الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٢

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 592

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 180901 / تحميل: 6360
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

فتحيضت به ثم مرّة ثانية ، فإن أيام التمييز تصير عادتها إذا اتفقت.

المطلب الثاني : في أحكامه.

و هي عشرة :

الأول : يحرم عليها ما يفتقر إلى الطهارة كالصلاة فرضاً ونفلاً ، والطواف كذلك ، ومس كتابة القرآن ، ويكره لها حمل المصحف ، ولمس هامشه ، وقد تقدم(1) البحث فيه.

و لو تطهرت لم يرتفع حدثها ، نعم يُستحب لها الوضوء عند كلّ صلاة ، والجلوس في مصلاها ذاكرة لله تعالى ، بقدر زمان صلاتها ، لقول الصادقعليه‌السلام : « ينبغي للحائض أن تتوضأ عند وقت كلّ صلاة ، ثم تستقبل القبلة فتذكر الله سبحانه بقدر ما كانت تصلّي »(2) ولا يرفع هذا الوضوء حدثا ، ولا يبيح ما شرطه الطهارة.

و هل يشترط في الفضيلة عدم الناقض غير الحيض إلى الفراغ؟ إشكال.

الثاني : يحرم عليها قراء‌ة العزائم وأبعاضها حتى البسملة إذا نوت أنها منها دون غيرها ، بل يُكره لها ما عداها ، لأنّها عبادة ذات سجود ، فاشترطت لها الطهارة من الحدث الاكبر كالصلاة ، وقول الباقرعليه‌السلام وقد سئل الحائض والجنب يقرآن شيء ئا؟ قال : « نعم ما شاء‌ا إلّا السجدة »(3) .

وقال الشافعي : تحرم قراء‌ة القرآن مطلقاًً(4) ، وله قول آخر : أنّه مكروه(5) وكره عليعليه‌السلام لها قراء‌ة القرآن ، وبه قال الحسن البصري ،

____________

1 ـ تقدم في مسألة 71.

2 ـ الكافي 3 : 101 / 3 ، التهذيب 1 : 159 / 455.

3 ـ التهذيب 1 : 129 / 352 ، الاستبصار 1 : 115 / 384.

4 ـ المجموع 2 : 158 و 357 ، فتح العزيز 2 : 143 ، الوجيز 1 : 28 ، مغني المحتاج 1 : 72 ، المغني 1 : 166 ، الشرح الكبير 1 : 241.

5 ـ المغني 1 : 165 ، المجموع 2 : 356 وفيه القول بالجواز.

٢٦١

والنخعي ، والزهري ، وقتادة(1) ، ولم يفرقوا بين العزائم وغيرها ، وسوغ لها القراء‌ة مطلقاًً سعيد بن المسيب ، وداود ، وابن المنذر ، ومالك(2) ، وقد تقدم(3) .

فروع :

أ ـ لا يكره لها شيء من الأذكار ، لقول الباقرعليه‌السلام : « ويذكران الله على كلّ حال »(4) .

ب ـ يكره لها قراء‌ة المنسوخ حكمه خاصة دون المنسوخ تلاوته ، وكذايحرم المس.

ج‍ ـ لو نذرت قراء‌ة العزائم في وقت ، فاتفق حيضها فيه لم يجز لها قراء‌تها ، وفي وجوب القضاء إشكال ، ينشأ من أنها عبادة موقتة ، فلا تجب في غيره كقضاء الصلاة ، ومن استلزام نذر المعين المطلق.

الثالث : الصوم ، فلا يصح منها فرضا ولا نفلا ، فهو مانع من صحته دون وجوبه ، والتحقيق المنع منه ، والقضاء تابع لثبوت سببه دونه.

وفي الصلاة تمنع منهما بلا خلاف بين العلماء ، لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( أليست إحداكن إذا حاضت لا تصوم ولا تصلّي )(5) .

____________

1 ـ المغني 1 : 165 ، الشرح الكبير 1 : 240.

2 ـ المجموع 2 : 158 و 357 ، المغني 1 : 165 ، الشرح الكبير 1 : 240 ، فتح العزيز 2 : 143 ، بداية المجتهد 1 : 49 ، الشرح الصغير 1 : 67 و 81.

3 ـ تقدم في المسألة : 68.

4 ـ التهذيب 1 : 129 / 352 ، الاستبصار 1 : 115 / 384 ، علل الشرائع : 288 باب 210.

5 ـ صحيح البخاري 1 : 83 ، سنن البيهقي 1 : 308.

٢٦٢

و من طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن امرأة طمثت في شهر رمضان قبل أن تغيب الشمس : « تفطر »(1) .

الرابع : الاستيطان في المساجد ، ذهب إليه علماؤنا ، ولا أعرف فيه مخالفاً ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( لا اُحل المسجد لحائض ولا جنب )(2) .

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام : « إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام أو مسجد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأصابته جنابة ، فليتيمم ، ولا يمرّ في المسجد إلّا متيمما ، حتى يخرج منه ويغتسل ، وكذلك الحائض تفعل كذلك ، ولا بأس أن يمرا في سائر المساجد ، ولا يجلسان فيها »(3) .

فروع :

أ ـ يكره الاجتياز في المساجد مع أمن التلويث ، وهو أحد وجهي الشافعي والآخر : التحريم(4) ، الا المسجدين فإنه يحرم كما قلنا في الجنابة.

ب ـ لا بأس لها أن تأخذ شيئاً من المساجد ، ويحرم عليها الوضع ، لأنّ حدثها أعظم من الجنابة ، وسأل زرارة الباقرعليه‌السلام كيف صارت الحائض تأخذ ما في المسجد ولا تضع فيه؟ فقال : « إنّ الحائض تستطيع أن تضع ما في يدها في غيره ، ولا تستطيع أن تأخذ ما فيه إلّا منه »(5) .

____________

1 ـ التهذيب 1 : 393 / 1215 ، الاستبصار 1 : 145 / 498.

2 ـ سنن ابي داود 1 : 60 / 232 ، سنن ابن ماجة 1 : 212 / 645.

3 ـ الكافي 3 : 73 / 14.

4 ـ المجموع 2 : 160 ، فتح العزيز 2 : 418 ، كفاية الأخيار 1 : 48 ، الوجيز 1 : 25 ، المغني 1 : 166.

5 ـ الكافي 3 : 106 / 1 ، التهذيب 1 : 397 / 1233.

٢٦٣

ج ـ لو حاضت في أحد المسجدين ففي افتقارها إلى التيمم في خروجها منه إشكال ، وأوجبه ابن الجنيد(1) ، وبه رواية مرسلة سلفت(2) .

الخامس : الجماع ، وقد أجمع علماء الإسلام على تحريمه في قبل الحائض ، لقوله تعالى :( فاعتزلوا النساء في المحيض ) (3) وعلى إباحة الاستمتاع بما فوق السرة وتحت الركبة ، واختلفوا في مواضع :

أ ـ الاستمتاع بما بين السرة والركبة غير القُبل ، فالمشهور عندنا الإباحة وتركه أفضل ، وبه قال الثوري ، والأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وداود ، ومحمد بن الحسن ، وأبو إسحاق المروزي ، وابن المنذر ، وروي أيضاً عن النخعي ، والشعبي(4) ، عملاً بالأصل ، ولقولهعليه‌السلام : ( إصنعوا كلّ شيء غير النكاح )(5) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عما لصاحب المرأة الحائض منها : « كلّ شيء عدا القبل بعينه »(6) .

وقال السيد المرتضى بالتحريم(7) ، وبه قال الشافعي ، ومالك ، وأبو حنيفة ، وأبو يوسف(8) ، لقول عائشة : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يباشر

____________

1 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 59.

2 ـ سلفت آنفا في الحكم الرابع من أحكام الحيض.

3 ـ البقرة : 222.

4 ـ المجموع 2 : 366 ، المغني 1 : 384 ، الشرح الكبير 1 : 350 ، عمدة القارئ 3 : 267 ، شرح النووي ـ لصحيح مسلم 2 : 335 ، تفسير القرطبي 3 : 87 ، شرح فتح القدير 1 : 147.

5 ـ سنن ابن ماجة 1 : 211 / 644 ، سنن ابي داود 1 : 67 / 258 ، سنن النسائي 1 : 152 و 187.

6 ـ الكافي 5 : 538 / 1 ، التهذيب 1 : 154 / 437 ، الاستبصار 1 : 128 / 438.

7 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 59.

8 ـ المجموع 2 : 365 ، فتح العزيز 2 : 428 ، كفاية الأخيار 1 : 49 ، عمدة القارئ 3 : 266 ،

٢٦٤

نساء‌ه فوق الازار وهن حيض(1) . ولا دلالة فيه.

ب ـ المشهور كراهة الوطء قبلا بعد انقطاع الدم قبل الغُسل ، وبه قال أبو حنيفة إنّ انقطع لأكثر الحيض ، وإن انقطع قبله قال : لا يحل حتى تغتسل ، أو يمضي عليها وقت صلاة كامل(2) ، لقوله تعالى :( حتى يطهرن ) (3) بالتخفيف.

و قوله :( والذين هم لفروجهم حافظون إلّا على أزواجهم ) (4) مقتضاه إباحة الاستمتاع مطلقاًً ترك العمل به في زمان الحيض لوجود المانع ، فيبقى ما عداه على الجواز.

وسئل الكاظمعليه‌السلام عن الحائض ترى الطُهر أيقع عليها زوجها قبل أن تغتسل؟ فقال : « لا بأس وبعد الغُسل أحب إلي »(5) .

وقال الصدوق : لا يجوز حتى تغتسل(6) ، وبه قال الزهري ، وربيعة ، والليث ، ومالك ، والثوري ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور(7) ،

____________

المغني 1 : 384 ، الشرح الكبير 1 : 350 ، شرح النووي لصحيح مسلم 2 : 335 ، المحلى 2 : 176 ، شرح فتح القدير 1 : 147 ، تفسير القرطبي 3 : 87.

1 ـ صحيح البخاري 1 : 82 و 83 ، صحيح مسلم 1 : 242 / 293 ، سنن الترمذي 1 : 239 / 132 ، سنن النسائي 1 : 151 و 189 ، سنن ابن ماجة 1 : 208 / 635 و 636.

