله لا يتخلف عن الوعد ، لأنّه يعرف عواقب الأمور ، وقدرته فوق كل شيء.

ثمّ يضيف القرآن معقبا :( يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ ) .

إنّهم لا يعلمون إلّا الحياة الدنيا فحسب ، بل يعلمون الظاهر منها ويقنعون به! فكلّ ما تمثله نظراتهم ونصيبهم من هذه الحياة هو اللهو واللذة العابرة والنوم والخيال وما ينطوي في هذا الأدران السطحي للحياة من الغفلة والغرور ، غير خاف على أحد.

ولو كانوا يعلمون باطن الحياة وواقعها في هذه الدنيا ، لكان ذلك كافيا لمعرفة الآخرة! لأنّ التدقيق في هذه الحياة العابرة ، يكشف أنّها حلقة من سلسلة طويلة ومرحلة من مسير مديد كبير ، كما أن التدقيق في مرحلة تكوين الجنين يكشف عن أن الهدف النهائي ليس هو هذه المرحلة من حياة الجنين فحسب! بل هي مقدمة لحياة أوسع!.

أجل ، هم يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا فحسب ، ولكنّهم غافلون عن مكنونها ومحتواها ومفاهيمها!.

ومن الطريف هنا أن تكرار الضمير «هم» يشير إلى هذه الحقيقة ، وهي أن علة هذه الغفلة وسرّها تعود إليهم «فهم الغفلة وهم الجهلة» وهذا يشبه تماما قول القائل لك مثلا : لقد أغفلتني عن هذا الأمر ، فتجيبه : أنت كنت غافلا عن هذا الأمر ، أي إن سبب الغفلة يعود إلى نفسك أنت!.

* * *

٤٧١

بحوث

١ ـ إعجاز القرآن من جهة «علم الغيب»

إن واحدا من طرق إثبات إعجاز القرآن ، هو الإخبار بالمغيبات ، ومثله الواضح في هذه الآيات ـ محل البحث ـ ففي عدّة آيات يخبر بأنواع التأكيدات عن انتصار كبير لجيش منهزم بعد بضع سنين ويعدّ ذلك وعدا إلهيّا غير مكذوب ولا يتخلف أبدا.

فمن جهة يتحدث مخبرا عن أصل الإنتصار والغلب( وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ) .

ومن جهة يتحدث عن خبر لانتصار آخر للمسلمين على الكفار مقترنا لزمان الإنتصار الذي يتحقق للروم( وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ ) .

ومن جهة ثالثة يصرّح أنّ هذا الأمر سيقع خلال عدّة سنوات( فِي بِضْعِ سِنِينَ ) .

ومن جهة رابعة يسجّل قطعية هذا الوعد الإلهي بتأكيدين بالوعد( وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ ) .

ويحدثنا التأريخ أنّه لم تمض تسع سنوات حتى تحققت هاتان الحادثتان فقد انتصر الروم في حربهم الجديدة على الفرس ، واقترن زمان هذا الإنتصار بـ «صلح الحديبية» وطبقا لرواية أخرى أنّه كان مقارنا لمعركة بدر ، إذ حقق المسلمون انتصارا ملحوظا على الكفار.

والآن ينقدح هذا السؤال ، وهو : هل يستطيع إنسان أن يخبر بعلم عادي بسيط ، عن مثل هذه الحادثة المهمة بضرس قاطع؟ حتى لو فرضنا أن الأمر كان مع تكهّن سياسي ـ ولم يكن ـ فينبغي أن يذكر هذا الأمر بقيد «الاحتياط» والاحتمال ، لا بمثل هذه الصراحة والقطع ، إذ لو ظهر خلافه لكان أحسن دليل

٤٧٢

وسند على إبطال دعوى النبوة بيد الأعداء!.

والحقيقة هي أنّ مسائل من قبيل توقّع انتصار دولة كبيرة كالروم ، أو مسألة المباهلة ، تدل بصورة جيدة على أنّ نبيّ الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله كان قلبه متعلقا بمكان آخر ، وكان له سند قوي ، وإلّا فلا يمكن لأي أحد ـ في مثل هذه الظروف ـ أن يجرأ على مثل هذا الأمر!.

وخاصة ، إنّ مطالعة سيرة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تكشف أنّه لم يكن إنسانا يتصيد بالماء العكر ، بل كانت أعماله محسوبة فمثل هذا الادعاء من مثل هذا الشخص يدل على أنّه كان يعتمد على ما وراء الطبيعة ، وعلى وحي الله وعلمه المطلق.

