الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٢

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 592

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 181049 / تحميل: 6368
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

يقف على حقيقته، أو أنه عرف نفس الأمر فنسيها عند الكتابة، أو أغضى عنها لأمرٍ دبّر بليل، أو أنّه ما يبالي بما يقول.

أوليس المسعودي المتوفى ٣٤٦هـ يقول في التنبيه والأشراف ص٢٢١: وولد علي رضي الله عنه وشيعته يعظّمون هذا اليوم؟!

أوليس الكليني الراوي لحديث عيد الغدير في الكافي توفي سنة ٣٢٩هـ؟ وقبله فرات بن ابراهيم الكوفي المفسّر الراوي لحديثه الآخر...

فالكتب هذه الفت قبل ما ذكراه - النويري والمقريزي - من التأريخ (٣٥٢).

أوليس الفيّاض بن محمد بن عمر الطوسي قد أخبر به سنة ٢٥٩هـ وذكر أنه شاهد الامام الرضا سلام الله عليه - المتوفى سنة ٢٠٣ - يتعيد في هذا اليوم ويذكر فضله وقدمه؟! ويروي ذلك عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام.

والامام الصادق المتوفى سنة ١٤٨هـ قد علّم أصحابه بذلك كلّه وأخبرهم بما جرت عليه سنن الأنبياء من اتخاذ يوم نصبوا فيه خلفاءهم عيداً...

هذه عقيدة عيد الغدير، لكن الرجلين أرادا طعنا بالشيعة، فأنكرا ذلك السلف الصالح وصوّراه بدعة مغزوّة إلى معزّ الدولة، وهما يحسبان أنه لا يقف على كلامهما من يعرف التاريخ فيناقشهما الحساب.

الغدير: ١/٢٨٧ - ٢٨٩، نهاية الأرب: ١/١٧٧، الخطط: ٢/٢٢٢.

ولزيادة الإطلاع عن هذه المسألة راجع: كشف المهم في خبر غدير خم للسيّد هاشم البحراني، عبقات الانوار للعلامة مير حامد حسين، الغدير للعلامة الأميني، منهج في الانتماء المذهبي: ٩٠ - ١٥٦، الغدير في التراث لاسلامي للعلامة السيد عبدالعزيز الطباطبائي، حديث الغدير رواته كثيرون للغاية قليلون للغاية للسيد عبدالعزيز الطباطبائي، الغدير في حديث العترة الطاهرة للسيّد محمد جواد الشبيري، ومصادر أخرى كثيرة.

٤١

ذكر الاحداث حسب تسلسل السنين: ٣٣٦هـ - ٤١٣هـ

٤٢

سنة ٣٣٦هـ:

فيها: في الحادي عشر من ذي القعدة ولد محمّد بن محمّد بن النعمان بن عبدالسلام بن جابر بن النعمان بن سعيد بن جبير بن وهيب بن هلال بن أوس بن سعيد ابن سنان بن عبدالدار بن الريّان بن قطر بن زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب بن الحارث بن كعب بن عكة بن خلد بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.

وقيل: مولده سنة ٣٣٨هـ.

قال الخطيب البغدادي: شيخ الرافضة، والمتعلم على مذاهبهم، صنّف كتباً كثيرة في ضلالاتهم والذبّ عن اعتقاداتهم ومقالاتهم والطعن على السلف الماضين من الصحابة والتابعين وعامّ الفقهاء والمجتهدين، وكان أحد أئمة الضلال، هلك به خلق من الناس إلى أن أراح الله المسلمين منه.

وما ذكره الخطيب ليس هو إلاّ فرداً من افراد التعصّب الّذي جرى لكثير من المؤرّخين قبال علماء الشيعة، فعلماء الشيعة مهما ارتقت درجتهم العلميّة وازدادوا تقىً كثر تعصّب علماء السنّة تجاههم، وشرعوا بإلقاء التهم عليهم، واستعملوا أسوء الألفاظ في حقّهم، وهذا هو التعصّب بعينه وخروج عن انصافٍ وسوء أدبٍ.

ومعلوم أن سلاح العلماء الأتقياء الّذين هدفهم إصابة الحق لا غير هو البرهان والمجادلة بالّتي هي أحسن واستعمال اللين ومقابلة الآخرين بأحسن الأخلاق وألطف تعبير.

وأمّا الّذين يقابلون الدليل بالسياط والتبعيد والقتل والسب واستعمال الألفاظ الرديئة، فهذا سلاح العاجزين عن الدليل، وهو أقوى حجّة لمعرفة الحقّ في أيّ

٤٣

طرف من كفّتي الميزان.

وهذا ما جرى على شيخنا المفيد، فإنه رضوان الله عليه بأسلوبه البديع واخلاقه العظيمة ودليله القاطع بيّن معتقده خدمةً للحق، فوقف أمامه العامّة، وأبدوا تعصّباً ملحوظاً تجاهه، وبدل ردّهم عليه بالمثل والدليل استعملوا أسوء الألفاظ في حقّه وأغلظوا معه في القول، حتّى بعّد عن وطنه عدّة مرّات.

قال معاصره الأكبر منه سنّاً ابن النديم: ابن المعلم أبو عبدالله، في عصرنا انتهت إليه رئاسة متكلّمي الشيعة، مقدّم في صناعة الكلام، دقيق الفطنة، ماضي الخاطر، شاهدته فرأيته بارعاً.

قال ابن أبي طيّ: هو شيخ مشايخ الطائفة، ولسان الإمامية، ورئيس الكلام والفقه والجدل، وكان يناظر أهل كلّ عقيدة مع الجلالة العظيمة في الدولة البويهيّة، وكان كثير الصدقات، عظيم الخشوع، كثير الصلاة والصوم، خشن اللباس.

قال الشيخ ابو العباس النجاشي: شيخنا، وأستاذنا رضي الله عنه، فضله أشهر من أن يوصف في الفقه والكلام والرواية والثقة والعلم.

قال ابن الجوزي: شيخ الإمامية وعالمها، صنّف على مذهبهم، ومن أصحابه المرتضى، وكان لابن المعلّم مجلس نظر بداره - بدرب رياح - يحضره كافّة العلماء، وكانت له منزلة عند أمراء الأطراف يميلهم إلى مذهبه.

فهرست ابن النديم: ١٧٨، رجال النجاشي: ٣٩٩ - ٤٠٣ ترجمة رقم ١٠٦٧، تاريخ بغداد: ٣/٢٣١، المنتظم: ٨/١١ - ١٢، العبر: ٣/١١٤ - ١٥٥، مرآة الجنان: ٣/٢٨.

سنة ٣٣٨هـ:

فيها: في آخر ربيع الأول وقعت فتنة بين الشيعة والسنّة، ونهبت الكرخ.

٤٤

المنتظم: ٦/٣٦٣ - ٣٦٤، البداية والنهاية: ١١/٢٢١، شذرات الذهب: ٢/٣٤٥.

الكرخ يسكنها الشيعة الإمامية، بين شرقها والقبلة محلّة باب البصرة وأهلها سنة، وفي جنوبها المحلّة المعروفة بنهر القلاّئين وأهلها سنة، وعن يسار قبلتها محلّة تعرف بباب المحوّل وأهلها سنة، وتقع الكرخ غربي مدينة بغداد.

معجم البلدان: ٤/٤٤٨، المنجد: ٨٥٦.

وعند ملاحظة الكرخ من الناحية الجغرافيّة نشاهد بوضوح أنها محصارة بين عدّة مدن يقطنها العامة المتعصّبون ضدّ الشيعة، فالكرخ دائمة هي الضحيّة عند وقوع أيّ اختلاف، فكأنّ السّنة على أهبة الاستعداد يتوقّعون الفرص للهجوم على الشيعة في الكرخ وإيقاع المجازر فيها والنهب والحرق!!

سنة ٣٤٠هـ:

فيها: في شهر رمضان وقعت فتنه عظيمة بسبب المذهب.

البداية والنهاية: ١١/٢٢٤.

سنة ٣٤٥هـ:

فيها: وقعت فتنة عظيمة بأصبهان بين أهل اصبهان وأهل قم بسبب المذاهب، وكان سببها أنّه قيل: عن رجلٍ قمي أنه سبّ بعض الصحابة، وكان من أصحاب شحنه أصفهان، فثار أهلها واستغاثوا بأهل السواد، فاجتمعوا في خلق لا يحصون كثرة، وحضروا دار الشحنة، وقتلوا من الشيعة خلقاً كثيراً، ونهب أهل أصفهان أموال التجار من أهل قم، فبلغ الخبر ركن الدولة، فغضب لذلك، فصادر أهل

٤٥

أصفهان بأموال كثيرة كما نقل ابن كثير، ونقل بن الاثير أنّ ركن الدولة غضب لذلك وأرسل اليها فطرح على أهلها مالاً كيراً.

الكامل في التاريخ: ٨/٥١٧، البداية والنهاية: ١١/٢٣٠.