2 ـ شرح فتح القدير 1 : 150 ـ 151 ، المجموع 2 : 370 ، فتح العزيز 2 : 422 ، المغني 1 : 387 ، الشرح الكبير 1 : 349 ، بداية المجتهد 1 : 57 ـ 58 ، المحلى 2 : 173 ، التفسير الكبير 6 : 72 ، شرح النووي لصحيح مسلم 2 : 336 ، تفسير القرطبي 3 : 88 ـ 89 ، أحكام القرآن للجصاص 1 : 348.

3 ـ البقرة : 222.

4 ـ المؤمنون : 5 و 6 ، المعارج : 29 و 30.

5 ـ الكافي 5 : 539 ـ 540 / 2 ، التهذيب 1 : 167 / 481 ، الاستبصار 1 : 136 / 468.

6 ـ الفقيه 1 : 53 ، الهداية : 22.

7 ـ الاُم 1 : 59 ، المجموع 2 : 370 ، فتح العزيز 2 : 421 ـ 422 ، كفاية الأخيار 1 : 49 ، الشرح الصغير 1 : 81 ، بداية المجتهد 1 : 57 ، مغني المحتاج 1 : 110 ، المغني 1 : 387 ، الشرح

٢٦٥

لقوله تعالى :( فإذا تطهَّرن فأتوهُنَّ مِنْ حيثُ أمركُم الله ) (1) . ولا دلالة فيه إلا من حيث المفهوم.

وقال داود : إذا غسلت فرجها حلّ وطؤها ، فإن وطأها لم يكن عليه شيء(2) .

وقال قتادة والأوزاعي : عليه نصف دينار(3) . وليس بجيد لأنّ الكفارة تتعلق بالوطئ للحائض.

ج ـ لو وطأها قبلا جاهلا بالحيض ، أو الحكم لم يكن عليه شيء ، وكذا إن كان ناسياً ، وهو أحد وجهي أحمد ، وفي الآخر : يجب على الجاهل والناسي للعموم(4) ، ويبطل بقولهعليه‌السلام : ( عفي لأمتي عن الخطأوالنسيان )(5) .

وإن كان عالماً بهما فقولان ، أكثر علمائنا على وجوب الكفارة(6) ، وبه قال الحسن البصري ، وعطاء الخراساني ، وأحمد ، والشافعي في القديم(7) ، لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من أتى امرأة حائضاً فليتصدق

____________

الكبير 1 : 349 ، المحلى 2 : 173 ، تفسير القرطبي 3 : 88 ، تفسير الكبير 6 : 73 ، شرح النووي لصحيح مسلم 2 : 336.

1 ـ البقرة : 222.

2 ـ المجموع 2 : 370 ، حلية العلماء 1 : 216.

3 ـ المغني 1 : 385 ، الشرح الكبير 1 : 351.

4 ـ المغني 1 : 386 ، الشرح الكبير 1 : 351.

5 ـ سنن ابن ماجة 1 : 659 / 2043 و 2045 نحوه.

6 ـ منهم المفيد في المقنعة : 7 ، والشيخ الطوسي في الخلاف 1 : 225. مسألة 194 ، وابن إدريس في السرائر : 8.

7 ـ المجموع 2 : 359 ، فتح العزيز 2 : 422 ، كفاية الأخيار 1 : 49 ، الشرح الكبير 1 : 350 ، شرح النووي لصحيح مسلم 2 : 334 ، تفسير القرطبي 3 : 87.

٢٦٦

بدينار ، ومن أتاها وقد أدبر الدم عنها ولم تغتسل فليتصدق بنصف دينار )(1) .

و من طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « يتصدق إذا كان في أوّله بدينار ، وفي أوسطه بنصف دينار ، وفي آخره بربع دينار »(2) .

وقال الشيخ في النهاية بالاستحباب(3) ، وبه قال الشافعي في الجديد ، ومالك ، والثوري ، وأصحاب الرأي(4) ، لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من أتى كاهنا فصدقه بما يقوله ، أو أتى امرأة في دبرها ، أو حائضاً ، فقد بريء مما جاء به محمد )(5) ، ولم يذكر الكفارة.

ومن طريق الخاصة رواية عيص قال : سألت أبا عبد الله الصادقعليه‌السلام عن رجل واقع امرأته وهي طامث ، قال : « لا يلتمس فعل ذلك ، قد نهى الله عنه » قلت : إنّ فعل فعليه كفارة؟ قال : « لا أعلم فيه شيئاً يستغفر الله »(6) وللأصل ، وهو الأقوى عندي.

د ـ المشهور عندنا في قدر الكفارة ما روي عن الصادقعليه‌السلام : « دينار في أوّله ، ونصفه في أوسطه ، وربعه في آخره »(7) .

____________

1 ـ سنن الترمذي 1 : 245 / 137 ، كنز العمال 16 : 352 / 44884 نقلاً عن الطبراني ، سنن البيهقي 1 : 314 نحوه.

2 ـ التهذيب 1 : 164 / 471 ، الاستبصار : 134 / 459.

3 ـ النهاية : 26.

4 ـ المجموع 2 : 359 ، فتح العزيز 2 : 424 ، كفاية الأخيار 1 : 49 ، مغني المحتاج 1 : 110 ، المنتقى للباجي 1 : 117 ، عمدة القارئ 3 : 266. المغني 1 : 385 ، شرح النووي لصحيح مسلم 2 : 334.

5 ـ سنن الترمذي 1 : 242 / 135 ، سنن ابن ماجة 1 : 209 / 639 ، سنن الدارمي 1 : 259 مسندأحمد 2 : 408 و 476.

6 ـ التهذيب 1 : 164 / 472 ، الاستبصار 1 : 134 / 460.

7 ـ التهذيب 1 : 164 / 471 ، الاستبصار 1 : 134 / 459.

٢٦٧

وقال الصدوق : يتصدق على مسكين بقدر شبعه(1) ، وقال الشافعي : في إقبال الدم دينار ، وفي إدباره نصفه(2) وقال أحمد : هو مخير بين الدينار ونصفه(3) ، وقال الحسن البصري ، وعطاء الخراساني : يجب فيه كفارة الفطر في رمضان(4) .

فروع :

أ ـ لو غلبته الشهوة بعد الانقطاع قبل الغُسل أمرها بغسل فرجها ثم وطأها ، لقول الباقرعليه‌السلام : « إنّ أصابه شبق فليأمرها بغسل فرجها ثم يمسها إنّ شاء »(5) .

ب ـ لو وطأ الحائض مستحلاً كفر ، ومحرماً يفسق ويعزر.

ج‍ ـ إذا أخبرته بالحيض ، فإن كانت ثقة وجب عليه الامتناع لقوله تعالى :( ولا يحل لهن أنْ يكتمن ما خلق الله في أرحامهن ) (6) ومنع الكتمان يقتضي وجوب القبول منهن.

وإن كان يتهمها بقصد منع حقه ، لم يجب الامتناع ما لم يتحقق.

د ـ لو كرر الوطء ، فأقوى الاقوال تعدد الكفارة وجوباً أو استحباباً ، على الخلاف إن اختلف الزمان ، أو كفر عن الأول ، وإلّا فلا عملاً بالأصل.

__________________

1 ـ المقنع : 16.

2 ـ المجموع 2 : 359 ، فتح العزيز 2 : 422 ، الوجيز 1 : 25 ، كفاية الأخيار 1 : 49.

3 ـ المغني 1 : 385 ، الشرح الكبير 1 : 351 ، المجموع 2 : 361 ، فتح العزيز 2 : 424 ، مسائل أحمد : 26 ، بداية المجتهد 1 : 59 ، المحلى 2 : 187 ، تفسير القرطبي 3 : 87 ، تفسير البحرالمحيط 2 : 168.

4 ـ المجموع 2 : 361 ، عمدة القارئ 3 : 266 ، المحلى 2 : 187 ، سبل السلام 1 : 171 ، شرح النووي لصحيح مسلم 2 : 334.

5 ـ الكافي 5 : 539 / 1 ، التهذيب 1 : 166 / 477 ، الاستبصار 1 : 135 / 463.

6 ـ البقرة : 228.

٢٦٨

هـ ـ الأول والوسط والاخير بحسب عدد أيام عادتها ، فاليوم الأول وثلث الثاني أول الاربعة ، وثلث الثاني وثلثا الثالث الأوسط ، والباقي الأخير.

و ـ لو لم تجد الماء بعد الانقطاع جاز الوطء قبل الغُسل ، ولا يشترط التيمم ، وقال الشافعي : إذا تيممت حلّ وطؤها(1) . وقال مكحول : لا يجوز وطؤها حتى تغتسل، ولا يكفي التيمم للآية(2) ، وقال ابن القاسم : لا توطأ بالتيمم ، لأنّه بالملاقاة ينتقض(3) . وقال أبو حنيفة : لا يحل وطؤها حتى تصلّي به ، لأنّه لا يرفع الحدث فيلحقه الفسخ ما لم تصلّ به فلا يستبيح به الوطء(4) .

فلو تيممت ثم أحدثت حدثا ، قال الشافعي : لا يحرم وطؤها ، لأنّه لايبطل التيمم القائم مقام الغُسل ، وإنّما يوجب التيمم عنه(5) .

واذا صلّت بالتيمم صلاة الفرض ففي تحريم وطئها عنده وجهان : التحريم بناء‌ا على أن التيمم إنّما يستباح به فريضه واحدة ، وإذا صلّت به لم يحل لها فعل الفريضة ، ولا يلزم الحدث ، لأنّه مانع من الصلاة ، وهنا التيمم لم يبح إلّا فريضة واحدة.

وعدمه لأنّ التيمم القائم مقام الغُسل باق ، ولهذا يجوز لها صلاة النافلة(6) . وهذه الاصول عندنا فاسدة.

__________________

1 ـ الاُم 1 : 59 ، المجموع 2 : 368 و 370 ، فتح العزيز 2 : 421 ـ 422 ، مغني المحتاج 1 : 111 ، المنتقى للباجي 1 : 118.

2 ـ مصنف ابن أبي شيء بة 1 : 96 ، حلية العلماء 1 : 216 ، والآية 222 من سورة البقرة.

3 ـ المدونة الكبرى 1 : 48 ـ 49.

4 ـ حلية العلماء 1 : 217.