وسنتحدث عن تطبيق هذا التنبؤ التاريخي في القريب العاجل إن شاء الله.

٢ ـ السطحيّون «أصحاب الظاهر»

تختلف نظرة الإنسان المؤمن الإلهي أساسا مع نظرة الفرد المادي المشرك ، اختلافا كبيرا.

فالأوّل طبقا لعقيدة التوحيد ـ يرى أن العالم مخلوق لربّ عليم حكيم ، وجميع أفعاله وفق حساب وخطة مدروسة ، وعلى هذا فهو يعتقد أن العالم مجموعة أسرار ورموز دقيقة ، ولا شيء في هذا العالم بسيط واعتيادي ، وجميع كلمات هذا الكتاب «التكويني» ذات محتوى ومعنى كبير.

هذه النظرة التوحيدية تقول لصاحبها : لا تمرّ على أية حادثة وأي موضوع ببساطة ، إذ يمكن أن يكون أبسط المسائل أعقدها فهو ينظر دائما إلى عمق هذا العالم ولا يقنع بظواهره ، قرأ الدرس في مدرسة التوحيد ، ويرى للعالم هدفا كبيرا ، وما من شيء إلّا يراه في دائرة هذا الهدف غير خارج عنها.

في حين أن الإنسان المادي غير المؤمن يعدّ الدنيا مجموعة من الحوادث

٤٧٣

العمي والصمّ التي لا هدف لها ، ولا يفكر بغير ظاهرها ، ولا يرى لها باطنا وعمقا أساسا.

ترى هل يعقل أن يكون لكتاب رسم طفل على صفحاته خطوطا عشوائية ، أهمية تذكر؟! وكما يقول بعض العلماء الكبار في علوم الطبيعة : إن جميع علماء البشر من أية فئة كانوا وأية طبقة ، حين نهضوا للتفكير في نظام هذا العالم ، كانوا ينطلقون من تفكير ديني «فتأملوا بدقّة».

«انشتاين» العالم المعاصر يقول : من الصعب العثور بين المفكرين في العالم شخص لا يحس بدين خاص وهذا الدين يختلف مع دين الإنسان العامي ، إنّه يدعو هذا العالم إلى التحيّر من هذا النظام العجيب والدقيق للكائنات ، إذ تكشف عن وجهها أسرارا لا تقاس مع جميع تلك الجهود والأفكار المنظمة للبشر(١) !.

ويقول في مكان آخر : إن الشيء الذي دعا العلماء والمفكرين والمكتشفين ـ في جميع القرون والأعصار ـ أن يفكروا في أسرار العالم الدقيقة ، هو اعتقادهم الديني.

ومن جهة أخرى كيف يمكن أن يساوى بين من يعتبر هذه الدنيا مرحلة نهائية وهدفا أصليّا ، ومن يعدّها مزرعة وميدانا للامتحان للحياة الخالدة التي تعقب هذه الحياة الدنيا ، فالأوّل لا يرى أكثر من ظاهر هذه الحياة ، والآخر يفكر في أعماقها!.

وهذا الاختلاف في النظر يؤثر في حياتهم بأجمعها ، فالذي يعيش حياة سطحية وظاهرية يعتبر الإنفاق سببا للخسران والضرر ، في حين أن هذا «الموحد» يعدّها تجارة رابحة لن تبور.

وذلك المادي يعتبر «أكل الربا» سببا للزيادة ووفرة المال. وأمّا الموحد

__________________

(١) نقلا عن كتاب «الدنيا التي أراها».

٤٧٤

فيعده وبالا وشقاء وضررا.

وذلك يعتبر الجهاد ضنى وشقاء ويعتبر الشهادة فناء وانعداما ، وأمّا الموحد فيعد الجهاد رمزا للرفعة ، والشهادة حياة خالدة!

أجل ، إن غير المؤمنين لا يعرفون إلّا الظواهر من الدنيا ، وهم في غفلة عن الحياة الأخرى( يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ ) .

٣ ـ المطابقة التاريخية

لكي نعرف المقطع التاريخي الذي حدثت فيه المعارك بين الروم والفرس ، يكفي أن نعرف في ذلك التاريخ أن حربا طويلة حدثت في عهد «خسرو پرويز» ملك الفرس مع الروم استمرت زهاء أربع وعشرين سنة ، حيث دامت من سنة «٦٠٤ ميلادية إلى سنة ٦٢٨».