وركن الدولة هو: الحسن بن بويه أخو معزّ الدولة، ملك اصفهان سنة ٣٢٨هـ، وملك طبرستان سنة ٣٣٦هـ، وسار منها إلى جرجان فملكها، كان حليماً كريماً، كان يقصد المساجد الجامعة في أشهر الصيام للصلاة وينصب لردّ المظالم ويتعهد العلويّين بالأموال، توفي بالري ليلة السبت لاثني عشر ليلة بقيت من المحرم سنة ٣٣٦، وقد زاد على سبعين سنة، وكانت مدّة امارته أربعاً وأربعين سنة.

نهاية الأرب: ٢٦/١٧٥ - ١٧٩.

ولا أعلم على أيّ قانون كانوا يسيرون وعلى أيّ أسسٍ اعتمدوا، فهل سبّ واحدٍ من الشيعة لبعض الصحابة يوجب كلّ هذا؟!! قتل! ونهب! وما ذنب الآخرين؟!

وهذا مبنيّ على أنّ الصحابة كلّهم عدول، وأيّ دليل ينهض على هذا؟ وهل الصحبة لوحدها كافية ليكون المرء عادلاً؟ والقرآن صريح بخلاف هذا، راجع ما ذكرناه في المقدّمة مفصّلاً حول الصحابة.

سنة ٣٤٦هـ:

فيها: في آخر المحرّم كانت فتنة للعامة بالكرخ، كذا قال ابن الجوزي، وقال ابن كثير: في سنة ٣٤٦هـ وقعت فتنة بين أهل الكرخ وأهل السنة بسبب السب، فقتل من الفريقين خلق كثير، ولم يعيّن أيّ شهرٍ وقعت الفتنة، فيحتمل أن تكون فتنة واحدة حدثت في هذه السنة، ويحتمل تكرر الفتنة.

المنتظم ٦/٣٨٤، البداية والنهاية: ١١/٢٣٢.

٤٦

سنة ٣٤٨ هـ:

فيها: في جمادى الأولى اتصلت الفتن بين الشيعة والسنة قتل بينهم خلق ووقع حريق كثير في باب الطاق، ولم يذكر لنا التاريخ السبب.

المنتظم: ٦/٣٩٠، الكامل في التاريخ: ٨/٥٢٧، البداية والنهاية: ١١/٢٣٤، شذرات الذهب: ٢/٣٧٦.

وباب الطاق: محلّه كبيرة ببغداد بالجانب الشرقي تعرف بطاق اسماء.

معجم البلدان: ٥/٣٠٨.

سنة ٣٤٩هـ:

فيها: في يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان على حدّ تعبير ابن الجوزي، وخامس شعبان على قول ابن الأثير، وقعت فتنة عظيمة بين السنّة والشيعة في القنطرة الجديدة، قتل فيها خلق كثير، وتعطّلت الجمعة من الغد في جميع المساجد من الجانبين سوى مسجد براثا فإنّ الصلاة تمّت فيه، ولم ينقل لنا المؤرّخون سبب الفتنة، بل ذكروا: وكان جماعة من بني هاشم قد أثاروا الفتنة فاعتقلهم معزّ الدولة ابن بويه فسكنت الفتنة، ونقل بعضهم: ثمّ قبض معزّ الدولة على جماعة من أهل السيف للمصلحة فسكتوا، ونقل آخر: ثمّ رأى معز الدولة المصلحة في القبض على جماعة من الهاشميّين فسكنت الفتنة.

المنتظم: ٦/٣٩٤ - ٣٩٥، الكامل في التاريخ: ٨/٥٣٣، دول الاسلام: ١٩٣، البداية والنهاية: ١١/٢٣٦، النجوم الزاهرة: ٣/٣٢٣، العبر: ٢/٢٨٠، مرآة الجنان: ٢/٣٤٢ - ٣٤٣، تاريخ الاسلام: ٢٣١ حوادث ووفيات ٣٤١هـ - ٣٥٠هـ، شذرات الذهب

٤٧

٢/٣٧٩.

والقنطرة الجديدة أول من بناها المنصور، وكانت تلي دور الصحابة وطاق الحرّاني، جدّدت عدة مرات.

معجم البلدان: ٤/٤٠٦.

ومسجد براثا واقع في محلّة براثا طرف بغداد في قبلة الكرخ وجنوبي باب محوّل، وكانت براثا قبل بناء بغداد قرية، مرّ بها علي بن ابي طالب عليه السلام لقتال الحروريّة الخوارج بالنهروان وصلّى في موضع من الجانب المذكور، وتعرّض هذا المسجد عدّة مرّات للهدم، لاجتماع قوم من الشيعة فيه، هدمه الراضي بالله حتّى سوّى به الارض، ثمّ أمر بجكم الماكاني أمير الأمراء ببغداد بإعادة بنائه.

معجم البلدان: ١/٣٦٢ - ٣٦٣.

ومعزّ الدولة هو: أحمد بن بويه، مرّشيء من أخباره في المقدّمة في أحوال بني بويه، استولى على بغداد سنة ٣٣٤هـ في خلافة المستكفي بالله، كان بواسط وقد جهّز الجيوش لمحاربة عمران بن شاهين الخارج عليه، فازداد عليه المرض، فرجع إلى بغداد، وعهد إلى ابنه بختيار، وتوفي لأربع ساعات مضين من ليلة الثلاثاء سابع عشر ربيع الآخر سنة ٣٥٦هـ، وكانت امارته إحدى وعشرين سنة واحد عشر شهراً، وعمره ثلاث وخمسون سنة، ودفن بداره، ثمّ نقل إلى مشهد بني له في مقابر قريش.

المنتظم: ٧/٣٨ - ٣٩، نهاية الأرب: ٢٦/١٨٢ - ١٩٢.

وأمّا سبب الفتنة فغير معلوم، والنقل مضطرب كما ذكرنا، وحبس معزّ الدولة بعض الهاشميّين كان لإقناع السنة الّذين يشكّلون الأكثرية في بغداد، وهذا لا يدّل على حقّانيّتهم، ومعزّ الدولة كان شيعيّاً ومع ذلك يريد الحفاظ على مملكته، فإذا

٤٨

اقتضت المصلحة حبس بعض الشيعة للحفاظ على ملكه فعل، راجع ما كتبناه في المقدّمة في أحوال بني بويه وعقيدتهم.

سنة ٢٥٣هـ:

فيها: في جمادى الأولى كانت فتنة عظيمة في البصرة وبهمذان بين العامة بسبب المذاهب على حدّ تعبير ابن الاثير، وبسبب السب على حدّ تعبير ابن كثير، قتل فيها خلق كثير وجمّ غفير.

الكامل في التاريخ: ٨/٥٤٤، البداية والنهاية: ١١/٢٤١.

وسبب الفتنة أيضاً غير واضح، والسبّ لوحده غير مبرّر لهجوم السنّة على الشيعة وإيقاع القتل العام والنهب وإشعال الفتنة.

سنة ٣٥٢هـ:

فيها: في اليوم العاشر من المحرّم غلقت الأسواق ببغداد، وعطّل البيع، ولم يذبح القصّابون، ولا طبخ الهرّاسون، ولا ترك الناس أن يستقوا الماء، ونصبت القباب في الأسواق، وعلّقت عليها المسوح، وخرج النساء يلطمن وجوههنّ على الحسين، وأقيمت النائحة على الحسين سلام الله عليه.

وذكر بعض المؤرّخين أنّ هذا كان بأمر معزّ الدولة، وبعضهم نقله من دون أن يذكر أنه بأمر أحدٍ.

وذكر ابن الأثير وابن كثير: ولم يكن للسنة قدرة على المنع منه، لكثرة الشيعة، ولأنّ السلطان معهم.

ولا أعلم لماذا يحاول أهل السنة منع هذا الشعار ومحاربته، وقد عقد مأتم

٤٩

الحسين قبل استشهاده من قبل خاتم الرسل، وإقامة هذا المأتم في السماء من قبل الملائكة، حتّى الجنّ أقامت المأتم وناحت على الحسين سلام الله عليه، راجع المقدّمة عن هذا الموضوع.

وقال الحافظ الذهبي بعد نقله لما حدث في يوم العاشر: وهذا اول ما نيح عليه، اللهمّ ثبّت علينا عقولنا.

وما هو مقصوده من: اللهمّ ثبّت علينا عقولنا؟ وهل ما علمته الشيعة من إقامة العزاء على سيّد الشهداء مخالف للعقول السليمة، وقد بكى عليه خير الخلق رسول الله وأقام المأتم عليه وأقامت الملائكة في السماء العزاء عليه وناحت عليه الجنّ؟!! راجع المقدمة حول هذا الموضوع.

وقال الأتابكي: قلت: وهذا أول يوم وقع فيه هذه العادة القبيحة الشيعية ببغداد، وكان ذلك في صحيفة معزّ الدولة بن بويه، ثمّ اقتدى به من جاء بعده من بني بويه وكلّ منهم رافضي!! خبيث!!

أقول: الم يخبر جبرئيل النبي صلى الله عليه وآله بما يجري على الحسين عليه السلام بعد ولادة الحسين، وبكاء النبي ومن في البيت على هذا المصاب، وهو اول عزاء يعقد على الحسين الشهيد، كما ذكرناه في المقدّمة، فمتى صار احياء ذكرى الحسين عليه السلام عادة قبيحة؟!! وتشاهد بوضوح عزيزي القارىء محاولة بعض المؤرّخين بجعل اقامة المأتم على الحسين انما كان ابتداؤه زمن معزّ الدولة!! وهذا جهل وتعصّب منهم، راجع المقدّمة الرابعة حول قضيذة الحسين كي يتبّين لك الأمر.