5 ـ المجموع 2 : 368.

6 ـ المجموع 2 : 368.

٢٦٩

ز ـ لو وطئ الصبي لم يجب عليه شيء ، وقال بعض الحنابلة : يجب للعموم(1) ، وقياسا على الإحرام(2) . وهو خطأ لأنّ أحكام التكليف ساقطةعنه.

ح ـ لا كفارة على المرأة لعدم النص ، وقال أحمد : يجب لأنّه وطء يوجب الكفارة(3) .

السادس : يحرم طلاقها مع الدخول ، وحضور الزوج ، وانتفاء الحائل والحبل بإجماع العلماء ، فإن طلق لم يقع عندنا ، خلافاً للجمهور ، وسيأتي.

السابع : يجب عليها الغُسل عند الانقطاع لتأدية العبادات المشروطة بالطهارة بإجماع علماء الامصار ، وهو شرط في صحة الصلاة إجماعاً ، وفي الطواف عندنا خلافاً لأبي حنيفة(4) .

وهل هو شرط في صحة الصوم ، بحيث لو أخلت به ليلا حتى أصبحت بطل صومها؟ الأقرب ذلك لعدم قصوره عن الجنابة.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إن طهرت بليل من حيضها ثم توانت أن تغتسل في رمضان حتى أصبحت عليها قضاء ذلك اليوم »(5) .

وبدن الحائض طاهر عند علمائنا كبدن الجنب ، وهو قول أكثر الجمهور(6) ، لقولهعليه‌السلام : ( ليست حيضتك في يدك )(7) .

____________

1 ـ سنن ابن ماجة 1 : 210 / 640 ، سنن أبي داود 1 : 69 / 264.

2 ـ المغني 1 : 386 ، الشرح الكبير 1 : 351.

3 ـ المغني 1 : 386 ، الشرح الكبير 1 : 352.

4 ـ المغني 3 : 397 ، الشرح الكبير 3 : 409.

5 ـ التهذيب 1 : 293 / 1213.

6 ـ المجموع 2 : 150 ، المغني 1 : 244 ، الشرح الكبير 1 : 260.

7 ـ صحيح مسلم 1 : 245 / 299 ، سنن ابن ماجة 1 : 207 / 632 ، سنن أبي داود 1 : 68 / 161 ،

٢٧٠

و قال أبو يوسف : بدن الحائض والجنب نجس(1) .

الثامن : يجب عليها قضاء الصوم دون الصلاه بالإجماع ، وقالت عائشة : كنا نحيض على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة(2) .

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام في الحائض : « ليس عليها أن تقضي الصلاة وعليها أن تقضي صوم شهر رمضان »(3) ولأن الصلاة متكررة فيلزم الحرج بقضائها دون الصوم.

التاسع : يحرم عليها سجود التلاوة لو سمعت العزائم عندالشيخ(4) ـ وبه قال الشافعي ومالك وأبو حنيفة وأحمد وأكثر الجمهور(5) ـ لقولهعليه‌السلام : ( لا يقبل الله صلاة بغير طهور )(6) فيدخل في عمومه السجود ، ولأنّه سجود فيشترط فيه الطهارة كسجود السهو.

و سجود الصلاة ليس كسجود التلاوة ، سلّمنا ، لكن لا يلزم من الوجوب في الصلاة الوجوب في أجزائها ، والفرق بينه وبين سجود السهو كون المأتي جزء‌اً من الصلاة إنّ سلّمنا الحكم فيه.

____________

سنن النسائي 1 : 146 و 192 ، سنن الترمذي 1 : 241 ـ 242 / 134 ، سنن الدارمي 1 : 248 ، مسند أحمد 2 : 70 ، سنن البيهقي ـ 1 : 189 ، معرفة السنن والآثار 1 : 441.

1 ـ شرح العناية 1 : 94 ـ 95 ، المجموع 2 : 151 ، المغني 1 : 246 ، الشرح الكبير 1 : 262.

2 ـ صحيح مسلم 1 : 265 / 69 ، سنن ابي داود : 68 / 262 و 69 / 263 ، سنن الترمذي 1 : 234 / 130.

3 ـ الكافي 3 : 104 / 3 ، التهذيب 1 : 160 / 459.

4 ـ النهاية : 25.

5 ـ المجموع 2 : 367 ، مغني المحتاج 1 : 217 ، المبسوط للسرخسي 2 : 132 ، شرح فتح القدير 1 : 468 ، المغني 1 : 685 ، الشرح الكبير 1 : 813.

6 ـ صحيح مسلم 1 : 204 / 224 ، سنن النسائي 1 : 87 ـ 88 ، سنن ابن ماجة 1 : 100 / 271 ـ274 ، سنن الدارمي 1 : 175 ، مسند أحمد 2 : 20 و 51 و 73.

٢٧١

وقال بعض علمائنا بجوازه(1) وهو المعتمد ، لإطلاق الأمر بالسجود ، واشتراط الطهارة ينافيه ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا قرئ شيء من العزائم الأربع وسمعتها فاسجد وإن كنت على غير وضوء وإن كنت جنباً وإن كانت المرأة لا تصلّي ، وسائر القرآن أنت فيه بالخيار إنّ شئت سجدت وإن شئت لم تسجد »(2) .

اذا ثبت هذا فإن السجود هنا واجب إذا تلت أو استمعت ، إذ جوازه يستلزم وجوبه ، أما السامع ففي الايجاب عليه نظر ، أقربه العدم ، لأنّ الصادقعليه‌السلام سئل عن رجل سمع السجدة قال : « لا يسجد إلّا أن يكون منصتاً لقراء‌ته مستمعاً »(3) ومراده إسقاط الوجوب لا استحباب السجود ، بل يستحب سواء كان من العزائم أو لا.

وهل يمنع منه الحائض والجنب؟ روايتان : المنع اختاره في النهاية(4) ، لأنّ أبا عبد اللهعليه‌السلام سئل عن الحائض تقرأ القرآن وتسجد السجدة ، إذا سمعت السجدة؟ فقال : « تقرأ ولا تسجد »(5) ، والجوازاختاره في المبسوط(6) لما تقدم في الرواية(7) .

وقال عثمان بن عفان في الحائض تسمع السجدة : تومئ برأسها ، وبه قال سعيد بن المسيب(8) ، وعن الشعبي : يسجد حيث كان وجهه(9) .

__________________

1 ـ هو المحقق في المعتبر : 60.

2 ـ الكافي 3 : 318 / 2 ، التهذيب 2 : 291 / 1171.

3 ـ الكافي 3 : 318 / 3 ، التهذيب 2 : 291 / 1169.

4 ـ النهاية : 25.

5 ـ التهذيب 2 : 292 / 1172 ، الاستبصار 1 : 320 / 1193.

6 ـ المبسوط للطوسي 1 : 114.

7 ـ الكافي 3 : 318 / 2 ، التهذيب 2 : 291 / 1171.

8 ـ المغني 1 : 685 ، الشرح الكبير 1 : 813.

9 ـ المغني 1 : 685 ، الشرح الكبير 1 : 813.

٢٧٢

تذنيب : لو سمع السجود وهو على غير طهارة لم يلزمه الوضوء ولا التيمم ـ وبه قال أحمد(1) ـ لأنّا قد بيّنا أن الطهارة ليست شرطاً.

و احتج أحمد بأنها تتعلق بسبب فإذا فات لم يسجد ، كما لو قرأ سجدة في الصلاة فلم يسجد لم يسجد بعدها.

وقال النخعي : يتيمم ويسجد ، وعنه : يتوضأ ويسجد ، وبه قال الثوري وإسحاق وأصحاب الرأي(2) .

قال أحمد : فإذا توضأ لم يسجد لأنّه فات سببها(3) .

ولا يتيمم لها مع وجود الماء ، لأنّ شرطه فقدان الماء ، وإن كان عادماً للماء فتيمم فله أن يسجد إذا لم يطل ، لأنّه لم يفت سببها ولم يفت محلهابخلاف الوضوء.

العاشر : يكره لها الخضاب ، ذهب إليه علماؤنا أجمع لقول الصادقعليه‌السلام : « لا تختضب الحائض ولا الجنب »(4) ، وليس للتحريم ، لأنّ أبا إبراهيمعليه‌السلام سئل تختضب المرأة وهي طامث؟ فقال : نعم(5) .

ولا بأس أن تكون مختضبة ثم يجيئها الحيض ، بأن تختضب قبل عادتها.

مسألة 85 : إذا حاضت بعد دخول الوقت وأهملت الصلاة مع القدرة

____________

1 ـ المغني 1 : 686 ، الشرح الكبير 1 : 813.

2 ـ المبسوط للسرخسي 2 : 4 ، المغني 1 : 686 ، الشرح الكبير 1 : 813.

3 ـ المغني 1 : 686 ، الشرح الكبير 1 : 814.

4 ـ التهذيب 1 : 182 / 521 ، الاستبصار 1 : 116 / 388.

5 ـ الكافي 3 : 109 / 2 ، التهذيب 1 : 182 / 523.

٢٧٣

واتساع الوقت لها وللطهارة وجب عليها القضاء ، وإن كان قبل ذلك لم يجب.

وإن طهرت في أثناء الوقت ، فإن بقي مقدار الطهارة وأداء ركعة وجب الأداء ، فإن لم تفعل وجب القضاء ، وإن كان أقل لم يجب بل يستحب ، وسيأتي البحث في ذلك إنّ شاء الله تعالى.

مسألة 86 : وغسل الحائض كغسل الجنابة ، تبدأ بالرأس ثم بالجانب الأيمن ثم الأيسر ، ويكفي الارتماس ، نعم لا بدّ فيه من الوضوء ، سئل الصادقعليه‌السلام عن الحائض عليها غسل مثل غسل الجنابة؟ قال : « نعم »(1) .

ويجب فيه النيّة لأنّه عبادة فيفتقر فيه إلى النيّة واستدامة حكمها ، ولاتجب الموالاة ، بل الترتيب.

ويجب استيعاب الجسد بما يسمى غسلاً ، لقول الباقرعليه‌السلام : « الحائض ما بلغ بلل الماء من شعرها أجزأه »(2) ويستحب فيه المضمضة والاستنشاق.