وفي حدود سنة ٦١٦ ميلادية هجم قائدان عسكريان في الجيش الفارسي هما : (شهر براز» و (شاهين) على الحدود الشرقية للروم ، فهزما الروم هزيمة نكراء ، وسيطرأ على منطقة الشامات ومصر وآسيا الصغرى ، فواجهت الروم الشرقية بسبب هذه الهزيمة حالة الانقراض تقريبا ، واستولى الفرس على جميع ما كان تحت يد الروم من آسيا ومصر.

وكان ذلك في حدود السنة السابعة للبعثة!

غير أنّ ملك الروم «هرقل» بدأ هجومه على بلاد فارس سنة ٦٢٢ ميلادية وألحق هزائم متتابعة بالجيش الفارسي ، واستمرت هذه المعارك حتى سنة ٦٢٨ لصالح الروم ، وغلب خسرو پرويز ، وانكسر انكسارا مريرا ، فخلعه الفرس عن السلطنة وأجلسوا مكانه ابنه «شيرويه».

وبملاحظة أنّ مولد النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان سنة ٥٧١ ميلادية وكانت بعثته سنة ٦١٠ ميلادية ، فإن هزيمة الروم وقعت في السنة السابعة للبعثة ، وكان انتصارهم بين

٤٧٥

سنتي خمس وست للهجرة النبوية ، ومن المعلوم أن السنة الخامسة حدثت فيها معركة الخندق ، وتم في السنة السادسة صلح الحديبية ، وبطبيعة الحال فإن تنقّل الأخبار عن حرب فارس والروم إلى منطقة الحجاز ومكّة كانت تستوعب عادة فترة من الزمان ، وبهذا ينطبق هذا الخبر القرآني على هذه الفترة التاريخية بوضوح «فلاحظوا بدقة».

* * *

٤٧٦

الآيات

( أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ (٨) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٩) ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ (١٠) )

التّفسير

عاقبة المسيئين :

كان الكلام في آخر آية من البحث السابق عن السطحيين وأصحاب الظاهر ، حيث كان أفق فكرهم لا يتجاوز حدود الدنيا والعالم المادي وكانوا جاهلين بما وراء الطبيعة ويوم القيامة.

أمّا في هذه الآيات ـ محل البحث ـ والآيات المقبلة ، فيقع الكلام على مطالب متنوعة حول المبدأ والمعاد ، فتبدأ هذه الآيات أولا على صورة استفهام

٤٧٧

فتقول :( أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى ) .

أي : لو أنّهم فكروا جيدا ورجعوا إلى عقلهم في الحكم ووجدانهم ، لكانوا يطلعون جيدا على هذين الأمرين :

أوّلا : إنّ العالم خلق على أساس الحق ، وتحكمه أنظمة هي دليل على أنّ الخالق لهذا العالم ذو علم مطلق وقدرة كاملة.

وثانيا : هذا العالم يمضي إلى الزوال ، وحيث أن الخالق الحكيم لا يمكن أن يخلقه عبثا ، فيدل ذلك على وجود عالم آخر هو الدار الباقية بعد هذه الدنيا ، وإلّا فلا مفهوم لخلق هذا العالم ، وهذا الخلق الطويل العريض لا يعقل أن يكون من أجل أيّام معدودات في الحياة الدنيا ، وبذلك يذعنون بوجود الآخرة!.

فعلى هذا يكون التدقيق في نظم هذا العالم وحقانيته دليلا على وجود المبدأ ، والتدقيق في أن هناك «أجلا مسمى» دليل على المعاد «فلاحظوا بدقة».

لذلك يضيف القرآن في نهاية الآية قائلا :( وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ ) فينكرون لقاء الله.

أو إنّهم ينكرون المعاد أصلا ، كما نقلنا عن قول المشركين مرارا في آيات القرآن ، إذ كانوا يقولون :( أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ ) . إنّ هذا إنّ هذا إلخ وبتعابير مختلفة «كما ورد في سورة الرعد الآية (٥) ، وسورة المؤمنون الآية (٣٥) ، وسورة النمل الآية (٦٧) ، وسورة ق الآية (٣) وفي غيرها من السور».

أو إنّهم لا ينكرون بلسانهم ، لكن أعمالهم «ملوثة» ومخزية تدل على أنّهم غير معتقدين بالمعاد ، إذ لو كانوا يعتقدون بالمعاد لم يكونوا فاسدين أو مفسدين!.

والتعبير بـ( فِي أَنْفُسِهِمْ ) لا يعني أن يطالعوا في أسرار وجودهم ، كما يدّعي الفخر الرازي في تفسيره ، بل المراد منه أن يفكروا في داخل أنفسهم عن طريق

٤٧٨

العقل والوجدان يخلق السماوات والأرض.