المنتظم: ٧/١٥، الكامل في التاريخ: ٨/٥٤٩، مرآة الجنان: ٢/٣٤٧، تاريخ الاسلام: ١١ حوادث ووفيات ٣٥١هـ - ٣٨٠هـ، العبر: ٢/٢٩٤، دول الاسلام: ١٩٥،

٥٠

البداية والنهاية: ١١/٢٤٣، تكملة تاريخ الطبري: ٣٩٧، شذرات الذهب: ٣/٩، النجوم الزاهرة: ٣/٣٣٤.

وفيها: في ليلة الخميس الثامن عشر من ذي الحجّة - وهويوم عيد غدير خم - أشعلت النيران، وضربت الدبادب والبوقات، وبكر الناس الى مقابر قريش، وأظهرت الزينة في البلد، وفتحت الأسواق بالليل كما يفعل في ليالي الأعياد، وكان يوماً مشهوداً.

وقال الحافظ الذهبي بعد ذكر الحادث: فنعوذ بالله من الضلال!!

وقال ابن كثير: فكان وقتاً عجيباً وبدعة شنيعة ظاهرة منكرة!!

ولا أعلم أين البدعة الشنيعة؟! والظاهرة المنكرة؟! كي يتعوّذ بالله منها، ألم ينصب رسول الله عليّاً في هذا اليوم خليفة، وقال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهمّ وال من ولاه وعادي من عاداه؟! ألم ينزل جبرئيل باكمال الدين بعد هذا؟! ألم يبايع المسلمون عليّاً يوم الغدير واحداً بعد الآخر... وقال له عمر: هنيئاً لك يا ابن ابي طالب، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة؟! ألا يحقّ للمسلمين أن يتخذوه عيدا ويفرحوا به... وقد وردت روايات كثيرة من طرق الخاصّة عن الأئمة عليهم السلام باتخاذ هذا اليوم عيداً، والتفصيل راجع المقدمة الخامسة حول هذا الموضوع.

المنتظم: ٧/١٦، الكامل في التاريخ: ٨/٥٤٩ - ٥٥٠، مرآة الجنان: ٢/٣٤٧، شذرات الذهب: ٣/٩، البداية والنهاية: ١١/٢٤٣، تكملة تاريخ الطبري: ٤٠٠، تاريخ الاسلام: ١٢ حوادث ووفيات ٣٥١هـ - ٣٨٠هـ، دول الاسلام: ١٩٥ - ١٩٦.

٥١

سنة ٣٥٣هـ:

فيها: في العاشر من المحرّم عملت الشيعة المأتم على سيّد الشهداء الحسين عليه السلام، وعطّلت الأسواق وأقامت النوح، فلمّا أضحى النهار يومئذٍ وقعت فتنة عظيمة في قطيعة أم جعفر وطريق مقابر قريش بين السنّة والشيعة، واقتتلا قتالا شديداً، ونهبت الأموال، ووقعت بينهم جراحات.

المنتظم: ٧/١٩، الكامل في التاريخ: ٨/٥٥٨، تاريخ الاسلام: ١٣ حوادث ووفيات ٣٥١ - ٣٨٠، البداية والنهاية: ١١/٢٥٣، النجوم الزاهرة: ٣/٣٣٦.

وقطيعة أم جعفر: محلّة ببغداد عند باب التين، وهو الموضع الّذي فيه مشهد موسى بن جعفر قرب الحريم بين دار الرقيق وباب خراسان، وقيل: قطيعة ام جعفر بنهر القلاّئين، ولعلّها اثنتان، وام جعفر هي: زبيدة بنت جعفر بن المنصور أم محمد الامين.

معجم البلدان: ٤/٣٧٦.

وهذه هي التعصّبات الجاهليّة ضدّ الشيعة لا غير، ففرقة لها مبانيها ورسومها تسير عليها، وتقيم مأتماً على امامها وتنصب له العزاء في كلّ سنة، فأيّ دخلٍ لفرقةٍ أخرى حتّى تمنعها، وأيّ قانونٍ يجيز لها قتل ونهب الفرقة الأخرى، وهل اقامة العزاء على ابن بنت رسول الله حكمة القتل والنهب والإباحة؟! أيّ انسانٍ حرّ الضمير يقبل هذا؟!

سنة ٣٥٤هـ:

فيها: في العاشر من المحرّم أقامت الشيعة العزاء على الحسين سيّد الشهداء والنوح واللطم وعطّلت الاسواق.

٥٢

وقال الأتابكي: ولم يتحرّك لهم السنّية خوفاً من معزّ الدولة ابن بويه.

وكأنّ المؤرّخين يتعجبّون كيف تنقضي المراسم من دون تعرّض السنة لهم، فصار المنع جارياً والقتل والنهب عادة، حتّى أن المراسم لمّا تمّت بسلام، تذكره ابناء العامة بإعجاب، وكيف لم يحملوا على الشيعة ويقتلوهم؟! لتفرح قلوبهم بسماع سفك دماء الشيعة!!!

وقال ابن كثير: ثمّ تسلّطت أهل السنّة على الروافض، فكبسوا مسجدهم مسجد براثا الذي هو عشّ الروافض!! وقتلوا بعض من كان فيه من القومة!!

والظاهر من عبارة ابن كثير بل صريحها ان هذه السنة ايضاً لم تنقض المراسم بدون قتلٍ ونهبٍ.

المنتظم: ٧/٢٣، تاريخ الاسلام: ١٧ حوادث ووفيات ٣٥١ - ٣٨٠، النجوم الزاهرة: ٣/٣٣٩، البداية والنهاية: ١١/٢٥٥.

وقال ابن كثير بعد نقل ما تعمله الشيعة يوم العاشر: وهذا تكلّف لا حاجة إليه في الاسلام، ولو كان هذا أمراً محموداً لفعله خير القرون وصدر هذه الأمّة وخيرتها، وهم أولى به، لو كان خيراً ما سبقونا اليه، وأهل السنة يقتدون ولا يبتدعون.

البداية والنهاية: ١١/٢٥٥.

ونحن نقول لابن كثير: لو سلّمنا لك أنّ هذا تكلّف لا حاجة إليه في الإسلام، فهل فعله يوجب القتل والنهب والإباحة؟!.

وأمّا قوله: لو كان هذا أمراً محدوداً لفعله خير القرون، فهو مردود، بأن خير القرون فعلوه، لكن بشكل آخر، فرسول الله صلّى الله عليه وآله اقام المأتم على الحسين قبل استشهاده وكذلك علي بن ابي طالب عليه السلام، وذلك بعد إخبار جبرئيل، ولكن بنحو آخر، وكذا أقام العزاء على الحسين أئمّة اهل البيت في اليوم

٥٣

العاشر، وجلسوا للعزاء والبكاء، راجع ما كتبناه حول هذا الموضوع في المقدّمة.

وأمّا قوله: وأهل السنّة يقتدون ولا يبتدعون!! فهل هذا مبّرر لقتلهم الشيعة ونهبهم أمولاهم وحرق بيوتهم؟!

وهل كانت صلاة التراويح في زمن النبيّ، أو صلاّها؟!

ومن اسقط القول بحيّ على خير العمل من الآذان، ألم يكن في زمن رسول اله وأسقط بعده؟!

ألم يعترفوا بانّ السنّة التختم باليمين، لكن بما أن الشيعة تتختّم باليمين جعلوا السنّة التختم باليسار.

ومن نهى عن متعة الحج وكانت في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟!

ومن منع من متعة النساء وكانت في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!

ومن زاد في الآذان الصلاة خير من النوم ولم تكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!

ومن منع المغالات في صداق النساء؟!

ومن أتمّ الصلاة بمنى أربعاً؟!.

واسأل من ابن كثير: من جعل في مقابل عيد الغدير يوماً باسم يوم الغار وفي مقابل يوم عاشوراء يوم مقتل مصعب وعملوا فيهما من الفرح والحزن كما تعمله الشيعة؟! ومن...؟! ومن...؟! وأهل السنة يقتدون ولا يبتدعون!

وفيها: في الثامن عشر من ذي الحجّة أقامت الشيعة مراسم عيدالغدير، ولم يتحدّث التاريخ لنا بشيء حدث فيه.

وقال ابن كثير: وفي ثاني عشر ذي الحجة منها علمت الروافض عيد غدير خم...

وهو غلط واضح لعلّه من النسّاخ، اذ أن يوم عيد الغدير هو اليوم الثامن عشر.

٥٤

المنتظم: ٧/٢٤، البداية والنهاية: ١١/٢٥٥.

سنة ٣٥٥هـ:

فيها: في العاشر من محرّم أقامت الشيعة عزاءها على الحسين الشهيد عليه السلام والنوح والبكاء، ولم يحدث شيء والحمد لله.

وقال ابن كثير: في عاشر المحرّم عملت الروافض بدعتهم الشنعاء!! وضلالتهم الصلعاء!! على عادتهم ببغداد.