فروع :

أ ـ لا تجب نيّة السبب ، بل تكفي نيّة رفع الحدث أو الاستباحة ، ولا فرق بين أن تقدم الوضوء أو تؤخره ، خلافاً لبعض علمائنا ، حيث أوجب نيّة الاستباحة في المتأخر(3) .

ب ـ لو اجتمع الحيض والجنابة لم يجز لها الغُسل إلّا بعد انقطاع دم

__________________

1 ـ التهذيب 1 : 106 / 274 ، الاستبصار 1 : 98 / 317.

2 ـ الكافي 3 : 82 / 4 ، التهذيب 1 : 400 / 1249 ، الاستبصار 1 : 148 / 508.

3 ـ هو ابن ادريس في السرائر : 29.

٢٧٤

الحيض ، لا للجنابة ولا للحيض فإذا انقطع اغتسلت فإن نوت رفع حدث الجنابة ارتفع الحدثان ، وإن نوت رفع حدث الحيض ، فإن ضمت الوضوء احتمل رفع حدث الجنابة أيضاً ، لتسويغ الصلاة عندهما ، وعدمه لقصور غسل الحيض عن رفعه ، وإن نوت رفع الحدث مطلقاًً فالأقرب الاجزأ من غير وضوء.

ج ـ عرق الحائض طاهر إذا لم يُلاق النجاسة ، وكذا المائعات التي تباشرها ، لأنّ الصادقعليه‌السلام سئل عن الحائض تناول الرجل الماء؟ فقال : « كان نساء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسكب عليه الماء وهي حائض »(1) . وسئل الصادقعليه‌السلام عن الحائض تعرق في ثيابها أتصلي فيها قبل أن تغسلها؟ فقال : « نعم لا بأس به »(2) .

مسألة 87 : ذات العادة تترك الصلاة والصوم برؤية الدم في عادتها بإجماع العلماء فإن المعتاد كالمتيقن ، وسئل الصادقعليه‌السلام عن المرأة ترى الصفرة في أيامها ، قال : « لا تصلّي حتى تنقضي أيامها »(3) .

أما المبتدأة والمضطربة ففيهما قولان ، قال الشيخ في المبسوط : أول ما ترى المرأة الدم ينبغي أن تترك الصلاة والصوم ، فإن استمر ثلاثة قطعت بأنه حيض ، وان انقطع قبل الثلاثة فليس بحيض ، وتقضي ما تركته من صلاة وصيام(4) ، لقول الصادقعليه‌السلام : « أي ساعة رأت الصائمة الدم تفطر »(5) وبه قال الشافعي(6) .

____________

1 ـ الكافي 3 : 110 / 1 ، التهذيب 1 : 397 / 1238.

2 ـ التهذيب 1 : 269 / 793 ، الاستبصار 1 : 186 / 649.

3 ـ الكافي 3 : 78 / 1 ، التهذيب 1 : 396 / 1230.

4 ـ المبسوط للطوسي 1 : 42.

5 ـ التهذيب 1 : 394 / 1218 ، الاستبصار 1 : 146 / 499.

6 ـ الوجيز 1 : 26 ، فتح العزيز 2 : 456.

٢٧٥

وقال المرتضى في المصباح : الجارية التي يبدأ بها الحيض ولا عادة لها لا تترك الصلاة حتى تستمر ثلاثة أيام(1) ، وهو أقوى ، احتياطاًً للعبادة الثابتة في الذمة بيقين ، ولم يحصل يقين المسقط ، والحديث نقول بموجبه ، فإنه محمول على ذات العادة ، إذ المراد بالدم هو دم الحيض ، ولا تعلم أنّه حيض إلّا في العادة ، وهو قول آخر للشافعي(2) .

مسألة 88 : ذهب علماؤنا إلى أن المرأة تستظهر بعد عادتها ـ وبه قال مالك(3) ـ لقول الباقرعليه‌السلام في الحائض : « إذا رأت دما بعد أيامها التي كانت ترى الدم فيها فلتقعد عن الصلاة يوماً أو يومين ، ثم تمسك قطنة فانصبغ القطنة دم لا ينقطع فلتجمع بين كلّ صلاتين بغسل ، ويصيب منها زوجها إنّ أحب ، وحلت لها الصلاة »(4) وعن الرضاعليه‌السلام قال : « الحائض تستظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة »(5) .

وقال الشافعي : اذا مضى زمان حيضها فعليها أن تغتسل في الحال(6) ، ولا يجوز لها ان تتوقف زماناً تطلب فيه ظهور حالها ويتحقق طهرها إذ لو كانت تتوقف لتوقفت إلى أن يتمّ لها مدة اكثر الحيض ، كالمبتدأة إذا استمر بها الدم ، ولمّا لم يجز لها أن تنتظر تمام المدة ثبت أن الانتظار غير جائز. والملازمة ممنوعة لغلبة الظن بزيادة الحيض يوماً أو يومين ، على أنّا نمنع بطلان اللازم على مذهب المرتضى ، وسيأتي.

__________________

1 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 56.

2 ـ فتح العزيز 2 : 456.

3 ـ بُلغة السالك 1 : 79 ، بداية المجتهد 1 : 52 ، حلية العلماء 1 : 225.

4 ـ المعتبر : 57.

5 ـ التهذيب 1 : 171 / 489 ، الاستبصار 1 : 149 / 514.

6 ـ المجموع 2 : 543.

٢٧٦

فروع :

أ ـ الاستظهار إنّما يكون مع وجود الدم ، فإذا انقطع أدخلت المرأة قطنة ، فإن خرجت ملوثة بالدم فهي بعد حائض ، وإن خرجت نقية فقدطهرت ، تغتسل وتُصلّي من غير استظهار.

ب ـ إنّما يكون الاستظهار لو قلت العادة من العشرة ، أما اذا كانت العشرة فلا استظهار ، إذ لا حيض بعدها.

ج‍ ـ يشترط في الاستظهار أن لا يزيد عن أكثر الحيض ، فلو كانت عادتها تسعة لم تستظهر بيومين ، بل بيوم واحد.

د ـ اختلف علماؤنا في قدر الاستظهار ، قال الشيخ في النهاية : تستظهر بيوم أو يومين ، وبه قال ابن بابويه والمفيد(1) ، وفي الجمل : تصبر حتى تنقى(2) .

وقال المرتضى : تستظهر عند استمرار الدم إلى عشرة أيام ، فإن استمر عملت ما تعمله المستحاضة(3) .

والأول أقرب ، لما تقدم من قول الباقرعليه‌السلام : « فلتقعد عن الصلاة يوماً أو يومين »(4) وقال الرضاعليه‌السلام : « الحائض تستظهر بيوم أو يومين »(5) .

واحتجاج المرتضى بقول الصادقعليه‌السلام : « ان كان قرؤها دون العشرة انتظرت العشرة »(6) ضعيف السند.

__________________

1 ـ النهاية : 24 ، أحكام النساء للمفيد : 7 ، المقنع : 16 وفيه : استظهرت بثلاثة أيام.

2 ـ الجمل والعقود للطوسي : 163.

3 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 57.

4 ـ هو المحقق في المعتبر : 57.

5 ـ التهذيب 1 : 171 / 489 ، الاستبصار 1 : 149 / 514.

6 ـ التهذيب 1 : 172 / 493 ، الاستبصار 1 : 150 / 517.

٢٧٧

هـ ـ ظاهر كلام الشيخ والمرتضى(1) أن الاستظهار على سبيل الوجوب ، إذ المقتضي كونها أيام الحيض فتحرم العبادة ، ويحتمل الاستحباب ، والمقتضي احتمال الحيض ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « المستحاضة إذا مضت أيام أقرائها اغتسلت واحتشت وتوضأت وصلّت »(2) .

و ـ إذا انقطع الدم لدون عشرة فعليها الاستبراء بالقطنة ـ ولا يجب لو انقطع للعشره لأنّها مدة الحيض ـ فإن خرجت نقية اغتسلت ، وإن كانت متلطخة ، فإن كانت مبتدأة صبرت حتى تنقى ، أو تمضي عشرة أيام.

وذات العادة تغتسل بعد يوم أو يومين كما تقدم لقول الباقرعليها‌السلام : « فإن خرج الدم لم تطهر ، وإن لم يخرج فقد طهرت »(3) فإن استمر إلى العاشر وانقطع قضت ما فعلته من الصيام لتحقق انه صادف أيام الحيض ، وإن تجاوز أجزأها ما فعلته لأنّه صادف أيام الطهر.

ز ـ لو رأت الدم ثلاثة أيام ثم انقطع فهو دم حيض لحصول شرائطه ، فإن رأت قبل العاشر وانقطع عليه فالجميع حيض ، وكذا أيام النقاء المتخللة بين الدمين ، إذ لا يكون الطُهر أقل من عشرة أيام ، ولو تجاوز العشرة فهي مستحاضة وسيأتي حكمها ، ولو تأخر بمقدار عشرة أيام ثم جاء الدم كان الأول حيضاً منفردا ، والثاني يمكن أن يكون حيضاً مستأنفاً ان استمر ثلاثة فمازاد إلى العاشر ثم انقطع فهو حيض ، وإن قصر عن ثلاثة فليس بحيض.

__________________

1 ـ النهاية : 24 ، وأما قول المرتضى فحكاه المحقق في المعتبر : 57.

2 ـ التهذيب 1 : 402 / 1258.

3 ـ التهذيب 1 : 161 / 462 وفيه عن الامام الصادقعليه‌السلام .

٢٧٨

الفصل الثالث : في المستحاضة

و فيه مطلبان :

الأول : في أحكامها.

مسألة 89 : دم الاستحاضة في الأغلب أصفر بارد رقيق ، لقول الصادقعليه‌السلام : « إنّ دم الحيض حار عبيط أسود له دفع ، ودم الاستحاضة أصفر بارد »(1) وقد يتفق الأصفر حيضاً كما لو وجد في أيام الحيض ، وكذا قد يوجد دم الاستحاضة أسوداً حاراً عبيطاً إذا كان بعد أيام الحيض ، وأكثر أيام النفاس ، وبعد اليأس ، لما تقدم من أن الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض وفي أيام الطُهر طهر.