والتعبير( بِالْحَقِ ) له معنيان : الأوّل : أنّ الخلق كان توأما مع الحق والقانون والنظم ، والآخر : أن الهدف من الخلق كان بالحق ، ولا منافاة بين هذين التّفسيرين طبعا(١) .

والتعبير( بِلِقاءِ رَبِّهِمْ ) كما قلنا مرارا ، هو إشارة إلى يوم القيامة والنشور ، حيث تنكشف الحجب ، والإنسان يعرف عظمة الله بالشهود الباطنيّين.

وحيث أنّ التعبير بـ( أَجَلٍ مُسَمًّى ) كاشف عن أن هذه الحياة على كل حال لا تدوم ، وهذا إنذار لجميع عبدة الدنيا ، فإنّ القرآن يضيف في الآية التالية قائلا :( أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ ) أي بالدلائل الواضحات إلّا أنّهم أهملوا ذلك ، ولووا رؤوسهم ، ولم يستسلموا للحق ، فابتلوا بعقاب الله الأليم!( وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) .

في الواقع إنّ القرآن يشير إلى أمم كانت لهم ـ في نظر مشركي مكّة ـ عظمة ملحوظة من حيث القدرة والقوّة الجسمية والثروة المالية ، وكان مصيرهم الأليم يمثل درسا من العبرة لهؤلاء المشركين.

ويمكن أن تكون جملة( أَثارُوا الْأَرْضَ ) إشارة إلى حرث الأرض للزراعة والتشجير ، أو حفر الأنهار ، أو تأسيس العمارات على الأرض ، أو جميع هذه الأمور ، لأنّ جملة( أَثارُوا الْأَرْضَ ) لها مفهوم واسع يشمل جميع هذه الأمور التي هي مقدمة للعمارة والبناء(٢) .

__________________

(١) في صورة ما لو قلنا بالتّفسير الأوّل ، فإن «الباء» في كلمة «بالحق» للمصاحبة ، وفي التّفسير الثّاني تكون الباء بمعنى اللام ، أي للحق.

(٢) «آثار» مأخوذة من مادة (ثور) على زنة (غور) ومعناها التفريق والنثر ، وإنّما سمي الثور ثورا لأنّه يثير الأرض ويفرّقها.

٤٧٩

وحيث كانت أكبر قدرة ـ في ذلك العصر ـ تعني التقدم في الزراعة والرقي الملحوظ من حيث البناء والعمارات ، فإنّه يتّضح رفعة الأمم السالفة وعلوهم على مشركي مكّة الذين كانت قدرتهم في هذه المجالات محدودة جدّا.

إلّا أنّ أولئك مع كل قدراتهم حين أنكروا آيات الله وكذبوا الأنبياء ، لم يستطيعوا الفرار من مخالب العقاب ، فكيف تستطيعون الفرار من عذاب الله؟!

وهذا العقاب والجزاء الأليم هو نتيجة أعمالهم المهلكة أنفسهم ، إذ ظلموا أنفسهم ، ولا يظلم ربّك أحدا.

أمّا آخر آية من الآيات محل البحث ، فتبيّن آخر مرحلة من كفرهم فتقول :( ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ ) .

أجل ، إنّ الذنب أو الإثم يقع على روح الإنسان كالمرض الخبيث ، فيأكل إيمانه ويعدمه ، ويبلغ الأمر حدّا يكذب الإنسان فيه آيات الله ، وأبعد من ذلك أيضا إذ يحمل الذنب صاحبه على الاستهزاء بالأنبياء ، والسخرية بآيات الله ، ويبلغ مرحلة لا ينفع معها وعظ ونصيحة أبدا ، ولا تؤثر فيه أية حكمة وأيّة آية ، ولا يبقى طريق سوى أسواط عذاب الله المؤلمة له.

إنّ نظرة واحدة في صفحات تاريخ كثير من الجناة والبغاة تكشف أنّهم لم يكونوا هكذا في بداية الأمر ، إذ كان لديهم على الأقل نور إيمان ضعيف يشع في قلوبهم ، ولكن ارتكابهم للذنوب المتتابعة سبّب يوما بعد آخر أن ينفصلوا عن الإيمان والتقوى ، وأن يبلغوا آخر الأمر إلى المرحلة النهائية من الكفر.

ونلاحظ في خطبة العقيلة زينبعليها‌السلام أمام يزيد بن معاوية في الشام ، النتيجة ذاتها التي أشرنا إليها آنفا لأنّها حين رأت يزيد يسخر بكل شيء ويتكلم بكلمات الكفر وأنشد أشعارا من ضمنها :

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

٤٨٠