وهنا ابن كثير يتألّم كيف انتهت المراسم بسلامةٍ، ولم يقتل السنة الشيعة ولم يهجموا عليهم، فأبدى حقده هذا بهذه العبارات السقيمة وسوء الأدب، يريد جرح عواطف الشيعة الّذين يحترمون هذا اليوم ويعظموه، فإنّا لله وإنّا اليه راجعون.

المنتظم: ٧/٣٣، البداية والنهاية: ١١/٢٦٠، النجوم الزاهرة: ٤/١١.

سنة ٣٥٦هـ:

فيها: عملت الشيعة المراسم في اليوم العاشر من المحرّم، ولم ينقل لنا التاريخ وقوع حرب أو فتنة، وله الحمد.

المنتظم: ٧/٤٨، مرآة الجنان: ٢/٣٥٨، العبر: ٢/٢٠٣، تاريخ الاسلام: ٣٧ حوادث ووفيات ٣٥١هـ - ٣٨٠هـ، شذرات الذهب: ٣/١٨، البداية والنهاية: ١١/٢٦٢، النجوم الزاهرة: ٤/١٤.

سنة ٣٥٧هـ:

فيها: في اليوم العاشر من المحرّم تمّت مراسم العزاء بسلامٍ، والحمد لله.

٥٥

المنتظم: ٧/٤٣، البداية والنهاية: ١١/٢٦٥، النجوم الزاهرة: ٤/١٨، الكامل في التاريخ: ٨/٥٨٩، تاريخ الاسلام: ٣٩ حوادث ووفيات ٣٥١هـ ٣٨٠هـ.

وفيها: في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة عملت الشيعة مراسم الفرح والسرور لعيد الغدير، ولم ينقل حدوث فتنةٍ، والحمد للّه.

المنتظم: ٧/٤٣، الكامل في التاريخ: ٨/٥٨٩، تاريخ الاسلام: ٣٩ حوادث ووفيات ٣٥١هـ - ٣٨٠هـ، البداية والنهاية: ١١/٢٦٥.

سنة ٣٥٨هـ:

فيها: في اليوم العاشر من المحرّم أقامت الشيعة في بغداد العزاء على الحسين بن علي وإغلاق الأسواق وتعطيل المعاش وإظهار النوح، ولم يحدث في المراسم قتال ولافتنة، والحمد لله.

وقال الذهبي: وأقامت الرافضة الشعار الجاهلي يوم عاشوراء...

الشعار الجاهلي!! وهل بلغت الوقاحة إلىهذه الدرجة كي يعبّر عن إقامة المراسم على الحسين سيد الشهداء بالشعار الجاهلي؟ ألم يك على الحسين كلّ موجود من السماء والأرض والحيوانات والملائكة والجن واقاموا المأتم على الحسين، كلّ هذا ورسول الله وعلي هما أقاما مأتماً على الحسين، فيا عجباً من أمّة تقتل ابن بنت رسولها وتسمّي من يجلس له مأتماً ويبكي عليه: شعاراً جاهلياً!

المنتظم: ٧/٤٧، الكامل في التاريخ: ٨/٦٠٠، تاريخ الاسلام: ٤٣ حوادث ووفيات ٣٥١هـ - ٣٨٠هـ، البداية والنهاية: ١١/٢٦٦، النجوم الزاهرة: ٤/٢٥.

وفيها: في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة، أقام الشيعة مراسمهم من إظهار الفرح بيوم عيدالغدير الأغرّ، ولم يتعرّض لهم أحد ولا منعهم، وله الحمد.

٥٦

المنتظم: ٧/٤٧، البداية والنهاية: ١١/٢٦٦، النجوم الزاهرة: ٤/٢٥، تاريخ الاسلام: ٤٣ حوادث ووفيات ٣٥١هـ - ٣٨٠هـ.

سنة ٣٥٩هـ:

فيها: في العاشر من المحرّم تمّت مراسم العزاء من دون منعٍ وتعرّضٍ، والحمد لله.

وقال ابن كثير: في عاشر المحرّم عملت الرافضة بدعتهم الشنعاء....

وقال الأتابكي: اقامت الرافضة المأتم... على عادتهم وفعلهم القبيح....

وهنا أيضاً لم يسلم المأتم من الهجوم والتعرّض، نعم سلم في وقت إقامته، ولم يسلم من المؤرّخين!

المنتظم: ٧/٥١، تاريخ الاسلام: ٤٥ حوادث ووفيات ٣٥١هـ - ٣٨٠هـ، البداية والنهاية: ١١/٢٦٧، النجوم الزاهرة: ٤/٥٦.

سنة ٣٦٠هـ:

فيها: في يوم العاشر من المحرّم أقام الشيعة المأتم على الحسين الشهيد، ولم ينقل التاريخ حدوث فتنة أو تعرّضٍ، والحمد لله.

قال ابن كثير: في عاشر محرّمها عملت الرافضة بدعتهم المحرّمة....

ولا جواب على قوله: بعدتهم المحرّمة غير قوله تعالى: (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً).

المنتظم: ٧/٥٣، النجوم الزاهرة: ٤/٥٧، تاريخ الاسلام: ٤٧ حوادث ووفيات ٣٥١هـ - ٣٨٠هـ.

٥٧

وفيها: في ثامن عشر ذي الحجّة، أقامت الشيعة مراسم العيد والسرور بمناسبة عيدالغدير الأغرّ، ولم يحدث شيء من القتل والنهب، والحمد لله.

تاريخ الاسلام: ٤٧ حوادث ووفيات ٣٥١هـ ٣٨٠هـ، النجوم الزاهرة: ٤/٥٧.

سنة ٣٦١هـ:

فيها: في يوم العاشر من المحرّم أقامت الشيعة مراسم العزاء على الحسين سيد الشهداء، ولم يحدث شيء، وله الحمد والمنّة.

قال ابن كثير: في عاشر المحرم عملت الروافض بدعتهم....

وقال الحافظ الذهبي: أقامت الشيعة بدعة عاشوراء.

ومرّة أخرى سلمت المآتم من القتل والنهب، ولم تسلم من أقلام المؤرّخين الجارحة!.

المنتظم: ٧/٧٥، النجوم الزاهرة: ٤/٦٢، تاريخ الاسلام: ٢٤٥ حوادث ووفيات ٣٥١هـ - ٣٨٠هـ، البداية والنهاية: ١١/٢٧١.

وفيها: وقعت فتنة عظيمة ببغداد وظهرت العصبية الزائدة، وظهر العيّارون وأظهروا الفساد وأخذوا أموال الناس، وكان سبب ذلك أنّ العامة لمّا تجهّزت للغزاة وقعت بينهم فتنة شديدة بين الشيعة والسنة، وأحرق اهل السنّة دور الشيعة في الكرخ وكانت معدن التجار الشيعة ونهبت الأموال وقتل جميع غفيرٍ، وجرى بسبب ذلك فتنة بين النقيب أبي أحمد الموسوي والوزير أبي الفضل الشيرازي وعداوة.

الكامل في التاريخ: ٨/٦١٩، البداية والنهاية: ١١/٢٧١.

والنقيب ابو أحمد الموسوي هو الحسين بن موسى بن محمد بن ابراهيم بن موسى بن جعفر، ولد سنة ٣٠٤هـ، وكان يلقب بالطاهر وبذي المناقب والأوحد،

٥٨

ولاّه بهاء الدولة قضاء القضاة فلم يمكّنه القادر بالله، ولي النقابة عدّة مرّات، توفي سنة ٤٠٠هـ عن سبع وتسعين سنة، وصلّى عليه ابنه المرتضى، ودفن في داره ثمّ نقل إلى مشهد الحسين عليه السلام.

المنتظم ٧/٢٤٧، الكامل في التاريخ: ٩/١٨٢.

والوزير ابو الفضل الشيرازي هو عباس بن الحسين، وكان وزيراً لعزّ الدولة، وكان ظالما، فقبض عليه وقتل في ربيع الآخر من سنة ٣٦٣هـ وعمره تسع وخمسون سنة.

وهنا تلاحظ بوضوح أنّ السنّة تحرّكت ضدّ الشيعة لمّا تجهّزت للغزاة، فلمّا احسّت السنّة بالقوّة وكثرة الجمع والتجهّز بالسلاح، جملوا على الشيعة، وأحرقوا دورهم بالكرخ، فهم على استعدادٍ كاملٍ للهجوم على الشيعة وإبادتهم، فمتى حصلوا على فرصة مناسبة جعلوا كلّ ما لديهم من قوّة ضدّ الشيعة، وكأنهم يهود أو نصارى، كلاّ حتّى معاملتهم مع اليهود والنصارى والزنادقة كانت أفضل بكثير من معاملتهم مع الشيعة!.

سنة ٣٦٢هـ:

فيها: في العاشر من المحرّم، اختلف النقل عن وقوع مراسم المأتم أم لا:

فقال ابن كثير: في عاشر محرمها عملت الروافض من النياحة وتعليق المسوح وغلق الأسواق كما تقدّم قبلها.

وقال الأتابكي: فيها لم تعمل الرافضة المأتم ببغداد بسبب ما جرى على المسلمين من الروم، وكان عزّ الدولة بختيار بن بويه بواسط، والحاجب سبكتكين ببغداد، وكان سبكتكين المذكور يميل إلى السنّة، فمنهم من ذلك.