مسألة 90 : دم الاستحاضة إن كان قليلاً ـ وهو أن يظهر على القطنة كرؤوس الابر ولا يغمسها ـ وجب عليها تغيير القطنة والوضوء لكلّ صلاة ، ذهب إليه أكثر علمائنا(2) ، لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المستحاضة : ( تدع الصلاة أيام أقرائها ، ثم تغتسل ، وتصوم وتُصلّي ، وتتوضأ عند كلّ صلاة )(3) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام عن المستحاضة : « وان

__________________

1 ـ الكافي 3 : 91 / 1 ، التهذيب 1 : 151 / 429.

2 ـ منهم المفيد في المقنعة : 7 ، والسيد المرتضى في الناصريات : 244 مسألة 45 ، والشيخ الطوسي في المبسوط 1 : 67.

3 ـ سنن الدارمي 1 : 202 ، سنن الترمذي 1 : 220 / 126.

٢٧٩

كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت ، ودخلت المسجد ، وصلّت كلّ صلاة بوضوء »(1) وأما القطنة فلأنّها نجسة يمكن الاحتراز منها فوجب.

قال الشيخ : وتغيير الخرقة(2) ، وفيه نظر ، إذ لا موجب له لعدم وصول الدم إليها.

وقال ابن أبي عقيل منّا : لا يجب في هذه الحالة وضوء ولا غسل(3) ، وبه قال مالك(4) .

وقال أبو حنيفة : تتوضأ لوقت كلّ صلاة(5) ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( المستحاضة تتوضأ لوقت كلّ صلاة )(6) وروايتنا أرجح لأنّها مفسرة لا إجمال فيها.

وقال الشافعي في أحد قوليه : يجب على المستحاضة الغُسل لكلّ صلاة من غير وضوء(7) ، ورواه الجمهور عن عليعليه‌السلام ، وابن عمر ، وابن عباس وابن الزبير(8) ، لأنّ ام حبيبة استحيضت فسألت النبيّ صلّى الله

__________________

1 ـ الكافي 3 : 89 / 2 ، التهذيب 1 : 107 / 277.

2 ـ المبسوط للطوسي 1 : 67.

3 ـ حكاه المحقق في المعتبر : 64.

4 ـ بداية المجتهد 1 : 60 ، تفسير القرطبي 3 : 85 ، المحلى 1 : 253 ، المجموع 2 : 535 ، المغني 1 : 389 ، الشرح الكبير 1 : 389 ، عمدة القارئ 3 : 277.

5 ـ المبسوط للسرخسي 2 : 17 ، الهداية للمرغيناني 1 : 32 ، شرح العناية 1 : 159 ، اللباب 1 : 46 ، سبل السلام 1 : 99 ، المحلى 1 : 253 ، فتح العزيز 2 : 437.

6 ـ اُنظر سنن البيهقي 1 : 344 ، سنن الترمذي 1 : 218 / 125.

7 ـ المغني 1 : 408 ، الشرح الكبير 1 : 399.

8 ـ المغني 1 : 408 ، الشرح الكبير 1 : 399 ، المجموع 2 : 536 ، عمدة القارئ 3 : 277 ، شرح النووي لصحيح مسلم 2 : 390 ، واُنظر سنن الدارمي 1 : 220 و 221 و 224.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

تحتاج إلى الراحة والدعة ، وذلك لتجديد قوتها وتهيئة الاستعداد اللازم لإدامة العمل والفعالية ، الراحة التي لا بدّ منها حتى لأولئك الأفراد الحريصين والجادّين.

فأي شيء يتصور أحسن من النوم للوصول إلى هذا الهدف ، وهو يأتيه بشكل إلزامي ، ويدعوه إلى تعطيل نشاطه الجسماني ، وقسم مهم من نشاطه الفكري والذهني ، بينما تستمر أجهزة خاصة في العمل في جسم الإنسان كالقلب الرئة وبعض النشاط الذهني ، وما إلى ذلك ممّا يستلزمه استمرار الحياة في الإنسان فحسب ، أمّا البقية فتهدأ وتتعطل عن العمل.

هذه الموهبة العظيمة تؤدي الى أن يحصل جسم الإنسان وروحه على الراحة اللازمة ، فيرتفع التعب بطرو النوم الذي بمثابة وقفة لعمل البدن ، ونوع من التعطيل له. ويجد الإنسان على أثرها قوة ونشاطا جديدا في حياته.

ومن المسلّم به أنّه لولا النوم لتصدّعت روح الإنسان وذبل جسمه وانهار بسرعة ، ولعجل عليه العجز والشيخوخة وبهذا فإن النوم المناسب والهادىء مدعاة للسلامة وطول العمر ، ودوام «الشباب» ونشاطه.

وممّا يجدر التنبيه عليه أوّلا : أنّ النوم ورد قبل عبارة( ابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ ) التي تعني السعي وراء الرزق ، وهذا التعبير هو إشارة إلى أن النوم أساس السعي لأنّه ـ من دون النوم الكافي ـ يصعب الابتغاء من فضل الله.

ثانيا : صحيح أنّ النوم يقع في الليل ، والابتغاء من فضل الله في النهار ، إلّا أنّه ليس صعبا على الإنسان أن يغيّر هذا المنهج إذا اقتضت الضرورة. بل الله خلق الإنسان بصورة يستطيع معها تغيير منهجية النوم ، ويجعلها وفقا للضرورات والحاجات ، فكأنّ التعبير( مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ ) إشارة إلى هذه «اللطيفة» الدقيقة.

ولا شك أنّ المنهج الأصل للنوم متعلق بالليل ، ولأنّ الليل هادئ بسبب الظلمة ، فله أولوية خاصة في هذا المورد.

٥٠١

ولكن قد يتفق للإنسان ولظروف خاصة يكون مجبرا على السفر ليلا وأن يستريح نهارا فلو كان منهج تنظيم النوم خارجا عن اختيار الإنسان فسيواجه العديد من الصعوبات حتما.

وأهمية هذا الموضوع ، خاصة في عصرنا الذي تضطر فيه بعض المؤسسات الصناعية والطبية والعلاجية أن تعمل ليل نهار ، ولا يمكن لها أن تعطل منهجها بحيث يتناوب عمالها في ثلاث مراحل للعمل فيها ، هذه الأهمية في هذا العصر أجلى منه في أي عصر مضى!

وحاجة جسم الإنسان وروحه إلى النوم كثيرة إلى درجة لا يستطيع الفرد أن يتحمل السهر المتواصل أكثر من يومين أو ثلاثة.

ولذلك فإنّ المنع من النوم يعتبر من أشد أنواع التعذيب الذي يمارسه الطغاة والجبابرة مع سجنائهم.

وكذلك يعدّ النوم واحدا من الطرق العلاجية لكثير من الأمراض ، حيث يوصي الأطباء المريض بأن يغطّ في نوم عميق فتزداد بذلك قوّة المريض ومناعته.

وبالطبع لا يمكن لأحد أن يحدد مقدارا معينا للنوم على أنّه «مقدار النوم اللازم» لعموم الناس لأنّ ذلك يرتبط بسنّ الأشخاص ووضعهم ومزاجهم وكيفية البناء الفيسيولوجي والسيكلوجي «الجسيمي والروحي» ، بل المهم النوم الكافي بمقدار يحسّ الإنسان بعده بأنّه شبع منه كما هي الحال بالنسبة للشبع من الغذاء والماء تماما.

وينبغي الالتفات إلى هذه المسألة ، وهي أنّه بالإضافة إلى «طول» زمان النوم ، فلعمقه خصوصية وأهمية أخرى أيضا فرب ساعة ينام فيها الإنسان نوما عميقا تسد عن عدد من الساعات التي ينامها نوما سطحيا في إعادة بناء روح الإنسان وجسمه.

٥٠٢

وبالطبع ، فحيث لا يمكن النوم العميق ، فالنعاس أيضا من النعم الإلهية ، كما أشارت إليه الآية الحادية عشرة من سورة الأنفال في شأن المجاهدين يوم بدر( إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ ) لأنّه لا يمكن النوم العميق في ميدان الحرب ، وليس مفيدا ـ أيضا ـ ولا نافعا.

وعلى كل حال فإن نعمة النوم والهدوء والاطمئنان الناشئ منه ، وما يحصل عليه الإنسان من قوة ونشاط بعد النوم ، هي من النعم التي لا يمكن وصفها بأي بيان!.

والآية التي تلتها ، والتي تبيّن خامس آية من آيات عظمة الله ، تتجه أيضا إلى «الآيات في الآفاق» وتتحدث عن البرق والرعد والغيث وحياة الأرض بعد موتها فتقول :( وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً ) .

«الخوف» ممّا يخطر على البال من احتمال نزول الصاعقة مع البرق فتحرق كل شيء تقع عليه وتحيله رمادا.

«والطمع» من جهة نزول الغيث الذي ينزل بعد البرق والرعد على هيئة قطر أو مزنة.

وعلى هذا فإنّ البرق السماوي مقدمة لنزول الغيث (بالإضافة إلى فوائد البرق المختلفة المهمة والتي كشف العلم عنها أخيرا وقد تحدثنا عنه في بداية سورة الرعد»(١) .

ثمّ يضيف القرآن معقبا( يُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها ) .

الأرض الميتة التي لا يؤمل فيها الحياة والنبات ، تهتز بنزول الغيث الذي يمنحها الحياة ، فتحيا وتظهر آثار الحياة عليها على هيئة الأزهار والنباتات ، بحيث لا تصدق أحيانا أنّها الأرض الميتة سابقا.

__________________

(١) راجع تفسير «سورة الرعد» الآيات الأولى منها.

٥٠٣

ويؤكّد القرآن في نهاية هذه الآية مضيفا :( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) ويفهمون أن وراء هذه الخطة المدروسة يدا قادرة تقودها وتهديها ، ولا يمكن أن تكون المسألة وليدة الصدفة والضرورة العمياء الصّماء أبدا.

وفي آخر آية من الآيات محل البحث ، يقع الكلام عن آية أخرى من الآيات الآفاقية ، وذلك عن تدبير نظام السماء والأرض وبقائهما ودوامهما ، إذ تقول :( وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ) .

أي إنّ خلق السماوات ـ المشار إليه في الآيات السابقة ـ ليس آية وحدة فحسب ، بل بقاؤها ودوام نظامها أيضا آية أخرى ، فهذه الأجرام العظيمة في دورانها المنظّم حول نفسها تحتاج إلى أمور كثيرة ، وأهمّها المحاسبة المعقدة للقوّة الجاذبة والدافعة!