٥٩

البداية والنهاية: ١١/٢٧٣، النجوم الزاهرة: ٤/٦٥.

وماذنب الشيعة فيما جرى على المسلمين من الروم؟! أوليست الحرب كرّ وفرّ؟! ولكن التعصّب ضدّ الشيعة والأحقاد الدفينة في القلوب، جعلت أهل السنّة يتربصون بالشيعة لقتلهم ونهبهم فالشيعة على ممرّ العصور مظلومون من قبل الحكام والناس، وإذا ما جاءت حكومة أعطت للشيعة فرصة قليلة، فالسنّة تتضاعف أحقادهم ويشرعون بقتل الشيعة وإباحتهم، وعزّ الدولة كان قد اعطى للشيعة نوعاً من الحريّة، ففي غيابه أبدت السنّة أحقادها ومنعت الشيعة من إقامة العزاء! وعلّلوه بما جرى على المسلمين من الروم!!!.

وعزّ الدولة هو ابو منصور بختيار بن معزّ الدولة بن بويه، عقد له الأمر والده من بعده يوم الجمعة لثمان خلون من المحرّم سنة ٣٤٤هـ، وبايع له الأجناد، جلس في السلطنة بعد وفاة أبيه يوم الثلاثاء عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة ٣٥٦هـ، قتل في الثامن عشر من شوّال سنة ٣٦٧هـ بعد أن اسرّه عضد الدولة ابن محمد وأمر بقتله.

نهاية الأرب ٢٦/١٩٤ - ٢١٠.

وسبكتكين هو حاجب معزّ الدولة، كان الطائع لله قد خلع عليه خلعة الملوك وطوّقه ولقّبه نصر الدولة، فلم تطل أيامه، توفي في المحرم.

شذرات الذهب: ٣/٤٨.

وفيها: ضرب صاحب المعونة رجلاً من العامة فمات، فثارت عليه العامة وجماعة من الأتراك، فهرب منهم، فدخل داراً فأخرجوه مسجوناً وقتلوه وحرقوه، فركب الوزير ابو الفضل الشيرازي - وكان شديد التعصّب للسنّة - وبعث حاجبه إلى أهل الكرخ، فألقى في دورهم النار، فاحترقت طائفة كثيرة من الدور والأموال، من

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل

وهذه الكلمات تكشف عن عدم إيمانه بأساس الإسلام ، فحمدت زينب الله تعالى وصلّت وسلّمت على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقالت :

«صدق الله ، كذلك يقول :( ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ ) ».

أي إذا أنكرت الإسلام والإيمان هذا اليوم بأشعارك المشوبة بالكفر ، وتقول لأسلافك المشركين الذين قتلوا على أيدي المسلمين في معركة بدر : ليتكم تشهدون انتقامي من بني هاشم ، فلا مجال للتعجب ، فذلك ما قاله الله سبحانه :( ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ ) وقد ذكرت في هذا الصدد مطالب كثيرة.

ولمزيد من الإيضاح يراجع الجزء الخامس والأربعون من بحار الأنوار الصفحة ١٥٧.(١)

* * *

__________________

(١) طبقا لما ذكرنا في التّفسير تكون كلمة «السوءى» مفعولا لأساءوا وجملة( أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ ) مكان اسم كان وخبرها «عاقبة الذين». ويذكر العلّامة الطباطبائي ذلك في الميزان بصورة احتمال ، وإن لم ينتخبه هو نفسه ، ويرى «أبو البقاء» في كتاب «إملاء ما منّ به الرحمن» الصفحة ١٨٥ الجزء الثاني ، أنّه واحد من احتمالين مقبولين. إلّا أن أغلب المفسّرين كالطبرسي وصاحب الميزان ، والفخر الرازي ، والآلوسي ، وأبو الفتوح الرازي والقرطبي وسيد قطب في ظلاله ، والطوسي في تبيانه» يقوّون احتمالا آخر في تفسير الآية وهو أن كلمة «السوءى» اسم كان ، وجملة «إن كذبوا» في مقام التعليل. وطبقا لهذا التّفسير يكون معنى الآية : وأخيرا فإن عاقبة أعمال المسيئين كانت السوء ، لأنّهم كذبوا بآياتنا. وهذا المعنى شبيه بقوله تعالى :( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى ) . إلّا أن الأنصاف أن هذا التفسير خلاف ما يستظهر من الآية ، وانتخاب المفسّرين لهذا الرأي والتفسير لا يصرفنا عما هو منسجم مع الآية ، وخاصة أنّهم اضطروا إلى أن يقدروا اللام في جملة «أن كذبوا» والتقدير خلاف الظاهر «فلاحظوا بدقة».

٤٨١

الآيات

( اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١١) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (١٢) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ (١٣) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (١٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (١٥) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (١٦) )

التّفسير

مصير المجرمين ومآلهم يوم القيامة!

كان الكلام في الآيات المتقدمة عن الذين يكذّبون ويستهزءون بآيات الله ، وفي الآيات ـ محل البحث ـ تستكمل البحوث السابقة عن المعاد ، مع بيان جوانب منه ، ومآل المجرمين في القيامة!

فتبدأ الآيات بالقول :( اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) ويبيّن في هذه الآية استدلال قصير موجز ، وذو معنى كبير ، على مسألة المعاد. وقد ورد هذا المعنى بعبارة أخرى في بعض آيات القرآن الأخرى ومنها( قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً

٤٨٢

فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ) (١)

وجملة( ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) إشارة إلى أنّه بعد النشور والقيامة يعود الجميع إلى محكمة الله ، والأسمى من ذلك أن المؤمنين يمضون في تكاملهم نحو ذات الله المقدسة إلى ما لا نهاية

والآية الأخرى تجسد حالة المجرمين يوم القيامة( يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ ) .

«يبلس» مأخوذ من مادة «إبلاس» وتعني في الأصل الغم والحزن المترتبان على أثر شدة اليأس والقنوط.

وبديهي أنّه إذا يئس الإنسان من شيء غير ضروري ، فهذا اليأس غير مهم ، لكن الحزن والغم يكشف في هذه الموارد عن أمور ضرورية مأيوس منها ، لذلك يرى بعض المفسّرين أنّ «الضرورة» جزء من «الإبلاس» وإنّما سمّي «إبليس» بهذا الاسم ، فلأنّه أبلس من رحمة الله واستولى عليه الهم.

وعلى كل حال فيحق للمجرمين أى ييأسوا ويبلسوا في ذلك اليوم ، إذ ليس لديهم إيمان وعمل صالح فيشفع لهم في عرصات المحشر ، ولا صديق حميم ، ولا مجال للرجوع إلى الدنيا وتدارك ما مضى!.

لذلك يضيف القرآن في الآية التالية قائلا :( وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ ) .

فتلك الأصنام والمعبودات المصنوعة التي كانوا يتذرعون بها عند ما يسألون : من تعبدون؟ فيقولون :( هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ ) (٢) ، سيتّضح لهم جيدا حينئذ أنّه لا قيمة لها ولا تنفعهم أبدا فلذلك يكفرون بهذا المعبودات من دون الله

__________________

(١) سورة يس ، ٧٩ ـ ٨١.

(٢) سورة يونس ، الآية ١٨.

٤٨٣

ويبرأون منها( وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ ) .

ولم لا يكفرون بهذه الأصنام؟ وهم يرونها ساكنة عن الدفاع عنهم بل كما يعبّر القرآن تقوم بتكذيبهم وتقول : يا رب( ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ ) (١) بل كانوا يعبدون هوى أنفسهم؟!

وأكثر من هذا ، فقد عبر القرآن عن هذا المعبودات في الآية (٦) من سورة الأحقاف أنّها ستكون معادية لهم وكافرة بهم( وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ ) .

ثمّ يشير القرآن إلى الجماعات المختلفة من الناس في يوم القيامة ، فيقول :( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ ) .

كلمة «يحبرون» مأخوذة من مادة «حبر» على زنة «قشر» ومعناها الأثر الرائق الرائع ، كما يطلق هذا التعبير على حالة السرور والفرح التي يظهر أثرها على الوجه أيضا ، وحيث أن قلوب أهل الجنّة في غاية السرور والفرح بحيث أن آثارها تظهر في وجودهم قاطبة ، فقد استعمل هذا التعبير لهذه الحالة أيضا.

و «الروضة» معناها المكان الذي تكثر فيه الأشجار والماء ، ولذلك تطلق هذه الكلمة على البساتين النضرة بأشجارها واخضرارها وقد جاءت هذه الكلمة هنا بصيغة التنكير لغرض التعظيم والمبالغة ، أي إنّهم في أفضل الجنان وأعلاها التي تبعث السرور ، فهم منعمون ، بل غارقون في نعيم الجنّة.

( وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ ) .

الطريف هنا أنّه في شأن أهل الجنّة استعملت كلمة «يحبرون» وتدلّ على منتهى الرضا من جميع الجوانب لدى أهل الجنّة ولكن استعملت كلمة «محضرون» في أهل النّار ، وهي دليل على منتهى الكراهة وعدم الرضا لما

__________________

(١) سورة القصص ، الآية ٦٣.

٤٨٤

يتلقونه ويستقبلونه ، لأنّ الإحضار يطلق في موارد تكون على خلاف الرغبات الباطنيّة للإنسان.

اللطيفة الأخرى أن أهل الجنّة ذكروا بقيد الإيمان والعمل الصالح ، ولكن أهل النّار اكتفي من ذكرهم بعدم الإيمان «إنكار المبدأ والمعاد». وهي إشارة أن ورود الجنّة ـ لا بد له من الإيمان والعمل الصالح ـ فلا يكفي الإيمان وحده ، ولكن يكفي لدخول النّار عدم الإيمان ـ وإن لم يصدر من ذلك «الكافر» ذنب ـ لأنّ الكفر نفسه أعظم ذنب!.

* * *

ملاحظة

لم كان أحد أسماء القيامة «الساعة»؟!

ينبغي الالتفات إلى هذه المسألة الدقيقة وهي أنّه في كثير من آيات القرآن ، ومن ضمنها الآيتان من الآيات محل البحث ، عبر عن قيام «القيامة» بقيام «الساعة» وذلك لأنّ «الساعة» في الأصل جزء من الزمان ، أو لحظات عابرة ، وحيث أنّه من جهة تكون القيامة بصورة مفاجئة وكالبرق الخاطف ، ومن جهة أخرى بمقتضى أن الله سريع الحساب فإنه ينهي حساب عباده بسرعة ، فقد استعمل هذا التعبير في شأن يوم القيامة ليفكر الناس بيوم القيامة ويكونوا على «أهبة الاستعداد».

يقول «ابن منظور» في «لسان العرب» اسم للوقت الذي تصعق فيه العباد والوقت الذي يبعثون فيه وتقوم فيه القيامة ، سمّيت ساعة لأنّها تفاجئ الناس في ساعة فيموت الخلق كلّهم عند الصيحة الاولى التي ذكرها اللهعزوجل فقال :( إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ ) (١) وأشار إلى الثّانية بقوله :( إِنْ

__________________

(١) سورة يس ، الآية ٢٩ ـ وما بعدها

٤٨٥

كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ ) (١) .

وينقل «الزبيدي» في «تاج العروس» عن بعضهم أن الساعة ثلاث «ساعات»:

فساعة كبرى : وهي يوم القيامة ، وإحياء الموتى للحساب.

وساعة وسطى : وهي يوم الموت الفجائي لأهل زمان واحد «بالعذاب والعقوبة الإلهية للاستيصال».

وساعة صغرى : وهي يوم الموت الطبيعي لكل إنسان.

* * *

__________________

(١) المصدر السابق.

٤٨٦

الآيات

( فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (١٧) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (١٨) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١٩) )

التّفسير

التسبيح والحمد في جميع الأحوال لله!

بعد الأبحاث الكثيرة التي وردت في الآيات السابقة في شأن المبدأ والمعاد ، وقسم من ثواب المؤمنين ، وجزاء المشركين وعقابهم ففي الآيات محل البحث يذكر التسبيح والحمد والتقديس والتنزيه لله من جميع أنواع الشرك والنقص والعيب ، إذ تقول الآية :( فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ ) .

وعلى هذا فقد ورد في هاتين الآيتين ذكر لأربع أوقات لتسبيح الله :

١ ـ بداية الليل( حِينَ تُمْسُونَ ) .

٢ ـ وطلوع الفجر( حِينَ تُصْبِحُونَ ) .

٣ ـ وعصرا( عَشِيًّا ) .

٤٨٧

٤ ـ وعند الزوال ـ في الظهر ـ( حِينَ تُظْهِرُونَ ) (١) .

أمّا «الحمد» من حيث المكان فهو عام وشامل لجميع السماوات والأرض.

وذكر هذه الأوقات الأربعة في الآيات المتقدمة لعله كناية عن الدوام والاستمرار في التسبيح ، «أي كل وقت وكل زمان».

كما احتمل بعض المفسّرين أنّ المراد من هذه الأوقات الأربعة الإشارة إلى أوقات الصلاة ، إلّا أنّهم لم يجيبوا على هذا السؤال ، وهو : لم ذكر في القرآن أربعة أوقات بدلا من خمسة أوقات؟ «ولم يرد الكلام على صلاة العشاء»!

ولكن يمكن الجواب على هذا السؤال بأن وقت صلاة المغرب مقارب لوقت صلاة العشاء نسبيا ، والفاصلة بينهما حدود الساعة إلى الساعة والنصف ، فجاءت الصلاتان في مكان واحد ، غير أنّ الفاصلة بين الظهر والعصر أطول نسبيا ، حيث تطول أكثر من ساعتين.

لكننا لو أخذنا التسبيح والحمد بمفهومهما الوسيع في الآية ، لوجدنا أنّهما لا يتحدّدان بالصلوات الخمس ، وإن كانت هذه الصلوات من مصاديقهما الواضحة.

وينبغي أن نذكر هذه المسألة «اللطيفة» وهي : إن كلا من جملتي( فَسُبْحانَ اللهِ ) و( لَهُ الْحَمْدُ ) يمكن أن تكونا إنشاء لتسبيح الله وحمده من قبل الله سبحانه ، كما قال في الآية (١٤) من سورة المؤمنون( فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ) .

ويمكن أن يكون هذا الحمد والتسبيح بمعنى الأمر ، أي «سبّحوه واحمدوا له».

وهذا التّفسير يبدو أقرب للنظر ، إذ الآيات المتقدمة هي بمثابة دستور لجميع العباد لمحو آثار الشرك والذنب من الروح والقلب كل صباح ومساء وكل ظهر وعصر ، فسبحوا الله واحمدوا له في الصلاة وفي غير الصلاة.

ونقرأ حديثا عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول فيه : «من قال حين يمسي ثلاث مرات

__________________

(١) يرجى ملاحظة أن «عشيا» و «حين تظهرون» قد عطفتا على «حين تمسون» ويرجع الجميع للتسبيح

٤٨٨

فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون (الآيات الثلاث إلى تخرجون) أدرك ما فاته في يومه ، وإن قالها حين يمسي أدرك ما فاته ليلته»(١) .

وفي الآية التالية عودة إلى المعاد ، ويرد القرآن المنكرين له عن طريق آخر ، فيقول :( يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ ) .

أي إنّ ميدان «المعاد» وميدان «نهاية الدنيا» المتمثّل أحدهما بخروج «الحي من الميت» والآخر «خروج الميت من الحي» يتكرران أمام أعينكم ، فلا مجال للتعجب من أن تحيا الكائنات جميعا ، ويعود الناس في يوم القيامة إلى الحياة مرّة أخرى!

أمّا التعبير بـ «يخرج الحي من الميت» المستعمل للأراضي الموات ، فقد ذكره القرآن مرارا في مسألة المعاد وواضح أنّ الأرض تبدوا ميتة في فصل الشتاء ، فلا خضرة ولا أزهار تضحك ولا براعم تتفتح ، ولكن في فصل الربيع مع سقوط الغيث واعتدال الهواء ، تدبّ الحركة في الأرض ، وتنمو الخضرة في كل مكان ، وتتبسّم الأزهار وتنمو البراعم على الأغصان وهذا ميدان المعاد الذي نراه في هذه الدنيا.

وأمّا مسألة «إخراج الميت من الحيّ» فهي ليست شيئا خافيا ولا مستترا ، فدائما تموت الأشجار على الأرض وتتبدل إلى أخشاب ، ويفقد الإنسان والحيوان حياتهما ، ويتبدل كل منهما إلى جسد هامد لا روح فيه.

وأمّا ما يتعلق بـ «إخراج الحيّ من الميت» ففسّره بعضهم بخروج الإنسان والحيوان من النطفة ، وقال بعضهم : بل المراد منه تولد المؤمن من الكافر ، وقال بعضهم : المراد منه تيقظ النائمين والراقدين.

والظاهر أنّه ليس أيّا من هذه المعاني هو المعنى الأصلي ، لأنّ النطفة بنفسها

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٤ ، ص ١٧٢.

٤٨٩

موجود حي ، ومسألة «الكفر والإيمان» هي من بطون الآية ، لا من ظواهر الآية ، وأمّا موضوع التيقظ والنوم فهو أمر مجازي ، إذ ليس النوم والتيقظ موتا وحياة حقيقيين.

إنّما ظاهر الآية هو أنّ الله يخرج الموجودات الحية دائما من الموجودات الميتة ، ويبدل الموجودات الهامدة التي لا روح فيها إلى موجودات حيّة.

وبالرغم من أنّه من المسلّم به ـ في العصر الحاضر على الأقل ـ أنّه لم ير في المختبرات والمشاهدات اليوميّة أن موجودا حيّا يتولد من موجود ميّت ، بل تتولد الموجودات الحية دائما من البيوض أو البذور أو نطف الموجودات الحية الأخرى ، غير أن الثابت علميا والمسلّم به أنّه كانت الأرض في البداية قطعة ملتهبة من النّار ، ولم يوجد عليها أي موجود حي ، ثمّ وفقا لظروف خاصة لم يكتشفها العلم ـ حتى الآن ـ بصورة دقيقة ، تولدت الموجودات الحية من مواد لا روح فيها بقفزة كبيرة لكن هذا الموضوع وفي الظروف الفعلية للكرة الأرضية.