إنّ الخالق الكبير جعل هذا التعادل دقيقا ، بحيث لا يعترض الأجرام أدنى انحراف في مسيرها ودورانها حول نفسها إلى ملايين السنين.

وبتعبير آخر : إنّ الآية السابقة كانت إشارة إلى «توحيد الخلق» وأمّا هذه الآية فهي إشارة إلى «توحيد الربوبية والتدبير».

والتعبير بقيام السماء والأرض ، تعبير لطيف مأخوذ من حالات الإنسان ، لأنّ أحسن حالات الإنسان لأجل استدامة نشاطه هي حالة قيامه ، إذ يستطيع فيها أداء جميع حوائجه ، وتكون له السيطرة والتسلط الكامل على أطرافه.

والتعبير بـ «أمره» هنا إشارة إلى منتهى قدرة الله ، إذ يكفي أمر واحد من قبله لاستمرار الحياة ، ونظم هذا العالم الوسيع.

وفي نهاية الآية وبالاستفادة من عامل التوحيد لإثبات المعاد ، ينقل القرآن البحث إلى هذه المسألة فيقول :( ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ ) .

ولقد رأينا ـ مرارا ـ في آيات القرآن أن الله سبحانه يستدل على المعاد

٥٠٤

بآيات قدرته في السماء والأرض ، والآية محل البحث واحدة من تلك الآيات.

والتعبير بـ «دعاكم» اشارة إلى أنّه كما أنّ أمرا واحدا منه كاف للتدبير ولنظم العالم ، فإنّ دعوة واحدة منه كافية لأن تبعثكم من رقدتكم وتنشركم من قبوركم ليوم القيامة ، وخاصة إذا لاحظنا جملة( إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ ) فإنّ كلمة «إذا» تبين بوضوح مؤدى هذه الجملة ، حيث أنّها «فجائية» كما يصطلح عليها أهل النحو واللغة ، ومعناها : إذا دعاكم الله تخرجون بشكل سريع وفجائي.

والتعبير بـ( دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ ) دليل واضح على المعاد الجسماني ، إذ يثب الإنسان في يوم القيامة من هذه الأرض «فلاحظوا بدقّة».

* * *

بحوث

١ ـ دورة دروس كاملة لمعرفة الله

تناولت الآيات الست المتقدمة بحوثا مختلفة في معرفة الله ، وهي بمجموعها تمثل حلقات متصلة ودورة كاملة طريفة ، بدءا بخلق السماء إلى خلق البشر من التراب ، ومن رباط الحب في الأسرة ، إلى النوم الذي يمنح الدعة والاطمئنان في الليل والنهار ، ومن تدبير النظام والعالم متدرجا ، إلى البرق والغيث واختلاف الألسنة والألوان فهي مجموعة مناسبة من آيات الآفاق وآيات الأنفس!.

الطريف هنا أن كلّ آية من الآيات الست يذكر فيها قسمان من دلائل التوحيد ، ليهيّئ الأوّل الأرضية المناسبة ، والآخر للتحكيم والتأكيد ، وهذا يشبه تماما الإتيان بشاهدين عدلين لإثبات المدّعى ، فيكون المجموع اثني عشر شاهدا صادقا على قدرة الله الحق ، التي لا نهاية ولا أمد لها.

٥٠٥

٢ ـ من هم المستلهمون من هذه الآيات

ورد في أربع آيات من هذه الآيات الست التأكيد على أن في هذه الأمور دلائل واضحة «للعالمين ، المتفكرين ، السميعين ، العاقلين» إلّا أنّ هذا التأكيد لم يرد في الآية الأولى ، ولا الآية الأخيرة.

ويوضح الفخر الرازي في هذا المجال فيقول : لعل عدم ذكر ذلك ، في الآية الأولى لأنّ الآية الأولى والثّانية جاءتا متصلتين في سياق واحد ، وكلتاهما من الآيات التي تتحدث في الأنفس.

وأمّا في الآية الأخيرة فإنّ الأمر واضح إلى درجة لا يحتاج بعدها إلى مزيد إيضاح ، ولا تأكيد على التعقل والتفكر(١) !

الطريف هنا أن الحديث عن التفكر ورد قبل الحديث والكلام عن «العلم» لأنّ التفكر مقدمة وقاعدة للعلم ، ثمّ يأتي الكلام على من يسمع ، لأنّ الإنسان يستعد للاستماع وتقبل الحق ، إذا كان في صدد العلم والاطلاع ، كما يقول القرآن في هذا المجال :( فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ) (٢)

وفي آخر مرحلة كان الكلام عن العقل ، لأنّ أولئك كانوا يسمعون ، فلا بدّ أن يبلغوا مرحلة العقل الكامل!

كما ينبغي الالتفات إلى هذه اللطيفة ، هي أنّه وقع الكلام في ذيل الآية الأولى عن خلق الإنسان وانتشار نسله في الأرض( ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ ) .

ووقع الكلام في آخر آية أيضا عن خروج الناس ونشورهم في يوم القيامة( إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ ) .

فالآية الأولى لبداية الخلق ، والأخيرة للنهاية.

__________________

(١) التفسير الكبير الفخر الرازي ـ ذيل الآيات محل البحث.

(٢) الزمر ، الآية ١٨.

٥٠٦

٣ ـ عجائب عالم النوم

بالرغم من جميع الأبحاث التي كتبها العلماء حول النوم وخصائصه ، يبدو أن زوايا هذا العالم لم تنكشف جميعها ، ولم يرفع النقاب عن أسراره وحقائقه الغامضة!

فما زال البحث يدور بين العلماء : أي فعل وانفعال يكون في البدن بحيث يتوقف ـ خلال لحظة مفاجئة ـ قسم من نشاطات المخ والبدن ، ويظهر تحول في عامّة الروح والجسد؟!

قال بعضهم : إنّ العامل الأصلي للنوم هو «عامل فيزياوي» ويعتقدون أن انتقال الدم من المخ إلى أجزاء البدن الأخرى ، يوجد هذه الظاهرة ، ولأجل إثبات معتقدهم عمدوا إلى صنع سرير للنوم على شكل خاص يدعى «سرير النوم المعياري» يبيّن كيفية انتقال الدم من المخ إلى سائر أعضاء البدن!.

وقال جماعة : إنّ العامل الأصلي للنوم هو «عامل كيمياوي» ويعتقدون أن الإنسان في حالة السعي والعمل تزداد فيه السموم بحيث تؤدي الى تعطيل قسم من المخ عن عمله ، فينام الإنسان على أثر ذلك ، وحين تتلاشى السموم وتسيطر عليها كريات الدم يتيقظ الإنسان مرّة أخرى!

وقال جماعة آخرون : إنّ العامل الأصلي للنوم هو «عامل عصبي» ويعتقدون أن للنشاط العصبي خصوصية في المخ لها حكم وقود السيارة ، فعند ما تتعب ينطفئ المخ ويتوقف عن العمل مؤقتا.

ولكن هناك أسئلة ونقاط مبهمة حول جميع هذه النظريات ، لم نحصل إلى الآن على جواب واضح لها ، وما يزال النوم محتفظا بوجهه المليء بالأسرار.

من عجائب عالم النوم ما أماط العلماء النقاب عنه أخيرا ، وهو حين يتعطل قسم كبير من المخ عن العمل تبقى بعض خلاياه التي ينبغي أن تسمى بـ «الخلايا الحارسة» متيقظة ولا تنسى الوصايا التي يوصيها الإنسان قبل النوم عند ساعة

٥٠٧

التيقظ وعند الحاجة توقظ هذه الخلايا جميع المخ ويتحرك نحو العمل مرّة أخرى!

فمثلا : الأم المرضعة المتعبة حين تنام الليل وإلى جنبها رضيعها في المهد ، يوصي عقلها الباطني الخلايا الحارسة التي تربط بين الروح والجسم ، أنّه متى ما سمعت أقل صوت لطفلي فأيقظيني ، ولكن لا يهمني أي صوت آخر ، فقد لا تتيقظ المرأة من صوت الرعد المهول ، ولكنّها تتيقظ لأقل صوت من ولدها الرضيع ، فهذه المهمّة هي وظيفة الخلايا الحارسة.

ونحن أيضا جرّبنا هذا الموضوع كثيرا ، فمتى ما كان لدينا تصميم أن نستيقظ مبكرين أو في منتصف الليل لنسافر أو لأداء مهمّة ، ونحدث أنفسنا بذلك ، فإننا غالبا ما نستيقظ في الوقت المطلوب ، في حين أن من الممكن أن نغرق في النوم لساعات طوال في غير هذه الحالة!

والخلاصة ، حيث أنّ النوم هو من الظواهر الروحية ، وللروح عالم مليء بالأسرار ، فليس عجيبا أن تبقى كثير من زوايا هذه المسألة غامضة ولكن كلما سبرنا غور هذا العالم نتعرف على عظمة خالق هذه الظاهرة.

هذا عن ظاهرة النوم ، وأمّا عن الرؤيا والأحلام ، فقد بحثنا عنه بحوثا كثيرة ، ولا بأس بمراجعة تفسير سورة يوسفعليه‌السلام .

٤ ـ علاقة الحب بين الزوجين

بالرّغم من أنّ العلاقة أو الارتباط بين الإنسان وأبيه وأمه وإخوته هي علاقة نسبية ، تمتد جذورها العميقة بالقرابة. والعلاقة بين الزوجين علاقة قانونية.

و «معاقدة بينهما» لكن كثيرا ما تتغلب هذه العلاقة حتى على علاقة الإنسان بأبيه وأمه ، وفي الحقيقة هذا هو ما أشارت إليه الآيات الآنفة بالتعبير( وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ) .

٥٠٨

ونقرأ حديثا عن الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه أخبر ابنة جحش باستشهاد خالها حمزة ، فقالت : إنا لله وإنا إليه راجعون. فأخبرها باستشهاد أخيها فقالت مرّة أخرى : «إنا لله وإنا إليه راجعون» (وطلبت له الأجر والثواب من الله).