وحيث أنّ العلم البشري لم يتوصل إليه ، فلم يشاهد هذا الموضوع (وبالطبع يحتمل أن تتحقق هذه القفزة الكبرى في أعماق البحار والمحيطات في بعض الظروف الحالية).

لكن الذي نلمسه وندركه ، هو أنّ الموجودات الميتة دائما تكون جزءا من الموجودات الحية وتكسى ثوب الحياة! فالماء والطعام اللذان نتناولهما ليسا من الموجودات الحية ، لكنّهما حين يكونان في البدن ويصيران جزءا منه يتحولان إلى موجود حيّ وتضاف كريات جديدة وخلايا جديدة إلى كريات البدن وخلاياه ، كما يتبدل الطفل الرضيع عن هذا الطريق إلى شاب قوي متين.

أليس هذا إخراج الحياة من قلب الموت ، أو «الحي من الميت»؟!

فعلى هذا يمكن القول بأن في نظام الطبيعة دائما يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ، وبهذا الدليل فإنّ الله الذي خلق الطبيعة قادر على إحياء

٤٩٠

الموتى في العالم الآخر.

وبالطبع فإنّ الآية الآنفة من جهة البعد المعنوي لها تفاسير أخر منها تولد المؤمن من الكافر ، وتولد الكافر من المؤمن ، والعالم من الجاهل ، والجاهل من العالم ، والصالح من المفسد ، والمفسد من الصالح ، كما أشير إلى كل ذلك في الروايات الإسلامية أيضا.

ويمكن أن تكون هذه المعاني من بطون الآية ، لأنّنا نعرف أنّ آيات القرآن لها ظاهر وباطن ، كما يمكن أن يكون للموت والحياة معنى جامع واسع يشمل الجانب المادي والجانب المعنوي.

هذا وقد جاء في رواية عن الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام في تفسير الآية( يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها ) ما يلي : «ليس يحييها بالقطر ، ولكن يبعث الله رجالا فيحيون العدل ، فتحيي الأرض لإحياء العدل ولإقامة العدل فيه أنفع في الأرض من القطر أربعين صباحا»(١) .

وواضح أنّ مراد الإمامعليه‌السلام أن معنى الآية لا ينحصر بنزول الغيث ، ولا ينبغي تفسير الآية بالغيث فحسب ، لأنّ الإحياء المعنوي للأرض بالعدل أهم من إحيائها بالغيث عند نزوله.

* * *

__________________

(١) نقلا عن كتاب الكافي وطبقا لتفسير نور الثقلين ، ج ٤ ، ص ١٧٣.

٤٩١

الآيات

( وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (٢٠) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢١) وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ (٢٢) )

التّفسير

آيات الله في الآفاق وفي الأنفس :

تحدثت هذه الآيات ـ وبعض الآيات الأخر التي تليها ـ عن طرائف ولطائف من دلائل التوحيد ، وآيات الله وآثاره في نظام عالم الوجود ، وهي تكمل البحوث السابقة ، ويمكن القول بأن القسم المهم بشكل عام من آيات التوحيد في القرآن تمثله هذه الآيات!

هذه الآيات التي تبدأ جميعها بقوله تعالى :( وَمِنْ آياتِهِ ) ولها وقع خاص ولحن بليغ جاذب وتعبيرات مؤثرة وعميقة ، مجموعة من سبع آيات ، ست منها متتابعات ، وواحدة منفصلة «وهي الآية السادسة والأربعون».

٤٩٢

هذه الآيات مقسمة تقسيما طريفا من حيث «آيات الآفاق» و «آيات الأنفس» إذ تتحدث ثلاث منها عن آيات الأنفس (دلائل الخالق في وجود الإنسان نفسه) وثلاث منها عن آيات الآفاق (دلائل الخالق خارج وجود الإنسان) وواحدة من هذه الآيات تتحدث عن الآيات في الأنفس وفي الآفاق معا.

وممّا ينبغي الالتفات إليه أنّ الآيات التي تبدأ بهذه العبارة :( وَمِنْ آياتِهِ ) مجموعها إحدى عشرة آية فحسب ، في سائر سور القرآن ، سبع منها في هذه السورة ، واثنتان في سورة فصلت هما «الآية ٣٧ والآية ٣٩» وآيتان أخريان في سورة الشورى هما الآية ٢٩ والآية ٣٢ ـ ومجموعها كما ذكرنا آنفا إحدى عشرة لا غير. وهي تشكل دورة متكاملة في التوحيد.

ويجدر التنبيه ـ قبل الدخول إلى تفسير هذه الآيات ـ على هذه «اللطيفة» وهي أن ما أشار إليه القرآن في هذه الآيات ، وإن كانت تبدو للنظر محسوسة وملموسة ، يمكن أن يدركها عامّة الناس ، إلّا أنّه مع تطور العلم وتقدمه تبدو للبشر لطائف جديدة في هذا المجال ، وتتّضح للعلماء أمور ذات أهمية كبرى ، وسنشير إلى قسم منها خلال تفسيرنا لهذه الآيات إن شاء الله.

ويتحدث القرآن هنا أوّلا عن خلقة الإنسان التي تعد أوّل موهبة إلهية له ، وأهمهما أيضا ، فيقول :( وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ ) !

في هذه الآية إشارة دليلين من أدلة عظمة الله.

الأوّل : خلق الإنسان من التراب ، وربّما كان إشارة إلى الخلق الأوّل للإنسان ، أي آدمعليه‌السلام ، أو خلق جميع الناس من التراب ، لأنّ المواد الغذائية التي تشكل وجود الإنسان ، جميعها من التراب بشكل مباشرة أو غير مباشر!

الثّاني : كثرة النسل «الآدمي» وانتشار أبناء «آدم» على سطح المعمورة ، فلو

٤٩٣

لم تخلق خصوصية التناسل في آدم ، لانطوى نسله من الوجود بسرعة!.

ترى أين التراب وأين الإنسان بهذا الهندام والرشاقة؟!

فلو وضعنا خلايا وأستار العين التي هي أدق من ورق الزهور وألطف وأكثر حساسية ، وكذلك الخلايا الدقيقة للدماغ والمخ إلى جانب التراب وقارناهما بالقياس إلى بعضهما البعض ، نعرف حينئذ كم لخالق العالم من قدرة عجيبة ، بحيث أوجد من مادة كدرة سوداء لا قيمة لها هذه الأجهزة الظريفة والدقيقة القيّمة.

فالتراب ليس فيه نور ، ولا حرارة ، ولا جمال ، ولا طراوة ، ولا حس ، ولا حركة ومع ذلك فقد أضحى عجينة الإنسان ولها جميع هذه الصفات ، فالذي أوجد من هذا الموجود الميت التافه موجودا حيّا عجيبا ، لحقيق بكل حمد وثناء على هذه القدرة الباهرة والعلم المطلق( فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ) .

والآية محل البحث تبيّن ضمنا هذه الحقيقة ، وهي أنّه لا تفاوت بين بني الإنسان ، ويعود جذرهم إلى شيء واحد ، وأصل واحدة وهو التراب وبالطبع فنهايتهم إلى ذلك التراب أيضا.

وممّا ينبغي الالتفات إليه ، أن كلمة «إذا» تستعمل في لغة العرب في الموارد الفجائية ولعل هذا التعبير هنا إشارة إلى أنّ الله له القدرة البالغة على أن يخلق مثل آدم أعدادا هائلة بحيث ينتشر نسلها في فترة قصيرة ـ فجأة ـ ويملأ سطح الأرض ويكون مجتمعا إنسانيّا كاملا.

والآية الثّانية من الآيات محل البحث تتحدث أيضا عن قسم آخر من الآيات في الأنفس ، التي تمثل مرحلة ما بعد خلق الإنسان ، فتقول :( وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها ) . أي من جنسكم والغاية هي السكينة الروحية والهدوء النفسي

وحيث أن استمرار العلاقة بين الزوجين خاصة ، وبين جميع الناس عامة ،

٤٩٤

يحتاج إلى جذب قلبي وروحاني ، فإنّ الآية تعقب على ذلك مضيفة( وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ) .

ولمزيد التأكيد تختتم الآية بالقول :( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) .

الطريف هنا أن القرآن ـ في هذه الآية ـ جعل الهدف من الزواج الاطمئنان والسكن ، وأبان مسائل كثيرة في تعبير غزير المعنى «لتسكنوا» كما ورد نظير هذا التعبير في سورة الأعراف الآية ١٨٩.

والحقّ أن وجود الأزواج مع هذه الخصائص للناس التي تعتبر أساس الاطمئنان في الحياة ، هو أحد مواهب الله العظيمة.

وهذا السكن أو الاطمئنان ينشأ من أن هذين الجنسين يكمل بعضهما بعضا ، وكل منهما أساس النشاط والنماء لصاحبه ، بحيث يعد كل منهما ناقصا بغير صاحبه ، فمن الطبيعي أن تكون بين الزوجين مثل هذه الجاذبيّة القوية.

ومن هنا يمكن الاستنتاج بأنّ الذين يهملون هذه السنة الإلهية وجودهم ناقص ، لأنّ مرحلة تكاملية منهم متوقفة ، (إلّا أن توجب الظروف الخاصة والضرورة في بقائهم عزّابا).