ولكن حين أخبرها باستشهاد زوجها ، وضعت يدها على رأسها وصرخت ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما يعدل الزوج عند المرأة شيء»(١) .

* * *

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٤ ، ص ١٧٤.

٥٠٩

الآيات

( وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (٢٦) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧) ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٨) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٩) )

التّفسير

المالكية لله وحده :

كانت الآيات المتقدمة تتحدث حول توحيد الخالق ، وتوحيد الرّب ، أمّا الآية الأولى من هذه الآيات محل البحث فتتحدث عن فرع آخر من فروع التوحيد ، وهو توحيد الملك فتقول :( وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) .

ولأنّهم ملك يده فـ( كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ ) وخاضعون.

وواضح أنّ المراد من المالكية وخضوع المخلوقات وقنوتها ، الملك

٥١٠

والقنوت التكوينيان أي إن زمام أمر الجميع من جهة القوانين التكوينية كلّه في يده ، وهم مستسلمون لقانون عالم التكوين وفق مشيئة الله ، شاؤوا أم أبوا.

حتى العتاة الطغاة الألدّاء والمتمردون على القانون والجبابرة ، هم مضطرون أيضا أن يحنوا رؤوسهم لأمر الله في القوانين التكوينية.

والدليل على هذه «المالكية» هو الخالقية والربوبية ، فإنّ من خلق الموجودات في البداية وتكفلها بالتدبير ، فمن المسلم أنّه هو المالك الأصلي لها لا سواه!

وبما أنّ جميع موجودات الدنيا سواسية في هذا الأمر ، فمن الواضح أن لا يكون معه أي شريك في الملك حتى الأوثان والمعبودات المصطنعة التي يتصورها المشركون أنّها أربابهم ، هي أيضا مملوكة لمالك «الملك» والملوك ، وهي طوع أمره.

وينبغي الالتفات ـ ضمنا ـ إلى أنّ كلمة «قانت» تعني ـ كما يقول الراغب في مفرداته ـ في الأصل : الطاعة الملازمة للخضوع!

ونقرأ حديثا عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال «كل قنوت في القرآن فهو طاعة».

غاية ما في الأمر ، تارة تأتي هذه الطاعة «تكوينية» وأخرى «تشريعية».

وما ذهب إليه بعض المفسّرين من أنّ كلمة «قانتون» معناها هنا «قائمون بالشهادة على وحدانيته»(١) فهو في الحقيقة بيان لأحد مصاديق الطاعة ، لأنّ الشهادة على وحدانية الله نوع من الطاعات.

وحيث أنّ المسائل المرتبطة بالمبدأ والمعاد هي كالنسيج الواحد في انسجامها في سلسلة الآيات الآنفة ، والتي ستأتي في ما بعد ، ففي الآية التالية يعود القرآن إلى موضوع المعاد ، فيقول :( وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ

__________________

(١) نقل «الآلوسي» في تفسيره «روح المعاني» ذيل الآية محل البحث هذا الكلام عن بعض المفسرين المتقدمين.

٥١١

أَهْوَنُ عَلَيْهِ ) (١) .

إنّ القرآن يثبت في هذه الآية ـ بأوجز الاستدلال ـ مسألة إمكان المعاد ، إذ يقول لهم : إنكم تعتقدون أن بداية الخلق من قبل الله ، فعودة الخلق مرّة أخرى أيسر وأهون من بداية الخلق!.

والدليل على أن عودة الخلق أهون من البداية ، هو أنّه في البداية لم يكن شيء ولكن الله هو الذي أبدعه ، وفي الإعادة توجد المواد الأصلية على الأقل ، فبعضها في طيّات التراب ، وبعضها متناثر في الفضاء ، وإنّما تحتاج إلى نظم وإلى إعطائها صورتها الأولى فحسب ، فهي أهون!

ولكن من الضروري أن نلتفت إلى هذه «اللطيفة» ، وهي أنّ التعبير بالهيّن والصعب ، هو من خلال نافذتنا الفكرية ، وأمّا بالنسبة للقادر المطلق فلا فرق عنده بين «الصعب والسهل».

وأساسا فإنّ «الصعب والسهل» يصدقان مفهوما في مكان يكون الكلام عن قدرة محدودة ، كأن يستطيع أحد أن يؤدي عملا بصورة جيدة ، والآخرة لا يؤديه بصورة جيدة ، بل بمشقّة ، أمّا حين يكون الكلام على قدرة لا حدّ لها ، فلا معنى للصعب والهيّن هناك!

وبتعبير آخر : إنّ حمل «أعظم الجبال» على الأرض بالنسبة إلى الله وحمل أخف الأشياء عليها عنده سواء ، لقدرته التي لا يعظم عليها شيء.

وربّما كان لهذا السبب أن عقّب القرآن في ذيل الآية مباشرة بالقول :( وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) .

لأننا لو تصورنا أي وصف كمالي لأي موجود في السماء والأرض ، من علم

__________________

(١) ينقل «الفخر الرازي» عن «الزمخشري» في تفسير الكشّاف أن الله قال في شأن ولادة عيسىعليه‌السلام دون أب «هو علي هين» ولأنّ كلمة «عليّ» مقدمة ، فهي دليل على الحصر ، أي إن هذا العمل سهل علي فحسب لا على سواي ، أمّا في هذه الآية محل البحث فقد قال : سبحانه :( وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ) فلا يستفاد منها الحصر ، وهي إشارة إلى أن كل من يستطيع أن يؤدي عملا في البداية فهو قادر على إعادته أيضا «فلاحظوا بدقة».

٥١٢

وقدرة وملك وعظمة وجود وكرم ، فمصداقه الأتم والأكمل هو عند الله ، لأنّ الجميع لديهم المحدود من الصفات ، إلّا هو وحده فإنّ لديه الأوصاف غير المحدودة ، والجميع لديهم أوصاف عارضة ، أمّا أوصاف الله فذاتية ، وهو مصدر الكمالات وأساسها.

حتى الألفاظ التي تجري على ألسنتنا لبيان مقاصدنا يوميّا لا يمكن أن تكون مبينة لأوصافه كما هو في تعبير «أهون» الذي نجده مثلا عندنا.

والجملة الآنفة هي كالآية (١٨٠) في سورة الأعراف ، إذ ورد فيها( وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها ) والآية (١١) في سورة الشورى إذ يقول :( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) .

وتنتهي الآية ـ بما هو ضرب من التأكيد أو الدليل ، إذ يقول سبحانه :( وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) .

هو عزيز لا يقهر ، إلّا أنّه وفي منتهى قدرته غير المحدودة لا يصدر منه فعل غير دقيق ، فكل أفعاله وفق حكمته.

وبعد بيان قسم آخر من دلائل التوحيد والمعاد في الآيات المتقدمة ، يتناول القرآن موضوع «نفي الشرك» في مثال بيّن فيقول :( ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ ) .

هذا المثال هو لو كان لديكم ـ أيّها المشركون ـ عبيد ومماليك فـ( هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ ) أي أن عبيدكم هؤلاء يشاركونكم في أموالكم وفي ما رزقناكم. بحيث تكونون أنتم وعبيدكم سواء في مالكية هذه الأموال والنعم وتخافون أن يتصرفوا في هذه الأموال بشكل مستقل كما هو الحالة في تصرف شركاءكم الأحرار فيها أو في الميراث مثلا فأنتم غير مستعدين لأن يتصرفوا في أموالكم.

٥١٣

فلو كان لكم عبيد وملك يمين «وهو ملك مجازي» لما رضيتم بمثل هذا الفعل منهم ، فكيف تتصورون المخلوقات التي هي ملك حقيقي لله شركاءه! أو تزعمون أن بعض الأنبياء كالمسيح أو ملائكة الله أو بعض المخلوقات الأخرى كالجن أو الأصنام الحجرية والخشبيّة شركاءه ، ألا ساء ما تحكمون!!

المملوكات المجازية التي يمكن أن تتحرر وتنعتق بسرعة ، وتكون في صفوفكم ومن أمثالكم «كما جرى ذلك في الإسلام» ـ لا تكون حالة كونها مملوكة ـ في صف مالكها ، وليس لها حق التدخل في منطقة نفوذه ، فكيف تجعلون العبيد الحقيقيين أو المملوكات الحقيقية شركاء الله ، في حين أنّهم متعلقون بالله ذاتا ووجودا ، ولا يمكن أن يسلب هذا التعلق بالله والارتباط به منهم ، وكل ما عندكم فمن عنده ، وما أنتم بشيء من دونه!.

قال بعض المفسّرين : إنّ هذه الآية ناظرة لما قاله المشركون من قريش ، عند التلبية في مناسك الحج ، إذ كانوا يقولون عند التلبية «لبيك ، اللهم لا شريك لك ، إلّا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك» هكذا كان محتوى تلبية المشركين(١) .

وبديهي أن شأن نزول هذه الآيات شأن سائر الآيات في نزولها ، إذ لا يحدد معنى الآية ، كما هي في الوقت ذاته جواب لجميع المشركين ، هي مستقاة من حياتهم أنفسهم التي تدور حول الرق والمملوكين ، وتحتج عليهم احتجاجا متينا.

والتعبير بـ( ما رَزَقْناكُمْ ) يشير إلى هذه اللطيفة ، وهي أنّكم لستم المالكين الحقيقيين لهؤلاء العبيد والمماليك ، ولا المالكين الواقعيين للمال ، لأنّ كل ذلك لله وحده ، ولكنّكم غير مستعدين لأن تخوّلوا مماليككم المجازيين بالتصرف في أموالكم المجازية وتعدّوهم شركاءكم ، في حين أنّه لا يستلزم محالا ولا مشكلة من الناحية التكوينية لأنّ الكلام يدور مدار الاعتباريّات.

غير أن التفاوت بين الله ومخلوقاته تفاوت تكويني ولا يتغيّر ، وجعل هذه

__________________

(١) تفسير الميزان وتفسير مجمع البيان وتفسير نور الثقلين ذيل الآية محل البحث.

٥١٤

المخلوقات شريكة لله من سابع المستحيلات.

ومن جهة أخرى فإنّ عبادة أحد الموجودات ، إمّا لعظمته ، أو لأنّه ينفع ويضر الإنسان ، إلّا أن هذه المعبودات لا تنفع ولا تضر(١) .