وعلى كل حال ، فإنّ هذا الاطمئنان أو السكن يكون من عدّة جهات «جسميا وروحيّا وفرديا واجتماعيّا».

ولا يمكن إنكار الأمراض التي تصيب الجسم في حالة عدم الزواج ، وكذلك عدم التعادل الروحي والاضطراب النفسي عند غير المتزوجين.

ثمّ أنّ الأفراد العزّاب لا يحسّون بالمسؤولية ـ من الناحية الاجتماعية ـ كثيرا ولذلك فإن الانتحار تزداد بين أمثال هؤلاء أكثر كما تصدر منهم جرائم مهولة أكثر من سواهم أيضا.

وحين يخطو الإنسان من مرحلة العزوبة الى مرحلة الحياة الأسرية يجد في نفسه شخصية جديدة ، ويحس بالمسؤولية أكثر ، ، وهذا السكن والاطمئنان في

٤٩٥

ظل الزواج.

وأمّا مسألة «المودة والرحمة» فهما في الحقيقة «ملاط» البناء في المجتمع الإنساني ، لأنّ المجتمع يتكون من افراد متفرقين كما أن البناء العظيم يتألف من عدد من الطابوق و «الآجر» أو الأحجار. فلو أن هؤلاء الأفراد المتفرقين اجتمعوا ، أو أن تلك الأجزاء المتناثرة وصلت بعضها ببعض ، لنشأ من ذلك المجتمع أو البناء حينئذ.

فالذي خلق الإنسان للحياة الاجتماعية جعل في قلبه وروحه هذه الرابطة الضرورية.

والفرق بين «المودة» و «الرحمة» قد يعود إلى الجهات التالية :

١ ـ المودة هي الباعثة على الارتباط في بداية الأمر بين الزوجين ، ولكن في النهاية ، وحين يضعف أحد الزوجين فلا يكون قادرا على الخدمة ، تأخذ الرحمة مكان المودة وتحلّ محلها.

٢ ـ المودة تكون بين الكبار الذين يمكن تقديم الخدمة لهم ، أمّا الأطفال والصبيان الصغار ، فإنهم يتربون في ظلّ الرحمة.

٣ ـ المودّة ، غالبا ما يكون فيها «تقابل بين الطرفين» ، فهي بمثابة الفعل ورد الفعل ، غير أنّ الرحمة من جانب واحد لديه إيثار وعطف ، لأنّه قد لا يحتاج إلى الخدمات المتقابلة أحيانا ، فأساس بقاء المجتمع هو «المودة» ولكن قد يحتاج إلى الخدمات بلا عوض ، فهو الإيثار والرحمة.

وبالطبع فإنّ الآية تبيّن المودة والرحمة بين الزوجين ، ولكن يحتمل أن يكون التعبير «بينكم» إشارة إلى جميع الناس والزوجان مصداق بارز من مصاديق هذا التعبير ، لأنّه ليست الحياة العائلية وحدها لا تستقيم إلّا بهذين الأصلين (المودّة والرحمة) بل جميع المجتمع الإنساني قائم على هذين الأصلين وزوالهما من المجتمع ـ وحتى نقصانهما يؤدي الى أنواع الارباك والشقاء

٤٩٦

والاضطراب الاجتماعي.

أمّا آخر آية ـ من هذه الآيات محل البحث ـ فهي مزيج من آيات الآفاق وآيات الأنفس ، فتبدأ بالإشارة إلى خلق السماء والأرض ، فتقول :( وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) .

السماوات بجميع ما فيها من كرات ، وبجميع ما فيها من منظومات ومجرّات ، السماوات التي مهما حلّق فيها الفكر عجز عن إدراك عظمتها ومطالعتها وكلّما تقدم علم الإنسان تتجلى له نقاط جديدة من عظمتها.

كان الإنسان يرى الكواكب في السماء بهذا العدد الذي تراه العين (وقد أحصى العلماء الكواكب التي ترى بالعين المجرّدة ، فوجدوها تتراوح بين خمسة آلاف إلى ستة آلاف كوكب).

ولكن كلما تقدم العلم في صناعة المجهر والتلسكوب ، فإنّ عظمة وكثرة الكواكب تزداد أكثر إلى درجة بلغ الإعتقاد اليوم أن مجرتنا لوحدها من بين مجاميع المجرات في السماء تحتوي على أكثر من مائة مليون كوكب وتعد الشمس على عظمتها المذهلة واحدة من النجوم المتوسطة ، ولا يعلم عدد المجرات ولا يحصيها إلّا الله ، إذ هو وحده يعلم كم من كوكب ونجمة في هذا المجرات!

وكذلك كلما تقدم العلم الطبيعي والجيولوجيا ، وعلم النبات والعلوم البيلوجية «والحيوانية» وعلم التشريح والفيزياء ، والعلوم النفسية وغيرها ، فستتضح عجائب في خلق الأرض كانت خافية ، كل واحدة تعدّ آية من آيات الله.

ثمّ ينتقل القرآن إلى آية من آيات الأنفس الكبيرة فيقول :( وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ ) .

وبلا شك فإنّ الحياة الاجتماعية للبشر ، لا تقوم بغير معرفة وتشخيص الأفراد والأشخاص ، إذ لو كان الناس جميعا في يوم ما على صورة واحدة ولباس

٤٩٧

واحد ، فإن أسلوب حياتهم يضطرب في ذلك اليوم ، إذ لا يعرف الأب والابن والزوج من الغرباء ، ولا يميز المجرم من البريء ، ولا الدائن من المدين ، ولا الآمر من المأمور ، ولا الرئيس من المرؤوس ، ولا الضيف من المضيف ولا العدوّ من الصديق ، وأي ارباك عجيب كان سيحدث لو كانوا على هذه الشاكلة!.

وعلى سبيل الاتفاق قد تحدث هذه المسألة بين الإخوة التوائم ، أو الشقيقين التوأمين المتشابهين من جميع الوجوه ، وكم تحدث من المشاكل بين الناس وبينهم ، وقد سمعنا ذات مرّة أن امرأة كان لديها توأمان متشابهان تماما ، وكان أحدهما مريضا ، فأعطت الدواء لمعافى دون السقيم!!.

لذلك خلق الله الأصوات والألون لتنظيم المجتمع البشري ، على حد تعبير «الرازي» في تفسيره في ذيل الآية محل البحث : إن معرفة الإنسان للإنسان تحصل إمّا عن طريق العين أو الأذن ، فخلق الله الألوان والصور والأشكال المختلفة لتعرفها العين وتشخصها ، وأوجد اختلاف الأصوات لتشخصها الأذن ، حتى أنّه لا يمكن العثور في جميع العالم على إنسانين متشابهين في الوجه والصوت معا ، أي إن وجه الإنسان الذي هو عضو صغير ، وصوته الذي هو موضوع بسيط ، بقدرة الله جاءا على مليارات الأشكال والأصوات المختلفة ، وما ذلك الاختلاف إلّا من آيات عظمة الله.

كما يحتمل أن المراد باختلاف الألسنة كما أشار إليه كبار المفسّرين هو اختلاف اللغات ، من قبيل العربية والفارسية واللغات الأخرى.

ولكن يمكن أن يستفاد من كلمة «اختلاف» معنى واسع بحيث يشمل هذا التّفسير وما قبله ، وأي تفسير آخر ، فهذا التنوع في الخلقة شاهد على عظمة الخالق وقدرته.

يقول «فريد وجدي» في دائرة معارفه ، نقلا عن قول «نيوتن» العالم الغربي المعروف (لا تشكوا في الخالق ، فإنه ممّا لا يعقل أن تكون الضرورة وحدها هي

٤٩٨

قائدة الوجود ، لأنّ ضرورة عمياء متجانسة في كل مكان وفي كل زمان لا يتصور أن يصدر منها هذا التنوع في الكائنات ، ولا هذا الوجود كله بما فيه من ترتيب أجزائه وتناسبها ، مع تغيرات الأزمنة والأمكنة ، بل إن كل هذا لا يعقل أن يصدر إلّا من كائن أزلي له حكمة وإرادة)(١) .

ويقول القرآن في نهاية الآية الآنفة الذكر( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ ) .

فالعلماء يعرفون هذه الأسرار قبل كل أحد.

* * *

__________________

(١) دائرة المعارف ، محمّد فريد وجدي ، ج ١ ص ٤٩٦ (مادة اله).

٤٩٩

الآيات

( وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٢٣) وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٤) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (٢٥) )

التّفسير

آيات عظمته ـ مرّة أخرى :

تعقيبا على الأبحاث السابقة حول آيات الله في الآفاق وفي الأنفس ، تتحدث هذه الآيات ـ محل البحث ـ حول قسم آخر من هذه الآيات العظيمة.

فتتحدث في البداية عن ظاهرة «النوم» على أنّها ظاهرة مهمة من ظواهر الخلق ومثل بارز من نظام الحكيم الخالق ، فتقول :( وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ ) .

وتختتم الآية بإثارة العبرة بالقول :( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ) .

وهذه الحقيقة غير خافية على أحد ، هي أن جميع «الموجودات الحية»

٥٠٠

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592