ويعقب القرآن في ختام الآية للتأكيد والدقة على مضمون السؤال ، فيقول :( كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) .

أجل ، نذكر لكم الحقائق من الأمثلة الواضحة في حياتكم لتفكروا فيها ، ولكيلا تنسبوا لله ـ على الأقل ـ ما لا ترضون أن تنسبوه لأنفسكم!.

غير أنّ هذه الآيات البينات وهذه الأمثلة الواضحة هي لأولي الألباب ، لا للظالمين عبدة الهوى الجهلة الذين قلوبهم أسدال الجهل ، واستوعبت آفاقهم الخرافات والعصبيات ، لذلك يضيف القرآن في الآية التالية قائلا :( بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) .

ولذلك فإنّ الله خلّى بينهم وبين أنفسهم بسبب أعمالهم السيئة ، فتاهوا في وادي الضلالة( فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ ) ؟!

والتعبير بـ «ظلموا» مكان «أشركوا» إشارة إلى أن الشرك بعد أعظم الظلم : فهو ظلم للخالق ، إذ جعله مخلوقه إلى جانبه وأشركه معه (ونعرف أن الظلم أن تضع الشيء في غير موضعه).

وظلم للخلق ، إذ منعوهم عن طريق الخير والسعادة «طريق التوحيد».

وظلم لأنفسهم ، لأنّهم أطلقوا جميع وجودهم وكيانهم للريح ، وظلوا في مفازة عمياء! وبيداء قفراء.

وهذا التعبير ـ ضمنا ـ مقدمة للجملة التالية ، وهو إنّما أضلهم الله عن طريق

__________________

(١) فسّر بعض المفسّرين جملة «تخافونهم كخيفتكم أنفسكم» بهذه المناسبة تفسيرا آخر ، حاصله أنّ هؤلاء المعبودين ليست لديهم القدرة حتى تخافوهم كما تخافون من بعضكم ، فكيف إذا كان الخوف أكثر! «إلّا أن التّفسير الذي ذكرناه في البداية يبدو أقرب للنظر».

٥١٥

الحق فبظلمهم ، كما جاء مثل هذا التعبير في سورة إبراهيم الآية (٢٧)( وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ ) .

ولا شك أن من يتركهم الله ويخلّي بينهم وبين أنفسهم فـ( ما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ ) .

وبهذا يوضح القرآن عاقبة هذه الجماعة المشؤومة ، ولم لا تكون كذلك؟! وهم يرتكبون «أعظم الذنوب وأعظم الظلم» ، إذ عطلوا عقولهم وأفكارهم عن العمل ، وتركوا شمس العلم خلف ظهورهم ، وتوجهوا إلى ظلمة الجهل والهوى.

فمن الطبيعي أن يسلب الله منهم التوفيق ، ويتركهم في ظلماتهم ، وما لهم من ناصرين ولا معينين!.

* * *

٥١٦

الآيات

( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٠) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٣٢) )

التّفسير

كان لدينا حتى الآن أبحاث كثيرة حول التوحيد ومعرفة الله ، عن طريق مشاهدة نظام الخلق ، والاستفادة منه لإثبات مبدأ العلم والقدرة في ما وراء عالم الطبيعة ، بالاستفادة من آيات التوحيد في هذه السورة!

وتعقيبا على الآيات الآنفة الذكر ، فإن الآية الأولى من هذه الآيات محل البحث ـ تتحدث عن التوحيد الفطري ، أي الاستدلال على التوحيد عن طريق المشاهدة الباطنية والدرك الضروري والوجداني ، إذ يقول القرآن في هذا الصدد :( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ) لأنّها( فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) .

«الوجه» معناه معروف ، وهو مقدم الرأس. والمراد به هنا الوجه الباطني ،

٥١٧

ووجه القلب والروح فعلى هذا ليس المراد هنا من الوجه أو المحيّا وحده ، بل التوجه بجميع الوجود ، لأنّ الوجه أهم أعضاء البدن!

وكلمة «أقم» مشتقة من الإقامة ، ومعناه الاستقامة والوقوف بثبات (على قدم راسخة)

وكلمة «حنيف» مشتقة من «حنف» ، ومعناها الميل من الباطل نحو الحق ، ومن الاعوجاج نحو الإستواء والاستقامة ، على العكس من «جنف» على وزن «حنف» أيضا ، ومعناها الميل من الإستواء إلى الضلالة والاعوجاج.

فمعنى الدين الحنيف هو الدين المائل نحو العدل والإستواء عن كل انحراف وباطل وخرافة وضلال.

فيكون معنى هذه الجملة بمجموعها ، أن وجّه نفسك دائما نحو مبدأ ومذهب خال من أي أنواع الاعوجاج والانحراف ، وذلك هو مبدأ الإسلام ودين الله الخالص والطاهر(١) .

إنّ الآية المتقدمة تؤكّد على أن الدين الحنيف الخالص الخالي من كل أنواع الشرك ، هو الدين الذي ألهمه الله سبحانه في كل فطرة ، الفطرة الخالدة التي لا تتغير ، وإن كان كثير من الناس غير ملتفت لهذه الحقيقة.

والآية المتقدمة تبين عدة حقائق :

١ ـ إنّ معرفة الله ـ ليست وحدها ـ بل الدين والإعتقاد بشكل كلي وفي جميع أبعاده هو أمر فطري ، وينبغي أن يكون كذلك ، لأنّ الدراسات التوحيدية تؤكّد أن بين جهاز التكوين والتشريع انسجاما لازما ، فما ورد في الشرع لا بدّ أن يكون له جذر في الفطرة ، وما هو في التكوين وفطرة الإنسان متناغم مع قوانين الشرع!

__________________

(١) الألف واللام في كلمة «الدين» هما للعهد ، وهما هنا إشارة إلى الدين الذي أمر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يبلغه ، أي دين «الإسلام».

٥١٨

وبتعبير آخر : إنّ التكوين والتشريع عضدان قويان يعملان بانسجام في المجالات كافة ، فلا يمكن أن يدعو الشرع إلى شيء ليس له أساس ولا جذر في أعماق فطرة الإنسان ، ولا يمكن أن يكون شيء في أعماق وجود الإنسان مخالف للشرع!

وبدون شك فإنّ الشرع يعين حدودا وقيودا لقيادة الفطرة لئلا تقع في مسار منحرف ، إلّا أنّه لا يعارض أصل مشيئة الفطرة ، بل يهديها من الطريق المشروع ، وإلّا فسيقع التضاد بين التشريع والتكوين ، وهذا لا ينسجم مع أساس التوحيد.

وبعبارة أخرى : إنّ الله لا يفعل أعمالا متناقضة أبدا ، بحيث يقول أمره التكويني : افعل! ويقول أمره التشريعي : لا تفعل.

٢ ـ إنّ الدين له وجود نقي خالص من كل شائبة داخل نفس الإنسان ، أمّا الانحرافات فأمر عارض ، ووظيفة الأنبياء إذن إزالة هذه الأمور العارضة ، وفسح المجال لفطرة الإنسان في الإشراق.

٣ ـ إنّ جملة( لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ) وبعدها جملة( ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ) تأكيدان آخران على مسألة كون الدين فطريا ، وعدم إمكان تغيير هذه الفطرة! وإن كان كثير من الناس لا يدركون هذه الحقيقة بسبب عدم رشدهم كما ينبغي!

وينبغي الالتفات إلى هذه اللطيفة ، وهي أن الفطرة في الأصل من مادة «فطر» على زنة «بذر» ومعناها شق الشيء من الطول ، وهنا معناها الخلقة ، فكأن ستار العدم ينشق عند خلق الموجودات ويبرز كل شيء منها.

وعلى كل حال فمنذ أن وضع الإنسان قدمه في عالم الوجود ، كان هذا النور متوقدا في داخله ، من أوّل يوم ومن ذلك الحين!

والرّوايات المتعددة التي وردت في تفسير الآية تؤيد ما ذكرناه آنفا ، وسنتحدث عن ذلك لاحقا إن شاء الله ، بالإضافة إلى الأبحاث الأخرى في مجال كون التوحيد فطريا.

٥١٩

ويضيف القرآن في الآية التالية : ينبغي أن يكون التفاتكم للدين الحنيف والفطري حالة كونكم( مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ) فأصلكم وأساسكم على التوحيد ، وينبغي أن تعودوا إليه أيضا.

وكلمة «منيبين» من مادة «إنابة» وهي في الأصل تعني الرجوع المكرر ، وتعني هنا الرجوع نحو الله والعودة نحو الفطرة (التوحيدية) ومعناها متى ما حصل عامل يحرف الإنسان عقيدته وعن أصل التوحيد فينبغي أن يعود إليه ومهما تكرر هذا الأمر فلا مانع من ذلك الى أن تغدو أسس الفطرة متينة وراسخة ، وتغدو الموانع والدوافع خاوية ويقف الإنسان بصورة مستديمة في جبهة التوحيد ، ويكون مصداقا للآية( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ) .

وممّا ينبغي الالتفات إليه أن أقم وجهك جاءت بصيغة الإفراد ، وكلمة «منيبين» جاءت بصيغة الجمع ، وهذا يدل على أنّه وإن كان الأمر الأوّل مخاطبا به النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا أن الخطاب ـ في الحقيقة ـ لعموم المؤمنين وجميع المسلمين.

ويعقب على الأمر بالإنابة والعودة إليه ، بالأمر بالتقوى ، وهي كلمة تجمع معاني أوامر الله ونواهيه ، إذ يقول :( وَاتَّقُوهُ ) أي اتقوا مخالفة أوامره!.

ثمّ يؤكّد القرآن على موضوع الصلاة من بين جميع الأوامر فيقول :( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ ) .

لأنّ الصلاة في جميع أبعادها ، هي أهم منهج لمواجهة الشرك ، وأشد الوسائل تأثيرا في تقوية أسس التوحيد والإيمان بالله سبحانه.

كما أنّه يؤكّد في نهيه عن «الشرك» من بين جميع النواهي فيقول :( وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) .

لأنّ الشرك أعظم الذنوب وأكبر الكبائر ، إذ يمكن أن يغفر الله جميع الذنوب إلّا الشرك بالله ، فإنّه لا يغفره. كما نقرأ في الآية (٤٨) من سورة النساء( إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ) .

٥٢٠

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592